21
خيال21
.
.
تُلامس تلك النسمات خصلاتي بـ عِناية فتجعلها تتحرك بتناغم مع الهواء ، فتحت عيني و نظرت للأُفق ، حيث السماء الصافية رُغم ما تحمله من غيوم نظرًا أننا في فصل الشتاء أو أخره أعتقد ، لكنه كان ظريفًا ، لم يمطر الا عدة ليالي لا تُعد .. لكن ما تزال الحرارة منخفضة .. لمستُ طرف سُترتي و جذبتها أكثر لعلَّها تُدفئَنِي .. مر شهر أخر منذ ذهابي لأول مرة للطبيب يامن الذي أصبح بعدها كثير المجئ هنا ، و الحمدلله لقد أصبحت أفضل و لم تعد النوبات تأتي دائمًا .. لقد قَلَّت تمامًا عن ذي قبل و هذا جيد .
" خيال ؟ .. الجو يبرُد و الطقس يُنذر بعاصفة قريبة بينما أنت تلهو فوق سطح العِمارة؟! "
التفت برأسي نحو تميم و أومأت له ثم نظرت نظرة أخيرة للسماء ، أي أمطار في سماء صافية كهذه؟!
نهضت باستياء لمقاطعته خلوتي ، تقدمت منه فقال بضيق مني :
" هات يدك لأساعدك .."
قرفصت و مددت يدي فأمسكها فجلست و ممدت قدمي للخارج بقلق من أن أسقط فما بين السطح و أرضية الطابق الأخيرة مسافة كبيرة يفصلهما سلم حديدي صديء !
" ماذا كنت ستفعل لو لم أتي ؟ بينما أنت أحمق تصعد دون أن تملك القدرة على النزول وحدك ."
رمقته بضيق أنبس:
" كنت سأتصل بك طبعًا ."
" و أين هاتفك يا ذكي؟ "
لحظة ! هاتفي!؟ .. تركت يده و بحثت بجيوبي فلم أجده لأسمعه يُخاطبني :
" هو بالأسفل يا أحمق .. لم تكن ستستطيع النزول وحدك ."
لم أجادله بل عُدت للإمساك بيده و دفْع جسدي ليستقبله ، لا أعلم ما حدث هذه اللحظة سوى أن ذِكرى الميتم عادت و وجهي أدفنه بعنقه كتلك الليلة المشؤومة ، أأنا من السبب في ذلك ؟ .. أم أن مالك كان يكذب علي؟ .. للأسف لم أستطع معرفة الحقيقة لأنه مات لكنه ترك سؤالًا واحدًا في بالي .. من قتل أمي و ماذا حدث لأفترق عن أبي؟
دخلت الشقة و أنا مازلت أُفكر بالسؤال في الموضوع الذي يُرهقني ، كان أبي يجلس مقابلًا للسيد إيهاب يشربان فنجانيّ من القهوة بينما يتحدثان عن ذلك الموضوع حتى توقفت على جملته التي قالها دون أن ينتبه لدخولي مع تميم :
" لا لكنه بالفعل كان ميتًا من رصاصة قبل أن يسقط .. خالد لا تثق بأحد رجاءً فهناك عدة أشخاص حولك بدأت أشك فيهم ."
وضع والدي فنجان القهوة و قال :
" لا أعلم لكني أشك ب إخوتي .. تعلم ما بيننا لذلك لا أستبعد فعل ذلك من أحدهِم ."
" لا تحكم على الأمور من غلافها ، صحيح الأمر في غاية الغموض لكن القاتل سيظهر لا مَحالة."
" ليس الأمر سوى أني بدأت أشك بنفسي من كلام مالِك ذاك .. لقد أخبرني أن أُفتش في ذاكرتي و المجرم أقرب الأقربون إليّ ."
تنهد إيهاب و هو يُنهي قهوته :
" رُبما .. لكن لا تجزُم فعلًا فـَ مِن المُؤكد أنه يكذب عليك ليُشتتك."
تابعت حديثهما بفضول دون أن ألفت انتباه الاثنان لوجودي بالمقعد خلفهما حتى تلاقت عيناي بعين أبي الذي تبسم :
" تعال خيال .. "
أومأ الفتى يتقدم منه و قد جلس الى جانبِه بصمت لكن الصمت بَتَره ايهاب و هو يُوجِّه نحوه سؤالًا خبيثًا :
" ما رأيك لندردش كما دردشت مع مالك؟ "
نظر إليه بضيق مخفيًا قلقه منه دون أن يرد لكن إيهاب عاد ليتكلم :
" ما رأيك أن تحكى لنا بعض ذكرياتك بالملجأ لعلنا نتسلـ..."
دفع قهوة والده فسقط الفنجان و قد تحطم مُندلقًا ما به من بقايا القهوة ثم نهض فورًا من جانب والده و اتجه نحو تميم و وقف خلفه حين رآه قد عاد ، تنفس بضيق و هو يُخاطب تميم :
" تميم إجعله يذهب ! "
نظر تميم لما يحصل ثم نظر لإيهاب باستياء :
" سيد إيهاب أخبرتك لا تُحدثه بأي شئ عن الميتم فهو أمر حساس جدًا بالنسبة لخيال ."
اعتدل إيهاب واضعًا قدمًا فوق الأخرى و ابتسم ببرود و هو لازال يُحدق بالفتى الذي يُدفن وجهه بظهر تميم بقلق ، فنظر لخالد الذي ينتظر أن يفهم شيئًا :
" ما رأيك أن أخبرك يا خالد أن خيال كان مُضطهدًا بذلك الملجأ بل كان أحدهم قد أوصى عليه منذ كان طفلًا ؟ .. لهذا كانوا يُعاملوه بطريقة سيئة غير مناسبة له .. "
أراح جسده على الأريكة يُكمل بنبرة لعوبة بينما خيال يجذب ملابس تميم في حزن عميق ، فأمسك تميم بيده يسمع ما يقوله إيهاب شاعرًا بالضيق :
" تميم كان يرى دائمًا المُعاملة لكنه يصمت بالنهاية مكتفياً بالمسح على ظهر خيال البكاء .. لكن ما لا يعلمه أنه حين أكمل الخامسة بدأ يختفي كل شهر .."
جفل تميم ، ماذا يقصد؟ .. كيف علم بمرات هروبِه؟ .. هو كان يهرب فلما يقولها و كأن الأمور أسوأ من مجرد هروب؟ بل كيف له بتلك المعلومات و كل من بالميتم ماتوا؟
" كل شهر تقريبًا كان يختفي و حين يظهر كان العاملين هناك يحبسوه و يتهموه بالهروب رغم أنه كان يعود مُغطَّى بالجروح و الكدمات .."
حدق تميم و خالد لايهاب بصدمة بينما خيال ارتجفت يده بينما يتذكر بعض المقتطفات التي تأتيه بعقله ثم نظر إلى إيهاب الذي يُكمل بمكر :
" ألم تكن تذهب بارادتك الكاملة يا خيال ؟"
اتجهت عين خيال لا إراديًا للمحقق ، يحدق به و قلبه ينقبض ، أحكم قبضته على كف تميم يُفكر ; هل كان يذهب بارادته؟ .. و ان كان ، لما لا يتذكر سوى صور غريبة من مُخيلته؟
ترك يد تميم و تقدم نحوهما ، وقف أمام والده الذي يتابعه بنظراته ، فأخفض وجهه دون قُدرته على رفع نظره ثم قال بخفوت :
" أبي تُريد الحقيقة؟ .. تُريد معرفة ما كان يحدث لي و لما الميتم ذِكرى مكروهة؟ .."
جلس جِوارِه و أمسك بيد والده يستند عليه ، رادفًا بخفوت :
" أبي سأخبرك بكل شئ صِدقًا ، بكل ما أعرفه .. "
أومأ خالد و أعطى إليه جَام اهتمامِه :
" كُلي أذان صاغية ، أعرف أنك لن تكذب عليّ ."
ابتسم خيال ثم أغمض عينيه يُبحر في ذكرياته :
" طوال السبع سنوات التي قضيتهم بالميتم ، لم أكن أعرف سوى تميم لأنه أكثر شخص كان مقربًا مني ، كان رفاقي بالميتم يُحبوني الا انني لم أكن مُقربًا مِنهم .. بعد أن أكملْتُ الخامسة مازلت أذكر ذلك اليوم .. جائني مالك ذاك و طلب أن يتبناني لكن الميتم رفضوا لكني بعدها بيومين ... "
سكت و هو يُفكر ، فمسح خالد على خصلاته :
" أكمل ، لما توقفت ؟ "
ابتلع رمقه بتوتر ثم رفع نظره لعين والده :
" أنا لا أذكر ما حدث! .. كل ما أذكره كنت في ذلك اليوم مع .. مع مالك أظن ولا أعرف ما حدث! .. و حين عدت بدأ الجميع يُعاقبوني أنا و الأمر تكرر عدة مرات و كل مرة زاد كرهي للميتم لهذا ظنوا أني أهرب بالفعل ، لكني كنت أعود لتميم ليُدافع عني ... أما قبل حادثة الميتم كنت ألعب بالنيران من باب التسلية و لكي أنسى أن تميم كان على وشك مغادرة الميتم لهذا يظن الجميع أني السبب في ذلك أما بعد الحادث بفترة كنت تحت يد مالك ، لقد رأيت أشد أنواع العذاب على يده لكنه أعادني إلى تميم بالمشفى مجددًا.. هذا كل شئ ."
أومأ خالد ثم نظر الى ايهاب في استغراب :
" لكن السؤال المطروح هنا .. ما سبب فقدانِه لتلك الذكريات؟ .. و كيف علم الجميع أنه كان يلعب بالنيران قبل الانفجار؟ .. هناك أمر ما زال مفقودًا."
تنهد ايهاب و أومأ مؤيدًا تفكيره فنظر خالد لخيال و مسح على خصلاته قائلًا :
" لا بأس صغيري ، اذهب لتُذاكر و ضع كل شئ جانبًا لنهتم به نحن ."
أومأ خيال و نهض يُغادر لغرفته لكن خالد استوقفه :
" خيال سنذهب بنزهة بنهاية الاسبوع القادم ، يُمكنك دعوة تِيم معك ."
أومأ خيال و التفت ليغادر ليبقي ثلاثتهم يتحدثون بالأمر .
.
.
.
في ليلة عاصفة اشتدت بها الأمطار بقوة غير مسبوقة ، كان خالد وقتها يُراجع أوراق الشركة أثناء وجودِه فيها .. فصله عن ذلك كله نغمة هاتفه فترك ما بيده و أمسك بالهاتف يرُد على ابنه :
" هل هناك أمرًا ما صغيري؟ "
" لا يا أبي لكنك تأخرت جدًا ، الساعة الحادية عشر مساءًا و أنت لم تعُد و الجو سئ بالخارج ."
تنهد خالد يُدلك ما بين عينيه في إرهاق :
" لا تقلق يا خيال ، كان هناك بعض الأمور لم أستطع تركها .. أخبرني كيف حالك؟ "
نهض خيال يتجه للنافذة بينما يجيبه :
" بخير يا خالد .. يبدو أن الجو يزداد سوءًا فلتعد أبي و نُلغي رحلة الغد ."
سمع خالد صوت النافذة و تشوش نبرة الصوت فنطق :
" أغلق النافذة حتى لا تصاب بالبرد ، أما عن رحلة الغد فسنذهب ، الأمر ليس سيئًا ."
أغلق خيال النافذة بقوة بسبب قوة الهواء ثم استند عليها يهمس :
" حسنًا ."
" أنا آتي صغيري لن أتأخر ."
أومأ خيال ثم أنهى المكالمة يُحدق بهاتفه للحظة ثم اعتدل يسير لسريره راميًا نفسه عليه يحدق بالسقف للحظة قبل أن يُخيل له جزء من السقف يسقط عليه!
أغمض عينيه بأفكار مُشتتة .. دون أن يشعر بنفسه كان قد أسبلت جفونه في ضعفٍ غافيًا .
فُتح باب غُرفته و أطل منها تميم بشعر فوضوي ، حدق في خيال ليراه بتلك الوضعية فتبسم و هو يتقدم منه ، قام بعدل وضعيته و غطاه و هو يُفكر داخله :
" رأيت الكثير ، ربما الراحة اقتربت فلا تيأس ."
أقبل نحوه مبعدًا شعره ليُقبل جبينه و ابتعد :
" نومًا هنيئًا صغيري."
ثم تركه و غادر .
في الصباح ... زافرًا أنفاسه لتتكون غَيمة من البخار أمام أنفه ، محاطة رقبته بشال أسود ثقيل مع جاكت بني .. كان يقف مُلصِقًا ظهره لباب السيارة مُنتظرًا أن يأتي والده قبل أن يرى سيارة بيضاء تقف و ينزل منها عامر ثم تيم الذي اقترب منه بسرعة لينقض عليه مُعانقًا ، فبادله خيال بابتسامة .. ابتعدا بعدها ينطق تيم بمرح :
" سأجعل هذا الأسبوع لا يُنسى! "
" تيم؟ .."
نظر تيم للخلف حيث والده الذي يُسلِّم على خالد ، قبل أن ينظر إليه مُنبهًا :
" لا تتشاقى كثيرًا ، مصروفك معك و حاجياتك ."
أومأ تيم :
" حاضر لكن ألن تأتي ؟"
أبدى عامر أسفِه و هو يتقدم ليُعانق طفلِه :
" أسف صغيري لكن هذه الفترة صعب جدًا أن أترك العمل و المدرسة لكن سأعوضها في أجازة العام ."
أومأ تيم و عانق والده ثم افترقا ، سلَّم على خالد و تميم من ثم غادر المكان.
.
.
.
بعد ساعتين كانوا قد وصلوا في وسط الغابة لمنزل صيفي هادئ تُحيطه حديقة لطيفة ، نزل خالد من السيارة و كذلك تميم الذي نظر للصبيان و ابتسم بقلة حيلة حين وجدهما نائمان بعمق بينما يستندان على بعضهما .
" خالد هما نائمان ."
" أيقظهما ."
قالها و هو يحمل حقيبة و يجذب الأخرى بيده اليسرى ، مُلتفتًا للحظة للمنزل و ابتسم بخفوت ليسير بعدها للداخل في حين كان قد استيقظ الاثنان و أخذا يُحدقان بالمنزل بدهشة قبل أن ينظرا لبعضهما بابتسامة قائلان بصوت واحد مليء بالحماس :
" رائع! "
ابتسما بخفة ثم نزلا أمام نظرات تميم الذي ابتسم للوقت الذي أصبح خيال فيه مقربًا من تيم .. لم يكن يُخيل له أنه قد يحظى بهذه الصداقة القوية ، لكن بالنهاية قد حصل على صديق لطيف و هذا أكثر من كافي .
بعد ساعة .. كان أربعتهم يجلسون معًا يتناولون طعام كان معدود مُسبقًا بالمنزل .. و في خضم الهدوء قرص تيم خيال فانتفض المعني و نظر له بضيق ليهمس اليه الثاني :
" خيال أطلب من عم خالد أن نستكشف الخارج ."
رمش بتفكير ثم ابتسم و نظر لخالد ينطق لكن خالد سبقه و هو يضع قهوته جانبًا :
" لا خروج دوننا ."
عبس خيال بينما تكلم تيم بضيق :
" أنه لخمس دقائق فقط! لن نتأخر! "
نظر له خالد في استياء :
" هل تعرف هذا المكان؟ .. لا تعرفه لذا أعرني سكوتك ."
عبس تيم و ترك الطعام و نهض فأمسك خيال بيده بقلق :
" تيم لحظة! .. "
لكن تيم أجابه بابتسامة :
" لا بأس لست غاضب ."
ثم تركه و خرج فنظر خيال لوالده باستياء :
" أنت مزعج يا خالد! "
ثم نهض يخرج خلف تيم ، فنظر تميم لخالد دون أن يستوعب ما جرى للتو بينما تمتم خالد بانزعاج :
" مزعجان! "
.
.
" تيم؟ .."
التفت تيم اليه ، كان يقف متكئًا على باب المنزل من الخارج ، ابتسم لرؤية خيال مُقبل نحوه حتى وصل الى جانبه قائلًا بمرح :
" لقد انطلت عليه الحيلة بانزعاجنا منه ، الآن يُمكننا فِعل ما يحلو لنا ."
ضحك تيم بخفوت ثم مد يده ليُمسك بيده و يسيران مبتعدان عن المنزل ، و على بُعد مسافة من المنزل و على عكس العاصمة كان هذا المكان تغطيه الثلوج و تملئه الأشجار في كل بقعة فيه .
انحنى خيال مُكورًا كرة ثلج بين يديه ليرميها نحو تيم باللحظة التي هتف فيها باسمه فالتصقت بوجهه و انفجر خيال ضحكًا في حين اشتعل تيم و انحنى فورًا ليفعل المِثل و يرميه على خيال الذي حاول الهرب لكن لا جدوى بل دخل الاثنان في جدال بالثلج و امتلأت الأجواء بضحكاتهما و لعبهما معًا ، مستمتعين بالنزهة !
*
;
*
يتبع..
فصل لطيف جدًا. دون عواصف😎😈
ما رأيكم بالبارت؟
تبقى فصلان، ما توقعاتكم لهما؟ 🙂👈👉
و بما إن هناك من لديه امتحانات فأنا سوف أنزلهما حتى تنتهون من الامتحانات و أرى تعليقاتكم الحلوة مجددًا 😎❤️✨
أي مشهد أحببتم/ تأثرتم؟
و سلام 👈👉
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top