Ch"18"
نظن دومًا أنَّ بإمكاننا العيش بدون الأخرين أو المُقربين، الَّا أنَّنا لا نجِد نفعًا من ذلك، فلكل إنسان حي دورِهِ في هذه الحياة، و مهما ظللنا في الوِحدة و نُفضلها، إلَّا أنه سيأتينا يومًا نُدرِك فيه أننا كُنَّا نُوهِم أنفسنا بوِحدتنا .. بل أننا جميعًا هنا لنُكمل الصورة المرسومة، فلا أحد يعيش لنفسه، بل جميعنا هنا للآخرون، و أما الآخرون هنا لأنفسنا.
خلخلة خصلاته الليلية بهذا الشكل كان كفيلًا باغلاقِه الزرقاوين التي توَّرمَا لكثرة ما بكى! .. لم يكن يظن يومًا أنه سيبكي لأجل الشخص الذي قرر قتله قبل رؤيتِه! .. لما يفعل ذلك؟ .. لما يَخوض هذه المشاعر الجديدة، أليس ناضجًا كفاية لكي لا يفعل؟
أنامل آرين كانت تتحرك على وجهه و بيده الأخرى يلُفَّها حول خِصره يدفعه بها نحو حُضنِه أكثر، ربما رؤيته بهذا الوضع المُذري كان كفيلًا بجعله يشعُر بالألم لكل ما يحدث معهم من مصائب ... تنهد بجُهد يمسح على خصلات الفتى المُرهَق، و رغم استشعار يده لحرارة جبينه الا أنهُ اكتفى بالصمت!
كان الهدوء سيد الغرفة التي تفرغ الا من كلاهما ، أحدهم مكتئب يُفكر و الأخر يكتفي بالاسترخاء على صدر والده بصورة أقل نشاطًا من المعتاد .. لا يرغب عقله و قلبه أن يتركا آرين و خاصةً هذه اللحظة! .. لقد شعر تلك اللحظة بروحه تُغادره بينما يرى ذلك الطبيب يُغطي ذلك الشخص بجوار سرير والده حيث ظنَّهُ هو!
آرخى رأسه للخلف، لو أنه لم يستطع الابتعاد في الوقت المناسب، لـ كان مهروسًا داخل سيارتِه الآن! .. لكن ما كان ذلك؟ .. هل كانت كل تلك الأحداث بسبب سامويل؟ .. هو يشُك به بالفعل لكن أيمكن أن يكون هو؟!! .. و إن كان، فماذا عليه أن يفعل؟ .. يتذكر ذلك اليوم حين أبلغ آش عما حدث للشرطة ، السكين لم تكن عليها أي بصمات، أو هذا ما صدر في التقرير لذا اتخذت الشرطة كلام آش محض هراء، ليس له أساس من الصحة لذا لم يحدث شئ للمعني! .. لكن كيف حدث ذلك؟ هو بنفسِه اعتنى بتلك السكين بمكان آمن؟! .. زفر بغيظ .. يبدو أن هناك من يُساند سامويل بالفعل!
كان لابد له من التحرك قبله، لكنه فشل وحسب!
و ها هو يعود لنقطة الصفر مجددًا! .. كما الأعوام قبل أكثر من خمسة عشر عامًا حين كان يجمعه مع سامويل صداقة عمل بسبب أعمال والده المُشترك بها رغم صِغر سنِّه ، كانا دائمًا معًا، لقد إئتمنهُ على الكثير لكنه بعد عدة سنوات كان هناك انحدار سريع في المشاعر المكبوتة، الكثير اكتشفه فجأة ، لقد مر بكثير من المشاكل مع سيلينا و رغبتها المُتكررة بالانفصال عنه، لكن كل شئ اتضح مع الوقت .. اتضح أنَّ رغبتها كانت لأجل أن تكون مع سامويل و الابتعاد عنه و لأنه يُفضل الهرب، كان هو أول الهاربين من قوقعة ألمه بالابتعاد عن سيلينا و حتى عندما اكتشف حملها .. كان كل شئ سريع لدرجة أنه فضَّل أن يخسر على أن يُجازف لأجل أحدًا مرَّر حياته و لو جزء بسيط منها .. لكنه الآن يَعُد كم الخسائر الذي نالها من الحرب.
عادت الحياه لتسير بـ كل روتينية ، الأيام مرت و قد عاد آرين ليحيا بطبيعية يُحاول بقدر الامكان الابتعاد عن المشاكل، يتجاهل كُليًا الحادث المتعمَّد الذي كاد يُنهي حياتِه .. ربما هذه المرة كانت لأجله وحدِه! .. أجل كانت لأنه خائف من أي حركة يؤديها فتؤذيه هو .. إبنه! .. رغم كل ما مر به، كان لأجله هذه المرة يتوقف، يتجاهل كُليًا نظرات الغضب و العتاب الموجهة من آكيرا، و محاولة إخوتِه الأكبر ووالده بأن يتحرك ليفعل أي شئ! لكنه ببساطة أغلق قضية محاولة قتله و قال أنها مجرد حادثة! .. ذلك كان كفيلًا باضطراب عائلته ، مما جعل من آلبرت يأخذ أسرته الصغيرة و يُغادر لتبقى فقط عائلة فينس و الجد الذي كان غير راضيًا على أفكار ابنِه الأوسط .. كان يعتقد أنه سيتحرك ليفهم ما يجري، لكنه وجده يُلغي كل القضايا التي تتهم سامويل!
تحركت خطواتِه بتسلسلٍ نحو غرفته بالأعلى، و قبل أن تلمس إحدى قدميه أول درجة من درج السلم استرق سمعه صوت والده العجوز:
" آرين .. أريد أن أناقشك بأمرٍ ما. "
التفت نحو والده بصمت، و كأنه يُدرك ما يُريد منه والده و الذي تقدم منه بهدوء ينطق بجدية:
" آرين تعلم جيدًا ما أود قوله .. ربما هروبك من أمرٍ كهذا، هو أسوأ ما قد تفعله .. دائمًا ما كنت تهرب بُني لكني الآن أشجعك على التحرك ، ربما قبل فوات الآوان .. كي لا تخسر قدر ما خسرتَهُ سابقًا. "
ربت مرتين على كتفه الأيمن يُعطيه نظرة هادئة مشجعة، ثم ابتعدت يده و التفت يُغادر ، يترك ابنه في موقعه صامتًا بأفكارٍ مشوشة !
عيناه نظرت لأركان قصرِه، الهدوء سائد في الأجواء، و رُغم ذلك فهناك شعور سئ يُراوده هذه الفترة، ربما لا أحد يُدرك ما يشعر حقًا، لا أحد يُدرك ما يُخفيه و ما هو بقادر على فعلِه وحدِه .. الجميع يظن أنه يهرب، لكنه يُدرك بقدر يقينه بأنه سيحل الأمر في الأيام القادمة، لكن لكل أمرٍ فترة صبر، عليه أن يصبر و يسير على خطوات وضعها عقلِه كي ينجح دون أضرار أو خسائر أخرى! .. هو لا يهرُب حقيقةً لكنه يُفكر بكل الأشياء لآلاف المرات قبل فِعلها .. و رؤيته تتوحد على ذلك الصبي فقط المُتصل بكل تلك الأمور الغير مريحة .. لا يرغب سوى بإبعادِه عن كل تِلك الأمور المؤذية .. يكفيه رؤيته بهذا الشكل .. لقد وعده بتعويضه عن كل تلك الأيام و ها هو يُحاول ذلك بكل الطرق الممكنة!
كاد يلتفت مُغادرًا لولا رؤيتِه لخطوات آش التائهة بينما يعبر من باب القصر، ابتسامة هادئة رافقت ثغره حينما لمحه بهذه الهيئة ، بينما يحمل حقيبته على ظهرِه و خصلاتِه الطويلة تتحرك مع حركته.
و من خلفِه برز شجار حاد بين الطِفلين قبل أن يجفُل على انطلاق بكاء رينا و التي توقفت أمام توأمها الغاضب، يد آكيرا جذبت أذن الصغير الذي تأوه ثم ترقرقت عينيه بالدموع إثر توبيخ آكيرا له ... كل ما حدث كان يُحدق به آرين بابتسامة، و مع وجود داڤيينا تشهق و تقترب من آكيرا لتتشاجر معه من أجل الطِفلين، جعلت الصورة الأُسرية اللطيفة تكتمل .. لم يحب أحد بقدر أسرتِه و ها هم أمامه بكل هذا النشاط!
يتمنى أن يبقوا دومًا هكذا، في تلك الصورة الجميلة التي يرسمها دومًا في عقله ...
عيناه تحولت لعين آش الذي ظل يُحدق به بعبوس قبل أن يسخر:
" تبدو كعجوز شارف على الموت بتلك النظرة، أبي. "
لم يُجب، و ساقي آش تحركت تتخطاه، لكنه بعد خمسة خطوات توقف على كلمات آرين المفاجئة:
" حضروا أنفسكم، سنذهب في نُزهة. "
و لحظات حتى استوعب التوأم الباكي الأمر فصرخا بحماس، في حين كانت قد توسعت عين آش بصدمة .. و اكتفت داڤيينا و آكيرا بالابتسام.
التفت الفتى يُحدق به لثانيتين بجمود، يرى ابتسامته الصادقة، ثم عاد ليصعد عاقدًا حاجبيه بحِيرة، هل والده على ما يُرام؟ .. لما يتصرف بغرابة هذه الأيام؟
_ في مساء نفس اليوم .. السابعة مساءًا
لسببٍ ما أو بدون، فقد كان الجو غائمًا على عكس العادة ، توقفت السيارة أمام ذلك المطعم ذا الخمس نجوم، و ترجل آرين من السيارة بينما يرتدي قميصًا رماديًا و فوقِه سُترة سوداء و بنطال بنفس اللون، شعرِه كان كثيفًا للحد الذي جعل بضع خصلات تنزلق على جبهته تجعله غير يافع ربما؟ .. بينما تحرك ليفتح الباب الأخر لداڤيينا .. هي أيضًا كانت ترتدي فستانًا هادئ باللون السماوي، يعكس هدوء شخصيتها و لُطفها النابع من قلبٍ حنون، يده رافقت يدها بينما يطلب منها الخروج و قد فعلت، نظرات من الحب تبادلاها لثوانٍ ثم أغلق الباب و التفت لأولاده و شقيقه و الذي ارتدي كنزة شتوية قرمزية اللون و ترك خصلاته مبعثرة على جبهته، باديًا لآش مثل جانحٍ ما، نظرات تبادلها معه مليئة بكمْ من العبوس قبل أن يزفر بغيظ و يلتفت نحو التوأم الذي انشغلا بالتحديق بانبهار في المكان أمامهما، و ذلك جعله يبتسم ربما، نوعًا ما لقد تقبل هذه الأسرة و خاصةً إخوتِه الأشقياء.
نزل التوأم و نزل خلفهما بسُترته و كِنزته الداكنة، خصلاته تحركت إثر تحرك الهواء من حوله، يجد نفسَهُ بين أسرة لطيفة، أمام مطعمٍ ما في جوٍ هادئ و لطيف!
داخل المطعم اختاروا الطاولة رقم سبعة الوحيدة الفارغة في هذا المطعم، جلس آرين و بجانبه زوجته من اليمين و يساره كِلا التوأم، و يُجاورهم آش ثم آكيرا الذي كان يشعر بالملل، لقد غُصِب على المجيئ بسبب التوأم!
تململ آش في مقعده بينما يترصد حركة النادل بقزحيتيه .. بالنهاية اختاروا معكرونة ايطالية و بجانبها دجاج البارميجيانا و بعض السلطات.
كانت تلك أمسية لطيفة، الكثير من الأحاديث و الضحكات يتخللها شجار التوأم، ثم عبوس آكيرا و ازعاجه لأخويه، ثم الكثير من الحب من والده و زوجته!
هنا كان لأول مرة يشعر و كأنه ينتمي لهم، نوعًا ما كان يسير نحو فكرة أنهم عائلته بالفعل و أنهم أحب الأشخاص إلى قلبه رغم كل ما مر ، و رغم ذلك كان هناك حاجز بسيط لازال لم ينهدم بعد .. فكرة أنه تم التخلي عنه منه كانت لا تزال تجذب الغضب إلى داخله.
عيناه انجرفت نحو الخارج عبر النافذة جوارِه، يشعر بحركات أسرته و عبثهم و دفئهم! .
عندما حلَّت العاشرة مساءًا و بعد الكثير من المرح فيما بينهم ، خرجوا جميعًا من المطعم، هنا توقف آش ترتفع عيناه نحو السماء بدهشة، كرستالات ثلجية بدأت تحُط على وجنتيه، ثم تكاثرت ليجد نفسِه محاطًا بها، ضحك بسعادة يلتفت حول نفسِه ثم ينظر للسماء هامسًا بحماس:
" أنها تُثلج! .. الثلج يتساقط! "
تعالى صرخات التوأم المنبهر بينما ابتسم آرين و جوارِه آكيرا يستند على كتفِه يُراقب دوران التوأم حول أخيهم بحماس يكفي لسنوات!
عين آش المبتسم تلاقت مع أبيه للحظة، قبل أن يعود بنظرِه لإخوته يُشاركهم بهجتهم! .. لربما هناك الكثير يرغب بسؤالهِ عنه، رُغم ذلك تلك اللحظات التي قضاها معه سابقًا و حتى الآن كانت كفيلة برغبته بالصمت جواره وحسب! .. لا شئ يُمَكِِنُه من فِعله سوى الرغبة بالبقاء معه فحسب و تلاشي الكثير من المشاكل لأجله!
*****
في مكان أخر، في منزلٍ معتم و تحديدًا في غرفة مكتبه، كان جالسًا يرمق السقف بنظراتٍ باردة ، تجلى بهما شعور قاتم من مشاعر الكره الممزوجة بالسخط .. بين إصبعيه سيجارة مع خيطٍ من دخانها يتحرك بعشوائية .. استنشق سمومها بغيظ قبل أن يطفئ ما تبقى منها في المطفأة، ناهضًا نحو تلك النافذة، يُحدق بقطرات الثلج المتساقطة حتى صبغت المدينة باللون الأبيض.
زفر بضيق و من خلفه تحرك باب مكتبه يُفتح و يبتسم الدالف قائلًا بهدوء:
" أبي، هل تنوي البقاء هنا دون تناول العشاء معنا؟ "
و دون أن يستدير أجابه ببرود:
" مايكل، تُدرك أني لست جائعًا، إفعلوا بدوني."
عبس المعني، يُدرك مشاعر والده القاتمة و رغم ذلك لا زال هو و إخوته يُريدون وجوده بينهم، لكنه لا يرغب، أنه فقط يعيش وحده و لا يرغب بأن يكون معهم! .. لقد شك دائمًا أنه عاد لمنزله لأمرٍ ما و رغم ذلك لم يُرِد أن يذهب بعيدًا مجددًا، يكفيهم وِحدة! يكفيهم يُتْم من دونِه! .. لقد ظلوا خمسة عشر عامًا ينتظرون رجوعِه بينهم، ماتت والدتهم منتظرة عودتِه، و حينما آتى ذلك اليوم المنتظر، وجدوه واقفًا أمامهم بشموخ و من خلفِه هناك من الدمار ما يكفي لقرون! .. لقد ظن و إخوته أن والدهم قرر العودة أخيرًا لأجلهم و لكنهم و ببطء اكتشفوا أن عودته لم تكن كما ظنُّوا ، لقد عاد لأنه خسر .. خسر زوجته التي تركهم لأجلها و التي بسببها خُيِّل للناس أنه قاتلها قبل أن تندثر تلك القضية ضد مجهول .. كل ذلك لم يعنيهم بقدر وجودِه بينهم، هذا كان كافيًا بالنسبة لهم رغم كِبَرهم! .. انهم بحاجته!
توقف مايكل أعلى درجات السلم يُحدق بأخويه اللذان يجلسان حول مائدة العشاء ينتظرون والدهم بحماس، مارك كان يُحاول التقاط الشوكة خاصته من يد أخيه الذي بدوره كان يستغل قِصره بينما يضحك لإغاظته .. عين مايكل ضاقت، أنه يعلم جيدًا الآن أن شكوكه صحيحة لكنه يرغب بأن يعترض، أجل! .. أنه ليس نِدًا لأن يجلب لنفسه و اخوته الضياع بالتحدث مع والده في الأمر، قطعًا ليس بمستعد!!
*****
كما تمر الأيام بنا، كانت أعمارنا تتناقص بفعل ذلك .. الثوانِ ثم الدقائق و الساعات ، بينما الأيام تلتها الاسابيع و الشهور .. أعوامًا تمر كشروق الشمس و غروبها! .. و رغم ذلك، لازلنا هنا، لازلت هنا أحمل ديجورية الحياة في عالمي و الواقع! .. كلما مرت السنوات أو الأيام كنت أنا الخاسر الوحيد .. عيناي أضحت قاتمة فاقدة لبريقها! .. قلبٍ نابض بوجع، و شُعلة تلتهبُ داخل صدري! .. دموعي جافة! .. و سيالاتي العصبية تخمد أثر الصدمة .. كفَّايْ ملوثان بالدم، و الشهقات المذعورة لم تتركني وحدي، بل رافقت خوفي! .. ثيابي التي تلوثت بالقرمزي! .. و الرجفة التي استطعت خلالها بالشعور بالذعر يتسلل بين خلايا جسدي و عروقي! .. تلك الليلة لم أخسر نفسي فحسب بل كسبت خسارة أخرى أشد ..
هل يخسر الانسان باكتسابِه لشئٍ ما؟ .. ربما؟ .. و أما أنا فأقول أجل .. لم تكن هذه المرة خسارة فحسب لكنه كان الموت الذي يضِل طريق ضحاياه إلى جانبٍ مظلم، مُخيف و بشع! يشهدُ عليه أُناس آخرون! .. و الكثير مِن الضحايا !
و هذا كان العالم الذي يجد الجميع وجودي فيه أفضل لهم! .. و لي ربما! ، أنا هو الخاسر! .. أجل لقد خسرت .. خسرت كثيرًا، و لكن هذه المرة كانت الخسارة أشد قسوة و لم يكن قلبي قادرًا على ردع الظلام، و لذلك ما كان منه الا أن يتملكني!
*
*
يُتبع..
لنتوقف هنا 🙃 أعرف أنَّ البارت في بدايته جيد نوعًا ما، لكن نهايته مليئة بالغموض، لذلك ما التوقع الأقرب الذي توقعتموه؟
رأيكم بالبارت و السرد؟
إذا رأيت تفاعل جيد سأنشر الثاني غدًا و لن أنتظر الاسبوع القادم.
التقييم؟
المشهد؟
اي انتقاد؟
امور ليست مفهومة؟
و إلى اللقاء أصدقائي ❤️✨
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top