الفصل الثالث -بعض من هداياه

الفصل الثالث

بعد ثلاثه ايام كانت سيرينا جالسه اما نافذة الفندق الذي يطل على الساحه العامه تراقب فصيلة من الحنود تقوم بمناورات حربية على صوت الابواق انه تبديل الحراس امام قصر مونيدا قصر الضيافة التابع لرئيس الدولة ويعتمر الجنود قبعات ويرتدون الدروع والسراويل الكاكية وينتعلون جزمات من الجلد الاسود تصل الى ركبهم كانوا مصطفين امام من سيحلون مكانهم وينتظرون الاوامر الضباط التابعون للفريقين يسحبون سيوفهم ويحيون بعضهم بحركات انيقة ودقيقة ويحصل التغير اثنين اثنين الى ان تتغير الفصيلة كلها ثم تعزف الابواق موسيقى عسكرية ويمشي الجنود بعد نهاية مهمتهم في شوارع سانتياغو متجهين الى ثكنتهم. بدت العاصمة ممتدة كليا امام انظار سيرينا . انها تقع وسط سهل واسع ويعبرها نهر في جهتها الشماليه وتحدها شرقا الجبال الشاهقة التي تسد الافق وهي جبال الانديس

كان الانطلاق من لندن منذ 24 ساعه وكانت الرحلة مريحة وموفقة واهتم دون البيرتو بالطفلة ويندي تمام كما يجب وبينما كانت في احضان سيرينا لم تكف عن النظر اليه والابتسام له

سحرته الطفلة فأصر على حملها وتدليلها تاركا سيرينا في افكارها وهي تتساءل عن الحوافز العميقة وعن الشائعات التي ستروجها زميلاتها في المكتب

خادم دون البيرتو اهتم بكل شيء حتى اخر التفاصيل لكن الوقت كان قصيرا وشعرت سيرينا بانها لاهثة ومبهورة كانت تعي انها ترتكب جنونا حقيقيا ... ففي انزعاج كبير كانت قد اتصلت بمديرها وشرحت له انها ستقدم استقالتها من العمل

 

- بسبب الظروف العائلية اضطررت للبحث عن مسكن جديد .. كما اني وجدت عملا أخر لايبعد عن المكان الذي اسكنه من الان فصاعدا

اجابها بلهجة لطيفة

-اننا آسفون ان تغادرينا لكن بما اننا ندخل فترة عصيبة فغيابك لن يؤذينا بامكانك ان تتصلي بي في الوقت الذي يناسبك حتى ارسل اليك راتبك وشهادة العمل

اتصلت سيرينا بمديرها في فترة الغداء حتى تتحاشى اسئلة زميلاتها المحرجة فهي لاتتمتع بالشجاعة الكافية لترد على اسئلتهن كانت علاقاتها مع زميلاتها في المكتب علاقات عمل وحسب وكانت تضطر الى رفض جميع الدعوات لأنها كرست كل وقتها الفارغ للاهتمام بويندي ولذلك لم تكن على صداقة حميمة مع أي من الزميلات وفكرت سيرينا في مرارة انهن سيتكلمن عنها يوما او يومين ثم سينسينها تمام كباخرة في عرض البحر تختفي في الليل ولا تترك سوى صورة هاربة

تنفست الصعداء وابتعدت عن النافذة متوجهة نحو سريرها منذ وصولهم الى هذا الفندق تدبر لها المدير مربية ستهتم بويندي خلال مدة اقامتها القصيرة في العاصمة الشيلية

نصحها دون البيرتو قائلا

- حاولي ان تنامي قليلا اذا تمكنت من ذلك ياعزيزتي سنلتقي وقت الغداء في غرفة الطعام هناك اشياء كثيرة اريد ان احدثك بها قبل الذهاب الى المزرعة

قبلت هذا الاقتراح بفرح كبير فقد تمت الاحداث بسرعة غريبة في الايام الاخيرة وهذه البلاد تبلبلها الضجيج والمناظر الجديدة والوجوه كل شيء يبدو غريبا عليها بل محيرا وكئيبا

منهكة تمددت سيرينا على السرير تعبها ليس جسديا بل سببه التوتر النفسي السرير مريح والاغطية ناعمة ومع ذلك فلا شيء باستطاعته تهدئة اضطراب اعصابها كانت متقلصة الوجه ومشوشة الافكار

الم تقبل الزواج من رجل لم نره في حياتها من قبل؟ وهل هي قادرة ان تكون سندا فعالا لهذا الرجل الخجول ذي الطبع اللين؟ وهل ستحل الخدمات التي ستقدمها له مكان الحب؟

لم تتوصل الى الشعور بالراحة المنشودة وظلت تتقلب في فراشها يمنة ويسرة من دون جدوى .احتلها ارتخاء متعب وتدريجيا شعرت بثقل في جفنيها وسرعان ما غطت في نوم عميق حلمت ان رجلا ظهر في حياتها ليريحها من كل اعباء الحياة كانت ارادته لا تقهر وحماسه لا يضاهى جاء ليعزيها ويواسي همومها شفى جروحها العميقة واعاد اليها الحماس وحب الحياه واخيرا اشعل في صميم قلبها الحب .. منذ سنة تقريبا وهذا الحلم يراود لياليها

وعندما استيقظت من نومها بعد مرور ساعها تقريبا كانت الدموع تلألأ في عينها نظرت الى ساعة يدها مازال امامها الوقت قبل ان تهيء نفسها لموعد الغداء الشمس سربت اشعتها من وراء النوافذ الخشبية المغلقة والقت نظرة حولها باستغراب انها تذكر كليا انها تركت النوافذ مفتوحة قبل ان تتمدد في سريرها لا احد غيرها موجود في الغرفة غير ان شخصا قد دخل الى غرفتها في صمت وهدوء بينما كانت نائمه واغلق النوافذ وفي سرعة توجهت الى الباب واقفلته بالمفتاح الشعور بالتجسس عليها وضعها في حالة انزعاج لكن تصرفها هذا لايجدي حتى انها اعتبرته تافها غيير انها شعرت في الوقت الحاضر انها سريعة العطب وان اقفالها الباب سيجعلها اكثر اطمئنانا

شعرت برغبة في الاستحمام فتوجهت نحو الحمام وتوقفت فجأة حين رأت تلة من الصناديق الرمادية موضوعة في ارض الغرفة

انها من مختلف الاحجام وكلها تحمل اسم "ميرابيل " محفورة احرفها بالذهب تناولت الصندوق الاول وهزته بحذر فصدر عنه حفيف بالكاد سمعته فأثار اهتمامها فتحته وبيدين مرتجفتين ابعدت الورقة الحريرية البنفسيجية وشاهدت قميص نوم من الدانتال الناعم . لم تتمكن من الامتناع عن اطلاق زفرة استغراب فرحة قبل ان تسحبة من العلبة وتتأمله مليا.

وواحدة بعد الاخرى فتحت جميع العلب بنوع من الاثارة جعل انفاسها تتقطع ، كل صنف من الالبسة يسحر الالباب وامام عينيها غير المصدقتين انتشرت اخير مجموعة من الفساتين وقمصان النوم والبزات والبنطولنات والحقائب اليدوية والاحذية ..لا شك ان كل هذا كلف اموالا طائلة كانت الغرفة قد امتلأت بالاوراق واغطية العلب عندما فتحت الصندوق الاخير الذي يفوق الصناديق الاخرى وجدت صعوبة لتمزق الورق الملفوف حول العلبة قبل فتحها لكنها سرعان ماطلقت صرخة اندهاش وهي تنظر الى معطف من الفرو الغامق الللون وبعد تردد بسيط راحت تلامسه في نشوة وامتنان.

وظلت برهة مفتونه امام هذه الثروات الممتده امامها حتى نجمات السينما لا تملكن مثل هذه الملابس الفاخرة .. والباهظة! وبما انها متعودة ان تكون فتاه اقتصادية وجدت مثل هذا الاسراف غريبا وشاذا ولا تجرؤ ان تقدر قيمته.

وبعد تفكير طويل اختارت ثوبا ابيض اللون بسيطا يدخلة التطريز الانجليزي ارتدته ووقفت امام المرآه تتأمل نفسها داخل هذا الثوب فوجدت انه يليق بها اذ ان قصته ذات فن رفيع ... ان هذا الفستان يظهر شكل جسمها النحيف والممشوق ويلفت الانتباه.

مساحيق الزينة والعطورات كانت موجودة ا يضا فوضعت على شفتيها قليلا من احمر الشفاه بلون المرجان وكحلت عينيها وجفنيها وكانت في الوقت نفسه تفكر بالرجل الذي حلمت به يرافقها تذكرت دون البيرتو هذا العجوز الفريد من نوعه الذي لاشك ان لديه معرفة واسعه بالنساء ويعرف كيفية ارضائهن واثارت اهتمامهن وبث الحماس فيهن في حدس ذكي عرف ذوقها تماما بالرغم من لامبالاتها بالزينه والملابس المترفة حتى انه اكتشف قياسات جسمها وقدميها...

وبعدما تاكدت ان ويندي تنام بهدوء هبطت سيرينا الادراج متوجهة الى مطعم الفندق حيث كان دون البيرتو في انتظارها كان يحتسي شرابا خفيفا وهو جالس قرب النافذة نهض واقفا عندما رآها تقترب منه فشعرت سيرينا في الحال برغبة التعبير عن امتنانها فمدت له يدها لكنها اندهشت عندما رفعها الى فمه وقال في اعجاب
 الشعلة.. الجميلة
قالت وهي تهز رأسها
 شكرا جزيلا ياسنيور 

كان الوقت ظهرا والشمس التي كانت تملأ الغرفة تعكس اشعتها على جدائل شعر سيرينا الملفوفة حول رأسها

بعد وقت قصير جلسا امام مائدة الطعام وقدم لها الخادم سلطة "بالتا" المؤلفة من القريدس والآفوكادو المتبله بعصير الحامض . والوجبة الاساسية كانت مؤلفة من عجينة تحتوي على مجموعة من اللحوم والزيتون والبصل والفلفل الاخضر والزبيب وبينما كانا يأكلان كان الحديث يدور حول امور عادية لكنهما كانا يعرفان جيدا انهما سيشرعان بعد قليل البحث في الامور الاساسية..

بابتسامة متسامحة انتظر دون البيرتو ان تنتهي سيرينا من تناول الوجبة الاخير المؤلفة من بوظة الفراولة وان تحتسي القهوة ثم اعلن بغته
- صباح اليوم اتصلت لاسلكيا بحفيدي سيأتي في طائرته لملاقاتنا في مطار سانتياغو 
ثم القى نظرة الى ساعة واضاف
 سيصل بعد ساعة بالضبط 
قالت سيرينا بصوت مخنوق
 هكذا باكرا؟
باشارة من راسة وافق دون البيرتو ثم قال
- اريد ان اطلب منك شيئا ياسنيوريتا قبل وصول حفيدي بعد تفكير طويل توصلت الى النتيجة التالية: ارى من الافضل ان تدعية يعتقد ان ويندي ابنتك
ارتسم الاندهاش على وجه الفتاه فاسرع يقول بالتحديد
 *في الوقت المناسب سأفصح له بالحقيقة كلها
 *لكن لماذا تريد ان تكبده خيبة الامل هذه ياسنيور؟

ظل ساكتا يحدق فيها بامعان كان وجهها مليئا بالبراءة والنضارة مما جعل الابتسام يرتسم على وجه دون البيرتو الذي قال
- بما اني اعرف ذوق حفيدي لما يسمى بالالغاز فقد قررت ان اطرح علية لغزا لاشيء يوقظ التحدي مثل سر يبقى كاملا وكيف عندما يرى فتاة متحفظة وبشوشة لايمكن لاحد ان يشك انها ام لطفلة صغيرة؟ الطفلة تشبهك كثيرا وسيعتقد كما سبق واعتقدت انا انها ابنتك سيكون الامر طبيعيا
احمرت وجنتا سيرينا وحاولت جهدها للحفاظ على هدوئها وقالت
-اذن ياسنيور تريدني ان ادعي بأني والدة ويندي من اجل ان تشحذ فضول حفيدك فقط لا غير اعتقد ان ذلك ليس تصرفا لائقا من جانبك ان بالنسبة الي أو بالنسبة اليه

تجهم وجه دون البيرتو وظهرت القساوة في نظرته وقال بلهجة لاذعه
- لا دخل للعواطف في هذه الصفقة التي عقدناها وليس فيها سوى الفوائد المادية التي ستحصلين عليها

اكفهر وجهها ,ظاهريا يبدو هذا العجوز طيبا وساحرا وكنه يخفي وراء ذلك قساوة حقيقية غير انها توافق بأن له الحق ان يذكرها بغاية هذا الاتفاق الذي تجني منه فائدتها بسعادة ساذجة
غرفتها في فندق درجة اولى ملابسها الفاخرة كلها تظهر كرمه الحاتمي وفي الوقت الحاضر لم يعد لديها الحق في التذمر لأنها قامت باختيار سجنها الذهبي وعليها ان تسلم به وتتحمل كل المسؤولية

قالت خافضة الرأس
 *سافعل ما تريد ياسنيور لكن ماذا تريد مني ان اقول لحفيدك بالضبط؟ الموضوع شديد الدقة

*انك مسؤولة عن طفلة وعليك تحمل اعباء ذلك ببساطة

*شيء في اعلانك اثار اهتمامي وهي الفقرة التي تتعلق بقبول طلبات اللواتي يتحملن اعباء الاسرة نادرا مايقبل اصحاب العمل ان يقيم الموظف لديهم في بيوتهم مع افراد العائلة ...اذن لماذا؟

وبما ان سيرينا وعدت بلطف ان تفعل مايرده العجوز منها تغير مزاجه وتناول سيكارا واجاب قائلا
- *كل كلمة وردت في الاعلان كانت مدروسة في اعتناء ودقة وخاصة ماجاء في الفقرة التي تنوهن بها الفتاه التي كنت ابحث عنها عليها ان تمتلك كل الصفات التي لاجدل فيها وخاصة ان تتحلى بحسن الواجب الذي هو اهم شيء في مظهري يجب الا افقد ثقتي بها في المستقبل ... وعندما يكون المرء خاليا من هذه الصفات لايمكنه تحمل اعباء الاسرة وخاصة لفترة طويلة وهذه الطفلة تخدم خطتي تماما لايحب المرء اهله الابعدما يصبح هو ابا أم اما ايضا لذلك ان تعيشي قرب هذه الطفلة وتهتمي بها سيعود ذلك اليها بفائدة جمة فاذا امضى حفيدي ليلة قرب سرير طفلة مريضة سيتعلم الكثير وسيجني ثمارا لا يمكن لأي فلسفة نظرية ان تمنحها له..

- *قلت ان حفيدك لا يتذكر والدية اطلاقا وبنظره انت الذي لعبت دور اهله هل هذا يعني انه تصرف نحوك بجحود ؟

*ليس تماما لكنه يشك بصحة طريقتي وليس قادرا ان يفهم بوضوح دوافعي ربما اذا جابه بنفسه المشاكل التي تطرأ على تربية الاطفال سيعي الصعوبات التي واجهتها عندما كنت اربيه سيفهم اخير ان ما افعله يخدم مصالحه

*وبقدر ماهذه المصالح توافق مصالحك ، هذا مافكرت به سيرينا في نفسها وهي ترتعش

منذ لقائهما الاول تنبأت سيرينا ان هذه اللياقة الخارجية التي يظهر بها دون البيرتو تخفي وراءها رجلا قاسيا وحاسما يسخر بآراء غيرة ويفرض ارادته على الضعفاء وذلك في عجرفة وتعاظم ودون مراعاة وبالنتيجة ايقظ في نفس حفيده الخجول والمطيع العداء والضغينة

انقبض قلبها حفيده انسان ضعيف وواهن مثلها...ماذا بامكان هذان المهرجان ان يفعلاه اذا كانت هناك يد حديدية تعاملهما كما تشاء

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top