(9)
(بقلم : نهال عبد الواحد )
كانت راضية قليلة الكلام معهم لكنها كانت تتابع علي وكيف هي طيبته و أخلاقه مع أمه و إخوته؟ وكيف هي رقته و لطفه مع أبناء إخوته؟
فبدأت تُعجب به شيئًا فشيئًا فقد أعجبت بذاته، شخصيته، كل أفعاله و يزداد إعجابها به يومًا بعد يوم لكن كل شيء بصمت وعن بعد فلم تنسى أبدًا أنه مغصوب في هذه الزيجة فلا يرغب بها ولا يطيقها.
أما هو فكان متابعًا لها أيضًا فصار لا يستطيع تذوق أي طعام إلا من يدها ولا حتى لقيمة خبز إلا من صنع يدها وذلك يزيد حبها في قلبه.
كان يشفق عليها كثيرًا من كم أعمالها الشاقة التي تكلف بها وحدها، وكيف تحتفظ بحسن معاملتها، أدبها و طيب لسانها خاصةً مع أمه، إخوته وأبناء إخوته فيزداد عشقه لها.
كان يراها تغط في نوم عميق من شدة التعب و الإرهاق فكان يجلس أحيانًا جوارها وهي نائمة يتأمل هذا الوجه الحسن مملئًا عينيه منها، لكنه يتذكر أنها لا تريده و قد قالتها له صراحة، فيذهب بعيدًا عنها دون فائدة، لكن يكفيه أن يكون وجهها آخر ما تراه عينيه كل يوم وهو نائمًا أمامها على تلك الأريكة ترن في أذنيه أبيات شعرية:
لا تحارب بناظريك فؤادي
فضعيفــان يغلبــان قويًّـــا
إذا ما رأت عينيّ جمالك مقبلا
وحقك يا روحي سكرتُ بلا شراب
كتب الدمـع بخـدي عهــده
للهوى والشوق يملي ما كتب
أحبك حُبَّين حب الهوى
وحبًًّـا لأنـك أهـل لذلــك
رأيتُ بها بدرًا على الأرض ماشيا
ولم أر بدرًا قَط يمشي على الأرض
قالوا الفراق غدًا لا شك فيه قلت لهم
بل موت نفسي من قبل الفراق غدًا
قفي و دعينا قبل وشك التفرق
فما أنا من يحيا إلى حين نلتقي
(نزار قباني)
مرت شهور على ذلك الحال ومنذ عرس راضية ولم تخرج من باب البيت أو ترى شكل الشارع حتى أهلها فمنذ يوم الصباحية و لم يزورها سوى كريمة تجلس معها القليل من الوقت ثم تمضي، لم تستطع طلب زيارة أهلها من علي فبأي وجه تطلب منه أي شيء.
وذات مساء وكانت كريمة تزورها وقد وضعت حملها و وجدت راضية باهتة اللون، فاقدة الكثير من وزنها بسبب العمل الشاق وقلة الطعام فلم يكن لديها وقت للأكل.
وفي غرفة راضية.
تحدثت راضية بود: والله يا كريمة ليكِ وحشة! إتوحشتك يابت.
- وإنتِ كماني، مع إني واخدة على خاطري منيكِ لا روحتي و لا جيتي عشية ما ولدت.
أجابتها راضية بتنهيدة: ماانت عارفة اللي فيها، هه جبتي إيه؟
- جبت محمود.
- الله أكبر الله أكبر ربنا يحميه! عمته نفسها تشوفه.
- المرة الجاية إن شاء الله، المهم انت كِيفك؟ وكِيف أخبارك؟
- نحمد الله.
- ما باينش؛ خسيتي وعدمتي و وشك بجي كد اللجمة، شكلك شجيانة مع العالم دول.
لم تعقب عليها واكتفت بتنهيدة، فأكملت كريمة: طب كيف حالك إنتِ و علي؟
- مفيش جديد.
- واه! كِيف؟! ما عيباتش إهني ولا ايه؟!
- لا بياجي ويبات إهني.
- طب كِيف يبجي معاه جمرة زييكِ و... يبجي مفيش جديد؟!
- شكل الجمرة دي ف عيونكم وحديكم.
- وبعدهالك يا بت الناس! أمال متحملة العيشة دي ليه وكِيف؟
- علي طيب راجل بحج و حجيج، يستاهل الواحدة تتحمل عشانه أي شي.
كانت راضية تتحدث وعينيها لامعة و وجهها صافيًا ومشرقًا.
فابتسمت كريمة قائلة: واه! وايه كماني! كنك حبتيه يا بت!
فسكتت راضية مجددًا فأكملت كريمة: طب وبعد ما حبتيه!
- ما عيهمنيش، المهم إني جريبة منيه وبشوفه كل يوم.
- لا والله! يا مثبت العجل! على مين الحديت دي؟ دي حديت أفلام و حكاكيو وبس.
- ليه عاد؟ هو ما ينفعش الواحدة تحب جوزها وتعشجه؟
وتوقفت فجأة! لقد قالتها صريحة، لقد أعلنت حبها و عشقها له، فقالت كريمة: مش لما يبجي جوزها؟
- أمال هو ايه!
- لحد دلجيتي ولا شيء.
- ما هتبطليش رط ف الحديت دي، الحديت دي جِدم و ماعادش حد يتحدد فيه.
- بس في حديت تاني لزمن تعملي حسابك عليه عيتفتح عيتفتح.
- حديت ايه!
- الخلفة يا بت عمي، كِيف تتجوزي من كام شهر و ما تبجيش حبلى؟
- إتدبيتي ف عجلك يا ولية؟! هبجي حبلى إزاي؟!
- لما حماتك تسألك السؤال دي عتجولي ايه؟
فسكتت راضية ولم تعقب فأكملت كريمة: بصي يا حبيبتي إسمعي حديتي زين وإعجليه، مادام له مكان ف جلبك يبجى الموضوع بجى أسهل.
- ماعينفعش يا كريمة، دي واحد ما طايجنيش، لا بيتحدد معاي ولا حتى كلام الدنيا، أهي إنجفلت بضبة و مفتاح.
- شدي حيلك انت بس، ومعلهش اتنازلي شوي.
- وكل اللي أنا فيه دي مش تنازل؛ عايشة كيف الخدامة ما حدش بيعبرني، حتى إنتو جاطعتوني كنكم ما صدجتم و خلصتم مني.
- يابت افهمي، تعالي على نفسك بينك وبين جوزك.
- ما عقدرش يا كريمة، حبي ليه مخليني أتحمل كل السواد دي، لكن لو جربت و مالاجتوش يُبجى الموت أحسن ما عتحملش.
- ربنا يهديكي يا خيتي وأسمع عنيكي كل خير، يا دوب الحج أمشي.
- ما تتأخريش عليّ يا كريمة.
- حاضر من عيني، عايزة آجي المرة الجاية ألاجي أخبار زين إكده.
وتعانقتا وانصرفت كريمة، ذهبت راضية لتكمل ما تبقي لها من أعمال حتى أنهت وانتهت وذهبت لغرفتها فوجدت علي نائمًا في السرير على غير عادته، لكن يبدو عليه أنه قد نام منهكًا تعبًا حيث أنه لا زال بملابسه وحذائه وبدون غطاء.
ذهبت نحوه خلعت له حذائه و جوربه، رفعت رجليه على السرير وغطته ثم دخلت الحمام، تحممت و خرجت لفراشها، و لأول مرة منذ أن جاءت إلى هنا تنام ويكون علي جوارها.
جلست في السرير وقد أضاءت ضوءًا خافتًا ونظرت نحو علي وتأملت ملامحه وهو نائم، تمنت لو ألقت بنفسها في حضنه الآن لكنها لا تجرؤ أبدًا ولا تستطيع توقع رد فعله.. و بعد فترة ذهبت في النوم.
تأخرت راضية في نومها اليوم واستيقظ علي وتفاجأ بأنها جواره وقريبة منه فابتسم و أسعده ذلك كثيرًا لكنه سرعان ما عاد فهذا ليس دليل على أي شيء.
وذهب علي لصلاة الفجر وعاد من المسجد والنهار بدأ يتنفس و قد وجدها لاتزال نائمة على غير عادتها فخشى أن يكون قد ألمها سوء فتلمس جبهتها فلم يجدها محمومة، فهدأت نفسه وتركها نائمة فهو يعلم كم تتعب وتكد طوال اليوم وجلس جوارها يتأملها فلازال لديه وقت قبل أن يذهب لعمله بالمستشفى.
وبعد أن أشرقت الشمس واستيقظت حُسنى وذهبت تتفقد ما قد فعلته راضية فلم تجد شيئًا و وجدتها لازالت نائمة فغضبت منها واتجهت لغرفتها تضرب الباب بقوة وتنادي عليها بصوت عالي وشديد: إنتِ يا راضية! إنتِ يا اللي مرجودة! ما تجومي! إيه ناموسيتك كحلي! جومي جامت جيامتك!
استيقظت راضية مفزوعة على صوت حُسنى فوجدت علي جوارها جالسًا و ضوء النهار قادمًا من النافذة فضربت صدرها وصاحت: يا سوادي! راحت علي نومة.
فانتفضت وكان علي قد فتح الباب ودخلت حُسنى فوجدتها في السرير فصاحت: جرى إيه يا هانم؟ لسه مرجودة لحد دلجيتي! فزي!
أجابتها راضية بتوتر: والله يا مي راحت علي نومة! غطست مااعرفش كيف.
- طبعًا، ما ضيعتي وجتك مع بت عمك وخلصتي شغلك وخري، فزي جومي يلا.
فانتفضت من مكانها ثم نظرت لعلي قائلة مبتسمة: صباح الخير يا علي.
ولم يصدق علي مايسمعه فهذه المرة الأولى التي تحدثه وتنطق إسمه فرد بلطف: صباح النور.............
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top