الوردية الزائدة
«زقزقة الطفيليات الصغيرة مرة أخرى! لا يكفي كمية الزقزقة التي أسمعها في بدايات القصص، علي أن أسمعها حتّى في بداية يومي كذلك!» قالها مُلهم بتذمر حين استسلم من محاولة إكمال نومه.
توجه بعدها لغسل وجهه بأعين نصف مفتوحة ولن أعدد لكم كم المرات التي رفس بها بابًا أو داست بها قدمه علی ذيل قطة ولا حتّى عدد الأواني التي لقت حتفها منتحرة من أعلی الدرج.
انتهى من إعداد القهوة التي تحوله لإنسان نصف طبيعي بعد مرحلة الزومبي التي يمر بها كل صباح، أجل الكُتاب والنقاد لا يستيقظون بشكل مهندم ولا مزاج رائق كما تتصورون.
تطلع بسريره بحسرة واستدار يبدأ عمله بالتنمر... أقصد بتعديل القصص لجعل عالمنا ورديًا تعمه الفرشات من كل صوب.
كالعادة رمی النرد متطلعًا به يدور حتّى استقر علی الرقم سبعة عشر، أي نردٍ يحتوي هذا العدد من الأرقام؟ نعم إنهما نردي ملهم.
توجه للمكتبة واحزروا ماذا؟ إنه رقم قصة الأميرة سندريلا، التي لا تعلمون كم عدد المرات التي شتمها بها عند مشاهدته لفيلمها، ليس لأمر جلل، سوی أنه يكره الناس الصباحيين وهي تعمل بجد بالصباح الباكر.
توكل علی الله وفتح القصة متصفحًا إياها للتأكد من عدم تفويت شيء، وبدأ بوضع القليل من الملاحظات علی الهامش بين الحين والآخر، حصر عدد ملاحظاته الخاصة بالقصة بشكل مختصر وبدأ بتعديل ما حدده بالترتيب بعدها.
قرر أنه سيتبع أسلوب تعديل العناصر وليس الأحداث، أي أنه يستخرج عنصرًا معينًا يحتوي هفوات يجب تحسينها، ويعدل هذا العنصر على طول القصة.
وما جذبه أولًا هو عنصر الشّخصيات، فوضع أسماءهم أمامه علی الدفتر، من الأكثر أهمية للأقل، وبدأ بكتابة ملاحظاته بعدها بجانب كل شخصية.
«سندريلا، الشّخصية الرّئيسية، كانت ردود أفعالها ضعيفة جدًا تجاه ما لاقته من معاناة، لا يوجد صراع في الماضي يدعم ذلك، أي أنها لم تلقی من أبويها معاملة قاسية وتتقبلها ليكون منطقيًا أن تتقبل ما يحدث معها الآن، لم يظهر أي رفض من قبلها ولو حتی بالبداية، من المهم أن نتدرج في عرض تفاعلها مع من حولها ورفضها ثم يأسها وخضوعها بشكل تدريجي، علي أن أُفهِم العالم أنه لا توجد شخصية مثالية وجميعنا نخطئ ونفعل أمورًا سيئة ونفقد أعصابنا ويزيد وزننا -يتطلع بكرشه- أجل الأمر طبيعي تمامًا.
زوجة الأب وبناتها، أم شريرة وبنات أقل ما يقال عنهن بلهاوات، من أين ورثن ذلك بحق الله وأمهما داهية؟ حتّی وإن كان للوراثة دور فالتّربية يمكن أن تزرع الكثير ومما أراه يجب أن تكون الأم مؤثرًا رئيسيًا عليهما ويكتسبا منها بعض الطباع، ثم علينا أن نوازن بالشر والخير في معاملتهن، لا أظن أنها تتعامل معها لأنها تكرهها بل هي تفضل بناتها عليها وحسب، علينا أن نوضح سبب استماتتها في تفضيل بناتها كعرض ما حصل لها من مصائب وصعاب بالماضي لنفهم طريقة تصرفها بالحاضر، ثم علينا وضع القليل من الأحداث المتوسطة فلا تبدو تلك الشخصيات بهذا الشر الذي يجعلهن قاسيات علی طول القصة، بل وقت المصلحة بشكل خاص، باختصار شديد على الكاتب وضع أسباب ومفسرات لتصرفات الشخصيات، فهذا يعزز من واقعية القصة أكثر.
أجل، الأمير الأبله الذي جعل كل بنات المدينة يجربون الحذاء بدل حصر البحث علی الفتيات الشقراوات بوزن عود تنظيف الأسنان، لا يغير المكياج الفتيات لهذه الدرجة (تطلع ملهم بإحدی الصور علی الإنترنت وأدار وجهه.) أو يفعل لا عليك، لكن لا زال الأمر محصورًا بفتاة شقراء بعيون زرقاء وقامة متوسطة الطول وصوت يمكننا القول عنه (فاهي) هذا ما أتصوره وأسمعه بالعادة، وأيضًا يجب أن يكون وقوعهما بالحب بعد حوار لساعاتٍ طويلة يكتشف الأمير فيه رزانة عقلها وطيبة قلبها ومدی لطفها وليس حجم حذائها، بهذا يمكننا أن نطمئن علی بلاده من دلع أي أميرات لبلدان أخری.
ومفضلتي الساحرة، لا توجد منطقية في ظهورها لكن هذا ما يدلنا علی فئة القصة بالنهاية! لن أعترض بكثير من الأمور علی الساحرة بل اعتراضي علی طريقة ظهورها، أری أنه من الغير المنطقي أن تظهر بعد سماع صوت سندريلا تبكي، أنا أنتحب طوال اليوم وحتّى قطتي لا تأبه لذلك، إذًا يمكننا تغيير ذلك لأمر أكثر تميزًا مثل وصول سندريلا ذلك اليوم إلی سن الرشد وتلك الساحرة هي رفيقة والدتها التي وعدتها بهدية مميزة لإبنتها عند بلوغها وهي تحقيق أي أمنية تتمناها، هنا يمكنها تمني تلك الأمور مع أنني سأفضل سيارة لامبورغيني حديثة لكن الأمر ليس بخصوصي للأسف، ركز ملهم ركز، سيارة لامبورغيني سوداء، أخبرتك أن تركز!
الحيوانات، لا أعلم كيف يمكنني التحدث عن تلك الكارثة لكنني أحبها رغم كل شيء، وبما أنني لست ناقدًا ذو مصداقية عالية سأتجاهل تلك النقطة وأكمل وكأنني لم أراها(:»
حك ملهم فروة رأسه وتطلع بالسقف لدقائق، هو يجد ضالته بالسقف أحيانًا ✨تضييع الوقت✨ لف الكرسي المتحرك بنفسه وأخرج عدة قهقهات أسقطته إحداها بعد أن فقد توازنه، اعتدل ونظر لقطته المتهجمة كالعادة وأردف: «لست طفلًا يا حمقاء.» يمكنكم معرفة سر تخطيه لنقطة الحيوانات الآن،كونهم قاموا بتعذيب القط بالقصة أغلب الأوقات.
تأفف وجلس مرة أخری، قلب دفتر ملاحظاته لصفحة جديدة وكتب بخط كبير «الصراعات» وبنفس تنسيقه للصفحة السابقة بدأ بكتابة ملاحظاته بفوضوية تامة.
«وجدت شحًا كبيرًا بالصراعات في هذه القصة، ورغم أن للقصة عدة نسخ إلا أنني سأحاول أن أذكر النسخة التي احتفظ بها دِماغي وحسب، لدينا أولًا صراع سندريلا مع تقبلها لما يحصل معها، وصراع الأم مع قسوتها تجاه سندريلا، وهذا انتهينا منه تقريبًا.
الصراعات الأخری هي قبول الملك بخادمة للزواج من ابنه، فكما نعلم سندريلا كانت تعيش مع عائلتها بصفتها خادمة، لم يكن قبوله أمرًا منطقيًا بتلك السلاسة. كان يجب أن يتواجد تشويق أكبر بهذا الجانب ومحاولات كبيرة تنتهي بالقبول وهو أمر ليس بهين البتة.
وهنا يجب توضيح مدی تأثير كل الجوانب وأقصد الملك والملكة والأمير، كيف أثر ذلك علی حياتهم، وليكون هذا الصراع منطقيًا يجب علينا أن نزيد مدی تعرف الأمير بسندريلا، فليس من المنطقي أن يحارب بكل شيء للزواج بفتاة لم يقابلها سوی مرة واحدة.
فلتعش قوة ملاحظاتي وحكمتي التي أشعها على الكون، الصراع التالي الذي علي توطيده هو صراعات سندريلا مع عائلتها، مع فقدان والدها ووالدتها، مدى تأثير كل ذلك على نفسيتها، لا بد من أنه كان مؤلمًا العيش بتلك الطريقة مع كل ما مرت به، سأوضح كل ألمها بالوصف ليفهم العالم معاناتها.
كما سأجعل الحوارات تميل لعرض جزء من الواقع عوضًا عن كونها داعمة للتفكير الإيجابي، لن أضع الإيجابية بشكل رئيسي وأخفي الحقيقة المُرة التي يجب أن يعيها الجميع.
سأعدل البداية لتظهر جزءًا من علاقة والد سندريلا ووالدتها معها، وكمية حبهما لها لكي لا أبخس حقهما بالظهور والإفصاح عن دورهما بالقصة.
ربما أعدل النهاية لمسامحة سندريلا لزوجة والدها ليس لإنها شخصية مثالية يمكنها مسامحة أي أحد بالحياة، بل لإنني أود أن أعرض مغزًا مهمًا لحياتنا وهو أن العيش وفي قلبك غل وحقد لشخص بهذا العالم ليس أمرًا مريحًا، ما مضى قد مضى وانتهى وعلينا تخطيه.»
اعتدل ملهم في جلسته وطقطق عظامه من أثر الجلوس دون حراك، وخرج للمطبخ معدًا له شيئًا يسد به جوعه، ثمّ عاد لعمله وهو المرحلة التالية من التعديل والأساسية، والتي يقوم بها بإعادة صياغة الملاحظات التي قادم بتحديدها.
أمضى ملهم عدة ساعات تعب بها علی كل تفصيلة وبحث عن الكثير من المعلومات خلال كتابته ليتأكد من صحتها، وأكمل كل شيء قبل أذان المغرب.
ابتسم أمام شاشة الكومبيوتر المتمركز أمامه بشيء من السرحان، وهو راضٍ عما خطته يداه، وتمتم بينما يحرك صفحات ما كتبه «سيملك غيري ملاحظات تخص ما كتبته بدوري، حين أقرأها جميعها وأزن ما يجب أن أنصت له وما يجب أن أتجاهله سأعمل علی تعديلها مرة أخرى، بالنهاية لا شيء مثالي في عالمنا.» وضغط على زر النشر مغمضًا عينه متكئًا على كرسيه «يا لها من راحة.».
إذًا يا معشر الكتاب والنقاد المستقبليين، ما هي ملاحظاتكم؟
فريق النقد الذي لا يستطيع تحقيق حلم شاب بسيارة أحلامه دومًا بالجوار لأجلكم رفاق✨
-كان معكم الوسيم آرمي💜
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top