(14)

(بقلم : نهال عبد الواحد )

بدّل علي ملابسه ثم انصرف من الغرفة، أخذت راضية حمامًا دافئًا لكنها تفاجئت أنها لم تأخذ ملابسها فهي منذ زمن وحدها وقد اعتادت أن تخرج من الحمام بالمنشفة.

فتمتمت راضية في نفسها: يخيبك يا راضية! نسيتي هدوماتك! عطلع كِيف دلجيتي؟!

ففتحت الباب قليلًا فلم تجد أحدًا فتنفست وخرجت تتلفت فتأكدت أنه قد غادر الغرفة وبدأت ترتدي ملابسها مسرعة.

وفجأة فتح الباب ولم تكن أكملت ملابسها فانتفضت وشهقت، وكان علي يحمل صينية عشاء كبيرة بها فطيرة، جبن وعسل فوضعها على المنضدة وكاد ينفجر ضاحكًا من هيئتها لكنه كتمها ولم يعلق حتى لا يزيد من إحراجها،  لكن لاحظ كدمات على كتفيها و ذراعيها فأسرع نحوها وصاح: إستني عنديكي.

فقالت بارتباك: خير!

ففتح علي بعض الأدراج يبحث عن شيئًا ما حتى وجد نوع مرهم و أحضره ثم جلس جوارها قائلًا بضيق واضح: الله يسامحك يامي  ،هو في إكده!

فقالت: ما تعذبش حالك هي عتخف وحديها.

- دي حصل جبل سابج؟

فسكتت ونظرت إلى الأرض فقال: آسف... آسف يا راضية.

- على إيه بس؟

- على حاجات كتير، إنعدلي خليني أحطلك الدهان.

فجلست راضية ورفعت شعرها شاعرة بحرجٍ شديد من تدليكه لكتفيها ولمسه لبشرتها ولم يكن حرجه هو بالأقل منها،  حتى انتهى وغسل يديه فأكملت ملابسها وجلست أمام المرآة تصفف شعرها بينما هو جلس ينظر إليها يتأملها فأربكتها نظراته هذه فابتسم من ربكتها، ثم ناداها بود: تعالي كلي معاي ريحة الفطير مااجولكيش، جَرِّبي يابت!

فابتسمت وجلست جواره لكن عن مسافة قليلًا وبدأ يأكل و هي تتابعه بنظرها.

فصاح: واه! مدي يدك يا بت! تعرفي كنت جاي وبشتهي الفطير اللي من يدك دي  آجي ألاجيه يا سبحان الله!

- بألف هنا.

قالتها بسعادة ثم مدت يدها لكن كانت تؤلمها كلما مدت وكان هذا بادٍ عليها، فاقترب منها و بدأ يقطع الفطير ويغمسه في جبن أو عسل ويطعمها وكانت تأكل على استحياء، لكن بداخلها سعادة كبيرة.

فلأول مرة تسعد بقربه هكذا وترى رفقه، لطفه و حنانه هكذا، وبعد الإنتهاء من الطعام جلست راضية على السرير وجعلت خلفها وسادة تستند عليها وتتكئ، وجاء علي جالسًا جوارها فشعرت بحرجٍ شديد.

فسألها علي: عاملة كِيف دلجيتي؟

- نحمد الله... وإنت.... كيفك؟

- الحمد لله... زين جوي.

- خلصت شغلك وعاودت خلاص؟

- لا، عرجع تاني.

فتغير وجهها وقالت: تروح وتاجي بالسلامة.

وسكتت فسكت ولاذ الصمت والإرتباك يسود الموقف لفترة من الزمن، فقطعه علي: لساتك موجوعة؟

- عادي ما تشغلش بالك.

- معلهش، هي امي إكده يدها تجيلة جوي يا ما خدنا منيها.

فضحكت بشدة فاستدار بوجهه لقد زاد جمالها ذاك فوق إحتماله إهدأ يا علي ولا تفسد كل شيء بتسرعك واشتياقك.

شعرت راضية أنه لازال يضغط على نفسه لمجرد التحدث معها والرفق بها، لكن على أية حال هذا يكفيها فقد افتقدت وجوده كثيرًا، لكنه الآن جوارها بل ويحادثها برفق وهذا انتقال لم تحلم به.

لكن وكالعادة ذلك المجهود الشاق طوال اليوم بالإضافة لتلك المعركة جعلتها رأسها تميل فجأة في سباتٍ عميق.

فسحب علي الوسادة من خلفها وعدل من وضعيتها ليعتدل سائر جسدها في نومتها، كم كان ذلك مربكًا!

وضع عليها الغطاء، أطفأ النور وإتكأ جوارها يرى بعض من ملامح وجهها الجميل المتعب من ضوء القمر الذي تسلل لداخل الغرفة، وظل ناظرًا إليها لتكون آخر ما يراه وأول ما يراه، حتى ذهب في نومه.

وقبيل الفجر فتحت راضية عيونها فشعرت بشخص ما جوارها، وكأنها نسيت قدوم علي وعودته بالأمس فانتفضت مفزوعة تضئ المصباح ومع نفضتها تلك إنسدل شعرها على وجه علي فأيقظه.

فانتفض علي وصاح: في إيه؟

وجمت قليلًا وهي تنظر إليه كأنما تحاول تذكر وإدراك ما إن كانت في حلم أم حقيقة بطريقة جعلت علي يبتسم بعد ما استيقظ مفزوعًا، فسألها: مالك!

- هه! ولا حاجة جلجت بس.

- كملي نومك طيب الفجر لساته مادنش.

- يا دوب أجوم عشان أجهز للخبيز، كمل نومك أنا آسفة جلجتك معاي.

فنام علي بجسده بينما قامت هي ودخلت الحمام وبعد قليل خرجت مبدلة جلبابها بآخر ثم ربطت شعرها و عصبته جيدًا، سارت بضع خطوات ثم عادت وجلست أمام المرآة ولأول مرة تمسك بالكحل و تكتحل.

كان عليًّا يتابعها بنظره مبتسمًا وبعد قليل خرجت ثم عادت بعد أذان الفجر لتصلي وتعود من جديد لفرنها وخبزها.

بدأت الشمس تشرق وترسل بنورها معلنة عن ميلاد نهار جديد وكان علي يجلس مع أخواه يحكون و يتسامرون فمنذ زمنٍ لم يجتمعوا معًا ثم انضمت إليهم  حُسنى.

بعد فترة جاءت إليهم راضية مبتسمة بوجهها الوضاء بهيئة لم يروها عليها من قبل وخاصةً وهي مكتحلة ولم يلتفت علي بعينيه من عليها و ظل ناظرًا نحوها فتوردت وجنتيها فازدادت جمالًا أخاذ،  ولولا أن علي لازال بعقله لقفز من بين إخوته وأمه وحملها وذهب بها.

تحدثت راضية بلطف: صباح الخير عليكم.

فأجاب قاسم: يسعد صباحك يا راضية كيفك يا بت؟

أجابت راضية: الحمد لله... أ... أ...

قالت حُسنى: مالك بتهتهي ليه؟ خلصتي الخبيز؟

- لسه يامي، أ أصلي عملت شوية رشتة،  فكنت جاية أجول أجيب منيها دلجيتي ولا ميتي؟

- ومين جالك تعمليها؟! ماعندناش حد إهني عيحبها.

قالتها حُسنى بصياح فوجمت راضية قليلًا، فرد علي: ليه يا مي؟ ده أنا نفسي فيها و جولتلها لو تعرفي إعمليلي.

رمقته حُسنى: واه! و ده من ميتى؟

- هاتيلي صحن و زودي السمن و السكر.

فقالت راضية بسعادة: حاضر.

فتابع قاسم: إستني عنديكي يا بت هاتيلي منيها.

وأيضًا كامل: وأنا كماني زييهم بالظبط، وهاتي لأمك حُسنى.

فجريت مسرعة للداخل في سعادة شديدة تشبه سعادة الأطفال ليلة العيد، فرمقت حسنى عليًّا قائلة: جلِّع فيها إنت يا خوي منك ليه، طب هي مرته وبيجاملها إنتوا ايه!

قال قاسم: يا مي جبر الخواطر علي الله، و بصراحة أي حاجة من يدها بتبجي زينة.

ثم التفت لأخيه وقال غامزًا: شوفت ياض يا علي مرتك وشها نور كيف ومن ليلة واحدة.

فنظر لأخيه و ابتسم دون رد، فتابع كامل: بس الحج يا مي كان لازمن راضية تريح إنهاردة و تجضيه مع جوزها.

فنظرت إليه و زمت شفتيها باعتراض ولم ترد.

ثم جاءت راضية تحمل صينية كبيرة بها أطباق الرشتة و وضعتها ثم ذهبت حيث كانت في مكان الخبيز بجوار الفرن تضع رغيفًا من العجين و تأخذه بعد تمام نضجه وتزج بغيره في الفرن...وهكذا...........


NoonaAbdElWahed
                                    

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top