No.03
استغفروا ✨
-----
.
.
.
"إنها العائلة إما أن تصنع إنساناً أو كومة عقد."
- تولستوي
-------------
نِصف ساعة استغرقوها في الطريق بعد انتهاءِ الحفلة ، الوقت متأخر جدًا ، و الليل أحاطهُم بستائره المُعتمة و قد بدأت المدينة تهدأ تدريجيًا مع مرور الوقت الا أنَّ الصمت المُحيط بالثلاثة داخل تلك السيارة ما كان سوى هُدنة بسيطة عن ظهور المشاعر المليئة بالغضب مما يحدث من خلفِ ظهره! ..
و أخيرًا توقفت السيارة و ترجل منها قبلَهُم دافعًا ببابِها بكل قوةٍ كاد أن يُكسر الزجاج على إثرِها ، ذلك أجفل شقيقه الذي هرع خلفه يناديه بقلقٍ من ثورانِه:
" آرين انتظر! "
الا أنَّ المعني لم يتوقف عن السير حتى بلغ الصالة ، هنا قد ظلَّت الأفكار السوداوية تدور حوله و تأمر شياطينه أن تتحرر ، ثم قبضته التي انغلقت بقسوة تحرَّكت فجأة ، و بكِلتا يديهِ دفع بـ الطاولة الزجاجية مُخرجًا جُزء من غضبه فيها ، فـ خرجت شهقة مصدومة من آكيرا و داڤينا يتراجعان بقلقٍ يندفع خلال مجرى أسماعهما تحطُم الزجاج ، في حين كان هو يُحدق في ذلك الزجاح المُهشم و تلك الأشياء التي تبعثرت على الأرض ، بشئٍ من الهدوء المُفاجئ! ..
تحرَّك آكيرا بخفة و حذر حتى وقف إلى جوارِه لتمتد يده برفق يضعها فوق كتف آرين الأيمن ناطقًا بحذر:
" أخي، لا وقت لإستعمال غضبك ، لقد تبينت الحقيقة لك .. هذا كافي لكي .."
دفعَهُ عنه يبتعد بضع خطوات مُنفعلًا بسخط:
" لا شئ كافي يا آكيرا! .. لقد كذبت و قالت أنها أجهضت الطِفل ، ثم بعد أربعة عشر عامًا و بالمُصادفة أصطدم بالحقيقة؟! .. "
التفت يستند إلى مَسندِ المِقعد يُخلخِل أنامله في خُصلاته باستنكارٍ شديد قبل أن يقبِض عليها بعُنف يُردف بشئٍ من الصدمة التي لم يستطع منذ ذلك اليوم أن يتخطاها:
" ظننتُ لوهلةٍ أن كل شئ محضُّ خيال أو وهم إختلقَهُ عقلي فقط يا آكي! .. لكن الحقيقة أنني كنت أبله لأُصدقها ذلك اليوم .. لم أشُك بها و لو للحظة بينما تُخبرني بكل برود عن قتلها للجنين و رغبتها أن أبتعد عنها نهائيًا و لا أُفكر بالعودة بعد انفصالنا قاطعة الأمل بيننا .. لم أشُك بها و أنا أعرف أنَّها كانت فُرصتها الأخيرة لتُصبح أُم بسبب مرضها و صدقت أنَّها أهملت فُرصتها الأخيرة لرغبتها الأنانية بالإنفصال عني! .."
تهدج صوته بحُزن يرتمي فوق المقعد خافيًا ملامحه أسفل كفَّيه رادفًا بنبرةٍ مُنكسرة بينما يتذكر تِلك اللحظات القاسية:
" تِلك المُقابلة غيرت فيني الكثير! .. رُغم ذلك وقفتُ مكاني دون أن أتحرَّك قيد أنمُلَة لأكتشف صِدق كلامها أو عدمه و اخترتُ الهرب فحسب! .. الهرب من ألم الخسارة .. خسارة الفتاة التي أحببتها و خسارة الطفل الذي رغبتُ بوجوده .. و حين استيقظتُ من كل آلامي مًتأخرًا جدًل اخترت أن أبحثُ خلفها مُجددًا! ..."
أبعد كفَّيه بإهمال يرتخي جسده ليُحدق في السقف بمرارة رادفًا بنبرةٍ هامسة ساخرًا من حماقته:
" ربما تلك الحفلة ضمن مُخططاتي لأصل إلى شكوكي .. فمعرفتي بسيلينا تجعلني أُدرك أنها لن تتزوج سامويل لأي غرض سوى المال .. أنانيتها دفعتها لفِعل أشياء كثيرة لتصل للغاية التي تُريد."
تنهيدة عميقة أطلقها و هو يلتفت لهما دون أن يُواجه نظراتهما يبتسِم بشرود:
" .. ملامحه! .. تحركاته .. و حتى عيناه! .. انَّهُ النُسخة التي رسمتها في خيالي لهُ! .. انه هو! .. لا شك بأنَّهُ هو!"
" إنَّهُ هو بالفِعل يا أخي. "
و عيناه ارتفعت لتلتقي بأعيُن آكيرا الضيِّقة ، و عقد جبينه مُستنكرًا معرفة آكيرا به! .. بحقِّ الله أكان يعلم؟!
" آكيرا توقف! "
نطقت داڤينا تعترض ، لكنه نطق بعد أن استسلم للأمر الواقع:
" لا يا داڤيينا ، كان يجب أن يعلم أخي الحقيقة ، هذا حقَهُ."
هنا صرخ آرين بنفاذ صبر:
" ماذا يحدث؟! تحدثا! "
ابتلعت داڤينا رمقها بندمٍ و أجابت مُقاطعةٌ لآكيرا:
" حسنًا سأُخبرك .. منذ فترة و شعرتُ بغرابة تصرُفاتك ، لم أرغب بالضغطِ عليك لمعرفة الأمر طالما لم تأتيني كي تُخبرني ، حتى .. حتى سمعتُك منذ فترة و أنتَ تطلُب من أحدهم عبر الهاتف بعض الصور و أمور عن سيلينا ..."
أخذت نفسًا عميقًا تتلاشى نظراتها عنه بينما تُكمل ببعض الخجل:
".. و بسبب شعوري بالغيرة قررت أن أبحث عن سيلينا تلك و أعرف ماذا تُريد منها بعد كل تلك السنوات فـطلبتُ من آكيرا وضع جاسوسًا بذلك القصر ، و لقد حدث .. المعني كان يُبلغني بكل شئ! .. ذلك حدث قبل عدة أشهر بعدما بلغ آش الرابعة عشرة .. إسمه آش، في أخر مراحلُه من المرحلة الإعدادية رغم صِغرِه لأنه سبق عامًا دراسيًا كما كانت تود سيلينا و سامويل لأجل أن يستلِم المُمتلكات لكن بعد ذلك توقف لأمرٍ مجهول سببه ، و ببساطة لأن سامويل غاضب من أبناءه و يود من آش أن يكون طُعمًا ليستغله حتى يسترجع عقل أبناءه و السيطرة عليهم .. بينما سيلينا تتركه له مع صفقة تُتيح لها بنِصف أملاكه و قد وافق سامويل، هذا غير .."
تنهدت و قد توقفت خائفة من أن تتحدث لكنه صرخ بحِدة تكاد تنفلِت أعصابه إثر ما يسمع:
" أكملي! "
أشاحت عنه بنظراتها تُكمل بنبرةٍ شِبه مُنخفضة:
" آش يتلقى الكثير على يدِ سامويل ، الكثير من العِقاب حتى على أتفهِ الأسباب .. لكن لا أحد يعلم ما يجري تحديدًا .. ميكايل قال أنَّهُ استمع للخدم حينما كانوا يتهاوشون بأسرارِ ذلك الجِناح الخاص بالفتى، و رُغم مُحاولات تسَلُلُه إلَّا أنَّها باءت بالفشل و كاد يُكتشَف بسبب الحُراس الذي يتركَهُم سامويل أحيانًا لمنع آش من الخروج أو رؤية أحد."
تراجع آرين للخلف غير مصدقًا ذلك! .. رغم أنه استفزَّهُ اليوم مُستغلًا غضبه كي يعلم إن كان شكهِّ بمحله أم لا ، لكنه الآن مرعوبًا عليه! .. ماذا فقط لو أنه يتم عقابِه الآن بسبب ما تلفظ به أخر دقيقتين بالحفل؟!
و دون أن يتدارك الاثنان ما يُفكر به ، أخذ مفاتيح سيارته و خرج مُسرعًا غير مُباليًا بمناداة الاثنان من خلفِه!
****
الليل و الظُلمة توسعت بشكلٍ متقن في قلبه، يُحيطها الألم من كل جهة كحال جسده الذي تشبع بالألم .. الساعة قد تجاوزت الواحدة ليلًا، الا أنَّ سامويل منذ جاء لم يتمهل لحظة عن حبسِه بالقبو و انزال عذاب أليم بجسدِه عقابًا لما فعله و نطق به بكل جُرأة قبل مجيئهم! فضلًا عن أنه يوجِّه غضبه من آرين في جسد إبنه!
ركلة أخيرة كانت من نصيب معدتِه ، يتكور على الأرض يحبس دموعِه و أنَّاتِه ، قبل أن تلتقِط عيناه ذلك الحذاء النسائي الذي دلفت به إلى القبو قبل أن يستمع إلى صوتها الذي نهرت به سامويل الغاضب:
" تبًا سامويل! لما عاقبته بهذا الشكل؟! "
ثم سمع خُطواتها التي اقتربت منه ، يكادُ يشهقُ باكيًا في حُضنها لكنه لن يُعطيها ثقته فقط! .. فهي مُجرمة بحقه مثل سامويل تمامًا ، رفعته عن الأرض تُحدق في وجهه و الدماء التي انزلقت من فمه و أنفِه و قد أصيبت لثته بجرحٍ بالغ بسبب صفعة تلقاها من سامويل! .. مسحت على وجنتيه تُهدئه بينما أخرجت منديلًا و أخذت تمسح له وجهه ، و فقط هو اكتفى بإشاحةِ وجهه عنها، يبتلع بكل قسوة تلك الغصة شديدة الألم بقلبِه! فلما هي لم تفعل و تمنعُه عن إيذائِه؟ .. لما اكتفت بتوارِيها خلف أبواب غُرفتها تاركة إياه وحده مع ذلك القاسي؟!
" لا بأس عليك! .. تعال صغيري سنذهب إلى غرفتك كي ترتاح. "
تكلمت بحنان تُساعده بالنهوض ، و هو فقط استجاب لها بصعوبة ، كونها سببًا فقط بإبعادِه عن ذلك الوحش الثائر! .. دون أن يتجرأ للنظر نحوه مجددًا حرَّك قدميه المُتأذية يسير مع والدته التي تحدثت تُخاطب من خلفهما بغضب:
" لا تتجرأ و تؤذيه مجددًا بهذا الشكل يا سامويل. "
و سمع تَهَكُّمه ثم سخريته اللاذعة قائلًا:
" و مَن سيمنعني؟ أنتِ؟! .. لا تُضحكينِ يا سيلينا فـالاتفاق بيننا واضح و صريح ، هذا الفتى مِلكِ منذ أن خطوتي بقدميكِ إلى حياتي و لا يُمكنكِ التراجع. "
لم ترُد بل تابعت خُطواتها مع الفتى نحو غرفته ، هناك ساعدتَهُ بالاستلقاءِ و غطته ببطانيةٍ ثقيلة تطبعُ قُبلة لطيفة على وجنته بينما تهمس بغموض مُعتذرة:
" أسفة للألم صغيري، مُجبرة على ذلك. "
بالنهاية غادرت تاركة إياه وحده ، مُغلقة عليه ذلك الجناح الكئيب الذي اتخذ من أخر طابق مكانًا له ، وحيدًا، بائسًا! .. بأفكارٍ مُهلكة اعتدل ينظر للسقف دون أن تتحرر دموعِه ثم تنهد بعُنفٍ ثم عاد ليستلقي على معدتِه غامرًا وجهه بتلك الوسادة مع أنفاسِه القاسية، يتمنى حقًا لو أنَّ له القدرة على قتل نفسِه، لكنه لا زال جبانًا و ضعيفًا!
قبضت أنامله الوسادة بقسوة تنفعل مشاعره فجأة ليُطلق صرخة مكتومة جمع فيها كل قسوة هذا العالم الذي شعر به قبل أن تتحرر دموعِه أخيرًا لينهار في بُكاءٍ مرير! ... انَّهُ آسف! .. آسف كونِه خلف بوعدِه لنفسِه بأنَّهُ لن يبكي حتى ينتقم! .
جفل لملمسِ أنامله التي غزت شعره بخفة بعدما جلس إلى جوارِه .. كان كل شئ ثابتًا للحظات قبل أن تندفع من جوفِه شهقة حادة مذعورة حين شعر بذراعيهِ تُحيط به و قد التفت سريعًا يُدافع عن نفسِه بـ كلتا يديه ، فأسرع المعني يُوقفُه و قد أحكم قبضتيه على ذراعيه و فمِه و سرعان ما استسلم الأصغر للأمر الواقع، يُغمض عينُه باستسلامٍ منتحبًا بانهيار!
لم يستطع فتح عيناه يرتجف بخوف مما يحدث ثم شعر به يبتعد للحظاتٍ قبل أن يعود ليشعُر بكفِّهِ الدافئة تمسح على خُصلاتِه ثم على وجنتيه بلُطف قبل أن يشعر بشئٍ يُربَط على عينه .. لم يُجادل ، هو خائفٌ جدًا، ربما هذا سامويل و هذه إحدى نوبات إنفصامِه! .. لكنه لن يُبعد حذرِه! لن يُبعد....
استلقى إلى جانبِه يجذبه من خاصرته ليُضمه إلى حضنِه هامسًا بصوتِه الهادئ:
" هون عليك ، لستُ هنا لكي أؤذيك، أنا هنا لأُبعِد عنك مُر الأيام .. ربما تعويضًا عما حدث لك."
هذا ليس صوتِه ، و هذا طمأنَهُ كثيرًا ، فشعر بهدوءِه يعود يجفُل لملمس يده الدافئة على خده المُتورم قبل أن يشعر بضمِه له هامسًا بعد تنهيدة عميقة:
" هات يدُك، لأضمها .. آش "
لم يتدارك وضعِه بعد ، لكنه و بطريقةٍ ما هو يشعر بالأُلفة الشديدة و الآمان الذي يُحيط به هذه اللحظات ، كما و أنه بوضعٍ لا يَسمحُ له بالاعتراض و عيناه فقط مَعصوبة! .. لذا يده المرتجفة مدَّها نحو يدِه التي ضمتها برفق ، و هو يُكمل همسه:
" أحسنت حبيبي. "
" مـ .. مَن أنت؟ "
همس بقلق، ليشعُر بوجنتة الأكبر تحتضن خاصتِه ، يستشعر معها أنفاسِه الدافئة بينما ينطق بهمس الهادئ:
" سأكون كل من تُريدني، موافق؟ "
ليس جوابًا مُباشرًا ، لكنه وجد نفسِه ينطق بنبرةٍ مُتحشرجة مُترددة:
" هـ هل يُـ يُمكنني طلب شيئًا واحدًا منك؟ "
همهم برفق ، فأكمل بنبرةٍ باكية و بالكاد تبللت تلك العِصبة بدموعِه:
" أيمكنني البُكاء؟ .. هل سأكون جبانًا لو فعلت ذلك؟ "
شعر به يبتعد عنه فشعر بأنه أخطأ بطلبِه الأحمق لكنه تفاجأ به يجذبه برفق يُعدل من نومته ثم شعر بنفسه بحُضنه ، تلمست يداه الزِر و الجيب الذي كان يخُص قميصَهُ قبل أن يسمعه يهمس بينما يستشعر أنامله و هي تحتضن خصلات شعره باعثة إليهِ الهدوء:
" يُمكنك الآن فِعلها ، ليس عليك البكاء الا هنا ، بين يدي يا آش."
تحررت دموعِه و سمح لنفسِه باحتضان هذا الغريب و الإنهيار ، لتذهب اللباقة و كونِه وريث، و كل شئ للجحيم! لأجل هذه اللحظة! ..
تلك اللحظة التي تُشعره بأنَّهُ على قيد الحياه!
**
حل الصباح أخيرًا ... يجلسُ سامويل بإهمال فوق ذلك المقعد يُصفر باستمتاع، لا يُبالي بشئ منذ غادر قصره الأخر إلى هنا!
خُطوات قدميه توقفت أمامه تمامًا يُناظره بضيقٍ شديد، يرى لا مُباليته بأي شئ فينطق بهدوء:
" أبي؟ .. هل لي بحديثٍ معك؟"
فتح سامويل عينيه ليجد سام واقفًا أمامه فابتسم ساخرًا يُهمهم له بالموافقة، فجذب سام المقعد ليُقابل به أبيه رادفًا بجدية:
" أبي .. لماذا فعلتَ ذلك؟ "
_" فعلتُ ماذا؟ "
سأل ببرود، لكن ذلك لم يُغضب سام الذي أجاب:
" لماذا جعلتَ ذلك الصبي الصغير الوريث ؟ .. تُدرك جيدًا أنهُ لن يستطيع! ..."
_" و أنتَ تُدرك أنتَ و إخوتك ما كِدتم تفعلوه .."
هنا و قد قاطعه مُنفعلًا:
" لكنَّك مَن بدأ يا أبي! .. حاولنا فقط استعادتَك لنا، لأجل مايكل و مارك! .. لأجلنا جميعًا! .. لكنَّك تبنيتَ ذلك الصبي و أُدرك جيدًا ما غرضك من ذلك..."
فتح سامويل عينيه أخيرًا بضيق يعتدل جالسًا مُواجهًا المُنفعل بحِدة:
" لا شأن لكَ بما أفعل .. أنتَ رفضت أن تستلم إرثِي لذلك سوف أُوجهُه لذلك الصبي..."
ابتسم بتهكُم ساخرًا:
_" أي إرث أبي؟ .. تلك الأموال الغير مشروعة تسميها إر..."
قاطعته صفعة حادة أدارت وجهه للجهة الأخرى يستمع لصُراخه الحاد:
" إياك و نُطق ذلك مجددًا أيها الوقح! .. ذلك الصبي سوف أُشكلُه على يدي كما أشاء و إن لم تعُد أنتَ و أخويك الحمقى إليّ، فسوف تعرفون وقتها ما سوف أفعلُه بكُم."
جذب مفاتيح سيارته كي يُغادر فاستوقفه كلمات سام الجافة:
" لا تنسى أبي .. الظُلم لا يبقى طويلًا .. و أنتَ تستغل ذلك الصبي و تؤذيه .. يومًا ما ستُدرِك خطؤك لكن .. بعد أن يفوت الآوان."
تحرَّكت قدميه للخارج فتراجع سام ينهار فوق المقعد جاذبًا خُصلاته بضيق، هامسًا بحِدة:
" أعرف أنكما تسترقان السمع."
خرجا من خلف الحائط ليقتربا بشئ من الخجل، لكن نظرة سام الحنونة نحوهما جعلتهما يبتسمان بخفة بينما يجلسان على جانبيه، ليسترخي للخلف مُحتضنًا إياهُم بحُب و دفء فيُبادلاه كذلك مع كلماته نحوهما:
" لا تقلقا أخويّ .. حتى لو تركنا أبي ، سأظل أنا والدكما و لن نفترق. "
**
حين استيقظ في الصباح كان مُغطَّى بغطاءِ السرير الثقيل ، متكورًا حول نفسِه و هناك في نافذته الستائر كانت تتحرك بخفة و الشمس كانت قد اخترقت الستائر لتُبعثر نورها في جزء من الغرفة!
اعتدل بتعب، جسده يُؤلمه من آثار ضرب سامويل له، غادر سريره يتذكر ليلة أمس، هل كان حقيقيًا أم أنَّ كل ذلك كان حُلمًا؟!
حسنًا هو مُقتنع أنَّهُ كان يحلُم فلا أحد قادر على الدخول لجناحه، فضلًا عن أنَّ لا أحد بهذا القصر قد يتجرأ و يطرُق بابِه فما بال الذي استشعر وجوده و تحدث معه ليلة أمس؟ .. ربما أصابِه مسّ أو جُن جنونه أخيرًا! .. هذا المنزل سيُفقده عقله يومًا ما! ..
خُطواتِه وهِنَت فجأة و أحس بأنَّ الغرفة تدور لكنه استطاع بطريقةٍ ما أن يستند على الحائط، تنفس الصَعداء و بألمٍ راح يُفكر مجددًا ، بأفكارٍ سوداوية بِحتة ، أنها تُحيط به من كل حدبٍ و صوب في فجوةٍ مُهلكة تبلعه تدريجيًا في ظُلمتها المرعبة! ..
تلمس الجدار و ببطء دلف إلى الحمام!
هناك وقف أمام المرآه يُحدق في ملامحِه الباهتة! .. خُصلاتِه التي تلوثت بدماءِه أمس .. بينما قميصِه أخذ نفس النصيب بالاضافة لتمزُقات بسبب ضرب سامويل القاسي على جسدِه! .. ثم فجأة بسط راحة كفّه أمامه يُحدق فيها ، و بطريقةٍ ما لا زال يستشعر اللمسة الدافئة ، قرَّبها من أنفِه يشتمها و قد إغروقت عيناه بالدموع لتِلك الرائحة العالقة بها! .. لم يكُن حُلمًا بالنهاية! .. لقد كان مُثير للشفقة لذلك المجهول ليلة أمس! .. لقد انهار أمامه!! .. كيف له فقط أن يسمح لنفسه بالانهيار أمام غريب؟!!
بعد يومين ...
عاد إلى مدرستِه ، بخُطواتٍ رتيبة سار في ذلك الطريق المؤدي إليها حاملًا حقيبته على ظهرِه كما يحمل خيباتِه في قلبِه الجريح .. توقف فجأة عن المسير حين رأى مجموعة أشخاص يتعاركون مع صبي ، و فجأة انتفض مع شهقةِ الصبي الذي تكور على نفسه بعد ركلة من الفتى الأكبر سنًا ، و فجأة وجد نفسِه بينهم يحمي الأصغر منهم بجسدِه! .. و تِلقائيًا ابتعد الشباب عنه، فلا أحد يُفكر بالعِداء مع عائلة آشورا!
ارتجفت نبضاتِه يُغمض عينيه بتشوش قبل أن يَلمح ذلك الفتى يقتحم جمعهم ليصرخ فيهم و يتعارك ، لم يُبالي بل اتجه بزرقاويه نحو العسليتين المرتجفتين تحته، ليبتسم مبعثرًا شعره، همس:
" لا بأس، لن يُصيبك شئ! "
هدأ كل شئ بعد دقائق، حتى جفل لتلك اليد التي أزاحته عن الأصغر و مع سقوطه أرضًا لمح صاحب العسليتين يحتضن جسد الفتى المقتحم هاتفًا بعتاب:
" لا تتأخر ثانيةً أخي! "
" هل تأذيت؟ .. أنا حقًا أسف صغيري."
ابتسامة خفيفة اعتلت ثغره لهذان الأخوان ، قبل أن ينهض ينفض ملابسه كي يرحل الا أنه جفل لصراخ الأصغر:
" انتظر ! .. لم أشكرك بعد! "
التفت الأشقر نحو آش و فجأة توسعت عينيه هاتفًا:
" آش؟! .. أهذا انت؟! "
" فِرِيد؟ ! .. لم أرك منذ زمن! "
هتف بصدمة قبل أن يبتسم و يتجه لصديق طفولتِه ليغمره بعناقٍ كثير الشوق، و قد بادله فريد ضاحكًا بسعادة لرؤيتِه بعد ثلاث سنوات افترقا فيهم عن بعضهما البعض!
رنين جرس المدرسة جعلهم يعودون لأماكنهم ، و لولا ذلك كان سيُخدقه آش بالأسئلة! لكنهما اتفقا على رؤية بعضهم في استراحة الغداء.
فريد ويلسون ، صديق آش منذ الطفولة و الذي كان يعرف كل شئ يجري لآش، حتى فجأة فوجئ به يُخبره بموعد انتقالِه من المدينة مع والديه، بسبب عمل والدِه المتنقل! .. كان يُدرك أن له شقيق أصغر لكنه لم يهتم بمعرفتِه، و يكفيه أن فريد صديقِه ، كان يسبقه بعامٍ و ذلك جعلًهُ يُحاول الوصول إليه من خلال الدراسة لكنه فجأة وجد حالتِه الدراسية تتدهور و يفقد شغف محاولاته بسبب ما كان يمر به على يد سامويل!
جالسًا في مقعده منذ دلف يبتسم ثم تختفي ابتسامته فجأة يُغمض عينيه بتشوشٍ شديد قبل أن يجفُل على صوت مُعلمه يُناديه ....
*****
فك أزرار قميصِه ، كان يستوي جالسًا على مقعدِه في شركتِه ، رامقًا الأوراق بطاقة مُستهلَكة! .. دقاتُ قلبه تأمرُه بالذهاب فورًا إلى إبنه لإستعادته لكن إن فعل فـالقانون مَن سيقف ضده هذه المرة ، لأنَّ آش مُقيد بأنه ابن ذلك الخائن!
زفر أنفاسِه بثورة! .. يكاد يُقسم بأنه سيقتله يومًا ما! .. و ذاكرته تعرض عليه حال إبنه المُنهار بين يديه .. لمْحِه لجروحه و كدماتِه، و تلك الدماء الذي التصقت بملابسه و ملامحه! .. لا يعلم كيف بقى هادئًا و تفكيره جعله فقط يعقد تلك العِصبة على عينيه كي لا يراه! .. كان خائفًا أن يُعطيه أمل زائف أو أن تفشل مُخططاتِه باستعادتِه، لذا من الجيد أن لا يتعرف عليه حتى لا ييأس و ينهار مُجددًا إن علم أن لديه أبًا تركه مع والدته الأنانية! .. لكنه لا يعلم، هل يُدرك آش أن سامويل ليس والده الحقيقي؟
" لست تحت إمرِة أي أحد يا سيد سامويل، و لا تستخدمني كطعم لأبنائك مجددًا. "
كلماتِه لا زال يتذكرها، و لابد أنَّ آش لا يعلم عنه شيئًا و لكنه يُدرك أنَّ سامويل ليس بوالدِه الحقيقي، لكن لما لا يتحدث وحسب؟ .. لما صرَّح بنفسِه أنه الوريث لعائلة ذلك المسخ؟!
أفكارٌ كثيرة زعزعت كيانِه، قبل أن تحتد عيناه على ذلك الهاتف، حمله و اتصل على شقيقه، و حين رد، قال بدون أي مقدمات:
" آكيرا، لي طلب عندك. "
*
*
;
يتبع..
حسنًا ها هو البارت أعزائي أرجو أن تكونوا قد استمتعتم به ❤️✨
طبعًا الرواية لا تزال في بدايتها، و هناك الكثير من الأسئلة التي تعبث بعقولكم لكننا هنا بصددِ أن ندلف أكثر لسوداوية القصة .. استعدوا و حضروا مناديلكم لمسح الدموع 👈👉💔
و الآن لنبدأ المناقشة، رأيكم بالبارت؟
السرد؟
الأحداث؟
المشهد؟
توقعاتكم القادمة؟
كيف سيصل آرين لإبنه؟
و لمن سأل عن إخوة آشورا، هما غير راضين أبدًا عن أفعال والدهم.
و الى اللقاء في بارت أخر ❤️✨
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top