No.05

قبل بِدء البارت، لا تنسو كثرة الصلاة ع أشرف الخلق سيدنا و حبيبنا مُحمد ﷺ

و قِراءة سورة الكهف فانها نورٌ بين الجُمعتين ♡︎'.

َ
َ
--------------------------------

ْ

دائمًا ما نتعمق في ذلك الشعور المؤلم! .. و إنَّ سائر الجسد يسير دائمًا خلف الأذى، تغمُرُنا عيوننا بالالتماع ، بينما قُلوبنا الهشة تتشقق ، تُنبهنا على أن هانت لأن تنكسِر! .. لن نتمكن دومًا من الاخفاء، يومًا، أسبوعًا ، و شهرًا ، أو حتى سنة! .. ثم يتولَّد شعور الكبت بالانفجار! .. فـ الضغط يُولِّد الانفجار، هذا ما تعلمناه بالواقع الذي نحياه! .. لن يبقى القلب يشتهي الأوجاع دومًا ، و لن يبقى العقل يصمُت للأذى كذلك! .. يومًا ما و بطريقةٍ ما سيجتمع كلاهما ضد ذلك الوجع ، و رغم زيادته لكنه مع الوقت سيختفي! .. سيختفي كأنَّهُ لم يكن قط!

يجلس خلف مكتبه في وقتٍ تجاوزت ساعته للثانية بعد منتصف الليل ، يُحرِّك القلم بعشوائية في الورقة راسمًا خطوطًا مُتشابكة من شِدة الملل شاردًا في الملف الذي كلَّفَهُ به ذلك العجوز، يتنهد بإرهاق فغدًا مدرسة و لا يستطيع النوم بعدما ذاكر للإمتحان الخاص بالغد أما اليوم فهو سيذهب في الصباح للمدرسة و يعود بعدها ليُخبر ذلك العجوز بموافقته على الصفقة على أي حال.

كان قد لازم جسده التعب رغم عدم رغبته بالنوم لكنهُ نهض يسير نحو سريره يُطفئ الأضواء ليستريح فوق السرير يُحاول النوم ثم تنهد يُغمض عيناه لتتولى ذاكرته أحداث هذا اليوم ...

انقلب على جانبه الأيمن يتكور حول نفسه يرتجف مُتذكرًا همس هؤلاء الأولاد في فصله عنه ليتذكر نعتهم له بالمريض! .. يُدرك عن أي مرض يتحدثون! .. لقد نعتوه بأنَّ ما يمُر به هو مَحَض جنون، مريض؟ .. أجل هو مريض .. مريض الليالي القاسية و المؤلمة التي مرَّ بها دومًا بمفرده دون أي يدٍ وجدها تمتد لنجدتِه!

لقد كانت كلماتهم كالسِهام ، و حقًا الكلمات الجارحة كالرصاصة ، تُصيب فتترك آثر ندوبٍ في القلبِ لا تزول.

و مجددًا يتذكر همسه، يطلُب منه أن يبكي بقُربهِ فقط! .. لكنه مُجددًا هل كان وهمًا؟ .. هل يبكي أم ينتظر مجيـ....

تجمَّد جسده لا إراديًا مع تسلُل تلك الرائحة مجددًا إلى أنفه يشعُر بالسرير يهبط خلفه قبل أن يشعُر بأنامله تتسلل إلى خُصلاته مُداعبًا إياها برِفق ثم بذراعيهِ يُطوقان خِصره بينما همسه يصِل إليه:
" ظننتُك نائمًا صغيري .. "

ابتسم آرين حين استطاع الاحساس بضرباتِ قلب ابنه الهائجة قبل أن يشعُر به يلتفت نحوه بسرعة فيُسرع كذلك بإغلاقِ عينيه بكف يده بينما يُتابع بضحكة خافتة:
" ليس الآن حبيبي .."

_" متى إذًا؟! .. أ .. أرغب برؤيتك."

همس بترددٍ يضُم يديه لصدره فابتسم آرين بخفة مُجيبًا إياه:
" قريبًا صغيري .. لكن الآن لا يُمكنني، أسف."

شعر بالحزن لكنه لم يعترض بينما ينطق بإرتباك و خجل:
" لا بأس .. لكن هل يُمكن إبعاد يدُك عن عيني .. صدقني سوف أُغمضها. "

_" أثق بك لكني سأغلقها بنفسي."

لم يعترض مُجددًا ليكتفي بإغماضِ عينُه بخفة ليعقد آرين عِصبة النوم عليها ثم ابتعد يتنهد بحُب قائلًا بينما يجذبه ليجلس أمامه:
" و الآن ما رأيك أن نتحدث؟ ."

_" نتحدث؟! "

عقَّب بغرابة و خجل، يشعُر فجأة أنهُ يلعبُ لُعبة مع صديقه فابتسم لوقع تلك الكلمة .. يتحدث؟! .. لم يطلُب منه أحد من قبل عدا ... عدا مَن؟

_" آش؟ .. هل أنتَ بخير؟ "

رفع رأسه للصوت للحظة ثم ابتسم بخجل ردًا:
" أشعُر .. أشعُر بالحيرة فقط .. لم .. لم أتحدث مع غريب من قبل و هذه ثاني مرة ربما."

تنهد آرين يُراقب انفعالات جسده رغم هدوء صوته و إرتباكه ثم انحنى نحوه يحتضنُه، فسكت آش تختفي ابتسامته و ينبض قلبه بألمٍ مُفاجئ .. هل أصبح مُثير للشفقة لهذا الحد؟

لف ذراعيه حوله يهمس فجأة بنبرةٍ حزينة:
" أنتَ لستَ وهم صحيح؟ .. و ذلك .. و ذلك الهاتف يخصُك كذلك؟ "

_" أجل لستُ وهمًا كما أنَّ ذلك الهاتف اشتريتَهُ لكَ لتتواصل معي حين ترغب برؤيتي و حين لم تفعل أتيتُ لكَ ها أنا ذا."

ابتسم آش بحُزن بينما يُتابع:
" لكن لماذا أنا؟ .. أعني .. مَن أنا بالنسبة لَك لتُساعدني؟"

أبعده عنه قليلًا لتحتضن يداه خدَّاه بابتسامة لطيفة مُجيبًا:
" بالنسبة لي أنتَ هنا .. تتعالى نبضاتُ قلبي بشوق لرؤيتك صغيري."

اختتم واضعًا كف آش فوق قلبه ليشعُر آش بنبضاتِ آرين الرتيبة دون أن يُدرك معنى كلماته، و آرين لم يدعه يفعل بينما ينهض جاذبًا إياه معه بحماس هاتفًا:
" و الآن لنفعل شيئًا أردتُ فعلهُ دومًا صغيري آشو."

_" لحظة! سأقع! "

هتف بخوف مع تحرُّكِه المُفاجئ مع آرين الذي لم يهتم بينما يقفان في منتصف الحُجرة وسط ضوءِ القمر المُنبعِث نوره من الشُرفة المفتوحة.

ترك يده فجأة فابتلع آش ريقَهُ بقلق قبل أن يتسلل لمسمعهِ تِلك الموسيقى الحماسية رغم صوتها المُنخفض فهتف بدهشة :
" ماذا تفعل؟! "

لكن لم يُمهله آرين الفُرصة بينما يجذبهُ معه ليتحرَّكا على نغماتِ الموسيقى نابسًا بعبث:
" لندع كل شئ جانبًا صغيري و نمرح معًا كـ ..."

لم يُكمل بل ابتسم بحُزن ، لا يرغب الآن بالاعتراف، ليس الآن فلا زال الوقت باكرًا .. ثم تحرَّك مع آش مُحاولًا إسعاده، و لحظات حتى اندمج آش الذي قهقه بسعادة يستجيب إلى لفِّ والده ليجسده حول نفسه قبل أن يستقِر مُجددًا مُتحركًا معه في حركات حمقاء و عُشوائية أفرحتهُ كثيرًا و جعلت ضحكاته البريئة تعلو دون اهتمام لما حوله ليُبادله أبيه بقهقهة هادئة ثم ينحني ليرفع جسده من أسفل ذراعيه يُخاطبه بمرح:
" ستفضحنا أيها الأحمق! "

_" أسف."
نطق تخفَت ضحكاته فيُنزلهُ أرضًا ثم ينحني إليه يتحسس خده بحُزن في صمتٍ جعل الجو المُمتع ثقيلًا قبل أن يُردف بنبرةٍ هادئة:
" آش .. لا أعرف كيف أُسعدُك ، لكن تذكر أنني سأمسِك بكَ دومًا قبل السقوط .."

اقترب ليُعانقه بشوق تدمع عيناه لذلك لكنه لم يتخلى عن ابتسامته الحزينة:
" عِدني أنَّك ستنتظرني دومًا .. و أنا أعِدُك أنني لن أتركك أبدًا تهلَك بل سأُنقذُك مما أنتَ فيه .. سامحني بُني."

ابتعد عنه بعد ذلك ، تختفي معه الموسيقى و يحتَل الصمت غُرفته فهمس فورًا بقلق:
" أين ذهبت؟! "

أبعد العِصبة فورًا ليجد أنهُ وحيدًا في الغُرفة و باب الشُرفة مفتوحًا، فتبللت عينه بالدموع يتحرَّك نحو الشُرفة يندفع بجسده وسط دفعات الهواء البارد و الظُلمة التي يُنيرها القمر، تنتفض أنفاسه و ترتجف نبضاته ثم تغرق عينيه بالدموع أكثر هامسًا بفوضى مؤلمة:
" لا تُغادر! .. أخبرني مَن أنتَ أولًا أرجوك! .."

انحنى على سور الشُرفة ينهار في البُكاء قبل أن يصرُخ برفض و كأنَّه يُريد أن يصِلهُ صوته:
" لا تتركني ورائك هكذا! "

انفتح باب غُرفته فجأة تتقدم خُطواتها نحوه بقلق ٍ واضح، فتراه واقفًا في الشُرفة بينما تنهمر دموعه بقهر ، و خُصلاته تتحرَّك بعُشوائية مع حركة الهواء العنيفة قبل أن يشعُر فجأة بقطراتٍ من المطر تنزلق من السماء ، فأسرعت نحوِه بقلق بعدما أتت بعد شعُورها بشئٍ يحدث في غُرفته:
" آش لما تقِف بالشُرفة هكذا؟ ستمرض.. "

جذبت معصمه برِفق ليدفع بيدها عنه بخشونة مُتراجعًا لسور الشُرفة بغضبٍ دفين ، يستند عليه هامسًا بعصبية مكبوتة و قد أحنى رأسه لتتناثر خُصلاته بكثافتها تُغطي ملامحه:
" أُخرجي من غُرفتي ..."

ارتدت للخلف بصدمة مما نطق ثم ابتلعت ريقها بتردد تتقدم نحوه خُطوة أخرى رادفة بحنان:
" صغيري أنت...."

فقاطعها بعصبية صارخًا يدفع بها نحو خارج غُرفته تحت صدمتها الشديدة لردة فِعله:
" قُلت غادري! ألا تفهمين؟ غادري وحسب!"

أخرجها و دفع بالباب في وجهها يُغلقه بعُنف ثم يستند إليه في إرهاق ينزلق جسده ليتكور حول نفسه هامسًا بألم:
" لما تفعلون ذلك بي؟! .. أكرهكم!"

.
.
.

فتح عينيه بإرهاق يُحدق في ورقة امتحانِه بشئٍ من العُبوس مُتذكرًا ليلة أمس و كيف انفعل، رُغم ذلك لم يَرغب بالإعتذار لها، فهو يراه فِعلًا عاديًا مُقارنةً بما يحدث معه بسببها .. تنهد بضيق .. لقد أجاب جميع الأسئلة عدا سؤالًا، و هو يشعر بالصداع حاليًا، لا يُمكنه التفكير وحسب فيه! .. كما أنَّ جسده مُرهَق ، فلقد درس ذلك الملف الكبير و قد تولى أمر دراسته كذلك خلال اليومين ، فضلًا عن أنَّ سامويل لم يجعلُه يتحرَّك اليوم من المنزل حتى أخبره بكُل تفاصيل الملف ، و لكن حينما ارتبك قليلًا في الحديث رغم كل ما قاله بطريقة جذابة و صحيحة، تلقى قَرصَة مؤلمة منه جعلت من جِلد ذِراعه يتحول للأزرق ككدمة تفجرت بها الأوعية الدموية الرقيقة!

تحسس ذراعِه من الأعلى ، لازال يؤلمه بحق .. ثم تنهد يتذكر ذلك الغريب مجددًا الذي بسببِ تفكيرِه به لم يستطع النوم جيدًا و لذلك وجد نفسه يُغمض عينيه بتلقائية و لم يشعُر بنفسه و هو يغُط في نومٍ عميق فوق أوراقِ الامتحان، فلقد تغلَّب التعب و الارهاق بالإضافة للألم على قُوتِه المُتبقية!

" آش، ليس وقت النوم، انهض! "

تحرَّك نحوه مُمسكًا بعصاتِه، بينما يُوجِّه له حديثًا حادًا الا أنَّ الفتى لم يستجب إليه! .. توقف إلى جواره ينغزَهُ في كتفِه دون جدوى مما جعل القلق يتسرب إليه و خاصةً لنومِ آش الذي يُشعرك بموتِه و ليس نومه ، و سُرعان ما أنِ انخفض يُعدِل جلسته ليراه يفتح عينيه المُشوشة بإرهاق و حين تحسس جبهته عاتبَهُ بضيق:
" لما أتيتَ و أنتَ مريض؟! .. حرارتك مرتفعة! "

هز رأسه نافيًا يعود ليُمسك بالقلم بأيدٍ ترتعش يكتب أخر إجابة التي تذكرها توًا ردًا بخُفوت:
" لا تقلق أستاذ، الحرارة ستختفي وحدهـ..."

شهق فجأة حين جذبه من ياقته الخلفية يرفعه بشكلٍ مُهين جعلهُ يعبس مُعترضًا ، فيُقاطعه آكيرا فورًا بحِدة:
" لا تعارضني وحسب، سنذهب للعيادة و نرى ما بك؟ "

حاول دفعه برفق يبتعد عنه دون جدوي بينما يعترض بإحراج:
" أسف لكن لا شأن لك ، يمكنني تدبر أمري! "

ترك قميصه يُشير نحو الخارج ناطقًا و أضراسِه تصطك ببعضها غيظًا:
" إن لم تفعل سأتصل بوالدك لذا فورًا، إذهب! "

و لخوفِه من هذا التهديد هو وجد نفسِه يُغادر من مكانِه، ليتنهد آكيرا مُخاطبًا الجميع:
" هيا شباب الوقت انتهى."

.
.

استلقى فوق السرير ينظر للممرضة التي تُثبت تلك الابرة في معصمه، فانعقد جبينه يُشيح بوجهه عنها، لتنطق بابتسامة حين رأته:
" لا تقلق انتهيت و أقوم بتثبيتها حاليًا. "

عاد ليُحدق فيها، قبل أن يلمح آكيرا يدلف نحوهما دافنًا كفيه في جيبيّ بِنطاله ، حين اقترب منهما التفتت الفتاة تُخاطبه بمرح مزيف:
" هل رق قلبك خطيبي العزيز؟! "

تنهيدة مُغلَّفة بالممل رمقها بها بينما يتذمر :
" سالمين! .. لا تُشعريني بالحرج أيتها المزعجة! "

ضحكت برقة ثم نظرت للذي يُتابعهما بدهشة، رادفة:
" لم أُعرِفَك آشو، هذا هو خطيبي، السيد آكيرا آليكساندر .. الوريث الثاني للعائلة."

عاد إلى رشده دون اهتمام يُهمهم بعبوس قبل أن ينطق بجدية:
" لما أنا مِن بين الجميع مَن تهتم بي؟! "

" لستُ أهتم بك أيها القصير، أنا فقط مسؤول عن كل شئ الآن. " نطق ببرود...

هذا كان أخر شئ حدث هناك قبل أن يكتمل يومه و يُغادر من المدرسة .. كان يرتدي بيجامة منزلية بنفسجية اللون في غُرفته التي أُضيئت بضوءِ مِصباح المكتب الخافت الذي كان يجلس عليه يُقلِّب الهاتف بين يديهِ بحيرة و ملل، يتذكر تِلك اللحظات فيبتسم بحنين .. يتسائل ؛ هل يفتحه و يتصل عليه؟ .. يَرغب برؤيته مُجددًا ... لكن مَن يكون؟ .. و لماذا يهتم به لتِلك الدرجة؟

تنهد بإرهاق يتحسس جبينه، لقد خفتت حرارته لكنه لا يزال يشعُر بالمرض!

" آش؟! أيها الولد الغبي أين أنت؟! "

انتفض تتوسع عيناه بذعر مع تسلُل صراخه لغُرفته! .. دافعًا بكل سُرعته و ذعره بالهاتف المُغلق في دُرج مكتبه أسفل أحد الكتب، ليستدِر بعدها يلتصق بحرف المكتب مع اقتحام سامويل لغُرفتِه بكل همجية، تنطبِع ملامحه بالغضب و القسوة! و كأنه أقسم على محوِهِ اليوم من الوجود!

ارتجف جسد آش برُعب حين اقترب أكثر منه بينما يصرخ غاضبًا:
" ما الذي فعلتُه؟! .. لقد نسيت ذلك البَند المهم في العِقد و بسببك قد خسرت مليونًا! .."

ارتبك بذعر، بينما يُبرر:
" أنا لم أنسى يا أبي، صدقني! .. لقد أخبرتك بكُـ.."

صفعة حادة جعلته يسقُط أرضًا بخشونة ، استند على راحتيه يُحدق في قطرات الدم الذي لوَّث الارض أمام حدقتاه يشعُر بلثته تنزف! .. ليس و كأنَّ فمه تعافى من أخر بصمات كف سامويل التي جرحت جدار فمه و ألهبته! لكنها هذه المرة كانت صفعة حادة، بها كل شرارات الغضب و الهوس الذي يُعاني منها هذا المُنفصم! .. شعر بعيناه تتبلل يكتُم الدماء بيده ، شُل لسانِه و انكتمت أنفاسِه برُعب مع شعوره بخُطواته تتصلب خلفه ، و فقط ماذا فعل ليحدُث ذلك كل مرة؟!!

جذبُه سامويل من ياقته يجعلُه يجلس و بيده الحرة لطم خده الأخر بأكثر قسوة و شراسة يمتلكها جعلته يشهق بألم شديد و قد تملَّكَهُ الهلع! .. جذبه من شعره بعُنف يصرخ مُعنفًا إياه دون قُدرة الصبي للدفاع عن نفسه:
" عقابك سيكون عسيرًا! .. لن أرحمك و سأجعلك تخسر كل ما تملكه! سأجعلُك تخسر ذاتك، تذكر ذلك!"

ماذا فعل لكل هذا؟! .. هو حتى يُدرك جيدًا أنه كذب عليه بخصوص تلك الأوراق لكن ما الذي جعله غاضب بكل تلك الشراسة ليُخرجها على جسدِه؟!!

دفعه عنه بقسوة ينهض سامويل من مكانه يسير نحو تلك الأرفُف المُمتلئة بالكتب ، و تلقائيًا بدأ برميِّها مُكونًا كومة منها ، وقف أمامه ينظر للولد الذي يُناظره برفض رغم عدم قدرته على المُقاومة لمسح دماءه التي ملأت وجهه حتى! .. ثم بكل قسوة ذهب و عاد بزجاجة مشروب من خاصتِه ليسكُبها على كتبه و أشياءِه المفضلة ثم كسر تِلك الزجاجة و ببرود حاد و نظرة مستمتعة بألمه هو أشعل عود ثقاب و ابتسم تزامنًا مع تركها من يده، و ما إن لامست الشُعلة الكتب حتى اشتعلت النيران و انعكست على زرقاويه المُتألمة التي امتلأت بالصدمة!

تراجع سامويل ليُغادر الغرفة مُغلقًا إياها بالمفتاح من الخارج ، بينما ظل آش يُحدق في كتبه بآسى! .. لقد أحرقَهُم بعد أن جمعهم بالمصروف البسيط التي تعطيه إياه والدته! .. الآن بات كل شئ فارغًا! .. فارغًا تمامًا!

مرت الساعات حتى انتصف الليل و بات القصر كله نائمًا ، لكنه لا زال جالسًا يحتضن ركبتاه إلى صدره يُحدق في الرماد الذي تبقى من كتبه الثمينة! .. عيناه انطفأت! .. و روحه غادرت جسده! .. تلك الدماء جفت تمامًا لتمتزج بملامحه!

ثم عاد الدم ليتدفق في جسدِه فجأة ، فإرتكز على ذِراعيهِ ليقف، لكن ما إن فعل حتى وجد نفسه يسقط يبصق الدماء بعد أن غلبتُه نوبة تقيؤ حادة تزامنًا مع اشتعال معدته بالألم الحارق!

تنفس بصعوبة و دون أن يُدرك كان قد نهض مجددًا يأخذ ذلك الهاتف من درج مكتبِه و يتحرك بترنُّح نحو سريره ، تمنى لو تِلك اللحظة يأتيه ذلك الشخص! .. الشخص الذي استطاع بكل جوارحه أن يُلملم و لو جزء بسيط من خيباتِه!

فتح الهاتف أخيرًا و تركه حتى تظهر خلفيته ، لم يتفاجأ بأنها أحد صوَرِه! .. و لم يندهش من كون رقمًا واحدًا ما يملكه ، أو عِدة من الرسائل اللطيفة جدًا كُتِبت من أجله فقد رافق الشخص اسمه بكل رسالة!

ضغط على الرقم ينتظر أن يستمع للطرف الأخر، الذي سُرعان ما أخبره بشئٍ ما ليهمس بصوتٍ مُهتز:
" أ.. أنتظرك."

****

قبل عدة ساعات ... تحديدًا في بناء الشركة التابعة لعائلة آشورا .. كان سامويل جالسًا يُحدق في الملف بانهاك .. لا يسِعَهُ عقله أن يتدارك حُروف العقد الذي أمضاه توًا ، لكنه يتذكر آش و هو يتلو عليه كل شئ بهذا العِقد ، و كأنَّهُ حفظ كلماتِه المطبوعة على الورق ، رغم ذلك كان لا يستمع له أصلًا و كان يتجاهل ما يُخاطبه به لكنه لم يبرح أن استغل انتباهه لخطأ ما ليقرص جلد ذراعِه بقسوة رامقًا سيلينا المستاءة بشئٍ من الاستهزاء .. خرج من أفكارِه حين توقف على جملة كتبت في ذلك العقد ، جملة جعلته يَذعُر! .. لم يكُن ملفًا عاديًا ولا صفقة عادية! .. بل صفقة إذا إتفق عليها الطرفان عليه أن يدفع مليونًا كحد أدنى لقبول المساواة و الاندماج مع تلك الشركة! .. شركات آل أليكساندر! .. العدو اللدود له!

انتفض، انتفض راميًا بالعقد بكل ما يملكه من غضب! .. و قبل أن ينهار في غضبِه ، أتته مُكالمة من رقم مجهول .. هو تمالك غضبه للحظة و هو يُجيب ، لكنه تسمَّر جسده مع مرور ضحكة هادئة مستفزة على مسمعه ، بل اخترقت طبلة أذنه كما اخترقت كلماتِه صدره قابضة عليه بعُنف:
" ربما هديتي لك وصلت يا صديقي .. أتمنى أنها أعجبتك فها نحن ذا سنُصبح شُركاء مجددًا. "

هنا لم يتمالك غضبِه و صرخ:
" تبًا لك آرين! لمتى لن تتركني وشأني!؟ .. تُرسل لي عقدًا غبيًا و تُخسرني مليونًا مع صفقة التعاون معك؟!!"

" عزيزي أنتَ من وقَّعت على الأوراق و لم تنتبِه لإسم العائلة ولا الشروط المُهمة .. هذه غلطتُك وحدك! .. مُساعدي قبل لحظات أبلغني أنَّك أمضيتُه ، و لقد انتهى الأمر .. استمتع! "

من شدة غضبِه أردف بسُخرية دون أن يهتم بذلك السِر:
" حسنًا ليست غلطتي وحدي! .. فمن دَرَس العِقد قبلي هو المخطئ ، و صدقني لن يسُرَّك أن تعرِف مَن يكون يا إبن آليكساندر! ..."

صمته من الطرف الأخر جعل من ابتسامة سامويل تتسع و هو يُقهقه بخفة مُستهزئًا:
" لا تُخبرني أنك خِفت يا عزيزي! .. لا تقلق ليس بالأمر الأسوأ، فقط عقاب صغير و ينتهي الأمر. "

" عمَّ تتحدث؟ "

" لا تدَّعي الجهل ، أُدرك جيدًا أنَّك تعرَّفت عليه بالحفل خاصتك! .. هو مَن أخبرني بالعِقد و لكنه لم يُخبرني بالشروط التي وضعتها أنت .. أُدرك أنَّهُ رغم مُناداتِه لي بأبي الا أنه يكرهني ، لذلك لا ضِير من عقابِه على فِعلتِه ."

" إيا..."

ابتسم بنصر، بعدما أغلق المكالمة ليأخُذ مفاتيح سيارتِه و يسير نحو الخارج ، ركب سيارتِه و غادر بنظرة حادة ، اليوم يُقسم أن يحرق قلب ذلك الفتى و معه سيحرق قلب أبيه!

*****

تسلَّق ذلك الجدار مثل لِص يُحاول الصعود للسرقة، لكن غايتِه كانت مختلفة ، الساعة تجاوزت للثانية بعد منتصف الليل ، مُتشِح بالسواد حطَّت قدميه على أرضية تلك الشُرفة ، يُحدق في داخل حُجرتِه بهدوء عكس ما يشعُر به .. ما يفصله عن الدخول هو باب الشُرفة الزجاجي!

تنهد بضيقٍ مبالغ ، غالقًا زرقاويه بتعب .. و عاد ليفتحهما مُخرجًا هاتفه الذي اهتز في جيبه قبل لحظة، و دون أن يبتسم حتى لرؤيته للإسم المدون على الشاشة ، رد بخفوت:
" داڤي، ماذا تُريدين؟ "

أتاه صوتها بقلق:
" أعرف أنك هناك، لكن هذا ليس بالأمر الصحيح يا آرين، انك تتهور فِعليًا! "

" و ما هو الصحيح برأيك، داڤيينا؟ "

رد بتمهل و حزن، لتُجيب:
" عُد يا آرين، رجاءًا و سنتحدث في الأمر لنجد حلًا. "

استمع إليها حتى صمتت تستمع إلى رده، لكنه اكتفى بأن أبعد هاتفه يُحدق به للحظة ثم أغلقه بصورة نهائية!

بطريقتِه هو دلف إلى الحجرة بعدما استطاع فتح باب الشُرفة ... و تقدم نحو ذلك الجسد الساكن على السرير و بجانب رأسه الهاتف الذي أرسله له قبل يومان .. إنحنى نحوِه يمسح على خُصلاته الليلية برفق .. هناك نظرة حزينة يوجهها نحو ابنه ، ليس و كأنه لم يجد حلًا سريعًا ليفعل! .. لكن حقًا أمورِه معقدة!

أخرج عِصبة سوداء من جيبِه ليلُفَّها حول عين الفتى بينما يتحدث بصوتٍ هادئ:
" أعلم أنك مستيقظ .. لا تدَّعي الأمر فأنتَ مكشوف كُليًا لي .. لكن أتثق بي حقًا؟ "

تحرَّكت أنامله ثم اعتدل يلمس تِلك العصبة ليُجيب بهمسٍ متوتر:
" ليس كذلك، فقط أود أن أعلم لما من بين الجميع تأتيني؟ و لما لا تُريدني أن أراك؟ .. أأنتَ حُلم؟! "

مسح على شعره متنهدًا بيأس قائلًا :
" لستُ كذلك .. لكني هنا لأجلك، لأجلك فقط، لذا لا أريدك أن تقلق فحسب، حسنًا؟ "

لم يُجب آش، لكن آرين فعل رادفًا:
" آش، ستأتي معي و لا أريد نقاش."

ارتجف جسد آش و كاد يُبعد العصبة لكن آرين أسرع بامساك يديه يحتضنهُما قائلًا:
" لا تخف! .. ليس و كأنه إختطاف لكنني فقط لا أريد أن يمسَّك أي أذي! .. رؤيتك بهذه الهيئة تقتلني! "

" مـ .. مَن تكون؟! "

حل الصمت ، لا يُسمع سوى صوت الرياح الدالفة من الشُرفة، استقام آرين و ابتعد عنه ، أعطاه ظهره ممسكًا بجبينِه بآسى! .. يُراقب الرماد و بقايا أوراقٌ محروقة على الأرض .. كيف يُخبره بالأمر فقط؟! .. هل أصلًا سيقتنع سريعًا به؟

التفت ليجلس أمامه مُخرجًا منديلًا من جيبه ليقترب يُحاول مسح تلك الدماء العالقة فوق ملامحه بينما يهمس:
" آش هل تعلم من يكون والدك الحقيقي؟ "

ظهرت ملامحه المُستنكرة معرفة هذا الشخص بذلك السِر مما جعل آرين يُدرك أنَّ آش يعرف أنَّ سامويل ليس والده لذلك اكتفى بالصمت حين نبس آش باستياء:
" لا أعرف كيف علِمت .. ليس و كأنَّهُ يروق لي أن يكون سامويل هو أبي ، لكنه ..."

" آش ما بك؟! "

خاطبه بقلق من سكوتِه قبل أن يُردف بتوسل:
" هل يُمكنَك انقاذي؟ .. لا أريد البقاء هنا أرجوك."

ابتسم آرين ينهض فجأة جاذبًا إياه معه ليتحرَّك معه الصبي دون فِهم ما سيفعله ليجده ينطق:
" تمسَّك بي جيدًا آش .. سنخرج من هنا. "

_" لكن؟! .."
تردد، ليتقدم منه آرين يُعانقه بخفة ثم يبتعد يُعطيه ظهره بينما يُساعده:
" لا تقلق صغيري .. سامويل لن يصِل لَك مُجددًا."

و رغم قلقه لكنه اقترب يتحسس كتفيّ آرين قبل أن يلُف ذراعيه حول رقبته يتمسك به بقوة ، و هنا كانت رحلته الجديدة التي لا يعلَم عنها شيئ .. فقط ترَك رغبته المُلِحة بالابتعاد، أن تقُوده نحو وِجهتهِ الجديدة، دون أن يُدرك المُستقبل الغامض الذي ينتظره....... .

*
*
*
يتبع.."

بارت من 3000 كلمة طويل بالنسبة للباقي .. و الآن هل أعجبكم؟

المشهد؟

رأيكم؟

طريقة آرين بالتعامل مع ابنه؟

توقعاتكم؟

تقييم البارت؟

هل يوجد أخطاء؟

و الآن سوف أراكم لاحقًا باذن الله في بارت أخر، استمتعوا ❤️✨🦋

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top