•٢• ظلال الأوهام

< ظلال الأوهام >

-------------------------------

يوم الإثنين، الثاني والعشرين من نوفمبر، أضع قدما فوق الأخرى وأنا مستقر على الأريكة غير مرتاح في جلستي فأنا أعيش في شقة صغيرة عتيقة، مهترئة الجدران، وسط دوامة من الاكتئاب فلا يوجد أسوء من أن تعيش دون أمل؛ متشبثًا في ظلال الماضي، بينما هالة من الظلام تبتلعني من كل جانب، تحثني على الانتحار من كل هذا البؤس الذي أصارعهُ، فقط لأنها ذهبت وتركتني!

كانت الساعة تشير إلى الخامسة وعشر دقائق مساءً بينما أحدق في الفراغ عندما رن على مسمعي صوت يناديني

« ماتياس ؟ ماتياس ؟»

كان صوتا بعيدًا جدًا لا يكاد يسمع، ولكنني وجدت نفسي أخرج من المنزل وتتحرك قدماي لاإراديا، إلى أن وقف جسدي على الرصيف أمام البحر مباشرةً، الذي ابتلع أختي التوءم لايان أخر أفراد عائلتي الراحلة، فقدتها قبل سنتان لعمر يناهز العشرين وبقيت أعيش وحيدا، على الرغم أن خفر السواحل بذلوا جهدهم للعثور على جثتها ولكن لم يجدوا لها أي أثر!

ولكنني موقن في سري أنها لا تزال على قيد الحياة، ولم يبتلعها الموج عندما تحطم القارب الذي تركبهُ هي وصديقاتها، وإنما قذفها البحر في مكان ما، وربما لا تتذكر شيء لكي تستطيع الرجوع .

كانت الغيوم قد بدأت تتزاحم فيما بينها وتتبدل ألوان السماء من اللون الأزرق إلى اللون الرمادي تصف حياتي الرمادية !

حدقتُ في الأفق متجاهلًا جميع الأصوات المدوية التي ترسلها السماء منذرة بقدوم المطر؛ عندما عاد صوت مناداة لايان لأسمي؟

صديقي المقرب بوب يظنني اصبت بحالة نفسية، وبدأت أتخيل صوت أختي من حين لأخر.

كان صوت تردد ماتياس قد ازداد وضوحا؟ أبصرت إلى البحر حتى رأيت أختي تبتسم لي، وتحيّني من بعيد، ثم اعطتني ظهرها وغادرت ؟

دنوتُ نحوها أحاول اللحاق بها وقبل أن أسقطُ في المياه وأغرق يد امسكتني!

انتبهت للشخص الذي انقذني وجدتها أختي لايان! انفرجت عيناي بوسع لا أصدق أن أختي بجانبي ؟ عانقتها وأنا اهتف بسعادة

« لا أصدق عيني؟ لايان أمامي الآن!»

خاطبتني بنبرة غريبة وهي تبعدني عن البحر

« ماتياس السماء ستمطر لنعد إلى البيت ؟»

عندما دلفنا المنزل أعددتُ كوبًا من القهوة الساخنة، قدمتهُ لها وأنا أعقب

« أين اختفيت كل هذه المدة ؟»

ما أن وجهت سؤالي حتى اختفت ابتسامة لايان واعتلى وجهها بعض الوجوم، أخذت برهة قبل أن تهمس

« للأسف من يوم الحادث وأنا لا أذكر شيئا؟»

ربتُّ على ظهرها وأنا أقول بنبرة مواساة

«لابأس كنت أعلم هذا، المهم أنك عدت إلي»

صمت وهلة، ثم افصحتُ بغبطة لتغير مجرى الحديث

« لايان ! ما رايك أن اعرفكِ بأصدقائي ؟ بوب وديانا سوف تُسعدين بالتعرف إليهم»

ابتسمت لي ابتسامة باهتة، في هذه الأثناء سمعنا صوت الباب؛

توجهتُ لأرى من الطارق ؟ وجدتهُ جاري توم .

أعطاني صحن من التوت وهو يستطرد ببهجة

« سيد جوان لقد اشتريت اليوم توتًا، ورأيت أن أقدم لك قسما منه»

ثم أنتبه إلى أختي لذا أسرعتُ القول

« توم هذه أختي لايان ؟» استدرتُ إلى أختي التي كانت تنظر لنا بشرود وأكملت التعريف « لايان هذا جاري توم اكلس»

مد توم يده وصافحها بغبطة قائلًا

« سررتُ بالتعرف عليكِ آنسة جوان»

حدقت أختي نحوهُ هنيئة ثم قالت

« وأنا أيضًا توم

بعد أن غادر، اتصلتُ بأصدقائي بوب وديانا، وحددتُ معهم موعدا في مطعم هنتر حتى اعرفهم بأختي.

في مساء اليوم التالي عندما توجهت أنا وأختي، وجدنا ديانا قد سبقتنا إلى هناك، وقمت بالتعريف بينهن، ثم انتظرنا نصف ساعة إلى أن جاء بوب الذي كان وجههُ شاحب اللون؛ خاطبتهُ بقلق

« بوب ماذا حدث ؟»

أجابني بصعوبة وهو يلتقط أنفاسه

« لقد سمعت أن عمود الكهرباء قد وقع في جادتكم وصعق أحدهم ومات وخشيت أن تكون أنت ولكن ..»

صمت عن الحديث بينما أنا أصبح وجهي يعطي ألوان عدة وسألتهُ

« متي حدث هذا ؟ ومن هو الشخص الذي مات ؟»

أطرق رأسهُ للأسفل وأردف بنبرة مسها الحزن

« أنا متأسف أنهُ جارك اكلس ؟»

جفلتُ لا أراديا، بينما صرخة خافتة خرجت من ثغر ديانا ثم أفصحت بنبرة مسّها الحزن

« توم المسكين مات ؟ لا أصدق!»

انقبض قلبي وأنا أتذكر أنهُ زارنا يوم أمس وكان سعيدا، واليوم قد غادر الحياة !

ثم أنتبهت على نظرات بوب الشاحبة كأنه رأى شبحا ؟ تجاهلت الأمر ومضينا إلى منزل توم

***

بعد مضي يومان كُنا نحن الأربعة في جنازة توم لتشيعه، وبعد الانتهاء من مراسم الدفن، لاحظت أن بوب ينظر نحو لايان بنظرات غريبة، ولأنني كنت حزينا على فقدان جاري تجاهلت الأمر ولم أعر الموضوع اهتمام .

في وسط شرودي قدمت ديانا نحوي ثم افصحت

« سوف اسبقكم بالعودة؛ لأنني مشغولة»

هززتُ رأسي بتفهم ثم لوحت بيدي، ما أن مشّت بضعة خطوات حتى صدمتها سيارة ظهرت من العدم !

صدمت بشدة وأنا أرى كيف ديانا دعستها السيارة ؟ توسعت بؤبؤي بقوة بينما نطقت حروف أسمها بهلع شديد

« ديانا!؟ »

بقيت واقف في مكاني من هول ما حدث، بينما أسرع بوب نحوها وهزها من ذراعها وهو يصرخ

« ديانا ؟ ديانا هل أنتِ بخير ؟»

تقدمتُ ناحيتهما ببطء، ولا أزالُ تحت تأثير الصدمة ؟ أخرج بوب هاتفه من بنطالهِ ورماه عليّ وهو يجأر

« ماتياس أتصل بالإسعاف فورًا ؟»

بالكاد ضغطتُ أزرار رقم الطوارئ، لتأتي السيارة بعد عشر دقائق، نقلت ديانا إلى المشفى وتحديدًا غرفة العمليات، بينما كانت لايان تحتضنني تحاول أن تخفف عني قليلًا نتيجة ما حدث في اللحظات السريعة، ثم اجلستني على كرسي الانتظار وهي تستطرد

« ماتياس أنتظر هنا ريثما أحضر لك شيء يهدئ من روعك ؟»

غادرت الممر بينما بقية بوب يدحرج عيناه في اتجاهها، أراد أن يقول شيئا ولكنهُ تراجع .

عقب ساعتين من الانتظار خرج لنا الطبيب، وقفنا أمامه ننتظر سماع إخباره؟

أبتسم لنا بتكلفة ثم أردف

« حالة المريضة خطرة وهي تحت الرعاية المشددة، لذا أتمنى أن تتحلوا بالصبر إلى حين أن تستفيق من الغيبوبة»

شكرهُ بوب على مجهوده في إنقاذ ديانا، وأنا انصبت بالإحباط من سماع كلماته بينما ربت بوب على ظهري مواسيا، استدرت إليه وأنا أصرخ بقهر « يجب علينا أن نعرف هويته صاحب السيارة الذي دهس ديانا ونقدمه للشرطة عقابا على جريمته ؟»

وضعت لايان سبابتها تحت ذقنها وسألت

« ولكن كيف سنعرف هوية صاحب السيارة ؟»

تنهدتُ بإحباط فالمكان الذي حدث فيه الحادث لا يحتوي على كاميرات مراقبة لذا يستحال أن نعرف هوية الفاعل !

عدتُ إلى المنزل أنا ولايان وجلست على الأريكة بإهمال من شدت الإرهاق الذي يعتريني، اطالع السجادة الحمراء وأنا أمسك عيني من البكاء فديانا أكثر شخص مقرب إلى قلبي حدث لها هذا ؟ وأخشى ألا تستفيق ثانيا؟

استدرت إلى أختي التي كانت هادئة ويبدو أنها لا تعرف كيف تواسيني في محنتي، ابتسمت لها ببهوت وتمتمت بصعوبة

« أشكرك كثيرا لأنكِ عدتي؛ فحتى توم وديانا تركوني وحيدًا، ولم يبقى لي أحد سواكِ ؟»

ابتسمت وهي تضع يدها على ذراعي وأعقبت
« نعم سوف لن أتركك ثانيةٌ ماتياس ؟»

حينما انتهت من كلامها استقمت بنية الذهاب إلى غرفتي التي تقع في الطابق الثاني ثم أفصحت

« لايان سأذهب للنوم ؟ أراكِ غدا »

صعدتُ إلى حجرتي وارتميت على السرير بعد أن أغلقت المصابيح، وقبل أن أنام رن هاتفي، رفعت الخط لأجده صديقي بوب الذي خاطبني بقلق واضح

« ماتياس هناك أمرًا خطيرًا أود أخبارك به بخصوص شقيقتك؟ في ذلك اليوم الذي تعرض توم للحادث عندما ذهبت إلى هناك للاطمئنان عليك رأيت شبح أختك في حديقة منزل جارك ؟ وعندما قدمت إليكم للمطعم فاجأني وجودها بجانبكما ؟ »

تجهم وجهي وصرخت غاضبًا
« أنت تهذي؛ أختي كانت بجانبي طوال الوقت، أَنَّى لها أن تكون في منزل توم وقت الحادث؟ »

فجأة سمعت صوت صراخهُ بعدها انقطع الاتصال !

هتفت بتوتر « بوب ؟ بوب ؟ ...»

ولكن لم يأتني أي رد !

أبعدت السماعة بدهشة؛ فلا أعلم ماذا جرى لبوب !!

أردت معاودة الإتصال ولكن رن رقم مجهول!

رفعته حتى أتاني صوت رجل غريب من طرف الآخر وسألني

« هل معي السيد ماتياس جوان ؟»

أجبته بهدوء « نعم معك السيد جوان »

« سيد جوان معك خفر السواحل نود أخبارك بأننا وجدنا جثة أختك أخيرا ونعتذر على التأخر في إيجادها »

قلت بصدمة « ماذا ؟»

عاد الرجل إلى الحديث واستطرد

« سيد جوان تستطيع أن تأتي إلى مركز شرطة السواحل غدا لأخذ جثتها »

توقف الزمن لدي وبقيت مشدوها مما سمعت، عقبها نظرت إلى الظلام وأنا أفكر

« إذا لم تكن هذهِ لايان ؟ فمن تكون إذن!»

وارتسمت على وجه ماتياس نظرات غريبة وبدأت ملامح وجههِ كجثة هامدة ثم أخذ يضحك بجنون

- النهاية -

______________________________

الحمد للّٰه القصة التي فزت بها في المسابقة 😍

رأيكم بها 😊

تقيمكم للقصة 🙈

لطفًا أي أخطاء أملائية أخبروني بها.

أراكم في فصل أخر بأذن اللّٰه 🌸

كتبت في يوم: ٢٩ مايو ٢٠٢٠

نشرت في يوم: ١٢ نوفمبر ٢٠٢٠

( ملاحظة ممنوع السرقة او الاقتباس دون أذاً مني تذكر الله موجود ^__^ )

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top