وقت المواجهه !


لم ينتبه احد لصدمتها سوى ليلى و عاصم و لكن نجلاء لم تكتفى و اضافت : برافو عليكِ يا ليلى , لعبتيها صح و اللى حصل زمان بيتكرر بتفاصيله .

_ نجلااااء اسكتِ خالص , مش عاوز اسمع صوتك .
هتف بها عز و هو يدلف من باب المنزل بعدما اتصلت به سلمى التى كانت تتابع ما يحدث من الاعلى بتوجس .

لتستدير له نجلاء متمتمه بسخريه : ليه بقى , هو انا بقول حاجه غلط !

و احتد النقاش بينهم , امين يعنف عز و عبد الحميد يكاد يقتل ليلى , نقلت جنه بصرها بينهم و هى تكاد تفقد عقلها , عائله طالما كرهتهم , نفرت من فكره وجودها معهم , ظلموا والدها و ظلموا والدتها مثلما اخبرها ابيها , عائله ألقت بأولادها دون اكتراث بكيف ستكون حياتهم , عائله لا تعرف معنى احتواء الابن و لا كيفيه معامله الابنه .

و الان تدرك انها منذ اشهر تسكن معهم , بينهم بل و اصبحت زوجه لابنهم !

هربت من الماضى و رغبت بحياه جديده لتجد نفسها مازالت فى عمقه و على ما يبدو لن تستطيع الخروج .

تشتت غريب اصابها , كل ما يحدث حولها مُدبر باحكام , مر ما حدث فى الاشهر السابقه امام عينها كشريط فيلم , صدمه هاله يوم رأت صوره اهلها , فكره عملها هنا , اهتمام ليلى الغير مبرر , تعامل الفتيات معها بود , هى كانت بيدق فى لعبه وضعوها هم .

وضعت يدها علي رأسها التي تكاد تنفجر من التفكير و لكن عيني الصقر المسلطه عليها جعلتها ترفع رأسها و تنظر اليه ليتوه عقلها فى افكاره مجددا , صحيح فكيف سيرضى الابن الغنى المتعجرف الزواج بخادمه تعمل لديهم !

بينما لم يكن يعنيه ما يصير فقط ينتظر رد فعلها و الذى حاول توقعه و لم يستطع , ملامحها المتردده , عينها الشارده , صدمتها و الاضطراب الواضح من حركه يدها المرتبكه .

فقط لو يعرف ماذا ستفعل !

ماذا ستفعل بعدما وجدت نفسها داخل خطه محكمه و رغم انها البطله الا انها لم تتحرك برغبتها بل كانت كعرائس المسرح يحركونها هم كما يشاؤون !

تلاقت عيناه الحاده و المتسائله بعيناها الضائعه , كانت تبحث عن اجاباتها فى حصونه و لكنها لا تعرف السؤال حتى , تبحث عن ردود مقنعه و لكن لشئ يستحيل فيه الاقناع , تبحث عن حقيقه واحده و لكنها تبحث بين الكثير من الاكاذيب .

احتد النقاش بين عبد الحميد و ليلى التى كانت تتوسله ليحاول استيعاب الموقف و لكنه صرخ بها بعنف دافعا اياها عنه : و الله ما يرجعنى عن كلمتى حد واصل , هجتلها يعنى هجتلها .

و انهى حديثه و هو يُخرج سلاحه من جيب جلبابه موجها اياه لوجه جنه التى شهقت بفزع و هى ترتد للخلف لتصطدم قدمها بالدرج حتى كادت تسقط , بينما اتسعت عين ليلى و هى تصرخ به هلعا بعدما رأت عاصم يندفع بجسده ليغطى جسد جنه .... لتنطلق الرصاصه .

ارتجفت عين عاصم و هو لا يشعر بأى ألم مما دفعه ليستدير بتوجس للخلف لينظر لجنه التى تجمدت مكانها مع اتساع عينها بثبات لتسير عينه على جسدها يتيقن عدم اصابتها هادرا بها و هو يحاوط كتفيها : انتِ ... انتِ كويسه !

مرر يده على جسدها ليزداد يقينا من عدم اصابتها مع ثباتها هذا فنظرت اليه بآليه ثم بدأت رؤيتها تتلاشي وعينها تزوغ و لم تشعر بشئ سوي يديه الملتفه علي خصرها تمنع وقوعها .

حركه سريعه , انتفاضه قلب , خوف و ترقب , تفحصها ليلى فلم تجد شيئا , وضعها على الاريكه يحاول افاقتها .

ثم رفع نظره ليجد امين يُمسك بيد عبد الحميد رافعا اياها لاعلى لتنطلق الرصاصه بعيدا لتصيب جوانب احد الجدران ليتحدث امين موضحا : الحرمه دى شايله اسم حفيدى الكبير , يعنى واحده منينا , من عائله الحصرى , و اى دم دلوجت هيبجى تار كبير بيناتنا و باب مهينسدش واصل .

نظر عبد الحميد اليه قليلا ثم عاد ببصره لعاصم هاتفا بأمر لابد منه : يبقى يطلجها و لو فضلت إهنه يوم واحد بعدها انا هخلص عليها و اغسل عار ابوها بيدى .

شهقت ليلى باكيه و هى تصرح عن معرفتها بوفاه شقيقها بانهيار تام و قلبها ينتفض قلقا على ما صار لجنه و ما سيحدث بعد ذلك : ازاى يا بابا بتتكلم بالبساطه دى عنه ؟ , ازاى مش فارق معاك بنته و عيلته ؟ , ماجد مات يا بابا , ماجد مات و ساب ولاده امانه ازاى منقفش جنبهم !

اقترب خطوات منها صارخا بغضب اعمى : ماجد كسر كلمتى و خرج عن طوعى , جلل منى و عارضنى علشان حرمه جليله الربايه , اتنازل عن حقه , ورثه , ماله , اهله و بيته و خرج من إهنه و معملش حساب لحد فينا واصل , يبجى عار عليا و على عيلته و ناسه و اهله كُمان مهمش منينا .

ليلي و قد بدي انها فقدت اعصابها و ما تملكه من اتزان و هى تصرخ : اللي انت بتتكلم عليها دي كانت مراته و انت وافقت عليها , جوزتها له , فرحت بابنهم , و بعد اللى حصل تقوله طلقها و مستنى منه يقول حاضر ! طيب ازاى يا حاج ؟ ... مكنش يبقى راجل و لا من عيله الالفي ان عمل كده , غلط في ايه هو ! غلط لما حافظ علي عيلته ؟ غلط لما رفض يتخلي عن مراته لاسباب مش مقنعه ؟ غلط لما وثق فى اهل بيته !

تخطت حدودها و اذهل ذلك الجميع و لكنها فقدت عقلها على ما يبدو من سوء ما يمر بهم و لم تدرك ذلك إلا عندما رفع يده ممسكا ذراعها بقسوه تألمت لها و هو يهدر بها : باااه , اجفلي خشمك عاد , كيف ترفعى حسك بوشى , حرمه جليله الربايه .

ترنحت ليلى ليسندها عاصم و عيناه تنبض بالجحيم و قبل ان يصرخ بادر عز باقترابه منهم هاتفا منهيا الامر بأقل خسائر ممكنه : اهدى يا حاج عبده و ياريت نتفاهم بهدوء .

استندت نجلاء على الدرج مستمتعه لأقصى حد بما يصير مريضه هى بالساديه و كم تعشق الاستمتاع بأوجاعهم , كادت تضحك بملأ صوتها و لكنها تصنعت الحزن هاتفه بضيق و هى تربت بيدها على كتف والدها تُزيد النار نارا : عيب اللى بيحصل ده و الله , عيب .

و هنا لم يتحمل عاصم صمتا اكثر من هذا , ضاربا كل العادات و التقاليد التى لا يؤمن بها عرض الحائط هادرا بالجميع و قد اشتعل عرقه الاسود : عيب !!! و مش عيب لما تيجوا بيتنا و تتهجموا علي مراتي ؟ مش عيب لما تغلطوا في امي قدام ابويا و قدامى ؟ مش عيب اما يترفع مسدس في وش ناس ملهاش ذنب في شويه مشاكل تافهه ؟

رفع سبابته امام عين جده مردفا و عيناه تكاد تنفجر احمرارا و غضبا : اما بقي بحكم انى راجل عسكري و ليا في القانون انا ممكن اسجنكوا دلوقت بحكم التهجم على البيت , التطاول على اهلى و الشروع فى قتل مراتى ...

و امام ذهول الجميع انهى كلماته بقسوه غير آبه بما يترتب على ذلك : و لو عاوز اعملها هعملها و عليا و على اعدائى .

اقترب منه عز مانعا اياه بحده : عاااااصم .

ارجفت عينه غضبا و عبد الحميد يهتف بصدمه : هتسجن جدك يا عاصم ؟ علشان حر..

ليقاطعه عاصم متمتما بثقه : علشان امى و مراتى انا ممكن اسجن نفسى , و صدقنى مش هتردد لحظه انى اعملها .

ضغط عز كتفه فنظر اليه عاصم كاتما غيظه بينما تولى عز حديثه معهم حتى استجاب والده متفهما و رحل من المنزل على وعد بالعوده مجددا فالامر لن يمر ببساطه هكذا .

جلس عاصم على الاريكه بجوار جنه فجلست والدته على مقعد مقابل معاتبه اياه : مكنش ينفع تنفعل كده يا عاصم .

نظر اليها بحده هاتفا بسخط : يعنى انتِ عاوزانى انا اتحكم فى انفعالى فى حين انك انتِ يا امى معرفتيش !

أه عاجزه خرجت منها و هى تتذكر ما مر بالماضى و كيف طُرد اخيها من هذا المنزل فتنهدت بقوه و هى ترمق جنه بشفقه قبل ان تُعيد نظرها لعاصم لتهتف بارتياح : الحمد لله انها جت على قد كده , و كويس ان محدش اتكلم فى تفاصيل جوازك و إلا كانت هتبقى مصيبه لو عرفوا انك اتجوزتها علشان تحميها و ان الموضوع كله اتفاق .

شهقه متألمه صدرت عن جنه التى لم ينتبه احد انها افاقت منذ قليل ليصلها حوارهم كاملا فى نفس الوقت الذى دلفت فيه حنين بعد عودتها من كليتها و هبطت سلمى اليهم مسرعه .

نهضت ليلى بترقب و خوف متمتمه : جنه انتِ ...

قاطعتها جنه و دموعها تتابع على وجنتها هامسه بصوت مذبوح : كذب .

نهضت عن الاريكه و هى تمر بعينها عليهم واحدا تلو الاخر مردده : كله كذب .

نهض عاصم واقفا مبتعدا عنها قليلا و هو يمسح جانب فمه بغضب مدرك ان وقت المواجهه قد حان , بينما اقتربت ليلي منها و مدت يدها تحاول لمس كتفها و لكن جنه عادت للخلف مبتعده عن مرمي يدها رافعه رأسها بضعف تُردف و نبرتها حملت من عدم التصديق ما زاد الخوف بقلب ليلى : كذب , كل حاجه كانت كذب , كل اللي طنط هاله قالته , كل اللي حكتوه ليا , وجودى هنا و سببه , سبب حبكوا ليا , اهتمامكوا بيا , جوازي , كل حاجه  , كل حاجه كذب .

ثم رفعت اصبعها مشيره على الجميع و هى تضيق عينها تتعجب متألمه : مفيش حد فيكوا كان  صادق معايا .

اغلق عينه لحظه , يكره الدراميه , يبغض المماطله , و ينفر من العتاب و هى تفعل الثلاثه بل و زاد فوقهم الاتهام , زفر بضيق مقتربا منها فى اعتقاد منه انه سينهى الامر و اشاح بيده هاتفا بلامبالاه ادعاها , هى مصدومه , حزينه و تتألم و لكنه لن يسمح لها برد فعل و خاصه انه لا يستطيع توقعها : محدش كذب عليكِ , انتِ مسألتيش و احنا مقولناش و دى كل الحكايه , متديش للموضوع اكبر من حجمه .

و هنا خالفت توقعه , فمن يحاول فقط تخيل ما يحمله قلبها من وجع هو من سيتوقع رد فعلها و لكن من اين لها بهذا و من امامها ما هو إلا انسان بقلب بارد و فكر اعمى , رفعت عينها اليه باستنكار متمتمه : بالبساطه دى !!

حملق بها يحاول سبر اغوار عقلها و لكن ما غلف عينها من كراهيه له و تعجب من حديثه فجر براكين كُبتت فى صدرها لتنطلق عليهم حارقه صادمه و هى تصرخ بشبه انفعال : انت عارف انا عايشه هنا بقالي قد ايه و معرفش حاجه , عارف كل مره كان نفسى احكى لحد عن حاجه واجعانى او مضايقانى كنت بفكر ازاى ! , ما فكرتش مره انا ممكن اكون حاسه بإيه ! , نفسى فى ايه ! ,

ابعدت نظرها عنه لتحدق بالارض قليلا قبل ان تهمس بصدمه و دموعها تهرب معبره و لو قليلا عن وجع اضنى روحها و ارهقها : انا كنت مجرد مربيه ,

رفعت عينها اليه بخزى و مهانه و هى تشعر بنفسها ذليله و ان لم يكن جديد عليها : عارف يعنى ايه ؟ عارف يعنى ايه مكنتش قادره استوعب كميه الحب دى لانى شايفه انى مستهلهاش لانى مجرد مربيه ! , يبقى نفسى اخرج , اسهر , اقعد و اتكلم معاكوا بس بقفل على نفسى و اقول انتِ هنا مجرد مربيه ! , عايشه بخوف انى يجى يوم و تطردونى او تزهقوا منى و ابعد عن البيت اللى لقيت فيه جزء من حياتى ,

اشارت اليه بسبابتها المرتجفه متذكره مواقفه الغليظه معها و همست بانكسار مزق قلبه : عارف كام مره كان نفسى اشتكى لمامتك منك بالذات , من قسوتك و غرورك و كسرك ليا كل مره و التانيه بس بخاف تطردنى ما انت ابنها و انا هنا مجرد مربيه !

حملت عينها من تساؤلها بقدر ما حملت من اقرار و هى تنهى كلامها : الموضوع بسيط صح ؟

رفعت عينها لليلى قليلا ثم اضافت بهدوء و هى تطأطأ رأسها : و دلوقت طبعا و بعد كل اللى عملتوه علشانى انا مينفعش اتكلم , لمتونى من الشارع , قدمتوا ليا بيت , صرفتوا عليا , اكل و معامله كويسه , ازاى اتكلم بقى انا المفروض افضل اشكركوا لاخر عمرى !

ربت عز على كتف ليلى لتتمالك اعصابها فالصغيره تحتاجها فاقتربت من جنه ترفع رأسها اليها تعتذر بنظراتها قبل ان تفعل بكلمات مفعمه بحنانها : سامحينى يا جنه ,  انا خوفت ترفضى تبقى وسطنا , خوفت اخسرك و اخسر الحاجه الوحيده اللي باقيه من اخويا الوحيد .

انتفض جسد جنه و هى تبكى روحها التى شعرت بها رخيصه و ابتسمت بانكسار متسائله : علشان كده حبتينى ! علشان بفكرك ببابا ! علشان انا بنت اخوكِ الوحيد !

نفت ليلى برأسها مسرعه و لكن ابتسامه جنه اخبرتها انها لن تُصدقها و معها كل الحق , فاين الحقيقه من كل هذا الخداع و من ستخدع هى بالفعل احبتها لانها ابنه اخيها ,  و لكن الامر تغير , تعاملت معها , رأت ضحكتها , براءتها , هدوءها و طفولتها لذلك احبتها كبناتها و اكثر .

اقتربت سلمى من جنه هاتفه بها و هى تتمسك بتمردها المعتااد : يعنى ايه حبناكِ علشان ده بس ! لا طبعا , و على فكره بقى احنا مكناش نعرف إلا يوم ما اخوكِ جالك هنا يعنى احنا حبناكِ لانك جنه , جنه و بس .

ابتسمت بتهكم و هى لا تصدق ما يُقال فمن اين لها بتصديق , ابتعدت عنها خطوه للخلف هاتفه : انا همشى من هنا .

و قبل ان تستدير وجدت يده تقبض على معصمها لتردعها صائحا بعنف بجوار اذنها غير آبه بشعورها فإن كلفه الامر بُعدها سيحاربها و يحارب نفسه و مهما فعلت لن تبتعد , لن يسمح لها : واضح انك نسيتِ انك مراتى , اعقلى الكلام قبل ما تنطقيه لان مفيش خروج من البيت ده .

حاولت جذب يدها من يده و ان كانت ستبقى فهو اكثر الاسباب مانعا لها و ابدا لن تظل هنا بعد كم ما صفعتها به هذا الاكاذيب : انت ملكش ح...

ضغط معصمها بقوه للتأوه متألمه و هو يردد بقسوه ليعاودها شعور الخوف يُغلف عينها , روحها و قلبها : قولت ليكِ اعقلى الكلام قبل ما تنطقيه , علشان واضح انك هتغلطى و هتزعلى منى .

و أمل جديد انار روحها للخلاص من هذا كله فاستدارت بلهفه تصرخ به ليتركها : أكرم مش هيسمح بده , انا ه...

صمت منها , تفكير سريع , ربط الاحداث ثم استنتاج قصم ظهرها , اجتماع العائله يوم رأته , اجبارها على الزواج , سرعه الزواج , حديثه معها عن خوفه عليها , رغبته فى الاطمئنان عليها , اطمئنانه لوجودها هنا , شعور قاسى , كسر جديد و دمعه هاربه و هى تسأل عاصم و عيناه ترجوه النفى : اكرم , اكرم عارف ؟

و مع ارتجافه شفتيها تركت اصابعه يدها و غضبه يختفى تماما , وجعها مزق قلبه , ألمها افقده اتزانه , و دموعها زلزلت كيانه .

هو لا يريد سيطره او سطوه , هو ليس بمالك و هى ليست بجاريه , هو فقط و فقط يحبها .

من يتألم لالمها يحبها , من تضنيه دموعها يحبها , من مس انكسارها رجولته يحبها .

هو فقط يحبها ...

مع صمته نقلت هى بصرها لليلى التى اشاحت بعينها عنها , بينما تقدم عز ليقف امامها لتتطالعها عيناها بأمل ان ينفى و لكنه حطمه متمتما بهدوء : ايوه يا جنه عارف .

تمالك عاصم نفسه و وضع يديه يحاوط كتفيها فانتقلت عيناها اليه بآليه فهتف بتوضيح : اكرم حاول يقول ليكِ و انتِ رفضتِ تسمعيه , كل حاجه حصلت كانت علشانك ,  و علشان بس تبقى وسط اهلك و مع كل الناس اللى بيحبوكِ .

فتمتمت بكلمه واحده قبل ان تدفع يده عنها : كمربيه ,

تحركت للاعلى و اعين الجميع معلقه بها بحزن , دائما ما تأتى رياح الحقيقه محمله بالوجع , و لكن ان كان معرفتها كسرٌ فبها سيكون الجبر .

                   *****************

سلام على الحب يوم يجئ , و يوم يموت و يوم يغير اصحابه .

" محمود درويش "

كعادته يدفن نفسه بين طيات اوراق صفقات و معاملات , رؤيه تصاميم جديده , مراجعه بعض الملفات , التجول فى المواقع و الاشراف على بعض الاعمال .

يقضى مازن يومه ما بين عمله الذى ينتهى عندما يصرخ جسده ألما , و بين ليله الذى يجافيه النوم فيه لتشتعل نيران افكاره تحرقه حرقا .

كيف يتهشم كل ما بناه طوال السنوات الماضيه بهذه البساطه !

كيف يخسر ما يريده بحلقه ذهبيه من اخر حول بنصرها !

كيف يفشل فى تحقيق حلما من احلامه و دون ان يحاول فيه حتى !

لم يعتاد الفشل , لم يعتاد الخساره و ابدا لم يعتاد وجع القلب هذا .

حركه غريبه بالخارج اثارت تحفظه و هو يستمع لصوت ضحكات مكتومه نسائيه و الاسوء رجوليه , نهض عن مكتبه , خطوات سريعه , فتح الباب , تسمر , يقابله ارتباك من هبه التى اختفت ضحكاتها فور رؤيته و تعجب من معتز الذى تفاجئ به , ضم قبضته بغضب , و هو ينقل بصره بينهم بضيق و قد اشعل الامر نار غيرته قبل ان يتمتم بدهشه : معتز !! انت بتعمل ايه هنا !

ضحك معتز و هو يقترب منه مصافحا قبل ان يسأله نفس سؤاله متعجبا هو الاخر , شرح بسيط من مازن عن عمله هنا , ترحاب شديد ثم اجابه جعلت البقيه الباقيه من عقل مازن تختفى : انا جاى اعاكس مراتى شويه يا سيدى .

و مع احمرار وجنتى هبه و معتز يحاوطها بنظراته المشاغبه عبر مازن عن صدمته هاتفا باستنكار : مراتك !!

هبه متزوجه يؤلمه هذا و لكن فاليكن ,
لن تكون له يضنيه الامر و لكن حسنا ,
ستكون لغيره و يتعذب لذلك و لكن سعادتها فوق كل شئ ,
ستصبح لرجل اخر و هذا يحرقه حرقا و لكن مجبرا سيتحمله ,
لكن ان يكون ذلك الرجل هو معتز , هذا ما يعجز عن استيعابه قليلا و خاصه لفتاه مثل هبه ,
كيف تكون ملتزمه مثلها لشخص لعوب مثله ؟
أين كان عقلها عندما وافقت ؟
بل بماذا فكر معتز عندما تقدم لخطبتها ؟
يرى انها الزوجه التي يستطيع الوثوق بها بعدما انهي مغامراته العديده , ام يري انها الحسنه وسط مجموعه سيئاته , أم يري فيها التوبه بعد كل ما فعل من ذنوب ؟

افاقه من افكاره صوت معتز و هو يستند بيده على كتفه هاتفا بصوت عالى نسبيا : اييييييه يا بني روحت فين !

عقد مازن ما بين حاجبيه مبتسما ثم بادر بضيق لم يستطع اخفائه : على فكره استراحه الغدا خلصت و المفروض تسيب المدام تشووف شغلها .

و بعبث معتز المعروف و جرأته المعتاده صرح بمزاح و هو يغمز هبه : طيب ما تسيبنى انت اشوف شغلى مع المدام .

اندفع مازن يبتعد عنه بينما احتدت عين هبه و هى ترمقه بعتاب على وضعها فى موقف كهذا خاصه عندما صرخ مازن و لو انه غير محق فى انفعاله هذا : معتز , احنا فى مكان شغل الكلام ده مينفعش هنا , و لا حتى ينفع تقوله قدام حد اساسا .

طالعه معتز بسخريه مردفا بلامبالاه : خلاص يا عم متكبرش الموضوع ,
ثم عاد ببصره لهبه و اكمل بسخط : همشى انا لان واضح ان الشغل مستعجل , هكلمك بالليل .

و بمجرد خروج معتز استدار مازن لها باندفاع لم يعتاده فى نفسه : هو الفرح اتحدد !

نظرت هبه اليه بحده متمتمه : افندم !

تعجُل منه و اندفاع هتف بها يمنعها : بلاش يا هبه , مش معتز الى هيحافظ عليكِ , بلاش تبقى واحده ضمن كتير , انتِ حاجه تانيه ... صد..

و قبل ان يردف رفعت اصبعها بوجهه موقفه اياه تصيح بغلظه فهى ابدا لن تسمح لاحد ان يتدخل فى حياتها بل و يتحدث عن زوجها بهذا الشكل : مبدأيا انا مطلبتش رأى حضرك , ثانيا زى ما حضرتك قولت احنا هنا فى مكان شغل لا احنا فى الجامعه و لا واقفين نتصاحب , ثالثا انا مسمحش انك تتدخل فى حياتى بالشكل ده و خصوصا ان الامر لا يعينك فى حاجه , واخيرا بقى ياريت حضرتك متنساش انك هنا مديرى و بس و مش مسموح لك بأى حاجه تانيه يا بشمهندس ,

هم بالتحدث و لكنها انهت الحوار تماما عندما هتفت : انا عندى شغل , بعد اذنك .

تصاعد غضبه و خاصه انها محقه فى كل كلمه و لكنها لا تعرف , الحمقاء لا تعرف انها لن تكون سوى صفحه جديده فى كتاب مغامرات زوجها , ورده زاهيه فى بستانه الواسع , ماسه جديده سيكسرها غير آبه بقيمتها , الحمقاء لا تعرف و يا ليتها تعرف .

و بهذا هى وضعت النهايه لكل احلامه بقى ان يشاهدها فقط ,

مجرد كلمات و لكن ازالت الغشاوه عن عينه و جعلته يدرك جيدا ان التي امامه ليست حلمه الذي كان يبحث عنه و يسعي اليه و لكنها امرأه رجل اخر , مجرد كلمات و لكنها جمدت مشاعره و حجرت قلبه ليدرك جيدا ان حبه كان وهم , كان سراب و حان الوقت ليتلاشى ,
مجرد كلمات و لكنها جعلته يدرك جيدا ان اخر صفحات كتاب حبه انطوت بل تمزق الكتاب بأكمله ليصبح خاويا تماما .

                   ***************

حلقه فضيه حول اصبعه هى الرابط  الوحيد بينهم , لا يوجد حب , تعلق , احترام , تقدير او حتى موده .

جنته الصغيره ترفضه جمله و تفصيلا , لا تحبه مثلما يفعل  , لا ترغبه مثلما يحترق هو رغبه بها , لا تهتم بقربه بقدر ما يتلهف هو لقربها , و هل هناك اقسى من ان يبحث عن الحب فى اكثر القلوب كرها له .

ابتسامه جانبيه , اتصال سريع , رنين , رنين ثم اجابه بترحاب صادق من الطرف الاخر قابله عاصم بأخر مثله متمتما : كان بينا رهان يا جمال باشا .

قهقه عاليه وصلته ثم سؤال صريح منه عن النتيجه فشرد عاصم ببصره هامسا : تحب العزومه تكون فين !

ضحكات متقطعه و رنينها يدق طبول الهزيمه بقلب عاصم حتى سخر العميد منه بود حقيقى بينهم متسائلا عن صاحبه النصر الاكبر بحياه سياده النقيب عاصم الحصرى فعاد عاصم يهتف ضاحكا هو الاخر : مراتى .

تعجب ثم تأنيب و عتاب و صل حد الصراخ عليه لعدم اخباره قابله عاصم بتوضيح بسيط عن مرور الامر بسرعه نسبيه جعلته بعيدا عن التفكير فى اى اعدادات دون توضيح شامل للاسباب , قابله العميد بالتهانى و التعبير الصريح عن فرحته ثم مكافأه خاصه للعريس بأجازه رسميه , ابتسم عاصم بتهكم فأى اجازه يحتاج الان و لكنه لهنا و لم يصرح فقط تقبلها بصدر رحب .

هرج و مرج و صوت عالى بالخارج جعله يُنهى اتصاله مسرعا لينهض و بمجرد ان فتح الباب و جد كوثر تجاهد لتدلف اليه بينما كبلها الامن مانعين دخولها فاستند بجذعه على الباب ناظرا اليها من اعلى لاسفل بابتسامه جانبيه و هو يعقد ذراعيه امام صدره متسائلا بهدوء متعجب رغم معرفته الاجابه : فى ايه !

قبل ان يتحدث رجل الامن هتفت هى متوسله : لازم نتكلم , و الله ما هاخد من وقتك كتير .

اتسعت ابتسامته مشيرا للامن بعينه ليتركوها و لحظات و كانت امامه منتظرا حديثها و بمجرد ان تحركت شفتاها و اندفعت تتحدث اوقفها بيده فى سخط متسائلا : تحبى تشربى ايه ! انا بقول ليمون ، بيهدى للاعصاب .

امتدت يدها لحقيبتها و اخرجت عده مستندات و هتفت و هى تضعها امامه بلهفه : الورق اهه هوقع عليه و هكتب تنازل عن حقها كله , و كل اللى انت عاوزه هعمله .
ثم اضافت بتوسل : بس كفايه , ارحمني انا كده هتسجن دا ان ماتقتلتش قبلها , انا عندي بنات و مش مستغنيه عن حياتي , اناا غلطت , الله يخليك كفايه .

اتسعت ابتسامه عاصم و عاد للخلف ليستند بظهره علي الكرسي و يدور به بهدوء متحدثا ببطء يدرك تأثير كلماته جيدا : بس انا مش عاوز كل ده تقدرى تحتفظي بيه و افرحى زى ما انتِ حابه .

ثم توقف عن الدوران و نظر لعينها غامزا : تقدري تحتفظي بالشركه اللي تعبتِ فيها , بصراحه ميهنش عليا اخدها منك .

استدارت اليه بكامل جسدها مسرعه لتصرخ برجاء تلذذ هو به : انا مش عاوزه حاجه , لا فلوس و لا شركه , انا هاخد ولادى و امشى من البلد دى خالص , كفايه الله يخليك و ابعد عنى , انا هرجع لجنه كل حاجه .

استند بمرفقيه على المكتب امامه ناظرا لعينها بقمه غضبه و هو يخبرها بوضوح انها ابدا لن تستطيع اعاده ما سلبته و الذى كان معنويا اكثر منه ماديا : لو هتقدرى ترجعي عمرها و تعامليها كأم , لو هتقدري تخليها تكمل دراستها و تبقي دكتوره قد الدنيا , لو هتقدري ترجعي بالزمن و تعيشيها ملكه وسط خير ابوها , لو هتقدرى تمحى خوفها و ترددها اللى سكن عينيها , لو هتقدري تردي ليها كرامتها اللي اهنتيها لما ضربتيها قدام كل اللي في المؤتمر , لو هتقدرى ترجعي لها كل ده انا هبعد عنك .

كادت تنهض لتقبل قدمه مصرحه بعجز : لا مش هقدر , مش هقدر اعمل كل ده , بس مش هقدر اتحمل اللي انت بتعمله , انت طلبت مني ورثها و انا رفضت و دلوقت جيت ارجعه لها , عاوز منى ايه تانى !

داعب جانب فمه بخبث و هو يعدد لها ما فعله بها ساخرا : الشركه بتنتهى , خسرتِ رصيد البنك , بغباءك 55 % من اسهم الشركه طاروا من ايدك , عليكِ وصلات امانه توديكِ في ستين داهيه , و اكتشفت كمان ان البيت مرهون , و كل ده في يومين ما بالك لو استنيتِ اكتر متخيله انا ممكن اعمل فيكِ ايه ؟!

نهضت مقتربه منه و كادت تُمسك يده فهو بحق انهاها , انهى كل ما شيدته , تأمينات , ضرائب , مصائب , شركات مزيفه , عقود وهميه , اجاد تدميرها كما وعد حقا : انا جايه لغايه عندك اترجاك و مستعده ابوس ايدك علشان تسامحني و انا عارفه و متأكده انك تقدر تحل كل ده في نص يوم مش يوم حتى .

مرت عينه عليها من اعلى لاسفل باشمئزاز منهيا الامر بما يراه منصفا حقا : انتِ مغلطيش فيا , لو عاوزانى ارحمك فعلا يبقى تعتذرى للى غلطتِ فيها .

عقدت ما بين حاجبيها تستوعب ما يرمى اليه حتى فعلت فأغلقت عينها لحظه ثم اخذت قرارها صارخه بحرقه و غضب : موافقه , موافقه .

بكل عنجهيه نهض ناظرا للنافذه معطيا ظهره اليها متمتما : حلو قوى , هتصل بيكِ بس امتى بقى دى وقت ما يجيلى مزاج .

ثم اشار بيده على المكتب دون ان يلتفت و تحدث آمرا : وقعى الورق و امشى .

نظرت لظهره لحظات بتوجس متمتمه بتفكير فيما ينوى عليه : بس ان...

نقر بأصابعه على الزجاج امامه هامسا بصوت اقوى من الرعد فى قوته رغم هدوءه : كلمه زياده و هقولك خدى الورق و ورينى جمال خطوتك .

و بدون كلمه اخرى , فتحت الاوراق , القلم بيدها يرتجف , قلبها يرفض و عقلها يحذرها دخول فى صراع مره اخرى امامه , و بالنهايه رغم الغضب , الخزى و الذل التى شعرت به , زيلت الاوراق بتوقعيها ليُرد الحق لصاحبته و ان كانت لا تعلم شيئا .

وضعت القلم فوق الاوراق بقوه نسبيه فأشاح بوجهه للجانب هاتفا : الباب مستنيكِ .

هزيمه ساحقه لها و نصر محقق لسياده النقيب , ماذا كانت تنتظر من الوقوف بوجه القرصان الاول , صاحب القلب الحجرى , لا مجال لشفقه و لا تهاون فقط يسعى للامر و ببساطه يحصل عليه .

بمجرد خروجها اتصل عاصم بمحاميه الخاص ليتحقق من سلامه الاوراق و قد كان , اخرج هاتفه , اتصال . رنين لم يكتمل ثم اجابه و دون تحدث هتف آمرا بسيطرته المعهوده : انقل الاسهم بإسم جنه ماجد عبد الحميد الالفى , حط الفلوس اللى اتفقنا عليها بحساب باسمها فى البنك , و هات ورق الصفقات علشان نخلص من الموضوع ده .

ثم انهى حواره بأخر آمر له : و كوثر متغبش عن عينك لحظه و اى جديد يوصلنى .

                  ****************

يرى كلا منا مواقف الحياه بمنظوره الخاص .

لا شئ ثابت فقط الامر نسبى و يتدرج ما بين خطأ و صواب , يُحتمل او فاق الحد , مقبول او هو الرفض ذاته .

لا يرى احد ما يراه الاخر و نادرا ما يتقبل احدهم ما يقوله الاخر .

يُقال كثيرا " اختلاف الرأى لا يُفسد للود قضيه " و صدقا هو لا يُفسد القضيه و لكنه ينهى الود و يمحيه حتى لا يبقى هناك قضيه .

هناك نوعين من البشر احداهما تعلم كيف يواجه ما يقابله من صعاب , مصائب و هموم لا يرى لها حلا و لكنه ان اضطر سيخترعه ، و الاخر تعلم كيف يهرب , يفر و ينسى او ربما يتناسى ما مر ، يمر و سيمر به و ان كلفه الامر الركض من حال الى حال و التعثر فى مطبات يجد فى نفسه القدره فقط على الهروب منها .

أيهما يشعر بالراحه ؟ ..... لا احد .

أيهما يشعر بالحياه ؟ ..... لا احد .

أيهما يعيش الحياه ؟ ..... لا احد .

فلا يمكن ان تكون المواجهه هى الحل الامثل دائما و لا يصبح الهروب الخيار الافضل عاده .

فا بمزيج من هذا و ذاك تكتمل حياه .

حياه كانت ابعد ما يكون عن رأسها و رأسه فهو عاش و يعيش بغضبه و هى كانت و ستظل تهرب .

و كأنه كُتب عليهما أن يظلا خطين متوازيين لا يقتربا و لا يتحدا مهما كان و مهما صار .

طاوله الطعام , اجتماع العائله , صمت , سكون ثم زفره و سؤال خشن بنبره قويه و مسيطره كعادته : لسه مخرجتش من اوضتها برده ؟

تركت ليلى ملعقه الطعام من يدها هاتفه بحزن : لا و مابتردش على حد و لا عاوزه تكلم حد .

منذ الامس مساءا و خاصه بعد معرفتها الحقيقه و حتى اليوم و ها قد حل المساء لا يراها احد , ترفض الخروج من غرفتها , التحدث , الشرب و حتى الاكل .

تطوعت شذى ناهضه لتهتف بضيق : انا هحاول اخليها تنزل تتغدى معانا .

و تحركت مسرعه للاعلى طرقت الباب لم تجد اجابه , مره اخرى لا اجابه وضعت يدها على المقبض معتقده انغلاقه كمساء الامس و لكنها وجدته مفتوحا , دلفت تنادى باسمها و لكن للاسف لا وجود لجنه بغرفتها .

صراخ من شذى , ركض الجميع , تعجب , بحث عنها , قلق , تفكير , ثم اتجه عاصم لخزانه ملابسها يفتحها متوقعا ما فعلته , و قد كان عندما وجده خاليا إلا من حلقتها الذهبيه و ورقه صغيره بها كلمه واحده " اسفه " .

صراخ و غضب منه , قلق , ارتباك الجميع , ماذا ان اصابها مكروه , ماذا تفعل و اين ذهبت ؟

ماذا ان كانت بحاجه اليهم ؟ ماذا ان كانت تحتاجه هو !

جن جنونه و هو يتخيل مكروهاً ما اصابها , ارتفع صراخه غضبا عليها و حاول والده تهدأته و لكنه كان ابعد ما يكون عن الهدوء الان , اخرج هاتفه , اتصال سريع , رنين , رنين ثم اجابه بصوت ناعس ليصرخ عاصم به : اكررم .

انتفض اكرم على صوته ثم سؤال سريع من عاصم ليصله اجابه نافيه , مستنكره ثم سرعان ما اصبحت قلقه ليستعد مسرعا ذاهبا اليهم . 

انتفض قلب الجميع قلقا و عاصم حقا لو رأها الان لن يكفيه حرقها حيه , هاتفت ليلى هاله و بمراوغه استفسرت بهدوء دون اثاره قلقها هى الاخرى لتجد الاجابه بالنفى ايضا .

و هنا تذكر عاصم زهره و علاقه جنه الوطيده بها فقرر سؤالها و قد كان , ساعات تاليه و كان يقف امام منزل زهره بعد عناء الطريق و فى مثل هذا الوقت من الليل .

انتفضت زهره و توجس قلبها خوفا من ان تؤذى جنه نفسها و لكنها لا تستطيع فعل شئ , و اخذ هو اجابته المنفيه و خرج كالثور الهائج من منزلها , يدور بسيارته فى انحاء البلد , يفكر , يقلق و الاسوء يخاف .

تلك الحمقاء جعلته يُدرك جيدا معنى الخوف .

عاد للمنزل بعد صلاه الفجر و قد قرر ان يكون اول خطواته صباحا هو قسم الشرطه حتى و ان كان مدركا ان حمقائه الصغيره رحلت بارادتها .

كان اكرم عاجزا تماما عن تمالك اعصابه التى انهتها جنه بفعلتها حتى قطع توترهم صوت هاتف عاصم ليلتقطه مسرعا ليستمع للطرف الاخر و التى لم تكن سوا زهره التى اخبرته بما وجدته طرف خيط او ربما هو نهايته : جنه قالت لي قبل كده انها لو سابت الشغل فى بيتكم هترجع على بيت اهلها , شوفها يا ابنى يمكن تكون هناك .

و كومضه امل تحرك مسرعا رغم ضوء الصباح الذى لا زال بأوله , مع اعتراض والده , قلق والدته و خاصه بعد ان اخبره اكرم عن عنوان منزلهم القديم و الذى يبعد من يقارب الاربع ساعات و لكنه لم يأبه رافضا ان يصطحب معه احد مقررا انه لن يعود الا و هى معه اى كان ما سيفعله لاجل هذا .

تمنحنا الخساره الفرصه احيانا لندرك قيمه البعض فى حياتنا , يقتلنا الندم على ما فات و يدفعنا الشغف لنحسن ما هو اتٍ .

هى اختارت الهروب و هو اختار مواجهتها .

اختبأت فى حضن خوفها و فتح الصمت لها ذراعيه عندما ادركت ان لا احد سيفهم شعورها .

محقه هى ربما و لكن أن تكون جاهله بمشاعره , مؤذيه له , و قاتله هذا ما لا سيتقبله ابدا .

عاصم الحصرى لا يرضى بالخساره و ان اعتقد يوما ان الحب للضعفاء فقد اخطأ فالحب لا يكون ابدا لضعيف .

حبه يستحق , هى تستحق , حياه له بها تستحق , تستحق ان يحاربها , شخصها , خوفها و هروبها ليفوز بها , ليدخل قلبها , ليُعيد وضع الامور فى ناصبها الصحيح , ليعيد الامر لبدايته و يمحى ما اخلفه فيها من ندوب يدرك انها لن تُمحى بسهوله , الامر يستحق ان كان نهايه الطريق هى .

ولكن اولا عقاب , عذاب و درس صغير لما فعتله به , لما سبتته له من قلق و خوف يغضبه , لما تجرأت عليه رغم كلمته الحاسمه , لتعرف ان كلمه ابن الحصرى هى الاولى و الاخيره و لا حديث بعدها .

                           **************

انتهى البارت

بحبكم فى الله ❤

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top

Tags: #shimaa