(21)


 (بقلم :نهال عبد الواحد )

وما أن دخل على غرفته وبدأ يفك أزرار القميص حتى سمع صوت سقوط وارتطام من على السلم قد فزعه مصحوبًا بصراخ وعويل.

فجرى مسرعًا لا يدري كيف جرى نازلًا من على السلم والجميع مجتمع حول شخص قد سقط من على السلم وصوت الصراخ لازال يصدع بالمكان.

لكنه نظر هنا وهناك فوجد راضية تقف وسطهم فانطلق نحوها يحتضنها بشدة لا يصدق أنها قد نجت وبعد قليل التفت ليرى من قد وقع.

إنها حُسنى أمه كانت قد شعرت بالنعاس فصعدت خلف علي وانزلقت قدماها على شيء ما وسقطت وها هي تصرخ ولا تستطيع الحركة.

كانت منال تنوح وتولول جوارها: يا عيني عليكِ يا مرت عمي! إن شا الله اللي يكرهك يا حبيبتي! إن شا الله اللي يكرهك يا حبيبتي ياجيله ويحط عليه.

صاح قاسم: بزياداكي نواح يا ولية إنتِ.

- كِيف أسكت ماشايفش أمك واللي جرالها!  إن شا الله اللي يكرهك يا خيتي! واه ساكتة يعني يا راضية! ولا ما صدجتي!

اتسعت عينا راضية بفجأة وصاحت: ما صدجت إيه يا ولية يا خرفانة إنتِ! دلجيتي تروح وتكشف ونطمن عليها.

فوقفت منال تحدثها بغيظ: كَنّك فهمانة إن ماحدش درى بعملتك يا مرة إنتِ.

- بتتحدتي عن إيه! ما فهماش حاجة.

- إنتِ اللي عملتيها و وجعتيها،  بتطلعي عليها اللي عملته فيكِ جبل سابج،  ولا أجولك وأجول جدامهم كلاتهم سر عملتك المجندلة، كنتِ جصداني أنا،  عايزة تسجطني! مستخصرة في إني أجيب عيل خامس! إنكادي بغيظك ماحصليش حاجة! بس حصل لمرت عمي، يا عيني عليكِ يا مرت عمي!

- ايه اللي عتجوليه دي؟

- بجول اللي حصل ولزمن الكل يعرف ويخلي باله منيكِ، بس إيه اللي يضمنلي إنها ماتكررهاش، دي مرة سو وعايزة تنتجم مني!

كانت تتحدث وتتصنع البكاء.

فصاح كامل: صُح اللي عتجوله دي يا راضية؟

فصاحت راضية: لا والله ما حصل! ماأنا جعدة جاركم مااتحركتش من مُطرحي.

قال قاسم: بجى معجول الغل اللي جواكي يتحول من شغل حريم لإجرام إكده! وأمي هي اللي تدفع التمن!

صاحت راضية بقهر: لا والله ماحصل! 

فتسآل قاسم: مين يعني اللي عيعوز يسجط مرتي غيرك؟ إنتِ وهي ما عتتفجوش.

فأكملت منال بمكر: ويمكن كماني عايزة تسجط أسما عايزة تُبجى هي وبس اللي حبلى.

صاح كامل: عايزة تسجطي مرتي هي حصلت!  جرى إيه يا علي!

صاحت راضية مخالطًا صوتها البكاء: ويمين الله ما حصل!  جسما بالله ما حصل!

صاحت منال: وانتِ عتغلبي! جالو للحرامي احلف، يا عيني عليكِ يا مرت عمي!

ولا تزال منال تنوح وحُسنى تصرخ من شدة الوجع و راضية يزداد بكاؤها وتقسم بكل الأيمانات أنها لم تفعلها،  ولازال يهاجمها قاسم وكامل بينما علي صامت لا ينطق إلا أن قال فجأة بصوته القوي: بس منك ليه! بينا ننجل أمي ونكشفلها ونطمن عليها.

صُدمت راضية من قولة علي هذه،  لكنها انتظرت حتى يطمئن على أمه.

وبالفعل حمل الثلاثة رجال أمهم ونقلوها للمستشفى وبعد فحصها اتضح أنه كسر في قدمها وتوجد كدمات في باقي جسدها ويلزم وضع قدمها في جبيرة من جبس لمدة لا تقل عن الشهر ونصف حتى التئام الكسر.

كان الجميع ينتظر حُسنى و أولادها يعودون، فراضية قلقة بشأنها كثيرًا ولم تتوقف عيناها عن البكاء.

لكن منال قد جلست على الأرض تنوح تارة وتسب راضية وتدعو عليها تارة أخرى ولسان الحال يقول:

«شوفتوش يا خلج الله غلاضة عين.... جتل الجتيل واستجبل اللي يواسوه»

حتى جاءوا أخيرًا يحملوها وقدمها بجزء من ساقها موضوع في الجبس فذهبوا بأمهم في حجرة الضيوف في الطابق الأسفل ودخلت معهم راضية ترتب الحجرة سريعًا لتقيم فيها حُسنى فأدخلوها فيها فأخذت منهم راضية الأدوية لتعرف مواعيدها لتقوم هي بتمريضها.

صاح كامل: عتعملي ايه؟

أجابت راضية: بشوف مواعيد الأدوية عشان أنا اللي عمرضها.

تابع قاسم باستهزاء: كَن ضميرك صحي وعايزة تكفري عن عملتك.

وكانت طوال الوقت تنظر نحو علي تنتظر منه كلمة في حقها أو حتى نظرة لكنه طوال الوقت لا ينظر إليها وكأنه قد صدّق ماقيل.

فردت بقوة وثبات: أنا حلفت بيمين الله إني ماعملتها!  تصدجوا ما تصدجوش، أنا جارها عشان دي الواجب و الأصول،  ماعكفرش عن غلطة لأني أصلًا ماعملتهاش.

كان علي مستمعًا لنبرة صوتها هذه،  تلك النبرة القوية يعرفها جيدًا إنها نفس طريقتها عندما تحدثت إليه يوم صباحيتهم الأولى... فماذا يعني هذا؟

انصرف الثلاثة إخوان وبقيت راضية جوار حُسنى بصمتٍ وهدوء بعض الوقت وقبل أن تتركها.

قالت راضية: لوتعبتي يامي ولا عوزتي حاجة رني علي عسيب الموبايل مفتوح،  عتلاجيني جيتك عل طول.

وتركتها وذهبت لغرفتها فوجدت علي جالسًا على حافة السرير من جانب فجلست من الجانب الآخر كلا منهما يعطي ظهره للآخر في صمت تام.

وبعد مرور وقت طويل قامت راضية ومسكت في يدها مصحفًا و وقفت أمام علي وقالت: إحلف عل مصحف إنك مصدج إني عملتها.

أومأ علي رافضًا: من غير مااحلف إنتِ ما تعمليهاش.

- وسكت ليه؟ ما نطجتش بحرف ف حجي ليه؟! سيبتهم يتهموني زور ليه؟!

- عايزاني اجف جدام خواتي عشان كيد حريم.

- لا تسيبهم يدوسوا وياجوا علي ويتهموني تهمة يشهد ربنا إني ماعملتها،  ماتنطج رد علي.

- أرد أجول إيه؟ دي حكاية عتاخد يامين وتنتهي وتعدي.

- لا ماعتعديش، دي كرامتي، أنا اتهانت.

- فضيها سيرة و بطلي رط وكتر حديت.

- علي!

- جلتلك فضيها سيرة!  ماهجفش جدام خواتي أناطحهم بالحديت، جولنا عياخد يامين ويخلص المشوار دي!

- ده آخر جول عنديك؟

- عتعملي إيه؟

- عفوتك يا علي ، عفوتك وأرجع بيت أبويا،  هجعد جار أمك أمرضها لحد ما تطيب، مش عشان غلطانة وعكفر عن غلطتي كيف مااخوك جالهالي،  لا! عشان أنا بت أصول وبعمل بأصلي، وبعديها عفوتك و أمشي.

صاح علي بصدمة: عايزة تطلجي!

- لا ماعجدرش! ماعجدرش ولا ععرف أكون لغيرك ولا أكون غير على إسمك،  لكن ماطيجاش إتحملت بزيادة والكيل طفح،  وإطمن حتى لو أمك جوزتك ابراحتك و ولدك دي تاجي تشوفه براحتك ماععمنعكش عنيه.

- راضية! إنتِ بتجولي إيه؟

- خلص الحديت ياعلي.

وذهبت للسرير وأعطته ظهرها وظلت تبكي في صمت وهو لازال جالسًا في صدمة كما هو.

كانت هذه الليلة واللاتي تلتها تزيد آلام حُسنى الشديدة وتحتاج لمسكنات وحقن من وقت لآخر.

وكانت راضية تسهر دائمًا معها وما أن تذهب لسريرها وتطلبها حُسنى فتنزل إليها تمرضها، وطوال اليوم تكون بين أعمال المنزل التي عادت تفعلها وحدها من جديد وأيضًا تلبية احتياجات حُسنى التي منذ أن جُبّرت قدمها لم يدخل حجرتها سوى راضية وأبناءها فقط.

وكانت دائمًا في صمت لا تتحدث إلى أحد ولا تكترث لأحد ولا لشيء فقد صُدمت في علي وتهاونه في حقها وقررت أن تعود لقوتها وصلابتها من جديد، تصف حالها هذه الكلمات التي ترددها داخل نفسها:
«يا مين لعجلك يعينك... يازينة زينة و رزينة.... من بعد صدك وردك... رديتي عاجلة و هادية.... نجول الله يعينك... ويزيح ولاد اللذينه»

وكان أشد ما يؤلمها تجاهل علي وكأن شيئًا لم يحدث فلم يحايلها أو يواسيها! لقد عاد كبريائه من جديد لم يُظهر حتى تأثره من بُعدها وفراقها فكانت عندما تخلو بنفسها تبكي كثيرًا تحاول أن تفرغ ما بداخلها ربما تفلح لتعاود الصمود من جديد.

تواسي نفسها لقد فات الكثير ولم يبقى إلا القليل وتفك حُسنى ذلك الجبس وتنفذ ما قالت..... لكن السؤال....... هل تستطيع؟


NoonaAbdElWahed
                                        

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top