No.10


جالسًا في صفِّه شاردًا فيما خلف النافذة الزجاجية .. غير منتبهًا كُليًا للمعلم الذي يشرح .. بل ترك نفسهُ يتخيل أمورًا ما ، جعلته يبتسم لا إراديًا دون أن يشعُر!

عاد إلى واقعِه حين ارتفع رنين الجرس مُعلنًا انتهاء فترة الدراسة الصباحية، لذا ترك أشياءِه و غادر بصمت .. لا يعلم أسيجد فريد هنا أم لا؟ .. لم يرهُ صباحًا لذا هو شعر بالغرابة لكثرة غيابِه عن الدراسة!

خاب أمله حين لم يهتدي له في مكانهما المعتاد، و حين اتصل عليه لم يجد ردًا .. ماذا حدث؟ .. حاجبيه انعقدا لتذكره لذلك الحُلم!

يدٌ امتدت أعادته للواقع دافعة عنه اليأس فالتفت سريعًا يهتف:
" فر..."

لكنه صمت قبل أن ينهض مبتعدًا عن يد المعني رامقًا إياهم ببرود قائلًا :
" ماذا؟ .."

ثلاثة أصدقاء، التفتو حوله لكن ابتسامتهم لم تكن جيدة لآش .. و كأنهم جاؤوا لغرضٍ ما .. غرضٌ لن يَسُر الفتى أبدًا!

تكلم أطولهم بابتسامة خبيثة مائلًا للأمام ليُلامس كتفيّ الصبي مُخترقًا مساحته الشخصية :
" لا تقلق، فقط أردنا أن نتعرف عليك."

اتخذ آش حذرَهُ هامسًا بعد أن ابتعد عن الفتى بنفور:
" أسف لكنني لا أستطيع ..أسف."

كاد يُغادر يشعُر بالتوتر الشديد و برغبة في الاختفاء فجأة لكن يدٌ ما أطبقت على ياقتِه الخلفية و جذبوه نحوهم بغِلظة ليحاوطوه .. ارتجف جسده و عيناه تلتقي بعين الفتى الذي تبسم بمكر مُستأنفًا كلماته:
" يبدو أنك انطوائي بشكلٍ مُزعج،  سمعنا أنَّك لم تعُد إبنًا لعائلة آشورا بل ابنًا للعائلة الأخرى ماذا كانت يا رفاق؟ .."

يلتفت لأصدقاءِه ليُجيبه إحداهما بسُخرية:
" آليكساندر يا رفيق .. آليكساندر."

ابتسم المعنى يجذبه من ياقته نحوه أكثر ليُغمض الصبي عينيه يُنزل رأسه للأسفل فتختفي ملامحه الهلِعة أسفل خُصلاته،  تُصيبه رجفة في أطرافه تكاد تجعله يفقد السيطرة على هلعه بينما الأكبر يُتابع عن رفيقه باستمتاع:
" أجل آليكساندر! .. أوه يبدو أنَّ لفتى كئيب مثلُك حظًا قويًا بامتلاك عائلات ثرية يا فتى! .. ما رأيك أن نتبادل أطراف الحديث في مكانٍ أخر؟"

كان يرغب بالصراخ بكونه لا يرغب بهكذا حياه!  و أنهم لا يدركون ما عاشهُ منذ ولادته مرورًا بطفولة قاسية مليئة بالعُنف إلى مراهقة مليئة بالتشتت و الضياع! .. لكن هلعُه يجعله يفقد السيطرة على النُطق و دون أن يستوعب هو أومأ بسرعة ظنًا أنهم سيتركون إياه لكن وجد ذلك الفتى الأكبر يسحبه خلفه كالماشية بينما يُخاطبه بسُخرية:
" ليس هنا سنفعل، بل في مكانٍ أفضل."

قالها بنبرته الخبيثة و انتهى بآش يُصدم بنفسِه داخل غرفة المستودع المقفلة بعد أن دفعوه داخلها ثم يُغلقوها عليه!

شهقة خرجت منه كسابقتها و هو يتوسل لهم بفتح الباب، لكن الضحكات ملأت الرواق قبل أن تختفي و يبقى وحيدًا في الغرفة المظلمة نسبيًا! الغرفة التي ذكرتهُ بأبشع ذكرياتٍ لديه!

تراجع للخلف رامقًا المكان بعينيه ليتفاجأ بفئران تملأه لذا تراجع ليطرق الباب مرة أخرى بشئٍ من الذعر .. و تذكر فجأة بكيف كان سامويل يسجنه بالقبو لأيام مع الفئران التي كانت تتجرأ و تلمس جسده!

أنفاسِه اضطربت بعنف تتناثر خُصلاته لتُخفي ملامحه التي أُرهِقت ببشاعة لمجرد دقيقتين هنا ليجد جسده يخذله فجأة مُنهارًا أرضًا بظلامٍ يبتلعه داخل سوداوية مجراتِه الديجورية!

يعد ساعتين ..

كان قد بدأ يعود وعيه يتقزز أنفه من رائحة الاختناق الظلامي الذي يطفو داخله،  لم يستطع الاعتدال شاعرًا بجسده عاجزًا .. فُتح الباب ليخرج سامعًا ضحكاتهم و أحدهم يخاطبه:
" لا تبكي و أنتَ تشكو له يا صغير! "

ثم توقف للحظات يعود ليقترب من المرمي أرضًا ليهمس إلى جواره:
" السيد سامويل يُبلغُك سلامِه "

ثم تركوه يُغادرون ، يتركون إياه في فوضى و ذعر مِن تدخُل ذلك الرجل مجددًا في حياته ، فأسند كفه المضمد على الحائط و دفع جسدِه أن ينهض، وقف أخيرًا ليشعر بطعم المعدن على طرف فاهه، أنفه عاد لينزف و بغزارة ليلوث وجهه!!

_"أقسِم سأنتقم منكم!"

يهمس بمرارة و بكُم قميصِه اضطر أن يمسح دماءه فـ تلوث بينما يستند إلى الحائط يعُض شفتيه مانعًا نوبة إنهيار من الخروج ، ثم ذهب مُسرعًا لفصله الفارغ ، يجذب حقيبته باهمال و غادر من المدرسة متجاهلًا السيارة التي كان يقف عندها آكيرا ينتظره، و الذي لو لمحه فستحدث كارثة!

عاد وحيدًا مُنهكًا إلى منزله و كاد يتسلل بخُطواته المُخدرة إلى غُرفته لكن يدٌ ما انتشلته من ياقته فشهق حين أداره والده نحوه ينعقد حاجباه في عصبية لهذا المظهر الفوضوي!

فتح فاهه يكاد أن يبرر لكن صوت آرين قاطعه بغضب:
" ماذا حدث لك؟! "

يُحاول أن يرُد، أن ينطق لكن صوتِه فجأة اختفى! .. تخيلات من عقله كانت تُظهر له صُور من ماضيه! .. الغضب، الكرة، الاهانة .. مشاعر كثيرة كان يسجلها عقله .. هو يخاف الغضب! .. يخشى أن يرمقه أحد بنظراتٍ كهذه! و يخشى الأذى الذي يتلقاه من الاخرين!

_" أ .. أنا .. أسِف! "

تمتم بصعوبة يُبادر بلَف ذراعيه حول خِصر والده دون استيعاب لما يفعلُه يشعر بدموعه تُبلل وجنتيه بغزارة ينخرط معها في بُكاءٍ مرير ، أشبه بصرخاتٍ مؤلمة تخرج مع كل شهقة مُرهقة يُجعِد قميص والده مِن الظهر بأنامله التي تقصَّفت أظافرها بشكلٍ مثير للقلق ،  يسمحُ لنفسه بأن ينهار كُليًا!  بين ذراعيّ شخصًا واحدًا فقط! .. شخصًا سمح له مِن قبل بأن يبكي بين ذراعيه و حُضنه فحسب و كأنه سيُخفيه عن العالم المؤلم بذلك الفِعل!

يد والده أحكمت على جسده الذي ارتخى فجأة بين يديه، هو مسح على خصلاتِه قلقًا مما حدث له، صوت شهقاتِه التي ملأت القصر و نحيبه العالي الذي يُحاول كتمه أصبح يخفتُ تدريجيًا ، ليس و كأنه غضِب حقًا لكن قلقه خرج على تلك الهيئة!

أتت داڤيينا سريعًا و جثت بقربهما بقلقٍ بالغ، هي لم ترى آكيرا في الأرجاء وواضح جدًا أن الفتي لم يأتي معه ، كادت أن تلمس خصلاته لتُهدئه لكنها تفاجأت به و هو يُخفي وجهه بصدر والده بنفورٍ و إرهاق مُحاولًا التمسُك به أكثر!

" دعيه داڤي، يبدو أنه متعب. "

عانقت جفناها لبضع ثوانٍ لتنطق بارهاق هامسة:
" أنه يحتاج لطبيب بالفعل آرين .."

هز رأسه نافيًا بهلع و قد تمسَّك بملابس والده يُحاول ترجيه بعدم فعل ذلك، لكن صوتِه أبى أن يخرج و كأنَّ بَكمًا ما أصابه، أنفاسٌ حادة اختلطت بشهقاته و عيناه تتقابل مع والده برفض ، فنطق آرين يُهدئه:
" لن أفعل! لا بأس عليك أنا موجود لأجلُك. "

عاد ليُغمض عيناه بتعب و أومأ بينما يعود لهدوئِه .. لكن وهنٌ ما أصاب جسدِه بينما يستأنف آرين هامسًا و يده تعبث في خصلاتِه قبل أن يحمله بين ذراعيه ليستند الأصغر إليه تنغلِق جفناه تدريجيًا:
" لا أحد سيؤذيك آش، لا أحد."

لم يستمع إلى حديثه فوعيه سُحب فجأة ليكتفي بالغرق في النوم هاربًا من كل شئ!

وضعه على سريره و غطاه جيدًا بعدما مسح وجهه الملطخ بالدم بمنديلٍ ما، ليترك غرفته و يُغادر متنهدًا بيأسٍ حاد، فهو لا يعرف أي الحلول ستساعد طفله المُصاب!

****

_" آش؟ ..هل أنتَ سعيد لأني صديقُك؟"

تصدُع تلك الكلمات من الصغير الذي يُدلدل قدمه في المياه في باحة القصر،  فنظر الصبي صاحب الأعيُن الواسعة نحو رفيقه الذي يتحاشى النظر إليه بخجل ليبتسم فجأة يتحرك ليُصبح إلى جواره في المسبح الذي كان قليلُ المياه مُجيبًا:
" بالطبع فِريد .. لا أعلم لماذا بابا لا يرغب بوجودك إلى جانبي .. لكننا سنظل أصدقاء! "

يبتسم ببشاشة مع تحرُك الهواء مُحركًا خُصلاته الطويلة عن وجهه لتظهر كدمة زرقاء جوار عينه جعلت فريد يعبس حين رؤيتها رادفًا بحُزن:
" لكنه يضربُك كثيرًا بسببي .. ثم يَصرُخ بي ألا أقتربُ منك."

رمش الصغير بخفة ثم ابتسم مجددًا يقترب من رفيقه ليُعانقه بمرح:
" لا تقلق! .. بابا خائفٌ عليّ فحسب .. ماما تُخبرني دومًا أنهُ يُحبني .. هو يُعاقبني كوسيلة حُب فحسب."

أبعده فريد الصغير يُحدق بعينيه نحو عين صاحبه الطفولية نابسًا بتذمر:
" لكني تحدثت مع بابا و قال أن ذلك يُسمى عُنفًا .. قال أن عليه أن يُعاقَب على ضربِهِ لك."

سكت آش قليلًا ثم انخفض يلعب بالمياه بنظرة حزينة نابسًا بيأس:
" لكن ماما أخبرتني أنهُ يُحبني."

تشنج فكه تترقرق الدموع بعيناه ليغسل وجهه بسرعة حين سمع صوته يُناديه من بعيد و حين التفت يجفُل فريد الصغير بالخلف يجدانه واقفًا يُكتِف ذراعيه لصدره بحاجبًا رُفِع بجحود رامقًا فريد بغضب لرؤيته هنا مجددًا لينظر بعدها لآش الذي خاطبهُ ببراءةكطفل بعُمر الخامسة:
" بابا لما أنتَ غاضب من فريد؟ .. أنهُ لطيف للغاية! "

رماهُ بنظرة حادة فأغلق الصبي فاهه بكفيهِ مُكتفيًا بإخفاض رأسه بدموعٍ تتجمع في عينيه يستمع إلى صوته الحاد المُوجه لفريد:
" أنتَ أيها القذر عُد إلى عملُك ولا تقترب من إبني مجددًا."

تحرَّك فريد يبتعد مضطرًا بسبب الخوف تاركًا صديقه الذي خذلته قدميه يسقُط بالمياه بأنفاسٍ تضيق بهلع ليتجاهلهُ سامويل بسُخرية يُغادر المكان بلا إهتمام بالصغير الذي كان هلعه بسبب الخوف من أن يضربه والده مجددًا!

*****

فتح عينيه على تلك الذكرى المُشوشة يُراقب المشهد الخارجي من نافذته يتذكر ما حدث قبل أن يستقبله النوم أو ربنا الإغماء للمرة التي لم يعُد يعرف عددها .. يُفكر:
' لم أكن أدرك يومًا أن أنفجر مجددًا .. لقد أصبحت لحظة الانفجارات كثيرة بداخلي و غير متوقعة! ... وجودي بهذه الأسرة كفيل بجعلي أرغب باقتلاع قلبي الذي يدق بالعتاب عُنوة! .. ليس و كأني رغبتُ يومًا بشئ و أتاني على طبقٍ من ذهب! .. لقد حُرِمت من أقل الأشياء التي تمنيتها! .. عقلي لا زال يُخزن تلك الجروح، و الذكريات و الألام .. و دُفعة واحدة تخرج شرارات مُفجرة داخلي شعورًا هائلًا و رغبة بالبكاء تجعلني أفقد قدرتي على النطق! .. غدًا يوم مولدي، سأكمل الرابعة عشرة بالفعل لأبدأ في الخامسة عشر، لكن هل أحدًا يعلم ُبه؟! .. ليس و كأنَّ أحدًا كان يصنعه لي أو أن يُهديني هدية مثلًا! فأنا كنت منسيًا ، و لا زلت في طور النسيان! عدا صديقي فريد !

القهوة التي احتنضتها في يدي دفعتها لأرتشف منها القليل، طعمها المر اللاذع كان أكثر ما كان يُشعرني بنفسي، بل بحياتي التي رُسِمت بمُر الأيام و المواقف! .. و رغم مرَّتي الأولى لتذوقها لكنها كانت كفيلة بجعلها المشروب المفضل لي في كل وقت! .. حسنًا سأحتاج لكتابٍ ما و بضع قطرات من مطر الغيم و أمام نافذةٍ ما و قهوتي و ستلتمع رسمة برَّاقة مِن البُن ! .. ستكون لوحة فنية لفتى أخرق يستمتع بقرائته لكتابٍ ما متناولًا قهوة معها و هو على شِفا اكتمال عامِه الرابع عشر .. أمواليد ديسمبر يتمتعون بخيالِ الشتاء؟ .. ليس و كأنني استمتع حقًا لكن خيالِي يسير نحو تلك اللوحة التي رسمها في عقلِي كنوعٍ من أنواع الشعور بالرضى!

وضعتُ القهوة إلى جانبي و استقمت أُغادر السرير، ربما رغم مناعتي السيئة الا أنني لازلت قوي لأقف مجددًا! .. ليس و كأنني لم أقف قبلًا بعدما تتهشم ساقاي من ضرب سامويل لهما حينما يغضب! .. لكنني كنت أذهب للمدرسة متجاهلًا الألم بشكلٍ تام، ليس و كأنه شيئًا يمكنني تجاهله كحياتي لكنني كنت أفعل كي أُعطي لنفسي القوة بالمقاومة، و ها أنا ذا لم أفكر بالانتحار يومًا بالفعل! .. ليس و كأنني جبان كي لا أفعلها لكني أتمتع بصبرٍ يجعلني أتخطى العديد من المواقف! لا أن أهرُب منها بكل بساطة لأكون خاسرًا!

صحيح! لتذكري المفاجئ و لدهشتي، فأنا توقفت عن الكتابة، و كأنَّ هذا ما ينقصني! .. أن أفقد شغفي بما أحبه! '

الباب الذي فُتح جعله يستدير نحوه و يده تقبض فجأة على حرف النافذة، عيناه عانقت سواد رموشه حينما رمش بضيق، ثم وجَّه عيناه نحو آرين الذي رسم ابتسامة خافتة بالكاد لمحها آش الذي بدوره ترك مكانِه و عاد إلى السرير في محاولة لتقبل وجوده بالغرفة .. ليس و كأنه نسى أن والده يُفكر بمقاضاة والدته بذنبه! .. و بسببه هو بالكاد لم يخسر والديه حتى الآن!

" لما أتيت؟! .. لستُ أُطيق وجودك و أنتَ تعلم ذلك."

نطق ببرود حاد و تجاهل أنَّ الأكبر هو والده، لكنه اكتفى بالابتسام و التقدم نحو الوقح الأصغر مُعقبًا:
" لنتغاضى قليلًا عن وقاحتك صغيري .. غدًا حفلة و الجميع حرفيًا سيكونون بها، لذا ستجد طقمًا جديدًا من الملابس في خزانتك وضعته أثناء نومك .. لذا جهِز نفسك للأمر. "

التفت يُغادر ليوقفه آش بسخريته:
" ببساطة هكذا؟! .. و كأنك تقيدني بحفلاتك من الآن!!
.. و لكن لا تنسى يا رجُل أنَّ لدي رُهاب اجتماعي و لستُ حرفيًا موافقًا كي أوافق لأجلك مثلًا! "

" رُهاب اجتماعي؟ "

التفت ينظر نحوه، ألم يفهم بعد؟ .. سبب هلعه و فقدانه لوعيه في المحكمة؟ .. الأمر لم يزِد الا عندما وجد نفسه بمكانٍ يغرق بسُكانِ بلدته! .. عين آرين رمقته بضيق قبل أن يُغادر تاركًا جملة واحدة بها الكثير من الحدة و الأمر المنهي:
" جهز نفسك في الغد للحفلة. "

غضبه المُفاجئ جعله يجذب الوسادة ليرميها نحو الباب حيث غادر آرين ثم تنفس بقسوة! أليس لديه رغبة بأي منزل؟ و كأنه هنا ليستمع لهم كالجرو الوفي لصاحبُه!

" تبًا لكم جميعًا! .. لن أنزل! "

هتف بسخط و غادر سريره ليدفع بكرسي مكتبه بعُنف جالسًا عليه، زفر بغضب ثم تنفس يُهدئ من نفسه قبل أن يسحب دفاتره كي يُذاكر مُحاولًا تجاهُل كل شئ!

باليوم التالي، حيث الأربعاء ..
كان يسير نحو مِقعده في نهاية ذلك الصف، دون أن ينظر حول تهامُس الطلاب في صفه ، ثم توقف ما إن لمح ما يوجد على مقعدِه .. سائل لزج بلونٍ أصفر و بعض الريش!

هنا ازداد غضبه! .. ليس و كأنه يُسئ لأحد، فهو كائن هادئ بطبعه لكن الجميع هنا يتنمرون عليه منذ ترك عائلة آشورا! لكن لا أحد يظُن أنه قد يصمُت، فهو سينتقم من الجميع!

عيناه تلقائيًا لمحت مارك ابن سامويل الأصغر جالسًا بعيدًا دون اهتمام لما يحدث كالعادة .. لقد شك به لوهلة لكنه عاد ليتذكر أنه لم يؤذيه أبدًا في المدرسة أو حتى في الواقع،  فقط حين يجتمع تحدُث مشاجرة بينهما بسيطة يُوقفها سام .. كما أنهُ يُكبرهُ بعامًا و لأنه استطاع اجتياز عامًا دراسيّ فهو مُضطر للبقاء في نفس الصف معه،  لكنه مُتأكد أنهُ ليس سبب ما يحدث و لا علاقة له.

جفل لتِلك الضحكة القصيرة التي كتمها صاحبها مُديرًا رأسه للجهة الأخرى،  فاحتدت عين آش يجذب المقعد بيده و التفت يجره خلفُه، رامقًا ذلك الذي يبعد عنه بصفٍ من المقاعد، يضحكُ بسخرية مُحاولًا كتم ضحكاته ، فوقف أمامه يُبادله النظرات الديجورية البِحتة! ..لينطق بهدوء شديد:
" سيريو، أتظن أنَّ بإمكانك وضع بعضًا من سائل البيض على مقعدي و أصمُت؟"

أمال المعني رأسه إلى اليمين حينما واجهُه و هتف يتصنع الدهشة:
" أوه! ألا يُمكنني ذلك؟! "

هنا ابتسم آش بخفة و اقترب منه خطوة أخرى لينطق بشئٍ من اللطف المُصطنع:
" إذًا يا عزيزي تحمَّل نتيجة أفعالك. "

تفاجأ سيريو بنفسِه و هو يندفع للخلف، حاول أن يتمسك بشئ لكنه انتهى به يشهق متألمًا بعدما اصطدم ظهره بالأرض بقسوة ، هنا ما كان من آش الا أن يُبدل مقعده بمقعد المعني ثم سار بهدوء منظمًا جلستِه و جلس بتململمٍ متجاهلًا ما حدث قبل لحظة!

نهض المعني بغضب يستمع إلى همهمات الطلاب و ضحكِهم الساخر عليه ، فتقدم من المعني، و جذبه من ياقتِه ليواجهه وجهًا لوجه، احتدت النظرات معًا ، ليصرخ سيريو بسخط:
" يبدو أن حجزُك في ذلك المستودع لم يُعلمَك كيف تحترمني لذا ..."

و مرة أخرى يندفع جسده للخلف بعدما دفعه عنه آش ليرتفع صراخِه:
" و من أنتَ لأحترمك أيها النكرة؟! .. ثم لو قررت لكنت مُعاقب الآن بسبب ما فعلته أنتَ و أصدقائك معي.. لذا لا تُحاول أتفهم! "

كان ثائرًا و غاضبًا جدًا، ليس و كأنه سيترك أحدًا يُهينه بعد ذلك! .. هو اكتفى! اكتفى من كل شئ يحدث معه!

ظل مُحدقًا به بغضب ، هل يظن أنه سيخافُه إن صرخ؟! .. اقترب منه و دون أن يتوقع آش كان له نصيبًا من لكمة قوية من سيريو أصابت فكِه! .. شهق الجميع و أحلَّ الصمت على كل شئ! .. لدرجة أن نسيم الهواء و الأصوات الخارجية سُمِعت و بوضوح! بينما مارك كان يُراقب ما حدث بصدمة من ردة فعل آش مُقارنًا إياه قديمًا و حديثًا!!

احتضن الصبي فكِّه بعدما انهار جسده على مقعده! .. إنها مؤلمة بحق! .. لا يُنكر أنه يتشاجر مع فتى أكبر منه سنًا و حجمًا! .. لمس الدم الذي لوث فمه بعد تلك اللكمة و عقد جبينه بعصبية مُفاجئة لينهض فجأة و قبل أن يتقدم سيريو منه مجددًا كان قد انقض عليه يخترق بأسنانه جِلد رقبته بشراسة مُخرجًا فيها كل غضبه و استياءه و معها ارتفع صراخ سيريو بألم جعل من زملائهم التدخل لمنعهما عما يفعلانه!

حينما أبعدوهما كانت رقبة سيريو تنزف بغزارة بينما الأخر ظل يتنفس باضطراب ناظرًا لبكاءِ الفتى من الألم قبل أن تمتد كفه ليمسح تلك الدماء الذي لوثت أسنانه، ليَعود لوعيه للحظة! . . كيف فعل ذلك فحسب! .. أفكارِه تمَحورَت فجأة على قتل زميله ، توسعت حدقتاه مصدومًا، هل أصبح مثل سامويل؟! ..

" أقسم سوف أنتقم منك عما فعلتَهُ بي! "
صراخه الباكي أيقظه من التفكير! .. انتقام؟! .. تذكر .. لقد أقسم قبلًا على الانتقام من عائلتِه لكن هل كان يعنيها؟! .. كذلك هذا الفتى! .. لقد تذكر أنه همس بها حين احتجزوه في ذلك المستودع المظلم!

تحركت قدمه مع دخول مُعلمِيه الفصل، لكنه تجاوزهم و تجاوز عمه آكيرا هاربًا نحو الخارج، و المعني تفاجأ به و ناداه لكنه لم يتلقى سوى اختفاءِه قبل أن يتجاهل الأمر قليلًا ليرى ما حدث؟

*
;
*
;يتبع..

فصل مؤلم 👈👉💔

هل أحضرتم المناديل؟

حسنًا لنرى الآن الآراء؟

و المشاهد؟

الشخصيات؟

السرد؟

ردة فعل آش كيف رأيتموها؟

توقعاتكم عما سيحدث تاليًا؟

أعتقد أني أنزلت الثالث لهذا الأسبوع دون أجد تفاعُل لهذا سأُحضر أسلحتي معي لأقتلكم 👈👉🔪😤

و إلى اللقاء ❤️

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top