الفصل الخامس
5 _ في قبضة التنين ..
_ تعالي لأعرفك على عمتي وزوجها .
أمسكها رافايللو من مرفقها وساعدها على التقدم بدت أعصابها مشدودة كاللوح تحت قبضته وكادت تتعثر وهي تمشي نحوهما حتى بعد ترك يدها تمكن رؤية مدى توترها وهو يقف بجانبها .
_ عمتي اليزابيث .. هذه ماغي , ماغي إنها عمتي اليزابيث كالي وزوجها البروفيسور برناردو كالي .
أحست ماغي بأنفاسها تعلق في صدرها وشعرت بالدهشة لأن رافايللو ناداها باسمها .
حنى هذه اللحظة كان واضحاً لها بشكل مؤلم أنه لم ينادها باسمها أبداً بل وجه لها الأحاديث بشكل مباشر جداً .
فتحت عيناها بقوة من الدهشة حين أدركت أنه هذا المساء قام بمناداة بنجي باسمه أيضاً ! وبالكاد صدقت ذلك حين دخلت إلى الغرفة ورأتهم جالسين توقعت انفجارات أخرى كالتي استقبلها بها والده وقريبته بالأمس لكن على العكس من ذلك راحت عمته تنظر إليها بسلام بعينيها الواسعتين .
فجأة ابتسمت لها عمته لم تكن ابتسامة كبيرة بالضبط ولم تكن دافئة جداً أيضاً بل ابتسامة اجتماعية حضارية كما ابتسم لها زوجها أيضاً لكن ابتسامته كانت أكثر دفئاً .
قال رافايللو بصوت خافت :للسف وجد والدي نفسه متعباً بعض الشيء لذا لن يحضر للعشاء أتمنى أن تعذروه .
عضت ماغي شفتها بدا من الواضح أن والده يتجنبها وكأنها مصابة بوباء ما .. حسناً ! ربما أنا مصابة حقاً بوباء ما من وجهة نظره فأنا لست زوجة ابنه المثالية آه لم بحق السماء لم يدرك رافايللو أن عليه الزواج فتاة تنتمي إلى وسطه الاجتماعي للتخلص من لوسيا ؟ ما قام به هو الزواج من أول امرأة يصادفها .. لا تزال ماغي تتذكر كلمات تلك الفتاة الشقراء بوضوح فلينظر الآن إلى الفوضى التي زج بها نفسه .. كان عليه أن يدرك ما ستكون عليه ردة فعل والده حين يرى أن ابنه تزوج من عاملة تنظيف لديها طفل تعتني به أيضاً ألم يدرك أن وجود الطفل سيجعل الوضع أكثر سوءاً .
رفعت ماغي ذقنها وهي تفكر : حسناً ! هذا أمر يخص رافايللو ووالده فهي لا تهتم لكونها تعيش من تنظيف بيوت الأغنياء وتعتني بطفل دون أب فبنجي هو حياتها إنه هدية كايس لها .. الهدية الأخيرة .
أتى غوسيب لإعلامهم أن العشاء جاهز اقترب رافايللو من ماغي أكثر ومسك ذراعها من جديد فعاد التوتر يملؤها علمت أن هذا مجرد مشهد تمثيلي أمام عمته لكنها تمنت لو انه يقف على بعد كيلومتر منها أجبرت نفسها على التخفيف من توترها ولم تفتها نظراته المنتقدة لمظهرها على الرغم من أنها كانت نظرات سريعة
جداً .
بعد وقت قصير دخلوا إلى غرفة الطعام وأخذت ماغي تمتع نظرها برؤية التحف الفضية والأغطية الحريرية شعرت بفرح كبير لجلوسها إلى طاولة الطعام الخشبية اللمعة .
سألتها عمة رافايللو بنبرة غريبة ولكن بلغة إنكليزية سليمة تماماً كلغة رافايللو : هل أعجبك الطعام ؟
وجدت ماغي نفسها تجيب بشكل تلقائي : إنه لذيذ جداً .
ابتسمت السنيورة كالي وقالت : إنه مصنوع من الأجاص المستورد وأنا لا أشجع هذا الطعام أنا أحب الأكل الإيطالي وأفضل تناول الفاكهة ففي موسمها لا يزال الوقت مبكر لنضوج الأجاص هنا أما اللحم فهو ممتاز إنه من مدينة بارما وأظنها مدينة معروفة بجبنه البارميزان في إنكلترا .
بدا من الواضح أ|ن العمة تحاول جعل ماغي أكثر ارتياح أدركت ماغي ذلك وقدرت لطفها .
تابعت السنيورة كالي حديثها وهي تركز على نقل صورة جميلة عن توسكانا لماغي :" لكن هناك أشياء كثيرة تتميز بها توسكانا وأنا واثقة أنك ستستمتعين بها كثيراً إنها تتميز بالمطبخ البسيط كطبق البستيكا آلافيدينتينا وهو مكون من اللحم المشوي على الفحم ومن لحم البط .
رفع زوجها يده وقال : لا تكوني قاسية على بارما عزيزتي فهي في النهاية تتشارك العديد من الميزات مع توسكانا .
كانت هذه المرة الأولى التي تسمع فيها ماغي ذلك البروفيسور بماغي طويلاً وكأنه يتفحص أحد تلاميذه .
علق رافايللو بقسوة : برناردو هذه الزيارة الأولى لماغي إلى إيطاليا لا أظنها ستفهم ما تعنيه ...
وفي الوقت الذي تكلم فيه تقريباً كانت ماغي تقول وهي تحاول تذكر ما قرأته في الكتيب الذي أحضرته عن إيطاليا : دوقة بارما .. ماري لويز و ... أرملة نابليون هي دوقة لوكا .
قال لها البروفيسور مشجعاً : جيد جداً ! عليك زيارة لوكا قريباً .. إنها جوهرة توسكانا .
أجابته ماغي : قرأت القليل عنها في الكتيب الذي أحضرته معي .. أعتقد أنه تشتهر بجدرانها أليس كذلك ؟
_ نعم بالفعل بنيت هذه الجدران في أواخر القرن الخامس عشر لمنع الأسبان من الدخول إليها وتمكنت بذلك من الحصول على الاستقلال كانت في ذلك الحين المدينة الإيطالية الوحيدة التي تتمتع بقوانين خاصة إلى جانب فينسيا استمر ذلك حتى قام نابليون بتنصيب أخته اليزا دوقة عليها وعلى توسكانا أيضاً .
علقت زوجته بجفاء : إن زوجي عالم تاريخ كما تتوقعين على الأرجح .
فاجأ ذلك ماغي كثيراً التفتت السنيورة كالي نحو زوجها وتابعت تقول : أرجوك برناردو لا تكن مملاً .
ابتسمت ماغي بخجل وهي تقول : لا يمكن للتاريخ أن يكون مملاً لا سيما تاريخ مليء بالأحداث كتاريخ إيطاليا.
كان كلامها صحيح تماماً بالنسبة للبروفيسور الذي أجاب قائلاً : و لتوسكانا التاريخ الأغنى في إيطاليا .
سألته ماغي : أي الإتروسكان .
أكد البروفيسور معلوماتها : نعم الإتروكسان .
وأخذ يستطرد في الحديث حتى وصل إلى الحضارة الرومانية القديمة التي سيطرت على البلاد قبل وقت طويل من اكتساب روما لهذه القوة والمنزلة العظيمة .
قاطعت زوجته الجديد معلقة : لطالما قدرت الإتروكسانيين فقد كانت النساء عندهم يتمتعن بحرية مذهلة كن يتناولن الطعام مع الرجال ويملكن الأراضي ويتكلمن في العلن .
خبأت ماغي ابتسامتها فقد تمكنت من معرفة السبب الذي جعل السنيورة كالي تقدر هذه التصرفات من النساء التفتت نحو رافايللو لترى إن كان يجد تعليق عمته مهماً لكنها تفاجأت حين رأت وجهه .
كان ببساطة يحدق بها وكأنها مخلوق غريب من كوكب آخر ارتبكت ماغي ورمشت عينيها بتردد هل قامت بعمل خاطئ ؟ أبعدت نظراتها مجدداً وهي تشعر بدقات قلبها تتسارع هل كانت تتصرف بشكل غير لائق ؟ هل من المفترض بها أن تصمت وألا تشارك بالحديث ؟
ثم سمعت البروفيسور يقول لرافايللو : يجب ان تشغلك زوجتك لبعض الوقت عليك أن تأخذها في جولة سياحية هناك الكثير لتراه .
عضت ماغي شفتها .. إن آخر ما يتمناه رافايللو هو التجول معها في رحلة سياحية قالت بسرعة : آه لا سيكون هذا مستحيلاً .. إن ابني الصغير ..
أجابت السنيورة كالي بهدوء : أؤكد لك أني و ماريا سيسرنا الاهتمام به في غيابك الطقس في إيطاليا هذه الفترة ملائم جداً للسباحة .
قالت ماغي تخالفها : آه ! أرجوك .. حقاً أنا لا يمكنني ترك بنجي .
عادت عمة رافايللو تقول : من الجيد له أن يحاول الشعور بالسعادة حتى وإن لم تكوني بقربه يجب ألا تقلقي لبقائه معنا ماريا تملك خبرة بالأطفال وقد أخبرتني أنه طفل رائع ولديه تربية جيدة بالنسبة لسنه .
ابتسمت العمة برقة ما جعل وجنتا ماغي تحمران خجلاً لم تعرف بما تجيب فنظرت أمامها على الطاولة وفجأة شعرت بلمسة يد خفيفة فوق يدها .
كانت تلك السنيورة كالي التي تابعت تقول : أعتقد أن الأمر كان صعباً عليك أليس كذلك ؟ فالناس دائماً يطلقون أحكاماً قاسية على الآخرين .
والتفتت نحو رافايللو الذي توتر فمه ثم قالت وهي تحاول تغير الموضوع : رافايللو اطلب من غوسيب أن يقدم الطبق الثاني .
مضى وقت العشاء بهدوء اكتشف البروفيسور خلاله وجود مستمع جيد له فأكمل خلال العشاء كلامه عن تاريخ إيطاليا وعن توسكانا بالتحديد أخذت تشعر بالارتياح أكثر خصوصاً أن رافايللو بقي صامتاً طيلة العشاء أما عمته وزوجها فقد بدا لطيفين جداً معها .
بعد العشاء طلبت السنيورة كالي من غوسيب تقديم القهوة في غرفة الجلوس عندها فقط تمكن رافايللو من طرح سؤال على ماغي كان يحيره طيلة ذلك الوقت فبعدما خرج البروفيسور وزوجته من غرفة الطعام أنذرتها نبرة صوته الخشنة بجدية سؤاله وهو يقول : أيمكنك أن تشرحي لي لما تعمل امرأة متعلمة مثلك بالعمل في تنظيف الشقق ؟
حدقت ماغي به .. كان يقف بقربها تماماً لكن هذا لم يكن سبب دهشتها الوحيدة كررت خلفه بذهول : متعلمة ؟
أوضح لها رافايللو بتحد : لديك معلومات واسعة من التاريخ ومن الواضح أنك امرأة ذكية فلماذا تعملين عاملة تنظيفات ؟
انبسط وجهها الآن وأصبحت قادرة على الإجابة على سؤاله فقالت : أنا لا أحمل أي شهادة .. لكن لطالما أحببت المطالعة وهذا كل ما في الأمر فدخول المدرسة .. كان أمراً صعباً .
فكرت ماغي ان لا داعي لجعله يمل من تفاصيل قصتها ولا ضرورة لإخباره كم كان صعباً عليها كفتاة ملجأ ان تتحمل التعليقات والضغوطات من التلاميذ الأكثر حظاً منها لوجودهم مع عائلاتهم .
تابعت قائلة : رغم أني تلقيت بعض الدورات التدريبية التي توازي التعليم الأولي .. لكنني لم أتمكن من المتابعة .
وعادت تفكر ان لا ضرورة أيضاً لتخبره أن السبب يعود إلى تزامن دراستها مع اكتشاف المرض لدى كايس .
ابتلعت ريقها وتابعت : ولكن أحد الأشياء التي أود القيام بها .. وقد أصبحت أمراً ممكناً الآن هو متابعة المزيد من الدراسة لأتمكن من الحصول على عمل أفضل حين يبدأ بنجي في الذهاب إلى المدرسة لن أعمل بدوام كامل طبعاً سأعمل فقط عند وجوده في المدرسة لأكون دائماً موجودة في المنزل لأجله .
أتى صوت عمته آمراً وهو تقول : رافايللو دع الفتاة المسكينة تأتي لتناول القهوة .
عندئذ ترك ذراعها ورافقها بتهذيب إلى غرفة الجلوس .
تفحصت اليزابيث كالي ابن أخيها وزوجته بنظرات متسلطة وأفسحت مجالاً بجانبها على الأريكة ذات القماش الحريري وقالت : تعالي واجلسي إلى جانبي ماغي رافايللو .. يود برناردو أن يدخن سيجار والتدخين هنا غير مسموح به بالتأكيد لذا أرجوك رافقه إلى الشرفة .
فكرت ماغي أنت اللطف الزائد ليس من صفات السينيورة ومرة أخرى وجدت نفسها تنظر في عيني رافايللو لكنها لم تجد فيهما نظرات التسلية بل وجدت فيهما سؤالاً صامتاً .
أخذت المرأة تسألها عن عملها وطفلها وأسباب زواجها من رافايللو لكن الموضوع الوحيد الذي لم تسأل عنه بشكل مزعج هو والد بنجي ..
قالت لماغي : تحصل هذه الأمور أحياناً ولطالما حدثت أمور متشابهة وبالتأكيد سيحصل هذا مع الكثيرات بعدك لكني بصراحة أقدر فيك جرأتك باتخاذ القرار بإبقاء الطفل معك كان من الأسهل لك لو تركته مع والده .
بقيت الكلمات في صدر ماغي تملؤها بالرعب : أبداً لم أكن لأفعل ذلك .. وزاد الرعب في داخلها حين تذكرت أن والدتها هي لم تفكر حتى باحتمال إعطائها لوالدها وبدلاً من ذلك تركتها بكل بساطة على جانب الطريق لكي تلقى حتفها .. لكنها بقيت صامدة لتعيش والآن سيستمر صمودها وتمسكها بالحياة من أجل بنجي .
رأت ماغي عبر النافذة رافايللو .. الشخص الذي تزوجته مقابل مائة ألف جنيه لكن شيئاً في داخلها أوجعها وآلمها لذا التفتت بعيداً عنه لا ! كلا يمكن ان يحدث هذا .. يا لها من أفكار سخيفة وخيالية ! لا يمكن لرجل مثله أن يلتفت نحوها ولا في أحلامها .
استيقظت ماغي في صباح اليوم التالي حين دخلت إحدى الخادمات إلى غرفتها وهي تحمل صينية القهوة قالت الخادمة وهي تبتسم : صباح الخير سنيورة .
ثم توجهت نحو بنجي تحدثه بالإيطالية رغم أنه كان لا يزال نائماً جلست ماغي تراقبها قليلاً ثم رشفت قهوتها والتفتت تنظر من النافذة نحو أشجار السرو التي انتشرت فوقها أشعة الشمس الساطعة .
راحت تفكر بسهرة ليلة أمس وما رافقها من مشاعر غريبة بدت عمة رافايللو وزوجها لطيفان معها كثيراً أما رافايللو فبدا مهذباً ومتحضراً أي أيضاً ! لم يبدو على السنيورة كالي أنها مستاءة لأنها تزوجت من ابن أخيها من أجل المال .
قالت لها بالأمس بطريقتها الحاسمة المعتادة : اعرف ان هذا الأمر خاطئ بالتأكيد لكني أتفهمه تماماً ولا ألومك أبداً صغيرتي .
عبست ماغي وفكرت هل يعني قولها أنها تلقي اللوم على ابن أخيها ؟ رغم أنها لم تكن تدري ما ستواجهه قبل مجيئها إلى هذه الفيلا لكنها الآن لا تحسد على وضعها أبداً .. فالجميع يتمنى لو أنها على بعد ملايين الأميال عنهم .
استيقظ بنجي وبدأت ماغي ترحب به فهو كعادته يستيقظ بنشاط ومزاج طيب ما يستدعي منها اهتماماً .
بعد ان لبسا ثيابهما حملت ماغي صينية القهوة بحذر بإحدى يديها وأمسكت يد بنجي بيدها الثانية ونزلت إلى المطبخ لتناول الفطور لكنها حين أغلقت باب غرفتها سمعت خطوات آتية من آخر الرواق .
كان والد رافايللو يمشي باتجاهها وحين رآها وقف مندهشاً أما ماغي فجمدت مكانها رغم أنها رأته لفترة قصيرة منذ ثلاث أيام لكنها عرفت أنه انريكو دي فيسنتى بدا شبيهاً برافايللو بفارق ثلاثين سنة فقط .
قست معالم وجهه حين رآها ولم تعلم ماغي ما عليها القيام به هل تقول له صباح الخير أم تصمت وتتابع طريقها ؟ أم من الأفضل لها أن تعود إلى غرفتها ؟
شعر بنجي بالتوتر فتشبث بساق والدته وهي تقف هناك حاملة صينية القهوة ولا تعلم ما عليها فعله ..
قال انريكو دي فيسنتى بصوت أجش : إذاً أنت لا تزالين هنا !
لم تجب ماغي ولم تعلم ما عليها قوله .
تابع انريكو بصوته القاسي : هل تتخيلين أن بإمكانك التصرف وكأنك في منزلك ؟ هل تتخيلين نفسك سيدة مجتمع محترمة الآن .. أنت وطفلك هذا ؟
ارتجف جسد ماغي بينما اقترب منها انريكو أكثر بشكل تهديدي وعيناه الداكنتان تحدقان إليها بقرف وكره : إذاً اعلمي أن ابني الجاهل اختارك زوجة له ليهينني فقط أراد أن ينتقم مني ويخالف إرادتي فأحضر إلى المنزل امرأة من حثالة البشر .. لقد اختارك لأنك أسوء زوجة كان من الممكن أن يحصل عليها .. بشعة جاهلة من عامة الشعب ولا تملكين قيماً أخلاقية أبداً أحضرك من أحد أحياء لندن الفقيرة .. واختارك عاملة تنظيف فقط لكي يقرفني .
شعرت ماغي أنها على وشك الإغماء سمعت ضغط دمها القوي يطرق في أذنيها أما بنجي فخبأ وجهه ببنطلونها القطني من الخوف رغم انه لم يفهم أي كلمة لكنه استطاع ان يشعر بقسوة الكلام الذي وجه لوالدته .
أصبحت نظرات ماغي ضبابية فيما تابع والد رافايللو طريقه عبر الدرج الرخامي متوجهاً نحو الصالة شعرت أن ماغي أن الصينية تهتز بين يديها أدركت أنها إذا لم تضعها من بين أصابعها المرتجفة وتتكسر على الأرض .
فجأة أخذ أحدهم الصينية من يدها وهو يقول : تعالي إلى هنا ...
وأدخلها مجدداً نحو غرفتها شعرت ببنجي يؤخذ منها لبعض الوقت فيما الطفل يحتج على ذلك وبعد ان جلست على السرير أعاد ذلك الشخص بنجي إلى أحضانها وجلست هناك تملس شعر بنجي بيدها وهي غير واعية لشيء حولها .
وقف أمامها رجل طويل أسمر منعت قامته وصول الضوء إلى عينيها فأدركت أنه رافايللو دي فيسنتى الرجل الذي اختارها ليس لأنها مناسبة ومتوفرة فقط بل لأنها ستقرف والده بالتأكيد رنت كلمات والده في أذنيها مجدداً : امرأة من حثالة البشر .. إنها بنظره أفضل إساءة يمكنه أن يقدمها لوالده .
قال بصوت منخفض : ماغي ...
استمرت في تمليس شعر بنجي بيدها وهي تحدق بذهول نحو السجادة على الأرض حاولت ألا تفكر ألا تشعر .. تابع رافايللو يقول : يجب ألا .. ألا تصدقي ما قاله والدي إنه غاضب مني أنا ولا ذنب لك في ذلك .
لم تستطع أن تنطق ولو بكلمة واحدة فيما راح رافايللو ويراقب تعابير وجهها أراد ان يجد الكلمات المناسبة لكنه لم يستطع لم يترك له والده مكاناً لتلطيف الأمور وعلى الرغم من ذلك استمر بالمحاولة .
_ ماغي أنا ....
رفعت ماغي رأسها فالتفتت نظراتهما معاً قالت : ليس عليك أن تقول شيئاً هذا ليس ضرورياً .
لم تبال إن كان قد بدا بعض الضعف في صوتها رفضت حتى الاعتراف بضعفها من غير الممكن أن تشعر بشيء حياله .. هذا مستحيل وقفت وهي تحمل بنجي فوق ذراعها وأطلقت نفساً فيه بعض الضعف أيضاً ثم سألت وقد بدت مسيطرة على نبرة صوتها : أرجوك أخبرني أين تود مني أن أتناول الفطور ؟ أم تفضل أن أبقى في غرفتي ؟
رغم سيطرتها على صوتها إلا أنه بدا حاداً جداً كحبل مشدود على وشك الانقطاع توتر فم رافايللو وقال : تقوم العائلة عادة بتناول الفطور على الشرفة في الأيام المشمسة .
مد يده نحوها لكنها لم تبال بها بل مشت نحو الباب إلا ان رافايللو وصل إلى الباب قبلها وفتحه من أجلها بلطف كبير فكرت ماغي أن عليه أن يوفر لطفه هذا للدوقات فبعد ما اكتشفته اليوم فهمت أن لطفه يذهب سدى معها .
لقد اختارها لسبب واحد مدروس بعناية ومخطط له أراد ان يهين والده كان يعرف بالضبط ما ستكون عليه ردة فعل والده لقد استخدمها ببرودة أعصاب لينتقم من والده .
كان الفطور مع العائلة على الشرفة آخر ما أرادته ماغي لكن شرودها وعدم اكتراثها سيساعدانها على تحمل الجلسة مشت نحو الغرفة مع رافايللو لتجد أن عمته وزوجها هناك وكذلك والده .
حالما رأى البروفيسور ماغي وقف ليلقي عليها التحية أما هي بالكاد تمكنت من هز رأسها لترد عليه أما والد رافايللو فوقف بحدة كصرير الحديد فوق الصخر وحمل فنجان قهوته قائلاً : سأكون في المكتبة علي إنجاز بعض الأمور .
ومشى مبتعداً مبدياً بوضوح عدم رغبته بمشاركتها الجلسة عادت كلماته تضج في رأسها من جديد : امرأة من حثالة البشر .. لم تجلس ماغي في الكرسي الذي كان يمسكه رافايللو لها بل فضلت الجلوس في أبعد زاوية من الطاولة في تلك اللحظات شعرت برغبة في الموت كان قلبها محطماً بألم لم تستطع البوح به .
سألتها اليزابيث كالي بصوت مرتفع قليلاً : إذاً هذا هو طفلك الصغير ! ما اسمه ؟
أجاب رافايللو وهو يجلس قبالة ماغي باسطاً منديل المائدة في حضنه : بنجي .
بدا صوته متوتراً وتساءلت ماغي عن السبب .
شغلت نفسها بإجلاس بنجي في حجرها محاولة تفادي النظر في عيون الموجودين أحضرت إحدى الخادمات زجاجة الحليب لبنجي فتلقاها بفرح ولهفة أما ماغي لم تشعر بالشهية للأكل بل أحست كأنها تجلس وراء حاجز زجاجي يفصلها عن بقية الجالسين حولها حتى حين كانوا يطرحون الأسئلة وتقوم هي بالإجابة باختصار وبصوت منخفض لم تفسح مجالاً للبدء بأحاديث شيقة كتلك التي تم تداولها البارحة أثناء العشاء .
قالت عمة رافايللو وقد لاحظت تصرفات ماغي : يبدو أنك مرهقة .
هزت ماغي رأسها توافقها دون ان تنظر في عينيها أخذت تطعم بنجي بعض الطعام الطري كانت ما تزال تشعر أن الجميع بعيدين جداً عنها لا سيما رافايللو الذي بدا لها وكأنه على بعد سنوات ضوئية منها لكنها لاحظت أنه يراقبها لم تتمكن من قراءة تعابيره فقد بدا الغموض في عينيه واعتقدت ماغي أنه على الأرجح يفكر كم تبدو قبيحة غير مهذبة وأنها تلوث أجواء منزله المعطر وكأنه يتمنى فقط لو ان بإمكانه رميها في الخارج حالاً .
فكرت ماغي باستغراب لم آلمها إلى هذا الحد أن يكون رافايللو دي فيسنتى الرجل الغريب بكل ما في الكلمة من معنى قد استخدمها عن سابق تصميم لمضايقة والده فقط ؟ لمَ يؤلمها اختياره لها لأنها امرأة من حثالة البشر ؟
هل أراد ان يرميها في وجه والده لأنها بسيطة ومن مستوى وضيع ولأنها أم عازبة تعمل في تنظيف الشقق في لندن لكي تعيش ؟
علمت ماغي في داخلها ألا ذنب لها في اتهاماته فهي لم ترتكب أي ذنب ولم تخطئ أبداً لكي تشعر بالخجل ففي النهاية على أحدهم أن يقوم بتنظيف البيوت ويبقي شقق الأغنياء مريحة ومرتبة .
لكن على الرغم من ذلك بقيت ماغي تشعر بألم كبير في أعماقها .
انتزعها من أفكارها المؤلمة صوت كرسي تحرك إلى جانبها كانت السنيورة كالي تتكلم معها فأجبرت ماغي نفسها على سماع ما تقوله .
_ عزيزتي دعي بنجي يأتي معي قليلاً أخبرتني ماريا أن ابنة أختها أحضرت بعض الألعاب التي كانت لأولادها أعتقد أن هناك دراجة بثلاث عجلات والكثير من الألعاب الأخرى التي لا شك أن ابنك الصغير سيفرح بها كثيراً .
أخذت السنيورة كالي بنجي من حضن ماغي وأوقفته على الأرض ثم ابتسمت للطفل وهي تقول : هيا ! تعال لرؤية الألعاب الجديدة .
فهم بنجي كلمة ألعاب فمشى نحوها بسرور أمسكت السنيورة يد بنجي الصغيرة وأمسك البروفيسور يد ه الثانية راقبتهم ماغي وهم يشقون طريقهم باتجاه زاوية المنزل لكنها كانت ما تزال شاردة الذهن .
أثناء ذلك كان رافايللو يراقبها بدت صغيرة جداً لتتحمل مسؤولية طفل وصغيرة جداً كذلك على قبول الاتهامات القاسية التي رماها والده في وجهها .
شد قبضتي يديه بقوة يا إلهي ! لقد تعرضت للأذى بسببه بدا ذلك واضحاً جداً فالحزن والأسى اللذان ظهرا في نظرات عينيها جعلاه يشعر بالسوء إنها تنكمش على نفسها وتبعد ذاتها عن الآخرين .. ولا يمكنه لومها على ذلك .
شعوره بعدم الارتياح بالنسبة لكل ما يتعلق بها ازداد حدة ليغدو نوعاً من الشعور بالذنب وجد نفسه يتمنى بكل ما يملكه من قوة لو أنه يستطيع أن يمحو من ذهنها ذلك المشهد البشع الذي حصل أمام غرفتها ليته تمكن من إيقاف والده قبل أن يبدأ برمي تلك الاتهامات القاسية البشعة والكلمات السيئة في وجهها .
لكن اللوم يقع عليه أيضاً فبعد ظهر ذلك اليوم وفي أول لقاء لها مع والده تعمد ان يقدمها إليه بنبرة يمتزج فيها الغضب والسخرية مسبغاً عليها مختلف الصفات التي تجعلها أبعد ما تكون عن الجاذبية واللباقة تلك الصفات التي يجب أن تتحلى بها زوجته والقصد من وراء ذلك كله هو إغاظة والده وجعله يفهم معنى تصرفه هذا وكأنه يقول له : أردت أن تلوي ذراعي وتجبرني على الزواج .. حسناً ! انظر .. انظر إلى أي نوع من النساء اخترت زوجة لي .
تفجرت مشاعر الذنب في داخله مشاعر قوية وغير سارة على الإطلاق كما أحس بشيء أبعد من الشعور بالذنب شيء بدأ ينمو في داخله وهو يجلس هناك إلى طاولة الفطور يراقبها ملاحظاً انكماشها على نفسها والنظرة المليئة بالألم التي تطل من عينيها .
إنه الغضب !
بات الغضب شعوراً مألوفاً لديه خلال الأشهر الماضية مع محاولات والده التضييق عليه ودفعه قسراً للزواج من لوسيا لقد اعتاد شعوره هذا بالغضب يوماً بعد يوم إلى أن غدا الغضب جزءاً منه إلا أنه ظل مصمماً على عدم السماح لوالده بالتحكم في حياته وكأنه لعبة يديرها كيفما يشاء . نعم لقد أصبح الغضب شعوراً مألوفاً له إلا أن غضبه بدا مختلفاً هذه المرة إذ كان موجهاً نحوه هو نفسه هب واقفاً على قدميه في حركة مفاجأة .
_ تعالي !
سلخت ماغي بصرها عن المكان الذي كانت تنظر إليه حيث ذهب بنجي برفقة آل كالي لتجد أن رافايللو يقف بالقرب منها وقف هناك بطوله الفارع وهيئته الآمرة ما دفعها على الوقوف فوراً راحت تنفض فتات الخبز عن بنطلونها وما إن رفعت بصرها حتى رأت ان رافايللو يراقبها وينظر إلى ثيابها بعدم استحسان .
فكرت ماغي في سرها : نعم ثيابي زهيدة الثمن قديمة الطراز وغير أنيقة لكنني ما كنت لأختارها لولا أني مضطرة ما كنت لأرتدي هذه الثياب لو كنت أملك ما تملكه من المال ولكنني لا أملك المال .. الفقر ليس جريمة وهو لا يدعو صاحبه إلى الخجل .
تابعت تقول لنفسها : لن أطأطأ رأسي وأشعر بالخزي لأنني لست غنية .. كما أني لن أطأطأ رأسي لأني يتيمة الأبوين .
أعلن رافايللو بنبرة صوت مشدودة : اليوم سوف نذهب إلى لوكا .
اتسعت عينا ماغي فلم تتوقع ذلك مطلقاً وما لبثت أن قراره هذا على علاقة مع عشاء ليلة أمس حين راح البروفيسور يتحدث عن لوكا وألحت زوجته على ابن أخيها ان يصطحب عروسه في جولة سياحية .
قالت في صوت منخفض ونبرة خجولة : هذا ليس ضرورياً .
أجابها رافايللو : دعني أحكم على ذلك .
شعرت بالغضب يختبئ خلف كلماته ولم تتفاجأ بذلك لقد أجبرته عمته بشخصيتها المسيطرة على اصطحابها في جولة سياحية بدا واضحاً مدى انزعاجه لأنه سيضيع نهاره برفقة امرأة اختارها لأنها من حثالة البشر .....
لا يمكنني أن أترك بنجي .
وجدت ماغي نفسها عاجزة عن النظر في عينيه فأخذت تنظر هناك فخفضت بصرها قليلاً لكن ذلك لم يكن أفضل أخيراً أزاحت نظرها بعيداً عنه كلياً لكي ترتاح وأخذت تنظر نحو أشجار السرو التي تملأ الحديقة .
_ سيكون بنجي بخير هنا فعمتي وماريا ستهتمان به كثيراً وتأكدي أنه سيفرح برفقتهما .
نظر رافايللو إلى ساعته الذهبية الغالية الثمن وتابع يقول : أفضل أن ننطلق بعد نصف ساعة أرجوك كوني مستعدة لذلك .
هز رأسه وسار ليختفي داخل الفيلا .
تنهدت ماغي وفكرت بما عليها فعله .. هل تصر على موقفها وترفض الخروج معه ؟ إنها بالتأكيد تريد ذلك .. مجر التفكير أنها ستمضي وقتها برفقته هو أمر بغيض فما بالك بالخروج معه في جولة سياحية حول المدينة وهي تعلم أنه يتمنى هلاكها ؟ لماذا بحق السماء يريد الخروج معها ؟ كان يستطيع بالتأكيد أن يتذرع بالعمل كي يقنع عمته بعدم قدرته على مرافقتها إضافة إلى ذلك ومهما حاول التخفيف عنها من الصعب عليها أن تترك بنجي لوحده فهي لم تبتعد عنه مطلقاً منذ ولادته .
لكن بالرغم مما فكرت به ماغي حين ذهبت لتبحث عن بنجي وجدت أنه لا يفتقدها أبداً لقد شعر بالفرح مع ماريا وعمة رافايللو وبدا متحمساً جداً وهو يلعب على الدراجة .
أسرعت ماريا نحو ماغي وهي تقول : اذهبي الصغير سعيد جداً وهو لا يلاحظ غيابك إن رآك الآن سيتعلق بك من جديد لذا اذهبي الآن إن شعرت أنه حزين في غيابك سأتصل ب السنيور ليعيدك على الفور إلى المنزل لقد وعدني أن يفعل ذلك لكننا سنهتم جيداً بالطفل وكأنه ابننا أنا معتادة على الاهتمام بالأطفال لطالما اهتممت بأطفال كثيرين قبله هيا اذهبي !
أبعدت ماريا ماغي وعادت تحدث بنجي وكأنها تقدر شجاعته على ركوب الدراجة .
أدارت ماغي ظهرها ومشت مبتعدة .. كانت تعلم في داخلها أم من المفيد أن يبدأ بنجي بالشعور بالسعادة بعيداً عنها فحين يعودان إلى لندن ويتخذان لنفسيهما شقة خاصة يعيشان فيها سيكون الوقت ملائماً ليتعرف بنجي على مجموعة أطفال في سنه ويبدأ بالذهاب إلى الحضانة حين صعدت إلى غرفتها لكي تجهز نفسها ارتدت تنوره قطنية ذات لون كاكي ورغم أنها بدت واسعة عليها قليلاً إلا أن مجرد كونها تنوره جعلها مميزة أكثر من غيرها وارتدت معها قميصاً قطنية ذات لون أبيض حملت ناغي حقيبتها التي بدت شبه فارغة لخلوها من الأغراض التي تخص بنجي ونزلت إلى الطابق الأرضي .
وقفت في الصالة الكبيرة تتساءل عما عليها فعله الآن تمنت ألا تضطر إلى مواجهة والد رافايللو مجدداً لحسن حظها كان والده في الغرفة المجاورة وقد أُقفل الباب لكنها تأكدت من وجوده هناك لدى سماعها أغاني الأوبرا تخرج منها إنها موسيقى لفيردي .....
رغم أنها لا تمتلك جهاز ستيريو متطوراً لكنها اشترت راديو صغيراً وتعودت أن تمضي كل مساء بعد أن ينام بنجي وهي تقرأ وتستمع إلى الأخبار اليومية والبرامج العلمية وأن تستمتع بالموسيقى عبر إذاعة الموسيقى الكلاسيكية المفضلة لديها .
جعلها سماع وقع خطوات تأتي من الأعلى تستدير نحو الدرج كان رافايللو ينزل الدرج وقد بدا لها ممتلئاً بالقوة وهو يرتدي بنطلوناً قطنياً من اللون الكاكي أيضاً مع قميص بولو وقد ألقى سترته الحريرية فوق كتفه وهو يمسكها بإصبعه أما في يده الثانية فكان يحمل نظارته الشمسية وقفت ماغي وهي تحمل حقيبتها أمام صدرها تنتظر أوامره محاولة عدم التفكير بمدى وسامته ورجوليته .
_ هل أنت جاهزة ؟ جيد !
بدت نبرته حادة وغير شخصية كالمعتاد توجه نحو الباب الرئيسي ومشت ماغي خلفه تماماً بهرتها الشمس خارجاً فضاقت عيناه وراحت تلحق بخطواته وهو يشق طريقه إلى المرآب خلف الفيلا .
حين وصلا إلى المرآب وجه إليها التعليمات قائلاً : انتظريني هنا ! .
نفذت ماغي تعليماته على الفور فيما أكمل طريقه إلى السيارة لحظات وبدأ صوت السيارة يهدر كالتنين وظهرت أمامها فجأة سيارة فخمة مكشوفة إنها إحدى السيارات الرياضية الأغلى ثمناً .
أوقف رافايللو السيارة إلى جانب ماغي تماماً ثم نزل منها ليفتح لها الباب قائلاً : ادخلي ... ! .
صعدت ماغي إلى السيارة وهي تشعر بالخوف وما إن استقرت في المقعد حتى انحنى رافايللو فوقها ليضع لها حزام الأمان .
تجمدت ماغي في مكانها فهو لم يقترب منها جسدياً بهذا الشكل من قبل تراجعت في جلستها إلى الخلف قدر ما استطاعت وبعد وقت قصير كان قد اتخذ مجدداً وابتعد عنها وضع نظارته السوداء وأدار المحرك مجدداً ثم أخرج السيارة نحو الطريق مسرعاً تمسكت ماغي جيداً كأنها تحاول الحفاظ على حياتها الغالية في إحدى الألعاب الخطيرة في مدينة الملاهي فيما هما يتوجهان نحو الأوتوستراد الذي يقع في وادي ريرآرنو .
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top