الفصل الخامس عشر (الأخير)

رواية لهيب المودة : الفصل الخامس عشر (الأخير)

بعد عودة وينهو من موعده مع روزي تناول وجبة خفيفة ثم جلس يدرس على مكتبه، نظر للنافذة للحظات فوجد الأمطار ما تزال تهطل بهدوء فقال بتذمر:

-«كان اليوم ليكون أفضل ولكن خربه المطر، لا أعلم ولكن ربما لو تمكنا من قضاء اليوم بسلام لكنت اعترفت لها»

ثم نظر لنفسه في مرآة صغيرة موضوعة أمامه وقال:

-«لا، ليس هذا ما يجب أن يحصل، روزي لن تكون سعيدة لو عرفت أن صديقها الوحيد يحاول التقرب منها»

فاجأه طرقة خفيفة على الباب فنهض ليفتح، وما إن أدار المقبض وسحب الباب حتى دخلت روزي بملابس مبللة مطئطئة الرأس وعانقته بحرارة لأول مرة.

انصدم من فعلها ورغم أنه سعيد لحصول تقارب بينهما لكنه أبعدها ونظر في وجهها الممزق من الألم وقال بقلق:

-«هل من خطب؟!»

انفجرت باكية في حضنه وبصوتٍ عالٍ وهي تقول:

-«جيسو، لقد ماتت، أملي الوحيد في هذا العالم قد غادر، صديقتي الوحيدة التي منحتني الحياة فقدت حياتها»

صدمه قولها فحضنها بقوة وحاول مواساتها، كانت حالتها سيئة للغاية فقد كانت تصرخ بأعلى صوتها وتبكي وبسبب هذا بقي بجانبها معانقا إياها حتى فقدت طاقتها وأغمي عليها من الصدمة.

نامت على سريره وبقي بجانبها يتأملها وهو حزين، كانت غائصة في نوم عميق ومن حين لآخر تصحو وتنظر من حولها لتدرك أن الأمر حقيقة وليس كابوسا ثم تعود للبكاء ويغمى عليها وهكذا مرت ليلتها المرعبة تلك.

لم تستغرق وقتا أطول وعادت في الغد لمدينتها لحضور جنازة جيسو، وبمجرد أن دخلت دار العزاء رأت الناس مجتمعين بينما في نهاية القاعة يوجد ثابوت به جثة جيسو التي تضررت من الحادث كثيرا وهناك خدوش كثيرة في وجهها، ورغم أنه تم وضع مساحيق التجميل لها لكن يتجلى بوضوح أن الحادث كان مأساويا للغاية.

كانت نائمة في ثابوتها بسلام ولم تستطع روزي تمالك نفسها وقالت وهي تلمس وجهها:

-«ماذا فعلتِ بنفسك أيتها الغبية؟ لماذا واعدتِ ذلك المتهور؟ هل أنتِ راضية الآن؟ سعيدة لأنكِ حطمتنا؟»

نظرت للخلف لوالدتها التي تبكي بحرقة والناس يحاولون مواساتها، ثم نظرت لوالدها وزوجته اللذين جاءا للتعزية وكانت تبغضهما فهما جزء من معاناة جيسو، وأخيرا نظرت لها وقالت:

-«أنا أيضا كنت صديقة سيئة، كان علي تهديدك أو خطفك أو فعل أي شيء لمنعك من الوقوع في فخ ذلك الحقير، ليذهب للجحيم، جيد أنه مات بنفسه لأنني كنت سأقتله»

وجدت نفسها تنحني تجاه الجثة وتقبل جبهتها وكانت على وشك أن تنهار، بعدها رأت شرطيا أتى عند والدتها فذهبت مسرعة لترى ما الحكاية، كان ذلك تقرير الطب الشرعي الذي أتى به الشرطي ليقرأه على عائلة جيسو ويتكلم عن تفاصيل الحادث.

قال الشرطي بعد أن أخرج التقرير من داخل الظرف:

-«الآنسة المتوفاة كيم جيسو كانت عرضة لحادث مروري أودى بحياتها هي والسائق المدعو "كيم أونو" الملقب بدراغون والبالغ من العمر 30 سنة، تقارير الطب الشرعي أفادت أن كليهما توفيا بسبب انحراف السيارة عن المسار الصحيح وانقلابها من على التل وهذا بسبب كونهما في حالة تخدير كامل بسبب تعاطيهما لمادة الكوكايين المخدرة»

فتحت روزي عينيها من الصدمة بعد معرفتها، ارتجفت أوصالها وشعرت بالدوار وكادت تفقد توازنها لذا سارت بهدوء لتجلس وتستعيد وعيها.

كانت تستمع لصوت والدة جيسو وهي تبكي من بعيد وتنكر أن جيسو قد تتعاطى المخدرات في أي ظرف من الظروف، أما روزي فتأكدت أن الأمر ممكن وأن حبيبها الفاسد هو من أثر فيها.

بعد تشييع الجنازة جلست روزي في مكان فارغ في فناء دار العزاء وكانت منهارة تماما وغير قادرة على البكاء حتى، كل ما كانت تفعله هو التحديق بشرود غير مصدقة للواقع المرير.

تقدمت منها وونيونغ صديقة جيسو بهدوء وكانت تبدو حزينة للغاية، حدقت روزي بوجهها لثوانٍ ثم عادت لتشيح ببصرها، حتى حين جلست أمامها لم تبدي أي رد فعل.

قالت وونيونغ بصوت هادئ وحزين:

-«لقد كنتِ أكثر صديقة مقربة لجيسو لذا أعلم أنكِ تعانين أكثر من الجميع»

-«لا أعلم ما الأصعب، فقدان جيسو أو معرفة أنها وصلت للمكان الذي وعدتني أن لا تصل إليه، أنا حقا محبطة، لم أنجح في حمايتها»

-«كفى...»

فجأة وضعت روزي يديها على وجهها وصارت تشهق بقوة وتبكي وتقول:

-«لم أنجح في حمايتها...أنا حقا...سافلة...لم أنجح في إبعادها عن ذلك الشخص الذي...كنت أعلم أنه سيحطمها يوما ما»

-«روزي كفى»

-«الملام الوحيد هو أنا...ليتني متت»

-«كفى رجاءً توقفي»

-«لن أسامح نفسي للأبد، كان علي البقاء بجانبها بعد انفصال والديها، حتى لو قالت ذلك الكلام القاسي فكان علي التشبث بها، موتها كان بسببي أنا...»

فجأة صرخت وونيونغ صرخة عالية وأبعدت يدي روزي عن وجهها:

-«قلت كفى!»

هدأت روزي قليلا فأردفت وونيونغ:

-«موت جيسو كان بسببي، كفي عن لوم نفسك»

-«ماذا؟!»

-«حتى لو لم يحصل بطريقة مباشرة لكن كنت قد ساعدت سابقا في صنع التسلسل الذي أدى لموتها، والآن أشعر بالذنب وأريد التكفير عن خطئي»

-«ما الذي...»

-«أنا من فرقت بينكما وملأت رأسها بالأفكار الدنيئة لتكرهك»

ارتجفت شفاه روزي من سماع ذلك وبقيت تنصت فحسب بينما تردف وونيونغ:

-«جيسو كانت صديقتي منذ سنوات، ربما لم تكن تعرف ولكنني أعتبرها شخصا مميزا جدا، كنت أغار عليها من الجميع وأريد إبقاءها لنفسي، كانت فتاة مليئة بالأمل والتفاؤل وهذا ما أريده في حياتي، كانت محبوبة وقادرة على تكوين الكثير من الصداقات لذا شعرت بالغيرة منها وعليها، هذا إلى أن أتيتِ أنتِ، لقد تعلقَت بك أكثر من أي شخص آخر وأنا كنت أحاول دوما إقناعها أنكِ شخص ممل ومزعج وعليها الابتعاد عنك لكنها لم تسمعني، بعد تطور صداقتكما حقدت عليكِ أكثر وقررت الانتقال لمستوى أعلى لكي أتخلص منك لذا استغليت انفصال والديها...»

• عودة بالأحداث لأيام انفصال والدي جيسو:

في غرفة جيسو الفوضوية جلست هذه الأخيرة وقربها وونيونغ وهي تحاول إيجاد أي طريقة لتفريق جيسو وروزي:

-«لا أصدق أن والديكِ سينفصلان، ما الحل؟!»

-«لا أعلم، ربما علي تقبل الأمور»

-«كل هذا بسبب روزي تلك، إنها نحس»

-«ما علاقة روزي بالموضوع؟!»

-«تعرفين الصداقة السامة؟ هناك أشخاص يتسللون لحياتك ليأخذوا البهجة منها ثم يغادرون»

-«كفى هراء، روزي لم تغادر، ما زالت صديقتي بل ودعمتني كثيرا»

-«لكنها جلبت النحس لحياتك، انظري، هي الآن رفقة أهلها يعيشون بسعادة بينما حياتك محطمة»

-«لكن حقا...لا ذنب لها، انفصال والداي كان بسبب تصرفات والدي الطائشة»

-«هذا ما تظنينه، لقد حذرتك منها مرارا وتكرارا، أعرف أمثالها، حسدَتك طويلا على حياتك حتى سلبتها منك، بقي فقط أن تتفوق هي وتنجح وترسبي أنتِ، وصدقيني هذا ما سيحصل وتذكري كلامي، حينها ستفرح لأجل نفسها وتذهب للجامعة وتنساك، أما أنتِ فستبقين هنا في الثانوية وحيدة منسية مثيرة للشفقة»

لم ترد جيسو وبدا عليها التوتر وشبه الاقتناع لذا اكتفت بالتحديق بالأرض بشرود، وبالفعل واصلت وونيونغ ملء رأسها بالأفكار السيئة لأيام حتى نجحت روزي في امتحان القبول الجامعي وهناك تدمر كل شيء حرفيا واقتنعت جيسو تماما أن روزي شخص جالب للحظ السيء وأنها سرقت سعادتها وحياتها.

••••••••••••••••••••••••••••••

ولم تكتفي وونيونغ بذلك فقط بل سردت لها الأحداث التي حصلت بعد أن تغيرت جيسو وأصبحت جانحة بعد سنة من افترافها عن روزي، بحيث التقيتا ذات يوم في المقهى بعد عودة وونيونغ من الجامعة:

قالت جيسو بهدوء:

-«أفتقد روزي حقا، طوال هذه الأيام لم يفارقني خيالها»

ضغطت وونيونغ على كوب قهوتها بقوة وقالت بحدة:

-«مازلتِ تحبينها؟! لماذا أنتِ تافهة ؟! هي لا تحبك ولو كانت كذلك لاتصلت»

-«وهل تستطيع أن تتصل بعد الذي قلته؟»

-«تبا! كفي عن إعطائها الأعذار، دعكِ منها، أنا أيضا صديقتك»

-«أعلم لكن...روزي...لقد فكرت كثيرا واكتشفت أنه لا علافة لها بما أصابني، ومن الغباء أن أعتقد أن لها علاقة، يجدر بي الاعتذار»

-«أنا أرفض، أكرهها ولن أسامحك لو اتصلتِ بها»

-«أنتِ تكرهينها وأنا ما علاقتي؟ لماذا لا تريدين أن أصادقها؟»

حملت الهاتف لتتصل بروزي لكن وونيونغ أمسكته وقالت بجدية:

-«أخبريني لآخر مرة، تريدين العودة لها والتخلي عن صداقتي؟ هل هي أقرب لقلبك مني؟»

لم تتردد جيسو حتى وقالت:

-«لا أفهم لماذا أخبرك عن الموضوع أصلا، أنا كبيرة وحرة بإرادتي»

سحبت يدها ومعها الهاتف وتجهزت لتتصل بروزي وعندما رأتها وونيونغ على تلك الحال غضبت وغادرت بسرعة.

ترددت جيسو في الاتصال طويلا وفي النهاية لم تملك الجرأة للاتصال بروزي، لقد خافت من أن يحصل بينهما شجار حاد بسبب آخر كلام قالته لها لذا تخلت عن فكرة استرجاعها.

••••••••••••••••••••••••••••••

امتلأ خدا روزي بالدموع وهي تسمع القصة ثم نظرت لوونيونغ بنظرة حاقدة وقالت:

-«لن أسامحك، وجيسو لن تسامحك، بسببك حصل ما حصل، لو أنني بقيت معها في فترتها الصعبة لتحسنت، لكنها لم تجد أحدا يقف معها لذا لجأت للبحث عن شخص يسد المكان الفارغ الذي أحدثته تلك المشاكل ولسوء حظها وقعت مع دراغون، لن أسامحك»

رمت كلامها القاسي ثم خرجت من الجنازة وهي تتمايل بسبب شعورها بالألم القاتل في صدرها ولأنها لم تتناول طعامها منذ سمعت خبر وفاة صديقتها، لا شيء أصبح ذا طعم الآن.

مشت بمفردها عبر السينيما التي كانت تذهب لها مع جيسو، ثم مشت نحو الثانوية التي تقابلتا فيها، ثم نحو سكة القطار وهي شبه تائهة، ومجددا تسللت للقطار وصعدته ثم نزلت حين وصلت لساحة الخردة التي كانتا تذهبان إليها.

وقفت وسط الساحة الفارغة والرياح تلعب بملابسها وكانت شبه مخدرة، نظرت للساحة كم تبدو كئيبة ومرعبة ثم سارت بخطوات بطيئة نحو إحدى السيارات المحطمة فشاهدت خلال الزجاج اسمها واسم جيسو اللذان كتباهما منذ سنوات ويال الصدفة أنه لا يزال في مكانه.

فجأة أحست بشيء يتراكم بقوة في صدرها وكأنه كومة عملاقة من الألم تحارب لتخرج، تنهدت مرة، مرتين ثلاث، والرابعة كانت الأقوى لتخرج معها صرخة قوية مفزعة مليئة بالألم والانكسار أفزعت حتى الطيور الموجودة بالمكان.

لم تشعر بنفسها حتى وجدتها تحمل أقرب عمود حديدي وتضرب به كل شيء أمامها لتعبر عن غضبها وحزنها المكبوت، صارت تفعل كما علمتها جيسو تماما وبسبب ذلك فقدت أعصابها.

نظرت جانبا فرأت حبلا طويلا مرميا بين الخردة وعلى مقربة منها توجد شجرة، صارت تأتيها الأفكار السوداوية بالانتحار مجددا وتمنت أن تلحق بجيسو فورا لذا التقطت الحبل بسرعة وركضت نحو الشجرة.

همت بربط الحبل بسرعة لتلحق بصديقتها بأسرع وقت لكن بالصدفة نظرت لأصابعها فرأت إصبع خنصرها وتذكرت شيئا ما يخصه لذا تجمدت مكانها وحدقت به مرتجفة.

عادت لها ذكرى مشوشة لليوم الذي هربت فيه هي وجيسو وركبتا القطار وقالت:

-«عديني أن لا تنتحري، عليك آداء وعد الأصابع عن طريق مشابكة أصابع خنصرنا مع بض، وفي حال خالفتي الوعد فستحل عليكِ اللعنة»

بمجرد تذكرها لذلك انهارت من البكاء مجددا ورمت كل شيء من يدها كانت ستفعله وقالت بهمس:

-«يبدو أنني مضطرة للوفاء بوعدي، لا لشيء سوى أنني لا أستطيع إخلاف أي وعد قطعته لجيسو، في النهاية يبدو أنني حققت إحدى أمانيها دون أن تدري»

نامت في السيارة المحطمة لبعض الوقت وحلمت أن جيسو جالسة بجانبها تلمس خصلات شعرها وكانت كلاهما بالزي المدرسي، كانتا ذلك الوقت صديقتين متحابتين ومتفاهمتين وما تزالان بريئتين بعيدا عن خبث العالم وقسوته.

استيقظت من حلمها بفزع ولمست شعرها وشعرت بحزن أكبر لأنها لم ترد الاستيقاظ من ذلك الحلم أبدا، لقد أعطاها أملا للحظات ثم سحبه لتنهض وتكتشف أن جيسو ماتت فعلا.

حملت هاتفها الذي كان على الوضع الصامت فوجدت عشرات المكالمات من والديها ويبدو أنهما قلقان للغاية لذا عاودت الاتصال بوالدتها وقالت:

-«نعم أمي؟ لا تقلقي كان الهاتف صامتا فحسب ولم أره، أنا بخير حقا، أعلم أن الظلام على وشك الحلول ولكن لا تقلقي، ها أنا عائدة»

أغلقت الخط ثم تنهدت بحزن ونظرت للشمس وهي على وشك الغروب ثم خرجت من السيارة وحدقت بها للحظات وقالت:

-«كيف أتخلص من هذا الشعور المزعج ولكن بطريقتي؟»

نظرت لحقيبتها فوجدت رواياتها الثلاثة التي ساعدتها جيسو في كتابتها، كان معها أيضا ولاعة تستخدمها للتخلص من الكتابات التي لا تريد أن يقرأها أحد لذا خطرت على بالها فكرة.

أخرجت دفاتر الروايات والولاعة وهمت بإضرام النار فيها بهدوء ومع كل ورقة تحترق كان قلبها يحترق أيضا، لكن لم يكن لديها خيار آخر فكل شيء شاركت فيه جيسو أصبح مؤلما للغاية ومليئا بالمشاعر القاتلة.

عادت تتمشى للبيت وهي متعبة ووصلت للحي مع حلول الظلام وكانت ما تزال تترنح وتفكر بشرود، اقتربت من باب منزلها فرأت بجانبه شابا يشبه وينهو واقفا هناك فتفاجأت وتوجهت نحوه قائلة:

-«وينهو؟!»

-«آه، روزي، آسف للغاية لو أتيت في وقف غير مناسب، قلقت عليك بعد الذي حصل لصديقتك ولم أستطع منع نفسي من المجيء، أعلم أن الكلام من خلال الهاتف لن يغير شيئا»

-«لماذا لم تنتظرني في الداخل؟ الجو بارد»

-«طلب والداكِ مني الدخول لكن رفضت بشدة، أردت فقط مقابلتك بسرعة والمغادرة، ما أعرفه أن الشخص الذي يعاني من وقت صعب يحتاج رفاقه، ربما لسنا مقربين للغاية وقد لا ينفع ما أفعله لكن...»

-«أنت تثرثر للغاية»

صمت فورا وشعر بالإحراج بعد ما سمعه ثم أردفت:

-«تغضبني حين تقول أننا لسنا مقربين وبأن وجودك معي لا يفيد بشيء، لماذا تقول ذلك وأنت تعلم أنني أثق بك وأخبرك أسراري وأرتاح لك كثيرا»

-«أوه هذا هو الموضوع إذًا هههه حسنا سرني معرفة ذلك»

-«دقيقة سأدخل وأحضر معطفي، وسأخبر والداي أنني بالقرب من هنا حتى لا يقلقا، منذ الصباح يتصلان بي»

-«حسنا»

سارا عبر الشوارع صامتين إلى أن وصلا للجسر الذي تمر عليه السيارات فجلسا ينظران للأسفل شاردين، حينها قالت روزي:

-«لقد قررت، سأترك الدراسة في تخصص الأدب»

-«ماذا؟! أمجنونة؟! لا تتركي دراستك أبدا!»

-«لا أخطط لتركها، أريد تغيير تخصصي»

-«لماذا؟!»

-«لطالما ظننت أن الأدب كل ما أحتاجه، تمنيت أن أصبح كاتبة مشهورة، لكن الآن لا أريد ذلك، لقد تغير شغفي، أريد التحول لتخصص علم النفس العيادي، إن الإنسان كيان مذهل حقا ومليء بالمشاعر والأمراض والمفاجآت، أريد معرفة كل شيء عن ذلك، أريد مساعدة من يعانون لكي لا ينتهي بهم المطاف في نهايات سيئة، أصبحت أرى الجميع جيسو لذا سأساعد الجميع»

-«واو! ياله من طموح مذهل! سأفتقد وجودك معي في المحاضرات ولكنني سعيد أنكِ وجدتِ شغفك الحقيقي النبيل، فخور بكِ للغاية»

-«وأيضا هناك شيء...»

حركت يدها ببطء وأمسكت بيده فتفاجأ من فعلتها ولكنه بقي هادئا يستمع إليها وهي تقول:

-«علينا أن نقدر قيمة الأشخاص الجيدين في حياتنا لذا شكرا جزيلا لأنك شخص لطيف وعاقل ولم توصلني صحبتك يوما للمشاكل، قررت اليوم إخبارك، أنت تروق لي كثير ولطالما أحببتك أكثر من صديق، لا أعلم كيف تفكر ناحيتي ولكنني مستعدة تماما للاعتراف وبكل سعادة وفخر»

فاجأها بأنه سحبها نحوه وعانقها بحرارة وغرس رأسه في خصلات شعرها التي تغطي رقبتها وقال:

-«أنتِ تثرثرين كثيرا، لا تتساءلي كيف أفكر ناحيتك فالأمر واضح»

بادلته العناق هي أيضا وابتسمت ابتسامة لطيفة تتخللها دموع تملأ عينيها، كان الأمر أشبه بالارتياح أخيرا بعد أيام وساعات شاقة لذا أغمضت عينيها لتشعر بحنانه ودفئه أكثر وهما اللذان أنسياها الكثير من الألم وسكنا أوجاعا مزقتها لأيام.



النهاية

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top