لعبة الأهوال ..

شيء ما يتحرك هناك بين ضباب المستنقعات قادما نحونا ...بعدما انتظر قرونا ..انني لا أرى وجهه ولا اتمنى ان أراه ...

*********

و حينما نزل جون إلى الطابق السفلي في الصباح ، وجد أن هيلين هناك كانت قد استيقظت مبكرا وجلست تدون بعض الكلمات في مفكرتها ..

اثار دهشته أنها أفاقت بهذه السهولة من اعياء الامس .

كما اثار دهشته أنه فعل نفس الشيء ..وتأمل وجهها ...
كان شعرها منتثرا والارهاق محفور على ملامحها وثمة انتفاخان تحت عينيها ..

__" اين اندرو ؟ ..أ .. صباح الخير اولا "

__" صباح الخير ..مازال غافيا "

__" وسارة كذلك .."

كان أمامها وعاء كبير يتصاعد البخار منه وقدح ..
ولم يكن في حاجة لسؤالها عما يحويه الوعاء ..
فالقهوة تنادي من يطلبونها دون كلمات ..

وهو كان يعرف انها الامل الوحيد له في البقاء حيا مع كل هذا الصداع ..مد يده وصب بعضها لنفسه وجرع جرعات متلاحقة ..

كانت هيلين تمسك القلم بيدها اليمنى ، بينما لفافة التبغ تلفظ اخر أنفاسها في يدها اليسرى ، وقد أوشكت أن تحرق أصابعها ..وتناثر الرماد على المنضدة وفوق ثياب هيلين ..فمد يده وانتزعها ورماها بعيدا .

تبادلا النظرات دون كلمات لدقائق ..لكنه لم يفهم قط ما تعنيه بهذه النظرات ...ماذا تريد قوله ؟؟

بعد هنيهة غمغمت ...

__" جون أنا خائفة ..."

__" انا كذلك .."

ثم أردف وهو يرمقها في ثبات :

__" أن زوجك ليس على ما يرام ..."

__" هذا هو بيت القصيدة ..."

وفي اللحظات التالية تبادل الاثنان خبراتهما ...حكى لها عن كتاب إكليبوس وعن ساندرا والطرقات الليلية ..

وحكت له عن كتاب الكلمات والخروج الليلي غير المبرر لاندرو ... والشوكولاته التي يزعم أنه وجدها خطأ ..

وعن ....وعن ...

بعد دقائق سألها جون وهو يصب المزيد من القهوة :

__" ما الذي نستخلصه من كل هذا ؟"

__" لا ادري .."

__" أن زوجك _ أكررها _ ليس على ما يرام ..اما أنه يعبث بنا بغرض إثارة الرعب السادي الأبله في نفوسنا وانا اعترف أنه نجح في ذلك كثيرا .. وأما هو فعلا يستخدمنا في احياء تعويذة سحرية عتيقة !"

__" ولماذا الان بالذات ؟"

__" من يدري ! كان هناك من سبقنا إلى هذا في هذا الكوخ بالتأكيد ..هل نسيت ساندرا ؟؟ ساندرا هذه أما حية ترزق الان ( لكنها ترتجف هلعا ) ..وأما هي ميتة .. ميتة ....وهذه المستنقعات تسمح بكل شيء "

حاولت سد فمه بيدها كي لا يتكلم أكثر ..

__" جون رحماك لا تثر هلعي .."

__" أن ما تعنيه من كل هذا هو أننا يجب أن نعود إلى ديارنا ....الان .... و بالتأكيد عن طريق الجسر ....
سيكون هذا عسيرا لكنه ليس مستحيلاً .."

__" لن يقبل اندرو .."

__" يجب أن يفعل ...والا نحن ثلاثة ضد واحد .."

اذا كان يحب المستنقعات فليقطعها وحيدا ..
ونهض في حماس ..

__" سأصعد لاستعد أنا وسارة ...وعليك أن تستعدي انتي بدورك ...سنترك متاعنا هنا فلن نأخذ معنا سوى الحبال ..
ومحراكي النار الخاصين بالمدفأة "

__" ليكن .."

و ألتقيا في الطابق الثاني وقد غادر كل منهما حجرته ملهوفا مذعورا ...فما أن رأى الآخر حتى صاح :

__" سارة ليست في الفراش !"

__" واندرو ليس في الفراش ! "

__" هل فتشت المكان جيدا ؟؟"

__" لا توجد مخابئ كثيرة فيما أظن .."

لكنهما راحا يفتشان جيدا ..تفقدا كل ركن وكل موضع في الكوخ وفتحا المخزن وكل باب موصد ..لكن لا أثر لسارة ولا اندرو ..

فقط حين خرجت هيلين من الكوخ ؛ رأت حبلا سميكا ينزلق من نافذة غرفة جون وسارة إلى أسفل ...وفي نهايته وجدت عقدة تدل على أن شيئا كان متعلقا به ..

وعلى الجليد ترى اثار اقدام ...قدمين في الواقع لا اكثر ..

ولو كان من يرى الأثر هنديا متمكنا من فنه لقال :

أن صاحب الاثر كان يحمل شيئا ثقيلاً على كتفه ، وربما قال انه يرتدي العوينات ...

قال جون وهو يتأمل الآثار ويعابث لحيته :

__" الأمر واضح هو خطفها ! ..انتهز فرصة جلوسنا نتحدث في الطابق السفلي وربطها إلى حبل أدلى به من نافذة غرفة نومنا ...ثم هبط بدوره على ذات الحبل إلى أسفل ..وحملها مبتعدا .."

__" وكيف لم تشعر سارة .."

__" من يدري ؟ ربما خنقها أو أفقدها الوعي ..وربما هو شيء دسه في شرابها أمس ...واحسبه نهض من فراشه فلم يجدك وهبط في الدرج بحذر ليسمع طرفا من محادثاتنا ... عندئذ اتخذ قراره .."

__" ولماذا يفعل ذلك ؟؟"

هز كتفيه في عصبية :

__" لا يمكن معرفة منطق المجانين ، وزوجك مجنون بلا شك ...ربما هي ذاهبة لملاقاة مصير ساندرا ...وربما هو يريد أن يجبرنا على دخول المستنقعات .."

كان يتكلم وهو عائد إلى الكوخ ...رأته هيلين يلف على ذراعه حبلا ويمسك بالسلاح الوحيد المتاح ها هنا محراك النار ...

__" ودعيني اصارحك أنه لو كان يبغى جر رجلنا إلى المستنقع فقد نجح ! أنا ذاهب الى هناك "

ومد يده فتناول سكينا كبيرا من على المنضدة و دسه في نطاقه وقال :

__" هيلين ستغفرين لي ذبح زوجك العزيز ..اليس كذلك ؟ ...أننا جميعاً نرتكب حماقات .."

__" هل ....هل ست ....ستفعل ذلك ؟؟"

__" لو كان قد آذى شعره واحدة من رأسها ..والان هل تؤثرين البقاء ام الذهاب معي ؟"

تبقى في هذا الجحيم ؟! ما أسخف السخف !

__" حتما سأذهب معك .."

في الخارج يتصاعد بخار الماء من الأفواه _ من جديد _ كبالونات الكلام في القصص المصورة ..

تلهث هيلين وهي تنقل قدميها فوق الجليد الزلق على الأرض ، وقد دست يديها في سترتها الجلدية المبطنة بالفراء ...ويدها اليسرى تعتصر مفكرتها بعصبية لقد صممت على أن تواكب الأحداث بدقة تامة كتابة ..

اليوم هو أول أيام العام 1968 ..

كيف نسيت ذلك ؟ ..لقد جرفتها الأحداث في تيارها ، لكن العام الوليد يبتدئ بداية غير مشجعة ..

أمامها يمشي جون فاردا قامته الفارعة ( إذن قامته فارعة ) وشعره الأشقر يتطاير في الهواء البارد ومن بعيد تنتظر المستنقعات ..

اللعنة ! أنها الرابعة بعد منتصف الليل يا رفاق ! لم يذكرني أحدكم أن أخذ جرعة المضاد الحيوي في الثالثة كما طلبت منكم مرارا وتكرارا ..بالكم من قساة !

لحظة حتى املأ كوب الماء ..ها هي ذي الكبسولة ...
لماذا يسمون المضاد الحيوي هذه الأيام بهذه الأسماء العجيبة التي لا تعيها الذاكرة ؟؟ ...

في شبابي لم يكن هناك سوى ( السلفا ) و ( البنسلين ) و ( الكلورامفنيكول ) .....و ....جلوب جلوب ! ..

بالشفاء يا رفعت يا اظرف شيوخ الأرض واذكاهم ،
والان نواصل السرد ...فقط ذكروني أن الجرعة التالية في التاسعة صباحاً لن اسامحك لو نسيتم ..

اين كنا ؟ ...

آه ! ..جون وهيلين قد وصلا إلى المستنقعات ..

تقول هيلين في عبارات مقتضبة : أن المستنقعات كانت كئيبة المنظر ...ممتدة إلى ما لا نهاية في ظل الأشجار العجوز المحيطة بها ...وكانت هناك تجمعات جليدية خادعة تسبح على سطح المياه الآسنة ...

مما يجعل محاولة السير اقرب الى الانتحار ..وان كانت أبخرة غاز الميثان منعقدة فوق المياه مما يدل على أن هناك حياة عضوية من نوع ما ...في هذا المكان الرهيب .

نظر لها جون في قلق ...وغمغم :

__" سيكون هذا عسيرا .."

وبطرق لسانه الاحمر بلل شفته السفلى ( اذن نحن نعلم أن لسانه احمر ) ..وأردف :

__" تمشين خلفي إذن ... سأتحسس كل موطئ قدم بمحراك المدفأة ..واحرصي على عدم الانزلاق .."

__" واذا جاء الليل ؟"

غمغم في نفاذ صبر :

__" سنعود ...ونكرر البحث غدا .."

__" لكننا سنظل الطريق هنا ...أنها مصيدة حقيقية !"

أعاد تثبيت القفاز على كفه ..وقال في عصبية :

__" حقا لم اعد اعرف ما ينبغي وما لا ينبغي .. بمقدورك العودة لو اردت .."

__" هذا لن يكون .."

__" إذن ....الصمت الصمت !"

واستمرت المسيرة الحذرة قوف الأراضي الصلبة التي تفصل بين شبكة المستنقعات وبعضها ...

أن الرؤية متعذرة على بعد عشرة أمتار بسبب البخار اللعين الذي يملأ المكان ...بخار أو ضباب لا يهم .

المهم أنه ردئ ..
وفجأة تصلب جون ..
انحنى على الأرض وألتقط شيئاً ما ..
كان هذا الشيء كراسا تلوث بالوحل والبلل ...لكن عنوانه ظل قابلا للقراءة ..

كان عنوانه هو ( الكلمات ) .

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top