الفصل الأول : الأعلان القدري

الأعلان القدر

بيدين مرتجفتين ، فتحت سيرينا صفحة الاعلانات في صحيفة واسعة الانتشار وراحت تبحث عن الاعلان الذي اثار مناقشات حماسية في المكتب حيث تعمل . وكان ذلك اثناء فترة الغداء . واذا بعينيها تحدقان باعلان كتب بالحروف السوداء العريضة . وتذكرت المشهد حين صرخت جوي صغيرة الموظفات عندما قاطعت الحديث وقالت والدهشة تملأ وجهها

آه ! شيء لايصدق ! انظروا الى هذا الاعلان ، هنا فوق ... في أعلى الصفحة

انزعجت بولا فيكرز من هذا التصرف الوقح وهزت كتفيها وقالت بلهجة لاذعة وناعمة

وهل يجب عليك ان تقاطعينا كلما قرأت اعلانا عن حفلة موسيقية صاخبة ؟

اجابت حينذاك جوي قائلة

تبا لموسيقى البوب الصاخبة ! في كل حال ، لايمكنك ان ترشحي نفسك ، فالمطلوب فتاة شقراء ذات عينين زرقاوين

سألت بولا ببرود

ترشيح نفسي ؟ ولأي سبب ؟

اطلقت جوي زفرة انزعاج وقالت

لهذه الوظيفة ! لكن مهما كان الامر فالوظيفة لا تناسبك

وبفضول قوي اقتربت بقية الفتيات واعلن معا : ما القضية ؟

ناولتهن جوي الجريدة وقرأت احداهن ا بصوت ساخر وفي بطء الاعلان الذي يقول

عرض لفتاة انكليزية ، شقراء وحسب ، وظيفة تؤمن لها استقرارا ماديا طيلة حياتها . يجب ان تكون حافظة سر ومطيعة ووديعة ، تقبل الطلبات لمن تبدي استعدادها لتحمل اعباء الاسرة . ولأخذ موعد الاتصال برقم الهاتف اعلاه

بعد الدهشة ، دوت قهقهة عامة داخل المكتب . واكدت احدى الفتيات قائلة

في ايامنا هذه ، هذا النوع من الاعلان لا يمكنه ان يخدع أي فتاة مهما كانت لاشك ان صاحب الاعلان فقد عقله

قالت بولا

هذا رأيي ، أنا ايضا .ربما يعتقد انه بامكانه شراء كل مايريده بالمال . وربما كان صاحب الاعلان مهووسا يبحث عن فتاة شقراء ليجدد حريمه

اجابت فتاة اخرى

لا ! انها مزحة حتى المهووس لايمكنه ان يجهل ان نساء اليوم لسن ساذجات وخاصة في لندن

الضحك يعلو من جميع الاطراف . وجوي الحالمة كانت تحدق في سيرينا بامعان ثم قالت

لا اعرف ربما سيرينا تتمتع بهذه المواصفات

كانت سيرينا مسترسلة في افكارها فلم تلتقط من الحديث الجاري سوى القليل فاهتمامها من نوع اخر اذ كانت تتساءل بقلق كيف ستتمكن من دفع المصاريف الباهظة التي تفرضها عليها دار الحضانة حيث وضعت اختها الصغيرة ويندي. وكانت مديرة دار الحضانة قد اعلنت لسيرينا صباح اليوم قائلة

اني اسفة حقا يانسة باين . نحن مضطرون ان نزيد عليك جنيها استرلينيا واحدا كل اسبوع ، وذلك ابتداء من الاسبوع المقبل .انت تعرفين ان الاسعار ترتفع في جميع الميادين ... انه التضخم المالي ...هذا يؤسفني لكنه اصبح لابد منه

وخلال يوم بكاملة كانت سيرينا تطرح على نفسها الاسئلة المختلفة . اين ستجد هذا المبلغ الاضافي ؟ الم يسبق ان خفضت مصاريفها الى أدنى درجة وخاصة في مايتعلق بالغذاء ؟ كانت تبدو سريعة العطب من شدة نحول جسمها ، وكانت تتلقى الانتقادات بهذا الشأن من معظم العاملين معها

فجأة تنبهت سيرينا الى مايدور حولها ، فقد ران الصمت بعد ملاحظة جوي. وشعرت بثقل النظرات الموجهه اليها ، اذ يبدو انهن ينتظرون ردها

كيف ؟ عما تتكلمين ؟ المعذرة فلم اكن اصغي

انها الان في بيتها وعيناها مسمرتان في الاعلان وشعرت بالاشمئزاز لتذكرها ذلك الحوار الذي جرى ظهر اليوم في مكتب عملها . وفجأة نسيت كل شئ اذ بدأت ويندي بالبكاء . اسرعت سيرينا نحو سرير الطفلة لتؤانسها بسرعة لئلا يعلو صراخها وتزعج الجيران كانت اسنانها تبدأ بالبروز ولا شئ يسكن آلامها وخاصة في الليل حملت الطفة وراحت تذرع الغرفة ذهابا وايابا تؤرجحها وتتحدث اليها وشوشة . ولحسن الحظ خفت حدة صراخها وتدريجيا هدأت الطفلة ، غير ان سيرينا استمرت في المشي طولا وعرضا لكن ببطء خشية ان تعود الفتاة الى الصراخ وتقلق راحة العمارة وراحت افكارها تأخذها بعيدا الى الوراء الى قبل سنة الفترة السعيدة حيث كان مستقبلها يبشرها بشتى الاحلام الجميلة ولم يبقى من هذة السعادة الماضية الا ذكرى .......بعيدة
وراحت تتخيل تلك الليلة عندما جاءت والدتها في المساء لتخبرها :بقليل من الانزعاج بالخجل

سيرينا ، والدك وانا لدينا خبر سعيد نريد ان نزفة اليك-
وما هو؟-

وكانت سيرينا في هذة اللحظة تتصفح الاعلان في أحدى الصحف المحلية بعد ان نالت شهادة السكرتاريا بتفوق فقالت والدتها
- ضعي هذه الصحيفة جانبا ياصبيتي واصغي الي بامعان

رفعت سيرينا عينيها ولاحظت ملامح والدها المنفعلة فوضعت الصحيفة جانبا وسمعت والدتها تقول لها
لدى والدك شئ مهم يريد ان يفصح لك به
قال الوالد للوالدة
لا قوليه انت
لا انت

نهضت سيرينا من مقعدها وقالت باستغراب
- آه باسم السماء عليكما ان تقررا من منكما سيعلن النبأ أو ربما بالاحرى يمكنكما ان تعلناه معا
وهذا مافعلاه اعلنا في صوت واحد مليء بالفخر
- اننا ننتظر مولودا سعيدا

وفي ذهول حقيقي حدقت سيرينا فترة طويلة في عيون والديها كأنهما اتيان من كوكب آخر كانت عائلتها الصغيرة المؤلفة من ثلاثة اشخاص على قدر واسع من الانسجام والاتحاد وظلت على ماهي مدة 19 سنة وهي الان مندهشة اذ تراها تتسع لمخلوق جديد اخر

لكنها سرعان ماندمت على انفعالها الاناني لمجرد رؤية خيبة الامل ترتسم على وجهي والديها فأسرعت بالقول لتطمئنهما قائلة
- هذا خبر رائع ! حلمت مرارا ان يصبح لي اخ أو اخت

تنفست والدتها الصعداء واطلقت زفرة بكاء وفرح فامسك والدها بكتفي زوجته وضمها اليه بحنان وقال

- الم اقل انها ستسعد للخبر ؟

غير ان هذا الفرح بدأ يتخلله بعض القلق في الاشهر اللاحقة واصبحت والدتها تزور الطبيب مرات عديدة كلما اقترب موعد الانجاب حتى افصح الطبيب مؤخرا عن تخوفة من خطورة الوضع

ولما حان موعد الانجاب انتظرت سيرينا مع والدها في قاعة الانتظار في المستشفى ساعات طويلة والهم يكبرهما اخيرا جاء الطبيب عابس الوجه واعلن الخبر الرهيب
اني اسف ياسيد باين ويانسة سيرينا جهدنا باء بالفشل ... لكننا تمكننا من انقاذ الطفل

لم تنس سيرينا تعبير وجه والدها الكئيب الذي ارتسم في هذه اللحظة وظل اسابيع طويلة بعد وفاة زوجته في حال تشبة الخمول يرد بالرغم منه على اسئلتها وبعد فترة غير بعيدة جاء شرطي ليعلمها بأن والدها قتل في حادث سيارة

لم تسنح لها الفرصة لللحسرة والحداد اذ ان ويندي الصغيرة كانت بحاجة الى عناية واهتمام في كل لحظة .وبدأت المشاكل تنهمر عليها فاضطرت الى ان تبيع المنزل ومحطة الوقود حيث عمل والدها سنوات عديدة لتفي الديون والرهونات الكثيرة ولم يبقى معها الا المال الكافي لتسديد المصاريف الضرورية الى ان وجدت غرفة ضغيرة استأجرتها ودار حضانه لويندي قرب مركز عملها وهذا لم يكن باختيارها بل اضطرت الى قبولة لان الحاجة المادية بدأت تهدد استقرارها ...

وضعت سيرينا ويندي في سريرها ثم جلست على الكرسي امام الطاولة وراحت تقوم بحسابات المصاريف المتوجبة عليها
وخرجت بنتيجة صعبة اذ عليها ان تخفف مصاريفها الى ادنى درجة لتتمكن من دفع اجرة دار الحضانة ... منذ الان لن تذهب عند المزين ولن تستعمل ادوات الزينه وستصلح احذيتها قدر امكانها حتى لاتحتاج الى شراء حذاء جديد ولحسن حظها شعرها مجعد بشكل طبيعي وليس بحاجة الى شامبو خاص به لكن لايمكنها ان تحرم نفسها من الشورباء وسندويش الغداء , والا لما تمكنت من التركيز ورغم ذلك يشكو مديرها من النسيان الذي اصابها اخيرا وهي تعرف ان ذلك عائد الى تغذيتها البسيطة والزاهدة حالمة وجهت تظرها باتجاه ويندي وبفخر راحت تتأمل فرحة خديها البارزين الحمراوين وجسمها الممتلئ وتتبتسم فجأة عبست لدى سماعها صراخ الطفلة المتألمة وبعد بضعة لحظات دوى صراخها في ارجاء الغرفة
آه لا عادت الى الصراخ من جديد يا الهي!
تناولت سيرينا اختها بين ذراعيها لكن الطفلة لم تتوقف عن الصراخ الا بعد ربع ساعه بدت لها دهرا طويلا وكانت تهم بوضع الطفلة في السرير من جديد حينما سمعت طرقا على الباب فتحت سيرينا الباب وامام العتبة وقفت صاحبة الملك حمراء غضبا
تلعثمت سيرينا وقالت في حيرة وارتباك
انا متأسفة سيدة كولين
اعلنت صاحبة الملك في صوت قاطع
انا كذالك انسة باين عليك ان تغادري هذة الغرفة خلال اسبوع من الان لقد تحملت الكثير جارك ينزعج من بكاء الطفلة المستمر ويهدد بالذهاب انا اسفة صدقيني لكن سأضع هذه الغرفة برسم الايجار ابتداء من السبت المقبل

ادارت ظهرها وولت تاركة سيرينا من دون صوت اغلقت الفتاة الباب بهدوء الان ويندي نائمة بسلام نظرت سيرينا في امعان وحنان الى وجه اختها البريء اغرورقت عيناها بالدموع واسرعت تضعها في السرير ثم جلست الى طاولتها وخبأت وجهها بين ذراعيها وراحت تبكي تاركة العنان لحزنها لقد صبرت كثيرا خلال هذه السنة الاخيرة وبات حزنها نهرا من الدموع القدر يتلذذ في تدميرها وتفتيت اندفاعها وانهيار اعصابها فحتى الان جابهت الامور بشجاعة لكنها اليوم تبوح بفشلها في احد الايام اقترحت عليها بولا ان تضع الطفلة في دار الايتام لكن تلك الفكرة كانت ترعبها اما الان فلابد لها من الرضوخ للأمر الواقع فهي ترى ان هذه الفكرة هي الحل الاخير لمشاكلها وفي بطء رفعت رأسها وراحت تنظر في ارجاء الغرفة ذات الاثاث الحقير بساط بال ومقاعد مهترئة وسرير ومغسلة وغاز صغير لكن بالرغم من مأساتها كانت تمثل هذه الغرفة كل استقرارها اذ كانت تؤويها هي وويندي .. ويندي لايمكنها ان تقتنع بضرورة التخلي عنها انه اسوأ الحلول ورفضت هذه الفكرة بقوة اليأس كانت الصحيفة موضوعه على الطاولة فتناولتها سيرينا وراحت تتفحصها بعين يائسة ومرة اخرى وقع نظرها على ذلك الاعلان الغامض. فجأة توقفت على جملة تحتوي كلمات قدرية
تقبل الطلبات للواتي يتحملن اعباء الاسرة
وفي عنف امسكت الصحيفة وهبطت السلالم بسرعة وتوجهت الى حيث الهاتف وبيدين مرتجفتين اضطرت ان تدير الرقم ثلاث مرات قبل ان تنجح وبصوت عديم الثقة طلبت موعدا فاعطاها المتكلم عنوانا قبل ان يقفل الخط بقوة ظلت مسمرة النظر في الاعلان حيث كنت مسرعة : الموعد: السبت الثانية والنصف ظهرا في فندف امبريال غرفة 1005 .

كان ذلك نهار الغد

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top