p22
بدأ العديد بارتداد المدرسة مع بداية الصباح الباكر ، الجو كان لطيفٌ مع نسمةِ هواءٍ عليلة ساهمت بتحرك خصلاته الليلية التي قد طالت بالفعل أكثر من اللازم .. حرك تلك الخصلات المتمردة للخلف يقف يُحدق في من يُبادله النظرات بطريقة مُبهمة .. لكنه تجاهله و تقدم أكثر يتجاوزه بمشْيتِه، لا يهم، أنه اليوم الأول له في المدرسة في العام الدراسي الجديد و هذا الفتى ينظر له بطريقة مُريبة!
جلس أخيرًا في مقعدِه حيث كان أخر الصف جوار النافذة الزجاجية التي تجعله يرى كل شئ من خلفها في تلك الساحة الواسعة من داخل سور المدرسة .. كفه أسندت خدِه برفق يستأنس شرودِه .. ثم هدوء الفصل المفاجئ و حمحمات رجولية جعلتُه يُحوِّل عيناه نحو المعلم الذي فعل، و الصدمة التي غلبت ملامحه جعلته يتجمد مكانه بينما الأخر ينظر له بابتسامة، الجميع رآها عادية الا هو .. رغم ذلك جسده تجمد غير قادر على ادراك أي رد فِعل عمن يرآه بكل تبجُح أمامه!
" مرحبًا أنا معلمكم لمادة الرياضيات لهذا العام ، اسمي هو أونيل مايكلس .. عرفوني بأسمائكم؟ "
تحرك لكل طالب يستمع لإسمه حتى توقف أمام آش الذي ظل يُحدق به بصمت شاردًا، و ذلك جعل الأكبر يفرقع أصابعه أمام وجهه قائلًا:
" ما اسمك؟ "
هنا أخفض وجهه يكور قبضتيه بغضب ليردف بنبرة حاول جعلها طبيعية بقدر الإمكان:
" آش .. آش أليكساندر. "
" أوه! أنت من تلك العائلة التي صار بها ..."
لم يكمل إذ رفع آش عينه عليه بحِدة، فابتسم يغمز له مستفزًا إياه ثم التفت يبتعد بينما يُخاطب الجميع :
" الآن ما رأيكم بفتح صفحة رقم عشرة و نبدأ الدرس؟"
و التفت يرسم ابتسامة خبيثة جعلت الجميع يتأهب لهذا المعلم المخيف.
بعد عدة ساعات و أخيرًا رن جرس المدرسة يُعلن عن استراحة قصيرة للجميع لذا هرع الجميع للخارج، بينما هو نهض بكل هدوء يأخذ هاتفه و أمواله من الحقيبة و ثم يتركها و يُغادر .. عليه أن يرى ذلك المعلم الغريب، عليه ذلك قبل أن يختفي!
لكن جسده توقف لا اراديًا يُحدق في ذلك الفتى صاحب النظرات المبهمة بالصباح، حيث كان جالسًا وحيدًا في المقعد وحدِه بينما يقرأ أحد الكتب، ظل لحظات ينازع طلب عقله أن يُغادر حتى ارتفع وجه الفتي و تلاقت تلك الأعين مع خاصة آش الذي تراجع تضطرب أنفاسِه ثم يهرب و قد تعكرت معدتِه بنفسيتِه التي ساءت فجأة!
دلف إلى مرحاض المدرسة يختفي أسفل أحد صنابيرها التي تدفقت منها المياه فوق رأسه بغزارة! .. هو لا يحلم صحيح! بل هو هو يحلم! .. لا يمكن رؤية شئ كهذا! .. لا....
أبعد رأسه حين كاد يفقد أنفاسِه و حدق في المرآه بـ أعين مِحمرَّة كابتة لدموعٍ مؤلمة، ليزداد ألمه حين انعكس وجه سديم بدلًا من وجهه في المرآه يبتسم له برفق، فضاقت عينيه بحزن يتراجع بينما يهمس بألم:
" تعرف أني مستاء أكثر منك لأنك مِت بسببي؟ .. لما تظهر و تحاول أن تُصيبني بالجنون يا سديم؟ "
و لم يتلقى ردًا سوى اختفاءِه لذا ابتعد بهدوء يُبعثر خصلاتِه بضيق و يُغلق عينيه مندفعًا للخارج الا أنه اصطدم بجسد حدهِم جعله يتراجع يكاد يسقط لولا اليد التي أمسكت بيدِه، هنا نظر و عبس، لما يراه في كل مكان؟
_" مرحبًا آش؟ ..."
ابتسم الفتى ابتسامة هادئة و من خلفِه برز رفيقيه و ذلك جعل آش يُحاول أن يتراجع لكن يد الفتى كان أقوى و إذ به يتفاجأ بالمعنى يُكمل بابتسامة عصبية:
" هناك ما علينا تسويتِه معك."
شهق آش و ارتجف خوفًا يُحاول أن يبتعد لكن الثلاثة حاوطوه، فنظر لعين الفتى بذعر، ابتسامته و انعكاس الضوء لعدساته جعلت عقله يسترجع ذلك الحدث مجددًا، نظرات هؤلاء الرجال، الابتسامات الخبيثة المنافقة، حيث يُحاصرونَه! .. تمامًا كما يحدث الآن! ثم .. وجد سديم خلفهم ينظر نحوه بملامح باهتة!
ما لبث أن شعر أنَّ الدنيا تدور به فسقط على ركبتيه يُطلق العنان لصرخاتِه الفزعة!
بعد دقائق كان التجمع حولِه لافتًا للنظر، لا أحد يرى فتى ثانويًا يصرخ كل يوم وسط حمام مدرسي! .. لذا الكل وقف يتفرج حتى اخترق جمعهم آكيرا يصرخ بهم بغضب و يتقدم من ابن أخيه الذي ما لبث أن شرع بالبكاء بانهيار دون دِراية بما يحدث حولِه، تنهد يجلس جوارِه يُعانقه و يتجاهل نظرات الطلاب الذي يُحاولون تفسير ما يروه!
و حينما كان يطبع قبلة حانية على جبهته محاولًا تهدئتِه كان الفتى ينتحب بألم مُتمسكًا بقميص عمه لعلَّه يجد أمانًا معه، بالنهاية جلس أمامه على سرير العيادة بينما يُهدئه بكلماتِه ماسحًا على خصلاتِه:
" هدأت؟ .. لم يكن هناك شئ لا تقلق. "
نظر له يمسح ما تبقى من دموعه و بينما يرتجف بدنه إثر ما رآه دافع عن نفسِه بانفعالٍ:
" لا تظن أني أتوهم عمي آكيرا، أقسم رأيتهم الثلاثة .."
نظر له آكيرا للحظة و تبسَّم بتوتر ، مما جعل آش يعبس و يهتف بضيق:
" أنت لا تُصدقني؟! .. آكيرا أنا لا أكذب! "
" أعرف أنك رأيتهم لكن .. "
تنهد بتعب ثم سكت فصرخ آش و الدموع تتجمع مجددًا في عيناه:
" أنت تُكذِبُني! سوف أخبر أبي و سوف يُصدق! "
جاوره أكثر يُطلق تنهيدة متعبة، يمسح على رأسِه و ينطق:
" آش ارتاح الان، سوف نتحدث في المنزل .. حسنًا؟ "
اعترض بغضب:
" لا، أنت لا تفهمـ..."
هنا تملك الغضب من آكيرا ليصرخ عليه بعصبية:
" آش قلت كفى! كفى! "
تجمد جسده تلقائيًا يحدق في وجهه الغاضب في فزع، و ذلك جعل آكيرا ينهض يتركه و يُغادر صافقًا باب العيادة خلفِه مما جعل ملامح آش تعبس بحزن ثم يُلملم ما بقى منه و ينهض، وقف للحظة في منتصف الحجرة يجد أن أفكارِه تنحدر لشئ أكثر قتامة و ذلك جعله يُغلق عينيه للحظة ثم يفتحها و يخرج!
وجد طريقِه نحو خارج المدرسة في أحد الأزقة .. جلس بعد أن تخطى مسافة لا بأس منها من السير وحدِه .. جلس في الظلمة التي بالكاد يُنيرها ضوء النهار الطفيف و احتضن ركبتيه يهمس لنفسِه باحباط:
" لما حدث ذلك؟ .. لما أراهم؟ .. لكن هل هم حقيقيون؟ "
رفع هاتفه يَنظر لتِلك الصورة التي ظهرت على شاشته حين أضاءت و أسفلها بضع سطور تتحدث عن جريمة قتل حدثت في مدرسته قبل ستة سنوات بين ثلاث فتيان! .. حدق فيهم، كان من بينهم الفتى الذي تميز بتلك النظارة الدائرية ذات الاطار الباهت، ضاقت عينيه يجهش قلبه بالألم، ما هذا الذي يحدث معه؟ .. لما يرى شخصٌ مات بالفعل و يُخيل له أنه يُهاجمه؟! .. أخفض الهاتف يغمر وجهه بين ركبتيه المضمومة، أنها ليست أول مرة! .. لقد حدث بعد تلك الحادثة بشهر إذ رأى حادثًا لـ إمرأة مسنة قُتلت في شقتها بهدف السرقة ثم رآها باليوم الثاني و هي تلوح له و تبتسم من أمام شقة أحد جيرانه في المبنى! .. هو لم يكن هكذا! لم يكن! .. لا يُريد أن يُصبح مجنونًا! لا!
دفع بهاتفه لأخر الزقاق بغضب و نهض يستند على الحائط بجسده!
مع ارتفاع الرنين في هاتفه حوَّل عيناه نحو ذلك الركن و استوعب أن هناك قطةً جوار هاتفه تموء نحوه ببراءة، تحرك مع المرة الثانية التي عاد فيها هاتفه للرنين، أخذه عن الأرض و نظر لاسم والده الذي يُلازم شاشته، تنهد فبالتأكيد علم آكيرا عن اختفاءِه و أخبر أباه! ... ضغط على علامة الزر الأخضر يتجمد فجأة على صوت الخطوات خلفِه قبل أن يجد نفسِه مقيدًا بين ذراع و جسد قوي و يد أخرى تُغلق مجرى أنفاسِه بقماشة ذات رائحة يعرفها جيدًا، راوغ محاولًا انتزاع اليد التي تمنعه عن أخذ أنفاسِه، لكن الهاتف سقط من يده مع شعوره بوعيه يختفي تدريجيًا! و أخر ما أحس به هي تلك الذراعين التي حملتِه لجسد رجل ضخم البُنية!
*****
ضرب هاتفه بغضب يزمجر غاضبًا من تصرف ابنِه! مما جعل الجميع يُحدقون به في الشركة، رئيسهم غاضب و هذا وحدِه يجعلهم قلقون، فهو لم يعد كسابق عهده بكل ذلك اللطف، بل تحول لشخص هادئ ذا طبع جاحد منذ تلك الحادثة!
هدأ نفسِه حين رأى اسم آكيرا يظهر، لذا انحنى يلتقط الهاتف يُجيب أخاه بضجر:
" ماذا حدث له آكيرا، دون مراوغة أجب! "
بالطرف الأخر أجاب بضيق و استسلام تام:
" لقد عاد لتلك الحالة مجددًا، و لكن هذه المرة لن أرغمك على عودة طبيب نفسي له لأنك بالتأكيد ستتصرف بشأنه لكن الآن بعدما هرب، كيف يُمكنك ايجادِه؟ "
دلك جبهته باستياء:
" هل حاولت أن تتصل به و تعرف أين ذهب؟ "
_" حاولت لكن هاتفه أُغلِق من بعد محاولاتك. "
تأفف آرين بضجر و لأول مرة ارتفع صوتِه بغضب ثائر يتوعد :
" لأجده و أقسم لو وقفت أمامه مُدافعًا لأُنزل عليك ما سيحِل به يا آكيرا."
ثم أغلق المكالمة في وجهه و أخذ خطواتِه و غادر غاضبًا! .. ليس هناك شئ أخر ينقصه سوى تمرد ابنه! .. يكفيه أنّ ذلك الوغد الذي قتل أسرته أتاه بقدمه اليوم يستفزه بعقد غريب مقابلًا لأن يُعطيه ما ود الوصول إليه منذ أشهر!
*****
تقدم مارك من والده الجالس خلف مكتبه يُطالع بعينيهِ تلك الصفقة و يبتسم بخُبث قبل أن ترتفع له تلك النظرات مما جعله يقف يُخاطبه بتلعثم متوترًا:
" والدي، هل.. هل تسمح لي بالجلوس معك لدقيقتين؟"
عاد لرُشده يبتسم بخفة بينما يُشير له بالجلوس، ففعل مارك و حمحم جاذبًا انتباه والده:
" أبي وددت أن تأتي لترى الحفل الخاص بمدرستي يخُص المشتركين في المسابقة الخاصة بالغناء .. لذا هلا وافقت؟ "
اختفت ابتسامة المعني و أجاب بسؤال:
" و متى حدثت تلك الحفلة أو لما انضممت؟ "
ابتسم الأصغر و قال بخجل:
" لأني أحد مغنِييَهُم، و يجب علي المشاركة في اليوم الرئيسي الذي يأتيه الأهالي .. أنه يوم مهم و سيكون بعد أسبوع من الآن."
همهم سامويل بتفهم لكنه قال ببرود:
" لكني مشغول، ربما أحضر و ربما لا .. لذا لا تضع أمالًا كثيرة على مجيئي."
رغم ذلك ابتسم الصغير هاتفًا:
" لكن هذا سيسعدني كثيرًا! .. سأعتبر هذه بداية للموافقة لكني سوف أنتظرك أبي. "
ثم هم بالرحيل فرحًا و به أمل طفيف بأنه سيأتي، و بالخلف ابتسم المعني بلا مبالاة فِعلية و عاد لذلك الملف يتفحصه بخفة و يتذكر ما دار بينه و بين آرين و ابتسم، لقد استطاع ازعاجه و بجدارة بما في يده من صفقة هامة لو أمضاها فسوف يحصل على نصف ممتلكاته من كل شئ و يُشاركه أصغر تفاصيل حياته العملية و يتمكن من السيطرة على حياتِه بأكملها في سبيل أن يوصله لصغيرِه الذي اختفى ذلك اليوم و الذي بالفعل يعرف مكانِه، لكنه ترك الساحة لبِضع أشهر يهدأ بها الوضع و ها هو سيعود بقوة ليُنهي كل شئ في حياة آرين و عائلتِه ليتمكن من استعادة ما هو حقه، سيحصل على آش مجددًا.
ابتسم بخبث، خطته تسير على الطريق الذي أنشأه بنفسِه، هو على مقربة من الفوز!
ارتفع رنين هاتفه، و ابتسم فلقد كان سكرتيره ، لذا ظن أن أخبارِه حلوة و لكنه حين رد تجمد مما سمع لذا نهض يصرخ:
" متى حدث ذلك؟! .. كيف أُختطف، و من فعلها؟! "
*
*
*
الليلة كانت مظلمة مما جعله حين يستيقظ يرى ظلامٌ يُحيط بالغرفة، الدوار يعصف برأسه بينما يلمح من أسفل خصلاته _ المتناثرة على جبهته و تنفرد بعشوائية على الارض حيث تقع رأسِه _ الباب الحديدي الصدئ و جوارِه تقاطرت بقعة مياه على الأرض بينما أضافت الصناديق الخشبية للمكان مظهرًا مخيفًا بالنسبة له بينما يُحاول أن يتبين أين هو؟
حاول تحريك يده ثم قدمه ثم أغمض عيناه بوهن، من قيَّده؟ .. حين فتح عينيه كان قد سمع الصوت الصارخ للباب الحديدي بينما يُفتح و يدلف منه رجل ضخم تقدم منه.
_"انهض أيها الصعلوك، و تكلم! "
صاح بغِلظة يجذبه من سترته كي يعتدل رغم طريقته القاسية بذلك ثم دفع بشئ قاسي نحو أذنه فـ أنَّ ألمًا يُحاول استيعاب ما يحدث حوله، و بينما يُقاوم أثر التخدر الذي فتك بوعيه تسلل لسمعه صوت والده القلق:
" صغيري أنت بخير؟ "
لمح آش الضخم يُحدجه بصرامة بينما أنفاس والده المسموعة تُطالبه بالاجابة، لكنه لا يفهم ماذا يحدث حقًا! هل يحلم؟!
_" أبي، هل تشاجرت مع ضخمٍ من قبل؟ "
تكلم بضياع يُغمض عيناه مع بداية صداع يُصيب رأسه، و رغم يد الضخم الذي يُسنده لكان قد سقط نائمًا بالفعل، لكن الرجة و الحدة الذي شعرا بهما جعلاه يجفل بذعر يستفيق على كف من الضخم جعله يسقط الجهة الأخرى بوجه مبلل بالدم، هنا دموعه تجمعت بألم يصرخ بخوف:
" لم أفعل ..."
دفع نفسه يتكور حول نفسِه حين ضاقت نفسِه إثر تلك الركلة التي وجهها الرجل إلى معدتِه، و لم يجد بعدها الا لحظات حتى عاد يفقد وعيه!
_" إسمع! نُريد عشرة ملايين على رأس هذا الصبي! و الا سوف تجد رأسه هي من تُسلَّم لك! "
*
*
*
يتبع..!
فصل مليئ بالحيوية 🙂
برأيكم هل عاد آش لحالته السابقة؟
خطف آش؟
غضب آرين؟
البارت رقم 6 في العد التنازلي
........
الى اللقاء ❤️✨
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top