بارت 17

لا أحد يعلم تفاصيل حياتك ولا همومك ولا مواجهاتك، الجميع يكتفي بالنظر من بعيد لعثراتك، اصنع مجدك ولا تخشى صعوباتك، تجاهل من يحبطك، ركز على أهدافك، ستصل وتنجح ولو طال طريقك"......... .❤️🌸

-----

صوت الطرق على الباب أزعجه فأتجه نحوه و فتحه بعصبية لتقابل عيناه عينا إبنته الدامعة و ملامحها المذعورة أثارت قلقه و قبل أن يسألها عن سبب حالتها هذه تحدثت هي بسرعة :

" أبي ، يوتا إنه.... "

سماعه لاسم صغيره بتلك النبرة جعل القلق يحتل كيانه فسألها بقلق :

" ما به يوتا ؟؟ "

تشبثت بملابسه و ردت عليه :

" إنه لا يستيقظ ، و جسده بارد جداً "

إتسعت عيناه و بلا شعور منه دفع ميرا و هرع لغرفة يوتا و تقدم منه ليحمله و يخرج بسرعة للتوجه إلى المشفى..

و بينما ينزل عن السلالم لمحه ماكوتو فأسرع نحوه يسأله عما يحدث لكن تاناكا لم يعره أي إنتباه و خرج من المنزل بسرعة

تقدمت ميرا من ماكوتو و قالت على عجل :

" لنذهب للمشفى ، لا أعلم ما الذي حدث ليوتا "

أومأ لها و خرج معها مسرعاً وأصطدم بأحدهم فأعتذر دون النظر لمن إصطدم به و أكمل طريقه رفقة ميرا ثم ركبا سيارة كين و لحقا بسيارة والدهما

و أمام باب القصر إعتدلت تلك المرأة واقفة و أعادت شعرها الأسود للخلف و نظرت لمكان السيارة بإنزعاج و تحدثت بسخط قائلة :

" ياله من وقح ! لم يكلف نفسه عناء مساعدتي على النهوض حتى "

إستدارت لتدخل القصر لكنها توقفت فجأة حين تذكرت خروج تاناكا حاملاً بين يديه طفل هي حقاً لم تنتبه لهذا
عادت أدراجها و استقلت سيارتها لتلحق بهم فبالتأكيد المشفى هي وجهتهم...

و بعد مدة من الوقت خرج الطبيب من الغرفة فهرع الجميع إليه و بادر تاناكا بالسؤال قائلاً :

" ما به ابني أيها الطبيب؟ "

تنهد الطبيب و قال :

" سيد سوزوكي ، ابنك لا يعاني من اي شيء ، لقد قمنا بفحصه و لم نجد سوى جروحه السابقة "

إستنكر الجميع كلام الطبيب فكيف لا يوجد به شيء ؟!

وعند الاستقبال كانت ذات الشعر الأسود قد توقفت تلتقط أنفاسها بعد أن أكملت طريقها ركضاً بسبب الازدحام المروري ثم قالت مخاطبةً إحدى الممرضات :

" أرجو المعذرة ، أيمكنكِ إخباري بمكان سوزوكي يوتا ؟ "

و بعد أن تلقت الإجابة هرعت ناحية غرفته فوجد تاناكا يتحدث مع الطبيب أمام الباب فتقدمت منهما بهدوء فتمكنت من سماع ما يدور بينهما..

تنهد الطبيب و قال:

" سيد سوزوكي خذ بنصيحتي و دع طبيب نفسي يرى إبنك ، فقد تكون مشكلته نفسية فكما أخبرتك للتو لا يوجد ضرر جسدي جديد "

هز تاناكا رأسه بالإيجاب و قال :

" معك حق "

ربت الطبيب على كتف تاناكا ثم غادر و في اللحظة التي تحرك فيها تاناكا ليدخل الغرفة استوقفه صوت أنثوي قائلاً :

" أهكذا تعتني بطفلك يا سيد تاناكا ؟ "

إلتفت تاناكا لذات الشعر الأسود فأتسعت عيناها و همس بعدم تصديق:

" أنتِ؟! "

إبتسمت بسخرية و قالت :

" دعني أذكرك بكلماتك التي قلتها ذلك اليوم...لقد قلت من الأن و صاعداً لا أريد لأحد منكم أن يقترب من إبني ، إنه طفلي و أنا أعرف كيف أعتني به "

صمتت لبرهة ثم أكملت كلامها بينما تشير بيدها ناحية الغرفة التي يرقد بها يوتا :

" ما قولك الأن؟؟ ألديك أي تفسير لما يحدث؟؟ "

تنهد تاناكا وأشاح بنظره عنها ثم قال بعد صمت قصير:

" هذا أمر لا يعني أي منكم لذا..."

صمت و أعاد نظره إليها ثم قال:

" إبقوا بعيدين عنا "

أنهى كلامه و هم بدخول الغرفة فأستوقفه صوتها حين قالت:

" دعني أكون طبيبته "

إلتفت ناحيتها فأكملت كلامها قائلة:

" قبل قليل ، ذلك الطبيب قال أن يوتا بحاجة لطبيب نفسي لذا دعني أكون طبيبته "

" لا داعي لذلك "

قالها تاناكا و دخل الغرفة مغلقاً الباب خلفه تاركاً إياها خلفه تحدق بالأرض بصمت....

وفي الداخل كان يبدو على ماكوتو و ميرا القلق و الحيرة مما أثار إستغراب والدهما فتقدم منهما و سألهما عما يقلقهما فجاءه الرد الصادم من ماكوتو حيث قال:

" أبي...يوتا لا يرد علينا...إنه حتى لا ينظر إلينا "

قطب تاناكا حاجبيه و وجه نظره ليوتا الذي يحدق في الفراغ ثم تحدث بقلق مغلف بالهدوء :

" يوتا ، هل أنت بخير؟ "

لا رد لذا كرر سؤاله و مجدداً لا رد...

تقدم تاناكا خطوتين ناحية يوتا و كرر سؤاله للمرة الثالثة و لكنه لم يحصل على أي رد من يوتا الذي حول نظره للأرض..

إقترب تاناكا أكثر حتى صار بمحاذاة السرير ثم مد يده وأمسك بكتف يوتا فصدم حين بدأ يوتا بالصراخ قائلاً :
" ابتعد عني ، ابتعد "

تراجع تاناكا للخلف عدة خطوات و الصدمة تعلو ملامح وجهه كما هو حال ماكوتو و ميرا و كذلك هو حال من تنتصت عليهم من خلف الباب..

و بمجرد ابتعاد تاناكا هدأ يوتا مما أثار إستغرابهم فأقترب ماكوتو يكرر فعلة والده ليلقى نفس ردة الفعل من يوتا !!

بعد أن ابتعد ماكوتو عن يوتا قامت ميرا بمناداة الطبيب ليكرر الطبيب كلامه مرة أخرى و هو أن يوتا بحاجة لطبيب نفسي!

خرج تاناكا من الغرفة بعد خروج الطبيب فوقعت عيناه على التي تبكي بصمت فاقترب منها بملامح غاضبة و قال:

" لما لم تذهبي بعد ؟ أخرجي من هنا حالاً "

مسحت هي دموعها بعصبية و قالت:

" و هل هذه أرضك لتطردني منها ؟ لن أذهب لأي مكان ، سأبقى هنا فيوتا يحتاجني "

رد عليها قائلاً :

" لن أدعكِ تكونين طبيبته حتى ولو لم يبقى على وجه الأرض طبيب نفسي غيركِ "

كادت ترد لكنها صمتت وتحولت ملامحها للدهشة و الشوق حينما سمعت صوته ينطق بخفوت :

" أمي ؟! .. تشبهينها ! "

تحولت الانظار ليوتا الذي وقف أمام باب الغرفة يحتضن ذراعيه بتوتر بينما يحدق بهدوء شديد بآشينا ، و خلفه وقف كلا أخويه و يبدو أنهما تفاجئا من هروبه للخارج .

" بني أنت بخير ؟ "

قطع التحديق تاناكا الذي تقدم نحو يوتا بقلق و قبل أن يلمسه فرد يوتا كفه ببرود محذراً بعدوانية ظاهرة :

" لا تلمسني .. أبداً "

تراجع خطوتين و هرب من أمام الجميع بخطوات هادئة يعانق نفسه و كأنه يحاول حماية نفسه من شئ ما لكنه لم يكن يفعل ، كان فقد حذر للغاية !

غادر الجميع و عادوا للبيت .. أما آشينا إستاءت كثيراُ لما حدث فقررت الذهاب باليوم التالي لمنزل صديقتها المقربة .

**

بقصر آل سوزوكي ..

كان يوتا ينام بكل هدوء بغرفته منذ جاء من المشفى ليغلق باب غرفته من الداخل ، لم يرد اللقاء بأحد منهم ليتجاهلهم كلياً حتي عندما أتت الخادمة بالطعام لم يأخذه منها أو يرد .. كان هناك شئ مفقود .. شغفه بالحياة أصبح باهتاً فجأة .. لم يعد يشعر بالمتعة بأي شئ .. أصبح كل شئ رمادي فقط .

طرقات هادئة ثم صوت والده يطالبه بفتح الباب جعله يفتح عيناه بهدوء .. إعتدل بجلسته و نهض يقترب من الباب ، قام بفتحه ليظهر والده خلفه مع رجل يرتدي قميص سمائي و بنطال أسود معه حقيبة صغيرة و ابتسامة هادئة .

تبادل النظرات الباردة بينهما ليتكلم والده بتوتر بينما يدخل ليزيح يوتا عن الطريق ليدع الطبيب يدخل :

" يوتا عزيزي .. لا تقلق فقط سيطمئن عليك الطبيب و عندها سيغادر .. أعرفك الطبيب ميراكو ."

نظر يوتا للطبيب و إبتسم باصطناع لينطق مفاجئاً والده من ردة فعله :

" تفضل تفضل ، مرحب بك بغرفتي سيدي ."

كاد تاناكا يدخل لكن يوتا نظر له بعدائية و نطق ببرود :

" لا أظن أنه مرحب بك هنا سيد سوزوكي ."

انزعج تاناكا و شعر بالاهانة لكنه تنهد عميقاً و التفت يغادر متجاهلاً ما حدث للتو فبقى الطبيب مع يوتا الذي أغلق الباب و توجه ليجلس علي طرف السرير ببرود .

توجه الطبيب خلفه و جلس إلي جانبه ثم بدأ بالحديث معه بودية و يوتا ببرود و انزعاج .

" ما اسمك ؟ .. انا الطبيب ميراكو .."

" تشرفنا ، ماذا تريد ؟ "

" الحديث معك "

" أنا لا اريد ، فلا أعرفك ."

" اذاً لنصبح أصدقاء ."

" لا "

" حتي لو عابرون ؟ "

" لا "

" قليلاً فقط "

" حسناً "

" أخبرني إذاً ، هل لديك أصدقاء "

" هذا يكفي "

بهجومية صاح غاضباً من أسئلته ليحاول الطبيب تهدئته بهدوء الا أنه شعر فجأة برأسه التي كادت تنشق لنصفين بسبب يوتا الذي ضربه بمزهرية ، فأمسك برأسه و قد شعر بدماءه تسيل بخفه في حين فتح يوتا الباب و صرخ بعلو صوته :

" أخرج و حالاً ، أنا لست مجنوناً ! "

جرجر الطبيب قدميه ليخرج و يقف امام الجميع الذي أتوا يتقدمهم تاناكا الذي نظر للطبيب المصاب ثم لإبنه ليهتف بقلق :

" ماذا حدث ؟! "

فتلقى صراخ يوتا بينما يدفع الطبيب للخارج طارداً إياه :

" أخرجوا من غرفتي ، حالاً ." ،،،،
،،،، " لا أريد رؤية أحدكم .. أبداً "

توقف يتنفس بقوة و غضب عنيف ليضطر تاناكا التدخل و يوقف يوتا فقد تخطى حدوده كثيراً ، فأمسك بيده و و جذبه لداخل الغرفة و أغلق خلفه .

" ما يحدث لك ؟ "

سأل تاناكا بعد أن هدأ نفسه من الغضب ليتحاشى يوتا نظراته و يتوجه ليجلس علي السرير بإنزعاج .

تنهد الاكبر مرة أخري ثم جلس إلي جانبه ، أراد أن يضع يده علي كتف الاصغر لكن يوتا إنكمش بعيداً عنه فتراجع عن فكرته ، للحظات قبل أن ينطق بابتسامة :

" أتذهب معي للشركة ؟ "

الا أن ما قاله لم يهتم به يوتا ، ففكر ثم قال مرة أخري محاولاً لفت أنظار يوتا و سعادته بالاشياء التي يحبها :

" إذاً الملاهي .. سنركب هناك الافعوانية ."

لم يجد رداً غير البرود التام من ابنه فانزعج لكنه قرر أن يحاول و لم يجد الا شئ واحد ، ربما يكون سبب تجاوب يوتا لحديثه :

" المثلجات ، انت تحبها ، ما رأيك بالفانيلا او الشيكولا او ... "

" لا أريد شئ ، أنا أكرهكم فقط ، أكره تلك الاشياء "

قاطعه منفعلاً فحدق به تاناكا ، لا يعرف ماذا يمكنه أن يفعل مع ابنه ، إبنه الذي كانت تغريه أقل الاشياء تفاهة و يستمتع بها .. الان فقد كل شئ دفعة واحدة .. فقد الشغف !

*****

أثناء ما كان يحدث بعائلة يوتا ، كانت آشينا تقرع جرس منزل صديقتها العزيزة .

فتح لها فتي بشعر أحمر و عينان زرقاوتان فابتسمت له و قبل أن يتحدث وجد نفسه بأحضانها بينما تهتف بحماس شديد :

" أوه يوكي الصغير ! لا تعرف كم إشتقت لك يا طفل صديقتي ."

إبتعدت عنه بسعادة لرؤيته أنه كبر لكنه وقف متسمراً محرجاً مما حدث ، فمن هذه ؟! .. و كيف عرفت إسمه ؟!

" أمي ؟ "

هتف بصوت مسموع بينما يهرب من أمامها و عندها إقتربت أكيكو مستغربة من هروب صغيرها خلفها لتتوسع عيناها في حين تنطق الاخرى بمرح :

" أكيكو إشتقت لك يا حمقاء ."

" آشينا ؟! .. أهذه أنت ؟! "

صاحت بفرحة غامرة بينما تتجه لآشينا تتعانقان بسعادة ، و بعد الكثير من العناق و كلمات الشوق و الصداقة النابعة من قلبهما جلستا معاً بغرفة المعيشة ، كانا أصدقاء طفولة تعرفا علي بعضهما بسبب شين الذي كان يعرف آشينا لأنها إبنت صديق والده الراحل .

" كيف حالك ؟ "

" بخير ! "

" مدة طويلة آشينا ! "

" اسفة ."

ابتسمت فبادلتها أكيكو سعيده ، بقي الصمت مطبق للحظات .. التوأم ينظران لبعضهما بإستغراب بينما يجلسان علي الاريكة بصمت .

لاحظت أكيكو شيئاً بصديقتها ، كيف لا و هي أكثر من تعرف آشينا ؟

" ما بكِ آشي ؟ .. تبدين منزعجة ."

و تنهيدة عميقة أطلقتها المعنية لتبدأ بالحديث علي كل شئ حدث بينها و بين تاناكا و مع كل كلمة تندهش أكيكو التي نطقت بغير تصديق بعد أن إنتهت صديقتها من الحديث :

" أهذا يعني إنكِ خالة يوتا ابن سوزوكي تاناكا ؟! "

" أتعرفين يوتا ؟! "

بادلتها سؤال متعجب ، كان الاثنان مندهشتان ،يال للقدر ، لقد جمعهما من الطفولة و شابك قدرهما معاً بحياة صبي صغير !!

" كيف تعرفينه ؟! "

سؤال أخر جاوبتها عليه أكيكو تخبرها عما حدث بغيابها و حين انتهتا من الحديث أدلت آشينا بإنزعاجها :

" المشكلة الان يا أكيكو أنني لا أستطيع الاقتراب منه و مساعدة ابن شقيقتي بظل وجود تاناكا فهو لا يتقبل وجودي و كأنه لا يريد ليوتا أن يعرف أن لوالدته أشقاء او أسرة تعيش بالخارج ! .. قولي لي ماذا يمكنني أن أفعل ؟ "

" هناك شئ واحد و هو يجب أن تلتقي بيوتا ."

" و كيف ذلك ؟ "

عقدت أكيكو جبينها تفكر بشئ تستطيع فيه أن تلتقي آشينا بيوتا لتبتسم فجأة ، هناك حل وحيد .

" يوكي ، آكي .. إذهبا لغرفتكما ، فلدي حديث مع خالتكما ."

رغم إنزعاجهما لكنهما لا يتجرآن و يخالفا أمراً حتي لا تشتعل والدتهما ، لذا أخذ يوكي بيد توأمته و ذهبا لغرفتهما المشتركة .

" ريكي ... ! "

نطقت أكيكو بابتسامة فنظرت لها آشينا بعدم فهم لتكمل الاخري موضحة :

" أنه شقيقي ، ألا تذكرين قصتي ؟ "

" بلا أذكرها ."

" و أنا أعني شقيقي يمكنه إيجاد حل لتلتقي بيوتا .. أما كيف وجدت أخي فسوف أخبرك بالطريق ، الان تعالي معي ."

أخذت بيدها لتغادر المنزل تحت إستغراب آشينا بكل شئ !

*****

طرقت الباب ، قررت أن تدخل لتحدثه لكنه لم يستجب لها بل تكور أسفل الغطاء متجاهلاً من يطرق الباب .

و كحال أخيها هي نزلت حزينة لعدم إجابة أخيها لها ، رآها كازو ففكر ثم إبتسم و خرج للحديقة .

توقف أسفل غرفة يوتا و نظر للشجره ثم تسلقها حتي غرفته ، فتح النافذة و دخل بهدوء شديد ليتوقف أمام السرير و قد وجده يغطي نفسه تماماً فإقترب رويداً رويداً حتي قفز مرة واحدة علي السرير ففزع يوتا و تصلب برعب ليري ابتسامة رفيقه الهادئة ثم كلماته :

" إشتقت للجلوس معك ، يوتا ."

جلس كازو و أخفض عيناه بينما يكمل :

" لم تعد يوتا الذي أعرفه ، أين ذهب ؟ ... حقاً اصبحت أشتاق لصديقي الذي لم أفارقه يوماً و الذي كان دائماً يصطحبني ليشاركني أحزانه و أفراحه ."

كلماته أثرت بيوتا ، لا يعرف كيف حدث ذلك لكنه وجد نفسه يبكي ، تنزلق دموعه بغزارة و تخرج شهقاته بألم ، لا يعرف مما هو حزين ؟ مما هو متألم ؟ .. لا يعرف لما هو بتلك الحالة ؟ .. هو مشتت كثيراً !

تقدم كازو نحوه يهدئه ليتفاجأ بعناق يوتا له بقوة يبكي أكثر فبادله بدهشة و حزن محاولاً تهدئته لكن لا جدوي ، فقط بقى يبكي بحده .

" أرجوك كازو ، أرقد بجانبي فأنا خائف ."

لم يرفض كازو بينما الحيرة سادت بملامح وجهه ، فما الذي يخاف منه يوتا ليبكي هكذا ؟ و ليطلب منه أن ينام بغرفته ؟!

هدأ يوتا تدريجياً حتي غفى فغطاه كازو و بقي الي جانبه حتي الصباح .

*****

يوماً أخر أشرق ينشر نور الشمس و حرارتها لتدفئ العاصمة .. بدأ الجميع بالذهاب الي اعمالهم و تأدية مهامهم اليومية .

كان النشاط ينتشر بقوة من الصباح و المدينة تعج بالناس الا أن ذلك لم ينطبع علي قصر آل سوزوكي فقد إحتلته الكئابة من جميع النواحي .

كازو من الصباح ترك يوتا نائماً و غادر للمدرسة التي لم يهتم يوتا بذهابه إليها وفضل النوم علي ذلك .. تاناكا لم يجد الا أن يذهب للشركة بما أن كين و كيرارا ما يزالان بالسفر لذلك كان كل شئ عليه مما اضطر لأخذ ماكوتو الذي لم يتكلم بل ابتسم و ذهب معه ليتبقي بالمنزل كلاً من سايا و الخدم بالاضافة لهيرو بينما ريو ذهب لأحد أصدقائه كما أخبرهم و الفتاتان ذهبتا مع كازو للمدرسة .

" مدام ، هل أحضر الطعام للسيد الصغير ؟ "

نطقت إحدي الخادمات تسأل سايا ، فإلتفت المعنية نحوها بينما كانت تجلس بالحديقة تحتسي بعضاً من الشاي لتنطق مستغربة :

" ألم تحضري له الطعام للآن ؟ "

أخفضت الخادمة رأسها بينما ترد بهدوء :

" بل فعلت ، لكن هل أذهب إليه به أم أتركه نائم سيدتي ؟ "

فهمت سايا ما تعنيه الخادمة لتنطق بهدوء :

" دعي هذه المهمة عليّ ."

" حسناً ."

همست الخادمة ثم ذهبت تغادر من أمام سايا التي تنهدت و نهضت هي الاخرى لتذهب ليوتا ، ربما تحدثه قليلاً و تفهم سبب تلك التصرفات .

بعد ثلاث دقائق كانت تطرق غرفته و ذلك قبل أن تختصر الوقت و تدلف للغرفة .. كان ما يزال نائماً بلحاف يغطي كل جسده حتي رأسه .

تبسمت بحزن علي حاله بينما تقترب نحوه ، جلست و اقتربت تبعد الغطاء عنه بعد أن وضعت صينية الطعام جانباً .

إعتدل هو حين رآها رغم دهشته بوجودها ، فهي لم تفعل ذلك أبداً منذ كان طفلاً لكنه أيضاً لم يتحدث ، بل جلس بصمت ينتظر منها اخراج ما في جعبتها لتغادر مثلها مثل غيرها من أهل المنزل .

" أعرف أني لا أجلس معك كثيراً .. الا إن كنا مع الاسرة لكني .. أنا أريد المشاركة معك بالحديث ، إعتبرني كأمك ."

بادرت رغم ربكتها فقابلها بإبتسامة فاقدة لمعني الحياة بينما يرد عليها يائساً و عيناه لا تنظر لها :

" أمي ماتت بعد أن حاولت قتلي ، فلما أعتبرك مثلها ؟ .. أو لماذا أثق أنك ستكوني أفضل منها؟ "

أنهي كلامه يحدق بها بصمت و هي لم تقل دهشتها التي أخفتها من ملامحها الهادئة بل أجابته تحاول بقدر الامكان مراوغته :

" إذاً إعتبرني كأكيكو ؟ "

و هنا هو ابتسم ببرود و نطق :

" قولي ما لديكي ؟ "

اطمأنت لتسأله بإبتسامة بعد أن تنهدت :

" يوتا ، فقط أريد منك الخروج و الاستمتاع بالحياة مثلما كنت تفعل ."

حدق بها للحظات ثم عاد لينظر بعيداً دون رد فإنحنت نحوه تمسح علي خصلات شعره بحنان و تنطق بحزن :

" يو ، لا تعرف كم نحن قلقين لأجلك ! .. والدك أحضر طبيب نفسي لكي يري ما بك لكنك أذيته و ترفض أن يقترب منك أحد .. صغيري نحن خائفون عليه ."

و بدون أن ينظر لها نطق بنبرة شبه متخدرة :

" و هل ذلك يجعلني أحمقاً ؟ .. هل أخبر أي أحد بمشاعري بدون أن أعرفه ؟ .. عمتي .. أنت لا تعرفين كيف أشعر ؟ ... أنا لم أعد أطيق نفسي و حياتي هذه ... تمنيت الموت مراراً لكن الامر يزداد ألماً فقط ."

أغمض عيناه بعدها يتنفس بإرهاق فنطقت بنبرة شبه انفعالية بعد أن غلبتها مشاعرها و بكت لأجله :

" إذاً أخبرني ما تشعر يوتا ؟ لا تدعنا قلقين هكذا و خائفين من فقدانك .. أعرنا بعضاً من حديثك و نعدك أن نستمع لك ."

" و منذ متي تستمعون لي ؟! "

توقفت هي عن الحديث حين قاطعها منفعلاً ثم سكت و قد تملكه الغضب ، فمسحت دموعها و سألته بجدية :

" ما الامر الذي تريده؟ و أعدك سوف ينفذ ! "

نظر لها مليَّاً ، هل فعلاً هي جادة ؟! .. هل المرأة التي تخاف حتي من فرض كلمتها او التحدث لأخيها عن مشاعرها ، قادرة أن تفعل ما يريده ؟!

ابتسم ساخراً محبطاً و رغم ذلك أدلى بكينونة مراده غير مراعي للصدمة التي ستتملك الجميع :

" أريد أن ألتقي بتلك السيدة التي تشبه أمي .."

و نظرات سايا تغيرت حين فهمت قليلاً مما يرمي إليه و قبل أن تتحدث إسترسل متضايقاً :

" خائفون علي ؟ .. تريدون أن يعالجني طبيب نفسي ؟ .. عليكم إذاً أن تحضروها إلي ، هذا سيكون أخر طلب ."

" و هو مرفوض تماماً ."

نظرت أعينهم نحو من نطق ذلك الكلام و رفض رفضاً قاطعاً رغبته بمقابلتها ، لم يكن همه الوحيد غير مقابلتها و معرفة من تكون ، ليس لتأتي للمعالجة من شئ كما يقولون لأنه ليس مريضاً ، هو فقط فقد الاهتمام بما حوله فلما ينظرون له علي انه مريض ؟!

وقفت سايا أمام تاناكا و نطقت بقلق :

" تاناكا .."

و نظرة منه أوقفتها و جعلتها تتراجع في حين تقدم نحو يوتا ليسأله عن طلبه ذاك الا أن يوتا لم يعيره إنتباهاً بل إبتسم ابتسامة ساخرة باهتة :

" أهذا أنك سوف تنفذين طلبي عمتي ؟! .. هه ! .. من نظرة فقط منه أخرستك ، لذلك أنا لا أريد منكم شئ غير أن تتركوني بمفردي ."

أنهي حديثه ليغطي نفسه كاملاً ، حينها تنهد تاناكا و خرج قبل أن يغضب و يفعل شئ يندم عليه فيما بعد ، فتصرفات إبنه لا تعجبه .. بتاتاً .

****

بحلول الرابعة و النصف مساءً ..

كان يسير علي غير وجهته ، نظره معلقاً أرضاً و كفاه يدفنهما داخل جيب سترته التي إرتداها سريعاً بغير إنتظام لتصبح فوضوية كما حال شعره الذي كان يتساقط علي عينيه مخفياً جبهته و عيناه التي إستحالت تعباً و بروداً الا أن ذلك أخفته قلنسوة السترة ، كما حال جسده الهزيل الذي فقد وزناً بالايام الماضية الا أن السترة أخفته .

توقفت خطواته علي بعد إنشات من عبوره للطريق العام ، ثم رفع نظراته المتعبة تحدق بالسيارات التي تمر بقوتها .. هو لا يعرف لما هرب من المنزل أو كيف فعلها ، لكنه لا يهتم بما سيحدث ، فكل ما يريده هو الابتعاد فقط .. لا يريد لتلك المشاعر الباهتة أن تسيطر عليه أكثر ، لا يريد !

أغمض عيناه و إستعد لمروره الطريق قبل توقف الاشارة و بأول خطوه بالشارع يد أحكمت بقوة علي معصمه و جذبته بعيداً فسقطت قلنسوته التي كانت تغطي شعره الفضي الباهت ، لكنه لم يتحدث و كل ما فعله هو التحديق ببرود قاتل و شئ من الرفض بعيناه لوجوده أمامه بتلك اللحظة .

و بدون أن يتحدث ريكي قام بجذب الاصغر من معصمه بعيداً ، يخترق صفوف الناس الذين يعبرون الطريق ، يرتطم بهذا و ذاك لكن الاكبر لا يهتم له ، بل كان يسرع أكثر ليخرج من بين الناس الذين يسيرون هنا و هناك .

ما إن خرجوا قليلاً من الفوضي و التزاحم بين الناس حتي جذب يوتا يده بقوة لكن ريكي لم يفلتها بل ضغط أكثر عليها فحاول يوتا فك يده بيده الاخري لكن لا فائدة ، فإنحني نحو يد ريكي يعضها لكن ذلك لم يأتي بفائده حتي إنتهت حلوله و محاولاته للإفلات ، ليهدأ تماماً مستسلماً فالتعب يشتد به من أقل مجهود .

" هل كنت تنوي الانتحار مجدداً ؟ "

سأل ريكي بهدوء بصوت مكتوم بسبب الكمامة التي تغطي فمه و هو يتفرسه بنظراته فأتت إجابة يوتا علي هيئة صراخ غاضب :

" دعني وشأني ، لا شأن لك ."

لم يهتم ريكي بصراخه ، ولا بتوقف بعض الناس و نظراتهم نحوهم بكل إستفسار ثم عادوا للحركة مجدداً .

" سعيد أنت بذلك ؟ "

" أنت السبب ."

أجاب عليه يوتا و قد أدمعت عيناه بألم إحتل فؤاده فلم يعد يستطع الكبت أكثر ، يشعر بالتمزق يزداد شيئاً فشيئاً داخله حتي ما عاد موزوناً فتنهد ريكي بشفقة و نطق بهدوء حين وجده سينخرط في البكاء :

" لنذهب بمكان أفضل.."

الا أن حديثه لم يكمله حين وجد يوتا ينهار بجانبه ، فأسرع بإسناده بسرعة من ظهره بينما يهتف بإسمه خائفاً :

" يوتا ؟! "

ضرب وجنته و فرك كتفه قليلاً بينما ينادي علي إسمه بقلق من أسفل الكمامة الذي كان يرتديها لكن الفتي لم يجب .

تقدم بعض الناس بقلق ليستفسروا لكنه لم يعيرهم إنتباهاً بينما يعدل قلنسوته حتي لا يراه أحد و يتعرف عليه ثم يعدل قلنسوة يوتا و يحمله بين يديه يخفي وجهه و ملامحه عن الناس ، ثم أوقف سيارة أجره و إستقلها و غادر .

بعد ساعتين كان يوتا ما يزال نائماً علي سرير باللون العنابي بغرفة شبه مظلمة تنيرها بعضاً من ضوء القمر المتسرب للغرفة ، يده اتصلت بإبرة متصلة بأنبوب متصل بزجاجة المحلول التي أوشكت علي الانتهاء .

بدأ بفتح عيناه حين شعر بدخول أحدهم للغرفة و إنارتها فوقع نظره المشوش علي فتاة بالعشرين ترتدي ملابس خاصة بالمستشفيات ، كان وجهها مألوفاً لكنه لم يتذكرها .. و لم تكن غير تلك الممرضة التي تعرفت عليه ذلك اليوم بالمشفى .

نزعت الانبوب من يده و تركت الابره فيه لربما يحتاجها مجدداً .. نظر إليه و ابتسمت تداعب شعره بيداها بينما تهمس :

" لا تخف أنت بآمان ."

ثم إعتدلت و غادرت تغلق النور خلفها و الباب ليبقي وحيداً بالغرفة يحاول إستيعاب ما يجري .

إعتدل بعدها بصعوبة ، يشعر بتحرك الحوائط و ارضية الحجرة من أسفل قدميه لكنه رغم ذلك نهض يستند علي أي شئ تقابله يداه .

فُتح الباب فتوقف يحدق بمن الذي دخل فوجده ريكي ، و خلفه كانت تقف تلك المرأة التي تشبه أمه .. نظر لها و اندمج بالتحديق فيها حتي تفاجأ بريكي يرفعه علي كتفه و يتجه نحو السرير ، فأخذ يقاومه ، يحاول الافلات منه رغم ضعفه ، يصرخ لكن لا فائده ، حتي وجد ريكي يضعه علي السرير لكن ذلك لم يجعله يتوقف ، كل ما حاول فعله هو محاولة إيذاء ريكي حتي لو بأظافره كمن يحاول الانتقام منه علي ما فعله الا أن ذلك أغضب ريكي و تحت محاولات أشينا لتهدئة الوضع هي و أكيكو صرخ ريكي بقوة و غضب بينما يقوم بصفعه بقوة علي وجنته :

" يوتا ! "

توسعت عين أخته و صديقتها و خرجت شهقه منهما تبلغ عن قلقهما مما حدث .

تنفس هو بتقطع و صدمه ، يحاول إستيعاب ما حدث ، وضع يده علي وجنته و إنزلقت دموعه تعبر عن ألمه ثم و بدون سابق انذار قام بدفع ريكي من صدره بينما يهتف بألم :

" أنت سبب كل شئ ريكي ، فلماذا تحاول إنقاذي بعد كل ما فعلته بي ؟!"

تنهد ريكي و أمسك بيداه الذي تضربه ، فحاول يوتا إفلات يده بينما بصرخ بـ " دعني " لكن ريكي كان يائساً عما يصلحه فإتهام يوتا له بتدمير حياته كان يؤلمه فهو ما عاد نفس الشخص بعد أن تقابل مع يوتا الذي كان السبب بإعادته لماضيه ، لكن كل ما رآه مناسباً هو النظر بأخته بتوسل فابتسمت بحزن تشير له بأن يفعل و يحاول إصلاح ما فعله ، فبعد أن تحدثت إليه و طلبت مساعدته قام بإخبارها عما حدث بينه و بين يوتا أخر مره فتدخلت أشينا تطلب منه إصلاح الامر بينه و بين الفتي .

" أسف ، أنا أسف "

تجمد يوتا حين همس ريكي بكل ذرة ندم داخله ثم صدم حين وجده يعانقه ، يحتضنه بقوة مربتاً علي ظهره بينما ينطق باستسلام :

" أعرف أني أسأت كثيراً لك ، لكني أعتبرك مثل أخي الصغير لذا خائف عليك من تلك العصابة .. سامحني ."

بالتأكيد هذا ليس ريكي ! .. ليس نفس الشخص الذي رآه بأول يوم ، ليس الشخص الذي عذبه حد الموت دون مراعاة لعمره او قوته الضعيفة ! .. هو شخص أخر تماماً .. كان ذلك كل ما فكر فيه يوتا بينما يغمض عيناه و يهدأ ، يتخذ من النوم راحة لكل تفاصيل عقله المؤلمة ، فهو ما عاد قادراً علي التفكير .. عقله أنهك تماماً حتي بات يخذله .. الحياة ضغطت عليه بقوة ، منذ طفولته يعاني و الان قد تملكه الضعف فما عاد قادراً علي المقاومة ، يرجو فقط الراحة لكنه لا يجدها حتي بأغلب الاوقات هدوءاً .

تنهد ريكي بعمق بينما يعدله ليكمل نومه ، ثم تبادل مع أشينا النظرات في حين تقدمت أكيكو لتجلس لجانب يوتا ، تنظر له بحنين و ألم علي حاله ، دون أن تستطيع منحه الامان الذي فقده طويلاً .

" أعدك يوتا ، لن أتركك دون أن تكون أقوي من ذلك ، سأعوضك عن كل ما فقدته .. سأعوضك عن إبتعاد سوزي عنك .. و كما أبعدوها عنك بطرق ملتوية ، سوف أبعدك عنهم بإرادتك ."

*****

في الثامنة مساءاً ...

كانت قد حلت الفوضي ، و الشرطة ملأت قصر سوزوكي .. ابن قصرهم و أصغر أبنائهم مفقوداً و جاري البحث عنه .

كان الجميع قلق ، الصباح تركته سايا و و حين عادوا إليه بعد عدة ساعات لم يجدوه ، كان سريره فارغ تماماً و هو ليس موجوداً بأي مكان بغرفته .

حلت الفوضي كل شبر بقصرهم ، بحث عنه الجميع فلم يجدوه مما زاد من إستياء و غضب و خوف تاناكا علي ابنه المفقود .. و بعد بحث دام لفترة طويلة ، لم يكن امامهم الا ظنونهم ، إما هرب الفتي ؟ او أختطف ؟

" كيف لم تجدوه ؟! "

إرتفع صراخ تاناكا بالقصر بينما يقف امام المحقق ، كان الغضب يأكله من الداخل علي إختفاء ابنه ، فنطق المحقق يهدئ من روعه :

" إهدأ سيد سوزوكي ، سنجده بالتأكيد ، سيأتي الشرطي لنرى تسجيلات الكاميرات "

أسرع بخطواته نحو سيده ليقاطعهما :

" سيدي وجدت شيئاً بالكاميرات الخاصة بالشارع العام ."

" أرنا إياها حالاً ."

" حسناً "

نطق بينما يتخذ مكانه امام الحاسوب ، يضغط بعض الازرة ليظهر بعدها صورة غير واضحة قليلاً للشوارع .. حدق الجميع بالشاشة بتمعن بينما يعمل الشرطي عليها حتي أتي بتسجيل أخر و هنا توقف الجميع و احتل علي قلوبهم القلق و ما  ان انتهي حتي نطق المحقق بهدوء مفكراً :

" يبدو أن إبنك كان ينوي الانتحار لكن ذاك الشخص هو من أوقفه .. يبدو أيضاً أن الفتي علي معرفه بذاك الشخص و حين فقد الوعي قام بأخذه معه ."

ابتلع تاناكا رمقه بقلق شديد ، ماذا ان كان شخصاً سيئاً ؟! .. ماذا لو كان من العصابة ؟! .. ماذا لو أساء لصغيره ؟!

خرج من أفكاره السوداوية ينظر للمحقق قائلاً :

" سيد راكاش أرجوك جِد إبني بأي طريقة "

" لا داعي للقلق سيد سوزوكي ، سنجده و نرجعه إليك ."

*****

" إذاً ... أنتِ أخت أمي الكبرى ؟ "

" بل الصغرى ."

أجابته بخفة بينما ترتب له ملابسه المبعثرة و خصلات شعره الفوضية ، تقوم بتمشيطها .

" لم أراها الا بالصور .. أحببت رؤيتها حقيقةً رغم إنها حاولت قتلي عمداً ."

همس مجدداً بحزن فأوقفت ما تفعله و نظرت إليه ، تري كمية الألم الذي يخالجه ، لكن ما لا تفهمه ، كيف لهم إخباره عن شئ كهذا ؟!

" من أخبرك بأنها من حاولت قتلك عمداً ؟ "

" إنها سيلينا .. زوجة أبي ."

همس بحزن ، فتغيرت نظرات أشينا للضيق لتنطق بحقد :

" تلك المشعوذة ! لولا أنها ماتت لكنك جررتها من شعرها و قتلتها ! "

ابتسم لنبرتها السادية فلاحظت ابتسامته البسيطة و انتبهت أنها تتحدث أمام طفل ، فضحكت بتوتر و قالت :

" لا تشغل بالك يا ولد ، إنها افكاري الشيطانية فقط ."

" لا بأس ."

صمت قليلاً و عادت تمشط شعره بحنان قبل أن يخرج صوته متسائلاً :

" خالتي آشينا .. هل أمي كانت مجنونة ؟ "

حدقت فيه أشينا للحظات ، تفكر ما عليها قوله ، ثم تنهدت قائلة :

" إسمعني يوتا ، سوزي لم تكن أبداً سيئة او مجنونة ، لكن سيلينا كانت السبب بكل ذلك ووالدك أيضاً .. "

" كيف ؟ "

" منذ سنوات ، كان الثلاثة زملاء و اصدقاء دراسة ، سيلينا كانت مغرمة بوالدك لكن والدك لم يحب غير سوزي فبدأت المشاكل بين الصديقتين تكبر .. كرهت سيلينا سوزي رغم ان سوزي لم تكرهها و إستغربت تصرفاتها معها ... بعد فترة وجيزة وقعت سوزي بحب تاناكا لكن الامر الذي حدث كان هو السبب بكل المصائب التي حدثت .."

" ما الامر خالتي ؟ "

سأل يوتا و قد أصابه الفضول ، لتعقد جبينها مستاءة مما حدث بينما تتابع :

" قام جدك قبل وفاته بفرض الزواج من تاناكا لسيلينا رغماً عنه بسبب العمل المشترك بين الاسرتين .. عندها فرحت سيلينا لكن فرحتها لم تكتمل فقد كان قلب تاناكا مع سوزي و عند تلك اللحظة تلك المشعوذة بدأت تُكرِه تاناكا في أختي سوزي ."

" هل كره أبي أمي ؟ "

" لا .."

" إذاً ؟ "

" بعد سنوات من مجئ أخيك ماكوتو و اختك علي الحياة ذهب تاناكا لسوزي و طلب منها الزواج و لشدة حبها له لم تفكر بالرفض و تزوجته سراً ، حملت بك بعدها فأراد تاناكا إخراجها علي العلن و بالفعل حدث ذلك ، فإشتدت النيران بأسرة سوزوكي و مات جدك إثر أزمة قلبية من الصدمة .. ذلك كان سبب كل شئ حدث فلقد إستغلت سيلينا ذلك لتبعث الكره داخل قلب تاناكا لكن رغم ذلك لم يكره تاناكا سوزي أبداً و خاصًة بعدما حملت بك لتبدأ سيلينا خطتها الاخرى و هي تدمير سوزي .."

صمتت قليلاً تبتلع ريقها و تبلل شفتاها بلسانها ثم نطقت تكمل تلك القصة :

" بأحد الايام أضافت سيلينا دواءٍ ما خاص بالامراض العقلية و بدلته بأخر كانت تأخذه سوزي أثناء حملها بك و يوم خلف يوم أصابت سوزي أعراض غريبة دامت لشهور ، كان تاناكا يحبها كثيراً ، بعد تلك الفترة التي عاشوها معاً بظروف قاسية ولدت أنت و زادت الامور تشوهاً ، فسيلينا كانت ما زالت تبدل أدوية سوزي بأخري دون معرفة أحد ، و بعد أن ظن تاناكا أن سوزي عادت لطبيعتها لم يحدث .. "

" لماذا ؟! "

" لان والدك كان يحبك كثيراً ، كان أحياناً يترك عمله ليبقى معك فظنت سوزي أنك تحبه عنها و بدأت وساوسها بسبب ذلك الدواء و بأحد الايام دخل تاناكا ليجدك تجلس أرضاً تلعب بأحد ألعابك ، كان عمرك سنتان حينها و كانت أول مرة سوزي تحاول قتلك ، حماك تاناكا منها و إزداد الوضع سوءاً .. حينها قرر والدك إبعادها و ارسالها لمشفي للأمراض العقلية خوفاً عليك منها و رغم حبه الشديد لها كان قاسياً .. كل ما أريدك أن تفهمه من ذلك الماضي هو أن المسبب للمشاكل كانت سيلينا لكنها ماتت ، و السبب كان والدك لأنه مجرد أحمق ، لكن سوزي رغم محاولاتها لقتلك فهي لم تكن بوعيها ، كانت تحت تأثير ذلك الدواء ، بالعكس تماماً هي كانت تحبك بجنون و لا تحبك أن تفارقها أبداً لكن حدث ذلك و تدمرت أمك ثم أنت ."

" كيف علمتي كل ذلك ؟! "

" علمت ذلك بعد أن ماتت سوزي ، إحدي الخادمات التي عاشت طويلاً هناك أخبرتني بذلك قبل موتها و طبعاً حين طلبت من ابيك ان أخذك رفض و طردنا من منزله فأخذت عائلتي و سافرت لخارج اليابان ."

كانت دموعه تنزلق دون الشعور بها ، فقد استولت الافكار بأمه علي تفكيره ، كل ذلك تعذبته سوزي بحياتها ، ثم بالنهاية إنتحرت بسبب الجميع ، و هو فقد حنانها و حضنها للأبد .

شهق حين أحس بأنامل أشينا تمسح له دموعه ثم من دون سؤاله قامت بإحتضانه و هو لم يكن ينقصه سوي ذلك ليبادلها بكل لهفة .. لهفة طفل إشتاق لرحيق أمه ووجده فيها ، رائحة أمه عالقة فيها ، عالقه بخالته ، جزء من والدته الحبيبة .

*
*
*
يتبع...

رأيكم ؟

البارت مشترك بيني asmaa487 و بين yonahema109 هديل

أعرف اننا تأخرنا كثيراً لكن ذلك بسبب الظروف فقط ، امتحاناتي كانت طويلة و لم تنتهي الا قبل أمس ، ادعولي بالنجاح و التفوق .

لكن كتعويض علي التأحير فالبارت 4700 كلمة ، طويل صحيح ؟😂

أخبروني رأيكم بالبارت بكل صراحة ؟🙂

ليس هناك أسئلة لهذا البارت فعقلي فارغ 🙂😜

بااي ❤️

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top