الفصل الخامس والعشرين : رُفعت الجلسة!


قبل القراءة لا تنسوا الدعاء لإخواننا في غزة 🤍 ادعوا على اليهود بكلّ ما في قلوبكم من حقد!

________________

استندتُ على عكازي أحاول أن أتوازن وانقضضتُ على كاظم بكلّ ثقلي في حين حاولت شلّ حركاته ببضع ضرباتٍ على الوجه والرقبة ثم رفعتُ العكاز وجعلته كدرعٍ واقٍ بينما أرسل الضربات واحدةً تلو الأخرى له في حين يستميت هو ليغرز نصل سلاحه في أعماق لحمي، كان يصوّبه نحو صدري، وكان يبدو ككلبٍ مسعور يقاتل ليحصل على فريسته.

« لن تهرب منّي يا مينا!!!! ليس هذه المرة!! »

صاح بعلوّ صوته الأجشّ ثم هوى بسكّينه على صدري إلّا أنّي أحرفتها فتذوّق معصمي طعم نصله الحادّ فسالت خيوط الدماء القانية تقطر على وجهه البغيض فأبصرت افترار شفتيه عن بسمةٍ متلذّذة

« اقتربتُ من الهدف! »

وفي لحظة تشتّتي بالجرح دفعني بالعكّاز فانكفأتُ على ظهري وارتطم رأسي بالأرض بقوّة وتسارع لهاثي أجاهد لجمع الهواء في رئتيّ، بينما قرع خافقي الطبول في أعماقي حين انقضّ هو عليّ ورفع سكينه وانعكس الضوء على عينيّ ثم...

حطّ جسمه الثقيل على جسدي دفعةً واحدة، فرفعته من عليّ وأبعدته ليسقط بجانبي شبه واعٍ، فأذقته طعم قبضتي التي جمعتُ فيها جلّ قوتي فانتفض بخفّة قبل أن يصدر تأوّهاتٍ خفيضة في حين تهتزّ أجفانه ببطء.
انتزعتُ السكين من يده بسهولة إذ كان وعيه قد ذاب في الفضاء حينها.

« مينا! هل أنت بخير؟! »

رفعت بصري لأبصر ألفريد وقد استقرّت بين يديه أنبوبةٌ حديديّةٌ طويلة قد احتلّ الصدأ أرجاءها.

مددت له كفّي مجيبًا : « أعنّي.. على النهوض »
فسارع بمدّ كفّه لي وعاونني على النهوض فاستندت على كتفه أجاهد للوقوف معتدلًا.

تبسّمت بينما التفتُّ له مردفا أصارع لهاثي : « أنا.. بخير.. شكرا لك! »

رمى الحديدة أرضًا فتردد صدى سقوطها خارقًا ثياب الصمت المطبق الذي أغشى المكان ثم عقّب : « من ذاك الوغد على أيّ حال؟ هل تعرفه؟ كان واضحًا أنّه ينتوي قتلك، دفعتك في اللّحظة المناسبة! لقد برز من العدم ! »

« آه! قصةٌ طويلة! »

« والآن ماذا؟! »

« على الأرجح علينا تبليغ الشرط__»

« مينا! إنّ يدك تنزف! لقد شجّها ذاك الحقير! نحتاج لمعالجة جرحك سريعًا ! »

دقّقتُ نظري في معصمي الأيسر الذي يثعبُ من أنسجته الممزقة دمٌ غطّى ذراعي، بينما تروي الأرض قطراتهُ الساقطةُ بتتالٍ. لم أكن أحسُّ بالألم في البداية ولكنّه بدأ ينبض في معصمي الآن مع كلّ خفقةً يخفق بها قلبي، وبدأت أشعر أن نيرانًا قد أُضرمت في معصمي.

« لا تقلق، سأكون بخير، إنّه جرحٌ سطحيّ، علينا أولّا أن نهتمّ بذاك قبل أن يستفيق »

« ليس سطحيًا! إنّه عميق! »

أخرج ألفريد هاتفه من جيبه وطفق يتصل على الشرطة، بينما في الثواني التالية طرق مسمعي وقع بضع خطواتٍ تقترب منّا، فالتفتّ وإذ بي أرى بضع رجالٍ يتقدّمون نحونا بينما يصيحون : « هل أنتم بخير؟ ماذا حدث يا رجال؟ »

« الحمدلله، نحن بخير، لقد برز لنا ذاك الشخص من حيث لا ندري، عاركنا وعاركناه، لكنّنا بخير »

وحمدتُ الله في أعماقي أنّ الموضوع انتهى على خير، وتذكّرت أنّ هناك كاميرات للمراقبة تموقعت أعلى منزلي؛ سيكون هذا دليلًا قاطعًا لإدانة ذاك الخبيث للأبد!
إنّي أكاد أجزم أنّ الخبث ليتبرّأُ منه!

التفتُّ لألفريد وقد ابتغيتُ شكره وإذ بي أرى الأرض تتمايل من تحتي لكأنّما قد مسّها شيطانٌ.
تداخلتُ الألوان في مرآي وفقدت السيطرة على جسدي لثوينةٍ. سرعان ما تداركتني ذراع ألفريد وهو يُسائلني بقلقٍ جليّ : « مينا! أنت بخير؟ تماسك! »

تحاملتُ على نفسي وعادت الشبكة لدماغي، فجاهدت جسدي على الوقوف في حين أجبته بابتسامةٍ مشوبةٍ ببعض الألم : « لا تقلق، أنا..بخير..دوارٌ بسيط لا أكثر، على الأرجح من النزيف »

« الشرطة في الطريق »

______________________

قاعةٌ ضجّت بالحضور وتعالت فيها هسهسةُ وهمسُ الأشخاص حتى بدا الذّباب منزعجًا من همساتهم التي اجتمعت جميعًا لتبدو كطنين النحل في كِوارته، جلستُ على إحدى المدرّجات في المحكمة أترقّب ذاك الحكم الذي سيصدر تلو طرقة مطرقة القاضي.

« حكمت المحكمة على المتّهم " كاظم سعد حسن " بالسجن المؤبّد بتهمة الشروع في القتل »

وفورًا هدأت نبضات قلبي ونهضتُ لفرط حماسي ولسان حالي يردّد الحمد والثناء على الله أن انتهت تلك المعضلة وعاد حقّ أخي لأشهده بعينيّ هاتين في حياتي قبل مماتي.

الحمدلله!

« مباركٌ ! مباركٌ يا عميْر ! الحمدلله! »
التفتُّ فإذا هو براء وقد ارتدى قميصًا زيتيًّا وبنطالًا حالك السّواد يهنّئني مربّتًا على كتفي،
اعترتني الدهشة بينما أجيبه : « براء! متى حضرت؟! ألم تقلْ أنّك لن تتمكّن من الحضور؟! »
تبسّم بينما يردف وهو يحدّق في ساعته التي ماهت لون الفضّة : « آه! لقد تمكّنتُ من إنجاز مهامّي بسرعة، وجئت سريعًا كيْ أكون معك لحظة النّطق بالحكم »

« أكرمك الله! أقدّر لك هذا كثيرا ! »

« رُفعت الجلسة! »
نقلتُ بصري إلى حيث كان كاظم قابعًا في ذاك القفص الحديديّ يحدّق في عينيّ بنظرةٍ ميتة لكأنّما قد سُلبت منه الحياة بسماع الحكم المؤبدّ.

رنّ صوتُ فتح أقفال القفص وأُخرج كاظم منكّس الرأس مكبّلا بالسلاسل، يجرُّ معه أذيال تلك السلسة الطويلة التي أعاقت أقدامه عن الحركة. وفي لحظةٍ رفع رأسه سريعًا وابتسم...
ثمّ مضى...

وأغلقَت قضيّة أخي..
للأبد...

________________

« أنت لست جيّدًا أبدًا في كرة القدم! ألا تتعلّم منّي؟! »
قال ألفريد ساخرًا منّي بينما يمرُّر الكرة لبراء لتتدحرج على أرض الحديقة قبل أن تثبّتها قدمُه وترتقي بين ذراعيه ثم حادث ألفريد وقد فشل في إخفاء ضحكته : « لا تقسو عليه كثيرًا ألفريد! لقد تعافت ساقه مؤخّرًا، هو فقط يحتاج لبعض التمارين، سأكون مدرّبك
لا تقلق عمير »

قلّبتُ عيناي بينما أتنهّد بضجرٍ معقّبًا : « لا شكرًا! أنا أجيد لعب الكرة! لكنّكما لن تفهما ذلك؛ لأنّكما لستما بخبراء في كرة القدم، أنا فقط أحاول أن أتواضع لمستواكما حتى لا تحزنا »

انحنى ألفريد على ركبتيه وقد ملأت ضحكاته المكان وهو يردف من بين ضحكاته : « صحيح! بدليل مصباح سيّارتي الأمامي الذي حطّمته بفعل تسديدك المحترف! »

ضحك براء وهو يقول : « الحمدلله أنّي لم آتي
بسيارتي! »

رميته بنظراتٍ يقدح منها الشرر وأردفتُ : « واأسفاه عليك يا براء! لقد تعرّفت على ألفريد منذ أسبوعين! وقد نجح في التأثير عليك صاحبُ الدمّ الخفيف ذاك ! »

« أنت تغارُ منّي! »

« صحيح! أغار! »
كنتُ أعلم أنّهما يودّان أن يشجّعاني على أن أدرّب ساقاي أكثر حتى تعودا كما كانتا سابقًا.

« هيّا! شوطٌ جديد أم أنّ التعب قد نال منكما؟ »

تساءل براء بينما يرمي الكرة في الوسط بيننا لتقفز بضع مرّات على العشب قبل أن تستقرّ أمامي. فثبّتُّ قدمي عليها أُؤرجحها يمنةً ويسرةً قبل أن أتحدّث بلهجةٍ شُبّعت بالتحدي بينما العرقُ يتساقط من على جبيني : « هيا! سأهزمكما هذه المرّة ! »

« يبدو أنّك آتٍ بكلّ ثقلك! »
قال ألفريد ثم رفع ذراعاه عاليًا لتستقبل الهواء ثم أغلق قبضته عدا السبابة وهو يقول

« واحد! »

« اثنان! »

ثم رفع وسطاه

« ثلاثة!»

ثم رفع بنصره وبدأ الشوط، وحسنا أبليتُ، وكان براء محترفًا بحقٍّ ! كنت ألاحظ دوما أنّ براء يتساهل في اللعب معي، أكنت تظنّ أنّ هذا سيخفى عليّ يا رفيقي؟

تابعنا اللّعب حتى أُنهكت أجسادنا فاتّخذنا من جذوع الأشجار مسندًا بينما نحاول جمع أنفاسنا الهاربة لنضمّها في صدورنا ثانيةً. جلستُ أحدّق في سحب السماء بينما تدفعها الرياح بعيدًا عن مرآنا، فتصفو السما بأزرقٍ خلّاب لا تشوبه شائبة.

« حسنا يا رفاق! عليّ الذهاب الآن، أراكم لاحقا! »
قال ألفريد وهو ينهض ثم صافح كلًّا منّا ومضى.

« كيف حال قدمك الآن؟ سرْ لتلك الشجرة هناك؛ لأرى كيف تُبلي »
سألني براء ثم عقّب آمرًا فأجبته ثم استويتُ قائما : « هي بحالٍ أفضل بكثير، لا أشعر بأيّ ألمٍ إلا إن أنهكتها كثيرا »
اختتمت كلامي بمتابعة المسير إلى حيث أمرني.

« حسنًا... جيّد، أثر العرج طفيفٌ، سيزول بعد مدّة وجيزة بإذن الله »

« إن شاء الله، انظر! لقد نمت شجيراتنا كثيرا!»
صحت فور أن وقعت دعجاويـتيّ على تلك البقعة من الحديقة حيث زرعنا بذورنا.

تبسّم براء ثم همّ بالنهوض لولا أن استوقفه ذاك السّعال الحادّ الذي بات سمعي يعتاده مؤخّرًا منه.
أخذ سعاله يزداد وقد لمحتُ كيف تجلّى الوجع على وجهه في ثوانٍ وأفسد بسمته..

أسرعت إليه وناولته منديلًا، فأخذه ونهض سريعًا يستند على جذع الشجرة وقد استبدّ الوهن بوجهه ولمعت قطيرات العرق - وليدة اللّحظة - على وجهه .

« براء! أأنت بخير؟! خذ اشرب؛ علّ السعال يقف »

فأشار لي بكفّه أنّه لا يريد ماءً ولازالت نوبةُ السّعال مستبدةً بحلقه بينما تجاهد أنفاسه لإمداد رئتيه بالهواء.
لكن ما لفت ناظري هو ذلك اللّون القرمزيّ الذي أخذ يتفشّى في أرجاء المنديل الذي كان بين يدي براء. وتبدّل بياضه الثّلجي في لحظةٍ إلى حمرةٍ داكنة مرعبة، ولم تبقَ بقعةٌ خالصةُ البياض من المنديل إلّا وقد احتلّها ذاك اللّون الذي ألقى فيّ الرعب وساءلته بقلق بينما حطّ كفّي على عضده يشدّ عليه : « براء! ما بك؟! هل أنت بخير؟! خذ نفسًا عميقًا، واهدأ »
ودفعتُ إليه كومةً من المناديل أخرجتها من جيبي سريعًا والقلق يكاد يفتك بي...

يتبع....

كيف كان الفصل برأيكم؟ 🍃

توقعاتكم؟ 🤍🌱

وإلى لقائنا القادم دمتم في أمان الله 🍃♡

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top