•١• طيفٌ أسود

< طيفٌ أسود >

الثالث والعشرون من شهر مايو في الساعة الثالثة مساءً، مشت ألين في دهليز طويل نسبيًا وسط المباني والذي نهايتهُ يطل على النهر، لم يكن طريق عودتها من المدرسة مثلما عهدتهُ في كل يوم؛ كان هناك أختلاف غريب فهو أضيق عن المعتاد، كذلك المباني بدّت قديمة الطراز ومهترئة كأنها مهجورة منذ زمن، بل خُيل إليها أنها حالكة السواد، بينما ذرات الهواء الباردة تزاحمت فيما بينها مشكلة طبقة سميكة من الضباب تعيق مجرى الرؤيا لدى الفتاة .

عندما وصلت إلى النهر تسلل إلى مسمعها صوت زحف أحدهم، مع فحيح واضح يقترب ببطء، انتفضت ألين لا أراديا وأزداد نبض قلبها صخبًا.

استدارت يمينًا وشمالًا باحثة عن مصدر الصوت مع انفراج حدقيتيها حتى تلمح من بعيد ظل أسود، ضخم البنية، يسحب شيء في يديّه، دققت النظر لتبصر ما الشيء الذي يسحبهُ؛ لم يكن سوى جثة مضجرّة بالدماء، غارقة باللون الأحمر اللزج، حيث الدماء لا تزال حديثة من هيئتها وهي تتدفق من كل جانب، بينما يحاول المجهول أن يتخلص منها في النهر!

استفاقت ألين من الكابوس المُرعب بدقات قلب غير منتظمة بينما أحتضن العرقُ جبينها، كانت ترتجف بينما تحدق عيناها بغياهب الظلام !

تحسست ألين المكان براحة يدها لتمسك المصباح الذي كان على المنضدة الصغيرة بجانب سريرها وأشعلت ضوء المصباح بيد مرتعشة؛ أنتبهت أنها لا تزال في غرفتها الصغيرة، راقدة في سريرها الخشبي، المريح .

عاد الهدوء إلى روحها بعد لحظات، وسَكنت دقات قلبها، وطمئنت نفسها بأنهُ مجرد كابوس سيء، ثم حاولت العودة إلى النومِ ريثما يأتي الصباح .

...............

في مساء اليوم التالي كانت ألين في المطبخ جالسة أمام مائدة العشاء وحولها عائلتها الصغيرة أمها وأبيها وأخاها ذو الخمسة أعوام يعبث بملاعق الطعام، وبينما الجميع مُنسجم بتناول الزاد، كان والد ألين مُنشغل في قراءة الجريدة المحلية.

فجأة أردف والد ألين بتعجب مخاطبًا زوجتهُ
- أصغي إلى هذا الخبر المفزع ؟ العثور على جثة شاب في العشرينات، غارق في النهر، بينما أشار الفحص على وجود جروح بالغة في جسد الشاب !

نطقت والدة ألين بخوف وهي تمسح فم الصغير بمنديل
- رحماك يارب

أبعد الأب الجريدة وصرح ببعض القلق وهو يكمل مُخاطبتها
- أتمنى أن يمسكوا الفاعل أن كان هناك ثمة يدٌ في قتله، حتى يشعر أهلي البلدة بالأمان

كانت ألين منشغلة في تناول صحن المعكرونة الخاص بها، ولم تعر الخبر أي اهتمام؛ كونها بالفعل قد نسيت كابوس ليلة الماضية !

عقب هذا الحادث الغريب بأسبوع واحد رأيت ألين في منامها أنها في أحد المباني المهجورة، حيث الجدران مملوءة بالشقوق والرسومات الغريبة تعود ربما لشياطين أو وحوش وحولهم بعض الأفاعي السامة؛ مشت بخطوات مُرتبكة نحو النافذة موجهة مجرى بصرها نحو المبنى المقابل للتبصر حدقيتيها البنيتين ذلك الظل الأسود الضخم، كان مُعطيها ظهرهُ كالمرة السابقة وهو يوجه عدّت طعنات إلى أحدهم، لم تستطع أن تميز أن كان ذكر أم أنثى فهو يحجب الرؤيا بالفعل جسدهُ الكبير، ولكنها فهمت أنهُ يقوم بقتل أحدهم من خلال الضربات التي يوجهها إليه!

نهضت من حلمها وهي تلهث بقوة، مسكت قلبها تحاول أن تُهدئ روعها وظنت أن سبب هذا الكابوس هو مُشاهدتها ليلة أمس فلم رعب ؟
بقية مدة طويلة تحاول أن تسترجع رابطة جأشها إلى أن عادت أخيرًا إلى النوم .

............

في اليوم التالي سار كل شيء في هدوء رتيب فأخاها يلعب بكرته الصغيرة وينشر الفوضى في أرجاء المنزل وأبيها يقرأ جرائدهُ كالمعتاد؛ حتى أنها نست أن تحدث أمها بمَّ شاهدته من حُلم .

لكن في صبيحة اليوم الذي يليه فتحت والدتها التلفاز بنية مشاهدة برنامجها المفضل، وهناك تسلل إلى إذنيّ ألين صوت نشرة الأخبار عن العثور على جثة فتاة في أحد المصانع المهجورة الواقع في منطقة نائية في نهاية البلدة؛ مما جعلها تنتفض لا أراديا؛ فهذه الصدفة غريب حقا أن ترى مرتان في الحلم ظل أسود يقوم بقتل أحدهم !

ولكنها لم تكن موقنة أن كانت قد تشابهت أحلامها مع ما يحدث في أرض الواقع، واقنعت نفسها بأنها صدفة عجيبة، ولم تصدق نفسها أنها رأت الجريمة قبل موعد حدوثها !

إلى أن رأتهُ بعد أسبوعين في منامها يشنق أحدهم قرب بحيرة الصخرة، لكن هذه المرة استطاعت أن تميز ملامح الضحية؛ كانت فتاة تكبرها بعامين أو أكثر وهي تستنجد أي أحد لينقذها من هذا الكائن الأسود الذي كان يمسك الفتاة بقبضتهِ القوية نحرها ويضغط عليها، كانت تحاول مقاومته ولكن بدت كجرو صغير أمام أسد مفترس وهو يغرس أظافرهُ الحادة في رقبتها البيضاء .

حاولت ألين الاقتراب وإنقاذ المسكينة قبل أن تموت ولكنها وجدت نفسها لا تقدر على الحركة! كأنها قد شُلت تمامًا بفعل قوى خفية، حاولت أن تقاوم وتحرك نفسها لكن القاتل أدار وجههُ ناحيتها وأسكتتها عيناه الحمراوين المخيفتين

استفاقت ألين بعينين دامعتين مع قلب مُفجوع، وقد بللت نفسها بالعرق من هول ما رأت؟

هرولت شطر والدتها بجسد مُرتعش وسط اليل، واخبرتها بنبرة مُهتزة تنّم على الرعب الذي يعتريها؛ نتيجة ما رأته من بشاعة
ولكنها للأسف لم تصدقها أمها ؟
وحاولت تهدئتها بأنهُ مجرد كابوس
فمن يصدق فتاة في الثالثة عشرة من عمرها !

في تلك الليلة بقي الكابوس الظل الأسود يتردد أمامها تتخيله في ذهنها وهي تتخبط في سريرها بجسد مُرتعش وقلب هلع، وهي تفكر كيف سوف تموت تلك الفتاة المسكينة قرب البحيرة ؟

لكنها في الأخير استسلمت للنوم ورأت عوض عن ذلك أنها في قاعة واسعة جدًا، فارغة من الأثاث سوى الظلام يلتهمها من كل صوب، ثم دلف الظل الأسود إليها؛ تقدم نحوها رويدًا رويدًا، ولأول مرة ترى هيئته كاملة في الحلم ؟

وتبصر وجهه !

كان شخص يرتدي معطف أسود طويل جدًا، مُغطي رأسهُ بينما ملامحهُ كانت مشوهة وغير واضحة؛ وأحدا عيناه عوراء يحاول الاقتراب منها !

ثم همس بفحيح مُرعب مُخاطبها بتأنيب
- ألين من سمح لك برؤيتي وأخبار سري لوالدتك ؟ أنت الضحية القادمة !
بينما يلوح مُهددا بيدهِ نصل فضي، حاد، لماع وسط غياهب القاعة!

استفاقت ألين من النوم لتبصر من خلف نافذتها الواسعة التي قد ازيح عنها الستار مع انفراج النوافذ بصورة مبهمة؛ الظل الأسود من بعيد يقترب نحو منزلها، منذرًا بقتلها !

-النهاية-

______________

أول محاولة للمسابقة كتبت هذه القصة؛ ولكن عدد الكلمات لم يصل إلى الحد المطلوب ضمن الشروط المسابقة وخشيت إذا اضفت كلام زائد (حشو) يشوه القصة ويضعفها لذا تركتها ><

رأيكم بالقصة (◔‿◔)

إلى اللقاء مع قصة أخرى ♡

كتبت في يوم: ٢٦ مايو ٢٠٢٠

نشرت في يوم: ٢٧ اكتوبر ٢٠٢٠

( ملاحظة ممنوع السرقة او الاقتباس دون أذاً مني تذكر الله موجود ^__^ )

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top