الفصل السادس
هي امراة اخرى
بدت جدران لوكا التراثية مثيرة للإعجاب تماماً كما وصفها الدليل السياحة الخاص بماغي لكن رافايللو لم يقصد تلك الجدران ولا الكاتدرائية سان مارينو أو كنيسة سنترو ستوريكا القديمة ولا حتى متحف بوتشيني الذي يضم نصباً تذكارياً لأشهر أبناء لوتشيا بدلاً من ذلك وجدت ماغي نفسها تقاد إلى مبنى ضيق ذي واجهة أنيقة شعرت في تلك اللحظات بدوار قوي لكثرة ما تطاولت بعنقها في جميع الاتجاهات بذهول فأينما نظرت كانت تجد عجائب تاريخية لمدينة توسكانا القديمة حتى الكنائس والمطاعم والمقاهي بدت ذات طابع قديم جداً ما أثار إعجاب ماغي بالتصميم العمراني الإيطالي العظيم .
أشار رافايللو نحو باب المدخل وقال : تعالي .
رأت ماغي مكتب الاستقبال يشع بالأنوار تجلس خلفه امرأة أنيقة في العشرينيات من عمرها رفعت تلك المرأة نظرها عن دفتر المواعيد وهما يدخلان ثم شع وجهها .
قالت بلغة إيطالية طلقة : رافايللو !
نظرت من خلف المكتب بحماس واقتربت من رافايللو وعانقته قال لها شيئاً ما وهو يضحك وبدا واضحاً أنه يمازحها ثم بدأ بالكلام .
وقفت ماغي على بعد خطوات منهما وقد فهمت من تعابير وجه المرأة ومن النظرات التي ألقتها نحوها بين الحين والآخر فيما هي تستمع لرافايللو أنها هي بالذات موضوع تلك المحادثة .
تشبثت ماغي بشكل لا إرادي بحقيبتها وشعرت بالاحمرار يعلو وجنتيها كانت على وشك الاستدارة للتحديق عبر النافذة إلى الشارع الضيق حين أطلقت المرأة ضحكة طويلة وصفقت بيديها وهي تلتفت نحو ماغي .
قالت لها بالإنكليزية : تعالي ! تعالي ! هناك أشياء كثيرة علينا القيام بها وليس لدينا الكثير من الوقت آه لكن النتيجة ستكون مذهلة ! .
توجهت المرأة نحو رافايللو وهي تبتسم قائلة : سندع رافايللو يذهب الآن فلا حاجة لنا به هنا ولن أنتظر رأيه في ذلك أبداً .
ثم نظرت نحو رافايللو وأومأت له بيدها وهي تقول ممازحة : هيا .. هيا ارحل من هنا الآن .
تمكنت ماغي من التكلم أخيراً : أرجوك ما الذي يحدث هنا ؟
لمعت عينا المرأة السوداوان بشكل لعوب وهي ترد عليها قائلة : إنها مفاجأة !
نظرت ماغي بقلق نحو رافايللو ويداها تتشبثان ببعضهما بقوة فوق مقبض حقيبتها لم تتمكن من فهم تعابير وجهه لكنه قال بضع كلمات للمرأة الغريبة فهزت رأسها وخرجت إلى غرفة أخرى وقف ينظر إلى ماغي قليلاً بينما وقفت هي والقلق باد عليها بوضوح .
قال لها وقد بدا صوته أكثر مما أراد : لا داعي للقلق فقط ضعي نفسك بين يدي أوليفيا وستكونين بخير .
قالت بصوت مخنوق : لم أفهم بعد .
نظر نحوها للحظات طويلة هذه المرة كأنه يجد صعوبة في إيجاد الكلمات المناسبة : لو أمكنني محو ما سمعته من والدي هذا الصباح لفعلت ولكن ذلك ليس بمقدوري لذا كل ما يمكنني فعله هو إثبات العكس .
بدا وجه ماغي جامداً كالجليد كأن قناعاً وضع فوقه لكن عيناها فضحا ما تشعر به وجعلت رافايللو يرى الألم من خلالهما .
قالت بهدوء وصوت خالي من أي تعبير : لكنك لن تتمكن من إثبات عكس ما قاله والدك لأنه قال الحقيقة أليس كذلك ؟ ماذا قال ؟ إنني .. إنني أمثل أقبح إهانة تمكنت يوماً من تقديمها إليه إنني على النقيض تماماً من صورة المرأة التي كان من الممكن أن ترحب بها عائلتك كزوجة لك . ولهذا السبب بالذات تزوجتني لهذا السبب تزوجتني أنا ولم تختر امرأة من عالمك الخاص ... لكي تهين والدك .
أطلق صوتاً من حنجرته كأنه يهم بالكلام لكنها تابعت كلامها : أخبرتك أن ذلك لا يهم وهو فعلاً لا يهمني فأنت تدفع لي المال من أجل ذلك ولهذا السبب لا يحق لي الاعتراض والاحتجاج .
شعر رافايللو بألم قوي في داخله وكأن سكيناً يمزق صدره قال لها : تقولين أن هذه هي الحقيقة ماغي .. لكنها ليست كذلك سبق وبرهنت لي أنها مجرد كذبة وكذلك لعمتي وزوجها و ماريا و غوسيب والآن أريد فقط إنهاء المهمة .
حدقت فيه وقالت : أي جزء تعتبره كذبة ؟ أخبرني ؟ أن بنجي ليس لديه والد ؟ أنني أرتدي ثياباً بالية ؟ أنني أعيش من تنظيف الشقق ؟ أم أنني لست المرأة المناسبة لتكون زوجتك ولا أستحق سوى أن أكون كالتراب تحت الأقدام ؟ أي جزء هو كذبة ؟
كانت ماغي تنظر إليه دون ان تبدو على وجهها أي تعابير واضحة لكن المشاعر راحت تغلي في داخله بقوة أحد تلك المشاعر كان الشعور بالغضب إنه الغضب نفسه الذي جعله يأتي بها إلى هنا وإلى جانب الغضب تملكته مشاعر أخرى إنه الشعور بالذنب ....
لم يعد يستطيع امتصاص ما كان يخفيه أكثر فقال : أنت لست أول امرأة تنجب طفلاً يتخلى عنه والده من الواضح أنك تملكين ذكاءً يخولك ان تكوني شخصاً افضل لست مذنبة بسبب أصلك الفقير المهمل تماماً مثل ابنك أما بالنسبة لمظهرك .. حسناً ! هذا ما سنتكفل بتغيره الآن .
أنهى رافايللو كلامه والتفت بعيداً عنها لم يكن يريد أن يراها وهي تنظر إليه حاملة جراحها وألمها خلف ذلك القناع الوهمي الذي يخفي مشاعرها الحقيقية .
نادى رافايللو : أوليفيا ... !
دخلت أوليفيا من الغرفة الثانية تكلما بالإيطالية وقد بدا التساؤل على وجهها .. ثم قالت بالإنكليزية : إذاً لقد أصبح واضحاً ما سنقوم الآن ؟
ثم ابتسمت لماغي وقالت : جيد .. فلنبدأ الآن .
قال رافايللو لماغي : سأعود لاحقاً .
ومشى خارجاً .
حدقت ماغي به بيأس ما الذي يجدر بها أن تفعله الآن ؟ هل عليها أن تلحق به وتخبره .. ماذا ستقول له ؟ إنها تفضل العودة إلى لندن وعدم رؤيته أو رؤية أحد من أفراد عائلته أو حتى رؤية فيلا توسكانا الفخمة بعد الآن حسناً .. ! لن تتمكن من فعل هذا لقد قامت بتوقيع عقد زواج ولن تتمكن من تغيير هذا الواقع حتى يقرر رافايللو دي فيسنتى أن الوقت قد حان لتعود إلى إنكلترا وذلك بعد تأكده من عدم وجود احتمال لجعل الزواج باطلاً أو المخاطرة بإثبات أنه مجرد ضرب من ضروب الاحتيال وبذلك تعود الشركة إلى يد والده من جديد .
جلس رافايللو في المقهى ينظر نحو الساحة الخارجية التي كانت مدرجاً رومانياً منذ ألفي سنة باستثناء شراء غرض واحد فقط أمضى حتى الآن اكثر من ساعتين يتجول في المدينة زار كنائس كثيرة متجاهلاً نظرات السائحات والإيطالية على حد سواء فهو لا يبادل النساء النظرات حين يكون معكر المزاج .
لقد جعله الاندفاع والشعور بالذنب يحضر تلك الفتاة الفقيرة الهزيلة إلى صالون أوليفيا للتجميل كي يحسن مظهرها قليلاً .. وبأي شكل كان لكنه ربما لم يقدم إلى تلك الفتاة أي خدمة بجعل أوليفيا تحسين من مظهرها عبس رافايللو حين وردت تلك الفكرة في ذهنه .. ربما لا أمل في تجميل مظهرها مهما حاولت أوليفيا أن تفعل ربما لم يفعل شيئاً بإحضارها هنا سوى تعريضها للإذلال والإهانة من جديد .. ألم يقم بإهانتها بقدر كاف حتى الآن ؟
أومأ للنادل كي يحضر له فنجاناً آخر من القهوة ثم رفع جريدته مجدداً يتابع تصفحها فربما تجعله مآسي العالم ينسى شعوره بالذنب قليلاً .
بعد أربعين دقيقة رن هاتفه فمد يده إلى جيب سترته ليخرجه منها .
_ مرحباً ... !
_ رافايللو لقد انتهينا سنلاقيك في المطعم .. أراك هناك .
كانت أوليفيا توجه فوراً إلى المطعم حيث سبق له أن حجز طاولة للغذاء عندما دخل وقع نظره حالاً على أوليفيا كانت تجلس أمام المنضدة قد ازدحم المكان بالناس أشارت له بيدها فتوجه مباشرة نحوها متسائلا ما الذي فعلته مع ماغي ساوره شعور بالإحباط مجدداً ربما وجدت أوليفيا أنه من المستحيل تحويل ماغي إلى فتاة جميلة وأنيقة فتركتها في الصالون بينما أتت كي تنقل إليه الأنباء السيئة .
عندما اقترب رافايللو أكثر لفتت نظره امرأة تجلس أمام المنضدة أيضاً وهي تدير ظهرها نحوه كان هناك الكثير من النساء لكن تلك الفتاة استرعت انتباهه كثيراً راقبها بعينيه مطولاً كانت تجلس باستقامة دون حراك مرتدية قميصاً من الحرير بنية اللون دون أكمام بدن طويلة القامة وشعرها متميز باللون البني الفاتح تتخله خصل شقراء وهو ينسدل كالموج الناعم فوق كتفيها وجد رافايللو نفسه يفكر كم تبدوا تلك الفتاة مثيرة للاهتمام فهي تملك شيئاً مختلفاً .
أرادها أن تستدير نحوه ليرى إن كانت جميلة فعلاً بقدر ما تبدو من الخلف لكنه تذكر فجأة ان الوقت ليس مناسباً الآن ليقدر جمال وسحر نساء أخريات لذا عاد لينظر مباشرة نحو أوليفيا راحت تراقبه وهو يقترب وعيناه مأخوذتان تماماً بتلك المرأة الجالسة بقربها ما إن وصل بالقرب من المنضدة سألها بالإيطالية : حسناً ! كيف جرت الأمور ؟
حضر رافايللو نفسه لسماع الأسوأ حين نظر نحوه ولم يجد أثراً لماغي أجابته أوليفيا بحماس : احكم بنفسك .
نظر حوله مجدداً لكنه لم يتمكن من رؤية تلك الفتاة الفقيرة التي تركها مع أوليفيا في الصباح صمم رافايللو على تجاهل الفتاة المثيرة التي تدير ظهرها نحوه .. يجب ألا تشتت ذهنه بل عليه اعتبارها كأي شخص عابر .
قالت أوليفيا : ماغي ........
رغم محاولته التفتيش عن ماغي لم يستطع رافايللو منع نفسه من مراقبة تلك الفتاة بطرف عينه أما هي فقد اختارت تلك اللحظة بالذات لكي تستدير في جلستها نحوه لم يستطع مقاومة مشاعره فالتفت لينظر إليها .
مرت لحظة بدا فيها غير مصدق لما يراه ربما هناك خطأ ما في عينيه ... ! لا بد من ذلك فالمرأة أمام البار تملك وجه ماغي .. لكنها ليست ماغي إنها امرأة مدهشة جذبت عيوناً كثيرة غير عينيه .
أخذ نفساً عميقاً وقال : يا إلهي لا أصدق ما أراه !
أطلقت أوليفيا صرخة ابتهاج لكن رافايللو تجاهلها وظل يحدق غير مصدق لما يراه إنها ماغي ! لكنها لا تبدو هي نفسها ! لقد تغيرت ملامحها كلياً الآن وقد ترك هذا التغيير أثاراً واضحة لم تعد بشرتها شاحبة وقد زالت جميع الشوائب منها كما اختفى الوهن والشحوب وظهر جمالها الحقيقي المشرق بدت عيناها أعمق وأوسع وأكثر جمالاً أما وجهها فبدا ناعماً وقد انسدل شعرها على جانبيه ونحتت وجنتاها بشكل يلفت النظر نحو عينيها الجميلتين بذهول أما فمها ....
شعر رافايللو بانقباض في معدته رؤيتها جعلته يود تمرير يده في شعرها ومعانقتها .
_ هل أحببت هذا التغيير ؟
صوت أوليفيا الممازح هو ما أعاده إلى رشده لكن تركيزه لم يدم طويلاً فقد عادت عيناه مجدداً تراقب ماغي
التي بالكاد تمكن من التعرف عليها بدت نحيفة ذات جسد جميل ولم تعد تبدو هزيلة بالنسبة إليه يا إلهي ! كيف تمكن من التفكير أنها هزيلة ؟ لقد بدت كشجرة الصفصاف مرنة ورشيقة .
لم يتمكن من إبعاد نظراته عنها أما هي فراحت تبادله النظرات وقد بدا عليها الذهول أيضاً تساءل لما تشعر بالذهول لكنه توقف سريعاً عن التفكير في ذلك وأخذ يتفحص جسدها النحيف ثم عاد لينظر إلى وجهها من جديد .
بدا رافايللو غافلاً عن كل ما حوله حين سمع أوليفيا وهي تمر بجانبهما وتقول : وداعاً رافايللو ! استمتع بوقتك ..
لكنه لم يعرها أي اهتمام .
لم يسعفه صوته تماماً فقال بتلعثم : ماغي ؟
عضت ماغي شفتها فجعلته حركتها المألوفة هذه يتأكد بأن تلك هي نفسها الفتاة الفقيرة التي استغلها بغطرسته ليصل في النهاية إلى مبتغاه فعاملها بلا مبالاة كأنها مجرد أداة مثالية تخدم هدفه لإيذاء والده .
تضاربت المشاعر بداخله بعضها كان مألوفاً لديه وبعضها الآخر بدا جديداً تماماً حتى تلك اللحظات كان أفضل شعور أحسه تجاهها هو الشفقة .. شفقة لا مبالية على تلك الفتاة القبيحة غير المحبوبة .. شفقة ممزوجة بالشعور بالذنب لأنه عرضها للقدح والذم من قبل والده وللصراخ في وجهها وتوجيه كلام قاس وجارح لها لم يشأ أن يجعلها يوماً تدرك سبب اختياره لها لم يتعمد أبداً أن يرمي الحقيقة البشعة في وجهها بهذا الشكل .
عاد ضميره يؤنبه هل ظن ان بإمكانه إعطائها المال وجعلها تقبل بهذا الإذلال وتبقى صامتة ؟ إن سماعه كلمات الإدانة التي تلفظ بها هو نفسه تجري على لسان والده جعله يدرك وللمرة الأولى كم كان متحجر الفؤاد ها قد تبين له الآن أنه كان مخطئاً وان والده كان مخطئاً يا إلهي ! كم كان على خطأ ... !
تزايد إحساسه بالذنب لكن هذا الإحساس جديد عليه .. وهو يكاد يفقده صوابه .
شعرت ماغي أنها تترنح وراحت دوامة من الأفكار تدور في رأسها أفكار خشيت ان تعترف بها .. تمسكت بأكثر هذه الأفكار بساطة ووضوح ومع ذلك شعرت بالصدمة وعدم التصديق رافايللو دي فيسنتى الوسيم المتغطرس الرجل الذي يخطف الأنفاس رافايللو دي فيسنتى الذي كان منذ وقت قصير
يتهرب منها ويتجنبها كأنها مرض معدي .. ينظر إليها الآن و كأنها .. كأنها امرأة حقيقية من لحم ودم .. وكأنها امرأة جذابة تدير رؤوس الرجال .
بدا الأمر وكأنها ولدت الآن بالنسبة إليه بل كأنها لم تكن موجودة أصلاً من قبل ما جعلها تشعر بالإهانة لا تشعر بها إلا المرأة المنبوذة لم تكن بالنسبة إليها أكثر من خردة لا تستحق أن ينظر إليها أما الآن .. فكما لو أن أحدهم قام بنفض الغبار عنها وأعاد إليها بريق الحياة في نظره إنها هنا الآن أمامه .. امرأة تضج بالحياة .
هذه الفكرة أيقظت فكرة أخرى من تلك الأفكار التي جعلتها تترنح إن رافايللو دي فيسنتى يملك تأثيراً مدمراً عليها فمجرد وجوده قربها وتفحصه لها بإمعان من رأسها حتى قدميها يعني أنه اعتبرها امرأة جديرة باهتمامه جعلها ذلك تشعر كأن ألسنة من النار الملتهبة تلفحها في كل أنحاء جسدها .
بدت تلك اللحظة بلا نهاية .. بعدئذ لاحظت ماغي _ وبصورة ضبابية _ أحدهم يقف بالقرب منهما ويقدم لهما باحترام بالغ لائحتي الطعام المغلفتين بغلاف جلدي تمتم الرجل بضع كلمات جعلت رافايللو يسلخ نظراته عن ماغي ثم يأخذ منه لائحتي الطعام قائلاً لها : ماذا تودين أن تأكلي ؟
سمعت ماغي حشرجة في صوته لم تسمعها من قبل ما أرسل ارتعاشه خفيفة في عمودها الفقري .
في الواقع كان جسدها بأكمله ما زال يرتجف ليس فقط بسبب نظرات رافايللو بل إن الساعات الثلاث التي أمضتها لدى أوليفيا بدت لها تجربة فريدة من نوعها وغير عادية بالنسبة إليها فقد استسلمت ببساطة ليدي أوليفيا الخبيرتين و لحماسها وابتسامتها لتضفي على جسمها وشعرها لمسات الجمال السحرية .
لم تكن ماغي تعلم حتى بوجود هذا النوع من صالونات التجميل ! قامت مجموعة من أخصائيات التجميل بتنظيف جسمها وفركه بالكريمات كما غسلن شعرها وقصصنه وصبغته ثم صففنه في تسريحة أنيقة بعدئذ قامت أوليفيا بوضع الزينة على وجهها بعناية حتى أنها لم تصدق عينيها حين رأت صورتها في المرآة أخيراً اصطحبتها أوليفيا إلى غرفة تبديل الملابس حيث رأت مجموعة رائعة منها هناك اختارت لها ثوباً حريرياً أنيقاً وهي تقول بنعومة : ألم أقل لك إنني سأجعلك تبدين رائعة الجمال ؟ وهذا ما فعلته .
هذا ما حصل بالفعل ! شعرت ماغي أنها تسير في الهواء كما شعرت سندريلا تماماً حين قابلتها الجنية وزودتها بالثياب والزينة اللازمة لحفلة الأمير عبرت ماغي عن امتنانها التام للمرأة الأخرى التي راحت تضحك قائلة : حسناً ! والآن لنجعل رافايللو يراك وسوف يسقط فكه على الأرض من شدة اندهاشه .
شعرت ماغي بالتوتر حين اقترب رافايللو منها يعطيها قائمة الطعام وكادت يده تلمس كتفها سألها : هل تودين ان أترجم لك لائحة الطعام ؟
ابتلعت ريقها وتمكنت من همس بضع كلمات وقالت : أود .. أود أن أطلب طبقاً خفيفاً فقط .
التقت نظراتهما معاً فرأت ماغي لمعاناً ذهبياً يشع من عينيه اللتين أحاطتا بهما رموشه الكثيفة ما أعطاه مظهراً مثيراً كما تنشقت رائحة عطره الذي أعطاه سحراً رجولياً خاص شعرت بدوار في رأسها وبأنفاسها تنقطع .
عاد رافايللو واستقام في جلسته ثم ابتسم وقال : حسناً .
تغيرت تقاسيم وجهه حين ابتسم ما جعلها تشعر بالدوار مجدداً رأته يبتسم بالأمس لعمته وكذلك هذا الصباح لأوليفيا لكن هذه المرة .. هذه المرة كان يبتسم لها بشكل خاص لم تصدق أن هذا يحدث فعلاً لا بد أنها تحلم ..
لكن .. إن كان هذا حلماً فهي لم تستفق منه بعد أمسك رافايللو بمرفقها مما جعلها تشعر كأن جسدها يحترق تحت لمسة يده أحست بشيء غير عادي في داخلها كأن فراشات غير مرئية أخذت تطير حولها بينما رافقها رافايللو إلى باحة المطعم الخلفية المزينة بالزهور حيث وزعت طاولات أنيقة .
أخذت مكانها وهي تشعر بالرعب من التعثر بسبب كعبي حذائها المرتفعين اللذين لم تعتد عليهما لكنها أحسنت التصرف ولم تواجه المشاكل بل جلست خلف الطاولة وعيناها لا تريان سوى رافايللو دي فيسنتى .
للحظات وبينما تلهى رافايللو بطلب الطعام حاولت ماغي تقبل الأمور بهدوء لتقنع نفسها بأنها تحلم من يصدق أنها تجلس هنا في هذا المكان السحري مع أكثر الرجال وسامة في العالم ؟ بعد أن أنهى رافايللو طلب الطعام عاد لينضم إليها رأت أشياء في عينيه جعلت الفراشات الوهمية تطير بشكل دائري متناسق فوق
رأسها .
قال لها بينما أخذت عيناه تراقبان وجهها وشعرها : إنه أمر مذهل ! لا أعرف ما أقول .
وبسط يديه بتلك الإيماءة الإيطالية المعهودة لديه .
تحركت ماغي قليلاً في مكانها بعدم ارتياح وقالت بصوت متوتر : إنه تأثير مساحيق التجميل .. وسوى كذلك ...
ردد رافايللو خلفها : سوى ذلك ؟ آه نعم ! لقد كنت أعمى .. أعمى حقاً هذا كل ما في الأمر .
ظهرت نبرة تثير الاستغراب في صوته التقت نظراتهما مجدداً فلمحت ماغي في عينيه تعابير غريبة جعلتها تشعر ..تشعر بماذا ؟ لم تتمكن من وصف مشاعرها .
عاد رافايللو ليتكلم : لقد كنت أعمى عن كل شيء والآن أسألك ...
تغيرت نبرة صوته وتابع : .. أسألك إن كان بإمكانك مسامحتي لأنني كنت أعمى وأرجو أن تقبلي هديتي عربوناً للسلام بيننا .
مد يده إلى جيب سترته وأخرج علبة دائرية ملفوفة بورقة فضية اللون مربوطة بشريط ذهبي ووضعها أمامها كانت تلك العلبة ثمرة تسوقه طوال النهار .
قال بصوته المميز : هيا ! افتحيها .
أطاعته ماغي بتردد وفتحت العلبة وما إن فكت الشريط حتى ظهرت علبة مجوهرات زرقاء اللون بدأت معدتها تتقلص كأن الفراشات أصبحت تدور في داخلها .
داخل العلبة وجدت عقداً جميلاً مصنوعاً من الذهب مصمماً بإتقان حدقت فيه وعيناها ترمشان .
_ هل تقبلينه كعربون لندمي على معاملتي القاسية لك ؟
أتى صوته الهادئ منخفضاً ومتميزاً بتلك النبرة التي لم تفهمها لكنها لم تكن في حالة تسمح لها بتحليل معنى نبرته الغربية تصلبت حنجرتها وقالت : لا يمكنني قبول هذا أرجوك .. إنها أمر غير ضروري أنت تدفع لي الكثير من المال ...
قطع رافايللو كلامها حين مد يده ووضعها فوق يدها ثم قال لها بحدة : لا !
جعلها صوته تنظر نحوه بخوف أما هو فتابع : لن نتكلم عن هذا الآن .
ثم غير نبرته وقال : .. إن كان العقد يعجبك ضعيه الآن أظنه مناسباً للثياب التي ترتدينها .
فكرت ماغي أنه محق ليس عليها اعتبار تلك الهدية سوى إكسسوار إضافي لثيابها فكل التغيرات التي قامت بها أوليفيا هي جزء مما يريد رافايللو تغيره فيها .
أطاعته مجدداً وأخذت العقد من العلبة بدا خفيفاً جداً وقد صنع ليلبس بشكل عملي ارتبكت أصابعها خلف رقبتها وهي تحاول وضعه وفي لحظة كان رافايللو قد وصل إليها فأزاح شعرها ومرر أصابعه لتلامس يديها وتأخذ العقد من بين أصابعها تمتم وهو يلبسها إياه : اسمحي لي ...
أصبحت الفراشات بداخلها تدور بشكل جنوني وشعرت كأن الدماء تهرب من شرايينها ارتعشت أعصاب رقبتها بسبب إحساسها المرهف .. ليتها تستطيع التمسك بتلك اللحظة للأبد .. إنها تشبه الجنة !
أغمضت عينيها لتستمتع بذلك الشعور الجميل الأخاذ لكنه انتهى بسرعة وعاد رافايللو إلى مكانه ليراقب عمله الفني المميز ثم قال : اليوم سنبدأ بداية جديدة .
وأخت عيناه تشربان من جمالها كأنها شراب معتق نادر .
فكرت ماغي أن يومها يبدو شبيهاً بالحلم وان رافايللو يبدو إنساناً مختلفاً وكأنه ليس الشخص نفسه الذي لم ير فيها سوى فتاة سيرحب بها والده كزوجة له بدا لها كأن رافايللو هذا قد اختفى وظهر مكانه أكثر الرجال وسامة في العالم ليجلس أمامها ويعاملها وكأنها أميرة شعرت باندفاع محموم في أحاسيسها وحاولت بصعوبة إبقاء قدميها على الأرض ومنع الفراشات التي في داخلها من جعلها تحلق عالياً .
خلال الغذاء الذي شعرت كأنه لحظات قصيرة تنتهي بسرعة حاول رافايللو إبقاء الأحاديث عامة وغير شخصية أخبرها عن لوكا وعن توسكانا و إيطاليا .. تنوعت الأحاديث بدء من التكلم عن تاريخها وصولاً إلى العصر الحالي وعادات المجتمع المعاصر ...
ورغم التوتر الشديد في بداية الأحاديث وعدم تمكنها من مبادلته الكلام بسهولة إلا أنها تبدلت كثيراً مع الوقت وأخذت تسأله بحماس تماماً كما فعلت مع زوج عمته بالأمس وتدريجياً وجدت نفسها مرتاحة وراحت تتكلم بشكل طبيعي .
حاولت تخزين هذه اللحظات كذكريات غالية كحلم لا يصدق حدوثه في حياتها الحقيقية ظلت تحس طوال الوقت كأن تياراً كهربائياً يسري في جسدها ما جعل من الصعب عليها التوقف عن التحديق بوسامته الإيطالية التي جعلته رجلاً كامل الأوصاف .
ومع انتهاء الغذاء عادت ماغي إلى العالم الواقعي .
بنجي ! ارتجف جسدها لشعورها بالذنب وبينما وضع رافايللو بطاقة اعتماده على الطاولة ليأخذها النادل قالت له ماغي : أرجوك .. هل من الممكن .. أن أتصل بماريا .. كي أطمئن على بنجي ؟
ابتسم لها وقال : بالطبع ! .
أخرج هاتفه الخليوي وطلب رقم المنزل ثم تكلم سريعاً وأقفل الخط .
قام بنقل الأخبار لماغي فقال : تصرف بنجي بشكل ممتاز هذا الصباح فأكل فطوراَ كاملاً وهو الآن ينام بسلام
لكن ماريا تقترح أن تكوني إلى جانبه عندما يستيقظ في هذه الحالة علينا ترك الجولة الكبرى حول المدينة إلى مناسبة أخرى أما الآن فلم نتمكن من القيام سوى بجولة قصيرة ونتمشى بجانب قسم الجدران الأثرية ستكون هذه النزهة ممتعة .
اتجها خارج المطعم وبدأا المشي تحت الخيمة الخارجية التي تحمي من أشعة الشمس وتعمدت ماغي فتح حقيبة يدها لإخراج نظارتها الشمسية التي أعطتها إياها أوليفيا كان من الأسهل لها ان تنظر من خلال النظارة دون ان يتمكن أحد من رؤيتها وفيما هما يشقان طريقهما تعمد رافايللو أن يمسكها من مرفقها وأدركت ماغي فجأة بأن وجودهما معاً في هذا المكان لفت أنظار الموجودين .
بدا واضحاً ان الرجال ينظرون نحوها بإعجاب من كل الاتجاهات سواء كانوا يمرون بقربها أو يراقبونها من بعيد وهم داخل المقهى بدت نظرات الناس متفحصة لدرجة أشعرتها كأنها ترتدي ثياباً غير محتشمة وحالما شعرت بالخجل اقتربت ماغي من رافايللو بشكل عفوي غير مقصود .
نظر رافايللو نحوها وقد ظهرت ابتسامة ملتوية عند طرف فمه وقال لها : في إيطاليا لا نشعر بالخجل من إبداء إعجابنا بامرأة جميلة لا تقلقي طالما أنا بجانبك لن يتمكنوا من القيام بشيء سوى النظر إليك من بعيد .
ثم اصبح صوته اكثر جفافاً وتابع قائلاً : لكنني لا أنصحك بالتجوال بمفردك إذ ستتعرضين لبعض المضايقات .
شعرت أن وجهها يتلون خجلاً واسترجعت كلمات رافايللو في ذهنها لقد وصفني بالمرأة الجميلة !
تابعت سيرها وهي تشعر بالذهول .
أصبح السير بجانب الأسوار التاريخية أسهل إذ زاد عدد السياح والمارة فلم تعد ماغي تجذب الأنظار كالسابق
ابتعدت قليلاً عن رافايللو وتجاوب هو معها على الفور وأخذ ببساطة يجاريها في المشي .
كانت ماغي تشعر بمتعة كبيرة كلما توقف رافايللو كي يدلها ويشرح لها عن جزء مميز من الجدران التي تحيط بالمدينة .
_ لقد شيد سكان لوكا الأغنياء منازلهم الفخمة في القرن السادس عشر في الأرياف المحيطة بالمدينة والتي في أغلبها الآن مفتوحة أمام السياح ربما نذهب لرؤيتها في يوم آخر هناك الكثير لتشاهدينه في توسكانا حتى أنك ستحتارين أي مكان تختارين لزيارته .
فجأة استيقظت ماغي من حلمها الجميل وقالت : أرجوك أنا متأكدة من أنك ستنشغل كثيراً بأعمالك الخاصة .
أجابها رافايللو بتلقائية : ليس لدي عمل ملح هذه الفترة .
اجتماع مجلس الإدارة الذي سيعلن فيه رافايللو رئيساً للمجلس لن يعقد قبل الأسبوع المقبل والتأخير لن يوتر رافايللو فوالده لن يتمكن من التهرب من تطبيق الاتفاق المبرم بينهما .
شرد ذهنه قليلاً لم يشأ أن يفكر بوالده الآن تصاعد الغضب بداخله وظهرت ابتسامة غريبة على فمه فكر أنهما حين يعودان إلى المنزل سوف يجبر والده على رؤية ماغي الجديدة كي يمحو من ذهنه صورة تلك الفتاة التي رماها في وجهه منذ أيام .
نظر رافايللو نحو رأسها ذي الشعر الحريري الذي بالكاد يصل حتى كتفيه إنه لم يتمكن بعد من استيعاب التحول الذي حل بماغي .. إنه فعلاً تحول مذهل كانت تمشي إلى جانبه وقد بدت وقفتها ملفتة أما فستانها
فقد أظهرت قصته قوامها الرشيق بدا فستانها بسيطاً لكن رافايللو يعلم أن سعره ليس بالبساطة نفسها .. حسناً ! بدا الأمر كالحلم فهي ليست هزيلة لكنها ذات قوام نحيف وليست شاحبة ... بل مشرقة ...
بمظهرها الحالي ستتمكن من محو أي فكرة مسبقة عنها .. لذا سيجعل والده بالتأكيد يراها الآن سيجعله يعترف بذكائها وثقافتها الشخصية التي بنتها بمفردها وكذلك بمستواها المعيشي الجديد الذي قدمه لها سيجعله يرى أن كل وصف قاس وصفها به كان خاطئاً وبأن السبب الوحيد الذي جعلها تقبل بتلك المهمة الوضيعة هو خوفها على ابنها وإصرارها على الاعتناء به وتقديم كل ما بإمكانها له .
لمع العبوس في عينيه وفجأة دون تفكير بالموضوع أخذ يتكلم فقال : أخبريني عن والد بنجي .
تجمدت ماغي في مكانها وهي في منتصف مشيتها لبرهة ثم تابعت السير من جديد ظهرت القسوة في صوته مما جعلها تهلع لم يريد أن يعرف ؟ حاولت التكلم بهدوء فأجابت : ليس .. ليس من السهل علي التكلم في هذا الموضوع أتعلم ! حين كنت في الملجأ ...
راحت ماغي تتكلم وهي تنظر مباشرة أمامها .
قاطعها قائلاً : أي ملجأ ؟
_ ملجأ الأطفال .. للعناية بهم .. لا أعلم ماذا تسمونه بالإيطالية .
عبس رافايللو وهو يفكر ماذا يعني ذلك ؟ هل هي يتيمة ؟ سألها : ماذا حدث لوالديك ؟
أنا .. أنا لا أعلم .
_ كيف ذلك .
التفتت نحوه بسرعة كان يعبس بشدة مما جعله يبدو مرعباً ألح عليها بالسؤال قائلاً : أحقاً لا تعرفين ما حدث لهما ؟
_ أنا .. أنا لا أعرف من هما والدي لقد وجدوني بعد ولادتي ببضع ساعات وفي ثيابي ورقة تقول أمي فيها أنها لا تستطيع إعالتي وقد هجرها زوجها حاولت الشرطة إيجاد المرأة التي أنجتني ولكن دون جدوى .. أنا أعتقد أن الفتيات الشابات هن اللواتي يتخلين عن أطفالهن إذ يحببن شباناً طائشين سرعان ما يتخلون عنهن فيشعرن بالرعب لذلك على الأرجح قامت أمي بالتخلص مني .
لم يقل رافايللو أي شيء فاستمرت بالسير وهي تتابع كلامها بذلك الصوت المتوتر الذي حاولت جاهدة ان تجعله يبدوا طبيعياً : إذاً هل رأيت أنا لا أعرف أمي وليس لدي أدنى فكرة عن هوية والدي إنه على الأرجح لم يعرف حتى أنها حامل ...
سرت قشعريرة باردة في جسد رافايللو : لم يكن لدي أدنى فكرة عن هذا الأمر .
أجفلت ماغي حين قاطعها وشعرت بنبرته القاسية من جديد وقد ظهر فيها المزيد من الحدة هذه المرة توقفت قدماها عن الحركة مجدداً لقد تهدم الصرح الحضاري التي أظهرته على الغذاء استرقت النظر إليه قليلاً توقف رافايللو عن السير أيضاً وراح ينظر إليها لم تتمكن من رؤية عينيه اللتين كان يخفيهما وراء نظارتيه الشمسيتين إلا أنها تمكنت من رؤية فمه الذي بدا متوتراً مشدوداً .
شعرت بقلبها يهبط إلى الأرض بدا الأمر كالخروج إلى عاصفة ثلجية بعدما أزهرت زهور الربيع ...
فكرت بحزن : آه ! لما لم أكتفي بقول بعض الأعذار وعدم إخباره شيئاً عن بنجي أو عني ؟ لقد أرعبته مني الآن ! وشعرت بالندم يأكلها .
قالت بصوت خافت : لقد اعتقدت أنك تعلم ذلك فقد كتب على شهادة ميلادي : الأهل مجهولون الهوية أما تاريخ ميلادي فهو أقرب تقدير تمكنت المستشفى من إعطائه لقد أخذت شهادة ميلادي من أجل تسجيل الزواج .
أجاب بتجرد : لم أنظر إليها .
عضت ماغي على شفتها بالطبع ! لم سيزعج رافايللو دي فيسنتى نفسه بالنظر إلى شهادة ميلادها ؟
تابع رافايللو الكلام وقد بدا صوته بعيداً جداً : كنت تحدثيني عن بنجي .
وبقلب يغرق من الحزن أجبرت ماغي نفسها على متابعة قصتها المؤلمة ...
_ همم كنت في دار الرعاية ونشأت بيني وبين كايس صداقة قوية صداقة قربتنا من بعضنا البعض بشكل كبير حسناً .. ! بعدئذ أصبحت الأمور أكثر تعقيداً ..
ابتلعت ريقها عبر حنجرتها المشدودة مجبرة الكلمات على الخروج من فمها وهي تسترجع ذكريات الأيام الماضية تابعت القول : عندما تركنا الملجأ وبدأنا باستكشاف العالم سكنا في شقة واحدة وعندها فقط ظهرت أعراض السرطان على كايس في الفترة الأولى بدا العلاج نافعاً استمر ذلك لمدة عامين لكن السرطان عاد من جديد بشكل أقوى إلى أن خطف الموت كايس .. بعد ولادة بنجي مباشرة .
لم تستطع إكمال الكلام فعادت تهم بالمشي مجدداً لكنها لم تعد تنظر حولها نحو الأسوار شعرت بالامتنان لنظارتها السوداء لأنها أخفت دموعها .
جاء صوت رافايللو خافتاً وهو يقول : أنا أشعر بالخجل .. أشعر بالخجل من كل فكرة مسبقة أخذتها عنك أو قلتها لك .
ثم أدارها نحوه وأمسك بمرفقيها أغمضت ماغي عينيها لتمنع انهمار المزيد من الدموع شعرت أن حنجرتها تشتعل لمحاولتها القوية منع نفسها من البكاء .
شعرت بإحدى يديه تتركها ثم امسك نظارتها ورفعها عن عينيها .
_ لا نريد الدموع .. الدموع ستفسد تبرجك .
لاحظت ماغي في صوته نبرة مزاح رفعت بصرها نحوه لتحدق به وعيناها الغارقتان بالدموع لدرجة جعلتها تراه بشكل ضبابي بتهذيب كبير مرر إصبعه تحت عينيها ليلتقط دموعها قبل نزولها فوق خديها وحين وضحت أمامها الرؤية التقت نظراتهما معاً ...
شعرت ماغي كأن الوقت اصبح معلقاً ولم تعد قادرة على التحرك أو حتى التنفس وكأنها مقيدة بطوق من الفولاذ .
توقف العالم حولها عن الحركة لقد اختصر العالم بنظرها برافايللو إنه الوحيد الذي بقي موجوداً بالنسبة إليها وكان ينظر إليها بعينيه الداكنتين اللتين بدت تعبيرهما غريبة غامضة .
بهدوء مرر رافايللو أصابعه بين خصل شعرها الناعم .
_ جميل جداً ...
تمتم بهذه الكلمات بصوت منخفض ثم أخفض رأسه ليعانقها فأغمضت ماغي عينيها لتستمتع بعناق رائع لم تتوقعه مطلقاً من الرجل الفاتن الذي يرافقها شعرت بقوة جسده ودفئه وهو يضمها إلى صدرها برقة وهدوء .
تمنت أن يستمر هذا العناق للأبد لكن لسوء الحظ أن الأمر انتهى سريعاً .
فجأة ابتعد رافايللو عنها مما جعلها تشعر بخسارة كبيرة سرت أصداؤها في جسدها نظرت مطولاً نحوه ومشاعرها تظهر بوضوح على وجهها فيما الغموض لا يزال بادياً في عينيه أمسك رافايللو يدها وشبك ذراعها بذراعه ثم أرجع نظارتها إلى عينيها مجدداً وقال لها : : علينا العودة إلى السيارة .
عادت معه وهي تشعر بدوار في رأسها كأنها تعيش فترة أقرب إلى الحلم منها إلى الحقيقة ولم تستطع التفكير بشكل منتظم .
عم الصمت معظم فترة العودة إلى الفيلا كان رافايللو يقود السيارة بالسرعة والتركيز اللذين قاد بهما هذا الصباح لكنها هذه المرة لم تشعر بالتوتر الذي كان مسيطراً في الصباح بل بدا كأن رافايللو يستمتع بقيادة سيارته القوية أما ماغي فقد أمضت رحلة العودة وهي تجلس ملتفتة نحوه بين الحين والآخر ثم تمسك خصل شعرها بيدها كي لا يتطاير في الهواء .
راح رافايللو يلتفت نحوها بين الحين والآخر وقد علت فمه ابتسامة صغيرة وكأنه يشعر بالرضى لم تفهم ماغي مغزى تلك الابتسامة لكن ما تعرفه هو ان شيئاً ما يذوب في داخلها كلما التفت نحوها .
تمنت أن لا تنتهي هذه الرحلة على الإطلاق !
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top