الفصل الثالث عشر : لمَ توقّفتَ؟!

بعد أن اعتنقتُ الإسلام جلست مع الشيخ خبّاب وأخذ يُعلمّني أساسيّات الإسلام، ابتدأ بأركان الإسلام وهي خمسٌ :« شهادةُ ألّا إلــه إلّا الله وأنّ محمدًا رسولُ الله، إقامةُ الصلاة، إيتاء الزكاة، صومُ رمضان وحجُّ البيت لمن استطاع إلـيه سبيلًا »

انتقل بعد ذلك لأركان الإيمان :« أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقَدر خيره وشرّه »

أخذتُ أدوّن ما أخبرنيه به الشيخ في دفترٍ صغير كرّستُه لأكتب فيه أولى أساسيّات الإسلام. بعد ذلك اصطحبني الشيخ برفقة براء لحمّامات المسجد وأخذ يُعلّمني الوضوء خطوةً خطوةً ابتداءً من فروضه وحتى سُننه. وبعد انتهائنا جلس وأعلمني أنّه قد فُرض علينا خمس صلواتٍ في اليوم واللّيلة، وأخذ يُريني كيف أُصلّي الفجر، الظهر، العصر، المغرب والعشاء.

بعدما انتهينا أتى إليّ براء وهمس في أُذني :« ألا تُريد أن تصلّي الظُّهر معي؟ »

نظرتُ له بتفاجؤ وسألته :« ألم تُصلّي مع الجميع قبل قليل؟! »

هزّ رأسه نافيًا وهو يبتسم وقد أجابني بنبرةٍ فرِحة :
« وأفوّت أوّل صلاةٍ لي مع مينائي العزيز؟ »

لم أستطع كتم ضحكاتي على لقبه الذي أطلقه عليّ وردّدتُ مُتعجّبًا :« م.. مينائي؟! »

فأجابني دون تردّد :« أجل، ممّ أنت مُتعجّب ؟! أنت مينائي الذي ترسو فيه سُفني براحةٍ وأمان دون الشعور بالخوف أو القلق، مينائي الذي أحبّ أن أرسو فيه على الدّوام »

تعجّبتُ قليلًا واعتلت شفتاي ابتسامةٌ صادقة؛ فهذه كانت أوّل مرّة أرى فيها ذاك الجانب من براء، لقد كان سعيدًا جدًّا وشعرتُ أنّه يُحاول إيصال مشاعره لي بطريقته.

« هيّا! هيّا يا مينا لنصّلي! » قال براء بينما يجذبني من ذراعي، فاستقمتُ ووقف براء على يساري، كبّر براء فكبّرتُ وراءه وقد رفعت كفّاي بمحاذاة منكباي، ثم حلّ الصمت؛ إذ كانت صلاة الظُّهر سريّة. وبما أنّي اعتنقت الإسلام توًّا فلم أكن أحفظ من القرآن شيئًا، فأخبرني الشيخ أنَّه في البداية يجوز لي بدل أن أقرأ الفاتحة أن أقول :« سبحان الله، الحمدلله، الله أكبر » بقدر الوقت الذي تنتهي فيه سورة الفاتحة، وياليُسر الإسلام! ديننا اليسير الجميل! ففعلتُ ذلك. كبّر براء راكعًا ففعلتُ المثل في الرّكوع؛ فلازلتُ لم أحفظ جميع الأذكار بعد. بعد أن رفع براء من الرّكوع خرّ ساجدًا، وحينما سجدتُ كنتُ فعلًا في عالمٍ آخر! كان للسجّود شعورٌ آخر! شعورٌ لا يمكن وصفه! شعورٌ يبهج النفس! شعورٌ بأنّي إلى الله أقرب! ووددتُ لو أظلُّ ساجدًا طول الوقت لأذوق طعم ذاك الشعور المُريح. أكملنا صلاتنا وبعد أن انتهينا جلس براء قُبالتي وحاول تعليمي بعضًا من أذكار ختم الصلاة. أهداني الشّيخ خبّاب بعد ذلك حقيبةً بها بعض الكتيّبات التي تُفيد الجدُد في الإسلام، فابتسمتُ له وشكرته من كلّ قلبي. كما أخبرني أنّي أستطيع تغيير اسمي إن وددتُ ذلك، ولأكون صادقًا كنتُ قد فكّرتُ فعلًا في هذا!

سألت براء بينما نحن جلوسٌ على سجّاد المسجد :
« كيف حال ذاك الشاب المُناضل؟ عُميْر ؟ أهو بخير؟! »

التفت لي براء وقد أطلّ الحزن من عينيه وأجابني بخفوت :« عُميْرُنا بخير، ولكنّ المرض قد اشتدّ عليه، لا تنساه من دعائك...»

تبسّمت بانكسار ودعوت الله له أن يشفيه ثم حادثتُ براء :« هل يُمكنني اختيار اسمٍ جديدٍ لي الآن؟! »

أومأ لي براء بسعادة مُردفًا :« يمكنك ذلك بالطّبع، ولكن سيظلُّ اسمك " مينا" في الأوراق الرّسميّة حتى تذهب لمشيخة الأزهر وتغيّر اسمك رسميًّا من هناك »

« أجل أعلمُ ذلك، الأوراق الرّسميّة غير مهمّةٍ الآن »

ضحك براء وتساءل بينما يُطالعني بسوداويّتيه :« في بالك اسمٌ مُعيّن؟! »

أومأت وقد لمعت عيناي بسعادة :« أجل! سأكون قويًّا ومناضلًا كأخي عُميْر، أودّ أن يكون اسمي " عُميْر" »

ابتسمتُ عندما لمحتُ الذّهول على ملامح براء التي سرعان ما تحوّلت لملامح مُبتسمة مُشرقة وهو يُعلّق :
« أحسنت الاختيار يا عُمير! »

« شكرًا لك! »

كان العصرُ قد قارب على الأذان فانتظرنا ريثما يُؤذّن حتى أُصلّي مع الجماعة في المسجد لأوّل مرّة ولن تكون الأخيرة! صليّتُ العصر مع الجماعة وكنتُ في قمّة السّعادة؛ إذ أنّي كلّ ثانيةٍ كنتُ أتيقّن من صحّة اختياري، وأنّ الإسلام فعلا هو الدين الحق!

بعد أن صلّيتُ العصر، و ودّعتُ براء عدتُ لمنزلي، وضعتُ الحقيبة التي احتوت بعض الكُتب الإسلامية في سيّارتي؛ فلن أستطيع الدّخول بها هكذا أمام والدي.

مرّ باقي اليوم بهدوء، وعدتُ لعملي في الورشة واستقبلتُ آلاف الأسئلة من العمّ ريمون الذي كان مُتلهّفًا، قلقًا من آخر موقفٍ قابلني فيه. ظللتُ أُجيبه على أسئلته بما يُطمئنه حتى انقضى اليوم وعدتُ للمنزل ثم استلقيتُ على سريري، ولأوّل مرّة نمتُ بأجمل شعور في صدري، وأستطيع أن أجزم أنّي ما نمت أهنأ من تلك النومة طول حياتي.

مرّ الأسبوع سريعًا وبدأتُ أعتاد على ديني الجديد، بتُّ أستيقظ فجرًا بهدوء وأتوضأ ثم أُصلّي، وكذلك باقي الفروض أُصلّيها إمّا في المسجد أو في غرفتي بعدما أُقفل بابها، وصرتُ أحضر دروسًا دينيّة للشيخ خبّاب مع براء في المسجد. وصارت حياتي أجمل ما يكون، صرتُ أستمتع بكلّ لحظةٍ أقضيها، صرتُ أجد لذّة عجيبة في الصلاة، وأجد راحة عظيمة تجتاح خافقي. وكنتُ أنتظر يوم الجُمعة كلّ أسبوع لأحتفل بذاك العيد المُبهج، صدقًا أشعر دومًا أنّ يوم الجمعة يختلف عن سائر الأيّام، له أجواءٌ خاصّة وجميلة، والجميع يكون سعيدًا ونهنّئُ بعضنا، أشعر أنّه عيد حقًّا!

أقبل شهرُ شعبان وابتدأت الشوارع بالتّزين بالفوانيس المُلوّنة والشرائط المُزخرفة استعدادًا لاستقبال ذاك الشهر الكريم، وكم كنتُ متحمسًا لقدومه!

استيقظتُ من نومي حين وصل لمسمعي صوت المنبّه، أقفلتُه وتوجّهتُ للحمّام لأتوضّأ، بعد فراغي خرجتُ من الحمّام بهدوء؛ كي لا أوقظ والدي ودخلتُ غرفتي وأغلقتُ الباب بالمفتاح مخافة أن يدخل عليّ والدي فجأةً، وصلّيتُ الفجر وقلبي يخفق بشدّة خوفًا من اكتشاف والدي لي، صلّيت الفجر بصمتٍ وظللتُ أستغفر الله لأنّي لا أجهر بصلاتي؛ إذ أنّي لا أستطيع أن أُخاطر، فلو علم والدي فبالتأكيد لن أنجو! بعد أن انتهيتُ خرجتُ من غرفتي وتوجّهتُ للمطبخ؛ كي أُعدّ الفطور لوالدي قبل أن يخرج لعمله.

« صباحُ الخير أبي! الطعام على الطاولة، سأنضمُّ لك ما أن يجهز الشّاي »

حضّرتُ الشاي وانضممتُ لوالدي أتناول الفطور البسيط الذي أعددتُه؛ إذ أنّي عادةً لستُ جيّدًا في الطهي. تكوّن الفطور من قرص بيضٍ ذهبيّ كبير، زيّنتُ وجهه بقطع الجبنة البيضاء التي أضفت على البيض طعمًا رهيبًا! وبعضًا من أرغفة الخبز الساخنة.

بعد انتهائنا من تناول الفطور خرج والدي لعمله، وما هي إلّا دقائق حتى خرجتُ أنا أيضًا لعملي... نعم عملي في المتجر المُجاور! لا أستطيع تخيّل ما سيحدث إن اكتشف والدي تلك الكذبة! وإن اكتشف أنّي اعتنقت الإسلام! يا إلــهي! مُجرّد التخيّل يبثّ في أوصالي الرُّعب.

دققتُ بابه فور وصولي وانتظرتُ لعدّة ثوانٍ ولم يُجب، فطرقتُ ثانيةً ولم يُجب كذلك لكنّي سمعتُ صوت خطواته تقترب حتى فُتح الباب لي وظهر براء بمظهرٍ غريب ومضحك؛ فقد زُيّن وجهه بخطوطٍ ملوّنة عشوائية وُزّعت على وجهه بينما كانت يداهُ مُلطّخةً بألوانٍ عدّة، وبينما كانت إبهامُه وسبّابته يقبضان على فرشاةٍ للرّسم. طالعني مُبتسمًا وضحك على تعابير وجهي المُتعجّبة وهو يلج للشّقة؛ فبادرتُه بالسّؤال :« أكنت ترسُم؟! أتُحبّ الرّ__» توقّفتُ عن الكلام وتجمّدتُ في مكاني فور رؤيتي لحامل اللّوحات الذي توسّط الصالة وقد استندت عليه رسمةٌ قد أسرت عيناي بجمالها.

كانت اللّوحة تُجسّدُ غروب الشّمس في الأفق، وكم كانت رائعة! حيث تسلّلت أشعّتُها بين ثنايا تلك المباني التي بدت صغيرة لبعد المسافة، وتزاحمت تلك السحب الزرقاء لتحجب أشعة الشمس الذهبية التي انعكست عليها لتعطي لها أجمل لون قد تراه العين! سبحان الله!

« براء! أ.. أنت من رسم تلك اللّوحة؟! » تساءلتُ بتعجُّبٍ بينما أُشير حيث اللوحة.

ضحك براء وهو يحمل ذاك الصحن المُقسّم الذي يخلطون فيه الألوان قبل أن يرسموا بها على اللّوحة، ثم اقترب وحمل فرشاته وبدأ يضرب بها السحب في السماء فأصبح اللّون الأزرق المائي ينتشر في أنحاء اللّوحة ليضفي رونقًا جذّابًا للسّماء.

« أجل يا مي_ عُميْر، لكن أظنّ أنّها ليست بهذا الجمال؛ فمنذُ مدّة لم أرسم » أجابني براء وهو يبتسم بتواضع.

« براء! أتمازحني؟! إنّها رائعة! تحفةٌ فنّية! لمَ لم تُخبرني أنّك تُحبّ الرسم ؟! »

وفجأةً تلاشت ابتسامته وأخذ يضرب بفرشاته على اللّوحة لتضيف لونًا رماديًّا للأرض ثم قال لي بنبرةٍ هادئة :« ذلك لأنّني.... توقّفتُ... عن.. الرّسم » وحينما انتهى من كلامه لاحظتُ تمدّد اللّون الرّمادي وانتشاره في اللّوحة بشكلٍ كبير، لكنّه لم يفسد اللّوحة.

اعتلت الدهشة ملامحي وأنا أسألُه بينما أقترب منه وأنا أُحدّق في اللوحة :« و.. لمَ.. توقّفت يا برائي؟! »

ترك براء فرشاته على حافّة حامل اللّوحة واستدار يخطو نحو النّافذة واستند بكفْيه على سورها يُحدّق في السماء ولكنّي لمحت التماع عينيه بالدموع وذاك الحزن الذي أطلّ من سوداويّتيه قد آلم فؤادي كثيرًا...

يتبع.....

رأيكم بالفصل؟ ✨💗

توقعاتكم؟

براء يودّ أن يريكم رسمته البسيطة 🤭


أعجبتكم ؟ 🙈

ربما يكون الفصل القادم نهاية الأسبوع، لأنّ مدرستي ستبدأ غدًا🥀 لذا كونوا في الانتظار 🌼

وإلى لقائنا القادم دمتم في أمان الله وحفظه 🌻✨

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top