الفصل العشرين : لمَ يا والدي؟!

لا تنسوا الدعاء لإخواننا في غـ8ـزة، اللهم انتقم من اليـ8ـهود وأرنا فيهم يوم يارب، وانصر إخواننا في غـ8ـزة الحبيبة يارب 🤲 وارحم. شهداءهم واشفِ مرضاهم واسقهم وأطعمهم من عندك يا الله 🤲

__________________

برودةٌ قارصة سرت في أوصالي، وأحاطت بضلوعي الرّاجفة بزمهريرٍ ما استطعتُ الخلوص منه، ألمٌ طفيفٌ ظلّ يطرق جسدي بخفوت بينما يتلاشى شيئًا فشيئًا في حين رجفت جفوني الواهنة وتحرّكت أناملي حركةً عفويّةً خاطفة وسريعة، حاولتُ رفع جفوني ولكنّهما كانا ثقيلين على غير العادة، أم أنّي من ضَعُف على غير المعتاد؟!
أصواتٌ عدّة تداخلت في رأسي ووصلت لمسمعي، صوتُ تغريدِ عصافير خافت يصدح من بعيد، وهناك شيءٌ ما يُصدر رنينًا خافتًا مُتّصلًا بدا لي مُزعجًا للغاية، عاودت المحاولة وانكمشت ملامحي وأنا أُزيح الغطاء عن عينيّ رويدًا رويدًا بصعوبة بالغة، لكأنّي أُزيح جلمودَ صخرٍ قد ترعرع واستقرّ على جفوني الواجفة، وبعد عدّة محاولات انزاحت تلكمُ الجبالُ الرّاسيات من على عينيّ، وطفقت تلك الخيوط المُشعّة تتسلّل لبؤبؤيّ تدريجيًّا، لم أكن أرى شيئًا في البداية سوى بضع نقطٍ مُضيئةٍ أخذت تتراقص أمامي وتتقلّص حتى اختفت تمامًا وانزاح ما كان يحجب مرآي من غشاوةٍ وبدأتُ أُبصر ما حولي باستغرابٍ جمٍّ.

« أ.. أين... أ.. أنا؟! » 

انفرجت شفتاي عن بضع كلماتٍ حامت في الفضاء دونما إجابة، أحسستُ بعدها بجفافِ حلقي وقد شقّهُ العطش؛ فلم أزد على ما قلتُ شيئًا، وبدأتُ أجول بناظري في المكان مُحاولًا استيعاب كيف آل بي المطاف إلى هنا.. وحيدًا في هذه الغرفة.

رفعتُ أكفّي أُناظرها بتعجّبٍ وقد أحيطت بضماداتٍ بيضاء ناصعة، تسلّلت أناملي تتحسّس الفراش الذي استكان عليه جسدي، كان ناعمًا ووثيرًا. حانت منّي التفاتةٌ لذلك الجهاز الذي وُصّل به جسدي والذي قبع بجانبي. جهازُ قياس نبضات القلب، إذًا كان هذا هو مصدرُ ذاك الرنين المُزعج!

ورويدًا رويدًا بدأتُ أتماثل للصّحو وأدركتُ حينها أنّي في المشفى، وأنّ صحّتي ليست على ما يُرام.

لكن...

كيف أتيت للمشفى؟!

ماذا حدث؟!

لا أستطيع التّذكر!


« يا الله! ما الذي حدث؟! »

غمغمتُ بينما أحاوطُ رأسي بين ذراعي وأحتضنُه بشدّة كأنّي أتوسّلُه لاسترجاع ما جرى لي، وكيف صرتُ بهذه الحالة في المشفى، ولكن عقلي لم يُسعفني وبقيتُ مُشتّتًا تائهًا بين أسئلتي الكثيرة التي أخذت تتكاثر كلّ ثانية وليس لديّ أدنى فكرةٍ عن إجاباتها.

وبينا أنا شاردٌ هكذا أحاولُ التذكّر، تسلّل لأذنيّ وقع أقدامٍ بعيدة راحت تقترب من الغرفة على مهلٍ حتى باتت قريبة جدًّا وألفيتُ باب الغرفة يُفتح وقد ولج منه رجلٌ طويلٌ عريض المنكبين بمعطفٍ أبيض، لم يكن سوى طبيبًا. وفور أن لمحني ارتسمت أمّارات الدهشة على وجهه وسرعان ما تبددّت لتحلّ محلّها تلك البسمة التي انكلّت على شفتيه وهو يسرع مقتربًا من سريري حيث كنتُ ممدّدًا وأنا تائهٌ في غياهب عقلي المضطرب.

« الحمدلله على سلامتك يا بُنيّ! الحمدلله! أخبرني كيف تشعرُ الآن؟! »

تحمحمتُ وأنا أُطالعه بينما يقترب منّي معاينًا صحّتي وجراحي. وفتحت فاهي لأُجيبه :« أ...لو.. سمحت.. أخبرني... أين أنا؟! ما الذي حدث لي؟! »

تبسّم في وجهي ليطمئنني بينما يُجيبني :« لا تقلق، أنت في المشفى مُنذ ثلاثة أسابيع، لقد كنتَ الناجيَ الوحيد من حريقٍ هائل شبّ في أحد الكنائس المُجاورة هنا، كدنا نفقدك! لم يكن هناك أملٌ في نجاتك، كنتَ في حالةٍ حرجةٍ، حمدلله على السلامة، أخبرني أوّلا ما اسمك؟! وهل تتذكّر أين تقطن؟! و... »

لم يبدُ أنّي قد سمعتُ باقي حديثه إذ أنّي قد انسللتُ من ذاك العالم وغُصت في ما قصّه على مسمعي توًّا... وأخذت تلك اللّقطات السريعة تُعرض على ذاكرتي بتتالٍ وقد أنعش كلامه شيئًا في ذاكرتي.

حريق هائل...

نيرانٌ حمراء تستعر...

كنيسة...

ذاك الباب العملاق....

والدي...

مكاريوس... 

ذاك الصوت البغيض!

« لقد مات نسيم! مات! »

« أيُّ وصيّةٍ أخيرة يا مينا؟! »

« اسمي هو عُميْر! »

« اركض يا مينا! اهرب! اهرب! »

ألفريد!

براء!

لقد تذكّرتُ!

آخر ما أتذكّره هو إحاطة تلك النيران لجسدي الواهن ثم... لا شيء....

أخذت الذكريات تنهال على عقلي دونما توقّف، وتذكّرت...
تذكّرت كلّ شيء...

« يا الله! »

تمتمتُ بينما أغطّي عيناي بذراعي وأنا أذرف دمعي بهدوء.

هل نجوت ؟!...

هل انتهى كلّ شيء؟!..

لقد نجّاني الله؟!

لكن..

براء ؟!

أين هو؟!

أين هو رفيق دربي؟!

هل هو بخير؟!

هل نجى؟!

« ما الأمر أيّها البطل؟! هل تتألّم من شيء؟! لقد عولجت معظم جروحك تقريبا، لا داعي لذلك، اهدأ، فقط أخبرني ممّ تشكو؟! دلّني على موضع الألم يا بنيّ، اهدأ.. »

ممّ أشكو؟!

ربما لن تستطيع مداواتي ممّ أشكو أيّها الطبيب..

أشكو جراحي الدامية يا أيّها الطبيب...

أشكو جراح فؤادي المكلوم يا أيّها الطبيب....

أشكو خذلانًا وألمًا يفيضان من قلبي...

أشكو عدوًّا كنتُ أخاله والدًا في يومٍ من الأيّام...

أشكو فقدي لصديقِ دربي المخلص يا أيّها الطبيب...

فهل تستطيع مداواة جراحي يا أيّها الطبيب؟!

لكن.. عزائي أنّي بخير، مازلتُ حيًّا، لقد وهبني الله عمرًا جديدًا، وحياةً جديدة، أفأُضيّعُها وأتركها تذهب سُدًى؟!

لا والله! لن أفعل!

سأبحث عنك يا براء.. حيًّا كنتَ أو مفقودًا..

سأبحث عنك يا صاحبي...

لن أتركك...

سنكمل الدّرب معًا...

أنا آتٍ يا براء...

آتٍ فانتظر... إن كنت تستطيع....

« اهدأ يا فتى! اهدأ! يجدُر بك أن تحمد الله على نجاتك! لقد نجوت بأعجوبة! »

وصلت مواساة الطبيب لمسمعي ثانيةً وقد علا نشيجي واهتزّ كتفاي، وسالت دموعي في أحضان ذراعي المتين، فكفكتُ دمعي الذي سال وأغرق وجهي، وأزحتُ ذراعي وطالعتُ الطبيب بسوداويّتي الدامعة التي تفجّرت بها دموعٌ حمراء قانية بدت كما لو كانت دموعَ فؤادي النّازف، زفرتُ ما احتبس في ضلوعي من هواء، ورُحت أجيبه بصوتٍ خفيض :« الحمدلله.. على كلّ حال، الحمدلله، أعتذر.. منك أيّها الطبيب، اسمي عُميْر، لا أشعر.. بأيّ ألمٍ حاليًّا، أنا.. بخير.. والحمدلله»

صمتَ برهةً ثم عادت تلك الابتسامة لتُزيّن مُحيّاه وهو يُجيبني بحنوٍّ :« عُميْر! ياله من اسمٍ جميلٍ يا عُميْر! حمدلله على سلامتك، والآن أخبرني أتذكرُ أين تقطن؟! »

بالطبع هو جميل!

فقد سمّانيه به أعزُّ شخص على قلبي....

تسلّلت على وجهي بسمةٌ خافتة منكسرة وصمتُّ هنيهةً ثم عاودتُ النظر في عينيه وأنا أجيبُه بمكان إقامتي السابق. ما هي إلٍا ثويناتٌ قلائل حتى اعتلت ملامحه الدهشة وهو يُعقّب :« هذا بعيدٌ بعض الشيء عن هنا، نحن في دِكرْنِس، يُمك--»

قاطعته بينما اتسعت عيناي بذهولٍ وفغرت فاهي بصدمة معقّبًا :« في دِكرْنِس؟! »

« اهدأ... لا داعي للقلق، فقط أخبرني هل لك أيّ قريبٍ هنا يستطيع القدوم؟! »

« ل.. لا.... »

بالكاد خرجت تلك الكلمة من فمي بينما أستوعب الوضع، (دِكرْنِس) تبعدُ مسافةً ليست بهيّنة عن (المنصورة) حيث أقطُن، لقد أبعدني والدي عن المنزل وعن منطقتنا حتى لا يعلم أحدٌ بأمري، لقد أقصاني من مدينتي حتى إذا قتلني فلا أحد سيكتشف ذلك أو حتى سيفكّر في اتّهامه، لقد ابتعد عن المنزل حتى يُخفيني عن كلّ من أعرف هناك.. بما فيهم.. براء.. ويالحسرتي! إذ أنّي لا أعلم هل مسّه والدي بضررٍ أم أنّه كان يُهدّدني به فقط؟!

شعرتُ بثقلٍ عظيمٍ يجثم على صدري ولا ينزاح، شعرتُ بالخذلان، كان شعورًا غريبًا...
لم أجرّب ذاك الشعور من قبل...
ولكنّه...
مؤلمٌ...

مؤلمٌ حدّ أنّي لا أستطيع استيعاب حجم ما اقترفه والدي في حقّي من أفعال. وأنا ابنه! ابنه من صُلبه! ابنه الذي ترعرع ونما بين يديه، ابنه الذي كان من المفترض أن يحميه ويبذل روحه فداءً له، لا أن يسلبها منه بقسوة، لم أستطع الفهم...

لمَ ؟!

لمَ يا والدي؟!

ألا أعني لك شيئًا؟!

ألهذه الدرجة أهون على فؤادك المُتحجّرِ؟!

ألم يشفع ندائي لك يومًا بوالدي؟!

ألم تتألّم لألمي؟!

ألم تحزن لحزني؟!

ألم يكن يُفترض بك أن تحميني؟!

أن تداوي جراحي؟!

أن تؤويني في حضنك الدافء دومًا؟!

أن تطبع القبلات الحانية على جبهتي كلّ ليلة؟!

أن تمسح دمعي قبل أن يُجاوز أهدابي حتى؟!

أليس ذلك هو دور الوالد؟!

ألست أبي ؟!

لمَ يا والدي؟!

لمَ غادرتني وتركتني جريحًا أنزف وحدي وألفظ أنفاسي الأخيرة أمام مرأىً منك ومسمع بل وكنتُ مُبتسمًا فرحًا لمفارقتي؟!

لقد كنتُ أخالك قدوتي!

لقد كنت أسعى لأشياءٍ عدّة!

لقد كنتُ أسعى لطاعتك، وتحسين علاقتنا معًا!

لقد كنت أحلم بحياةٍ هانئة ودافئة معك يا والدي تُدفئ صميمي البارد المُرتجف!

كم كنتُ توّاقًا لحضنك يا أبتاه!

كم كنتُ مشتاقًا لضمّة ضلوعي بين ذراعيك المتينتين الدافئتين.. أو.. التي كنتُ أحسبها كذلك..!

آهٍ يا أبتي!

لقد أحدثت فيّ جرحًا غائر الأعماق لازال ينزف حتى اللّحظة....

سالت مدامعي مُجدّدًا مُكرهةً تأبى إلّا أن تفضحني وتفضح مشاعري الشّجية. أفقت من شرودي على هزّ الطبيب لمنكبيّ وهو يُناديني منذ فترةٍ ولكن صوته لم يكن يصلُني.

« عُميْر! عُميْر! هل تشعر بأيّ ألم؟! ممّ تشكو؟! هل__»

« أُريد.. أن... أُصلّي... لو... سمحت » قاطعتُ حديثه الذي لم أتبيّن فحواه ولم أستطع إدراك معناه؛ ذلك أنّي كنتُ أُحلّقُ في فضاء أحزاني وآلامي.

هممتُ بإزاحة الغطاء الوثير عن جسدي ومحاولة النهوض ولكنّ الطبيب استوقفني قائلًا :« تمهّل! تمهّل! لازلت لم تتعافى كلّيًا بعد! لكن... إن وددت أن تُصلّي يمكنك ذلك، لكن لن توصل الماء لجميع أعضاء الوضوء؛ ذلك أنّ إصاباتك لم تتعافَ كلّيًا بعدْ، وقد تتضرّر إن وصلها الماء، الأجزاء التي أسمح لك بإمرار الماء عليها فقط هي ما ستمسُّها المياه، وتتيمّم للباقي »

أومأتُ لهُ بتفهُّم ثم نهض وخرج من الغرفة، ما لبث أن عاد بعد عدّة دقائق يحملُ بيُمناه إناءً مملوءًا بالماء وبيُسراه منشفةً ناصعة البياض.

ساعدني الطبيب على إيصال الماء لبعض وجهي وبعض ذراعي وما تيسّر من باقي أعضاء الوضوء. طلبتُ منه بعد ذلك أن يدلّني على القبلة ثم يتركني وحدي ففَعل..

اعتدلت في سريري واستقبلت القبلة وشرعتُ في أوّل صلاةٍ لي بعد طولِ غياب، وكم كانت مختلفة!

لمْ أعلم أهو الظّهر؟

أم العصر؟!

أو المغرب، أم العشاء؟!

كنتُ أصلّي ركعتي شُكرٍ لله

ركعتان ألحّت علي روحي أن أرويها بهما بعد أن نال منها الجفاف والقحط.

وانسابت الطمأنينةُ في جنبات روحي كما تنساب قطيرات المياه العذبة للتّربة العطشى فتسقيها وللأرض القحلة فتُحييها!

كنتُ كمن ابتعد عن مأواه وملجئه لفترةٍ طويلة ثم عاد لأحضانه الدافئة بعد طول غيابٍ.

كم افتقدتُ تلك السكينة!

كم افتقدتُ ذاك الدفء الذي يُحيط أضلعي الباردة!

كم افتقدتُ شعور الأمان ذاك!

شعورٌ مهما وصفتُه فلن أوفّيه حقّه!

شعورٌ يعجزُ لساني عن وصفه!

وفي خلال صلاتي شكرت ربّي أن نجّاني من الموت، أن أمّنني ممّا أخاف وأتألّم، أن منّ عليّ بالصّحة والمعافاة بعد أن كنت على شفا جُرُفٍ هارٍ من الموت.

رجوتُ الله بأعينٍ دامعة وبقلبٍ خاشعّ ملتاع وعلا صوتي مختلطًا بنشيجي المُتعالي :« ربّاه! ربّاه أعنّي ووفقّني وسددّ خُطاي! ربّاه إنّي قد غدوتُ وحيدًا فمن لي سواكِ؟! ربّاه إنّي قد تألّم خافقي ورجوتُك بعينٍ تفيضُ بماء القهر والآلام، ربّاه إنّي قد اتخذتُك حسبي ووكيلي ولم يخب فيّ ظنّك يا إلهـي! ربّاه ما عاد لي أحدٌ أخالُه والدًا أو قريبًا أو حبيبًا، غدا الأحبّةُ أعداءً وبدّدوا كلّ دفءٍ وراحةٍ وسكينة وبدّلوها جحيمًا، صار كلُّ مُناي ياربّي أن أظلّ سائرًا على الطريق، أن أظلّ ثابتًا مستنيرًا بنهجِك في الدرب الوعِر، ربّاه إنّي قد فقدتُ من كنتُ أحسبهم أحبّتي وصرتُ وحيدًا مُثخنًا بجراحي النازفة، ربّاه فاجبر ضعفي، وداوِ جُرحي، وأنِر دربي، واخلُفني خيرًا، وعافني، ورُدّ لي رفيقي ردًّا جميلًا يرسمُ البسمة على مُحيّاي التَعِب بعد أن اعتلاه الغبار.. »

بكيتُ وبكيتُ لله ورغم حزني المرير إلّا أنّه كانت هناك سعادةٌ طفيفة تنمو وتتعاظم في داخلي لمجرّد استشعاري أنّي لستُ وحدي، أنّ الله معي ولن يتركني، أنّ ربّي لن يخذلني، أنّ ربّي يسمعُ دعائي وبكائي وشكواي ولن يردَّني خائبًا أبدًا، بعد تجربتي المؤلمة تلك أيقنت بصحّة الطريق الذي أسير فيه، أيقنتُ بربّي، أيقنتُ بإيماني.

لا أدري كيف...

ولكنّي أشكرُك يا والدي..

فقد زدتني يقينًا وإيمانًا على ما أنا عليه...

فقد زادتني قسوتك وتحجّرُك صبرًا وتجلّدًا كنتُ أحتاجُه في حياتي...

كنتُ ساذجًا غرًّا متزعزعًا في كلّ شيء...

كنتُ متذبذبًا ضائعًا مُشتّتًا غارقًا في لجج البحار العاتية وأعماقها الظلماء التي كانت تلجمُني حدّ الغرق و كنتُ لغياباتها أسيرًا تتلاقفني أمواجها من كلّ حدب وصوبٍ بينما يُغشي الموج عيناي بغمامةٍ سوداء تمنعني من إبصار صفاء الطريق والنجاة من الهلاك...

كنتُ كذلك حتى منّ الله عليّ بلُقيا براء ثم بهدايتي على يديه....

بعد ذلك جئتَ أنت يا والدي وكشفت لي حقيقة الأمر حتى بدا لي جليًّا كالشمس...

خبتَ وخسرت يا أبتي!

خبتَ وخسرت للأسف!

اختتمتُ صلاتي وأنهيتها بينما أُكفكف دمعي مُتنهّدًا وقد شعرتُ براحةٍ عظيمة تجتاح صدري لكأنّما قد انزاحت تلك الجبال الجاثمةُ على كاهلي وصارت أخفّ...

وجلستُ أذكرُ الله وقد عاودت تلك الآلام الطفيفة بالتّقوي على جسدي وإضعافه، بالطبع! فلازلتُ لم أتعافى كلّيًا بعدُ...

عدّة دقائق طوالٍ مرّت قبل أن أشعر بالخمول يتفشّى ويسير في جسدي وعادت جفوني تثقل وتتهاوى فوق مُقلتاي بكلّ ثقلها طلبًا للرّاحة، ثويناتٌ قلائلُ مضت هويتُ بعدها لذاك العالم الآخر، تراخى جسدي وشعرتُ بالخفّة، حلّق عقلي كسرب الحمام ولأوّل مرّة بعد طول غياب شعرتُ بالسعادة والرّاحة بينما يتلاشى وعيي بخفوت، لم أكن قلقًا أو خائفًا حينها، بل كنتُ مرتاح البال مُطمئنًّا، يهيجُني الشوق لغدٍ مُشرق وسعيد يجمعني مع خليلي الوحيد....

براء....


يتبع.....

رأيكم في الفصل؟! ❄️

توقعاتكم؟

آرائكم حتى الآن؟!

وإلى لقائنا القادم دمتم في أمان الله وحفظه 🏙️❄️

اللهم الطف بإخواننا في غـ8ـزة يارب وانتقم من أعدائنا أعداء الدين 🤲

 

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top