(6)
(بقلم : نهال عبد الواحد )
وفي اليوم التالي يوم العرس ذهبت راضية والعروس الأخرى إلى نفس مكان التجميل وكان من عادة الكثيرات خلع الحجاب في الزفاف ولبس فستان مفتوح بعض الشئ.
و في مكان التجميل، حملقت العروس براضية ثم سألتها: إنتِ بجه عروسة واد عمي علي؟
أومأت راضية بروتينية: إن شاء الله.
- أمال ما فرحناش ليه؟ ده انت عتاخدي زينة شباب العيلة، لا ده زينة الشباب كلاتهم.
- لا والله! طب ماانت كماني عتاخدي زينة الشباب.
- أصلي ما شيفاكيش فرحانة.
- أجوم أتحزملك و أرجص ولا إيه يا سامية؟!
- وليه لا؟! ما لونتيش شعراتك يعني؟!
-بحبه أسود إكده.
-وااه! إفرضي واد عمي ما عيحبش الأسود؟!
-لما أبجى أعرفه الاول أبجى أغيرله لون شعري.
مر بعض الوقت وبدأت خبيرة التجميل تصفف شعرهما وتصنع فورمة لشعر كلا منهما، لكن لأن شعر راضية شديد النعومة كان ينزلق كلما فعلته خبيرة التجميل حتى ملت منه وقالت لها: معلش يا عروسة شعرك بيفك كل شوية مش عايز يثبت.
فقالت راضية بلامبالاة: خلاص سبيه إكده.
فضحكت منها سامية وقالت: واااه يا راضية عتخوفي الناس!
ثم أكملت ضحكها، فتابعت خبيرة التجميل: بالعكس والله شكلها كده أحلى وأرق.
أومأت راضية: وانا كماني شايفة إجده.
وفعلًا عندما إنتهت راضية وارتدت الفستان و أكملت كل شيء كانت هيئتها بشعرها الطويل المنسدل على ظهرها مع التاج في قمة الروعة و الرقة فكانت هيئتها كملاكٍ أميرةٍ متوجة.
وحان موعد الزفة ولأن فستان راضية الذي اختارته لها كريمة كان عاري الذراعين فقد اختارت طرحة ثقيلة بعض الشيء ظنًا منها أنها ستخفي شيء.
وعندما غطت وجهها كانت لا ترى إلا خيالات فوضعت إحدى ذراعيها في يد أبيها و الأخرى في يد أخيها ومشيت معهما على هديهما بثقةٍ تامة وكان هذا أشبه بحالها.
فحياتها المقبلة تلك لا ترى فيها إلا خيالات بل ربما لا ترى أي شيء، لكن ماذا لو سارت على هدي أبيها و أخيها فهما يران أنه زوج جيد، لكن هذا في حال اختيارهما له وليس كونه مفروضًا عليهم جميعًا.
وصل الجميع لمكان الفرح وكان في القرية في ساحة كبيرة بين بيوت العائلتين فكل عروس قد أخذها عريسها من يد أبيها.
فسامية استلمها عريسها و رفع الطرحة وقبّل جبهتها وسار بها، بينما علي استلمها وسار بها دون أن يرفع الطرحة ويكشف عن وجهها.
وهذا قد زاد الأمر سوءًا وزاد من وجع راضية، فحتى هذه الليلة لا يحرص على رؤيتها، لا يحاول أن يعرف حتى شكل التي صارت زوجته، نظر أمامه ويبدو شاردًا غير ناظرًا نحوها أبدًا ولم يتفوه بأي كلمة ولا حتى كلمة (مبارك).
إن هذا لأكبر دليل على أنه لازال مكرهًا على هذه الزيجة، لكن كيف هذا وكلها دقائق و سيذهبا لبيتهما معًا؟
كيف لرجلٍ أن يعاشر امرأة مفروضة عليه لا يرغبها تمامًا؟
واضح أنها ستكون حياة مؤلمة ومهينة لأنها لن تكون سوى خادمة و...
كل تلك الأفكار تزاحمت في رأس راضية لكنها قد قررت مع نفسها بأن لن تصير هكذا أبدًا.
وعن بعد كانت كريمة تقف مع عمها صالح، تمتمت كريمة بهمسٍ وغيظ: ماله الراجل دي ما رفعش الطرحة ليه؟ حد يجوله و ينوره!
فأجابها صالح: عشان عِنديه غيرة ونخوة والفستان اللي اختارتيه لبت عمك عريان ومجندل.
- واه يا عمي مش ليلة العمر! حجا يا عمي راضية طالعة كيف البدر! صورتها كام صورة عند الكوافير واتصورت معاها كماني.
- ابجي ابعتيلي الصور دي يا بت.
- من عيني التنين يا عمي.
- مُصلحة إنها متغطية إكده عشان ما تاخدش عين البت ما نجصاش.
- طب ياعمي هروح اجف جارها يمكن تعوزني ف حاجة كده ولا اكده.
ثم قالت في نفسها: صدجتي يا بت عمي، في عريس ما عيحبش يشوف عروسته إلا لو ما عايزهاش و مجبور صوح! الله يصبرك يا بت عمي! حظك اجليل ماختيش منيه غير الجمال و الشطارة.
وماكانت إلا لحظات حتى ذهبت كل عروس مع عريسها تاركين الفرح للمدعويين و ذهبوا لبيوتهم،
فتلك عادتهم في قرى الصعيد يترك العروسان الفرح ويذهبا لبيتهما ثم يدخل العريس بعروسه ثم يعود ويجلس مع الرجال و تذهب بعض المقربات تمكث مع العروس.
حمل علي راضية وصعد بها وهي ترتجف خوفًا بين يديه وخلفه أمه و كريمة يتابعانهما بالزغاريد فأدخلها الغرفة ونادى عليه أخويه يريدان التحدث إليه الآن فدخلت حماتها وكريمة و منال و أسماء.
كانت راضية جالسة على السرير دون حراك كما وضعها على فرفعت حُسنى الطرحة من على وجهها وأخذت تزرغد كثيرًا قائلة: الله أكبر الله أكبر! بدر مصور والله! من شر حاسد إذا حسد، الله أكبر.
وتعاود الزغاريد مرة أخرى حتى جاء علي فغطت وجهها مجددًا وخرج الجميع من الغرفة ولم يبقى سوى العروسين.
جلس كلًا منهما على حافتي السرير معطيًا للآخر ظهره، وكان قد زاد قلق وتوتر راضية أضعافًا فكيف لذلك الغريب أن يقترب منها بل ويعاشرها معاشرة الأزواج وهو حتى لم يتحدث إليها حتى الآن، ولم ينظر إليها حتى الآن، والآن تركها هكذا دون أي كلمة أو موقف يبشر بخير.
أما هو فلم يكن يرى أمامه سوى صورة تلك الجميلة التي عشقها وحُفرت ملامحها في قلبه فلم ينساها ولم يستطع رؤية أي امرأة أخرى فكيف يقربها؟
ومضت ساعة بل وأكثر في ذلك الصمت القاتل و لا أحد يتحرك كأن على رؤسهما الطير.
حتى قطع هذا الصمت صوت طرق الباب ونداءات حُسنى: يا علي، يا علي، خلصت يا ولدي!
فأفاق علي فجأة وقال: هه! نعم يا مي.
- يلا يا ولدي الرجالة عايزينك تحت.
- طب روحي دلجيتي يا مي.
فلم يجد بدًا و اضطر للقيام، اقترب نحوها ناظرًا إليها ولا يزال وجهها مغطىً بالطرحة حتى الآن فانحنى نحوها وأمسك بالطرحة ورفعها.
وفجأة!
صُعق مما رأى؛ لقد اهتز وهبط جاثيًا على ركبتيه أمامها يتأملها ولا يصدق ما يرى.
فتارةً يفرك عينيه وتارةً يغمضها ثم يفتحها ثانيًا؛ إنها هي التي مرض بحبها و صار عشقها يجري في دمه، أم قد أصابه الجنون ومسه الجان فيرى وجهها فيمن أمامه.
ظل هكذا ينظر إليها و تحول إحساسه فجأة من قمة التعاسة إلى قمة السعادة.
لم تكن راضية قد رفعت بنظرها إليه طوال هذا الوقت، فربما لو نظرت إليه لرأت هذه السعادة و ذلك العشق والشوق على وجهه، ثم أمسك بيديها المثلجتين التي تفركهما في بعضهما البعض من شدة توترها.
لكن ما أن لمس يديها حتى سحبتها فجأة وانتفضت واقفة متراجعة بخطواتٍ للخلف.................
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top