الفصل الخامس


5- هل تخيف الحقيقة ؟


كان شعورا رائعا بالصحة و الهناء ذلك الذي تملك مارشا وهي تستيقظ في الصباح بين الأغطية الدافئة.كانت لا تزال بين اليقظة و النوم ، ومن الرضا والراحة بحيث لم تشأ أن تتحرك أو أن تفكر.كانت مستمتعة بالهدوء العميق و السلام اللذين كان ذهنها و جسدها مستغرقين فيه.
تنهدت بنعومة و هي تتذكر الأحلام الجميلة العذبة التي راودتها.أحست بلمسة رقيقة تداعب وجهها، فاستيقظت فجأة مجفلة.
- صباح الخير يا زوجتي الحلوة.
حدقت في تايلور و قد انزاح عن عينيها ستار النوم لكن ذهنها أبى أن يتقبل الحقيقة.و فجأة ، إذا بكل شيئ يعود إلى ذاكرتها...الصداع ، الدواء ، السيارة التي لإقلتها للبيت...ثم نملكها الذعر و هي ترى نفسها شبه عارية في السرير.
- هل لمستني؟ هذه حقارة.
و تشبتت بغطاء السرير مذعورة لفكرة أنه لمسها من دون علمها ، ثم جرت الغطاء إلى ما تحت ذقنها ، و هي ترمقه بنظرة ملتهبة.
كان جالسا على جانب السرير دون أن ينفي التهمة ، قال باسما :
- لماذا ؟ لأنني أحب أن ألمس زوجتي و أنظر إليها ؟
-كنت تعلم أنني نائمة.و هذا سيئ للغاية.
و حملقت فيه رهفضة الا عتراف بتأثيره عليها.
موافقته على كلامها لم تزعجه : "ربما ، ولكن مظهرك أمامي كان مغريا للغاية. وأنا لم يسبق أن ادعيت قط أنني قديس و لو في الساعة الحادية عشرة ؟
و أوشكت أن تقفز من السرير فتذكرت أنها شبه عارية :
- لماضا لم يوقظهي أحد بق الله ؟ كان لدي اجتماع هذا الصباح و يفترض أن يكون تقريري على مكتب جيف عند الظهر...لا أصدق...
- اهدأي.
فكان في قوله اقشة التي قسمت ظهر البعير ، فهو يجلس هادئا باردا ، ويتصرف و كأن عليها أن تكون مسرورة لتأخرها ساعات عن مكتبها.
- أين ملابسي ؟
سألته مرغمة نفسها على عدم الصراخ.
- في رعاية حنة.رلأت أن طقمك بحاجة إلى كي. وطبعا خزانتك ملأى بالثياب في غرفتنا.
قال هذا يذكرها ببراءة ثم سألها : " كيف أصبح صداعك ؟"
- بأحسن حال. أخبرتك الليلة الماضية أنه مجرد صداع ، ولوتركتني أذهب إلى بيتي مشيا...
- ما كنت لتستطيعين ذلك نظرا إلى كل تلك الحبوب التي تناولتها.
جعلها تبدو أشبه بمدمنة فاشمأزت من ذلك.
نظرت إلى وجهه فرأت أنه كان يتأملها بإمعان و عيناه تمعان بشكل مثير للإضطراب.ابتلعت ريقها و قالت كارهة : "شكرا لعنايتك بأموري"
-بكل سرور.
- لكنني بحاجة للإتصال بالمكتب لأشرح سبب تأخري.
- أنت لم تتأخري.لقد أخذت اليوم إجازة لمرضك ، وربما لأنهم يقتلونك بالعمل.لقد اتصلت وتحدثت مع جيف قبل كل شيء.
حدقت إليه و تغيرت ملامحها عندما استوعبت كلامه ، فقالت ساخطة :"لا يحق لك القيام بذلك من دون أن تسألني أولا"
- كنت نائمة و قد شكرتني لتوك بعنايتي بأمورك.
-هذا شيء مختلف.
وتمنت لو يقف و يخرج من الغرفة ،فقد كان وجوده بقربها يربكها للغاية
سألها مقطبا بحيرة :" هل كنت تفضلين أن يعتقدوا أنك لم تتكلفي عناء الإتصال بهم ؟ "
عدت بصمت إلى العشرة ثم سألته : " ماذا قلت لهم بالضبط؟"
أغمض عينيه لحظة و كأنه يحاول أن يتذكر الحديث بالضبط لكن مارشا لم تنخدع فهو لا ينسى شيئا.
-بالضبط؟ إنك مرضت الليلة الماضية و إنك لن تشتطيعي الذهاب إلى العمل اليوم:و قلت إنني سأتصل قبل الخامسة هذا المساء لإبلاغهم بخر التطورات.
عظيم، عظيم جدا!الان سيفكر جيف في كل أنواع الأمور.خصوصا في أي سرير أمضت الليل، وهي لا يمكنها أن تلومه.
- كفا تجهما !
كان صوته العميق الأبح يخفي ضحكا وراءه رغم أن وجهه كان جادا تماما :" إذا بقيت هكذا ستغزو التجاعيد وجهك قبل أن تبلغي الثلاثين"
- لدي الآن بعض التجاعيد.
قالت هذا بحدة لكنها لم تشأ أن تذكر الشعرات الشائبة.
- لكنني لا أستطيع رؤيتها.
و اقترب منها يدعي تفحص وجهها عن كثب،مائا الجو حولها بدفء و رائحة جسده.
حاولت أن تمتنع عن النظر إليه و إلى مدى جاذبيته و سحره فلطالما كان قادرا على تحريك إحساسها.
- إذا شئت أخبر حنة أنني جاهزة لإرتداء ملابسي ، يمكنني على الأقل أن ابدو لائقة وقت الغذاء وأسلم التقرير بعد الظهر.
فقال دون أن يتحرك :"لن أخبر حنة بذلك"
- تايلور، أنا ذاهبة إلى المكتب اليوم.
- مارشا، لن تذهبي.
نبرته الحاسمة أنذرتها بأنه ، مهما بدا هادئا ، فهو عمليا ما يقول ، وكذلك لمعان عينيه.
- يا للسخافة ! لا يمكنك أن ترغمني على البقاء و ...
أي شيء كانت ستقوله ابتلعته عندما وضع يديه حول جسدها الرشيق.حاولت أن تقاومه لكنها أدركت أن أيي حركة يمكن أن تطيح بالغطاء عن جسدها ، فتوقفت عن المقاومة.
كانت الحرارة تجري بسرعة في عروقها.
آه...كم افتقدته!... و ما ان ساورتها هذه الفكرة حتى سمعا قرعا مؤدبا على الباب.
- إنها حنة.
انتصب واقفا بينما بقيت هي يحدق فيه. و أشار إلى الفنجان الذي أصبح باردا على المنذدة بجانب السرير :" كان يفترض بك أن تشربي هذا بينما هي تعد لك طعام الإفطار"
و عندما جاء الطرق مرة أخرى ، قال لها وخو يمر بيده على شعرها يزيحه إلى الخلف : " هل يمكنها الدخول ؟ "
أبعدت رأسها عنه و هي تجيب :"طبعا"
لماذا لم تقاومه بقوة أكبر؟ ضاقت عيناه قليلا و هو يفكر في هذا ،لكنه لم يظهر لها أنه لاحظ خيبة أملها ، ونهض عن السرير قبل أن ينادي حنة لتدخل.
دخلت حنة مندفعة و دللتها مسوية الوسائد لها واضعة الصينية على ركبتيها.لكن مارشا لم تكانع في اهتمام المرأة بها ،فقد كانت حنة قد ترملت في وطنها جمايكا بعد زواجها بخمسة عشر شهرا. و الصدمة بموت زوجها غرقا أثناء عاصفة بحرية ،جعلت طفلتهما تولد قبل موعدها بشهرين.فلم تعش سوى ساعة واحدة دفنت بعدها بين ذراعي أبيها.
كانت حنة قد أخبرتها بقصتها هذه بعد خطبتها لتايلور مضيفة أنها بقيت بعد ذلك مدة طويلة شبه مجنونة.ثم بعد أن تزوجت أختها من أمريكي غني، سنحت لها الفرصة للسفر إلى أمركا لتستقر في منزل صهرها.
و ذات يوم ، عندما استضافالزوج تايلور لعدة أيام،و كان الرجلان قد تعارفا قبل سنوات في مجال العمل و أصبحا صديقين ، تعرفت حنة إلى الشاب الإنكليزي.
عندما قام تايلور إليها وظيفة في إنكلترا ، بمباركة صهرها ، بعد أن ضاق هذا ذرعا بالشجار بين الأختين قبلت حنة العمل.وهكذاجاءت لتعمل عند تليلور.
رفض هذا بقوة أن تشمله بأمومتها، لكن مارشا أدركت فورا حاجة حنة الخفية للأمومة.
عندما نما العطف بينها و بين حنة، لم تخف هذه الأخيرة حنينها إلى أن تربي قدمين صغيرتين تركضان في أنحاء المنزل.
و عندما خرجت حنة من الغلرفة ، رفع تايلور حاجبه لمارشا : " إنها مسرورة جدا لوجودك هنا"
لم تجب مارشا ، كانت جالسة و الصينية على ركبتها و غطاء السرير حولها.كانت تريد دخول الحمام و ارتداء بعض الملابس قبل أن تأكل ،و لن يتسنى لها أي من هذين قبل خروج تايلور.
فقال و كأنه قرأ أفكارها : " أتريدينني أن أتركك بسلام؟"
-نعم أرجوك !
- هذا مؤسف.
و نظر إليها لحظة ما جعلها تمتلئ شوقا : " اعتدت أن تستمتعي بالفطور في السرير معي "
ذكريات تلك الأيام بعثت الحرارة إلى وجنتيها ، لكنها قالت بابتسامة سريعة : " لكنك سبق و أن تناولت فطورك.و تلك الأيام أصبحت من الماضي"
- هذا صحيح ، ولكن ليس حاليا فقط.
- لا أظن ذلك يا تايلور.
- نحن زوجان و علي اللعنة إذا تركتك تفلتين من يدي.كنت أرجو أن تأتي إلي بنفسك لتعرفي الحقيقة و لكن يبدو أنني كنت أطلب الكثير.
و تقدم نحوها ينحني عليها :" مهما يكن فقد برهنت أنك قادرة على العيش من دوني ، و الآن يمكنك أن تبقى معي لأنك تريدين ذلك ، و أنك تريدنني شخصيا كما أريدك أنا"
و انحنى عليها فاستسلمت لعناقه رغم توبيخها لنفسها.
لكن العناق لم يدم سوى لحظات قبل أن يقف و يقول بصوت هادئ :" و الآن ، كلي فطورك كالزوجة الطيبة ، و انزعي فكرة الذهاب إلى العمل من رأسك.سنمضي النهار معا.لقد أجلت صفقة مربحة جدا لأجلك ،هذا عدا اجتماعين و مناقشة مع المحاسبين عندي"
فاندفعت تقول :" هل المفروض أن أكون شاكرة؟"
عاد يبتسم و هو يمسك بيدها يرفعها إلى شفتيه يقبل مكان الخاتم من إصبعها :" ربما ترفضين الشواهد الواضحة لاتحادنا، ولكن ليس بغمكانك أن تنبذني ما هو هنا..."
و لمس مكان قلبه:" و هو حبي.أنا أعرفك.أنت في كل نفس أتنفس"
نزعت يدها من يده و قد توهجت وجنتاها و قالت ثائرة :" عليك أن تعلم أيضا أنني لست المرأة التي تقبل الخيانة الزوجية بندا في عقد الزواج"
- لو كنت كذلك لما تزوجتك أبدا.
حدقت مارشا إليه.لم تلمس في صوته أي سخرية أو تردد ، و الأسئلة التي راودتها بعد أن أعلنت بيكي عن شكوكها في صحة ما أخبرتها به سوزان ، عادت إلى ذهنها.
اشتدت أصابعها لحظة على الصينية قبل أن تحدث نفسها بألا تكون حمقاء.ليس لدى سوزان سبب للكذب.كمل أن تانيا جميلة جدا، جميلة و ماهرة و...متزوجة؟ لكن ذلك لا يعني شيئا.سكرتيرة تايلور لم تكن متزوجة عندما علمت هي بعلاقاتهما،و هذه نقطة عليها أن تركز عليها.
- سأجعلك تعتذرين عن كل كلمة من اتهاماتك هذه لي ، أقسم لك.كان وجهه مظلما الآن ، ومرت لحظة شعرت فيها بالخوف بينما تابع :" و لكن ذلك لا يقارن بما سأفعله بالشخص الذي ملأ رأسك بهذه القذارات.هذه الخطة ستنتهي اليوم بالفشل"
- الخطة ستنتهي؟
لم تفهم ما يتحدث عنه.
تبادلا النظرات فترة قال بعدها :" كلي و سنتحدث فيما بعد"
و خرج من الغرفة.
بعد أن خرجت مارشا من الحمام دهشت لشعورها بالجوع البالغ.أتت على طبق البيض مع اللحم و السجق و قطعتين من التوست مع الزبدة و مربى العنب ثم عادت تدخل الحمام لتغتسل.و بعد خمس دقائق كانت مغمولرة في رغوة الصابون المعطر، محاولة أن تخلي ذهنها من كل شيء ما عدا المتعة التي يتقلب فيها جسدها ، و إضا بها تنتصب فجأة.
لماذا لم يضعها تايلور في سريرهما الزوجي الليلة الماضية ؟كانت في وضع لا يمكنها معه مقاومة أي عرض أو تمهيد للصاح من جانبه ، فلماذا لم ينتهز الوضع؟
وعقدت حاجبيها و هي تمعن النظر في الأمر.
كان بإمكانه أن يستعمل ذلك عذرا لوضعها في سريره و إن كان هذا لا يعني أنه كان يوما بحاجة إلى عذر ليفعل ما يريد.
مضت نصف ساعة أخرى من التأمل لم تصل بها إلى جواب عدا ما هو واضح و هو لا يريدها أن تشاركه غرفتهما مرة أخرى.و عندما نزلت من الحوض لم تدع هذه الفكرة تؤلمها ، لأنهما بعد أسابيع قليلة ، لم يعودا متزوجين.وعندما تترك هذا المنزل اليوم ستحرص على ألا تدع قدمها تطأه مرة أخرى.إنها لا تفهم تايلور كين و لم تفهمه قط ،و هي لن تضيع مزيدا من الوقت في المحاولات.
و بدلا من أن تكون قد ارتاحت من الحمام بقيت متوترة، و أخذت تنشف نفسها بمنشفة كبيرة.و إذا بها تتوقف فجأة و هي تحدق في المرآة أمامها.إنها بحلجة إلى أن تتحدث مع سوزان.و أخذ قلبها يخفق بسرعة لهذه الفكرة التي كانت تشغل بالها منذ حدثتها بيكي بشكوكها في دوافع سوزان.
تناهى إلى سمعها حركة في الغرفة الخارجية ثم طرق على باب الحمام فأجفلت و لفت جسدها بالمنشفة ثم خرجت من الحمام.
قال تايلور باسما : "ظننتك غرقت في الحمام"
- كان جميلا أن أستحم بالبانيو من باب التغيير ، فأنا لدي دوش فقط في بيتي.
فتبدلت نلامحه :"هذا هو بيتك"
سارت من جانبه ، متجاهلة تجاوب جسدها مع قربه منها ، ووقفت في وسط الغرفة ثم استدارت تواجهه قائلة :"هل ملابسي جاهزة الآن"
فقال دون توضيح : " لا ، و لكن كما قلت قبلا ، لديك خزانة مليئة بالملابس في غرفتنا. تعالي و اختاري ما تشائين"
تصلبت . يكفي سوءا أنها كانت في بيتها القديم هنا في غرفة الضيوف.لا تعرف كيف ستواجه دخول الغرفة التي شهدت أجمل ساعات حبهما و مشاعرهما المحمومة.لكنها لا تستطيع أن تظهر له ذلك ، لأنه سيعتبر ذلك ضعفا و يتصرف تبعا لهذا.
- هذا حسن.
رفعت رأسها و حدقت إليه.و لوى هو شفتيه :"شخصيا أظنك تبدين رائعة بلباسك هذا..أشبه بملابس شرقية...ملابس الحريم"
صرفت بأسنانها لما يعنيه بكلامه.لا شك أنه يكون لديه مجموعة من الجميلات يرقصن على أنغامه و يكن رهن مشيئته، ولكن عليها اللعنة إذا كانت واحدة منهن ،و قالت بهدوء :" لا أظن أن لف الشعر بمنشفة يستحق مثل هذا التعليق"
مال برأسه ينظر إليها متسليا :"ربما لا ، و لكن بإمكان الرجل أن يحلم ، أليس كذلك؟
و فتح باب غرفة النوم ثم انحنى قليلا :"تحت أمرك يا سيدتي"
رغم أنها كانت قد استعدت للحظة التي يفتح فيها لها باب غرفة نومها إلا أنها شعرت برجفة و هي تدخل الغرفة الفسيحة.
كانت النوافذ مفتوحة و رائحة اللافندر من الحديقة تعبق في الجو.
استقرت عيناها على السرير الكبير الذي يتوسط الغرفة بلونيه البني العاجي، أرغمت نفسها على البقاء جامدة الوجه و هي تسير إلى خزانتها.
كل شيء كان كما تركته تماما و العطر الذي كانت تضعه أثناء زواجها ، مازال شذاه في الجو.


غصت و هي تسحب بنطلونا و قميصا صغيرالكمين و ملابس داخلية و حذاءا منخفض الكعب من الخزامة.كانت لا تزال مصممة على الذهاب إلى العمل بعد الظهر لكنها لن تذكر ذلك إلا بعد أن تستعد للرحيل.
بعد أن أغلقت الخزانة أومأت لتايلور : " شكرا"
و كان هو متكئا على الجدار البعيد ، مشبكا ذراعيه على صدرهو على ملامحه مظهره شرود.
و تابعت :" أراك في الأسفل"
- ما هو شعورك و أنت تعودين إلى هنا؟
- ماذا ؟
فاجأها تماما بهذا السؤال فبدا الذعر في عينيها لحظة سرعان ما سيطرت عليه قائلة :" إنها غرفة رائعة"
فقال بهدوء : " ليس هذا ما سألتك عنه"
- بماذا تظنني أني أشعر ؟
شعرت بنفسها تحملق فيه الآن فنبهت نفسها إلى الحذر ، فلا تحديات و لا إظهار مشاعر.فأضافت بسرعة : " أظنني حزينة قليلا"
سطع شيء في عينيه لقولهاهذا : " حزينة قليلا؟حزينة قليلا كما أن احشاؤك تنقطع من جذورها ، أم كالشعور الذي يتملكك عند حضورك فيلما مؤثرا ؟"
- تايلور...لا أريد أن أجيب.
- أحقا ؟ طوال الوقت ونحن نفعل حسب رغبتك فإلى أين وصلنا؟ كنت أريد أن أعرف بماذا تفكرين و لو مرة طوال فترة زواجنا...كان علي أن أسحب الأفكار من رأسك.سئمت من ذلك.
حدقت إليه و عيناها تلتهبان لثورة طبعها : " أنا لم أطلب منك أن تحضرني إلى هنا.و إذا كنت قد سئمت مني ، أليس الأفضل لكلينا أن أرحل الآن؟"
- أنت كالعادة لا تسمعين جيدا ما أقوله.
و بخطوة واحدة كان أمامها يمسكها بكتفيها : " أنا لم أقل إنني سئمت منك.لم أرغب قط في امرأة تتعلق بي و تعيش في ظلي عاجزة.لكنك أنت شيء آخر ، وكان هناك جدارا غير منظور حولك ، ومهما ارتفعت صاعدا إليه لا أصل إلى القمة.لم أشعر طوال الشهور التي أمضيناها معا أنني أحدثت ثغرة في الجدار الذي تحيطين به شخصيتك الحقيقية"
- وهل لهذا خنتني مع تانيا ؟ لأنني لم أقععلى قدميك و أعبدك كالأخريات ؟
- ساعجني يا الله ! هل لك أن تسمعيني يا امرأة ؟ كلامي هو عني و عنك و ليس عن تانيا أو أي شخص آخر.منذ عرفتك لم أنظر إلى امرأة أخرى قط.
- لا أصدقك.
- لا ؟ أتدرين لماذا صدقت تلك الأكاذيب عني و عن زواجنا بهذه السهولة ؟ لأنك خائفة من الحقيقة.
- أنت مجنون.
- بسببك! لا بد أنني كذلك لصبري على كل هذه النفاهات.أنت تموتين من فكرة كشف نفسك و منحي كل شيء.هذه هي العقدة في كل هذا.أي أنك إذا وثقت بي سأخذلك...هذا ما حدثت به نفسك منذ اليوم الأول، ثم و يا للدهشة أخبروك بالضبط ما كنت تنتظرين أن تسمعيه...بأنني سيء الخلق...و أنني أقيم علاقات...لا بد أن هذا أفرحك.
- أنت تؤذيني.
بدت شاحبة فأجاب : " تبا لم يا مارشا ! "
و كانت لشتيمته تلك قوة الصراخ فكادت تجفل قبل أن تتمالك نفسها.
تراجع إلى الوراء خطوتين ثم دس يديه في جيوبه:
- أما زلت تصدقين أنني مذنب ؟
سألها بصوت عابس فاتر أخافها أكثر من غضبه فأجابت دون التبصر في كلماته : " لم أعد أدري ما علي أن أفكلر فيه.كنت واثقة...أعني لماذا قد يؤلف شخص ما أمرا كهذا ؟"
هز رأسه متهكما : " هيا لا يمكن أن تدعي أنك بهذه السذاجة.هناك مئة سبب و سبب يجهل الناس ساخطين "
لكنها أختك...أختك ! و ظنت لحظة أنها نطقت بذلكبصوت عال ، و لكن عندما لم تتغير ملامحه ادركت أن ذلك كان في ذهنها.
- كنت أرجو ، عندما أصبح لديك الوقت للتفكير في كل هذا ،أنك ستبدأين بالتحقق على الأقل. ولكن لم أجد منك سوى الصمت.لا اتصال ، ولا جواب على رسالتي.و هكذا حدثت نفسي بأن أصبر وأنتظر.لقد أحببنا بعضنا البعض و ليس بإمكان أحد أن يلغي ذلك.
حدقت إليه لحظة قبل أن تدير رأسها جانبا.كان في أعماقها شعور فظيع بأن كل شيء عاد يتحرك مرة أخرى.لقد دربت نفسها على التحرر منه و إذا به يعود إلى حياتها و هي لا تريد أن تفعل ذلك
أغمضت عينيها و تتقبضت يداها بجانبها : " لماذا تفعل ذلك ؟ "
- لأن على شخص ما أن يفعل ذلك.أنت تتخلين عن كل ما بنيناه دون أن تكافحي لأجله.و أنا أدرك ذلك الآن.لذا يعود الأمر إلي لكي أكافح لأجلنا معا.من الذي أخبرك بذلك ؟
-لا..لا أستطيع أن أقول...لقد وعدت .
شتم بوحشية : " أنتوعدتني بأكثر من ذلك.هل نسيتي؟ وعدتني بالحب و الصدق ، بالإهتمام بي في المرض و الصحة ، أنت مدينة لي".
- تايلور أنا ...
- لو كان ذهني منفتحا، لقمت بهذا العمل منذ شهور ، بدلا من الإفتراض بأنك تستطعين موازنة الأمور بالمنطق كأي إنسان عاقل.
هذا جعلها تفتح عينيها و ترفع رأسها.أرادت أن تصرخ و تضرب الأرض بقدميها كطفلة.إنه يصر أن يلومها هي :في حين أن الشواهد كلها ضده.هو لن يعلم قط كم تألمت عندما اتصلت بالفندق فردت عليها تانيا بصوتها المثير من غرفتهما.و قالت متوترة : " أنت لن تحب أن تعلم من الذي أخبرني.صدقني."
- بل أحب.
كانت عيناه تخترقان عينيها ، كما زاد وجهه قساوة عما كان عليه من قبل.
حدقت إليه و اسم سوزان على طرف لسانها.إذا هي أخبرت تايلور بأن أخته خانته ، ماذا سيفعل بعلاقتهما ؟
هو ليس رجلا متسامحا ، و هي تعلم ذلك.سواء كانت اتهامات سوزان صادقة أم لا ، فهو سينبذها من حياته و سيعني أن زوجها ديل سيخسر عمله و لربما بيتهما ، لأن لا أحد سيدفع راتبا لديل كما يدفع له تايلور.طبعا إذا مانت سوزان كاذبة فهي تستحق ذلك و أكثر... ولمن إذا لم تكن ؟ وتايلور ؟ماذا سيفعل ذلك به ؟ إنه يحب أخته ،فهي كل لأسرته.آه ،ماذا عليها أن تفعل ؟ إنها في وضع حرج هنا ، وهو كذلك.فأخته تحتل في قلبه مكانة خاصة ، مثله في قبها ، وهذا ما يجعل الأمر مستحيلا.أليس من أن سوزان تقول الحقيقة؟
- آسفة يا تايلور !
و بقيت عيناها ثابثتين بالرغم من إظلام وجهه.
- فهمت.
لا ..لا إنه لم يفهم ، ولكن ماذا تستطيع أن تفعل؟عليها أن تذهب و ترى سوزان في أسرع وقت ممكن.ربما الحديث معها سيجلي بعذ الأشياء : " أنا...أنا...لا ...لا أستطيع أن أخبرك...كنت سأخبرك لو استطعت و لكن..."
- انسي ذلك.
و كان صوته حازما باردا للغاية.
- أنسى ذلك ؟
و فتحت فمها بدهشة.
- اذهبي و ارتدي ملابسك يا مارشا.
مرت بيدها بالرغم عنها ، تلمس صدره الفسيح بإشارة عاجزة تحمل الكثير من التوسل.لم تتحرك عضلة في وجهه بل كان ينظر إليها فقط بعينين ضيقتين باردتين.
عندما عادت يدها تسقط إلى جانبها ، استدارت بسرعة و اجتازت الغرفة ، دون أن تنظر إليه مرة أخرى ، متجهة صوب غرفة الضيوف و ساقاها ترتجفان.و في الداخل أقفلت الباب و عيناها تحترقان بدموع لا تنسكب ،و في حلقها غصة تهدد بخنقها.لقد انتهى كل شيء بينهما ، هذا ما حدثها به عيناه.
سارت إلى السرير و استقلت عليه و هي مازالت تحمل الملابس بين يديها.لم يعد يريدها.قال إنه سئم منها،و آخر دقيقة أثبتت ذلك.و عليها أن تكون مسرورة.
ضغطت يدها على فمها و دموعها تنهمر بسرعة و هي تهتز بحزن شاعرة بالوحشة و التعاسة و الوحدة كما لم تشعر قط من قبل.
و بعد ذلك بخمس دقائق تمالكت نفسها و مدت يدها إلى الهاتف تطلب سيارة أجرة ، ثم ارتدت ملابسها بسرعة و سوت شعرها.
لن تستطيع قضاء بعد الظهر في صحبة تايلور.إنها تشعر بالإضطراب البالغ.قد يبدو هذا هربا...و ربما هو فعلا كذلك! تناولت حقيبة يدهاو أخرجت مفكرة كتبت على ورقة منها كلمة قصيرة لحنة قالت فيها إنها ستتصل تها قريبا و تتفقان على مكان تلتقيان فيه.ثم نزلت السلم و تسللت خارجة من المنزل.وتملكها الإرتياح لرؤية سيارة الأجرة تنتظر خلف المدخل حتى شعرت برغبة في تقبيل الرجل الأصلع خلف المقود.
صعدت بسرعة و هي تعطيه عنوان عملها حتى إذا جاء تايلور في أثرها ، و هذا محتمل جدا ، فهي تنفرد به في غرفتها.
لم تستعد أنفاسها إلا بعد أن ابتعدت بمسافة جيدة و طوال الوقت كانت تشعر و كأن يدا ستربت على كتفها في أي لحظة و صوتا تعرفه جيدا يناديها باسمها.و عندما أصبحت في المصعد متجهة إلى مكتبها ، عند ذلك فقط أدركت أنها نجحت في الهرب.
ومن الغريب أنها ، في تلك الحظة ، شعرت بأنها لم تكن يوما في حياتها أتعس مما هي الآن.

*********************

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top