« 07:[دمَاءُ القِطة] »

[أذكر اللّٰه يذكُركَ]

_________

|

|

الفصل الثاني: دِماءُ القطّة

|

|

____________

يُروى عن الإغريق قديمًا ، أنّ الإله زيوس قد أعطى صندوقا خشبيا عجيبًا للفتاة الغضة بندورا..

أوصاها مخلصًا النُصح ، مختبئا خلف نبرة الأوامر أن لا تفتح الصندوق مهما حصل.

و في إحدى الروايات،

فضولها أدى بها لكسر الوعدِ و مخالفة النصيحة..

هي فتحَت الصندوق

و خرج الشرُّ للعالم.


____________

- لا أصدّق أننا إلتقينَا مجددا. -

قالت لولا لصاحِب المئزر باسمُ الثغر..

صافَح يدها الممتدة له بعد لحظات حيث أن سولومان لم يتعرّف عليها لوهلة بسبب قبعتها الفرنسية السوداء..

تبدو لولا كشخصيَّة نمطية لرسّام مخضرم يجوب شوارع باريس بحثا عن لوحة حب ليجسّدها..

و تلك الفكرة لم تراوده هو فقط بل جميع من رآها ذاك اليوم..

- آه لولا منقذة تسريحات الشعر ماذا حلّ بشعركِ ؟-

قال سولومان بعد فراقِ الأيدي لتضحك لولا جاعلة رأسها يعودُ خمسا و ثلاثينَ درجة للخلف.

- لا أصدقُ أنك تذكر ذلك..
على كلِ يا فقيه لقد إنسلّت منه الألوان و ها أنا أبحثُ عن صبغة جديدة ليوم جديد. -

هتفَت في الأخير.

خصلاتها الداكنة المنسلة من أسفل القبعة تطايرت بعشوائية و قميصُها الصوفي الأحمر إرتعش..

تبدو فوضوية اليَوم ، ستكون بهجة الحانة إن ذهبت بهذا المزاج.

سولومان طرد تلك الفكرَة من رأسه...
فتاة ببرائتها ستضيعُ بين الأروقة.

- أنا إستلمتُ عملا في هذا المقهى..
ماذا عنكِ أعلميني بأخباركِ ؟-

شبكَت لولا أصابعها خلفَ ظهرها متمايلةً كطفلة بينما عيناها تعاينُ ذلك المئزر البني على جسده الطويل.

الجو بارد قليلاً و و بعض الغيوم تناثرت في السماء..

بعض المارة في الطريقِ الرطب الذي يكابد مياه أمطارِ الأمس و المباني على جانبيه تبدو إنكلترية جدا.

تنهّدت لولا و أومئت لمنكسرِ الهالة.

- لا بأس بالأمُور معي ، سألتحق بالجامعة غدا و كل مخططَاتي قبل الحرب لذا أظنني في الطريق الصحيح..-

همهم لها بتفهّم قبل أن يلتفتَ سريعا ناحية صاحبة المقهى جلفة الملمَح والصوت.

التي قد نادتهُ دون تهاون حين لمحَت إبتعاده عن طاولات المقهى المصطفة في الخارج بطريقة تبعث الألفة.

الأزهارُ زينت سطحَها المستدير كما فعلت بمدخل المقهى الخشبي الداكن..

ذلك المنظرُ اللطيف لا يمتّ لملامح مصممته و مالكته بصلَة و هذا ما تبادر لذهن لولا حين رأتها..

- آه بينولوبي أنا قادم!-

قال ذلك ملوحًا و نظراتها شخّصت وقفتهما تلك لتومأَ له، تزفرُ و تريح يدهَا لجانبها..

سولومانن إستدار للولا بعينين مشعّتين فيطلُب منها أو بالأحرى يجذب يدها قائلا

- لن أعرض عليكِ القهوة لكن سأعترضَ إن رفضتِ..
هيا بنا!-

هي ضحكَت تثبّت قبعتها بيدها الطليقة لكنها صاحت بعد ذلك

- لحظة!. لحظة سولومان لستُ بمفردي.. -

تركَها و استدارَ يجُول بعيناه حولهُما ليقابله ظهرها.

نادت مرافقها ليخرجَ من أحد المتاجر القريبة

كان شعرُه الأخضر أول ما سرق إنتباه سولومان يلي ذلك إختلافَ لون عيناه..

و قد إستغرقَ طريقه نحوهما بضع لحظات ليقف مقابلا لهُما، فخورًا في جسده وهالته.

سترته الصُوفية أدكن لونًا من خاصة لولا لكنهما يبدوان ظريفين للغاية معا.

إريك إبتسَم للرجل الذي يراه مقابله قبل أن تعرّفهما لولا

- سولومان هذا إريك قريبُ العم رون و شقيق كلوثار الذي...
هممم انت تذكر كلوثار، صح؟-

أومأَ لها سولومان و عينَاه مصوبتان للآخر

- إريك هذا سولومان إنه صديقي من النمسَا، وقد رافقني في القطار. -

- آه مرحبا به..
و لكن كان عليك إخباري أنكِ خرجتي من المحل..
فقد بحثت عنكِ-

- أعتذر لقد لمحت سولومان و لم أصدق!-

قهقهَ المعني و إريك تفهّم يُرخي ملامحهُ السابقة، وترك الأمر ينقضي.

دعاهما لتناول القهوة دون جذبٍ هذه المرة و بينما هما يجلسان على إحدى الطاولات مستعدين للظفر بذاك المشروب الساخن الذي تنبعث رائحته بالأرجاء..

و هو ما حدث فعلا حيث وضع سولومان أمامهما فنجانين تتصَاعد منهما أبخرة محببة متناسبة و الجو...

-- إذا لولا أخبريني ماذَا ستدرسين في الجامعة لعل قدرنا يتقاطعُ مجددا. --

إبتسمَت لولا بعد أن وضعت الفنجان من يدها،
إريك كان يترصد لإحدى النادلات لإشعار آخر، والأجدر به كان الاستماع لزلة المتحادثين.

- الفنون الجَميلة في منبع الفنون الجميلة و ماذا تظنني سأفعَل؟-

همهمَ لها منبهرًا ، كم راقهُ هذا التخصص..

يبدو حُرّا للغاية وساميا للغاية ، لوهلَة تذكر لوحات دافنشي و بيكاسو و الأعمال الخالدة لموزارت و بيتهوفن.

كانت اللحظَة مثالية للحدَّ الكافي..

فتاةٌ حالمة و رجل ذو ذوق كلاسيكي نهمٍ
قرب القهوة..
تحت سحاب مصفَرٍّ و نسيم باردٍ.

و لكن لكلّ شيء نهايته و إريك بالمرصاد

- اي يا آنسة هلا ساعَدتني قليلا؟-

إريك هتفَ يكلم إحدَى النوادل شقراء الشعر و جميلة القوام..

لا يُنكر أنه شعرَ بتوتر كعرض جانبي في البداية  لكنّ نظراتها الخاطفةُ له كشفتها.

و هو رجل فطٍنٌ كيّس..

النادلة تعجّبت فأحد زمالائها قربه لكنها لم تمانع على أية حال..

- كيف أساعدُك سيدي؟-

قالت بعد أن وقَفت أمامهم بتنورتها القصيرة و مئزرها المشابه لخاصة سولومان ، إلا أنها تكفلت سابقا بمقاسه العادي لجعله أصغر..

سولومان خدش حاجبهُ مبتسما شطرًا لما يحدث.

الرجال يفهمُون بعضهم أكثر من النساء عندما يتعلق الأمر بالحسناوات.

إنتظرَت إجابته ريثما ينهي إريك لفَّ الملعقة في الفنجانِ ثم يرفعها حثيثًا متذوقا آخر القطرات المنسكبة منها..

- فنجاني به مذاقٌ غريب..-

نظرات النادلة تصَادمت بسولومان و المالكة المنشغلة بالزبائن في الداخل خلفه.
و كم تبدو مخيفَة هناك وراء الزجاج الكاشف للمقهى..

رسَمت إبتسامة متوترة و قالت

- حسنا سيدي سأغيُّر فنجانك كتعويض..
نعتذرُ عن ذلك. -

همهمَ إريك رافعا حاجبَه، مستمتعًا بوقته، ثم عاد للخلف يسند ذراعه على ظهر كرسيه.

- لا أظن أن هَذا سيجدي.. -

صارحها لتندهش والقلقُ في عيناها لكنه أردف ماسحا عنها أرقها ذاك بما كَانت تنتظر

- ربما أرقامٌ معينة هنا ستجدي. -

فاهَ ذلك واضعََا هاتفه على الطاولة لتلتقطه النادلة بسرعة بينما لولا تخفي حماسَها من وجهها عن الكل.

و ما إن إنتهت النادلة حتى ذهبَت خلف نداء أحدهم لتنفجر لولا ضاحكَة أخيرا مطلقة العنان لنفسها.

و حمدا لله أن سولومان أشارَ لإريك أن يمسك كرسيها كي لا تقع..

- ياه أنت الرجل-

هتفَ سولومان لصديقه الجديد فيضحك الآخر مُستعرضا كتفاه و يقف..

- شكرا لك يا صاحبي.. لقد أسديتَ لي خدمة كنت أمرُّ بمرحلة ركود فظيعة.
و الآن لولا علينا العودة، قد تأخرَ الوقت.-

قال ذلك ثم إبتلعَ ما بفنجانه بعد تأكده من ذهاب النادلة..

لولا شخرت لخدعته المبتذلَة ثم إستقامت لتودع سولومان على أمل لقاء قريب يجمعهما.

- بالتوفيق لولا.. فقط ثقي بنفسكِ و أريهم لهيبكِ.-

سارَ الإثنان بعيدا بينما يراقبهما سولومان للحظاتٍ حاملا صينية بينَ يداه..

- هل تعرفُ ذلك الفتى؟-

قالَت مالكة المقهى على حين غرَّة، كانت تقف قُربه، نفا يهزُّ برأسه يمنة ويسرة فنوّهت.

- يجدرُ بك أن تسأل عمتكَ إذا. -

سولومان إستدار إليها لكنها لم تلتفت له بل آثرت العودة للداخل بسبب النسمات الباردة.

______________________________

______________

___


~

كنتِ دائما فوضى.

شعثاءَ الشعر.. غبراء الفُستان..

أسنانكِ المبعثرةٌ
ككلماتك الغير مرتبة
كانت نتاجا لأفكاركِ المضطربة..

خِلتني صديقا يُؤنس وحدتكِ.

كنتُ أعلم قصتك فلطالما إنتبهتُ للوحيدين مثلَكِ

لكني أسوء من ذلك..
فأنا أعرفُ كلَّ شيء عنكِ.

ما يمكنني من التلاعب بك

قربكِ مني يؤذيكِ.

و إن إستمر سيؤذيني.

لذا قطعت كل السُبل بعصا بوسايدن

لكن البحر عصاني

و موج القدر سلك إتجاهات أخرى..

|

|

ركن سيارتَه قرب المستودع بغير نية إدخَالها فهو قد يخرج مجددا في أي وقت كما يحصل كثيرا هذه الأيام..

سلسلة إختناقَاته من جو البيت المكتظ تجعله يهرب دوما.

ليس ضعفا...

بعيدُ هو كل البعد عن ذلك
و لن يكُون، كما يحبُّ أن يكون.

كان قد إستسلمَ مرغما لواقع دراسة محبوبة ماريسا تلك في جامعتهُم ليس لشيءٍ سوى إطاعة والده الذي لا يزال له حقٌ لأمره..

سيتعامَل مع ذلك لاحقا عندمَا يحينُ الوقت.

والدهُ مخدوع.

هو لا يعلمُ أن زرعه لن يثمِر بسبب التربة الملوثّة التي يطمُره فيها...

دخلَ المنزل عالما أنها وإريك غير متواجدَين ، و دون وعي منه تجاهلَ حديث الخادم كلارك عن والده.

سارَ وقدماه تتلكَّؤ طريقه، قاصدا غرفته بعدَ أن أومأ لجوليان الذي رحّب به ما إن لمحه و قد أخفض هاتفه.

هو لم يسألهُ شيئا ، يعلم جيدا أنه لن يتحدَّث دوما.

كما يعلمُ جيدا ما يكَابده.

”لطالما عَلِم كل تلكَ التفاصيل المخفية وراء أقنعتي~

فكّر آليكساندر.

°•°

فلتُقرَع أجراس الكنيسة التي يتضرَّعُ لها أبي كلّ
يوم أَحَدٍ..

لقد دخَلت الفوضَى إلى المنزل و أنا لم أصِل درجات طريقي بعد..

يليها إريك الذي يصيت قارعا طبُول الأذان مناديا من يقبعُ قريبًا منه بالردهة.

- جوليان لقد وجدتُ حب حياتي. -

ليردف الآخر والملل به مستعرٌّ ، ساخرا من واقع قريبنا المتكرِّر

- أنتَ تقول هذا كلما كانت فريسَتك
ذاتَ سيقان مثالية.-

ربّاه ، ألا يشعرَان بالمكان ؟

نظرتُ إليها..
كانت وجنتيها و أعلى أذنيها بلون كنزتها الحمراء، البرد وقريباي..

لم ترفَع عيناها منذ أن رأت حضوري..

لقد إعتدتُ ذلك. ”

____

لولا

°•°

تبَعثَر نسيمٌ بارد ما إن خطونا من السيارة التي يقودها سائقٌ خاص وكّلته خالتي ماريسا صباحا بأن يقلني و إريك للمحلات بغية أن أبتاعَ كل ما يلزمني للكلية..

كان ذلك خوفا من مهارَة إريك الفتاكة في قيادة السيارة نحو الحائطِ الأصلب.

كم ضحكتُ على تذمراته حين تحركنا صباحا.. لكنّه نام طوال طريق العودة سامحََا لي أن أتمتّعَ ما شئتُ بالمناظر الهادئة للمدينة و الطريق نحو المنزل بعيدا عن أحاديثه الصاخبة.

طلبتُ منه أن يحمل الأكياس مدعِية التعب و هو تذمر أكثر قائلا

- هل تظنين نفسكِ مارلين مونرو؟-

أخرجتُ أكثر ضحكاتي زيفا رغمَ أنّ تعابيره جادة ، عيناه منتفختين من تلك القيلولة غير المريحَة لجسده..

لم أُعره إهتماما و دلفت للداخلِ، يفتح لي الخادم بعد الطرقة الأولَى و يبدو أنه كان قريبا.

أوّل خطواتي كانت متهورة، مرحة كمزاجِي المعتدل اليوم.

لكنّها تباطئَت ما إن شعرتُ بذلك الكيان..

لا أدري ما حدَث لحظتها.

هذا يحصلُ كثيرا هذه الأيام ، شعورٌ غريب يبلل حواسي بقطَرات إدراكية تعي وجودهُ في الأرجاء لتسقُط شلالاً في أعماقي، وأكاد أشعر بأحشائي تتقلّص لقوتها.

كأنني أعلم أنه هُناك..

يراني أو لا ؟

لا أعرف.

لكنّه هناك دوما كلما نظرتُ لأتأكد من شعوري ذاك..

كل ما أريدُ معرفته هو إن كان يشعر بذلكَ أيضا؟

كان سيصعَد الدرج عندما تقدّمت ،لكنه توقف ليستديرَ نحوي و يملأ المكان بهالته القاتمة ، الجلفة تلك.

و أنا شغَلت نفسي بأي شيء ، قبعتي تزعجُني لا بد أن أنزعها

ببطءٍ شديد ربحا للوقت..

إريك دخلَ و أول جملة قالَها كانت عن النادلة من مقهى سولومان و قد وجّهها لجوليان الذي أجابه بشيء جعلَ دمائي تصعد كالبخار لخداي و رقبتي..

التقلُّص في بطني.

لم يكُن ذكر سيقانها ضَروريا يا جوليان

لم يكُن ضروريا أمامه.

أنا هرَشت فروة رأسي بروية أحَاول إنزال بعض الشعر لإخفاء وجنتاي ثم سرتُ للأمام ضائعة ما بين الصعود أو الدخول حيث مفلوت اللسان الغبي ذاك”.

|

إلتفتَت كثيرا قبل أن تتخِذ قرارها بالصُعود لغرفتها،
حملت الأكياس التي يُكابد عنائها إريك شاكرة إياه ثم سارَعت تجنبا لزوج المعاتيه في الردهة الرئيسية..

بينمَا آليكساندر نزل عندهما رغبَة في تنويههما
لخطبٍ ما.

وقفَ عند مدخل الردهة بينما الآخران يتناقشان حول عمرِ تلك النادلة و سرعَة إريك في صيدها.


- إنتبهَا قليلا!-

قال بصوتِه العميق ثم إبتلعَ رمقه ما أدى لتحرك تفاحة آدم التي تزيّن رقبته السمراء...

إريك قطعَ ضحكاته و إستدار له مقطبا حاجبيه ينتظر كلامه..

أما جوليان فقد إستقام من مضجعه لتُصدر الأريكة صوت أزيزٍ خفيف.

- بخصوصِ قدومهَا للجامعة..-

صمتَ قليلا بعد كلماته دون النظرِ لهما..

عيناه تأملتا سماءَ اليوم من الزجاج المصقول لتلمع كحَدقة الشمس المنعكسة عليها.

كم منا تأملّ الشمس مُمعِنا ؟
معجَبا بهالتها
غافلا عن ألمها
فقط هدوئها في العالي..

جوليان حثّه أن يكمل دون حروف مسموعة،

و لمَّا لم يستجب له خاطبه الأصغر بنبرته المرحة لينتشلَه من أفكاره

- و بخصوص ذلكَ يا كابتن!
لقد جرَّبت منعَه
لكن ملفها أنظفُ من عقلِ الأب سنُو. -

تنهّد إريك بعد كلَامه ليأتي دور جوليان الذي أردف بصوتٍ هادئ و قد أخفى هاتفه في جيب قميصه الأزرق.

- آليكس بماذا تفكّر؟ أَعِنِّي على فهمك..-

آليكساندر تريَّث قليلا قبل الإدلال..

هو محق فقَد أضاع وقتا كثيرا في التخبّط بضياعه و أفكاره المشتَّتة قطرة قطرة والتي لم ترقى لحل، يستحقون أن يعلموا ما التالي.

لذا سيغلّف الصنبور المنكَسر متحملا صوت إرتطام القطرات المُزعج في عقله حتى يجد غايته.

إما يقطع الماءَ عنه أو يكسره ليطفو،

فلا مجال لإصلاحِه في نظره.

- الشَرِه لم يغادر البلد..
علينا أخذ إحتياطاتنا.-

عيونهم توسّعت

و أكثر من بانَ تأثره هو جوليان،شعُور الخسارة لا يزال كالعلقم المر في حلقه ولسانه المُثقل..

أما الأصغر فقد لمَعت عينه الزمرديّة بنور متسرب من النافذة تزامنا و ذكراه.

مشهدٌ أخير جعل الطير السود تُخيَّل في المكان قبل أن يقول آليكساندر كلماته ضاغطا على فكّه التي برزت

- لا أريد أن يتكرَّر ما حدث..
يجب حمايةُ الكل!
الأضعف دوما يسقُط سريعًا
فهمتما؟-

أومأَ كلاهما دون نبسِ حرف ، علامات الجدية على وجوههم لا تعبّر عن القلق داخلهم فحسب بل عن قوة ما يظفرُونه..

- و ماذا ستفعَل أنت؟-

قال جوليان مخَاطبا آليكساندر قبل أن يرحلَ عن تجمُّعهم.

إبتسم الآخر إبتسامته المميزة سامحا لحَاجبيه بالإرتخاء أخيرا..

الحائطُ الأبيض بجانبه إستقبل إنفراج يده و عزفَ أصابعه الوهمي

ليجيب صديقه الوَجل

- سأراقِبُ سقوطا ما!-

|

ليلى تناسَت أوامر والدتها
و إستدرجت الذئب السيءِ الكبير° إليها~

لولا باشرَت إفراغ ما إحتوَته الأكياس المختلفة و الملونة من دفَاتر و أدواتٍ مدرسية عدة..

تمتَنُّ جزيل الإمتنان لإهتمام والدَ مون بالرسم فقد أشار لها بالأدواتِ الأجوَد لذلك عند زيارة محله صباحا، الأب سنو يكنَّا كمَا عرفّه إريك و قَد ذكر كونَه قسيسا.

لم يحتَج لذلك فالصليبُ برقبتهِ و هيئته أوحَت بذلك.

كم كان عجُوزا لطيفا ذو وجه مريحٍ للعين و هالة دافئَة تماما كإبنته.

حتى أنه قد حكَى لها عن حب زوجته الراحلة للوحة الموناليزا و التي قامُوا بتسميَة مون تيمُّنا بها..

إبتسَمت لتلك القصة و كم كانت مستعدَّة لإزعاج مون بها لولا أنها لم تزرهُم اليوم بسبب الدراسة.

لولا شعَرت بالملل وزفرته في كل مكان بالمنزل لذلك إقترحَت ماريسا خروجها مع إريك و المعروف برُوحه الملتهبة.

كانت تضعُ كلّ الأدوات في مكتب بسيطٍ نقله الخدم من يومين لغرفتها و قبل أن تبدأَ في صبغ شعرها باللون الذي إختارته.

راحت تقفزُ عدة قفزات لتقترب من الخزانة وفيها نوعٌ من أثر الجومباز، مدروسة فنية، وهي تسرعُ لتجربة الصبغة ورؤية النتائج.

شدّت قميصها ترفعُه بينما تختار بعيناها قميصا لا تحتاجه لتُورثه المزبلة بعد إنتهائها،

صوتُ حمحمةٍ خافتٍ قاطع جوّها

لتتركَ القميص الذي ترتديه سريعًا و تستدير لصَاحب الصوت.

كم تمنَّت رؤية جوليان الآن فهو أعمى لمون

حتى كلوثار تستطيعُ التنفس أمامه بعد موقف كهذا فقد أفادتها جلسَة التأمل الصامتة رفقة القهوة قبل أيام.

ربما كانت لتفضّل إريك رغم نذالته و لسانه الذي لن يصمت بعد هذا أبدا..

لكن أنتَ تريد و القدر يعارض من يعارضه.

لحظاتٌ من الخرس تخللتها نظراتٌ بين عيون منفرجَة الجفن وأخرى هادئة تثقُب الصخر.

إبتسامته جانبَ ثغره تروي..

و هي لم تلتقِط من الروايات إلا أسوأهَا.

إتكأَ آليكساندر على الحائط جانبه و كحركة اعتَاد فعلَها أودع يدهُ لجيبه.


شعرهُ الأحمر تحرَّك موافقا حركته و قد لاحظت لولا جفافَ أطرافه الطويلة نسبيا فخِبرتُها الصغيرة لا يُستهان بها..

نظرةٌ ثابتة من ثقبه الأسود الذي يجذبُ نجمتيها لتنتبِه له بعيدا عن تفاصِيله التي لا تنتهي.

- يبدو أنكِ متحمّسة!-

هو تعمّد  نبرتهُ ساخرة لتغلِّف جملته، فمهُ مرتخي و كذلك ملامحَه و أكمَل حديثه..

- الفنُون الجميلة..
الجمبَاز. -

هي بللّت شفتيها دون الضَرر بأحمر شفاههَا الفاتح

-- وأنت تسألُ لأنك تظنّهُ شأنك الآن؟--

- كلَّ ما يتنفَّس في هذا البيتِ من شأنِي-

زفرَت لولا حنقها غير قادرة على مواجهَة ملامحه تلك دون الرغبَة في تغيير المنظر.

كأنّهُ أفعَى مريرَة السمّ.

- ماذا تُريد مني.. همم، ما مشكلتك اللعينة؟-

حاجبَيه إقترنَا في لحظة صراخهِ المفاجئِ لها، تردّد صوته وسرعته ما باغتها.

-- ألفاظكِ! --

إرتعشَت قليلا لكنّ إستدَارتهُ نحو الرواق جعلتها تتنهّد براحة..


إلا أنه غيّر رأيهُ ذاك،

شعرُه بدى كنارٍ تستمدُّ حطبها ملامحه وثنايَاه الغاضبة، تجاعيدٌ وسط حاجبيه، ندبتهُ تبرُز..

- أتعلمِين ماذَا...-

قال ثمّ إقتربَ منها و أنفاسهُ تكادُ تُسمع في غرفتها الهادئة..

بطنُها تقلّص لقربه منها و شعَرت أنه يبتلعُ كل الهواء المحيطَ بها كما تَبتلع عيناه كل جرمٍ يقترب.

صَار يخطو نحوها دمثًا لتدنو هي عكس تياره و قبضَتها تشتدُّ بسبب فكرة التصرف بقوة التي تسيطر على عقلِها فتُأجّجُ رغبتها بضَربه.

- لقد حذّرتكِ..
أم أن أحاديث إريك و جوليان تسمّم عقلك أم اعتقدتِ إن رافقتي أصدقائي فهو مرحب بكِ و ما عاد لكِ فرزٌ لمن أمامكِ.-

بزقَ آليكساندر كلمَاته في وجهها بسرعة كسوطٍ لا يهدأ؛

هو ليسَ به غضبٌ كالذي يشعُره عادةً
بل عليه وضع خطٍ يوجّهها به.

تلعثَمت و حفرةُ الخجل تبتَلعها كليا حتى أنها بالكاد لاحظَت يده المتوجهة خلفها.

أمسكَ طرف قميصها ينتشله انتشالاً، سريعا، يُنزله حيث كان هناك جانبٌ ظاهر من جسدها، من إنحنَاء خصرها تحديدا.

- لا تكونِي كمن تَحْملُها كل ريحٍ
فسيقانك ليسَت مثالية!-

و ضعَ يده أخيرا خلفَ ظهره رافعا حاجبه و إبتسم في آخر كلامه..

لو أنه قالَ الجملة الأولى فقط لكانت لولا فهمت المعنى،
لكنّ جملتَه الثانية كانت كرميِ النرد
إما يُصيب  أو يخسر الرهان.

لم يسمحَ لها بإجابته رغم أنها لم تتغلّب بعد على بُؤرتها و خرج مختالا مُنتشيا بما فعل.

ليسَت أول مرة أيضا.

آليكساندر يصيبُ بحروفه و يُغرِقُ بسواده..

غموضه كدخَّان يزدادُ عبر السنوات و يبدو أنه في أَوجِه فبالنسبة للولا التي لم تَره منذ الصغر

هو أصبح كتلةََ من الخيوطِ الملتوية و الحُدود الداكنَة.

|

الكلمة..
تستغرق ثوانٍ
و تدُوم سنوات عِجاف..

لقد حلَّلت جملتهُ كطالبٍ يبتغي أعلى علامة..

أسقطَتها على نفسها و غيرِها و كل ما حِدث،

هي تعلمُ أنه يُرسل لها معنَى ما بيدَ أنه لم يتوضَّح لها سوى إستخفافه بحُلمها.

الجمبَاز، فهو ذكَره في مطلَع الحديث.

لقد مرَّ اليوم بسمِّه اللاذعَة في جسدها..

و مطر السُّحب شارك مطر وسادتها ليلتها بعد أن تشاركَ حِملُ آليكساندر و حِملُ فراق والديها على إنزاله..

_____________________

|

إجتمعَ الكل على مائدَة الإفطار صباحا..

رون و ماريسَا كذلك و الذين كانا يغِيبان كثيرا عنها في اليومين الماضِيين.

ضحكَات رون و إريك و جوليان تملؤُ القاعة

وماريسا لم تبخَل بقصصها المضحكة عن طاقم العمل في مكتبِ رون..

كان رون أثناء ذلك يسجِّل ملاحظَات في عقله عمّا يقُولونه عن رئيسهم الحازم.

- لا أصدّق أنهم ينعَتون عم رون بالمتشدد..
بربّكم!-

قال إريك بصوته الجُهوري ما دفعَ حتى كلوثار وآليكساندر للضحكِ مجددا.

- اُوه صباح الخيرِ عزيزتي. -

هتفَت ماريسا بسرُور عندما لمَحت دخول لولا لتردَّ الأخرى مبتسمة.

- صباحكِ خير خالتي..
صباحُ الخير.. جميعا. -

كلمتُها الأخيرة كانت الأضعَف و بينما تعدّلُ مستوى قلنسوة القميصِ على رأسها جذبت كرسيًا قريبا من مقعد ماريسا حيثُ يقابلها جوليان و إريك..

- هذا لون مميَّز لولا. -

قال رون الذي إستقرَّت عيناه على شعر الصغيرة الذي لم تستُره قطعة القماش و نتيجةََ لجملته الكل رفع رأسهُ ليرى إبداع لولا الجديد..

لقد صبغَت أطراف شعرها الداكنِ بلون أحمر ملتهِب شبيه بشعر آليكساندر الذي يتفقّدها

إبتسامةٌ ساخرة حطّت على شفتيه قبل أن يُكمل طعامه غير مكترثا..

كلّ ما يدور في رأسهِ هو الإنتفاخ الفاضحُ الذي ابتلَع مقائيهَا داخل الجفُون.

فتاةٌ ساذجة..
يمكن كَسرها بأقل كلماته قسوةً،

وحدثَ أنه يعرفُ السبيل لذلك.
هذا ما فكّر به آليكساندر.

أما ماريسا فقد أُعجبت باللّون و طريقَة تباينِه بين فروة رأسها ليصبحَ ابرزَ بالأطراف.

الباقين كذلَك عبروا عن استحسَانهم ثمّ إريك بالطبع لم يكتفي بعباراتِ المدح، حرك الشوكة بين أصابعِه الخشنة قائلا

- أتساءلُ من أين خطَرت لكِ الفكرة؟-

جملتهُ دفعت جوليان للضحكِ بفم مقفلٍ و كم كان ذلك صعبا عليه.

رون أردفَ بكياسة، عيناه إنتقلتا من الوجُوه أمامه إلى صحنه.

- أظنّ بسبب شَعر آليكساندر. -

لولا شعرَت بالغثيان يجتاحُ أطرافها و قد سارعت بالقول

- لا لا... أنا فقط أحبُ الألوان الدافئة.
و لم أجِد غيره بالأمس، إريك كان هناك..
أليس كذلك إريك؟-

حدجت السبب ذو الشعر الأخضر الذي يُقابلها مبتسما يتظاهر بالبراءة ما دفعَها للحنق،

لسانُها إصطَدم بجدار خدِّها الداخلي و جوليان هتَف بجانبهَا

- و لكن لمَا لم تصبغِيه كليا إذا؟-

قاطعَ كلوثار مرحهُم ذلك نظرا لعلامَات الإنزعاج على وجه آليكساندر.

يده نقرَت كتف جوليان بغيةَ كسر الحديث.

- ناولنِي الملح و بعض الهدُوء فضلاً!-

ختم ذلك بنقلِ نظراتهُ من جوليان إلى شقيقه المغفل الآخر ليبتلعَا لقمتين من صحنَيهما و يلتزما الصمت كالأطفال.

لولا إبتَسمت لكلوثار و حين لمحها أومأَ لها أي لا بأس لتشرَع هي طعامها متوعدة إريك.

رون لم يكُن متغافلا عن أي تفاصِيل..
كل النظَرات الصامتة
كل الأفكار الهادئة.

شخصٌ بذكاءه لن يضيِّع خمس ثوانٍ في جملة لا يكُون لها نفع له أو لما يُريده..

_________________

|

- ستُقلّ مون معَك؟-

قالَت ذات الشعر المجدّل من الأمام و المربُوط من الخلف كذيلِ حصان قصير الطول..

كانَت ترتدي سترة جلدية كرَاميلية اللون فوق قميص غليظ أسوَد مشابه لسروالها الضيق.

أما حذائها فقَد وصل علوّه لكاحلها حيث تناسب لونه و سترتها و حقيبتها المزيّنة بخيوطٍ مزركشة.

كل منظرها يذكّر بأفلام رعاة البقَر و الغرب القديم لأميركا.

كانت تقفُ تجمعُ ذراعيها لصدرها و عينَاها تراقب كل وافد..

كلوثار ليس ذاهبا للجَامعة و لكانت فضّلته لذا يبقى لها خيارين لا ثالثَ لهما..

إما جوليان أو المتهّور الآخر الذي رأَته يأخذُ مفاتيحه من كلارك رئيس الخدم بعد الفطُور بعيدا عن أعين الجميع..

سألت جوليان لعلّ ظنها يكون في محلّه و حينها ستعزم الذهاب معه بما أن مون ستكون متواجدة..

هو إبتسمَ لذكر الفتاة المرعبة الحلوة التي يحب و أومأَ خادشا مقدّمة أنفه

إبتسامة ماكرَة حطّت على شفتيه و استخدَم لكنة رعاة البقر حين سألَ

- لمَاذا مَـام؟-

- لأني سأذهبُ معك. -

أردَفت تكشّر أنفها فتتجعّد ملامحها قليلا في آخرِ جملتها الحازمة.

هو شخرَ ضاحكا من تصرّفها حيث أنها صعدت السيارة التي كان قد وضعَ حقيبته رياضية المنظر فيها.

و دون إكتراثٍ به هي مالت بجذعها لمقدمَة السيارة فارهة التصميم من الداخل لتلقي نظرةً متفحّصة على زينتها البسيطة.

جوليان تمتمَ بكلمة لم تسمعها عاقدا حاجبيه

- مدللة عنيدة أخرى..
آه الفتيات!-

-- أجمَلُ ما خلَق الرب عزيزي.--

أخبرتهُ بثقة و هو إبتسم في الأخير.

إريك وآليكساندر خرجَا من المنزل يتوجهان صوبه ليلوّح له الأصغؤ ذو المشية الرجولية.

تنهد جوليان مستسلِما ثم تأكَّد من هاتفه مرة أخرى.

لولا كانت مشغولة برفعِ شعرها أكثر بيديها حين دلف جوليان للداخل متخِذا مكانه في المقعد الأمامي الأيسر.

هي تعجَّبت لذلك فسألته قبل أن يضعَ
سماعات مسجل الأغاني الخاصّ به في أذنيه.

- جوليان لما ركبتَ هناك؟ من سيقُود؟-

حينها دلفَ قرمزيُّ الشعر أسود الطلة.

كان يرتدي سترةََ سوداء تماما كسرواله و زيّن جبينه برباط رأسٍ أسود لم يخفي ندبته إنما أعطَاه هالة المُسيطر، و على عيُون المختارة تلك ليقطع سيل أفكارها.

قال آليكساندر بعد ذلكَ بمهلٍ مجيبا عن سؤالها

- أنا..
هل من إعتراضٍ؟-

هي لم تصدّق كمَّ الإستفزاز في نبرته تلك.

أرجأت جذعها للوراءِ ترمقهُ ثم تمرُّ ببصرها بينه و بين جوليان حتى ركبَ إريك و صوته يفيض طاقة إيجابية

- سنذهب للجامعَة معا من اليوم!
ألسنا عائَلة لطيفة؟-

غمزَ في آخر حديثه لجوليان الذي قهقهَ جاعلا سماعاته تستقرُّ في أذنيه لتعزله عن التيارات المتضَاربة في السيارة.

بين سكون آليكساندر القاتل و هو يقُود سيارته نحو الوجهة

و حُنق لولا المكبوت على كلِّ من فيها.

___
|

كان يجلسُ بكل راحة رافعا إحدَى ساقيه حد صدره و الأخرى تتدلى ذهابا و إيابا..

راقبَ السيارة السوداء التي شقّت طريقها أمامه ليحللَ الوجوه التي بها ثم جذبَ بعض العشب الناتيءَ على الهضبة و راح يداعبه منتظرا.

متمهّلا..

بسمتَه حادة الطرفِ عند ثغره الندّي
لهي شيفرة.

إنه بحاجة لمعلومات خاصة.

______________________________

__________________

____

تعبت لهيك وقفت هنا.

الذئب السيءِ الكبير°= Big bad wolf
هي أغنية للانا ديل راي سمعتهَا مع التفكير بالبارت لهذا فيه حركات لعَن الله الكفار ;-)

|

|

|


Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top