P25


تنهد أنفاسه بتعب يقود سيارته نحو المنزل بعد يوم طويل، يتذكر أخر كلمات جون فيبتسم بشئ من الراحة .. ربما لم يخبر أحد عمَّ يرغب بفِعله لإستعادة المفقود لكن ذلك نوعًا ما يريحه .. ثم اختفت ابتسامته يتذكر آش و أفعاله .. عليه أن يجد طريقة يصلح كل ما يحيط بذلك الصبي!

أبطأ السيارة تدريجيًا مع مرورها داخل أسوار المبنى الذي يسكنه مع أخيه و إبنه ليجد آكيرا يقف أمامه في ملل واضح قائلًا تزامنًا مع خروجه من السيارة:
" لقد إتصل بي أندرو من هاتف المنزل يخبرني ما فعله آش به .. حسنًا أخي أتفق مع ما فعله إبنك الأحمق بشأن ما فعلته."

و ما كان منه الا أن يتنهد مجددًا باستياء، فهل آكيرا يدعم أفعال ذلك الطفل الآن؟!

_"ماذا فعلت مع جون أخي؟ .."

هنا و نظر مباشرةً إلى أخاه قبل أن يبتسم بشئ من الراحة:
" لقد علمتَ بمكانه لكن الأمر يتطلب بعض الوقت."

اتسعت ابتسامة آكيرا رادفًا بسعادة :
" أخبرتُك جون سيفعلها! .. هو رفيقي و أنا أعرفه!"

أومأ آرين بخفة بينما يسيران داخل البناية سويًا:
" أجل .. من الجيد ذلك اليوم أننا استعنَّا برفيقك لرؤية الكاميرات في الحديقة للتوصل لذلك الشخص .. "

_"لا تنسى أنه كذلك مَن فكر بتلك الصفقة ليخدع هؤلاء الخاطفين و لولا خطته ما كنا توصلنا لهم رغم خروج الأمر عن سيطرتنا قليلًا. "

نطق آكيرا بامتنان فابتسم آرين ينظر نحو سعادة أخيه بسعادة، لم يرى ابتسامته الصادقة تلك منذ موت أسرته .. نظر أمامه يتوقف أمام باب شقته، يتذكر أن عليه خوض شوط كبير لوضع حل مع صغيره المتمرد .. فتح الباب ليستقبله هدوء شديد و فوضى عارمة ، دلف و خلفه آكيرا الذي استقر بصره على جلوس آش أمام التِلفاز متربعًا و في حُضنه طبق من الفوشار يستخدمه بينما يستمع إلى الفِلم بحماس متجاهلًا فوضى المنزل الذي سبَّبها.

تحرَّك آكيرا نحو الجالس ليرمي ذاته جواره مُفزعًا إياه دون أن يُبالي بذلك بينما اتجه شقيقه ليُغلِق التِلفاز مُكتفًا ذراعيه إلى صدره بضيق و نظرة حادة يُوجهها نحوه، فعبس آش يترك الطبق من يده جانبًا ليُبادل أباه بنظرة عابسة يفتح فمه ليتذمر فيُقاطعه حِدة صوت والده قبل ذلك:
" آش ألن تتوقف عمَّ تفعل؟! "

أخرس كلماته يزداد عبوسِه، و أشاح بوجهه بعيدًا لينطق بكبرياءٍ مُكتفًا ذراعيه أمام صدرِه:
" ليس ذنبي، لقد خدعتني و تركت رجل غريب يحرسني في الشقة كأني طفل صغير، و مجددًا أبي لستُ طفلًا! "

صاح نهاية حديثِه متذمرًا ثم نهض يترك مكانِه لكن كف آرين طالتَهُ ليتوقف أمامه مُجبرًا، جذبه بغِلظة صائحًا به بعد أن فقد هدوئه:
" آش لما لا تفهم؟ لقد كان لمصلحتك! .. لم أكن أريدك أن تجلس وحدك.."

" فتتركني مع رجل لا أعرفه؟! .. أتظنني أحتاج لمُربية؟! " قاطعه يبتعد عنه بعصبية ، بينما عقد آرين جبينه بغِلظة، و من خلفهما آكيرا تنهد بسبب وجع الرأس الذي يُسببانه لهُ!

" لا ترفع صوتك و أنا أُحدثُك آش! "
صرخ به بغِلظة يجذبه مجددًا نحوه بعد أن أفقدهُ أعصابه، و ذلك جعل آكيرا ينهض بسرعة ليقف بينهما دافعًا شقيقه للخلف خُطوة و صائحًا:
" توقفا! .. إهدأ أخي، و أنتَ آش غادر إلى غرفتك! "

كلاهما تبادلا النظرات بغضب قبل أن يلتفت آش و يُغادر مُستاءً لكنه تسمر مع مرور كلمات والده لأذنيه:
" اليوم سيأتيك الطبيب لتجلس معه .."

التفت يُطالعه باستنكار:
" طبيب؟! .. عن أي طبيب تتحدث أبي؟!"

فرد عليه بحِزم:
" طبيب نفسي يا آش، ستجلس معه لنعرف ما بك؟"

هنا و قد جُن جنونه يصيع بانفعال:
" لن أفعل! "

-"بلى ستفعل مُجبرًا آش، ستفعل! "

تقدم الأصغر يصيح بعصبية:
" لن أفعل! و لو حدث أقسم أني سوف أقتل نفسي! "

أحاط بهم الصمت المريب ، تبادل فيه الاب و إبنه نظرة غاضبة، فقاطعها الأكبر بأخذهِ لهاتفه و الاتصال بأحدهِم، ثوانٍ تحت مُراقبة من آش و آكيرا، ثبَّت آرين نظره نحو الفتى قائلًا بجمود:
" دكتور ميكايل؟ ... أنا آرين أليكساندر، هل يُمكنك المجيئ اليوم لبِدء أول الجلسات النفسية؟ ... حسنًا السابعة أنا متفرغ".

و أغلق، و معها ترقرقت عيناه بالدموع ثم صاح بحِقد ، لا يُصدق ما فعله أباه:
" لما فعلت ذلك؟! لستُ مجنونًا لتفعل ذلك لي! "

تبادل معه الصمت، ثم ذلك أزعج الأصغر ليلتفت يَبحث عن أي شئ يُنفث فيه غضبه، و بما أنَّ الطاولة الزجاجية جوارِه فقد قلبها رأسًا على عقب ، فتناثرت قِطع الزجاج بينما وقف يُحدق في الانعكاس الذي يُظهر نصف وجهه الغاضب، كاد يتحرك لكن هناك ذراع جذبته للخلف لترتطم كف آرين بوجنته!

ظل ينظر عبر ذلك الانعكاس بأعيُن صادمة و وِجنته الحمراء كان هو يتحسسها بكفه في حذر و ألم، و مِن خلفه وجد آرين يبتعد تاركًا تمتمة مؤلمة شعر بها تكسر قلبه بعُنف:
" ليتك لم تكن موجودًا."

عض على شفتيه و منع عيناه من ذرف دموعها، لكنها انزلقت فورًا ما إن احتضنه آكيرا من الخلف يزفر أنفاسه بألم! .. لم يتخيل أحدهم أن يصل الأمر إلى هذا الحد المؤلم!

_في السابعة و النصف مساءً...

كان يستلقي فوق أريكة شقتهم و أمامه على المقعد كان رجلًا في الاربعين، يرتدي قميصًا أبيض و بنطال أسود، ينظر من خلف نظارته بابتسامة لطيفة نحو الفتى العابس الذي تكلم فجأة بتسلُط:
" إسمع، أنا مُجبر على الجلوس أمامك و التحدث معك، لذا أريد أن تُغادر و تخبر أبي أني بخير."

همهم الرجل بالموافقة مسايرًا ثم سأل فجأة:
" و لما أنتً مُجبر؟ .. أكنت .."

_" لا شأن لك! غادر فقط! "

عدل الطبيب نظارته و ابتسم بخفة، ثم أردف بنبرة مريحة:
" كم عُمرك يا آش؟ "

أغلق فاهه و أعطاه نظرة صارمة دون أن يُجيب ، و ذلك لم يستدعِ الا إبتسامة الرجل بأن تتسع و هو يُضيف:
" عنيد! "

_" لستُ كذلك! "
تذمر و ذلك لم يجعل المعني الا أن يضحك ، فاشتعل آش غضبًا و التفت يُعطيه ظهره و يتجاهله .

طال بينهما الصمت، حتى قطعه ميكايل مُخاطبًا إياه:
" أخبرني لما تُعاندني؟ "

فتح المعني عيناه و التفت نحو المعني بعدما جلس معتدلًا .. راقبه لثوانٍ معدودة ثم رد بعبوس:
" لستُ أفعل، فقط لا أريد أن أبدو مجنونًا أو ..."

" و هل يُعد الأمر جنونًا؟ .. هذا علاج مثل أي علاج أخر .. " صمت لثانية ثم ابتسم يُعدل نظارتِه:
" أنظر إليّ! .. لا بأس إن أردنا خصوصية لأنفسنا قليلًا! .. مثلًا أن يتركنا الأخرون نبكي على أتفه الأسباب، أو أن نفعل ذلك دون اهتمام للآخرين! .. أننا نحن و ليس هم .. لذا عليكَ التفكير بنفسك قبل الأخرون."

صمت و ظل يُحدق في الفتى الذي سُرعان ما ابتسم بتردد يهمس:
" حسنًا، معك حق! "

تبسم الطبيب و بعثر خصلاتِه ينطق بينما يكتب شيئًا ما في دفتره:
" سأُنهي الجلسة هذه، سنحتسب هذه الجلسة للتعارف فقط .. حتى آتِي المرة القادمة عليك تناول هذه الأدوية، حسنًا؟ "

و بهزة من رأسه فهم الطبيب أنه اقتنع بحديثِه ، لذا نهض يمد راحته مبتسمًا و ذلك جعل من الأصغر يُصافحه .

العبوس عاد لملامحه، قبل أن يشعر بنفسِه يكتئب، أراد أن ينهض لغرفتِه لكن هناك شعور بتلاشي الطاقة يستولي على جسدِه..

_" هل قتلك؟ .. لا أظنه فعلها. "

سمع حديثه الغاضب من خلفِه، توبيخ قاسٍ منه، و رغم ذلك منع نفسه من الرد عليه، لمعت عيناه بالدموع و قرر الصمت قبل أن يشعر حقًا بدموعه تبلل وجنتيه و ينفجر بالبكاء! .. لذا قرر اغماض عينيه تاركًا ظهرَهُ مقابلًا لوقوف والدِه الضجِر من تصرفاتِه و الذي تنهد بألم.

.
.

في منتصف الليل، عيناه انفتحت بهدوء و تعب، أنفاسه تتسابق بوتيرة غير منتظمة .. لقد كان يُعاني من كابوس مرعب لم يتبين تفاصيله لكنه مرعب!

اعتدل ليجد نفسه لا زال يستلقي فوق الأريكة، المنزل شِبه مظلم و الهدوء يُحيطه من كل حدبٍ و صوب .. نهض يتجه نحو المطبخ لكنه في طريقِه تعثر بالسجاد و سقط على ركبتيه بسبب عدم انتباهه.

تنفس بألم بينما ينهض، زفر بضيق و نظر أمامه يحاول تبيُّن الظلام ليتوقف .. تتسع عينيه و ترتجف شفتاه بفزع .. و أمامه كان يراه، واقفًا يُعطيه ابتسامة خبيثة، جوارِه كان صديقِه مُغطى بالدماء ينظر له بغضب، و ثم ظهرت هي، بنظرة حاقدة جعلته يتراجع، يُصيبه الصداع و التشوش! .. هو يحلُم! هو يتخيلهم فقط! .. لا أحد حقيقي هنا! لا أحد! ..

تراجع أكثر تضعف مُقاومته فجأة ثم تنغلق عيناه و يتلاشى وعيه وينهار جسده ليتلقاه والدِه الذي رفعه بسرعة فزِعًا! .. لقد سمع الضجة و حينما خرج يتفقده وجده يضطرب بفزع و سرعان ما وجده ينهار!

لا يُدرك ما يحدث لابنه، لكنه شعر بالذنب لتركه ينام وحده بعد ما حدث اليوم! .. حمله بين يديه و أخذه لغرفته!

_" آش أنتَ بخير؟ .. آش استيقظ! "

نده عليه يُكوِّب وجهه بين يديه بلُطف، يُمرر مَسحة لطيفة على وجهه مُبعدًا من خلالها خصلاتِه خلف أذنيه، بينما يُهدئ قلبه المضطرب عليه.

بدأ يفتح عيناه بتعب، ليجد والده يُوقظه بملامح قلقة، هو لم يكن يعي ما يحدث .. يده تلقائيًا ارتفعت لتتمسك بياقة والده ثم حشر وجهه في كتفه بارهاق غير طبيعي، و بالمقابل كان آرين قد لف ذراعيه حوله لعلَّ ذلك يُوصل طمأنينة لقلبِ طفلِه.

_" لا تبتعد .. عني .."

كان يود اخباره عن كم هو خائف، مرعوب، و لا يشعر بالأمان البتة، لكن لسانه ثقيل .. وعيه يعود للتلاشي فجأة و لولا يدي والده و همساته ما كان سيبقى واعيًا.

_" غدًا صباحًا سوف أخذك للمشفى لأطمئن عليك."

قال، و لم يُجادل الأصغر الذي راح يغفو، بينما ينكمش في حضن والده الذي استشعر حرارة جبينِه، و تنهد مُرهقًا يتذكر كلماته بالصباح فيشعُر بالندم، فلحظات الغضب تلك سيئة، يُخرج الانسان حديثًا فظًا يندم عليه حين يهدأ.

و بالفعل صباحًا، كان يقف أمامه، هناك نزلة برد أصابته، و حرارة جسده في ازدياد، ما يلبث كل خمس دقائق حتى يعطس، و ذلك جعل آرين يلتفت له و يضحك بخفة:
" أنفُك أصبح كالطماطم! .. لا أعرف كيف أُصبت بتلك العدوى لكن تبدو لطيفًا هكذا."

و الأصغر أعطاه نظرة عابسة قبل أن يتذمر بضيق:
" هل ترى معاناتي شيئًا مُضحكًا؟! "

و مرة أخرى التفت ينتقي ملابسه و هو يضحك، ثم التفت لا تزال هناك علامات لضحكاتِه على ملامحه، بينما يجلس جواره و يُساعده بارتداء ملابسه.

_" أخي أنا ذاهب للمدرسة، أتحتاج لشئ قبل مُغادرتي؟ "

صاح آكيرا فجأة، بينما يرمق أخاه و ابنه متعجلًا، فهمهم الأكبر نافيًا لذا غادر الأوسط فورًا.

أثناء انشغال آرين بتعديل أزرة قميصه وجده ينحني نحوه ليستند عليه، فمسح على خصلاتِه يسأله ببعض القلق:
" هل أنتَ بخير؟ "

همهم نافيًا و هو يتمسك ببدلة والده هامسًا بصوت مختنق:
" أشعر بالدوار، و الغثيان.."

ثم صمت يُغلق عيناه بقوة و يتنفس بثِقل، و ذلك جعل آرين يتنهد بضجر لكن نبرته المتسائلة جعلته ينظر نحو الفراغ بندم حيث قال:
" أبي هل أنتَ .. غاضب مني؟"

و ذراعيه إلتفَّا حوله ببسمةٍ بسيطة يُجيبه بهدوء:
" لستُ غاضبًا صغيري، ثم أنا مَن أخطأت في حقك أمس .. هل سامحتني؟"

إبتعد عنه لينظر له بضيق يجيبه بصراحة:
" حسنًا إستأتُ حين تمنيتَ عدم وجودي .. لكني أسامحُك أبي."

امتدت يده يمسح بها على خصلاته الليلة الكثيفة قائلًا:
" كانت لحظة غضب لكني لم أقصدها. "

أومأ و لحظات حتى ابتسم ينطق:
" و الآن هيا بنا صغيري."

وصلا إلى المشفى بعد ساعة، تقريبًا كانت الصورة عند آش أصبحت مشوشة، و ثقلٍ ما أصاب وعيه، بينما أنفاسِه كانت مُختنقة، و رغم ذلك بطريقةٍ ما ساير والده بالمسير نحو الداخل ليستلقي على أحد الأسِرَّة الخاصة بالفحص ينتظرون الطبيب و الذي أتى بعد خمسة عشر دقيقة من انتظاره.

وضع سماعتِه جانبًا ، ينظر بعدها لـ مقياس الحرارة ثم يتنهد مُخاطبًا آرين:
" أنها نزلة برد قوية، هذا مبدأيًا .. حين أرى نتيجة التحاليل الطبية سوف أخبرك ما يوجد بها. "

همهم للطبيب الذي غادر بعدما أومأ له ، كف آرين كان يضغط فوقموضع وريده في ظاهر يده بعدما أخذوا منه عيِّنَة و غادروا منذ بضع دقائق.

تعلَّقت عيناه ينظر للسقف بإرهاق بينما يستند إلى كتف أبيه، ثم أغلقها .. يتذكر فجأة كل معاناتِه في منزل سامويل .. حبسِه بالقبو بالأيام، ثم تركه للمرض دون اهتمام!

ما بها الذكريات؟ ما تنفك أن تُعيد نفسها مرارًا و تكرارًا في أوقات ليست مناسبة، لتغدو أسيرًا لقوة الألم الذي يصير حائلًا بينك و بين السعادة!

عقل آش كان يعمل بالذكريات، لا يكد يُغمض جفنه الا و هناك ذكرى مؤلمة تتخلل عقله و تُذكره بكم أنه مشوه! .

يدُ والده التي وضعت على جبينه جعلته يعود للواقع، يفتح عينيه ثم ينظر بتعب نحو عيني والده الذي سأله بابتسامة قلقة:
" كيف تشعر؟ . . أخبرني؟ "

عاد ليُغمض عيناه، و بينما تتحرك يده لتمسك بيد والده الحرة همس بنبرة خاوية:
" بالكثير .. أشعر أنِّي أتآكل."

*
*

سامويل في تلك الأثناء كان يجلس مُبتسمًا ، لقد تطورت خطته بالفعل و ها هو يسير نحو نجاحها، و الذي بعد عدة أيام أخرى سيصل لما خطط له منذ ذلك اليوم ..اليوم الذي أرسل فيه رجاله لينهوون على حياة أسرة آليكساندر جَمعًا و الذي كُلِلَت بالنجاح بشكل تقريبي!

بالخارج كان يجتمع أبناءه الثلاثة مع مربيتهم، كانت الأخيرة عجوزًا و رغم ذلك كانت تنظر ليأسهم الشديد على عزلة والدهم ..

_" هل سوف نتركه يفعل ذلك حقًا؟ "

بادر مارك بغيظ هامسًا و عيناه تطرق ذاك الباب المغلق في الأعلى ثم عاد لينظر نحو أشقاءه بضجر، عين سام شردت في الفراغ قليلًا بينما مايكل تنهد بضيق يُجيب شقيقه باستنكار:
" انه والدنا، ماذا نفعل حقًا لنوقفه؟ .. "

قاطعه بنبرة غاضبة مُستنكرة:
" أتعني أن تتركانِه يسير بذلك الطريق؟! .. أخي لقد قتل أسرة كامـ.."

سارع مايكل باغلاق فمِ أخيه الأصغر بينما يُهسهس غاضبًا:
" إخرس! لو سمعنا سوف يُعاقبنا! "

دفع يده عنه و نطق بصوت منخفض غاضب:
" أخي لقد كنا نكره ذلك الفتى ظنًا أنه السبب في أخذ أبينا منَّا، و لكن أبينا مهووس به! .. لا تُدرك كم الصور التي في غرفة مكتبه عنه! .. والدنا مريض بذلك الولد! .. كما أنكم استمعتم لمكالمته تلك معي و تعرفون ما يفعله من خلف ظهورنا! .. لقد أصبح ملوث!"

_" مارك، اذهب لغرفتك."

ثلاثتهم سمعوا كلمات سام المفاجئة، و ذلك لم يجعل من غضب مايكل يهدأ، بل زادِه ليعترض:
" لماذا أخي سام؟.. لما عليّ الصمت و أنا لدي والد..."

نظرته الحادة أخرسته بينما يُقاطعه بغلظة:
" مارك، أنه والدنا، و نحن لا نُريد التدخل بشئ يخصه، مهما كان لا زال أبينا."

ترقرقت الدموع بعين مارك و رد مستنكرًا و رافضًا لكلمات أخيه الأكبر:
" عن أي والد تتحدث؟! .. لو نظرت أمامك سترى أنه لم يكن يُهمه أمرنا! .. حتى حفلتي التي أردته أن يأتي ليراني بها، لم يأتي و لم يهتم حتى بالتبرير و الاعتذار لي! .. كل حياته هي أن يفعل ما برأسِه فقط دون الاهتمام بنا .. لذا لا تتحدث و كأنه بريء! .. لقد أصبحت أخجل من كونِه والدي! ."

و التفت غاضبًا حزينًا، ليناديه سام بحدة:
" مارك توقف! "

لكن يد المربية أمسكت بيده، و حين نظرا لها قالت بخفوت و جدية:
" دعاه، لم يكن مُخطيء في مشاعرِه .. إما أن يعود والدكما لصوابِه و إما ابتعدوا عنه ..."

نظرت نحو عيني سام مباشرة و أكملت يائسة:
" سام، عليك أخذ إخوتك و الابتعاد عنه، أبيك لم يعُد كما كان .. لقد جُنَّ جنونِه بالفعل. "

كاد يُبرر لكنهم جفلوا جميعًا على صوت صرخة مارك، و انتفض سام مسرعًا يركض اتجاه الصوت الذي صرخ بالأرجاء بكل غضب و جبروت:
" كيف تجرؤ؟! "

صعد السلالم مهرولًا و خلفه شقيقه و تلك العجوز، لتتسع أعينهم بصدمة و تتسمر أجسادهم، أمامهم كان مارك واقعًا أرضًا يئن بألم و هناك كدمة جانب شفته مع بعض الدماء التي نزفت من لثتِه ، بينما والدهم يقف ثائرًا وسط ثوران الأوراق على الأرض بعشوائية، توسعت أعينهم لتلك الأوراق، كانت اغلبها صور و مخططات ، صور تخص أفراد تلك الأسرة، و لقد لاحظوا شيئًا قبل لملمته للأوراق بعصبية.. هناك علامة إكس تعلو كل صورة لفردٍ قد مات، عدى ذلك لمحوا صورة فارغة من تلك العلامة ، واحدة لآش و أخرى لفتى صغير!

_" أبي؟ .."
نبس سام يوقف ضربات قلبه التي دقت بعنف، لكن نظرات والده العصبية أخرسته بينما يسير مبتعدًا بعدما لملم أوراقِه.

حين اختفى عن أنظارهم تقدم مايكل من مارك ، ساعده بالوقوف و مسح دموعِه يقوم بتهدئته بكلماته، و بالمقابل ظل سام واقفًا، لا يُدرك عن أي مشاعر هو يشعر ؟ .. لكن حتمًا هناك شئ واحد ما لبث أن قُرِّرَ بعقله .. و هدف ما عليه سوى الوصول إليه قبل فوات الآوان، و قبل أن تنهار كل آمالِه التي وضعها لتأسيس حياة مثالية لأشقاءه.

*
*
*
يتبع..

فصل طويل نوعًا ما مع بعض الإضافات ❤️أتمنى أن ينال إعجابكم ❤️✨

و لنقول أنها رقم 3 ... في العد التنازلي فاستعدوا لتوديع الرواية و توديعي معها فلا عِلم لي متى العودة✨

أخبروني الآن رأيكم حتى هذه اللحظة في الرواية؟

هل هي جيدة؟ سردًا؟ حبكة؟ أحداثًا؟و شخصيات؟!

تقييم البارت؟

المشهد؟

توقعاتكم؟

إلى اللقاء في أخر بارتين في الرواية لنُغلق الواتباد بعدها لفترة أسميها «استراحة محارب »! ❤️✨

سلام ❤️✨

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top