P24
لم أكن يومًا هكذا، و لشدة ما كان بي كنت أود الانتقام، و مع الأيام و ما مررت به اكتشفتُ نفسي تدريجيًا أتحول لشخص جبان، مضطرب نفسيًا، لديه فوبيا من عدة أشياء لا وجود لها، مع مشاهدته للأموات يتحركون أمامه حين يشتد الضغط عليه!
لا حول لي و لا قوة سِرت أسير معه غصبًا عني، رؤيتي ليست صافية و جسدي الذي لم يتلقى طعامًا منذ أيام كان كفيلًا بفقدان طاقة لا مثيل لها، رأسي كان مصاب بصداعٍ حاد مع تدفق أفكاري لعقلي تمتزج مع الرعب الذي كان يُلازمني حقًا!
أنظر لظهرهما و لتلك اليد الضخمة التي تشد على ياقتي بقسوة حيث يسُوقني خلفه يدفع حلْقِه لإصدار بعض القهقهات و النكات دون أن يهتما أنهما يختطفان فتى لأجل قتله و بيع أعضاءه للحصول على أموال طائلة!
ما الذي عليّ فعله لأهرُب؟ لأبتعد أو حتى أموت لكن ليس على أيديهم القذرة! ..
شهقْتُ بعفوية منه حين توقفتُ فجأة إثر كفه الذي ثبتني بإمساكي من ذراعي ، التفت المعنيان يُحدقان بغلظة بالأخر الذي جذبني فجأة منهم و من قسوة ذلك رأيت اندفاع الزر بعيدًا بعدما قُطِع ، ليتلقى آرين جسدي الذي ارتخي بضعف مع حركته، احتضنني برفق و وجدت نفسي أُعانقه بلهفة رغم أني شعرت بجسدي يتخدر لأي حركة فِعلية تحدُث !
_" أبي؟ .. "
نطقت بصعوبة من شِدة ما أشعر، فمسح آرين على خُصلاتِي يرمقني بنظراتٍ حنونة و يهمس لي بأنه لا بأس هو معي، ثم بعد ذلك نظر نحوهما، و تلقائيًا نظرت لهما كذلك، كانت قد أحاطت بهما الشرطة بالفعل و أبي وقف أمامهما يتركني أرضًا، و مع توجه عيني نحوه دون رؤيتي لملامحه شعرت بذراعين تجذبني من خصري و بطريقةٍ ما صرخت مذعورًا و تملكني خوف رهيب لدرجة امتلاء عيني بالدموع و البكاء حين علمت فعليًا من أمسك بي، و لم يكن سوى سامويل الذي سمعته يقول:
" لا تخف مني."
أنا خائف منك، لن أكذب أنتَ رعبٌ قائم في حياتي، ابتعد عني لا تُمسك بي هكذا! .. لا تضع أناملك عليّ أو تلمس جُرحي! .. فقط متى أتيت و لما أنتَ مع ...أبي!
جذب آكيرا جسد آش دافعًا بسامويل بعيدًا، و أمسك به يحمله بعدما خارت قواه يفقد وعيه بين يديه، الصرخة التي رنت بأذنه مع وصلة نحيب و محاولة تملص كانت كفيلةٌ بتقدمهِ مسرعًا يتلقف ابن شقيقه من يد سامويل يُدرك فِعليًا أنَّ سامويل نقطة سوداء في حياة آش لن يتخلص منها الفتى بسهولة!
توسعت عينيه فجأة و صرخ:
" أخي توقف! "
لكن كان آرين قد دخل في مُشاجرة حادة مع سامويل و قد تعرض له بالضرب مما جعل الشرطة تُمسك بكلاهما!
-" إياك و لمسِه مجددًا، سأقطع يدك هذه إن فعلتها مجددًا! " صرخ بملء فمه تخترق كلماته كالسِهام عقل المعني الذي رمقه بغضب حاد بينما يمسح تلك الدماء عن فمه!
.
.
.
السماء كان مظلمة حينما دلف إلى الشقة و جواره والده الذي يُمسك معصمه و بجانبهما آكيرا الذي يُراقب الهدوء بقلق، يتذكر استيقاظ آش في المشفى بصمت يطلب فقط حضور والده إلى جوارِه و حينما فعل هو احتضنه بصمت، يتذكر معها كلمات الطبيب عن الجرح الذي وجده بخِصره إثر السقوط مع بعض الخدوش كذلك في وجهه و جسده! ذلك ...
هرب حبل أفكارِه مع رؤيته لجسد آش يسقط مجددًا لكن آرين يُمسك به بسرعة، قائلًا بتوبيخ:
" أرأيت؟ .. كان يجب احتجازك بالمشفى حتى تعود إليكَ صحتك."
عبس آش يتمسَّك بياقة والده بينما يهمس بحزن:
" أنا شعرت بالخوف من البقاء .. سوف أفعل كل شئ تطلبه لكن لا تبتعد عني."
مسح آرين على خصلاته و تنهد بضيق قبل أن يبتسم بقلة حيلة و يقول:
" حسنًا لا بأس، أنتَ هنا بأمان و لا تقلق لن أتركك هذه الفترة وحدك. "
" حقًا أبي؟ "
و بينما يرفعه عن الارض و يسنده إلى الأريكة نطق:
" سأخذ أجازة لأجلك ليس إلا! .. ثم سنقضي وقت ممتع معًا و نأكل الأيس كريم و البيتزا و الكثير من كيك الشيكولا .. ما رأيك؟ "
رغم ما قاله لكن عينه أدمعت، و عقله يُفسد عليه حياته مع تذكره لكلمات والدته قبل رحيلها، و الآن بات يُشكك في كلامها، أبيه لطيف جدًا معه و يُحبه! . . كما أنه يُدلله و لا يغضب عليه، يخاف عليه كذلك و يأتيه بكل ما يطلب .. فكيف بهكذا شخص أن يخونه و يتخلى عنه؟
_" أش؟ .."
رفع عينه لتتقابل مع خاصته، كان هناك نظرة عميقة رآها آش داخل تلك العينين المظلمتين .. ذراعه الأيسر التفت حول جذع الأصغر بينما يده الأخرى امتدت تُبعد عن وجهه الخصلات المتمردة لخلف أذنه ثم تتحرك يده لتتلمس خده برِفق يبتسم للنظرة الطفولية التي رآها في آش، طفله الذي لم يبقى غيره .. ثم قال فجأة صادمًا آش بكلماتِه:
" أنا لم أتخلى عنك ... لم يكن لدي عِلم بوجودك فلقد أخبرتني سيلينا أنها أجهضتك .."
صمت و لازال يرسم دوائر بإبهامِه على خد الأصغر الذي تصنم بصدمة ، فلم يكن لديهِ الجرأة على فتح ذلك الموضوع معه رغم كل شئ:
" لذلك لا تُفكر في وضع حدود أخرى بسبب الأمر .. أنا أعرف جيدًا أنَّ سيلينا أخبرتك أنني تركتك و تخليت عنك .. أنا أعرفها جيدًا و أعرف ما قد تفكر به .. لذلك سأخبرك بما يُدار في عقلك عني و عن والدتك .. لقد كرهتني سيلينا بسبب أنانيتها .. أحبَّت سامويل و أرادت الابتعاد عني و لكني لم أرغب لأنني أحببتها لذلك حاولت كثيرًا بشتى الطرق أن تبتعد حتى فعلت و لكنها لم تُحب أن تدع طفلها الحبيب يبتعد عنها حين يُولَد لهذا أخبرتني أنها أجهضتك و كان ذلم صادمًا علي كثيرُا لهذا ابتعدت دون فِعل أي شئ .. ثم تزوجت بعدها بعِدة سنوات من داڤيينا و أنجبت التوأم بعدة سنوات أخرى .. و رغم كل ما بنيتُه لقد انهار في لمح البصر حينما فقدت أسرتي ، و لكن عادت روحي لجسدي حينما وجدتُك بخير بعد ما حدث و أدركت أن شقيقك رين بخير في مكانٍ ما .. لم أتحدث عن الأمر من البداية رغم رغبتي بذلك كي لا تُصدم بشخصية والدتك .. و الآن لندع العالم يحترق، لكنك ستظل ابني و سوف أحميك بجسدي و روحي .. سأظل سندك دومًا يا آش."
و بعد كل تلك المشاعر التي هاجمته هو ابتسم ، يجد نفسه يضحك و يُعانق والده بسعادة كونه لم يكن الشخص السئ بالنهاية كما قال عنه سامويل و سيلينا!
الآن هو قادر بطريقةٍ ما على مواجهة العالم بسبب هذه المشاعر الدافئة!
الأيام التالية مرت ببطء و بكل هدوء ، و بعد عدة أيام من ذلك عاد من المدرسة وحده بعدما غاب عنها لفترة .. كان جالسًا بالصف يُشاهد شاردًا الحركة الخفيفة للأشجار التي تتوسط أركان مدرسته قبل أن يُغمض عيناه على نقراته فوق طاولته، ثم فتحها يوجهها بقلق نحو آكيرا الذي رمقه بحِدة ناطقًا :
" انتبه للشرح. "
همهم يُخفض وجهه عنه، فهَمّ آكيرا بالرحيل!
حين انتهت الدراسة كان قد وصل آش أولًا لأقرب أريكة في منزلِه، يُغمض عيناه و حقيبته ارتمت إلى جانبه في الأرض .
_" آش انهض غير ملابسك حتى يأتي الطعام، لقد طلبت من المطعم . " تكلم آكيرا بهدوء بعدما عاد من غرفتِه يرمق النائم بإهمال فوق الأريكة .. و حينما سمع جُملتِه تمتم بغيظ و هو يُدير له ظهره:
" منفصم! "
_" ماذا قُلت؟ "
لم يرد عليه و عبس تلتقط أذنيه صوت فتح الباب، رمقهما آرين بحيرة لثوانٍ ثم قال:
" ما بكما؟! "
آكيرا رمق آش بضجر فقد سمع ما قالِه بينما نهض آش يُبادل أباه نظرة عابسة قبل أن ينظر نحو عمه مخاطبًا والده بشكوى:
" أبي، عمي آكيرا يُعاملني بقسوة في المدرسة، و هنا يعود كالحمل الوديع! . . تصرفاتِه هناك تُزعجني حقًا! "
رمش المعني بعبوس، ثم اتجه بعيناه نحو أخاه الذي خاطبه:
" لماذا تفعل ذلك آكيرا؟ .. ما الأخطاء التي يفعلها كي تُعامله هكذا؟ "
تنهد المعني و هو يرمق الأصغر بتهديد:
" سأخبرك، يكون شاردًا أغلب الوقت، بدأت أسألهُ عمَّ شرحت فأجده غير مُدرك ما كنت أشرحه .. يُخفي ما يحدث معه أثناء غيابي، و الكثير أخي! "
حدق بعدها آرين في المعني، فعبس آش و نهض يبتعد عن المجادلة و يدلف نحو غرفته جاعلًا من والده يتنهد بتعب، لينظر نحو شقيقه رادفًا:
" لا بأس آكي، حاول فقط أن لا تفعل ذلك بقسوة بالغة، تعلم جيدًا حالتِه النفسية غير متوازنة ثم أنَّك شديد القسوة حقًا تجاه عملُك... "
و إذ يتلقى مسمعهما نهاية حديثِه صوت تحطم للزجاج في غرفة الأصغر، كلاهما دلفا للغرفة ليجداه واقفًا أمام المرآة يُحدق بها بخوف و يحتضن كفيّه إلى صدرِه بذعر و جسد يرتعش!
اقترب منه آرين فورًا يحتضن جانبه و يسأله عما حدث، فرفع عيناه نحوه بحدقتان مذعورتين ليتمتم بانهيار و خوف:
" كانوا جميعًا ينظرون لي يا أبي ... العمة داڤيينا .. رينا و جدي و .. و كارولينا .. حتى سديم ..! "
انزلقت دموعِه فجأة ليحتضن خصر والده رادفًا بصوت متشنج:
" كانوا يُعاتبوني لأمر لم أستطع فعلِه! .. أنا أسف لم أستطع فعل شئ لهم! "
كوَّب وجهه بين يديه ينحنى نحوه ليُخاطبه بتعاطف:
" لا بأس صغيري، لا أحد هنا ليلومك على ذنب لم تقترفه .. هيا ستنم في غرفتي، فأعصابك تالفة. "
همهم بموافقة و والده يقودِه نحو الغرفة خاصته، بينما يُرمي بنظرة نحو آكيرا التي تنهد قبل أن يُخرج رقمه و يتصل.
دثرُه بالغطاء بعدما جعله يُبدل ملابسُه لأخرى، جلس جوارِه يمسح على خصلات شعرِه، بينما يُراقب هدوءِه أخيرًا، لا يعلم ما يحدث معه حقًا! .. لقد أصبح مشوش بشدة!
نظر للسقف بشرود و لازالت أنامله تعبث في خصلات طفلِه ، يتذكر لتوِّه أمر تلك الحفلة التي يجب عليه حضورها فهو أحد شخصباتها المميزين ، هل يجعل آش يَحضر أم لا؟ ، ربما يُحضر له شخصًا يهتم به أثناء غيابِه؟
غفى تلك الليلة دون أن يشعر. و والده ظل جوارِه، لا يعلم ماذا عليه أن يفعل ليُساعد ابنه، لقد ظل شهورًا يتعذب بالفعل و تتبدل شخصيتِه من هادئة لجادة، و من شجاع لجبان و تتبادل أدوار شخصيتِه مع مرور الوقت دون أن يفهم أو يُدرك أن ابنه يتجه بذاتِه نحو اللاشعور، نحو فجوة ديجورية من أفكارِه المظلمة، ليسقط بها و تتآكل معها حياتِه، ليُصبح دون دراية منه إلى شخصٍ مريض، مريضٌ بأشباح الماضي!
بعد بضع أيام مرت بخفة و دون شعور من أحدهم، كان هناك حفلة ضخمة في يوم الأحد و تحديدًا بدأت في السابعة مساءًا ليحضر لها جميع الشخصيات العاملة في المجتمع الايطالي ذوي الشأن.
كان يرتدي حِلة سوداوية أسفلها قميص أبيض، تاركًا خصلاتِه الكثيفة مُمشطة برُقيْ، الأجواء الكلاسيكية للحفلة أعطته مساحة لينظر نحو المتواجدون، و رغم الكلمات المنمقة و الاحداث الأكثر نفاقًا كان يبتسم بعفوية، ينظر فجأة ليده حيث تشبثت حول يده ساعة سوداء أنيقة ذات عقارب ذهبية تتحرك مع مرور الوقت .. أنها السابعة و النصف، الكل حاضرًا و لكنه لا .. ربما كان أفضل له أن يترك أحدٌ معه، و لقد فعل كي لا يبقى وحدِه بالشقة.
عيناه تجوَّلت يبحثُ عن الشخص الذي آتى للحفلة لأجله .. ثم تنهد بضيق فلقد تأخر حقًا .
اقترب من رجلٍ و زوجته، ابتسم لهما مُرحبًا مع كثير من الكلمات المنمقة التابعة للحفلة، و كيف أنه مذوِق جدًا و رجل أعمال ممتاز، و الكثير بادله بابتسامة لطيفة مصطنعة.
ارتفع رنين هاتفه فجأة فهمهم للرجل و استأذن منه و زوجته كي يرد، و حينما ابتعد قليلًا يُجيب شهق يستمع للطرف الأخر قبل أن يُكشر محاولًا ضبط انفعالِه بينما يستمع إلى شكوى الرجل ثم نطق من أسفل أسنانِه:
" أعطي له الهاتف."
بالطرف الأخر، كان الفتى يبتسم ينظر لما فعله بالشقة مع الكثير من الحماس و الغضب الكامن داخله تجاه من قرر قرارًا دون استشارته به، و الرجل الذي يصرخ في أذن والده عبر الهاتف كان هناك خيط من الدماء يلوث جبهته بعدما دفع آش بالمزهرية تجاه وجهه فأصابَه!
أفاق من أفكارِه نحو الهاتف الذي مُد نحوه، فعبس و أخذ منه الهاتف يُجيب ببرود:
" ماذا تُريد؟ "
_" ماذا فعلت بأندرو؟! "
أبعد الهاتف عن أذنه يبتسم لنبرته الهامسة الغاضبة ثم أعاده ينطق بلا مبالاة:
" لم أقتله حتى الآن، لكن جيد ذكرتني بالأمر لذا الوداع أبي؟ ."
و أغلق المكالمة دون أن يستمع لأبيه، ثم نظر لحارسِه و ابتسم ببرود، لحظات حتى شهق الرجل و تتوسع عينيه و هاتفه يُقذف عبر النافذة المفتوحة!
_" أوبس! أسف لم أنتبه له في يدي .. لكن أبي يُمكنه تعويضك." تكلم مُدعيًا البراءة و المعني رمقه بفمٍ فاغر ثم نظر له بحقد، لكن الأخر فاجئه بدخولِه لغرفتِه و إغلاقِه للباب بقسوة في وجهه تاركًا كلماتِه الأخيرة تطرق طبلة أذنه:
" نظف الشقة و إن كنت رجلًا غادرها قبل عودتِه و لا تُريني وجهك مرة أخرى! "
أما عند آرين كان قد تنهد بتعب من أفعالِ إبنه قبل أن يلمح الشخص الذي ينتظره أمامه فعبس بضيق يهمس:
" تأخرت جون .."
و هنا ابتسم المعني غامزًا بثقة:
" و لكن نجح الأمر آرين."
*
*
*
يتبع..
العد التنازلي رقم 4 ...
أظن أن الرواية اقتربت ع النهاية ولا حياة لمن تنادي 🙂 لا تعليق
و الان تبقى ثلاث بارت فقط و ستنتهي ودعوها 🙂🤝
لن أسأل عن شئ، سلاااام ❤️
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top