« 01:[ذُو النّدبة] »
|أذكر الله يذكرك|
___
|
• الفَصلُ الأوّل: ذُو النّدبٓة •
|
|
" أظن أن السماء لا تغيّم إلا عندما
أكون أنا تحتها "
_
_______
🔛|
أوصَدت نافذتها و أسدلت الستائر يشوبُ نقاء وجهها الملل...
ملل من المنظر، من استمراره السقيم في التكرر، ورغم أن لا أحد قد يربطُ الملل بالرعبِ الذي يصرخُ وصدى صوته رصَاص في أفق السماء والوعي..
إلا أنها تفعل.
هناك جانبَ وعيها، مللٌ سقيم من صوت الرصاص الذي لا يُبشّر بإمكانية مراقبة الغروب الهادئ اليوم..
وكان حديثُ والدتها والحاحها سببا آخر آزره.
الأم كانت ترتّبُ أغلبَ وأهم ملابس ابنتها في حقيبة كبيرة عسكريّة قد استعارتها من زوجها..
أو لنقل أنها أخذتها دون إذن فهو لم يعُد للبيت منذ الليلةِ السابقة حين بزقَ حُمم ذلك الخبر في وجه إبنته..
ذِكرهُ للحربِ في بلدهم و التيِ لا تبدو أنها قد تندملُ قريباً جعل أمها تنامُ مفتوحة العينين أمس..
وبينما هما يناقشان قرارَ تهريب ابنتهما من أرض الوطن المغْتصبة كما فعل الكثيرون.
و بين طلب الأب بأن تذهب زوجته معها و بين معارضتها ذلك و إصرارها على أن تبقى هي معه..
هما قد ذكرا وجهة لولا التالية..
بيتها الجديد الذي يرجّح أن يكون مؤقتا..
البيت الذي يظنان أنها ستكون مرتاحةً ، تنام على ريش وتسير على غيم فيه.
منزل آل إلاغون والذين تجمعهم صداقة قديمة بعائلةِ والدتها..
والتي لا تدري كيف إستمرت حتى الآن رغم بُعد المسافة و كل الكيلومترات الفاصلة بين أمها و السيدة إلاغون.
صوتُ والدتها "مادلين دوايت" المُتعب أيقظها من التفكير بالأمس رغم أن عيون الأم الغاربة لا تسمح بالتغافل عن ذلك ثانية..
يدها ثخنة العظم بيضاءٌ كضباب الفجر، مسحتْ على الحقيبة، و ابتسامة كسرت شفتيها الشادنجية قبل أن تنفرج قائلة..
-- حسنا لولا..
لقد أكملت توضيب ما ستحتاجيه، ما أرجّحهُ من ذلك على الأقل.
الجو باردٌ هناك كما أخبرتني ماريسا، لذا فقد وضعت ملابسا دافئة..
أريدك أن تكوني واعية وأن تحافظي على صحتك أفهمتِ؟ --
كانت تتكلم بينما تنزل الحقيبة عن السرير، الشراشف البيضاء تموّجت، و عندما رفعت رأسها على آخر كلماتها وجدت لولا تعقدُ ذراعيها لصدرها متنهّدةً تحتسبُ الصبر في مشهدهما الطويل.
عيناها خشبٌ التهبَ رغم إدراك لولا لغضب أمها ظلت قاسية الموقف شامخة، تبتغي بذلك توضيح موقفها من كلّ هذا..
إخفاض رأسها والنظرُ حولَ الجسدِ وما داخلَ روحه، شيءٍ من طقوسِ غضبها.
سمعت خطواتها تقترب و قلبها هرول.
-- لولا أرجوكِ.. توقفي عن التصرّف كالأطفال إنني أوصيك التعقّل..
لقد تحدثنا في هذا، إنه إجراء لسلامتك. --
أكملت كلامها لترتجفَ كتفي لولا حنقًا، ترفع رأسها فتناثر شعرها القصير على خطوط وجهها.
-- أمي!
لا يهمني، أنتِ و أبي باقيان ها هنا في قلب الخطر..
عن أي سلامةٍ تتحدثين إن فقدتكما؟ --
قالت بصوتها الخشن، جادة الحُجة تبرُق، وهذا ما يحصل لصوتها حين تفعل.
يدا أمها الدافئتين أمسكتا خاصتها، باردة كمخلوقَات الشتاء، عضّت تجذبُ باطن شفتها بين أسنانها..
- إنها مسألة وقتٍ لا غير..
والدك ليس مجرد عسكري بل هو جنرال و أنت تدركين ما عليه من مسؤولية.
سنأتي، سنفعَل.. لكن عندما يحين الوقت لذا إصبري. كما أنكِ لن تكوني وحيدةً هناك و ستكملين دراستك كما شئت، كل حياتكِ التي أوقفتها الحرب هنا.
أنظري للجانب الجيد الذي حُرمت منه قريناتك في هذهِ الظروف الصعبة. --
أومئت لولا مرغمَةً بسبب نبرة الكبرى المهزوزة.
في الظروف العادية كانت أمها لتَمسَح تواقح الأصغر بصرخةٍ واحدة منها إلا أنها كانت تريدها أن توافق و كفى..
ولكن بأي ثمن؟
مَسَحت بهدوءٍ على خُصلات شعر لولا البني الذي لوّثتهُ سابِقا بلونٍ أحمرَ طوبيٍّ للتغيير ثم تضاحكَت في قولها:
-- لا تظني أنني أسمح لكِ بإرتداءِ هكذا قميصٍ في بيتِ ماريساَ، لا أريدُ حدوثَ دراما لا أكون حاضرَة لرؤيتها. --
لولا أخفضتُ رأسها لتلحظ أن قميصَها الأسود ذا الصوف اللينة قد إرتفع عن منطقة البطن قليلا فجفلت حين إستوعاب ما قالته والدتها...
-- أمي! --
صاتَت وكان ظهرُ الكبرى قد قابلها مغادرة الغرفة تفترُ مبسمًا.
عيناها تسمرّت بعد ذلك تلقائيا على مرآةِ الخزانة، بيضاء بزخارف ذهبية..
أناملها إلتقطَت طرف القميص السفلي تخفضهُ قليلا ثم ترفعهُ مجددا لتظهر بطنها المسطّحةَ
سروال الجينز فاتحُ اللون والفضفاض قد رفعته سابقا ليتناسبَ و القميص..
إقتربت أكثر لتعاين ملامحها فلولا لدَيها بعض ضعفِ نظر.
هرشَت أذنها وأمسكتهَا.
أغمضت عيناها على ما ذكَرت الأم منذ قليل و أولُ ما قفز بين ظلام جفونها هو بريقُ عيناه الحادة تلكَ الليلة..
رعشةٌ سرت في كل جسدِها ففتحت عيناها، تطاردها تلكَ الصور ككابوسٌ مرعِب في ليلةٍ طالت لسنوات.
إستدارت بسرعةٍ ترفع القميص نازعةً إياه و أخرجت آخر أطول ذو مقاسٍ أوسع و صلّت داخلها أن لا تصلَ إلى تلكَ المدينة أبدا.
_________________________
___________
__
سمِعت لولا صوت والدها في الأسفل
فنزلت تهرول متجاوزة الدرجات راغبةً في حضنه..
وقبل أن تصل عمّ الظلام المكان..
ظنت أنها تحلم اللحظة، ما يحدثُ حيث يمتزج حلمها بالحقيقة قبل أن تكتشف ذلك.
إلا أن صوتَ والدها المألوف طمئنها:
- لولا... عزيزتي أنزلي على مهلٍ فقد
إنقطعت الكهرباء...
آه مجددا. --
نبرته الأخيرة جعلتها تضحك رغما عنها و تكمل النزول برويّةٍ معتمدة على الحائط الجانبي..
بعض الخطوات القريبة تلاها خروجُ خادمتهم مع شمعة مضائة بين يديها.
-- عليكِ طلب علاوةٍ بسبب ظروف الحرب..-
قالت لولا ممازحة ذات الشعر الأسود المجعّد الذي تسللتهُ خيوط البياض كما فعلت التجاعيد بوجهها البشوش..
ليندا الخمسينية تعمل لدى العائلة منذ أن كانت لولا طفلةً و هي تحبها كثيرا..
كان لها فضلٌ كبير في تخطي نوبات الوحدة التي يسببها رحيل والديها المؤقت طوال حياتها.
ليندا إبتسمت قائلةً بصوتها الرخيم
- قد أفعلُ، بالطبع، و لكن ليس بسبب الحرب بل بسبب الملابس التي ترمينها في الغسالة دون إتساخها حتى. -
تنهّدت لولا عابسةً بينما تتَوجه الإثنتان للصالة سوية مُهتَدِيَتان بنُور ما بين أناملها ثم قالت لولا مدافعة عن نفسهَا
- آه عزيزتي ليندا.
و ماذا تريدنني أن أفعل في ظلِّ هذا الملل؟
الإنترنت مقطوعة بسبب الظروف و التلفاز لا يعرض سوَى ما يؤلم القلب و حتى لا يوجد شبكةٌ أغلب الوقت..
فماذا سأفعل غير الإستمتاع بمكياجي و ملابسي و الطعام. -
قاطعتهما ضحكات تشارلز من قاعة الطعام
- و لكن ألستِ أنت نفسها من أرادت إتباع حمية منذ عام لأن وزنهَا لم يتناسب مع طُولها ؟ -
تلك الضحكة كالغيثِ على قلبها المتلهف لحضنه الآن..
ركضت لولا نحوه حين إستقر نورُ الشمعة و ضياء القمر على لوحةِ الحنان تلك و تمسكت بحضنه جيدا كالصغار..
هو بادلها بعمقٍ مقبلا الفراغ وسط شعرها القصير المتمايل و هي تماسكَت أن لا تبكي كل قلقها على سترته العسكرية الثمينة و أوسامه.
إبتعدت قليلا و أردفت حازمة نبرة صوتها
- آه أبي لقد كان ذلك منذ عَام و الظروف القاسية تجعل البشر يقدمون التضحيات
للأهداف الأسمى. -
ضحك الجميع لذلك و تشارلز جلَس في مقعده بينما والدتُها ردت
- نعم و الهدف الأسمى لصغيرتنا هو بطنها..
أتمنى أن تجدي شيئا آخر لتمضي
وقتك به قبل أن تصابي بالكُلسترول بسبب رقائق البطاطا. -
عبست الصغرى مكتفة يداها بسبب النبرَة التي تستعملهَا والدتها غالبا، و جلست حيث سكبت ليندا حسائها و حساء والدها.
- لا بأس فهي ستقضِي وقتا ممتعا
في بيت ماريسا و رُون -
أعقب الأب و تكاد لولا أن تلمح الأسى في عيناه و الذي إختفى عندما وضعَت والدتها يدها على كفِّه قربها..
الصغرى إبتسمت لأن أمها لها يدٌ سحرية و هذه الفكرة لا تزال تراودُها منذ الصغر.
- فقط كونِي حريصة على نفسك لوُ -
و على جملةِ تشارلز عادت الكهرباء للبيت لتصفِّق ليندا و تقول:
- آه عاد النُور، أنه فال خيرٍ تفائلوا. -
مادلين ربتَت على يد تشارلز و هو ضحك طاردََا أشباح الحزن عن نفسه فما كان من لولا سوى مجارتهم بقلبٍ لا يهدأ و بالٍ لا يستقر.
|
قبّلت جبين والديهَا بعد جلسةِ سمرٍ أنعشتْ القلب و توجهت لغرفتها.
غدا آخر يوم بهذا الوطن..
كم تمنت أخذ كل قطعةٍ تحمل ذكرى في هذا البيت و تضعها في حقيبتها كذلك..
صعدَت الدرجات بينما تتراقصُ عيناها بين
جدران البيت الهادئ
مقتطفاتٌ من كل حادثةٍ و كل صورةٍ و كل ضحكة عُرضت في شريط مقلتاها كالحلم المُغشّى.
أمرٌ غريب أن تربط مكانً ما بأحدهم كعلامة..
و الأغربُ أن تربط به رائحةً تميزه..
و ذكراهَا من ذكرَاه.
نظرت للنوافذِ الكبيرة أعلَى الجدران لتلَاحظ زخَّات من مطرٍ كثيف و التي بررّت رائحَة العشب المبتَل على أنفها.
هذه الرائحَة... و في هذا المكَان.
منذ عشرِ سنواتٍ قَد مضَت، كانت هنا حين رأتهُ لأولِّ مرة..
أغربُ مخلوقٍ بشري قابلتهُ في حياتها كلها.
و أكثرهم غموضاً..
∞∞∞
{ الخَامس من ديسَمبر، أربع سنَوات بعدَ الألفين}
_
- مارغَرييت لولاَ دوايت
دعي ذلكَ القط و شَأنه و إنزلِ الآن..
لقد وصلَت خالتكِ ماريسا و إبنهَا. -
صوت السيدةِ الثلاثينية تعالى بينما تضعُ قدمها على أول الدرجَات.
مبتسمة بحرارةٍ لصديقتها التي دلفت من الباب الخارجي توََا تحاول حماية شعرها الغجَري الحالك من تساقطُ الأمطار الذي لَم يترَيّث.
ماريسا التي لا تبدُو أنها قد تجاوزَت الثلاثين حتى كانت تقتربُ من الأخرى بحفاوة مقهقهةً على تعابيرها و إيحَائاتهَا العفوية.
زوجُ ماريسا و المعروف بكونه روحٌ اجتماعية حية ،كان يتحدث بصَخب مع الجنرال تشارلز قُرب السيارة الفاخرة خارجًا بينما يُسرعُ الإثنان للدَاخل كما فعلت زوجته.
الفتاة الصغيرة، لولا، رمَت القط الزغبي فاتحَ اللون على الأرض بإهمالٍ مَا أن وَصلها صوتُ أمهَا.
هي كانت تنتظر حضورَ هذه العائلة بحَماس بما أنها لم تقابل سَوى ماريسا منذ آخر زيارةٍ دافئَة لها.
لوُلٓا كانت تركضُ مبعدةً أطرافَ فستانها القطني الأبيَض كي لا تسقُط عبرَ درجَات الخشَب.
تتطلَّع البريئَة في سنَواتها الإثنَى عشر لإكتسَاب صديقٍ جديد يبْعد مللَ العطلة الشتويَّة و برود الوحدَة بما أن والدها لن يبقَى معهم سوى يومين أو ثلاث كما قالت مادلين أمها.
و التي ستكُون مشغولة أغلب الوَقت كالعادة.
- ماريسا، تصغرين عمرََا
تكبرينَ جمَالا؟-
قاَلت السيدة دوايت بينما تقطعُ الحضن مع صديقتها فاتنـَة الملامح.
- آه مادلين أينَ تبتاعين كلامكِ، اشيرِ
لرونَالد بالمحل. -
ضحكَت الأخرى لإعقَاب ماريسا ثم نظرت لجَانبها الأيسَر حيث ذلك القصير يبعدُ خصلات شعره الكحِيلة عن جبهته المبتلَّة
ثم يعودُ و يزِيح عن سترته السودَاء قطرات المطر العالقة بها..
- آه يا إلهي!
لا تقولِ.. هذا آليكس الصغيرُ نفسه؟
لقد كبرَ، لقد كبر، تعال إلى هنا أيها الوسِيم -
صاحَت مادلين بإنفعالٍ و فرح ما جعلَ ماريسا تخفي ضحكَاتها حين جذبت الأخرى الفتى لحُضنها.
اتسعَت حدقتاه ثم إحتدّت حين نظر لمَاريسا التي قطعت الإتصال البصري فورا.
مادلين حتَى لم ترى وجههُ و لم تترك له
مجالا للتنفَّس كذلك.
ابتعدت عنهُ قليلا ليزفرَ الهواء و يلتقطَ أنفاسَه..
فرَّق شفتَيه النديّتين مجبورًا الآن أن يصحّح بانبثقَ بصوتٍ لا يبدو ملكَه
- إسمي آليكساندر تاسيان!-
رفعَ رأسه بعد ذلكَ لتنقَسم خصلاته المجَعّدة مظهرةً ما يقبعَ وسط جبينه.
- رحمتَك..
آليكس ماذا حَدث لك؟-
قالت مادلين ناكرةََ تماما ما صرّح به منذُ ثوانٍ حولَ منطَقِ إسمه ليزفرَ مجددا و
تجيبُ ماريسَا عنه.
- لا عليكِ إنها مجرّد حادثة وقد قام الطَبيب
بخياطة المكَان، لهذا هو يضعُ هذه
الرقعَة الطبية. -
- أوه يا صغِيري المسكين..
أتمنى أنهَا لا تؤلمك؟-
سألَت مادلين بينما تُطالع ملامحَه بامعان أكبر الآن.
- لا.. - أجابها.
-- دعيه يتألَّم، عليه أن يتعلَّم أن لا يقوم بأشياءٍ مبكرة عن سنّه. --
أردفَت بها ماريسا بهُدوء و الآخر حجَدها بعينَاه دونَ قوله، ثم أعاد نظره للمَرأة الوردية أمامَه.
ما كان خلفَها جعل مقلتَيه تعلق هناكَ لوهلَة.
وسط الدرجَات..
كانت تنزل، طفلةٌ من الفوضى، والتهور.
إلا أنَّ العيون التي حطّت عليهَا جعلتها تبطأ خطَاها.
- آه..
هيا لولا إنزلي لا تخجلِ.-
طمئنتها مادلين لكنه لم يُعن، بيد أنها أومئَت، كانَ آليكساندر يتمتِمُ أفكاره.
- ما هذا بربكم؟-
قهقهَت ماريسا حين أدركت ما يقصدُه و أجابت:
- لطالمَا كانت لولا هكَذا، تفاجىءُ الجميع كلَّ مرة بتسريحَة غريبة ومبتدعة. -
الصغيرة كانت قد صبغتْ خصلاتها باللون الأزرق والأحمر و لا داعي للإستفسَار عن مصدر ذلك..
أربعةُ جديلَات تنزلُ مع إنسدال شعرها القليل من الأمام و المفترشِ حتى كتفيها من الخَلف.
أمها تنهّدت مستسلَمة بالفعلِ لحال إبنتهَا وماريسا راحت تمسحُ على شعرها بينما تقَبل وجنتيها الممتلئتَين.
عيونُ لولا تسمّرت على جبين ذلك الفتَى الذي إنشغل بإزالة الماء عن ذراعَيه، فسألت.
- ما بهِ جبينه؟-
توقف عن ما كانَ يفعلُه و أعارهَا عيون باهتَة الشعور والمعنَى صوب نقيضها المتوهّجة، ثم خطَى مبتعدا عن المكان..
زفرت ماريسا و أجابتهَا
- إنها ندبةٌ لا تزول يا صغيرتي، و قد أخفاها. -
∞ ∞ ∞
_________________________
_______________
___
لم تنَم جيدا أمسهَا..
تعَاون التفكِيرُ و الأصْوَات البعِيدةُ على سُهادها و ها هي ذا تنظرُ في المرآة لعيونها المنتفخَة و ظلَالٌ أسفلهُما من شدَّة التعب.
أودَعت بعض الهواء لصدرها ثم زفرتهُ تراتبًا لتبدأ بإختراعِ تسريحة جديدة لليوم الذي ستودّعُ فيه الوطن..
جعَلته يرتفعُ لوسط رأسها من الخلفِ ثم جدّلت خصلاته لعدة جديلَات و أسدلتها حرةً بعد تثبيت نهايتها.
وضعَت مساحيق بسيطةً سيفسِدها السفَر و ارتدَت سترةً فوق قميصها الزيتوني المريح، فضفاضة لكن دافئة كما طلبَت الأم.
نزلت الدرجاتَ حيثُ وجدت والدتها تمسحُ بقايا ضعفها عن وجنتيها المحمرتين.
تماسَكَت..
لا لشيء سوَى لأجل أن تتماسك الكبرى.
دنَت صوبَها حتى تنتبه لوجُودها..
كانت ستسألها لما تقف هنا فقَد ذهبت لغرفتها لكنها جذَبت يداها و حضنتها بصمتْ..
ليندا أخذت الدور التالي و قد إنهَالت على لولا بالتوصيات و العظات حتى أوقفهَا أخيرا بوق السيارةِ التي ستقلها.
- أمي؟-
قالت و هي تقف متوسطَّة المخرجَ..
الكبرى نظرت لها مجددا بصَمت و عيناها لمَعتْ
- لقد إكتشفتُ سرّك. -
هي جفَلت و لُولا أكملت
- أنتِ ساحرةٌ بيضاء..
لقد فضحتكِ لمسةُ يداكِ. -
هي ضحكت و لولا شعَرت بالراحة و زهورٌ نمت داخلها ككل مرةٍ تجعلها تبتسمُ و عيناها دامعتان.
- و أنتِ أغلى ما لدى هذه الساحِرة فحافظِ عليه.-
- سأفعل -
أتمنى.
|
أخذ العجُوز رالف تلك الحقيبة الضخِمة من يدي لولا بعد عناء،حيث أنها تدركُ ما فعلَه الزمنُ ببنيته خَشت أن ينحِني ظهره أكثر مما هو عليه الآن..
أودَعها في صندوق السيارة و الأخرَى مسحت المكان بحثا عن من يجدرُ به الوقوف أمامها بهكَذا وقت.
- لقد أمرنِي أن أوصلكِ للقطَار، هو إختاره كونهُ سيكون أكثرَ أمانا.
قال سيبذُل قصارى جهده ليودّعكِ هناك -
أومئَت بهدوء و بطرِيقة ما استطَاعت رسمَ تلك الإبتسَامة الفاترة على شفتاها.
- حسنا، لم أتفاجئ. -
قالت بينما تركب السيارة و قد سمعت تنهُد رالف لنبرتها.
|
ظلَّت طوال الطريق شاردةً في ما حلّ بمدينتها..
بعضُ المتاجر و المنازل كُسرت نوافذها و لا يوجدُ أي طفلٍ يمسح هذا البؤس بضحكاته خارجاً.
بعض الكلاب الجائعَة، دخَان يرتفعُ من مكان ما.
عدة سيارات تنقل ذويها نحو مشَاغلهم و أكثرهُم شرطة أو من الجيش.
رائحَة الموت والدمَار، فأغلقَت لولا النافذَة.
كانَ كل هَذا و هذه المدينة هي الأقل تضررا بالحرب فمَاذا يكون قد حلّ بالمدن الأخرى؟
تلك الفكرة أرعبتها لكن شكَرت ذلك، كونها أغنتها عن تذكِّر ذو الندبة.
إلى أن وصلوا إلى محطةِ القطار.
الكثير من الناس كانوا هناك ما زاد شعورها بالإختناق و لم يكن الدخان المندفعَ من مقدمات القطارات سوى حليفا لذلك.
سارَت مع رالف الذي يحمِل حقيبتها نحوَ القطار المرتقَب.
كانت تسعلُ قليلا كلما إقتربوا و لكن رؤية بعض الأطفَال يتلاعبون بيد واحدة بسبب إمسَاك أمهاتهم لهم باليد الأخرى جعلها تبتسم..
هل سيأتي الأبُ ليمسِك يد صغيرته أيضا؟
على تلك الفكرَة نظرت لولا للوجوه كلها ربما تجدهُ بينما تتأكَّد من شبكة هاتفها بين الفينَة و الأخرى.
لكن لا تغطية كذلك اليوم، قاطعَ محاولتهَا صوت رالف.
- آنسةِ ها هو ذَا القطار الخاصُ برحلتك. -
نظرت حيث توقف رالف على بُعد خطوات مشيرا لذلك الهيكل المعدَني الأسود.
الغبار و الزمنُ أخذ منه الكثير لكنّه لا يزال يعمل حَتى يأخذها حيثُ لا تريد أن تذهب.
خاطبت نفسَها و هي تغلق سحابَ السترة
- حسنا لولَا، على الأقل الخَالة ماريسا هناك..
كل شيءٍ سيكونُ بـ..سوءٍ طبعا.-
تنهّدت و إحدَى السيدات كانت تنظرُ لها متعجبّة
لا بد أنها تخال لولا مجنونة.
خطَت نحو رالف متجاهِلة المرأة و هو قد
أعطَى الحقيبة للقيِّمين على القطار ثم نزل يحرك أصابعه المتعبة من حملها.
ألقى يده للولا لتصَافحه لكنها إرتمَت تحضنه كأبٍ لها.
هو بادلها ممتناً لتقُول بعد إبتعادها
- إبقى بخيرٍ حتى عودتي و أنا أعدكَ أن أجد
لك عروسًا جميلة. -
هو إنفجر ضَاحكا يخفي ملامح وجهه الحزين و أردفَ
- لا يا بنيتي، كافٍ على عجوز وجودكِ ووجود
إبني في حياتي..
فقط إعتني بنفسكِ لولا. -
أومئت مرّتين و راحَت تماطل الصعود لعلَّ والدها الحقيقي يأتي لتحضنه.
بوق القطار قطعَ الأمل و الرجاء و ها هي تضع أول خطواتها فيه.
إستدارت تنظر للسَماء ثم لليد المتجعّدة التي تتمايل في الهواء مودّعة إياها.
أخفضَت بصرها و عادت تلوّح لرالف لكنها توقفت حين لمَحته من بعيد
-إنه أبي
إنه حقا هو..
لقد أتى. -
قفزَت من القطار غير مكترثةً لصراخ السائق و مساعده و ركضت ناحيته كما كان يفعل هو.
إنسكبت دموعٌ من مقارحها دون قصد و هي تُعتصر في صدره ثم إختزنت قُوتَ الرحلة حنانا منه.
- ما كنتُ لأدعك تذهبين دون أن أراكِ لوُلا. -
- ما كنتُ لأسامحَك لو فعلت.. -
قطعَ العناق حين صرخ السائق أن الوقتَ حان و يا ليته لم يفعل..
هو قبّل جبينها و خدَّاها و همَس
- ستكونين بخير.. عيديني.
لقد أوصيتُ أحدهُم بإيصالك هناك لكن رون أرسل رسالةً يقول فيها أنه سيفعل.
كلِ جيدا صغِيرتي ، و سامحيني عن أي خطأ..-
- أبــي -
صرخت لأنه لا يدعها تحادثه..
- أنت أبٌ رائع.
أنا أعلم أن كل شيء كان لأجلي..
أحِبك. -
عيناه لمَعت قرب نظرها ثم إحتضن رأسها لقلبه مجددا..
- هيا قبل أن يذهَب القطار..-
قال يجذبُ يدها مهَرولا ثم ساعدها في الصعود..
إبتسَمت لولا لهما بإتساع ، كلاهما.
و لوّحت حين بدأ القطار بالسير ؛
هناك الكثير ممن يودِّعون أحبائهم مثلها تماما.
- لن يطولَ إبتعادك لولا ، والدكِ يحبكْ. -
صرخَ تشارلز لتشعر بغشاوةٍ في عيناها..
- أتمنَى ذلك أبي..-
همست.
______________________
أرشدَها أحد العمَّال إلى المقعَد المخصص لها في القطار..
و عكس ما قاله والدُها البارحة هو لم يكِن مقعدا بل كانت غرفة من الغرف الملحَقة للدرجَات الأولى.
تعجّبت لذلك فلماذا قد يخفي أباها هذا، لكنها متعبةٌ للغاية و تفتقد عيناها النوم.
لذا هي فتحت الباب و دلفت مغلِقةً إياه خلفها..
تأكَدت بحركَة سريعـة أن حقيبتها في الدرج العلوي للغرفة مربّعة الشكل ثم أخرجت بعضَ الأغطية التي وضعوها هناك.
نزعت حقيبة يدها ووضعتها بجانبها، كل ما تريده الآن هو الراحـَة.
أسدلت الستائر بعد تفقّد المنظر الذي لا تعلم متى سترَاهُ مجددا.
بعض النوم سيبعدُ هذه الأفكار السوداويّة و ما ينبتُ داخلهَا رويدا.
أغمَضت عيناهَا و لم تستلقي كليا بل جزئُها السفلي فقط.
لا إحصاءَ لكم الوقت الذي مضَى على غفوتها
لكنها قد وعَت على أنامِل أحدهم تنقرُ كتفها.
|
__________________
______
مساء الخير♡️
كيفكم ؟
♩️
So..
هذا بيكون اطول بارت بالرواية أظن فلا تخافوا.
طبعا أول روايات يكون مملل،لا تحكموا عليها من الأول اوك.
رواية ليست تاريخية و التاريخ لحطيته فوق هو لذكرى من عشر سنين فلو حسبتم يطلع وقت الرواية قريب.
الرواية فيها خيال ✓️
بس بخليكم تعيشوه بطريقة مختلفة
تعرفوني صح.
أسئلة :
شخصية لولا ؟
حابة أسالكم عن شخصية ألكساندر و هو صغير بس ما اظن ما شفتو منها حتى 1 % فأسكت أحسنلي
♩️
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top