No.09

في عتمة الليل، و الغيوم المنتشرة في السماء التي حجبت نور النجوم بكل ظلامية .. تهاطلت الأمطار فجأة مُغرقة تلك المدينة بسيولها!

و في تلك الغرفة، كان قد تمكن الظلام منه! .. فأضحى كابوسًا مرئيًا ملموسًا! .. عيناه تحركتا بذعر يجول بها في الغرفة شديدة الظُلمة، لكن جسده أبى الانصياع لرغبة عقلِه! .. شللٌ أصابه! .. ففقد قدرتِه على رفع إصبعٍ ما .. و نتيجةٌ لذلك آلم به رُعبٍ بالغ! .. فأضحى حبيسًا لكابوسِه بقلبٍ ينبض بمشاعر قاسية! .. حاول المراوغة، هو ليس مشلولًا أو عاجزًا! .. و تلك الأصوات التي برزت فجأة في مُخيلته جعلت هرمون الأدرينالين يُرفع بقسوة! .. فجأة اختفى كل شئ للحظات معدودة على الأصابع لتُظلِم عيناه تمامًا و تختفي رؤيتِه!

حاول فتح فاهه يتحدث، ليجد أنه أبكمًا! .. لا .. صوته يأبى الخروج! .. لينقذه أحدٍ ما! .. ليدلف أحدٍ كي يُخلصه من ذعرِه! .. انه وحيد! .. انه خائف! .. انه عاجز! .. أي أحد!

ابتسامة مرعبة و خيالٍ أسود وقف أمامِه! .. أهذا ملك الموت؟ أجاء ليقبض روحِه؟! .. الابتسامة اتسعت! .. شئٍ ما خاطئ! .. لا! .. لا! .. حاول أن يصرخ! أن يتحرك و يهرب! .. أن يقتل نفسِه لكنه تجمد بذعر و الفأس التي ظهرت بيدِه تهوي لتُبتر ذراعيه!

.
.

أفاق يرتمي على جانبِه الأيسر، جسدِه يرتعش ! رغم تحريكِه لأنامله لكان قد صدق أنه شُلْ! .. رغم ذلك لقد فقد طاقته في ذلك الحلم المرئي! لقد شعر بكل شئ! .. الهواء! .. الرعب! .. و حتى ذراعيه يؤلماه!

شهق بخوف ينظر لذراعيه أمامه! .. يوقن أنه شعر بهما يُنزعان بعنف و ألم! .. التفت مجددًا على ظهرِه بارهاق حاد يُحدق في السقف .. يرى خيالاتٍ وهمية! .. ضاقت عينيه بشدة يُحاول أن يُدرك ماذا يوجد في الظلام و لكن .. و كأنَّ تلك الليلة لم تكفيها ظُلمتها فقد تسلل الظلام لديجورِه! .. فباتت ليلة مؤلمة له إذ وجد جسدُه يعجز مرة أخرى و ذلك الكائن المرعب تتسع ابتسامته وسط الظلام بينما ينقض عليه!

.
.

سقط عن السرير و قد ضرب رأسه بطرف الكومود ، لم يهتم حقًا بكيف بدى! .. لكنه اكتفى باتساع حدقة عينيه بذعر و أخذ شهقات حادة، كي يدلف الأكسجين لصدرِه بعدما انقطع من الخوف!

حاول تحريك جسده لكنه أبى التحرك فاكتفى باسناد ظهرِه للسرير و هو يُغمض عيناه يشعر بخيطٍ من الدماء الساخنة تنزلق على خدِه!

جسده يرتجف بقسوة! .. الحلم كان كابوسًا مرئيًا و مسموعًا .. لقد شعر و كأنه حقيقة! .. حقيقة مروعة! .. لقد كانت تجربة مُخيفة جعلته يفتح عينيه مرة أخرى متخوفًا من إعادة نفس التجربة!

بدأ إحساسِه للواقع يعود، لترتفع أنامله تتحس السائل الذي ينزلق على وجهه، أبعده يُحدق به بكل إرهاق جسدي، و كأنَّ ذلك الكابوس أخذ منه طاقتِه كلها! .. لكنه لم يكن كابوسًا! فلقد شعر بنفسِه واعيًا لما حولِه! .. كان مستيقظًا لكنه كان عاجزًا عن الحركة!

نهض واقفًا، أخِذًا نفسًا عميقًا قبل أن يسير نحو الخارج .. كم الساعة الآن؟ .. فقط كيف نام؟ .. يذكر أنه نام عصرًا لبعض الساعات لكنه عاد ليستيقظ كي يتناول معهم العشاء ثم ذهب كي يدرس ما عليه لكن حين تعب في وقت متأخر هو استلقى على السرير فحسب ثم لم يشعر بنفسِه بعد ذلك!

انتهى من أفكارِه يتنهد بتعب قبل أن يدفع نفسِه أن يطرق على باب آكيرا الذي جاوره بالغرفة خاصته .. ثلاث طرقات كفيلة بسماع خطواتِه التي تقترب .. حين فتح الباب بشكلٍ مستاءٍ و منزعج، كان مهندمًا بملابس نومه و كأنه لم ينم حتى الآن و خاصةً لغُمق جلدِه أسفل عيناه !

عيناه ضاقت حين لمحت الليلي أمامه بهذا المظهر الناعس المرتجف و الجرح الصغير الذي ينزف !

أفاق من شروده يتقدم منه بجزع هاتفًا و كفيه يطبقان الخناق على كتفيه:
" ماذا جرى لك، آش؟! .. كيف جُرِحت؟! "

فتح فاهه ليرُد لكنه عاد لإغلاقه، كيف يُخبره بذاك الشئ الذي حدث معه؟ .. لن يُصدقه بالتأكيد!

" تعال .."

جذبه معه نحو الداخل و قد أغلق الباب خلفهما، جاعلًا إياه يجلس على السرير ثم ذهب لإحضار صندوق الاسعافات الذي دائمًا ما يحمله معه بسبب التوأم المشاغب.

عاد ليجلس بقربه دافعًا بخصلاتِ الفتى المتمردة إلى خلف أذنه ليظهر الجرح بوضوع يجعل من آكير يعقد حاجباه حتى تلامسا من شدة ما كان الجرح عميقًا!

" أستاذ آكيرا؟ .. أنا. "

قاطعه بتنهيدة قائلًا:
" لسنا بالمدرسة ، أنا هنا عمك يا آش.."

همهم بتفهم و أكمل ما ود قولِه بشئٍ من الهمس:
" حسنًا عمي .. كنت أريد إخبارك أني أشعر بالدوار ."

نظر له و تنهد مجددًا رادفًا:
" حسنًا، ربما بسبب الجرح الذي لا أعلم كيف حصلت عليه، لكن لا بأس، استلقي فحسب ."

لم يكمل إذ بالفتى قد استلقى بالفعل ليبتسم آكيرا و هو يدفع تلك القطنة المُبللة بالمطهر نحو الجرح ثم لامسته! .. شهقة متألمة خرجت و يده تعترض يد عمه رافضًا:
" هذا مؤلم! توقف."

" تحمَّل لثانيتين فقط. "
خاطبه بقلة حيلة، فأبعد يده بشئ من القلق يُغمض عيناه بعُنف ، فتبسم الأكبر بينما يُكمل ما يفعله لكن أوقفه همس آش المتوسل:
" أرجوك لا تؤلمني."

" لا تقلق آش .. هذا لمصلحتك .. فبعض الألم من الأحبة تكون لمصلحة المقربين منهم."

نطق يتابع تضميد جُرحه لكن الصمت كان من نصيبهما فحتى تنفُّس الأصغر كان يكتمه بكفَّيه .. رغم استغراب آكيرا من فِعلتِه و صمته رغم خوفِه الا أنه مقتنع تمامًا أن ما حدث للفتى قبل ذلك ربما سبب لكل هذا ... انتهى من تضميد إصابته و المسح على خصلاتِه برفق قائلًا:
" لقد انتهيت. "

همهم آش و كاد ينهض لكنه اكتفى بالجلوس بتردد .. خائف من الذهاب لغرفته ثم يحدث ذلك الأمر مجددًا، فهمس بتردد:
" أسـ .. أقصد عمي آكيرا، هل يُمكنني مرافقتك اليوم .. سأنام على الأريكة. "

التفت آكيرا يبتسم بقهقهة رادفًا:
"أأنت تخجل من نُطقِها يا أحمق، ثم ليس عندي مانع لذا استلقى حتى أُنهي عملي ."

أومأ بخجل و اكتفي بأن يستلقي مُغطيًا نفسه بالغطاء بينما عاد آكيرا لما تبقى له من تصحيح أوراق الامتحان.

حاول آش النوم رغم خوفه، حتى غرق في النوم دون أن يدري.

في الصباح تجمع التوأم مع والديهما بينما يتشاجران مع والدهما كالعادة، يُريدون منه أن يأخذهما في رحلة كأب لهما!

و للسخرية، كانت تضحك داڤيينا على ما فعله الصغيرين بوالدهما حيث أسقطا طبق السلطة فوق ملابسه بسبب غيظهما منه! .. و اكتفى بأن يحصل رين على توبيخ لإثنان!

بالنهاية جلسا متكدرين و آرين يبتسم برضى ، لكنه انتبه على عدم تواجد شقيقه و ابنه الأخر و قد تأخرا كثيرًا، لذا نهض ينطق:
" سأذهب لرؤية الشقيَّان الأكبر سنًا. "

همهمت بأجل ثم نظرت لصغيريها بابتسامة لطيفة و هي تدفع نحوهما طعامهما المفضل .

زفر بقلق مستغربًا حين لم يجد الأصغر في غرفته و بينما يفتح غرفة أخيه تبسم بخفة حين وجدهما يغطان في النوم، و آكيرا يحتضن خِصر آش الغارق بالنوم ، فكاد أن يُغادر لكنه التفت مجددًا ينعقد حاجبيه بقلق حين لمح جبين الأصغر المضمد لذا ترك بُقعته و دلف نحوهما، متحدثًا:
" آكيرا، استيقظ. "

سمع همهمته المنزعجة قبل أن يهتف بغضب ناعسًا:
" أتركني أخي ، لم أذق النوم الا بالصباح. "

" ماذا يفعل آش عندك؟ و لما جبينه مضمد؟ "
سأل و هو يُحدق نحو آش، ففتح آكيرا حدقتيه الناعسة مجيبًا بهدوء:
" يبدو أنه رأى كابوسًا ما جعله خائفًا من النوم بغرفتِه .. لكن إصابته لم يُخبرني عن سببها .. و إذهب من هنا و اتركنا فقط."

ابتسم آرين رادفًا:
" و المدرسة، ألن تذهبا؟ "

غمغم و هو يَعود للنوم مجددًا:
" لنغيب اليوم، لن يحدث مشكلة. "

تنهد الأكبر بقِلة حيلة تاركًا إياهما بينما يسير نحو الخارج تاركًا بدوره كلماته:
" بما أنك ستبقى فـ سوف أذهب لبعض الوقت لأرى عائلة الحارس الذي عينْتُه لآش، فليس لهم ذنبًا بأن ابنهما مات بسببنا."

" لا تقلق سأهتم بالأمر هنا. "

غادر مع أخر كلمة نطق بها آكيرا الذي عاد للنوم.

.
.

بعد عدة ساعات، كان قد استيقظ آش و ترك مكانه متجمعًا مع التوأم في حديقة منزلهم، هناك وجد نفسِه وحيدًا ضد التوأم في لعبة كرة القدم.

" أجل لقد خسرت مرة أخرى! "

صاح رين بسعادة بعد أن دفع الكره نحو المرمى و قد أحرز هدفًا، فابتسم آش بخفة، فهو من تساهل مع الصبي لكنه إدعَى الضيق:
" ليس كل مرة ، أرفض تكملة اللعبة. "

كتف يديه باعتراض فتجمع حوله التوأم عابسان و قد نطقت رينا باستياء:
" أخي أرجوك أكمل اللعبة! "

عبس فنبرتها البريئة تجعله يُفسد خطتُه، في حين نطق رين بغضبٍ طفولي و تسلُط:
" مِن واجبك كشقيق كبير لكلانا هو أن تُنفذ ما نطلبه منك."

حاجب آش ارتفع باستنكار رادفًا :
" و مِن واجبك كشقيق مختل أصغر أن تستمع إلى أخيك الأكبر .. لذا كن مطيعًـ.."

كتم ما ود قولِه متأوهًا بألم و هو يدلك ساقه الذي تلقت ركلة غاضبة من الأصغر الذي أمسك بيد أخته و سار مبتعدًا معها بينما يصرخ:
" أنتَ هو المختل! .. ثم لست بأخي أيها الأحمق ."

عبس آش كليًا ليصيح بعدما ترك قدمه:
" تبًا لك، فتى مزعج مثلك لا يُشرفني أن أبقى شقيقه أصلًا! "

كلاهما تفرقا بغيظ من بعضهما، و قرر آش أن لا يهتم و هو يسير نحو غرفته لكنه توقف فجأة أمام مكتب والده الذي يقع في نفس الرواق الذي يقع فيه جناحِه الخاص.

بعض التردد غزا ملامحه، لكن عقله تحرَّك أخيرًا نحو المكتب .. و دون أن يطرُق هو دفع الباب ليدلف منيرًا ضوئها ... كانت غرفة جميلة ذات أثاث بُنِّي مِحمر ، مكتب عريض في منتصفه و خلفه مكتبة كبيرة مليئة بشتى أنواع الملفات أو الكتب العِلمية و الهامة ، بينما الأرض عليها سِجَّاد من النوع الثمين باللون البيچي ثم أريكتين بنفس اللون في كِلا جانبي المكتب ! ..

دلف دافعًا خلفه الباب و تقدم يرمق كل شبر من المكتب بنظراتٍ معجبة و غامضة .. لامس سطح المكتب و لمح ملفًا ذا جلد أسود و أوراق بيضاء مطبوعًا عليها بعض الكلمات مرفقًا بصورة جعلته يتجمد للحظة قبل أن يتحرك صوب الملف و يحمله ناظرًا به!

مع تحريكِه لوريقاتِه شهق بصدمة، لا يُمكن تصديق أن آرين سيفعلها! ..

عيناه تحرَّكت نحو الكائن الذي فتح الباب و دلف قبل أن يتوقف بوجوم يُشاهد ما أمامه بصمت ، تبادلا النظرات للحظات قبل أن يتحرك الأكبر نحوه ، و ما إن جاوره حتى جذب منه الملف ناطقًا ببرود:
" عُد إلى غرفتك. "

" هذا ..."

" آش لن أكرر كلامي، إذهب. "
مرة أخرى بنبرةٍ أشد هدوءًا من سابقتها بينما يتجه نحو الخزنة خلف أحد الجُدران السرية، فتحها و دفع بها ذلك الملف ليُغلقها من فورِه برقمها السري، بينما يُخاطب المتجمد خلفِه:
" لا تُحاول رؤية الرقم كي تفتحها، فرقمها يتغير تلقائيًا كل ساعة. "

عاد ليقف أمامه يميل رأسه نحو الجانب، و هنا بادله آش النظرة بينما يهتف باستنكار:
" لا تُخبرني أنك ستفعلها! "

" بل سأفعل .. ليس لك شأن."

دفع كلماتِه و ابتسم ببرود فغضب آش و صرخ:
" لن تفعلها، أقسم لو فعلتها سأقتل نفسي! "

تحرَّك صوبَهُ فجأة فانتفض آش و تراجع خطوتين بينما يُخاطبه آرين بأعيُن جادة:
" سأفعلها يا آش لأن هذا الأصح .. و يومها سأحبسك و لو اضطررت سأقيدك بالسرير حتى تتعقل و لا تُصب نفسك بأذى، هذا لو حقًا كنت لديك الجرأة لفِعل ذلك."

دفع بخوفِه بعيدًا ليهتف باستياء:
" أنتَ مثلهما إذًا! .. كلكم سيئون! .. أُدرك أنها أهملتني كثيرًا و لكن ذلك ليس معناه أن تسجُنُها! .. هي لم تفعل لك شيئًا يا آرين! "

" بلى فعلَت .. حرمتني من وجودك أربعة عشر عامًا .. لفقت الأكاذيب و تركتك للمدعو سامويل يُهينك و يُعذبك ثم تأتي لتنكر ما فعلتَهُ! .. أنتَ لا تعلم ما مصائبها لذا أُصمت و عُد إلى غرفتك." هتف بشئٍ من الغضب و الاستياء، بينما راقبُه ابنه بغضبٍ مماثل لغضبِه و رفض تام لما يُريده!

هتف بحدة مهددًا أباه :
" أمي إن مسَّها أذى فسوف آشي بك لسامويل و عندها..."

لكنه شهق يتراجع بهلع حين تحرَّك آرين نحوه و قد امتلأت ملامحه بالغضب، يده جذبت الأصغر من ياقتِه ليُلاصق جبهته بخاصتِه هامسًا بنفاذ صبر:
" آش، أنتً لا تعرف شيئًا .. لا تعرف كم مررت بأشياء و أمور فوق طاقتي بسبب والدتك الذي تدَّعي اللطف .. أنها انسانة قاسية. "

" و أنتَ كذلك قاسيًا! .. أنها أمي أتفهم! "

هتف و قد تجمعت بعينِه الدموع دافعًا جسد والده عنه ليتحرك صوب الخارج و لكنه تعثر فجأة و سقط، ليتحرك آرين نحوه بقلق .. ساعده بالجلوس ليمسك بيده التي جُرحَت إثر اصطدامها بطرفٍ حاد من المكتب !

عاتبه بينما يُحاول كتم النزيف:
" أنظر لهذا! .. لقد جرحت نفسك بسبب غباؤك...هيا إنهض. "

أمسك بمعدتِه و أغمض عيناه لثوانِ رافضًا ملامسة والده له، لذا هو همس:
" يُمكنني الذهاب وحدي .. أترك يدي."

لم ينطق آرين بل ظل ينظر نحوه، لحظات حتى نهض تاركًا مكانِه و غادر، ليتنفس المعني بتعب و ضيق .. ليس و كأنه لم يتخيل أنه سيرى تلك الملامح إن علم الفتى بأن والده يُحاول زج والدته إلى السجن!

*
*
;
يتبع..

فيما أنتم مشغولون يا رِفاق؟ 🤡

أشعر بالملل! 😩

و الان أخبروني 🙄 ما توقعاتكم؟

المشهد؟ 🙂

و إذا لم أجد تفاعل لن أنزل الرواية لمدة أسبوعين لأني فاقدة لشغف 😝😝😝

و إلى اللقاء

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top