الفصل الثامن عشر : سامحني يا براء...

_______________________

لم أشعر بالألم، وسمعت صوت تعاركٍ وسُباب، ما الذي يحدث؟ فتحت عيناي ببطء وإذ بي أرى أحد الأشخاص يتعارك مع مكاريوس في مُحاولةٍ منه لمنعه من الإطلاق عليّ، ويبدو أن ذاك الشخص قد استطاع إنقاذي من تلك الطلقة في آخر لحظة، كان شابًّا يبدو في مثل سنّي أو ربما أقلّ كان يُصارع مكاريوس باستماتة لردعه عن قتلي. رفعت كفّي أقبض على رأسي بألم فور أن داهمني ذاك الصداع القاتل ثانيةً وتشوّشت رؤيتي؛ لم أستطع تحديد ملامح الشاب بدقّة، لكنّي لمحتُ لون شعره الأصهب، كان يبدو مألوفًا لي ولكن حرارتي المُرتفعة لا تُساعد على تذكّر شيء.

« مينا !... اهرب ! انجُ... بحياتك ! بسرعة ! »

صاح بي الشاب بأعلى صوته وهو يَتعارك مع الآخر،

أيعرفني ذاك الشاب؟!
أشعر أنّي أعرفه..
أشعر أنّي قد التقيتُه قبلًا
لكن...
من هو؟!

جُلت بناظري في الغرفة فأبصرتُ بابها مفتوحًا، استجمعتُ ما بقي فيّ من قوى، وقاومت باستماتةٍ وأنا أتسنّدُ على الحائط حتى أنهض. سقطت وخررت على الأرض بضعف، نهضت ثانيةً وسقطت، ثم سقطت.

« يا إلهي أعنّي! »

غمغمتُ وأنا أحاول أن أنهض من على الأرض ببطئٍ وأجرُّ قدمي مرتكزًا بكلّ ثقلي على الحائط. عضضتُ على شفتاي وأنا أكبت الألم الذي ينبض في قدمي، حاولت الإسراع قدر الإمكان قبل أن يحدث شيء.

« ألفريد! ابتعد عنّي! ما الذي تفعله؟! توقّف عن فعل هذا ! » صاح مكاريوس وهو يُقيّد حركة الشاب.

مهلا...!

ألفريد!

ذاك الشابُ هو ألفريد!

إنّه ابنُه!

لكن... لماذا يدافع عنّي؟!

« أس.. أسرع يا مينا ! أسرع! »

لكن...

ماذا عنك؟

كان ألفريد يحاول إعاقة والده قدر الإمكان حتى تمكّنتُ من الخروج من الغرفة، كان المكان مظلمًا سوى من إنارة خفيفة انتشرت على طول الردهة التي قابلتني، لم أعلم للمخرج وجهةً ولكنّي ظللت أعرُج حتى انتهى الممرّ ووجدت بابًا عملاقًا يعترض طريقي، دعوت الله سرًّا أن يكون مفتوحًا، مددتُ كفّي أفتحه ولحسن الحظّ لم يكن مُغلقًا.

ولكن...

فور أن فتحتُه اخترق ذاك الدخان الكثيف عينيّ حاجبًا مرآي، رفعتُ كفّي على فمي وأنا أسعلُ بقوّة في محاولةٍ لطرد الدخان من رئتاي، كانت رؤيتي مُشوّشة، لم أستطع رؤية شيءٍ سوى ذاك الضباب الأسود الكثيف، أكملتُ دفع الباب وتابعتُ سيري للأمام، وكلّما تقدّمت كان اختناقي يزداد، وأشعر أنّ حرارة الجوّ ترتفع أكثر وأكثر.

لا أعلم ما الذي حدث بالتحديد، لكنّ بغتةً وجدت ألسنة اللّهب حولي تستعر وتهتاج حتى تصلَني، وبات كلّ ما أرى يتمايل و يتموّج بينما تهبُّ النيران متهافتةً لالتهام كلّ ما يعترض طريقها. انبطحتُ أرضًا وأنا أكاد ألفظ رئتاي لفرط قوّة سُعالي. أخذُت أجول بناظري حولي مُحاولًا رؤية أي شيء قد يُخرجني ويُنجيني. باشرتُ بالزحف بعيدًا عن مكان اشتعال النيران.

قاوم!...

قاوم... يا عُميْر...

لا....

تست.. تستسلم!...

أخذت أجرُّ جسدي جرًّا مُقاومًا آلامي باستماتة، شعرُت بنبضات قلبي المُضطرب تخفق في صدري بتعالٍ، وما عُدت قادرًا على سماع شيءٍ سواها، تنفّسي غدا أصعب، كنتُ أتألّم كلّما شهقت في محاولةً لإيصال الهواء لرئتاي، أغشى الدخان عيناي وتهالك جسدي دُفعةً واحدة بعدما استنزفتُ آخر ذرّة طاقةٍ في خلاياه، ارتخت يداي وتوقّفت عن الزحف.

« يا... الله! »

آخرُ ما مرّ على مرآي كان طيفُ أندرو، خلتُ أنّي أراه وهو يتألّم أسفل هيكل تلك السيارة بين النيران، أبصرتُه وهو يُطالعني مُتبسّمًا، تلك الذكرى المؤلمة...
عادت تطرق ذاكرتي ثانيةً...
ولكن...
هل سأنجو هذه المرّة ؟!...
أم أنّي سألقاك يا أخي؟!..

بات فتحُ عيناي ثقيلًا عليّ فأرخيتُ الستار على عيناي، وحتى تنفّسي غدا صعبًا.

لقد قاومتُ يا براء...

حاولت...

لم أستسلم ابدًا....

لكن...

قد بلغ تعبي أقصاه...

سامحني يا صاحبي...

سامحني...

هدأ كلّ شيءٍ حولي فجأةً...

وتلاشى وعيي تدريجيًّا....

وسقطت غريقًا في الظلام...

« أسرعوا ! أحدهُم هنا ! »

« يحتاج للإسعاف على وجه السرعة! »

« رجاءً ! أفسحوا الطريق ! لدينا مُصاب هنا !
ابتعدوا ! »

« يا إلهي! ياله من حريق! هل هو حيّ؟! »

« ١،٢،٣، هيا! »

« لا يستجيب!! »

« ١، ٢ ،٣ »

« مجدّدًا !! »

« لا نبض! »

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top