الفصل الثاني والعشرين : ما كنتُ لِأتركك وحدك!
اللهم عليك اليـ8ـود ود وبكلّ من والاهم وأعانهم على إخواننا في غـ8ـزة الحبيبة، اللهم انصر إخواننا في غـ8ـزة نصرا عزيزا مؤزّرًا، اللهم الطف بهم يارب 🤲
_____________
لستُ أدري ما أواسيك به يا رفيق الدّرب الصادق، لا أدري كيف أواسي حزني لآلامك وجروح قلبك الدامية. لستُ أعلم كيف أدواي جُروحك التي حُفرت في صميم فؤادك، سامحني فلم أكن أملك شيئًا لمساندتك. سامحني ما كنتُ لأغادرك قطّ، ما كنتُ لِأتركك في مُصابك العظيم وحدك، ما كنتُ لأتركك تصارع الغرق وحدك في لُجج البحار دون أن أهبّ لنصرتك، ما كنتُ لأترك الخيبة والخذلان تتملّكانِ فؤاد مؤنسي، سامحني ما كنتُ لأفارقك شبرًا، ما كانت كفّي لِتفارق كفّك قطُّ، ولكن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكنْ.
أرجو أن يمدّني ربّي بالقوّة لأساندك وأرمّم حصونَ قلبك المُتهدّمِ، لأبثَّ الأمل في جنباته. لأنير دربك وأبهج خافقك وأمسح دمعك ليتبدّد ويتلاشى كما الظلمة حين إقبال الصّباح.
شددتُ على عناقه أكثر فأكثر بينما أربّتُ على ظهره وأُلقي بكلمي على مسمعه :« عُميْري، لا تحزن، والدك وكلُّ من تعاون على أذيّتك سيلقى عقابه بإذن الله، لا تحزن، لقد كان امتحانًا من الله تعالى، وقد نجحت فيه! أوتدري كم هو صعبٌ اجتيازه؟! أوتدري كم هو عسيرٌ أن تصبر عليه وتحتسب؟! لقد اصطفاك الله يا عمير لما يُعدُّه للمبتلين من أجرٍ، لقد حباك الله بنعمه الكثيرة أن منّ عليكَ بالثبات على دينه والاحتساب صابرًا، إنّي أغبطك حقًّا! لا تحزن يا صاحبي، فحزنك يؤلمني ويوجع صميم قلبي الباكي »
تسلّلت ضحكته الخافتة لأذنيّ فابتسمتُ بدوري، بينما ابتعد عنّي ونظر في عينيّ باسم الثغر قائلًا :« لا تحزن أبدًا يا برائي، أنا لست حزينًا! بل أنا في قمّة سعادتي! »
تبسّمتُ لقوله فبادرني بحديثه :« الحمدلله على كلّ حالٍ، لقد عوّضني الله كثيرًا يا برائي، لم أكن وحدي هناك، كان ربّي معي، أوتعلم يا صاحبي؟! لقد كان ربّي يمسح على جروحي بلطفٍ بين الفينة والأخرى ويُسلي قلبي برؤيا جميلة يُريني إيّاك فيها فأبتهج وأطمئنّ وأتقوّى على الثبات في محنتي »
لم أستطع كبح جماح تلك القطيْرات التي تمرّدت وبرزت من مآقيّ. أغمضتُ عيناي علّني أُلجم عَبَراتي عن الهطول.
« أجل يا برائي، لقد كنت أرى طيفك على الدوام في منامي، كنتَ تثبّتني وتبثّ في جنباتي الأمل أنّي سأخرج من محنتي وألقى ثغرك المتبسّم »
« أرجو أن أكون عند حسن ظنك دومًا يا عميْر، وأرجو أن يرزقني الله ثباتك ويعيننا على الطريق معًا »
« بإذن الله ستكون كذلك »
« من آذاك وآلمك فسيلقى عقابه لا محالة، ولن يكون عقابًا يسيرًا! أمّا أنت... فصدّقني لك من الأجور وكرامات الله ما لا قد يتخيّل عقلك يومًا ولا قد ترى عيناك له
مثيلًا، فالله لن يُضيع تألمّك وحزنك وصبرك واحتسابك هباءً، بل سيجازيك عليه حتى تتمنّى لو أنّك لبثت في محنتك أبد الدهر حتى تستزيد من جمال ما سيجازيك به الله تعالى »
أشرقت معالمُ وجهه وهو يُسائلني فرِحًا :« يا الله! ألهذا القدر يا براء؟! »
أومأتُ له وأخذتُ أجيبه بقولي :« بل وأكثر مما تتصوّر! فقد قال رسولنا الحبيب :« ما يُصيب المسلم من نَصب، ولا وصَب، ولا هَمِّ، ولا حَزن، ولا أَذى، ولا غَمِّ، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه».
فما بالك إذن بكمّ العذاب الهائل الذي تعرّضت له؟! »
اتّسع شدقاه ليَنُمّا عن ابتسامةً أبهجت فؤادي، ثم عقّب قائلا :« صدق رسول الله صلى الله عليه، كم أحبُّه! كم أحبّه وأتحرّق شوقًا للُقياه! إنّي لأتعجّب! لم يترك رسولنا شيئًا إلّا وقد أعطانا الحكم والتأويل فيه! كم أحبّ ديني! الحمدلله أن منّ عليّ بالهداية! الحمدلله »
« الحمدلله، و الآن دعني أتفحّص قدمك، أودّ معرفة حالتها والاطمئنان على صحّتك »
« لا تُتعب نفسك حقًّا، أنا بخير تمامًا »
تنهّدتُ بينما أُحني جذعي مُقرفصًا أمام قدميه مردفًا :
« لو سمحت، دع الطبيب يُمارسُ عمله! »
قهقه هو بينما أخذتُ أتفحّصُ حالة قدمه، لم تكن مُجبّسةً، هذا مُطمئن، فقط بعض الأربطة الضاغطة التي تقوُّم القدم؛ حتى تمشي باستقامة لا باعوجاجٍ وعرَج، كم تألمتُ لرؤيته هكذا؛ لابدَّ أنّك تألّمتَ كثيرًا يا صاحبي، كنتُ حاقدًا ناقمًا على والده ذاك، وعلى كلّ من سبّب له ألمًا وجرحًا غائرًا صعب الاندمال. وأخذتُ أتعجّب....
كيف لوالدٍ أن يفعل بابنه ما فعل؟!
كيف له أن يُخرس مشاعر أبوّته وفطرته وعاطفته؟!
كيف له أن يُسخّر له من يعذّبوه بتلك الطريقة الوحشيّة حدّ أنّي بعد كلّ تلك المدّة لا أزالُ أرى العديد من الندوب والجروح على وجهه وذراعيه؟!
كيف لقلبه أن يصبح كالحجارة أو أشدّ قسوة؟!
ألهذه الدّرجة يمقتون الحقّ؟!
ألهذه الدرجة يمقتون الاستقامة؟!
فلْيكُن إذًا!!
فلتظلّوا كما أنتم على جهلكم وعنادكم حتى يأتي الله بأمره!
وعند الله تجتمع الخصوم!
عند الله تجتمع الخصوم!
« ما الذي عكّر ابتسامتك الصافية بهذا الشكل؟! أحالةُ قدمي بذلك السوء؟! »
أرسلتُ تنهيدةً من أعماقي في الفضاء وأجبته بينما أنهض واقفًا :« بتاتًا، حالةُ قدمك ليست بذلك السوء، فقط دعْ أمرها لي وستشفى سريعًا بإذن الله، سلامتُك من كلّ شرٍّ »
« الحمدلله، سلّمك الله براء »
« هاقد غلى الماء! ثوانٍ وأعود »
قلتُ فور ما سمعتُ صوت بقبقةِ الماء في الغلّاية وشددتُ خُطاي نحو المطبخ، أدرتُ مفتاح الغاز لتهيج تلك الشعلة قبل أن تتبدّد وتنطفئ في جزءٍ من الثانية.
حملتُ الغلّاية بقفّازٍ مُضادٍّ للحرارة وشرعتُ أصبُّ الماء في الكوبين أمامي حيث استقرّ بقاعِها بضعُ وُريقاتٌ من النعناع وبعضُ الزهرات الذابلاتِ لنبتة البابونج المهدّئة للأعصاب.
حملتُ الكوبين واتجهت للصالة حيث وجدتُ عُميْرًا شاردًا يُحدّق أمامه بشيءٍ لم أتبيّنه لتركيزي مع الكوبين.
« نعناعٌ بالبابونج، سيفيدك ذلك كثيرًا! أرجو أن يُعجبك! مـــ__مابك؟! أتتألّمُ من شيء؟! »
قطعتُ كلمي بعدما أبصرتُ ترقرُق الدمع في عينيه، هزّ رأسه نافيًا ومازال يُحدّق أمامه، نقلتُ بصري لما يحدق به وحينها فهمت.....
تلك الرّسمة التي رسمتها حينما كنتُ وحيدًا... حينما افتقدتُه... حينما كنتُ أبكي خوفًا وقلقًا من فقدانه... كنتُ أسلي قلبي بذلك... علّي أستحضر وجوده بجانبي كي لا أحزن...
رسمتُها في إحدى الأيام التي زرت فيها الحديقة وحدي، جلستُ على أحد الكراسي ونصبتُ حامل لوحاتي، وضعتُ اللّوحة وبدأت أضرب سطحها بفرشاتي.
يومها...
رسمتُ تلك الشجيرات الصغيرة التي زرعناها معًا والتي نمت في غيابه. وتخيّلتنا سويّةً بينما نجلسُ هناك قربها نسقيها ونمدّها بالدفء الذي تحتاج.
لم أرسم أيّة ملامحٍ لكلينا ولم تبدُ الرسمة واضحة ودقيقة كثيرًا، كانت أشبه بخربشاتٍ ملوّنة، ولكن.. أظنّ أنّ مشاعري كلٌّها مفضوحةٌ أمام صديقي، أوليس كذلك؟ وحده من يستطيع أن يفهمني دون أن أنبس بحرفٍ واحدٍ.
« هذان نحن؟! »
تساءل بينما ينظر لي مبتسمًا فأومأتُ له ببطء بينما أتمتم :« كنتُ مشتاقًا لِلُقياك هناك »
« ليس بقدر اشتياقي.. »
تبسّمتُ وأنا أشير على كوبيْ البابونج قائلًا :« سيبرُد البابونج »
أومأ لي بينما امتدّت كفّه حاملةً الكوب وهو يشكرني قائلًا :« سلمت يداك »
« بالشفاء بإذن الل__»
لم أستطع إكمال كلماتي إذ باغت حلقي سعالٌ حادٌّ هيّج صدري، نهضتُ لأحضر كوبًا من الماء علّه يهدّأ من نوبات السعال تلك التي باتت تأتيني في الآونة الأخيرة.
حملتُ كوبًا من الماء وأفرغتُه في جوفي لتنساب المياه داخل حلقي مخرسةً سعالي الشديد.
« آه، الحمدلله، هذه نهاية شربِ الماء البارد كلّ صباح! »
تمتمتُ بينما أعود أدراجي إلى حيث كان عُميْر جالسًا يحتسي كوب البابونج ويطالعني متبسّمًا.
« الحرُّ لا يُطاق! كيف لنا أن نشرب ماءً دافئًا في مثل ذلك الجوّ؟! » علّق عُمير بنبرةٍ ضاحكة.
فأجبته ضاحكًا :« لنتحمّل نتائج تهوّرنا إذًا!!»
اهتزّ هاتفي على المنضدة وصدح منه صوت المؤذّن النديّ وهو يُرسل تكبيرات الأذان في أرجاء الشقّة، سرعان ما تلته صوتُ المكبّرات الخارجيّة التي شرعت تبثُّ شعائر الصلاة في الأرجاء.
« الله أكبر! الله أكبر! براء هيّا بنا! لا أودّ تفويت أداء صلاة الظُّهر في المسجد! صحيح! كيف حال شيخنا خبّاب؟! »
تبسّمتُ بينما أعتدل واقفًا أجيبه :« أجل هيا بنا، لكن إن كنت متعبًا فلا بأس يمكنك الراحة، ليس واجبـا عليك حاليا، شيخنا بخير وهو في أوج قلقه عليك، لم أطمئنه بعدُ »
« لا، لا تقلق عليّ، أنا بخيرٍ تمامًا، إذًا سنلتقي في المسجد إن شاء الله، ستجدّدُ وضوءك؟! »
توجّهتُ له وممدت كفّي أعينه على النهوض مجيبًا :
« نعم، سأفعل إن شاء الله »
« أليس من الأفضل أن نذهب بسيّارتي؟! عُمير، أرجوك لا ترهق نفسك! » تحدّثتُ فور رؤيتي له يُسرع بخطاه العَرجة في اتّجاه المسجد.
توقّف لبرهةٍ بينما يرنو إليّ مردفًا :« برائي، أتفهّمُ قلقك، لكنّي أود الإسراع للقياهُ، أوتعلم كم اشتقت له؟! لقد كانت دروسه الدينيّة وكتيّباتُه التي أهدانيها رفيقًا مخلصًا لي في محنتي، كما أنّي أودّ التخلّص من تلك العكازات سريعًا! »
ضحكتُ بينما أخذت أسير بمحاذاته وقد جعلت ذراعي مسندًا يتكئ عليه؛ ليبذل جهدًا أقلّ في السير.
« كما تريد يا مبهجي »
تمتمتُ على وقع خطواتنا المتناغمة معًا.
« راضٍ يا عُميْر؟! »
تبسّم في وجهي مجيبًا :« راضٍ يا براء بكلّ ما يأتي به الله! راضٍ لأنّ كل ما يقدّره هو خيرٌ لنا، وإن كنّا لا نعلم ذلك »
« صدقت يا صاحبي! »
❀
فصل خفيف لطيف ♡
أرجو أن يكون قد نال إعجابكم ♡
توقعاتكم القادم؟ (๑•ᴗ•๑)♡
وإلى أن يتجدّد اللقاء دمتم في أمان الله وحفظه ✿
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top