بارت الرابع


3550 كلمة، البارت لأجل التأخير أصبح أطول.

أكتبوا تعليقات ما بين الفقرة و الأخرى لأني لم أكتب أسئلة بالأسفل ♡︎'.

استمتعوا ❤️✨

.
.

كان الجميع جالسًا بضيق و الصمت كان يُحيط بهم كفجوة زمنية مخيفة .. تلك اللحظة كانت تجلس أشينا أمامه على نفس الأريكة بينما تُضمد له جرح كفه الذي كان مخدوشًا بقسوة، كان ينظر بعيدًا بعبوس، تتقلص ملامحه بألم بين الفينة و الأخرى ثم يشهق كلما ضغطت أكثر على جرحه!

جوارهم كان يسترخي تاناكا على مسند الأريكة مغمض العينين دون أن يُدرك أحد ما كان يُفكر به .. و يوتا لمح هدوئه و تجاوزه البقاء بالواقع، و هذا لم يُعجبه، ثم تذكر ما أراد الحديث عما رآه، و للحظة يُشجع بها نفسِه قبل أن ينطق مُبددًا الصمت:
" أبي، هل رأيتُه؟ "

فتح عينيه حيث قابله السقف المرتفع، يهمس باستفهام:
" من تقصد يوتا؟ "

و مرة أخرى يصمت عابسًا، هل سوف يُصدقه؟ .. لكن عليه ذلك! .. لذا أجاب بهدوء:
" ماكوتو .. لقد كان هناك..."

شهق بألم حين ضغطت أشينا على جرحه فنظر لها بضيق، دون أن يُكمل حديثه، و هي أعطته نظرة صارمة بغضب، جعلته يعبس، و من خلفها اعتدل تاناكا في مجلسه يرمق ابنه بريبة، ناطقًا بجمود مستنكرًا:
" ماكوتو؟! .. يوتا ما الذي تتحدث عنه؟ ."

نظر نحوه بتلك النظرة العابسة و فتح فاهه ينطق الا أن أشينا قاطعته باستياء:
" أنه يظن ماكوتو لازال حي .. لا عِلم لي عما يتحدث عنه لكن ذلك ليس سوى وهم. "

" لست أتوهم! لقد رأيته في الشقة و الشارع و ثم هو من أنقذنا! " صرخ غاضبًا بينما يرمق أشينا بعصبية، لكن ذلك لم يجعلها ترضخ لطلبه، لذلك نهضت ترمقه بغضب هاتفة:
" إن ظللت هكذا يا يوتا، سوف أعيد تلك الجلسات النفسية حتى تتحسن. "

عيناه رُغمًا عنه أدمعت من الغضب و الاستياء الذي يشعر به، بينما هي تركته و غادرت ، أخفض رأسِه حتى تناثرت خصلاته الرمادية تُغطي ملامحه، و عيناه حدقت بكفه المصاب الذي بسطه أمامه، ثم أغمض عينيه يدفع كفه المضمد ليُغطي عيناه، يتذكر كم مرة رآه؟ .. هو ليس يتوهم! ليس يفعل! .. لما لا أحد يُصدق كلماتِه؟

" يوتا؟ .."

فتح عينيه يُحولها نحو عين والده، كان هو مُتعب بطريقة غير مفسرة .. جلس والده قُربه و مد يده نحو جبهته مما جعله يجفل بسبب فرق الحرارة بين جبهته و كف والده ، و هنا ما كان من تاناكا سوى التنهد بآسى رادفًا :
" حرارتك مرتفعة، ما رأيك بأن تذهب لتنام قليلًا؟ و أنا سأجعل أختك تذهب لك بالدواء. "

عقد جبينه يعبس أكثر، تتجمع الدموع بعينيه و ترتعش كفه ، النبض الذي تسارع بألم لأجل عدم تصديقِه، و الألم الذي يجعل أنامله لا تتحرك الا بصعوبة، ثم الذكريات الحادة .. ذلك جعله يلتفت نحو والده يُدفن نفسه في صدره، تاركًا نفسه يبكي بينما يسأله بتوسل:
"ألن تُصدقني يا أبي؟ .. لست أكذب أو أتوهم! .. "

حاوطه بذراعيه أكثر، يضغط ذقنه ضد رأسه، يربت على ظهره برفق، دون أن يُجيب، و ذلك جعل شهقة متألمة تخرج دون إرادة منه .. أبعده تاناكا عنه يحتضن وجهه برفق بين كفيه ناطقًا:
" أنت تحتاج لأن تهدأ، و تُريح عقلك و جسدك عن كل ما يحدث ."

تلك الليلة لم تمر سوى بأفكارٍ مؤلمة، و باليوم التالي كانت عائلة سوزوكي يشهدون مرة أخرى موتًا لأحد أفراد عائلتهم .. هيرو كان هناك حيث غلبته مشاعرِه و جثى يبكي بحرقة، متذكرًا رفيقه و الآن أباه! .. يوري تحركت نحوه و انحنت جاثية بقربه و بينما تُعانقه مهدأة دفن وجهه بعنقها يترك نفسه ينهار كما يُريد!

كان واقفًا جوار والده بصمت، يستمع لبكاء هيرو و مواساة والدته له، بينما بكاء أخته و عمه كين، في حين الصمت التام من قِبل والده و أشينا .. تحرك يلتقط كف والده بعدما أحس أن العالم يُطبق جدرانِه عليه حين تَذكُرِه لكل تلك الأحداث دفعة واحدة. ، و رغم ذلك كان يشغل بالِه الأمر كثيرًا إذ يتسائل عمن يكون الشخص الذي من المفترض أنه يُطارد عائلته إن لم يكن ريو؟

_" يوتا أنتَ بخير؟ "

تسائل تاناكا بينما يده تعبث بخصلاته ، و الأصغر أعطاه إيماءة بسيطة بينما يعود لرؤية ذلك الشاهد المحفور بحروف اسم ريو .

بالنهاية عادوا للقصر مغمومين، و هيرو ظل يجلس يحتضن والدته بينما يشرد في الفراغ .. حينما رآه يوتا تقدم منه، جلس جوارهما و انحنى يُعانق خِصره كنوع من المواساة لكن هيرو لم ينتبه، حتى لتلك الرجفة الجسدية لم ينتبه لها .. و ذلك كان كافيًا بجعل قلب يوتا يصرخ بألم، فلما من بين كل الناس، يُصيب العائلة بهذا الأمر؟ .. لما يُحيط بها الموت؟ .. و لوهلة هو أدرك أن أفراد عائلته يتناقصون، و هذا مُرعب!

_" يوتا، إذهب كي ترتاح صغيري فغدًا هناك مدرسة ."
تكلمت معه يوري بعاطفة أمومية، لكنه نفى يهمس:
" سأظل هنا قليلًا فقط، لن أتركه. "

كان يقصد هيرو و الذي لم ينتبه لحديثِه، و ذلك وحده جعل يوتا يهمس بكلام قد وصله هذه المرة:
" أتظن أن بفعلك هذا سيعود والدك للحياة ؟ ، لا تتصرف بهذه الطريقة الغبية ، أنت ناضج كفاية لتفهم أن الأموات لا يعودون للحياة مهما فعل الأحياء ."

هناك كف أطبق على رأسه قبل أن يشعر به يتحرك، أخفض معه صوتِه حين سمع هيرو ينطق أخيرًا بصوت مبحوح:
" أليست هذه الجملة خاصتني حين ماتت العمة سيلينا؟ .."

همهم يوتا بحرج هامسًا:
" كنت أستمع لكما ذلك اليوم صدفة و أنت تحادث أخي ماكوتو .. لذلك أحببت تذكيرك بها .. أخي ماكوتو حين يعود سيغضب من تصرفك حين يراك هكذا ."

ابتعد عنه ينهض و يُغادر، دون أن ينتبه للنظرة المصدومة التي رمقه بها ، يعود أخاه؟! .. لكن ماكوتو مات بالفعل فكيف لا زال هذا الفتى يظن عودته؟!

دلف إلى غرفتِه ليتوقف حين وجد أشينا تجلس بها على المقعد المجاور لمكتبه الدراسي حيث تتطلع نحو الفراغ شاردة .. قدمه تحركت نحوها و جلس إلى جوار المقعد يستند عليه بحزن .. شعر بعد لحظة بالكف الحنون يوضع على خصلاتِه و يعبث بها بحنان بينما ينساب صوتها هادئً:
" أعتذر عما بدر مني نحوك يا صغيري. "

_" لستُ غاضبًا أمي .. فقط أشعر بأني متوتر جدًا مما يحدث حولي .. أدرك خوفك عليّ و لكني كذلك لدي الحق بما أقول و أشعر به .."
تكلم ثم سكت لبرهة ثم عاد يُردف:
" رؤيتي الدائمة لماكوتو ليست وهمًا، أنا حقًا أراه و لا أكذب، و قد أثبت لكِ ذلك إن أردتِ."

أغمضت عينيها بضيق، لكنها لم تغضب، تركته يُكمل ثم نطقت منهية الحوار بينهما:
" هيا لتنم يوتا، غدًا مدرسة. "

دون أن يُجادل هو نهض يرمي نفسه فوق سريره، بينما هي نهضت تُغادر الغرفة تمامًا.

_باليوم التالي ..

كانت العائلة تتجمع حول الطاولة يتناولون الافطار، كين و تاناكا تبادلا الأحاديث حول العمل، كاميليا و ميرا يتحدثان بشأن الدراسة، بينما أشينا و يوري بالاضافة لهيرو يأكلون بصمت .. يوتا كان شاردًا في أحاديث عمه و والده ، و تذكر فجأة ما دار بينهم قبل سنتين حين جعله والده يظن أنه يمتلك أملاكهم كلها، لتكون خُدعة خَدعه بها كي يعود لمنزله .. ابتسم، لقد مر بالكثير حقًا و رغم مرور سنتان، هو ممتن حقًا لما حدث، فلو ما حدث ذلك ما كان قد عادت حياته هكذا، عائلته ترابطت و لو عنى ذلك فقدان أحد أفرادها، كما و تعرَّف على ريكي و عائلة شين .. الكثير مر به، لكنه لأجل هذا الكثير هو وصل لهذه الطريق!

_" هيا سيد يوتا، السيارة جاهزة. "

نهض عن الأكل يأخذ حقيبته التي جوارِه و يودعهم بابتسامة.

توقفت السيارة بعد نصف ساعة أمام مدرسته و هو ترجل منها يودع السائق بينما يده تحمل هاتفه يتصفحه، حتى توقف و ابتسم قبل أن يُجيب من يتصل به الآن:
" مرحبًا ريكي؟ .."

تبادل معه الحديث الهادئ قبل أن يُنهيه بأنه سوف يهتم بنفسِه بما أنه أول أيام دراستِه بالفعل.

بالداخل جلس في الصف، و عيناه تُراقب حركة الطلاب، حتى شعر بكف تُوضع فوق كتفه، و حينما استدار وجد ابتسامة كازو تُشرق و جوارِه كان آكي بالاضافة ليوكي، ابتسم لوجودهم، و جلسوا سويًا .

انتهى أول يوم بالدراسة و عاد أربعتهم لمنازلهم بعد قضاء وقت لطيف سويًا، دلف يوتا لمنزلِه بهدوء يتجاهل وجود أسرتِه و يدلف نحو غرفتِه، جلس على السرير بانهاك لدقيقتين ثم نهض يُبدل ملابسه لأخرى مُفكرًا بما يجب أن يفعله، أثناء انشغالِه بالحمام هناك شئ سقط من النافذة أرضًا، كرة صغيرة لونها أسود ، لحظات حتى بدأت تُخرج الكرة دخانًا يتكاثف مع الوقت، ثم فجأة اشتعلت بقسوة و لقربها من الستائر، فتمسكت النيران بها و ازدادت لهيبًا!

حين خرج مرتديًا كنزة بيضاء و بنطال أسود، توقف يتراجع بذهول و داخل عدسة عيناه كان ينعكس اللهب الذي اشتعل بغرفتِه يأكل كل ما أمامِه!

بالأسفل .. حيث الجميع يجلسون، كان تاناكا يقرأ بعض الملفات الخاصة بالشركة ثم يُعطيها لكين ليتفحصها كذلك إن كان قد نسى أمرًا مثلًا؟

رنين هاتفه ارتفع، فترك ما بيده لدقيقة يُجيب.. ثوانٍ يستمع للطرف الأخر حتى هب واقفًا يسأل الجميع لعدم رؤيته يوتا و هو يدخل:
-" أين يوتا؟ "

عقد كين جبينه، و أجاب بدلًا عن الجميع:
" لقد عاد من المدرسة، ألم تره حين أتى؟ "

حينها جعد جبينه لتلك الرائحة، قبل أن تركض إحدى الخادمات تصرخ بهلع:
" سيد تاناكا، الغرفة تحترق! "

انتفض الجميع واقفًا و ركض تاناكا قبلهم لغرفة يوتا، تسمروا جميعًا لرؤية النيران تشتعل بالباب كذلك، اندفع تاناكا للداخل لكن يد كين منعته بينما يوري أمسكت بأشينا التي راقبت الغرفة بأعين مرتعبة!

لقد كانت ثوانٍ مرت و تزداد الغرفة لهيبًا، و حينها سمعوا خطوات خلفهم، ريكي كان قد وصل بالفعل، تقدم مسرعًا نحو الباب و دفعه بقدمه فانفتح سريعًا و تراجع هو خطوة يحمي وجهه من لفحة النيران بينما يصرخ بتاناكا الذي تحرك بالفعل يُساعده:
" إجعل أحدًا يجلب المياه، بسرعة تاناكا! "

التفت كين بدلًا عنه ينطق:
" سأفعل أنا ذلك، حاولا ألا تتأذيان حتى آتي! "

دلف ريكي الغرفة يبحث بعيناه عن يوتا بينما يخفي أنفه كي لا يستنشق الرائحة و من خلفه اندفع تاناكا نحو يوتا الذي كان يجلس في زاوية جافة يحتضن نفسِه و من حوله النيران، جثى قربِه و أسنده فرفع الفتى عيناه بتعب نحو وجه والده القلق، قبل أن يُغلقها و يرتخي جسده بين يديه، و سرعان ما حمله و خرج بالوقت الذي بدأ الخدم يُساعدون بإطفاء الحريق قبل أن يمتد للقصر كله!

ألقاه تاناكا بهدوء فوق الأريكة و طلب من إحدى الخادمات أن تأتيه بالماء، كان قلقًا من اغماءِه، بينما ريكي تقدم يُلاحظ الاحمرار الذي في ظهر يده، و تنهد حين اتضح أنه حرق لذا خاطب تاناكا بهدوء:
" لديه حرق في يده انتبه للأمر تاناكا .. و احرص ألا يبقى بمفرده مرة أخرى."

و اتجه بعيناه نحو أشينا منزعجًا، و هي أحنت رأسها نادمة، لقد نبهها من قبل و لكنها أهملت، لم تكن تظن أنه قد يصل للحريق!

أفاقت حين بدأ يوتا يسعل، فتح عينيه ليجد وجوههم حوله، ثوانٍ يبحث بناظريه بينهم ثم أغمض عيناه بتعب، ساعده تاناكا بالجلوس و هو أرخى رأسه على صدرِه يمنع شعوره بالغثيان بأن يسيطر عليه، لكن معدته هاجت، و هو يتذكر الخوف الذي سيطر عليه و النيران تلتئهم الغرفة خلال لحظات و بالكاد ..

أدمعت عيناه و تشنج جسده برعب، ذراعي تاناكا حاوطته تمنحه بعضًا من الحنان و تطمئنه أنه بخير، لكنه لم يهدأ، فاقترب ريكي منه، جثى جوارِه و مسح على رأسه برفق قائلًا:
" يوتا، لن يؤذيك أحد .. أنا جوارك دائمًا و سوف أحميك. "

" ماكوتو .."

همس ينظر نحو ريكي ثم غلبته مشاعره مجددًا حين أدرك أن ريكي من يتكلم و ليس أخيه ، ظل الجميع حولِه، النيران هدأت لكن نيران قلبه اشتعلت، و يبدو أنها لن تخمد حقًا!

بالمساء كان يستلقي فوق الأريكة يُحدق بالسقف، كفه التف حولِه شاشًا كما حال اليد الأخرى التي كانت مصابة بالفعل ، بينما يُفكر بكل ما حدث و يحدث، رأسه امتلأ بالأفكار حتى ما عاد قادرًا على إيقاف وجع رأسِه .

_" يوتا أنت لم تأكل شيئًا، انهض لتفعل."

خاطبته أشينا لكنه لم يرد رغم أنه سمعها ، فعادت لتكرار جملتها ببعض الحدة لكنه التفت يتجاهلها و يخفض عيناه كي ينام.

_" يوتا استمع لوالدتك، لدي عمل .."

لم يُكمل إذ سعل يوتا مجددًا، اقترب منه و جعله يعتدل، كانت عيناه منتفخة و حمراء، عقد جبينه يلمح البقع الحمراء التي انتشرت في وجهه ، فمد يده يتحسسها و قد انكمش يوتا بعيدًا يرفع أنامله ليفرك بها بطريقة مبالغة، فنطق تاناكا بحيرة:
" ماذا أكلت يوتا، هذه حساسية ! "

" لم أكل شئ ..."
تحرك بغير راحة بعدما همس بصوت مبحوح ، فردف تاناكا بقلق:
" هيا لنذهب للطبيب، قبل أن تتكاثر. "

لم يرفض يوتا، فجسده يشتعل منذ خرج من تلك النيران، يذكر كذلك أنه حين خرج من الحمام وجد شئ ينفجر و رائحة غريبة تغزو أنفه بعدما سقط أرضًا لتبقى ثوانٍ ثم تختفي رغم لهب النيران!

أثناء جلوسِه بالسيارة كان يُحرك يده ليفرك بها أماكن من جسده، عينه أدمعت و شهق باكيًا بينما يشعر بكل جسده ينتفخ و المكان الذي يتلمسه كان يَجرحه بدون قصد.

ترجل والده للمشفى و بالداخل جلس أمام الطبيب الذي أعطاه شيئًا مهدئًا للحساسية مخبرًا تاناكا أنه نوع نادر من الحساسية، شئ يشبه سموم الفطر .. تاناكا أدرك أنه النيران كان غرضه منها ذلك. ، و ذلك الشخص يؤذي يوتا و يعذبه بطرقٍ خاصة!

جلس جوار ابنه الذي أتعبه كل ما حدث، كان يشعر بأن جسده هدأ قليلًا، ثم راقب الطبيب يكتب له دواء للحساسية قبل مغادرتهما.

حين عادا للمنزل كان قد قد أُنهك تمامًا، لذا أول أريكة قابلته هو رمى نفسه فوقها يُتابع سُعالِه و يمسك معدته التي بدأت تتلوى جوعًا رغم أنه فاقد لشهيته ، غزى الدمع عيناه لشدة ما يشعر، تتوالى في عقلِه الذكريات، ثم ينتفض جسده إثر لمسه باردة من كف أشينا، عدلته و هو غرق بحضنها يُغمض عيناه بتعب و ألم، هو ليس يُريد تلك الحياه، ليس يُريد ما يحدث معه، لقد تعب!

_" تبدو جائعًا و لم تأكل من الأمس جيدًا. "

قالت و همهم، شهيته المنعدمة لم تجعله يرفض مجيئ الطعام، و ذلك ما دفعها أن تنهض، ليجد نفسِه وحيدًا، ووالده بالفعل كان قد اختفى في غرفتِه!

أنامله عادت لتحتك في تلك البقع الحمراء بقسوة مما جعله يُقشعر من الألم الذي لوث إحساسِه، نظر للدماء التي ظهرت مكان البقع الحمراء ليشهق بذعر فجأة ثم يُبعد يداه و يشعر بالغثيان رغم عدم تناوله لشئ!

أشينا عادت و هذا ساعده قليلًا بإشغال عقله عن فوبيا الدماء التي يُعاني منها .. ابتسمت تجاوره بعدما وضعت صينية الطعام أمامه، كان هناك اللحم و الأزر بالإضافة لبعض الحساء ذو رائحة طيبة.

_" أعرف أنك ليس لديك شهية، لكن لأساعدك في تناول الطعام ، كما و هناك كعكة فراولة صنعتها لك في طريق عودتك ."

تكلمت بلطف و ذلك جعله يبتسم، و تنحل عقدة الألم النفسي من صدرِه قليلًا، و من خلفهما ظهر تاناكا يبتسم لحنان أشينا و متذكرًا سوزي، لقد كانت في أشد حنانها قبل أن يُصيبها الجنون، أخرج الأفكار من عقله و جاورهما يقرأ الأخبار المنتشرة تلك الأيام عن أسرته و كيف أن هناك لعنة تُصيب منزلهم بالموت واحدًا تلو الأخر .. خرج عن أفكارِه على قهقهة خافتة من يوتا، و ذلك جعله يبتسم يُبعد عن عيناه الهاتف و ينظر للابتسامة التي تعلقت في وجه صغيرِه و أمامه نظرة عابثة من أشينا.

ارتفع رنين هاتفه و ابتسامته لم تختفي، لقد كانت ابنته ميرا، حادثها على الهاتف ليتفاجأ بأنها ستظل عند صديقتها اليوم هي و كاميليا ، لأجل بحث في الدراسة يُجريانه سويًا، لذا قرر الموافقة، من الجيد أن هناك صديقة يطمئن على ابنته معها و هذه كانت كاميليا ابنت كيرارا و أخيه كين.

بالصباح، بدأ يفتح عيناه على يوم أخر قادر على سلب منه كل الحرية العقلية و النفسية .. لبث في السرير لساعتين، لم يكن يرغب بالذهاب للمدرسة و لا للقيام بأي شئ .. يُدرك أن حالتِه هي اكتئاب ، ربما عليه اخبار أشينا لتُساعده؟ .. لكنها ستضيق الخناق عليه، يخف هو من ذلك.

_" يوتا استيقظت؟ .. هيا يا ولد لديك مدرسة."

و تأفف بضجر يلتفت يُعطيها ظهره بالتزامن مع دخولها للغرفة، لتعقد ساعديها أمام صدرها ضجرة! .. تقدمت منه و أزاحت عنه الغطاء ليغمغم باستياء مُدعيًا النوم:
" أتركيني أمي خمس دقائق فقط! "

بالنهاية كان عليه مغادرة سريرِه منزعجًا من تحكمها، لذا قرر بأنه حين ينتهي اليوم سيذهب مع كازو أو آكي و يوكي لمنزل شين، و هي رغم كل ما يحدث هي اضطرت للموافقة لكنها إلتزمت بأن يذهب شين نظرًا لأن ريكي هناك و سيهتم به، بالنهاية عاكسها و ها هو يجلس برفقة كازو في سيارة والده الذي قادها كارل بينما يُجادل يوتا الذي كان يشعر بالفرح حين رؤيته قد جاء لأجلهما ما إن علم أنه سيكون مع كازو.

دلف من ساحة الفيلَّا نحو المنزل و عيناه بحثت عن عمته سايا، و حين وجدها كانت تقف على بعد خطوات منه تسقي آنية الأزهار في كل شرفة من شرفات الڤيلَّا

_" مرحبًا عمتي سايا؟ "

التفتت المعنية بدهشة قبل أن تنفرج ضحكتها و هي تضع ما بيدها و تستقبل عناق الفتى داخل أعماق قلبها بينما تهتف بحماسة رؤيته:
" لم أرك منذ فترة أيها الشقي، إشتقت لك."

_" و أنا كذلك .. "
ابتعد يُضيف:
" سأبيت معك اليوم و سنلعب أنا وكازو لمنتصف الليل، و أجل حضري لي كعكة الفراولة بالاضافة للشيكولا و بعض المكسرات، لأني هنا اليوم! "

و ضحكتها رنت في أرجاء المنزل، تُعيده لحضنها بينما وقف كازو و كارل خلفهما يراهما يتجادلان و يضحكان، كازو كذلك شعر كما كارل بأن روح يوتا عادت لتضحك قليلًا.

_" إذهب و ارتدي شئ من ملابس كازو حتى أحضر لك كل شئ حتى عودة عمك تاكاشي. " نطقت أخيرًا بابتسامة ثم تنهض و هو ابتعد خطوتين ينظر لها بابتسامة ثم يلتفت لكازو و يرحل فورًا لغرفته باعثًا نظرة مستفزة نحو كارل الذي ابتسم بقلة حيلة و قال:
" سأتركك اليوم أيها الوغد ، لكن المرة القادمة سوف أشارككما اللعب. "

_" لن تفعل أيها الخاسر! "

سمع صيحته المباغتة و بالكاد أوقف كارل نفسه عن التدخل و مشاركتهما اللعب، لكنهما كانا قد اختفيا أعلى الدرج و هو عاد لعملِه الذي تركه بعد أن طلب من عمه تاكاشي الذهاب لهما.

بالأعلى، و بعد ساعتين لثلاث ساعات كانا ينظران بحماس نحو شاشة الحاسوب و كِلا منهما يُمسك ذراع اللعبة الالكترونية، يتحركان بعصبية، و جوارهما كعك و شاي بالحليب مع بعض المكسرات كما طلب يوتا تمامًا.

باب الغرفة فُتح و رمقهما تاكاشي بتعب، يُدرك أنهما لن يناما اليوم و لو قتلهما! .. لذا غادر تاركًا الصبيان معًا.

_" لحظة كازو ستقتلني! "

شهق يصرخ لكن كازو ابتسم بخبث يُنهي اللعبة و فاز مما جعل يوتا يعبس، لقد كاد يفعلها لكن لم يحدث ذلك .. في التاسعة مساءً و بعد عدة جولات من اللعب المستمر قرر الصبيان أن يستمعا لفلم معًا، و اختارا تصنيف الرعب و الأكشن.

جوارهما لم يتبقى سوى نصف كعكة و بعض من المكسرات، بينما كوبا الحليب فارغان، لكنهما لم يهتما، كان يوتا يُحدق في الشاشة على مشهد مرعب بينما يده تحمل القليل من المكسرات و احداها بين أنامله بالقرب من فمه، ثم فجأة التفت يحتمي في كازو الذي قرر النوم و تركه يسمع لوحده، سرعان ما غلبه النوم و سقط واقعًا على كتف رفيقه.

.
.

أثناء عودتِه من المدرسة _ تاليًا اليوم _في السيارة قرر أن يذهب لوالده، لسببٍ ما أصبح المنزل عُقدة نفسية لا يرغب بالبقاء فيه، لذا قرر الذهاب لأخذ جولة في شركة والدِه الذي لم يذهب لها منذ ذلك اليوم.

_" ممنوع مرور الأطفال."

نطق الحارس فرمقه الفتى بسخط ثم نطق بضيق:
" أنها شركة والدي، لما لا تفهم؟ .. أدخلني! "

_" أسف لكن ليس معك ميعاد مُسبق و أنا لست أثق بكونك ابن الرئيس كما و هو لديه اجتماعًا مهمًا لن ينتهي قبل ساعة من الآن. "

زفر أنفاسِه بغضب، ثم جاوره بالجلوس على الأرض بجانب البوابة، ينتظر ساعة أخرى ليدلف إلى المبنى، و الحارس تنهد يتجاهله كليًا و رغم ذلك كان قد أعطى نظرة لأحد الموظفين يطلب منه أن يذهب ليحاول إخبار السيد تاناكا بالأمر أو السيد كين.

بطريقةٍ ما غطس في النوم بينما يضم ركبتيه لصدره حاشرًا وجهه فيهما و حقيبته إلى جوارِه، خصلاته الرمادية أخفت ملامحٍ منه بينما ظل الحارس يُتابعه بناظريه حتى لا يحدث شئ له، و قد عاد الموظف ليخبره أنه لم يستطع الوصول لأحدهما.

حين يفتح عيناه كان يشعر بنفسه محمولًا بين ذراعي أحدهما، وُضع على الأريكة في المكتب الخاص به و الذي رمقه بأعين متعبة ناعسة، رآى والده يستوي خلف مقعده و يُتابع الملفات بعينيه دون أن يتكلم معه.

تجاهل أمره و حين استعاد نشاطِه هو نهض يتجول في المبنى قليلًا، يُتابع حركة الموظفين بملل ثم بعد ساعة أخرى عاد أدراجه لمكتب والده ليجده كما هو، لا يُحرك شئ فيه سوى حركة عينيه من خلف النظارة و يدٍ واحدة تتابع صفحات الملف بين يديه.

_" أبي أريد مثلجات. "

تشنجت عين تاناكا لصوتِه فنظر نحوه قليلًا يرفع حاجبًا و الأصغر أعاد له الحديث بتذمر:
" أحضرها لي يا أبي، و بيتزا! "

تنهد تاناكا و جذب الهاتف و بكل ضجر هو اتصل على سكرتيرِه ليطلب ما أراده إبنه ثم عاد لما يفعله.

تحركت قدميّ يوتا نحوه يلتف حول مقعده و يُراقب ما ينظر له والده ثم يُصيبه الضجر و يتذمر داخليًا ثم نطق:
" صدقني حين أكبر لن أمسك أي شركة من شركاتك، الأمر ممل جدًا، و لذا سأدع كله لأخي ماكوتو."

اهتزت مقلتيّ تاناكا و شعر فجأة بألم بالغ في قلبِه لم ينتبه له يوتا الذي جذب نفسه ليجلس فوق سطح المكتب يبتسم نحو والده فجأة رادفًا:
" أبي تعرف أني أحبك؟ ."

و أُفرجت ابتسامة من الرجل الذي أبعد نظارتِه و اقترب يُعانقه لهذه المشاعر فجأة، يُحب ذلك في يوتا كثيرًا، هو صريح في مشاعرِه!

السيارة أثناء عودتها للمنزل في المساء توقف فجأة لرؤية سيارة سوداء أخرى أمامهما، يوتا عيناه لمحت الجسد القابع خلف المقود وسط الظلام الحاد، ثم جفل مع تحرك الباب جوار والده، ليجد أنامله تجذب سترة والده و حينما تلاقت الأعين نفى برأسِه ذعرًا لكن والده طمأنِه و أبعد أنامله ليخرج و يسير نحو السيارة التي كان هناك مصباح يعمل بها بشكل متقطع بينما هيكلها كان مُدمر، يده عبست بشاشة هاتفه يتصل على الاسعاف ثم يتقدم بحذر أكثر، و عين يوتا بالخلف يُراقب ما يحدث بقلق بالغ، لمح والده يفتح الباب بعدما تفقد ما حوله، لا يوجد أحد غيرهم و هذا ما يزيد القلق في قلب يوتا، فماذا لو كان فخًا؟!

ثم توسعت عينيه و بدل القلق أصابه الفزع، ثم اتخذ فزعه دافعًا ليخرج من السيارة بسرعة يتجه نحو السيارة المدمرة ، و عيناه تلمح الوجه الذي يعرفه جيدًا ليهتف و قدميه تتوقفا أمام الفاقد لوعيه:
" ريكي!! "

كان شديد القلق جفناه يحملان بعض الدموع، بينما يسير ذهابًا و إيابًا، ينتظر أي أمل لنجدة ريكي، و يُفكر، بكيف حدث له ذلك؟

تاناكا كان يجلس ينتظر أن يخرج المعني من العمليات و يطمئن عليه، تزامنًا مع ركض أكيكو بالاضافة لشين و التوأم.

_" ماذا حدث لخالي يا يوتا؟! "

جذبه يوكي من ذراعَيْه، و تناثرت تلك الدموع مع حركته، ثم تشنج يُحدق في الأعين المرتعشة لرفيقه، و لم يجد الا أن يتقدم ليغمر الأخر بالعناق، و قلبه مجددًا عاد لإيلامه، كان الصمت يحيط الجميع، و الصمت مرافقًا دموعِه و ألمه حتى سمع صوت الطبيب من خلفِه ينطق بعدما تنهد:
" أسف، لكن المريض دلف في غيبوبة بسبب الاصابة البالغة في جسده و رأسِه إثر الاصطدام العنيف."

أمسك شين بأكيكو التي كتمت فاهها بصدمة و كادت تنهار، بينما تُحدق في ملامح الطبيب بصدمة ، و تاناكا تنهد يُكوِب وجهه بين كفَّيه، في حين أدمعت عين آكي و يوكي الذي سرعان ما أغلق عيناه يستمع لبكاء يوتا الذي ازداد حِدة !

للأسف ؛ لا يخرج المرء من مصيبة الا بدخولِه بـ أشد منها قسوة! ♡︎'.

يُتبع...

أخبروني توقعاتكم للبلرت القادم؟

سلام ❤️✨

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top