نقطه فاصله


نرغب فنخسر !!
و نخسر فنرغب !!
و نظل هكذا بين كان و كان ..
فقد يمنحنا القدر فرصه لنضحك و لكنه يمنحنا آلاف الفرص لنبكى !!
قد يمنحنا فرصه لنعيش و قد يسلبنا الفرص فنموت !!
و ما بين الحياه و الموت ... قدر !!

تخلى عنها , آلمها , اخمد نار حبه بقلبها و الاسوء انه ببساطه حطم كبريائها ..
ابتعد بشكل جعلها تتسائل !

ما حاجتها له فى الرخاء ان لم تجده فى الشده , ما حاجتها له فى النور ان لم تجده فى العتمه , و ما حاجتها له ان لم تجده فى نفسها ؟؟

تسير بخطوات متعثره , دمعه هاربه تلاحقها الاخرى , عينان تضج بالشعور بالألم و الخذلان , شفاه مرتجفه و عقلٌ مشتت ..
اى ألم هذا ؟؟

كلماته كانت بسيطه و لكنها سهام حاده مزقت النفس , قرارات متعجله انهت ميلاد الفرحه فى قلبها , بسطت يدها امام عينها المغرورقه بالدموع تطالع محبسه ..
ذلك الذى اعطاه لها مبتسما لينزعه الان غير آبه بها , ذلك الذى اخبرها به انه يحبها لينزعه الان و هو يدعى انه مازال يحبها , ذلك الذى شعرت به يحتوى خوفها و عجزها و لكنه لم يمنحها سوى ذل النفس و كسرها من جديد .

اغلقت عينها لحظات ثم اتجهت لغرفته , لغرفه من تجد فى حضنه الامان رغم فقدانه اياه الان , لغرفه من اصبح حوارها معه مستحيل , ذاك الذى لم تراه منذ سجن نفسه بغرفته ..

طرقت الباب بخفوت و دلفت وجدته جالسا على سجاده الصلاه رافعا يده للسماء مغلقا لعينه تكاد تجزم انه لا يشعر بمن حوله ..

اقتربت منه ببطء و لسماعه خطواتها اخفض يده و استدار عاقدا حاجبيه متسائلا بغلظه : ميين ؟؟

ابتسمت و دموعها تغادر مقلتيها تباعا و هى تتجه بعجز حتى سقطت على قدميها بجواره و دون كلمه ألقت برأسها على كتفه ممسكه ذراعه بتشبث , رفع يده ليضعها على رأسها ضاما اياها لصدره و هو يهمس بخضه و قلب مضطرب : مها !!!

انتفض جسدها بين ذراعيه ليعتدل فى جلسته محاوطا جسدها كله حتى كادت تختفى داخله و هى فقط تنتفض باكيه بكل وجع قلبها , ادرك من انتفاضتها انها تتألم , ألم يفوق تحملها ..
و مره اخرى شعر بعجزه يغلفه و هو لا يراها .. كيف يحدثها الان , هى لا تستطيع التحدث و هو لم يعد يراها !؟

شدد من ضمه لها و كلا منهما يتمزق بعجزه و ألمه , حتى هدأت قليلا فابتعدت عنه ممسكه كفه لتضع به محبس محمود ... قلبه عاصم بيده يمينا و يسارا .. ادرك انه محبس و لكن لمن و لماذا تعطيه اياه هذا ما لم يستطع ادراكه !!

امسكت يده لتقربها من يدها و تجعله ينزع محبسها ايضا فعقد حاجبيه و بدأ يتدارك الامر فهتف بغضب مكتوم : دى دبله محمود ؟؟ ........ ثم صمت ثوانى قائلا ببطء تقريرى اكثر منه متسائل : انفصلتوا !

القت برأسها على كتفه ليلامسه جبينها و حركته بمعنى نعم , شعر هو بحركتها الموافقه فقبض يديه بغضب و هو لا يستطيع حتى سؤالها عن السبب فماذا و كيف ستقول ؟؟

ابعدها عنه و نهض شاعرا باختناق يقتله , تلجأ اليه وهو عاجز عن مساعدتها , تطلب قوته و هو لا يستطيع حتى ان يطمئنها , نهضت هى الاخرى مقتربه منه و امسكت بيده لتضعها حولها و تضمه بقوه كأنها تخبره انها لا تريد شئ سوى حضنه , سوى امانها بين ذراعيه , لا تريد غضب او ضعف او حزن فقط بعض الاحتواء لها و لقلبها المظلوم ...

تنهد بقوه و هو يضمها اليه و صمت كلاهما ثوانى هو يحاول السيطره على شعوره الحالى بالضعف و هى تفرغ مكنونات قلبها على صدره .. حتى تنهد ببطء هامسا بعقلانيه ربما لا يعرفها سوى معها : كل قرار بناخده فى حياتنا لازم نتحمل عواقبه , انتِ زرعتِ نفسك فى ارض بور فكان لازم تذبل , كنتِ شايفه نفسك ناقصه و محتاجه حد يكملك , و دا غلط ... افتكرى كلامى كويس يا مها , يوم ما تحبى نفسك زى ما هى هتلاقى وقتها اللى هيحبك بجد ..!

تمسكت بملابسه اكثر و كلماته تتسلل لروحها تسكنها , هى بالفعل لم ترى نفسها سوى امرأه ليست بكامله ,
هو لم يشعر بالشفقه بل هى من دفعته لذلك , هو لم يخذلها بل هى من فعلت اولا ..
هى من خذلت نفسها ... سلمت لانتفاضه قلب دون تفكير عقلى ..
وافقت على ارتباط اخبرها عقلها بفشله و لكن قلبها اندمج بفرحته .

ربت عاصم على شعرها بحنان و هو يهمس بفخر : مها , المهندسه المميزه .. الجميله جمال مش طبيعى , القويه بنفسها , بشخصها حتى بعجزها قويه .. ربنا اختار ليكِ حياتك و مينفعش تحسى بضعف لانك مش ضعيفه , بلاش تعيشى نفسك فى مكان مش مكانك و بلاش تحبسى نفسك فى وضع مش وضعك , انتِ مينفعش تنكسرى او تضعفى , بعقلك و قلبك و اكيد جمالك هتفضلى قويه ... بلاش تعيشى دور مش دورك .. مش لايق عليكِ يا بشمهندسه .

اخذ نفس عميق و ابعدها عنه ممسكا بيدها و ضغطها بخفه كأنه يمدها بالقوه و القى بسؤال اجابته يتوقف عليها حزنها : اسألى نفسك و جاوبيها يا مها ... انتِ مضايقه دلوقت علشان محمود انفصل عنك و لا علشان جرح كرامتك ؟؟؟

راقبت وجهه بصدمه تتملك منها و سؤاله يتردد بكلا من قلبها و عقلها ليصرخ عقلها بالاجابه و لا يجد القلب ما يرد به , فأعاد عاصم سؤاله بنبره اشد تخصيصا : يعنى علشانه ..... و لا علشانك !!!

لاجله !؟؟
لا لم تفكر به , لم تفكر سوى بنفسها , بجرحه لها , انكار بحياته وجودها ..
اجل لم تفكر به , لم يؤلمها حب بقدر ما ألمها فكره الوحده , لم يحزنها بعد بقدر ما احزنها احساس العجز , لم يعتب عليه قلبها بل رجمه عقلها بآلاف الرجمات !!
هى لم تحزن لأجله هى حزنت فقط و فقط لأجلها !

رفع يده ببطء حتى وصل لوجهها فحاوطه مردفا بنبره قويه مهيمنه : لو تفتكرى يوم ما اتقدملك انا سألتك متأكده من قرارك و لا ؟؟ ... قبل ما افاتح والدتك فى الموضوع اتكلمت معاكِ و قولتلك بلاش تندفعى ورا فرحه مؤقته فكرى كويس , عارف انك وافقتِ و انتِ مش مقتنعه تماما بس وقتها مكنتش اقدر اجبرك على التفكير لانك ببساطه مكنتيش مستعده ..

ابتعد عنها و تحرك للخلف بشرود و هو يتمتم بعاطفته التى يغلفها بقوته : الحياه مبتقفش على حد .. و لا على حب يا مها ..!..

ثم ابتسم بمرارته التى امتزجت بنبرته : انتِ وافقتِ على محمود لما فكرتِ بقلبك لكن لو اديتِ لعقلك مساحته هتعرفى ان دى النهايه المنطقيه لعلاقتكم ..

وضع يده على قلبه كأنه يُحدث نفسه قبلها : حكمى الاتنين علشان تقررى صح ... حكمى عقلك فى مشاعرك و قلبك فى قرارتك و صدقينى وقتها هتوصلى لاول طريقك .. اول الطريق اللى هتلاقى نفسك فى اخره ..!

ثم اغمض عينه حسره و ألم و ربما ندم : بس اوعى تتوهى فى النص و متسمحيش لحد يتوهك ..

اقتربت منه و هى تشعر بروحها تُرد اليها و لكن لم تتوقف دموعها ليس لأجلها فقط بل لأجله ..
لأجل الرجل الذى يعذب نفسه بنفسه كأنه يعاقبها , الرجل الذى عشق قلبه فشعر بنفسه مذنبا ,
و يا ليته يفهم ان ضعف القلب فى محراب العاشق ليس ذلا ..
ينصحها و هو يقوم بالنقيض , يحكم عقله بمشاعره و قراراته و حياته و يتلافى قلبه ..
قلبه الذى امتلكته تلك الجنه الذى يحاول قدر ما يحاول اخراجها من داخله فلن تفعل ..

رفعت يدها و وضعتها على قلبه لتصدمها دقاته المشتعله قهرا و عشقا , ضغطت يدها على صدره ثم ضربته عده مرات متتاليه و هو مستسلم ليدها تماما حتى رفعت يده بيدها لتضعها موضع قلبه لعله يشعر بدقاته الذى يتجاهلها .. نظرت اليه لتجد عينه شارده تماما , الحصون تهدمت و معها يتهدم داخله ..

لمعت عينه بالدموع و هو يُتمتم بمراره امتزجت باشتياق فخرج صوته مفعما بعاطفته : مصمم يعصينى , مصمم يدق لجنته ..
اغلق عينه بقوه و همس بحراره متذكرا همسها بحبها له : و مبقاش بايدى حاجه اعملها ..!!؟

فتح عينه تائها فى الظلام الذى لم تتوه فيه هى , بل هى النور الوحيد الذى يعذبه اضعاف عذابه , ضحكتها الذى تنير عتمته كأنها بدر مكتمل , ابريقها العسلى الذى يشتاقه حد الجنون ليغرق به مجددا يرسل اطيافا مزهره لظلامه , شفتاها الذى يشتهيها حد الهوس لتطبق انفاسه و تذوب هى بين يديه عشقا فتمتزج روحيهما لا فارق داخله ام داخلها ..

شدد يده على شكل قبضه ليضرب بها على قلبه و هو ينهى كلماته بنبره كسيره : هى اللى ملكت القلب و هى اللى قتلته ...!

تنهدت مها ناظره له لترى تلك الدمعه التى فارقته تدرى جيدا انها احساسا بالألم .. و لكنها لا تدرى اهو ألم لعجزه ام لعجز قلبه ؟؟

عجزه الذى يختبره ربما بل اكيد لأول مره بحياته , عجزه الذى أحال النسر المحلق بانطلاق لعصفور جريح داخل قفص كالسجين , عجز يشعره بأنه انتهى كأن من حوله احبوه لقوته ..!

و من سئ لاسوء ... عجز قلبه ..

قلبه الذى لم يرى فى النساء امرأه تستحقه , قلبه الذى تمرد على الحب وشغفه طوال سنين عمره , قلبه الذى احتقر الحب لعلمه انه لا للاقوياء مثله و ها هو عندما احب اصبح الحب تعويذه ضعفه و تغريده آلامه ..
عندما احب ادرك صدق تفكيره " لا مكسب فى العشق فهو عنوان الخساره .. فإما تخسر قلبك و إما تخسر نفسك و فى الحالتين ستخسر و المؤلم انك تسعد بالخساره "

نظرت لتشتته قليلا و لم تجد قدره بنفسها على تحمل وجعه فعانقته بحنان ليعانقها هو بقوه ...
آمنت لكِ يا جنتى ... فخنتِ الامانه و الآمن ..
منحتكِ القلب غاليا ... فرددته الىّ ناقصا ..
وهبتكِ الروح عزيزه ... فقتلتِ العزه وجعلتنى بها زاهدا ..
عشقتكِ بنفس راضيه .. فأثبتلى ان العشق لمن مثلى خطيئه ..
و فى النهايه ابتعدتِ ... لاكتشف انك هكذا كفائتنى ...

ابتعدت مها عنه و ضغطت يده و همت بالخروج لكنها توقفت بدهشه عندما رأت جنه تقف امام باب الغرفه التى تركته مفتوحا و دموعها تشاركها ألم قلبها و ندمه ..

نظرت مها لعاصم و ابتسمت وتحركت للخارج و بجوار الباب اتسعت ابتسامتها لجنه و غمزت لها بعبث و لكن جنه لم تحيد بنظرها عن ذلك العنيد امامها و بمجرد ان رحلت مها دلفت جنه و اغلقت الباب خلفها فاستدار عاصم و صمت قليلا و رائحتها تنتشر حوله بقوه فتحرك بخطوات بات يحفظها حتى وقف امام الشرفه ..

رفعت يدها مزيله دموعها متذكره حديث اكرم معها و كلماته و خاصه " بس دلوقت لازم تداوى "

اقتربت منه و وقفت امامه لتصبح محتجزه تماما بين جسده و بين الزجاج خلفها و هتفت بضحكه : انا جيت ..

ظل مكانه ثوانى ثم استدار معطيا ظهره لها متسائلا بسخريه : و جايه ليه ؟؟

ابتلعت ريقها متحركه اليه لتقف امامه مجددا و تهتف بنفس الضحكه التى ربما لا يراها و لكنها ظاهره فى عفويتها : دا سؤال ده ؟ دا بدل ما تقولى وحشتينى ؟؟

اقتربت منه و طبعت قبله سريعه هادئه على وجنته تكمل دون ان تأبه بتيبس ملامحه : دا بدل ما تقولى كنتِ فين دا كله اتأخرتِ عليا ؟؟

عقد حاجبيه و انفاسه بالكاد تخرج و لكنه ظل على جموده الثلجى ليعطيها ظهره مره اخرى و هو يأخذ نفسا عميقا : اخرجى علشان عاوز انام ..

اتجهت اليه ممسكه بذراعه تحركه معها باتجاه الفراش : طيب يالا .

تجمد مكانه و هو يسحبها من يدها لتصطدم بصدره و هو يصيح معنفا اياه على تصرفها بعدم اهتمام و كيفما شاءت : مش هنبطل لعب بقى ؟؟

انتفضت من صرخته و لكنه لم يتوقف بل جذب ذراعها اكثر و بنفس النبره القويه اضاف يزيد ضيقها ضيقا : انا مش طايق وجودك جنبى ابدا .. ليه مش عاوزه تفهمى ؟؟

كان صوته يعلو تدريجيا حتى صرخ بالكلمه الاخيره لتشعر بقلبها يكاد يتوقف هلعا و عندما اقتربت منه و كادت تتحدث فوجئت به يضع يده على عنقها ضاغطا عليه هاتفا بنبره ادخلت الزعر لقلبها : مش عاصم الحصرى اللى يتلعب معاه يا بنت الالفى ..

وضعت يدها على يده مبتسمه و ضغطت يده اكثر و تمتمت بخفوت شديد تبعثره قاصده : بحبك .

ثم ازدردت ريقها بصعوبه شديده اسفل يده لترتجف على عنقها و تتفكك اصابعه ببطء حتى ابعد يده عنها فاتسعت ابتسامتها و ظلت تحرك عينها على ملامحه كلها متابعه ما تفعله : ايوه يا عاصم انا بحبك , هفضل اقولها كل يوم و كل ثانيه , هعوض كل مره كان نفسى اقولها و منعت نفسى , هعوض كل مره اتمنيت تسمعها و انا خذلتك , هقولها لحد ما تصدقنى حتى لو اضطريت استنى لاخر يوم فى عمرى ..

استدار معطيا اياها ظهره و بنبره شديده البطئ , قويه زلزلت تماسكها : خلصتِ , يلا اطعلى بره .

تشنجت اعصابها قليلا و لكنها لم تستسلم و اتجهت لتقف امامه و وضعت يدها على قلبه لترتوى بدقاته الجامحه التى للاسف لم يستطع ترويضها فابتسمت بطمأنينه : قلبك بيعارضك يا كابتن ..

دفع يدها عنه و ابتسم بسخريه رافعا يده يمسح جانب فمه بحركته المعتاده منحنيا عليها قليلا : كل حاجه مع الوقت بتتغير .

ضحكت بصوت عالى استفزه و ادهشه بالوقت نفسه هامسه بثقه بقدر ما بها من تمنى : مش هتقدر ..!

هدر بصوت غاضب جعلها تجفل منتفضه كأنه يذكرها بمن يقف امامها , او ربما يحاول تذكر من تقف امامه : جنه ..

اقتربت منه خطوه لترفع يده على عنقها مجددا و تضغطها بقوه و تمتمت بصوت يجاهد ليخرج : اقتلها , عاصم الحصرى فى غضبه مبيشوفش , اعتبرها لحظه غضب و امحى جنه من حياتك تماما , لان مفيش حاجه هتبعدنى عنك غير انك تموتنى يا عاصم ..!..

كانت يده محاصره بيدها و بعرقها النابض بعنف و قوه جعلت يده تضغطه بتحدى و تلذذ و نبرته تصدمها حقا : انتِ انتهيتِ بالنسبه لى من زمان .

ضحكت و هى تقترب منه اكثر و همست و انفاسها تصطدم بعنقه : كذاب ..

انتفض جسده بعنف غاضب مبتعدا عنها عندما بدأت هى تضعف بالمقابل و دموعها تتساقط و مع ارتجافه جسدها صرخت به : ايوه كذاب , انا عمرى ما هنتهى جواك مهما حاولت , و مهما لسانك عاند و مقلهاش عينك بتقولها يا عاصم , كفايه ان كنت بتنادينى جنتى .

ضربته بكتفه بقوه لتصيح بهستريا باكيه : انت مكنتش بس بتنادنى انت كنت بتوصفنى , بتوصف مكانى عندك ... كنت جنتك يا عاصم ..

امسك يدها التى تدفعه بحده و همس و هو يقربها اليه كأنه يراها و عينه تحاصر اللاشئ الان : كنتِ ....!!

و صمت كلاهما , صمت اصخب من اى كلام , صمت كان حديث خاص للقلب ..
و ما اجمل من الصمت لغه , لغه بلا غضب بلا صراخ فقط تحمل الحب و الكثير الكثير من الاشتياق ..

حتى ابتعدت عنه و هى تضع يدها بيده لترفعها بينهم فى وضع المراهنه و تتحداه بقوه : خلينا نشوف مين هيكسب !

ضربت يديهما المتعانقه بصدره ليشعر كلاهما بنبضاته و تمتمت بصوت عالى , قاسى كما لم يعتاده منها من قبل : عاصم الحصرى ...؟!

ثم ضربت يديهما بصدرها هى ليشعر كلاهما بنبضاتها و ابتسمت و بنبره اكثر قوه و دفئا : و لا قلب عاصم الحصرى ؟

*********************

_ متمردتى الجميله ...

خرجت سلمى من غرفتها على صوته لتجده يتقدم اليها بلهفه محتضنا اياها ليرفعها و يدور بها عده مرات و هى تتمسك به و تضحك بسعاده حتى اوقفها ارضا , اخذت انفاسها قليلا و هتفت تتسائل بفرحه : ربنا يديم الفرحه بس قولى السبب افرح معاك .

اتجه للاريكه و جلس عليها براحه رافعا قدمه مستندا بها على الطاوله الزجاجيه امامه و ضيق عينه بخبث يلاعبها و يتلاعب بفضولها : هتدفعى كام ؟؟

عقدت حاجبيها بغضب و زمت شفيتها و اقتربت منه هاتفه و هى تضغط على حروفها غيظا : كام واحده يا حبيبى ؟

جذبها من يدها لتسقط فوقه لتشهق بخضه و هو يأرجحها بقدمه كطفله صغيره و اشار لوجنته : هنا ..

فنظرت اليه بغيظ ثوانى ثم اقتربت طابعه قبله على وجنته اليمنى ليستدير بوجهه مشيرا لوجنته اليسرى فاقتربت طابعه قبله اخرى عليها , لينظر اليها قليلا ثم ينظر لشفتيها و يهتف بعبث : دى بقى باخدها بدون طلب .

تبعها بأسر شفتيها بين شفتيه بشقاوته المعتاده و هى تذوب تماما اسفل لمساته الحاره و انفاسه المشتعله التى اشعلت قلبها بنبضاته المجنونه التى تروى عن عشق تملك منها , عشق لهذا العابث .

حتى ابتعد مستندا بجبهته على جبهتها و مازال كلاهما مغلقا عينيه فهمس بحراره مشاعره الان : انتِ بتعملى فيا ايه ؟؟

فتحت عينها بهدوء لتمررها على ملامحه القريبه منها فتبتعد للخلف قليلا ثم اقتربت بشغف تطوقه بقبلات متفرقه تاه هو بها مصدرا تأوه خافت جعلها تضحك بعبث و هو يدفعها فجأه لتسقط على الاريكه و هو يطل عليها من عليائه و يبتسم و عيناه تحاصرها تماما : انتِ عارفه عقاب السرقه ايه ؟

عقدت حاجبيها و ضحكت برعونه مدعيه الاستغراب و هى تتسائل بصدمه مصطنعه : سرقه !!!

هبط بقبله اخرى على شفتيها لتستسلم له تماما لحظات هادره ثم ابتعد هاتفا بغمزه مشاكسه : اه سرقه و بدون اذن صاحبها كمان .

كانت مخدره تماما بفعل اقتحامه لوعيها بطوفان مشاعره الجياشه التى دائما ما يُنسيها نفسها فى وجوده , هبط بقبله ثالثه بثتها مشاعره الهوجاء ليتمتم بين شفتيها بعشق : سرقتِ قلبى , عقلى , حزنى , سرقتِ روحى , كنتِ جريئه قوى و متمرده ..

ضحكت بسعاده مطلقه لتتوه ضحكتها معه فى عنفوان لفهما معا , حتى ابتعد و همس امام شفتيها بعشق جارف اذابه و اذابها بسعاده معه : شكرا بجد يا سلمى , شكرا على وجودك فى حياتى , شكرا لانك نورتِ ايامى كلها بيكِ , يمكن عصبيه و لسانك عاوز يتقص ... بس طيبه و جدعه و انا بحبك زى ما انتِ كده ..

ضحكت بسعاده عده مرات متتاليه و مازالت عينها مغلقه و هو يطالعها بفخر و اعجاب و عاد يهمس بامتنانه لها بنبره مختنقه : انتِ غيرتِ كل حياتى , لونتيها بألوان الفرحه , بدلتِ الخوف من المستقبل لراحه و امان , انا وجودى بيكِ و ليكِ يا سلمى و هفضل طول عمرى ليكِ ..

فتحت عينها لتواجه عينه المحمله بمشاعره , مشاعر حب و خوف , راحه و ألم , مكسب و خساره و اخيرا فقد و امتلاك .

ملامحه التى يرتوى بها قلبها , نظراته العاشقه التى تغلفها بالسعاده ,
هو خسر الام ليتبعه اهمال الاب فمجافاه و كره زوجه الاب فبات يرى بها كل ما يملك ,
و هل هناك افضل من روحين يجمعهما عشق ليصبحا روح واحده , هل هناك اجمل من زوجين يرى كلاهما بالأخر نفسه ؟؟!

اقتربت منه محاوطه وجهه بين يديها لتستند بجبهتها على جبهته و تهمس بصدق و حقيقه مشاعرها هى الاخرى : و انا مش محتاجه غير وجودى جنبك .. ثم ابتعدت و عبثت بوجنته بدلع : و اذا كانت دى سرقه يبقى انا متهمه و بعترف يا فندم .

ضحك بسعاده ضاما اياها لتتسائل بابتسامه متفهمه و من معرفتها له قد استنبطت ما سبب فرحته العارمه رغم ما تنبض به ملامحه من تعب : كنت خايف منها و لا فاقد الامل فى نجاحها ؟!

عقد حاجبيه قبل ان يبتسم مجيبا و قد ادرك انه تجاوز مرحله ان يُدهش لفهمها له و لكنه عبث : هى ايه دى ؟

اتسعت ابتسامتها هى الاخرى تردف مانحه اياه صك بصدق احساسه : العمليه اللى مفرحه قلبك بنجاحها كل الفرحه دى .!.

لمعت عينه بسعاده و اومأ برأسه بحماس و هو يشرح لها مقدار ما كان فيه من توتر و خوف لا قله ثقه بقدراته بقدر ما كانت قلق لصعوبتها : الحاله كانت صعبه جدا , كتير حذرونى منها و ان ممكن فشلها يأذى المريض اكتر من حالته دلوقت , بس كان كلى ثقه انى هقدر انقذه , كنت واثق فى ربنا قوى و فعلا نجحت يا سلمى , كان اهله فرحانين جدا , كم الدعوات اللى جازونى بيها خلتنى اسعد انسان على وش الارض , احساسى انى قدرت ارسم الضحكه على وشوشهم كان ميتوصفش يا سلمى ..

امسكت بياقه قميصه تهندمه بفخر و نظراتها تمطره بعشق و دعم : انت كل مره بتفرح كده يا امجد , كنت بتعجب سبب فرحتك خصوصا ان انت بتأدى واجبك مش بتعمل حاجه زياده لكن خلتنى افهم يعنى ايه اعيش شعور ناس افرح لفرحتهم و احزن لحزنهم ... انا فخوره بيك جدا جدا يا دكتور .

و لحظه صمت تنظر فيها هى ارضا , ثم امسكت يده بينما هو حاوط خصرها منتظرا الاتى فعينها اخبرته انها ترغب بشئ و قد كان عندما تمتمت بجزل : عاوزه اقولك حاجه و اطلب منك طلب ؟

اومأ برأسه ضاربا جبهته بجبهتها موافقا دون تردد , هو يميلها للخلف قليلا صائحا بمرح : استغلال ده بقى , بس عموما كل طلباتك مجابه النهارده ..

قهقهت عاليا لتطرب ضحكاتها اذنه حتى اعادها باستقامه بين يديه فأمسكت يده واعتدلت جالسه مما اخبره ان الامر جادا فانتبه لها : الموضوع الاول , انا عاوزه انزل الشغل تانى !.

ابتسم باحتواء و اومأ برأسه رافعا يدها مقبلا اياها قائلا و هو يعبث باصابعها : يوم ما قررتِ تقعدى انا وافقتك و قولتلك وقت ما تحبى ترجعى تانى انا مش همنعك , انا كده كده ببقى مشغول طول اليوم و انتِ بتبقى لوحدك و انا متأكد انك بتزهقى و علشان كده انا معنديش مانع بس طبعا عارفه المطلوب بالمقابل ..

حركت رأسها سريعا موافقه و على وجهها ابتسامه بلهاء , فرغم عدم قناعتها بطلباته و رغم عدم موافقتها على تنفيذها تجاريه حتى تتجنب حوار طويل ممل و عقيم و لن تعمل به فى النهايه .!

فابتسم بالمقابل و رفع يدها لفمه مجددا ليقبل الاصبع التانى و يقول باستعداد : و ايه الطلب ؟

ارتبكت قليلا و نظرت ارضا بينما يتابع هو ملامحها المضطربه و عقد حاجبيه مترقبا و ضغط يدها بين يديه مطمئنا فرفعت بصرها اليه لتمتلئ عينها بالدموع و هو تمتم بصوت خفيض : بالله عليك توافق ..

ازداد قلقه فرفع وجهها اليه ليرى حزنها بوضوح قائلا بنبره حانيه : على ايه يا حبيبتى قولى ؟؟

لحظات صمت ايضا حتى هلكت اعصابه و ازداد ضغطه لكفها و معه ازداد ارتباكها متوقعه رفضه القاطع كالايام الماضيه و لكنها ستطلب و تطلب حتى تطمئن فتمتمت بخفوت : اعمل تحاليل !!!

زفر بقوه تاركا يدها و هم بالنهوض من جوارها فأمسكت يده مسرعه و نبرتها تختنق بخوفها : بالله عليك يا امجد , انا التفكير هيموتنى , مليون هاجس و مش هعرف اتعايش مع الموضوع كده ..؟

تقدمت لتقف امامه و نظرت اليه برجاء لم يراه فى عينها سوى بهذا الموضوع و محقه فكونها ام او لا امر ذات شأن عظيم : انت دكتور و عارف يعنى ايه خوف من المرض , ليه مش بتساعدنى ؟؟ انا مش عاوزه اعمل حاجه من وراك لانى محتاجه لك جنبى ... ارجوك وافق ..

امسك بكتفها يهزها بقوه : احنا بقالنا قد ايه متجوزين يا سلمى , كام سنه ها , انتِ ليه بتتوقعى البلاء قبل وقوعه , فين حسن الظن بالله , دا رزق يا سلمى ايه المشكله رزقنا اتأخر شويه ؟

ازداد انهمار دموعها و تمتمت بعجز : انا مش معترضه على قدرى بس خايفه ... ايه المشكله انى اطمن .. ليه لا ؟؟

ابتعدت عنه تهتف بجزع و قلبها ينبض بعنف : عارف يعنى ايه افضل افكر ليل نهار انا هبقى ام و لا لأ ؟؟ , طيب لو ربنا كاتب لى " لأ " انت هتفضل جنبى و لا لأ ؟؟ , عارف يعنى ايه مش عارفه انام من كتر تفكيرى و خوفى ؟؟ انا تعبت يا امجد ...

ثم اقتربت منه ممسكه بقميصه برجاء خالص لتهتف بسرعه متلهفه : التحاليل مش هتاخد وقت و النتيجه لو طلعت ايجابيه يبقى انا اطمنت و هصبر لو لاخر العمر لكن لو النتيجه سلبيه ...

قطعت كلماتها و انتفض جسدها بكاءا لتضع يدها على وجهها تخفيه و لحظات لتشعر به يجذبها بقوه ليضمها لتتمسك به مخفيه نفسها بين ذراعيه تحاول بشتى الطرق اقناعه : عاوزه اوصل السما او ارسى على الارض مش متحمله افضل متعلقه كده , بالله عليك ..

شدد من ضمها و عقله يكاد يفارقه .. هو لا يخشى سوى عليها ..
ربما تعنى نعم او لا , ربما تعنى اما تصل لعنان السماء و اما تصل لاعماق الارض , ربما تعنى اما راحتها و اما كسرها , كيف يجازف بشئ هكذا ... كيف ؟؟؟
و لكن امام انهيارها هذا ماذا يفعل !!
يعلم جيدا ان زوجه ابيه لا تتركها و ليس بيده شئ الان سوى ... الموافقه ..

مسد ظهرها بحنان و داعب اذنها بكلماته يعيدها لقوتها و تمردها من جديد : انا مش متعود عليكِ كده ... فين سلمى مراتى يا ست انتِ ؟؟

و عندما ابتسمت بخفوت تنظر لعينه بترقب منحها ما تريد بحزم و هو يخشى العواقب عليها : انا موافق يا سلمى , نعمل التحاليل .

ابتعدت عنه مسرعه لتنظر لعينه بلهفه و كأنها تستشف صدقه من مراوغته لتصمت : بجد موافق اعملها ؟؟

ضم وجهها بكفيه و ابتسم بطمأنينه و أردف بحسم قاطع : هنعملها يا حبيبتى ..

*********************

الليل بوعوده قاسى .. و يا ويلي من ساعاته ..
و الصبر لسه ساكت .. و يا ويلى من سكاته ..
الليل بدموعه قاسى .. و يا ويلى من ساعاته ..
و الصبر لسه ساكت .. و يا ويلى من سكاته ..

خيم الظلام على الجميع ليستكين كلا منهم فى فراشه , منهم من يغلبه عقله و يستلم لافكاره التى ربما تدمر ما بقى من وعيه , منهم من استسلم لوجع القلب لتشاركه وسادته حزنه و دموعه , منهم من راقب السماء و داخله يعصف به و رغم سكون الليل يرى داخله اعاصير , و منهم من يرى ان لا فائده من التفكير و لا شئ يمنع النوم من مغازله الجفون ..
ليل واحد و نفوس مشتته , قمر واحد و قلوب متفرقه ..

و من بين الجميع رفضت تلك المتسلله الاستسلام لفراشها , النوم او حتى التفكير بعد اداء صلاه الفجر بل حملت كل ما بها و اتجهت اليه بخطوات قلقه و لكنها متحفذه , فتحت باب الغرفه بهدوء شديد رفعت طرف قميصها الطويل لتسير للداخل على اطراف اصابعها و تغلق الباب خلفها بحذر اشد..

اقتربت منه لتجده نائم بسكينه لتبتسم بحب و هى تقترب منه لتجلس امامه على الفراش تراقب ملامحه التى سمح لها ضى القمر برؤيتها , عيناه المغلقه و التى اشتاقب للتيه بين حصونها , شفتاه التى رغم سكونها تشعر بها تصرخ بصرامه , لحيته الصغيره التى تراه بها لاول مره فهو منذ الحادث لم يهندمها بل تركها لتضيف وسامه قاتله و جاذبيه مهلكه عليه و على قلبها المسكين الذى يدفعها الان للعبث بها ..

اخفت وجهها بين كفيها خجلا من افكارها ثم ابعدتهم لتتطلع لملامحه مره اخرى ثم رفعت يدها لتلامس يده الخشنه بنعومه مفرطه تهمس بشجن : ان قلت انت يا ريت مره فأنا بقولها دلوقت ألف ..

ثم اقتراب ، فقبله صغيره علي يده تبعتها بآه خافته و اعتدلت رافعه شعرها بهدوء لتستكين رأسها على ذراعه الاخر المفرود على الفراش ثم تترك خصلاتها لتلامس يده بعشوائيه و تمددت بجواره كليا ممسكه يده الاخرى بهدوء تنظر لوجهه بحذر لتضعها على خصرها ، اغمضت عينها و قلبها يرقص فرحا , فكم من مره تمنت ان تغفو بين احضانه !!

وضعت يدها على يده الموضوعه على خصرها و تنهدت بارتياح غير عابئه برد فعله صباحا و تمتمت بضعف بعدما طغت افعالها السابقه على ذاكرتها : يمكن لانك متعرفش معنى الخوف مفهمتش خوفى .!؟

ثم ابتسمت بهدوء متذكره ذلك اليوم الذى لجأ لحضنها ليسألها ان تعتق قلبه فضغطت يده و هى تحتويها بين كفيها لتهمس بعاطفتها المفرطه : الليله دى .. الليله دى عاوزه انسى كل حاجه هنا , هنا بين ايديك , انسى خوفى , انسى غضبك , انسى نفسى و افتكر حاجه واحده بس , انى بحبك .

استدارت ببطء ليصبح وجهها مقابلا لوجهه لترفع يدها لتضعها على وجهه و تردف و دمعه هاربه تفارق جفنها لتتساقط على طول انفها حتى تذوقتها شفتيها : قلبى اللى عاش طول عمرى خايف يطمن جنبك , عقلى اللى تعب من التفكير فى البعد يستسلم لحبك , نفسى اللى خسرتها سنين كتير ترجع ليا من تانى علشانك ...

وضعت رأسها على كتفه و اكملت و دموعها تترك الاثر على ملابسه و ابتسامه صغيره تزين شفتاها المبلله بالدموع , ابتسامه منكسره , نادمه و عاجزه : عارف ايه اكثر حاجه بتمناها ! ,

اقتربت تسند رأسها على ذقنه لتلامس انفاسها عنقه و هى تهمس بشغف : انى اعيش اللى باقى من حياتى فى حضنك , اعيش يوم واحد بس احس فيه تانى بحبك , يوم لو انتهت حياتى بعده انا راضيه ..

شعرت بتتشدد قبضه يده على خصرها فرفعت رأسها مسرعه لوجهه و لكنه كان ساكنا تماما فزفرت ببطء و عادت تستسلم لدفئ يديه و بدأ النوم يداعب جفونها حتى غطت فى نوم عميق ...

انتفض قلبه الرابض خلف ضلوعه بألم و حسره ,
تتمنى يوم واحد تشعر فيه بحبه , حبه الذى حاوطها دائما لا يوم بس اعوام ,
حبه الذى فنى نفسه ليصلها , و لم يصل ,
كم انها انانيه , كانت و لا زالت و ستظل انانيه !!

تريد يوم واحد و لكنه يتمنى ألف عمر ليحياه معها , تريد ان تحيى ما تبقى من عمرها فى حضنه و هو لو بيده لاعاد الماضى , جمع الحاضر و طوع المستقبل ليكون لها طوال عمره , لها هى فقط ..
هذا اكثر ما تتمنى و لكنها كل امنياته !!

ود لو يضمها اكثر و لكن أبت يداه فإن صعد لأول درجه سيهرول نحو الباقيه , ود لو يبثها اشواقه و لكن البقيه الباقيه من صبره انتصرت فلو انفرط الان لن يُكبح جماح شوقه لها ابدا , ود لو يغمرها بقبلاته و لكن ربما ان فعل يغرق بها و معها فى دوامه لن يستطيعا الخروج منها
اذا يبتعد و الاجابه داخله ضحكه ساخره ..

لذلك استسلم بهدوء لانفاسها المنتظمه على صدره و لعبق رائحتها الذى اعاد احياء روحه و هو يعيد شريط انجازاتها بحياه عشقه و تلاعبها السخى بكل قوانين حياته ...

هدمت قلاع ظلمته لتستكين اما مرآه عينه التى لا تحمل من الملامح سواها ,
عبرت اسوار قلبه لتجلس بفخر على بحر مشاعره و طوفان اشتياقه الذى لم و لن يكون لسواها ,
اخمدت براكين لوعته و بددت جبال احزانه لتسير برعونه على رمال عشقه تبعثر صمته و تلملم اصداف حبه التى اعدها لها و فقط لاياها ,
تربعت على عرش قلبه و جعلت كل النساء جوارى عداها ,
ف كيف يكون للجنه شبيه و كل الحسن احتكرته سماها ,
و كل السهاد لها فالليل و القمر و النجوم فداها ,
فإن كان العشق دلالا فلمن يكون الدلال ايلاها ...!!

******************************

اشرقت الشمس صباحا لتداعب جفونها بحريه و سعاده لترفرف اهدابها و ينير ابريقها العسلى بنور الصباح و هل هناك اجمل من صباح برائحته و ضى الشمس !!

نظرت له بتوجس و لكنه مثلما وجدته بالامس مطبق لعيناه مستكين تماما فابتسمت و طبعت قبله علي وجنته متمتمه بهمس شديد : صباحك جميل ..!

ثم طبعت قبله اخرى و تسللت بهدوء من اسفل يده المحاوطه لخصرها و نهضت لتقف امام الفراش تهندم ملابسها لتنظر له بعدها بلهفه و ابتسامه ناعمه ثم بنفس هدوئها تتسلل للخارج .. و بإغلاقها للباب كأنه قد حان الوقت ليستيقظ .. و لكن عجبا فلم يستيقظ عابسا و لم يعقد حاجبيه بل ابتسم باشراقه يتلذذ بملمس شفتيها على وجنته ..

نهض عن الفراش و لكن بمجرد ان افاق لعتمته تجهم وجهه و عادت شفتاه تنحنى بغضب و يداه تشدد قبضتها بضيق ..
فالجوله الاولى ... ربحتها - قلب عاصم الحصرى - ....!!!

بالاسفل جلست مها تتناول فطورها لتتجه للشركه و الجميع يراقبها بتعجب بعدما اخبرتهم عن انفصالها المفاجئ و لم تخبرهم سبب مقنع فكيف تفعل و هى حتى لا تعرف سبب فعله لهذا ..

رفعت رأسها لتجد نظرات عز و ليلي مركزه عليها بينما شذى مندمجه بطعاهما بتلذذ فابتسمت و اشارت تغير مجرى التفكير " حضرتك كنت بتقول هتقدم على عمره السنه دى يا خالو .. صح ؟؟ "

نظر اليها لحظات ثم اومأ برأسه و اجابها و قد تحدثت فى احب المواضيع لقلبه : انا حجزت فعلا , هنطلع انا و ليلى و هناخد شذى معانا و ربنا ييسر احتمال كبير محمد و نهال يطلعوا زينا ..

اتسعت ابتسامتها و لكنها قبضتها مجددا و ليلي تحدثها بحزن و قلق : متعرفيش اخبار عن حنين يا مها ؟؟

اضطربت مها ثم نظرت اليها بحزن و عتاب فلمعت عين ليلي بالدموع : نهال كلمتنى و قالتلى ان الموضوع مدبر ... كلنا ظلمناها ..

طأطأ عز رأسه و هو يشعر بذنب عظيم ارتكبه و صراخها له ذلك اليوم لا يختفى من اذنيه ..
كيف طاوعه قلبه ليشكك بابنته ! , كيف اطاعته يداه لتترك اثارها بصفعه على وجهها ! , كيف استجاب له تفكيره بفرض اتهام كهذا على صغيرته ! , كيف ؟؟

تابعت مها حزنهم البادى بوضوح على ملامحهم ثم اشارت و هى تؤمن بحديثها " حنين قلبها طيب , و مع الوقت هتسامح , اللى حصل كان كتير قوى عليها بس الوقت كافى يطيب وجعها , اسمحولها بشويه وقت و بعدين الامور هتتحسن اكيد "

اومأ كل من عز و ليلي لتنهض مها لتغادر , دلفت للشركه و اتجهت مباشره لمكتبها لتجلس بتنهيده على مقعدها لتخفى بعدها وجهها بيدها و شعور بالوجع يغزوها ...

اجل ادركت ان ابتعاد محمود عنها كان حتميا ولكن هى تعلقت به , قلبها احب وجوده بجوارها , مغازلته و دلاله , جرأته و حبه , اهتمامه بها و خوفه عليها ..
هى جميله و لكن جمالها لا يخفى عجزها , هى قويه و لكن قوتها لا تمحى ضعفها ..
هى متاكده انه احبها ... و ربما لم تحبه بقدر ما احبت حبه لها
و لهذا تلك هى النتيجه النهائيه لاختبار ضعفه و ربما ضعفها ..

قطع افكارها صوت الهاتف الداخلى رفعته ليصلها صوت هناء تخبرها ان اكرم يطلبها بمكتبه , اغلقت الخط و نهضت و هى تحمل عده اوراق و تصاميم كانت تعمل عليهم الايام الماضيه , اخذت نفس عميق و رسمت الهدوء بجداره على وجهها و اتجهت اليه ..

طرقت الباب و دلفت و بمجرد ان فعلت نظر اليها و اغلق الاوراق بيده و نهض عن المقعد دار حول المكتب واقفا امامه مستندا عليه لينظر لها بتمعن و هتف بنبره جديه دون اى مقدمات : محمود قدم استقالته ليه ؟؟

توترت قليلا و ظهر ذلك واضحا عندما ارتجفت عينها و ضمت الاوراق بيدها لصدرها اكثر , تابعها قليلا ليعود يقول بضيق يحاول تخمين السبب : عارف انى مليش حق اتدخل فى حاجه تخصكم لكن كمان كلامه معايا اخر مره خلانى اسأل .!.

ثم اعتدل مقتربا منها خطوه هاتفا بتحفز و غضب : و بعدين انتِ حطتيني فى موقف انا محبش اكون فيه , ليه مقولتيش له عن الحادثه اللى حصلت يوم ما روحنا الموقع , مش عارف !! .. و لو وقتها خوفتِ يتهور على الراجل ليه مقولتيش له بعدها , برده مش عارف !! انتِ متخيله موقفى لما وقف قدامى يقول انت عارف و انا لا ؟؟

ثم اشاح بيده يُزمجر بشرود و تعجب يخالطه بعض الارتباك : انا مليش حق اتدخل فى حياتك بس انا بقيت فى حياتك و انا مش عارف ايه السبب و ليه و دا معناه ايه ؟؟

رفع عينه اليها و اشار باصبعه تهديدا بعنف : انا من حقى اسأل ... ثم وجه اليها اصبعه بحده : و انتِ لازم تجاوبى .!

و مع كل كلمه منه كانت تشعر بالارض تميد بها و الدموع تتجمع بعينها و بعد ان انتهى رفعت رأسها اليه لتجده يراقبها منتظرا اجابتها على اسئلته و هى لا تفهم ما هى الاسئله من الاساس فقد كان يبدو كمن راكم بداخله العديد حتى ما عاد لديه طاقه فانفجر كل شئ متتاليا حتى ما عاد واضحا لتفهمه , و يا ليتها تعرف انه هكذا بالفعل ..!

تراكمت الدموع بشكل اكبر بعينها ليلاحظها هو مع ارتجافه ذقنها دلاله على انها على وشك البكاء ليعقد حاجبيه فورا و يهدأ قليلا من انفعاله و جال بعينه بالغرفه محاولا اصلاح الموقف : انا ...

قطع كلماته عندما وصله انينها لتعود عينه اليها ليجد الدموع انهمرت من عينها تباعا و هى حتى لا تُحاول ازالتها فقط تقف تضم الاوراق لصدرها كتلميذه معاقبه امام معلمها ، و حقا كم كانت تحتاج لانفجاره الذى فجر وجعها علها تهدأ و ترتاح ، انتفض قلبه و اشار لها و هو يعتدل ليقف باستقامه او ربما ليمنع الارتباك الذى اصابه يفرد اليها كفيه يمنعها و هو يهتف بجزع : لا ... لا اوعى .. متعيطيش .. لا متعيطيش .. خلاص ..

ازداد انهمار دموعها بشكل زاد ارتباكه اضعاف مضاعفه فاقترب منها خطوه اخرى و قلبه يتلوى الما عليها " احسنت يا اكرم امطر بحر الفيروز بسببك احسنت "

وقف امامها و هو يبتسم و يعبس على التوالى , يعقد حاجبيه و يبسطهما , يفتح فمه ليتحدث ثم ما يلبث ان يغلقه حتى طاوعه لسانه اخيرا و هتف بضحكه ساذجه رأيتها هى واضحه : و الله ما عاوز اعرف .. خلاص متعيطيش .. انا غلطان اعتبريني مسألتش ... لكن متعيطيش ..

رفعت عينها اليه و دموعها تزداد و هو يقف بلا حيله حتى استدار للمكتب مسرعا و امسك بكوب الماء و باليد الاخرى حمل عده مناديل ورقيه و تقدم منها مجددا , نظرت ليديه الاثنين ثم اليه و هى تعجز عن التوقف كأنه اعطاها الرخصه لافراغ هم قلبها , وقف امامها مباشره و مد يده بالمناديل الورقيه قائلا بتلعثم : اتفضلى اشربى مايه ..

نظرت ليده بتعجب و دموعها لا تتوقف فنظر هو الاخر ليرى انه يعطيها المناديل فاعاد يده و مد يده الاخرى بكوب الماء قائلا بلهفه مرتبكه : طيب خدى المناديل ..

نظرت ليده مجددا فأدرك انه اخلط الامور مره اخرى فزفر بقوه و مد يده الاثنين اليها هاتفا بنفاذ صبر و قد اختبر لاول مره معنى ان يرتبك و قد زال كل وقاره , هدوءه و ضاعت كاريزمته امامها : خدى المناديل و اشربى مايه ..

نظرت ليده الممدوده ثم رفعت عينها لملامحه المتوتره و لم تستطع كبح جماح ضحكتها لتنطلق تضحك بقوه على ما فعل و الارتباك الذى اصابه و التى تراه لاول مره بأكرم الالفى - الهادئ الوقور صاحب كاريزما الاتزان - بينما هو امامها تسمر تماما و الدماء تتجمد بعروقه و صورتها الضاحكه تغتال قلبه المتيم بها ..

هى اجمل من القمر فى حزنها ... فكيف تكون فى سعادتها !!
ان اضحى القلب شهيد دموعها .. فكيف يصير بفتنه ابتسامتها !!
ان تاه العقل فى عبوسها ... فكيف يغدو باشراقه وجهها !!
و ان فقد نفسه فى بعدها ... فكيف يلقاها جوارها !!

هدأت ضحكاتها اخيرا بعدما ادركت الوضع حولها فامسكت المناديل الورقيه من يده و كذلك كوب الماء ... ثم اشارت له برأسها كأنها تشكره و على وجهها تتراقص ابتسامه تحاول اخفائها ..

فحمحم و عاد للخلف ليعطيها ظهره للحظات يحاول استجماع نفسه حتى اقتربت هى منه و وضعت الكوب على المكتب و كذلك اوراق المشروع فأخذ نفس عميق يشعر انه فقده منذ قليل و نظر لها فأشارت و هى ترفع يدها اليمنى التى اصبحت خاليه امام عينه " انا و محمود انفصلنا يمكن علشان كده استقال ... "

اخفضت يدها و هى تراقب تجهم وجهه و صمتت ثوانى ثم اشارت مجددا و هى حقا تعنى ما تقول " اما ايه سبب انى خبيت عليه .. مش عارفه !! .. و ايه سبب وجودك الغريب و المفاجئ ده برده مش عارفه !! .. بس اكيد يوم ما اعرف الاجابه هبقى اجاوب حضرتك "

نظرت اليه نظره غريبه لا تدرى هى ماهيتها و لا يدرى هو سببها ثم اشارت بكلمه اخيره قبل ان تخرج " شكرا "

و تحركت للخارج مسرعه بينما ظل هو واقفا يراقب الباب باندهاش و ضيق و يا للعجب لا يوجد فرحه ..

***********************

_ حنيين .. تعالى بسرعه ..

صرخت بها حياه بالخارج لتنتفض حنين ركضا لمصدر الصوت لتجد حياه تقف امام غرفه محمد و هى تضحك و تبكى بنفس الوقت ...

اقتربت حنين منها و امسكت ذراعها بلهفه و قالت و قد اثارت صرختها توترها : فيه ايه يا حياه ؟؟

اشارت حياه للداخل باصبعها لتنظر حنين بالمقابل لترى محمد يقف على قدميه و يتحرك ببطء بمساعده نهال .. فاتسعت عينها باشراقه و الفرحه تطرق ابواب قلبها المغلقه فركضت للداخل هاتفه : بابا ... انا مش مصدقه ... حمدلله على السلامه ..

ابتسمت نهال بسعاده و كذلك محمد ليتمتم بضعف : الله يسلمك يا نواره بيتنا ..

اتجهت اليه ليستند عليها من الجهه الاخرى ليتحرك معهم للخارج حتى وصلا للحديقه الخارجيه للمنزل ليُسقط ذراعيه عن كتفهم و يرفع رأسه لاعلى مستنشقا الهواء بافتقاد فمنذ اشهر عده لم يغادر فراشه ..

احضرت حياه مقعد مسرعه لتضعه خلفه و صاحت بجم سعاده قلبها : اقعد يا عمو ..

جلس و قلبه ينبض فرحا , ها هو اليوم بدون اجهزه تخنقه , ها هو يستنشق هواء الطبيعه , ها هو يعود لتلامس قدميه الارض , ها قد عاد لحياته ..

وقف ثلاثتهم حوله و اعينهم تفيض فرحه حتى صرخت حياه و هى تقفز بسعاده : مازن ... لازم اكلمه هيفرح قوى لما يعرف ..

ضحكت نهال و نظرت اليها : هيسيب شغله و هيجى يا بنتى خليه لما يجى نقوله ..

ابتسمت حنين بالمقابل و اجابتها متناسيه حزنها منها : و ايه المشكله يسيب الشغل و يبقى وسط اهله فى الفرحه دى ... و بعدين دا حقه ..

اشارت حياه بيدها و هتفت مؤيده : صح .. انا هكلمه ..

و ركضت للداخل مسرعه لتهاتفه و عادت بعد دقائق تضحك بسعاده فنظر الجميع اليها فهمست من بين ضحكاتها : مصدقش , كان رد فعله غريب قوى ...!

ضحك محمد و تمتم فمن افضل منه يعرف اولاده جيدا : قفل التليفون من غير ما يجاوبك و بعدين اتصل بيكِ يتأكد انك اللى كلمتيه فعلا ... صح ؟؟

نظر الجميع اليه و خاصه حياه هاتفه بتعجب : صح .. بس حضرتك عرفت ازاى !!

ضحك ضحكه قصيره و اضاف بثقه : ابنى و حافظه ..

ضحك الجميع و بعد قليل دلف مازن و هو يركض وبمجرد ان رأى والده امامه هتف بصياح مرح و صوت عالى : اللهم صلى على النبى ... الحديقه نورت ..

ثم رفع يده ليضعها اعلى فمه و يزغرد بلهفه مرحه و صوت انثوى .. لتندفع كل من حنين و حياه بضحكات صاخبه و كلتاهما تراقبه بذهول على رد فعله الغير متوقع ..

بينما هو لم يأبه بأحد بل اتجه لوالده و جلس على ركبتيه امامه و امسك رأسه مقبلا اياها تبعها بتقبيل كفيه ليهمس بتحشرج : حمد لله على سلامتك يا حاج .

ربت محمد على كتفه وابتسم بحنان ابوى : الله يسلمك يا ابنى ..

نظرت نهال اليهم و دون تفكير اضاءت صوره فارس فى مخيله ثلاثتهم لتمتلئ عينهم بالدموع .. ويمتزج حزن القلب بفرحته ...

نظرت حياه لحنين و التى كانت على وشك الانفراط معهم و قالت بصوت عالى : انتِ واقفه ليه كده تعالى نعمل حاجه نشربها و احنا قاعدين فى الجو الجميل ده .!!.

فرفع مازن رأسه مبتسما و صاح و هو يرفع يده : انا عاوز قهوه ..

بينما ضحكت نهال و هى تجلس على مقعد بجوار محمد رافعه يدها هى الاخرى : و انا عصير فراوله ..

عقدت حنين يدها امام صدرها و هتفت بغيظ مثلما كانت تفعل مع ابيها و امها : اى طلبات تانيه !!

نظر اليها مازن من اعلى لاسفل و هتف باستفزاز : بسرعه علشان ورايا مشاغل مش فاضى ..

تلاقت عينها معه هى بغيظ سافر و هو باستفزاز عابث ثم ارتبك كلاهما فاخفض مازن رأسه و اسرعت حنين للداخل , احضروا ما يلزم و بدأت حياه باعداد العصير قائله : اعملى انتِ القهوه مبعرفش اظبطها ..
ثم استدارت لها و اضافت : مازن بيحبها باللبن ..

اومأت حنين و اخرجت اللبن واضعه اياه ليغلى واقفه امامه تراقبه , بينما انتهت حياه من اعداد اكواب العصير فقالت : هخرج انا لهم و انتِ هاتِ القهوه ..

ابتسمت حنين موافقه وخرجت حياه , صعد مازن ليبدل ملابسه و عندما هبط وجد حنين مازالت بالمطبخ فاتجه اليها ليجدها شارده تماما و اللبن على المقود على وشك الغليان , فأسرع و هو يهتف : اللبن ..

و لكنها كانت فى عالم اخر لم تنتبه له حتى اقترب منها و كان اللبن قد غلى على الموقد ليتساقط على جوانب الاناء فصرخ بجزع و يأس : فار ... فار

انتفضت على كلمته و عينها تتسع بصدمه و هى تراه امامهاا و لكلمته اخذت تركض بعشوائيه و هى تصرخ : فين ؟؟ فين ده !!!

نظر اليها بتعجب من حركتها البهلوانيه الشبه راقصه و ملامحها المزعوره حتى وجدها تقف خلفه تتمسك بملابسه و تصرخ خائفه : هو فين الفار ؟؟ .

و همت بتركه لتركض خارج المطبخ حين نزع هو يدها عن ذراعه المتشبثه به بعدما ادرك سبب خوفها و همس باستنكار و قله حيله : فار ايه بس ؟؟.. اللبن فار يا دكتوره ..!

اتجه لموقد الغاز مطفئا اياه بينما هى شهقت مستوعبه ما فعلت و اثار سقوط اللبن خير دليل فعضت على شفتيها واضعه يدها على فمها هامسه بخفوت : انا اسفه مأخدتش بالى ..

استدار لها ليحرك رأسه يمينا و يسارا بمعنى " يا خساره " و خرج من المطبخ فضربت هى جبهتها بعتاب و خجل لتجده يدلف مجددا ناظرا ليدها على جبينها باستنكار فأخفضتها مسرعه فقال بتحذير صارم : القهوه ان فارت مش هشربها ..

و خرج لتنظر هى للموقد بحسره لتجده يدلف مجددا فنظرت اليه فقال بتهديد جدى : و وقتها هجيبلك فار حقيقى ..

اتسعت عينها بجزع فأشار اليها باصبعه مرتين متتاليتين و هو يرفع احدى حاجبيه ثم خرج ليقف امام المطبخ يبتسم لا يدرى السبب ثم حرك رأسه يمينا و يسارا و تحرك للخارج ..

بينما فى الداخل ظلت حنين تراقب الباب الذى اانصرف من جواره بذهول و تمتمت بعدم استيعاب : هو ممكن يجيب فار بجد ؟!

ابتسمت و هى تشيح بيدها هاتفه باستنكار : اكيد لأ يعنى ..

ثم نظرت لارضيه المطبخ و همست بعدم تصديق : بس ممكن يعملها فعلا !!

رفعت رأسها محركه اياها بنفى مبتسمه بثقه : لأ لأ اكيد لأ ...

_ انتِ بتكلمى نفسك يا حنين ..

افاقها من تساؤلاتها العابثه صوت حياه الضاحك .. فنظرت اليها و ابتسمت و قامت باعداد القهوه و هى تنظر اليها بتركيز شديد و عندما لاحظتها حياه قالت متعجبه : انتِ مركزه قوى ليه كده ؟؟

نظرت اليها تلقائيا و همست بحرص : علشان ميجبش الفار ..

عقدت حياه حاجبيها وتمتمت بدهشه : فار !!! هو مين ده ؟؟

اطفأت حنين الموقد و وضعت القهوه بالكوب و حملته ناظره لحياه هاتفه بسذاجه ضاحكه : البشمهندس مازن قالى انى لو سيبت القهوه تفور هيجيب ليا فار حقيقى و انا بخاف منهم ..

نظرت اليها حياه ثوانى ثم قهقهت بصوت عالى و هى تضع يدها على معدتها لا تستوعب كم البراءه التى تتحدث بها تلك المرأه التى وصل عمرها لربع قرن تقريبا و مازالت يسهل اخافتها كطفل صغير ثم وضعت يدها على كتف حنين متحركه بها للخارج : طيب يلا يا نواره بيتنا ..

ابتسمت حنين فهذا هو لقبها الجديد لا يناديها محمد بسواه ...لا تدرى السبب و لكنها تتلذذ بسماعه ..

اتجهت لمازن و اعطته القهوه فأخذها منها ناظرا لها بحده رافعا احدى حاجبيه متسائلا باسلوب جدى : فارت ؟!

اشارت بيدها و رأسها مسرعه و قد اخبرها بنظرته مدى جديته فهذا احد الامور التى يجيدها مازن : لأ لأ والله ..

انفجر ضحكا و شاركته حياه بينما يتباعهم محمد و نهال بابتسامه ... تسائلت حياه ضاحكه : انتِ ازاى بتخافى منهم يا حنين ؟ تقريبا فى كليتكم بتمسكوا الفار !!

ضحكت حنين بالمقابل متذكره مغامراتها مع الفئران و تمتمت بقله حيله : متسألنيش ازاى !! بس على فكره فئران المعامل غير الفئران بتاعتنا دى ... كنت بمسكهم بصعوبه جدا و مكنتش بتشغل غير يوم الامتحان بس ... بس مازلت بخاف منهم جدا ..!.

نظرت لمازن لتجده يبتسم بعبث و هو يتلذذ بالقهوه ثم رفع عينه لها مضيقا اياها ثم قهقه على منظرها الهلع مما دفعها للخجل فأخفضت رأسها و هى تبتسم ..

جلس جميعهم فى جو من الموده و الالفه , فهناك دائما لحظات فى الحياه نأخذها عنوه ..

فعندما تعاندنا الحياه و تُصر على جعلنا نرتدى رداء الحزن و نغرق ببحر الدموع ..
تحارب روحنا لتنتزع لحظات سعاده غلابا ..
لحظات تمنحنا الضحكه و تهمس لنا باغراء " انزع عنك رداء الحزن فأنت تبدو افضل بثياب السعاده "

ربت محمد على كتف مازن موصيا اياه : احنا هنسافر عمره يا مازن , عاوزك تهتم بالبيت و تاخد بالك من البنات ... عارف ان سايب ورايا راجل ..

اومأ مازن وامسك بيد والده عن كتفه مقبلا اياها مصدقا على كلماته : متقلقش يا بابا .. هحافظ على الامانه .

نظرت نهال لمازن و تاره لحياه و تاره اخرى لحنين الذين اندمجوا سويا فى شغبهم ثم نظرت لمحمد لتجده يتابعهم مثلها تفعل هى فهمست و هى تضع يدها على يده : خايفه حد فيهم يظلم التانى , مازن اختياره هيبقى صعب ...!؟

نظر اليها ليهمس بدوره : انا خلفت رجاله بتراعى ربنا كويس و انا واثق ان ابنى مش هيظلم اى واحده فيهم و مفيش حد هيختار غير قلبه يأم فارس ..

نظرت اليه بشجن فرفع يدها مقبلا اياها متمتما بطمأنينه : ربنا مبيظلمش حد ، موت فارس كان قدر , يمكن اللى دبر الفضيحه لحنين كان قاصد يأذيها بس فى الاول و فى الاخر دا قدر , ان يرتبط اسمها باسم مازن قدر , اللى حصل لحياه زمان و وجودها فى حياه مازن قدر , و اختيار مازن قدر ... قدر قلبه ...!

ابتسمت و عادت بعينها لثلاثتهم امامها , مازن و حياه يتشاكسون بشراهه و ضحكاتهم صاخبه و حنين تشاركهم نادرا و ابتسامتها لا تفارقها ..

صحيح , كله قدر , و رب العباد لا يظلم احد ...!!.

**************************

_ احنا هنفضل كده كل يوم يا معتز ..

زفر معتز بقوه و هو يستدير لسالى التى تقف خلفه عاقده ذراعيها امام صدرها بضيق و على وجهها امارات الغضب ..

_ عايزه ايه يا سالى ؟؟

هتف بها بتأفأف و هو يعقد حاجبيه و يضم ذراعيه امام صدره بالمقابل مع ارتكازه على الجدار خلفه معطيا اياها وضعيه تعنى اسرعى , اقتربت منه هاتفه بغضب : عاوزه جوزى اللى مش بشوفه غير ساعه فى اليوم دا ان شوفته , عاوزه اخرج و ايدى فى ايدك زيى زيها , عاوزه الراجل اللى حبنى و مازال و اللى اتجوزنى علشان عاوزنى , عاوزه نعيش شويه يا معتز .. دى مش حياه , انا حاسه انى متجوزه علشان اقعد فى البيت دا غير انك حتى مبتقعدش معايا و لا مدينى حقوقى كزوجه !!

تابع عصبيتها قليلا ثم ابعد يديه عن صدره ليضعها بجيب بنطاله يُجيبها ببرود : اولا انا قولتلك ان الشغل هياخد معظم وقتى , ثانيا انتِ مش هى و لا هتبقى زيها لانك مش هتعرفى تكونى زيها , ثالثا انا اتجوزتك مش علشان نسهر و نخرج و بس لأ انا اتجوزتك لاسباب تانيه كتير و اهمها انى اقدملك فرصه تعيشى حياتك بكرامه فى ظل راجل زى ما بيقولوا .. اخيرا بقى انا مش بقولك موتى يا سالى ، بالعكس انتِ كل حاجه عاوزاها موجوده , بتخرجى تسهرى مع صحباتك و بتعملى شوبنج كل يوم تقريبا , لما دى مش الحياه اللى انتِ عاوزاها .... قوليلى عاوزه ايه ؟؟؟

شعرت بالدماء تندفع لوجهها بغضب مفرط فصاحت و هى تشيح بيدها يمينا و يسارا : انت ليه محسسنى انك متجوزنى شفقه او تفضل عليا .. و ليه كمان محسسنى انى عايشه علشان الفلوس و بس ..

ثم دفعت كتفه بعصبيه و صرخت و هى تشير لغرفه هبه غير آبه بصوتها العالى : و مش هعرف ابقى زيها ليه ؟! هى احسن منى فى ايه ؟! فيها ايه مميز عنى ؟!

امسك معتز يدها و ضغطها ليبدأ انفعاله المكتوم يظهر و هو يرد ببرود ضاغطا على حروفه : هى نفسها مميزه يا سالى .

ثم دفع يدها صائحا و قد اثارت غضبه : قوليلى كده كم مره صحيتِ بدرى تحضرى ليا فطار , كم مره اهتميتِ اذا كنت اكلت او شربت , امتى فكرتِ تكلمينى او تيجى الشركه تشوفينى و تطمنى عليا , تعرفى ايه عن حياتى و تعبى !! ......

اخفض صوته يحذرها : بلاش تدخلى نفسك فى موضع مقارنه معاها لانك هتفشلى فشل ذريع ..!

اصدرت صوتا بفمها دلاله على سخريتها و هدرت بسخريه لاذعه : و انت امتى اهتميت انا موجوده فى البيت و لا لأ , امتى اهتميت بخروجى و دخولى , كم مره سألت عليا !! انا عايشه فى فندق يا معتز , ادخل و اخرج بمزاجى و اكل و اشرب و انام ... دا حتى حقوقى كزوجه مش بتعملها ... تقدر تقولى من اول ما اتجوزنا كام مره لمستنى ؟!!!!! ..... ثم صرخت : و لا مره ...

اغمض عينه بتثاقل من هذا الحوار العقيم و لكن هذا اشعل غضبها اكثر و خاصه عندما ردد بلامبالاه و هو يستدير ليرحل : انا اتأخرت ..

امسكت بذراعه لتجعله يتوقف و صاحت به : مفيش شركه و مفيش شغل النهارده يا معتز .. هتفضل جنبى و معايا و كل حقوقى هتعملها حتى لو غصب عنك ..

ضحك باستنكار ساخر : دى اوامر !!

و دفع يدها عن ذراعه و هم بالخروج عندما فتحت هبه باب غرفتها لتقول بجديه : معتز عاوزاك دقيقتين من فضلك ..

وقفت سالى امامه هاتفه بهبه بنبره مستحقره تعنفها و قد كانت اخر من تتمنى رؤيته الان : ادخلى جوه و متخرجيش انا بتكلم معاه و مش فاضيين ليكِ ..

ابعدها معتز عنه بغضب صارخا بها بنبره للمره الاولى تخيفها : حسك عينك ... سمعانى .. ان اتكررت تانى انتِ الجانيه على روحك .

تعادها متجها لهبه و التى نظرت اليها سالى بغضب عاصف و توعد بينما تتابعها هبه بشفقه و حزن ثم دلفت للغرفه و دلف معتز خلفها مغلقا الباب بوجه تلك الثائره بالخارج ..

اقترب منها و اجلسها على الفراش و وقف امامها يتسائل و كأنه لم يستشيط غضبا منذ لحظات : خير يا فلتى ..!.

ابتلعت غصتها و لكنها استجمعت قواها و هتفت بصرامه و هى تصل لمرحله جديده من علاجها له : حرام عليك ..

عقد حاجبيه و احضر مقعد و جلس امامها متمتما بدهشه : ليه بتقولى كده ؟؟!

امسكت يده و امتلئت عينها بالدموع و لكنها ابت الهطول و تشرح له بكل ألم قلبها و عزمه : ربنا بيقول فى كتابه " فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً " .... فاهم يعنى ايه يا معتز ! ، يعنى انت اتجوزت و مقدرش اقول حاجه , حقك .. بس مقدرش اشوفك بتقصر فى حق ربنا و اسكت , انت بتظلم سالى و كده حرام ... راعى ربنا فيها يا معتز ... راعى ربنا .!!..

و تركته و نهضت لتحاول منع دموعها من السقوط و لكنها لم تستطع فخرجت مسرعه من الغرفه بينما هو ينظر لمكان جلوسها بذهول .

صمتت و لم تعاتبه على زواجه .. و لم يتحدث !

مضت حياتهم دون اى تغير من طرفها بل تمنحه نفسها , حبها و حنانها بدون مقابل ... و لم يتحدث !

مازالت تحبه و تعيش معه و مع زوجته الثانيه دون تذمر ... و لم يتحدث !

لكن ان توصيه برعايه زوجته هذا فاق كل الحدود و تعدى قدره عقله على الاستيعاب ..

ألا تتألم , ألا تغار , ألا يتوجع قلبها , ألا يعارضها عقلها , ألا تضعف قوتها !!
و رغم انه يعرف ان كل هذا ربما يحدث و لكن كيف تفعل هذا ..!..

كيف تتغلب على ألمها بضحكه , كيف تتحمل وجعها بدعوه , كيف تزداد قوتها فى خضم ضعفها ..

قبض يديه و تمتم بهدوء حاسم : و ربنا قال " و لن تعدلوا " ..... و انا هراعى ربنا فيكِ يا هبه , هطلقها و اسلم نفسى , قلبى , خوفى و كل ما فيا ليكِ يا فلتى .. حاضر يا هبه هراعى ربنا ..

نهض خارجا من المنزل و رغم شعوره بالندم على كل ما صدر منه قراره أراح قلبه , تصالح مع نفسه و الأن فقط يستطيع ان يعيش معها , لها و بها فقط ..

الان فقط ادرك و حسم قراره " يحبها ... بل يعشق "...

فمن يراها بعينه لن يرى امرأه واحده بل سيراها كل النساء ,
لقد آمن قلبه انها معنى النقاء ,
فهى قمر ساطع فى عتم الفضاء ,
وقت تكون فقر و اوقات هى السخاء ,
خلفيته معتمه و لكن اهناك اجمل من خلفيه معتمه ليضوى عليها جمالها هى , و هى فقط دونا عن كل حواء ,
يا امرأه هى الارض و هى السماء ,
يحيه حبها و يقتله الجفاء ,
سلم و استسلم قلبه لها أيا انثى لا تعرف سوى الاستيلاء ...

***********************

رحل هو لعمله و بمجرد ان سمعت سالى صوت الباب يغلق خرجت مسرعه بطوفان غضبها من الغرفه و همت بدخول غرفه هبه عندما سمعت صوت ضجه بالمطبخ فاتجهت اليه سريعا ...

وقفت خلفها و وضعت يدها على كتفها و جعلتها تستدير لها بغضب تفاجأت هبه من حركتها و لكنه عقدت ذراعيها امام صدرها و استندت على الطاوله الرخاميه خلفها تنتظر ما ستقوله تلك الغاضبه امامها ..

رفعت سالى يدها فى وجه هبه بتحذير : صبرى عليكِ بدأ يخلص ... اتقى شرى يا هبه سمعانى ..

نظرت اليها هبه من اعلى لاسفل و تمتمت بهدوء : هتعملى ايه يعنى !!

و همت بالخروج لتجذبها سالى من ملابسها و تسحب سكين رافعه اياه امام عين هبه و هتفت بتهديد صريح : انا مش باقيه على حاجه فى حياتى , اطلعى من حياتنا بهدوء و الا و الله العظيم لاكون مشوهه وشك الجميل ده و عليا و على اعدائى ..

اتسعت عين هبه بذهول تام و هى تنظر لحد السكين الذى يبعد عن صدرها مسافه عقله اصبع ثم رفعت عينها لسالى و رفعت يدها ايضا لتخفض يد تلك المجنونه عنها هاتفه و عينها جاحظه بصدمه : انتِ اتجننتِ !!

رفعت سالى يدها بالسكين مجددا هاتفه بهستريا واضعه اياه على كتف هبه تلكزها بخفه جريئه : اه اتجننت , معتز لازم يقرب منى , لازم اعيش كزوجه فى حياته , لازم يعتبرنى مراته , لازم يلمسنى و مش هسمحلك تبعدينى او تنفينى من حياته , انتِ فاهمه !!

راقبت هبه انهيارها المفاجئ هذا , من خبرتها القليله بسالى فهى فتاه هادئه ..
اجل كانت إعصار دمر حياتها و لكنها لم تكن ابدا انفعاليه ,
لم اليوم بهذا الضعف ؟ لم اليوم تطالب بوجود معتز جوارها ؟؟
لم كل هذا ؟؟ ما الذى جد ؟!!

اغمضت هبه عينها لم تعد تتحمل , رفعت رايه الاستسلام ,
اُنهكت و اُهلكت , لم يعد قلبها , جسدها او عقلها يتحمل ..
استسلمت قوتها و فاز ضعفها ..
اُستنذفت ..... اما لها ببعض الرفق ,
وصلت به لبر الامان ام لا , لا تدرى !!
و لما لا تردى , لا تدرى !!
فقط تدرى انها استسلمت ..

فتحت عينها لتجد سالى تغادر المطبخ بعصبيه لتدخل للمرحاض مغلقه الباب بقوه خلفها , وضعت هبه يدها على بطنها لتحتضنها بقوه و هبط جسدها على طول باب الخزينه خلفها لتسقط ارضا تضم ركبتيها لصدرها و تنهمر دموعها بصمت و يديها تحتضنها و تحتضن جنينها هامسه باكيه بضعف : مامتك تعبت , تعبت قوى .

انتفض جسدها برعشه خفيفه و بطنها تتألم كأن جنينها يشاركها وجعها فضغطتها برفق لتنهض ببطء متجهه لغرفتها لتُلقى بجسدها على الفراش و دموعها تنساب دون ارادتها فلا شئ يؤلم اكثر من الشعور بالضعف و قله الحيله ....
انتهينا ... لهنا و كفى ..
كفى دموعا , كفى ألما و وجعا , كفى اهانه ..
نفذت كل محاولاتها , نفذت و لم يعد بيدها حيله ..
وصلت لخط النهايه ..
نجحت ام فشلت لا فارق .. فلم يعد بمقدورها التحمل ..
حان وقت انازل ستار نهايه عرضنا يا معتزى ..
حان وقت الخاتمه ... و حان وقت كلمه النهايه ...

**************************

دلفت ام على من البوابه الرئيسيه للمنزل وهمت بدخول المنزل عندما رأت جنه مسجيه على الارض دون حركه .. اقتربت منها بهلع و هى ترفع رأسها على قدمها و تضرب وجنتها بخفه : بسم الله ... جنه .. فوقى يا بنتى ...

و لكن لم تستجيب جنه لها .. نهضت ام على راكضه للداخل بسرعه و صاحت بصوت عالى : دكتوره ليلي ... عز بيه .. الحقينى يا ست ليلى !

و لكن لم يجيبها احد فتذكرت انهم غادروا المنزل قبل رحيلها هى , دلفت للمطبخ مسرعه و احضرت كوب ماء و همت بالخروج لتجد عاصم ينادى بصوت عالى من الاعلى : ام على فى ايه ؟؟..

فركضت للاعلى بلهفه و وقفت امامه : الحقنى يا عاصم يا ابنى .. الحقنى ..

انتفض جسده قلقا و غضب صائحا بها : فى ايه انطقى ؟؟

ارتجفت شفتاها و هى تجيبه بقلق عليه و على تلك الملقاه بالخارج : جنه ... واقعه على الارض فى الجنينه بره حاولت افوقها بس مفيش فايده .

انقبض قلب عاصم و صرخ بجزع بادٍ بوضوح على وجهه : انتِ بتقولى ايه ؟؟

و تحرك مسرعا خارج الغرفه فاتجهت اليه ام على لتمسك يده و هى تبكى : على مهلك يا ابنى ..

كبرياء , عجز , او ضعف , كل هذا لا يشغله الان
هبط بمساعدتها الدرج و سار معها حيث جنه مسجيه على الارضيه جلس بجوارها و تحسس الارض حتى لامس رأسها فرفعها لحضنه و كل خليه من جسده تنتفض خوفا عليها و ضرب وجنتها عده مرات صارخا بأم على : هاتى مايه و اى برفان بسرعه ..

ركضت ام على للداخل و ظل هو يحاول افاقتها : جنه ... جنه ردى عليا ... فوقى .!!.

رفع رأسها يعدل وضعها بحضنه ليصرخ و هى يضمها لصدره : انتِ ليه بتعملى فيا كده ؟؟ افتحى عينك .

ابعدها و ظل يضرب وجنتها ثم حرك جسده بعشوائيه حتى امسك يدها و اخذ يفركها بسرعه و مازال صراخه بها مستمر حتى عادت ام على و اعطته العطر ليمسكه بأيد مرتجفه و يقربه من انفها مرات متتاليه و ام على تنثر قطرات ماء على وجهها حتى تأوهت جنه و هى تفتح عينها ببطء لتصرخ ام على بفرحه : فاقت .

القى عاصم العطر من يده ليضم وجهها بكفيه بغير هدى هاتفا بجزع : انتِ كويسه ؟!!

نظرت جنه حولها متعجبه ما يصير ثم نظرت اليه لتصدمها اللهفه على وجهه و القلق المتجسد على ملامحه و همست بوهن : اه كويسه ..

و ثانيه واحده لتجد نفسها بعدها بين يديه يضمها بقوه حتى كادت عظامها تتكسر اسفل يده : انتِ ازاى تعملى كده ؟؟

ضرب ظهرها عده مرات و صاح بعنف غاضب , قلق و يكاد يموت خوفا : عارفه .. انا بكره وجودك .

ابتسمت بين يديه و قلبه يترجم انفعاله و يعطيها المصطلحات الصحيحه لكلماته الغاضبه .. تمسكت بملابسه و همست بخفوت تضمه هى الاخرى : متقلقش عليا انا بخير صدقنى ..

ضمها اليه بقوه اكبر يدفن وجهه فى عنقها هاتفا بغضب و مازال على اصراره ينفى : انا مش قلقان .. انا بكرهك ..

تساقطت دموع ام على واخذت ما احضرت ودلفت للداخل , ابعدها عنه ليحاوط وجهها و هو يتمزق الما من عدم رؤيتها ,
لم يستسلم و لم يشعر بضعفه بقدر ما يشعر الان ..
كل ما يحاوطه ظلام و اه لو بيده فرصه واحده ليراها ..
ثوانِ فقط .. فقط لحظات ليطمئن , لحظات ربما تتشبع بها روحه , لحظات ربما يستكين قلبه بعدها , فقط لحظات ... و لكن ليس كل ما نتمناه ندركه ..

ظل ضاما وجهها بين كفيه و هتف بعصبيه مفرطه : ايه اللى حصل ؟؟ و ازاى وقعتِ كده ؟؟ كنت بتعملى ايه ؟؟ انطقى ليه حصل كل ده ؟؟

تحركت مسرعه لتضمه اليها فهى رأت حبه , تعاملت مع غضبه , ادركت قسوته , عاشت عجزه و لكنها لم ترى خوفه ابدا و ليتها لم تراه .

ضمها بقوه و انفاسه بالكاد تخرج و همس باعياء ربما ليس جسدى بقدر ما هو بروحه : مش عاوزك فى حياتى ... ابعدى عنها .. ابعدى ..

ابتعدت عنه و نهضت و كذلك هو و وضعت يدها بيده تحركه للداخل : انا كنت بروى و بقصقص الزرع و الشمس كانت شديده شويه و بصراحه كده مأكلتش من الصبح فا دا مع دا اثر ... انا اسفه ..

توقف و استدار لها دافعا يدها عن يده بغلظه و بلا مبالاه هتف : ميخصنيش فى حاجه ..

عادت تتمسك بذراعه متسائله بشغب : متأكد !!!

توقف قليلا تائها عالعاده فى عتمته ثم تحرك ليصعد للاعلى ولكنها تمسكت به : ممكن تقعد تاكل معايا ..!!

هم بالابتعاد عنها و لكنها امسكت يده بتشبث : علشان خاطرى يا عاصم ..

صمت قليلا ثم تحرك معها لغرفه الطعام و هو يلعن استسلام قلبه الساذج و ها قد تقدمت حرمه المصون فى رهانهم و ربحت - قلب عاصم الحصرى - الجوله الثانيه و بجداره ..

اضطراب قلبه اخبره ان الجنه ما زالت تسكنه و لم يعد هناك سبيل للانكار ..

***************************

طرق خافت على الباب تبعه دخول السكرتير الخاص به و هو يقول برسميه : فى ناس طالبه تقابلك يا استاذ معتز .

رفع معتز رأسه عن اوراقه و عقد حاجبيه و هو يمسد عنقه بضعف : مين ؟!!

اقترب السكرتير منه و اعطاه ورقه بها ثلاث اسماء مجيبا : دى اسمائهم ...

نظر معتز للاسماء قليلا ثم هتف مسرعا و هو ينهض عن مكتبه : خليهم يتفضلوا فورا ..

تقدم الثلاثه للداخل رجل كبير و امرأه تصغره بعده سنوات و شاب يبدو فى الثلاثين من عمره , تقدم الرجل من معتز وصافحه قائلا : اكيد طبعا عارفنى ؟!

ابتسم معتز بود و اشار للمقاعد خلفه : اكيد طبعا يا عمى .. اتفضلوا ..

جلس الجميع و تحدثت المرأه بغضب واضح : بنتى اتجوزتك فعلا ؟؟؟

تعجب الغضب التى تحمله فى طيات حديثها واومأ باتزان : اه ... انا...

قاطعه الشاب الجالس معهم و هو ينهض هاتفا بعصبيه : الحقيره ...

وقف معتز بالمقابل و صاح بغضب هو الاخر : فيه ايه يا حضره احترم انك بتتكلم عن مراتى .!!

اشاح الشاب بيده بانفعال تام : مراتك دى تبقى طليقتى .!.

اتسعت عين معتز باندهاش فنهض ابيها و وضع يده على كتف الشاب هامسا بحزم : احنا جايين نتكلم بالعقل مش بالخناق ... اقعد و اهدى ..

جلس الشاب بعصبيه و هو يحرك قدمه بغضب شديد بينما معتز يتابع ما يحدث دون استيعاب حتى اشار له ابيها : اقعد يا ابنى .. احنا جايين نقولك كلمتين و السلام ..

جلس معتز منتظرا القادم حتى صرخ الشاب بانفعال مره اخرى كأنه لا يستطيع التحكم بغضبه : قدرت ازاى تضحك عليك و انت ازاى تصدقها ؟!! ازاى ؟؟َ!

حاول معتز التحكم باعصابه و اعتدل متحدثا بهدوء : انا اعرف سالى من ايام الجامعه و لما عرفت انها اتطلقت اتجوزتها مش فاهم ايه الغلط من وجهه نظركم ...

احنى الشاب شفتاه بسخريه و هتف باشمئزاز : و هى مقالتش لك هى اتطلقت ليه ؟؟

اغلق معتز عينه ثوانى ليتماسك قدر استطاعته و اجابه بحسم و صرامه : اكيد قالتلى و مفيش داعى نفتح القديم ..

نظر له والدها و وضع يده على ركبته متمتما بانكسار : و مفكرتش يا ابنى ازاى واحده مطلقه تتجوز تانى بدون رأى اهلها .. مسألتش نفسك فين اهلها و مش جنبها ليه ؟؟

رفع معتز يده ليرجع خصلاته للخلف متعجبا مدى وقاحتهم فبعدما اخبرته سالى عما فعلوه يأتون و بكل برود هكذا يسألونه و لكنها اجاب بحده : لما الاهل يتخلوا عن بناتهم مين انا علشان اسأل عليهم ؟؟

هتفت الام بشهقه استغراب و استنكار : يتخلوا عنها !!!!!

ضرب الشاب على الطاوله امامه بغضب عاصف صارخا : كذب .. كذب .. كذب .. سالى مبتعرفش تعمل حاجه غير الكذب ..

نهض معتز غاضبا فحتى ان كان نافرا منها.. و حتى ان كان اتخذ قراره بتطليقها .. لا يحق لاحد التقليل منها بالنهايه هى مازالت زوجته : احترم نفسك يا استاذ علشان رد فعلى بعد كده مش هيعجبك ..

نهض والدها ليضع يده على كتفه ليقول بانكسار : اقعد يا ابنى و اصبر و اسمعنى للاخر .... ثم نظر للشاب هاتفا : ممكن تهدى لحد ما اخلص كلامى ..
صمت الجميع لثوانى .. نظر الاب ارضا و همس بضعف و خزى : انا بنتى اتطلقت بعد جوازها بيوم !!!

صدمه جعلت معتز يحدق به ببلاهه مندهش حين اردف الاب : لان جوزها اكتشف انها مش بنت .

تساقطت يديه التى يعقدها و اتسعت عينه و هو يتابع ملامح الاب المنكسره و دموع الام المتحسره و بالنهايه غضب الزوج السابق ...

اكمل الرجل بنفس الهدوء المتمزق : كانت هتبقى فضيحه و هتأثر على مستقبل اختها الصغيره , اترجيت جوزها يستر عليها , رفض لانها اعترفت بدون خجل , واجهته بدون ندم , مكنش فيه ذره حياء او تدين ... رفض و انا مقدرتش الومه ... بس اتوسلته يعمل حاجه واحده انه يسيبها تقضى شهور عدتها عنده علشان الناس و علشان اختها ... و الحمد لله وافق بس انا بنتى كانت حالفه تكسر عينى و تحنى ضهرى , هربت منه بعد شهرين و بقالنا اكتر من سنه بندور عليها لحد ما ظابط معرفه شافها هنا و عمل تحريات عنها و عرف انها اتجوزتك وجه بلدنا و قالى و ادانى عنوانك .. انا مش جاى علشان ارجع بنتى او اوصيك عليها .. انا جاى علشان اقولك ان بنتى مبعدتش عن طريقها القديم .. الظابط دا شافها مع مجموعه شباب ..

صمت قليلا و اردف بضعف : بنتى بتخونك ..

صدمه , تشتت , عدم تصديق , ألم , و احساس بالغدر والخيانه .
لا ما يشعر به اكبر بكثير من كل هذا !
من يتحدثون عنها ليست من تزوج , من يتهموها بالخيانه ليست من احب يوما , من يصفوها له ليست المرأه ببيته , ليست هى بالتأكيد ...
و لكن أيكذب والدها !! سيدمر حياتها بيده , اذا تلك الام و دموعها !!
هل كان مخدوع بها لهذا الحد , هل عاقبه الله على وجع قلب احد بكسر قلبه ,
السهم الذى اودعه بهبه رُد اليه ... و يا لألمه !!
لا .. هم يكذبون ... هذا كله كذب ..
هبه علمته الصبر و اخبرته ذات مره ان قرارات الغضب دائما خاطئه ..
اخبرته ان التفكير وقت الصدمات ينحرف لخطوط مؤذيه ..
يهدأ الان ... هل هذا هو الحل ؟!!
و لكن كيف يهدأ ... كيف ؟؟؟؟!!

افاق من تفكيره بيد والدها توضع على ركبته فرفع عينه اليه ليجد الدموع متحجره بعينه و الذل اخذ من ملامحه ما اخذ و بتذلل و خزى بات مصاحبا له طوال عمره اضاف : انا اسف يا ابنى , بس يمكن تربيتى لبنتى كانت غلط .. و يمكن هى نفسها كانت غلطه .

و نهض مسرعا تاركا المكتب و تبعه والدتها و طليقها الغاضب تاركين معتز يراقب الباب بشرود ذاهل ....

خيانه ..!!!!
داين تُدان , خنت ثقتها فجاءت تلك لتخون ثقتك , آلمت قلبها فأصرت تلك على إلام قلبك , ابكيت من لا ذنب لها سوى حبها لك فسعت تلك لجعلك تبكى دما , و شتان بين ألم و ألم ...

نهض عن المقعد متجها لزجاجه الماء على المكتب ليرفعها لفمه بأصابع مرتجفه لتتساقط المياه على قميصه قبل ان يخفض الزجاجه و يستند بيديه على المكتب ...
و رفضا لكل شئ , كذب ما سمع ... كل شئ كذب ...

حمل جاكيت بذلته و خرج من المكتب مبكرا عن العاده و عاد مسرعا للمنزل فما اشد حاجته الان لحضن فلته .. فما اشد وجع نفسه , قلبه و كل ما به ..

*********************

دلف ليجد سالى جالسه امام التلفاز بغرفه الاستقبال فنظر اليها لحظات و لكنه لا يستطيع ان يلومها , يهدأ الان قليلا ثم يتحدث معها و ربما تكون تلك المره الاولى التى يتخذ فيها قرار بعد تفكير ...

القى السلام و دلف لغرفه هبه تفاجأت برجوعه مبكرا و لكن يبدو ان كل ما حولها يهيأ لها الفرصه المناسبه لتنفيذ قرارها اقتربت منه بجديه مفطره : حمد الله على السلامه ..

تنهد بتعب و اغلق عينه بهدوء متمتما باعياء واهن ظهر بوضوح : الله يسلمك ..

لم تستطع اخفاء قلقها فجلست بجواره على الفراش تطمئن : انت كويس ؟ شكلك مرهق قوى ؟!

وضع رأسه على كتفها و همس بصوت بالكاد يُسمع : جدا يا هبه جدا ...

" هبه " !!!!
الموضوع كبير , ربتت بيدها على كتفه و هى توبخ قلبها آلاف المرات على قلقه و لكنها لم تستطع استدعاء قسوتها الان فرفعت يدها لتزيل وجهه عن كتفها واحاطته بكفيها طابعه قبله دافئه على وجنته و قالت بحنان و هى تسمح على خصلاته برفق : قوم خد شاور و بعدين نتكلم .. انا كمان عاوزه اتكلم معاك ضرورى ..

استجاب للمساتها التى كان فى أمس الحاجه لها ثم اومأ برأسه و نهض بتثاقل و نهضت هى خلفه , اخرجت ملابسه و منحته اياها فخرج للمرحاض بينما جلست هى على الفراش و وضعت رأسها بين كفيها , و ماذا بعد يا هبه ؟!

الى متى سيتحكم القلب ؟ , الى متى ستكون كلمته السائده ؟!
اما اتفقنا ان ننهى الامر ...
لابد ان ينتهى , لابد ان يصمت القلب و يتحدث العقل الان ..
و لكن هل للعبد ان يتحدث بوجود السيد , فرغم صمت القلب فهو صمت صاخبا ...

نهضت لتخرج لتُفاجئ بمعتز يدلف للغرفه و عيناه تنبض بالفرح و على وجهه ضحكه واسعه خلاف ما خرج تماما و اقترب منها بلهفه صارخا بحماس مفرط : انتِ ... انتِ سبب فرحتى كلها .. سبب كل حاجه حلوه ..

حملها بسرعه و ظل يدور بها عده مرات متتاليه و هى تتشبث بعنقه بعدم استيعاب و هو يصرخ بصخب عالى : انا بحبك .. بحبك ... بحبــــــــــــــــــــــــــــــك ..

كان صوته يعلو فى كل مره حتى صاح بالاخيره طويلا و هى تكاد تحلق من فرط دورانه حتى توقف اخيرا و اوقفها ارضا لتضع يدها على جانب جبينها و مازالت متشبثه بذراعه لشعورها بدوار شديد فهتف بتأسف و هو يسندها جيدا : انا اسف .. مكنش المفروض اعمل كده .. انتِ كويسه ؟!!

رفعت عينها اليه و اومأت متسائله بتعجب فاق حدود استيعابها : ايه حصل ؟؟

نظر اليها غامزا و دار حول نفسه عده مرات متتاليه صائحا و عيناه تلاعبها بشغب و شغف : هبقى اب , انا مش مصدق .. هبقى اب يا فلتى ... اخيرا امنيتى اتحققت ..

اتسعت عينها بصدمه و شُل عقلها عن التفكير تماما و عُقد لسانها عن النطق فأمسك هو يدها و صاح بلهفه : عرفتِ امتى ؟؟ و ازاى ؟؟

ثم ضمها لصدره بقوه و تمتم دون ان يمنحها فرصه لاجابته حتى : الحمد لله .. انا مش مصدق ان ربنا استجاب ليا .. الحمد لله يارب ..

ابتعد عنها و عينه تلمع بالدموع و حاوط وجهها بكفيه قائلا بحماس مفرط و فرحه هائله : اوعدك انى هكون له افضل اب , هيبقى احسن من اى حد , مش هخليه ضعيف زيى .. انا عاوزه قوى زيك .. مش هسيبه يعيش حزن فى حياته ابدا .. مش هحرمه من اى حاجه .. لو طلب عنيا هديهاله .، هحبه زى ما انتِ بتحبينى و اكتر ..

ترك يدها و هتف بعدم تصديق : هبقى اب يا فله ... انا هبقى اب .!!!

اقترب وضم اياها بقوه مجددا و تساقطت دموعه على كتفها العارى و هو يردد بالحمد مرات متتاليه : الحمد لله .. الحمد لله ..

ام هى فكانت فى عالم اخر .. عرف !!!
كيف و متى و مِن مَن و لا احد يعرف عداها و دكتورتها ؟
ماذا سيفعل الان ؟! و ماذا ستقول هى ؟! لماذا اخفت و منذ متى ؟!

ابعدته عنها بهدوء و نظرت لعينه و حاولت تكذيب الامر فلم يحن وقت معرفته بعد : انت بتقول ايه ؟!! ليه .. !؟

تلعثمت و لم تعرف ما تقول و لكنه لم ينتظر ان تُكمل سؤالها بل رفع يده بشئ ما امام عينها لتنظر هى ليده بتعجب لتجده اختبار حمل , عقدت حاجبيها استغرابا و نقلت بصرها بينه و بين يده و يا ليته لم يخبرها و يا ليتها لم تسأل .. فهى باجابتها لن تقتل فرحته بل ستقتله هو , لن تمحى سعادته بل ستمحيه هو , فهو لا يعرف بحملها فاختبار الحمل ليس لها , لن تنكر وجود الجنين داخلها بل ستخبره بوجود جنين داخل الاخرى ..

ارادت النهايه و لن تكون النهايه لعلاقتهم فقط بل ستكون النهايه التامه له و قد كان عندما صرحت بخفوت و القلق يتجسد على ملامحها : الاختبار ده مش بتاعى ؟!!

*************************

خرجت سلمى و مها من الشركه فتنهدت سلمى بسعاده : انا فرحانه جدا النهارده .. اخيرا شغل و مشاريع بقى .

ابتسمت مها و اشارت بغمزه " كنت بتقضى سنين عسل مش شهر , معرفش البشمهندس اكرم وافق انك ترجعى ليه اصلا ؟ "

وكزتها سلمى بذراعها ثم عبست و تسائلت بتفحص : ممكن تفهمينى موضوع انفصالك ده بقى !

تجهم وجه مها و نظرت للطرف الاخر محاوله تجاهل سؤالها و لكن سلمى بعنادها المعتاد استدارت لتقف امامها قائله بإلحاح : انا مش هسيبك النهارده غير لما افهم بقى و انسى انك تهربى منى ... و انجزى لان امجد على الطريق و قرب يوصل ..

شردت مها قليلا فيبدو ان سلمى عادت لعادتها القديمه وقتما ترغب بشئ لا تتنازل عنه حتى تحصل عليه فنظرت اليها و اشارت بشك " اللى فهمته من كلامه ان جواز معتز هو السبب "

عقدت سلمى حاجبيها بضيق و غضب انثى لاجل انثى اخرى : يعنى الكلام اللى سمعته صح فعلا , بس ازاى معتز يعمل كده ؟؟ و ازاى هبه كمان مستحمله ؟؟ انا لو مكانها كان زمانى قتلته .!!

اشارت مها بتخمين " هبه شايفه انها كده بتساعده و فعلا ساعدته .. كفايه انه بقى راجل يُعتمد عليه و الشركه اللى كان عاصم بيديرها هو و فارس الله يرحمه سوا معتز نجحها جدا لوحده "

و ابتسمت بخفوت تضيف " احيانا الانسان بيفوق للاصح ليه بس بعد فوات الاوان "

تمتمت سلمى : ربنا يعينها بجد بحسها بتحبه جدا قليلين اللى زيها كده .؟!
ثم اضافت بانفعال : بس برده مفهمتش انتِ مالك و مال ده كله ليه محمود يشيلك ذنب حد تانى ؟ و بعدين ايه رد فعل هبه و معتز لما عرفوا ؟؟

صمتت مها و بعد لحظات اشارت " يمكن كده افضل لينا " ثم اضافت " هبه و معتز لسه معرفوش حاجه "

_ السلام عليكم ..

القاها اكرم و هو فى طريقه للخارج .. نظرت اليه كلتاهما و ردت السلام , نظر لسلمى بهدوء و تمتم باعتياديه : نورتِ الشركه من تانى يا سلمى هانم .. بس خلاص خلصت الاجازات و عاوز شغل من نار ..

ابتسمت سلمى و اومأت برأسها و همست بجديه مازحه : هبقى لهلوبه ..

و مع ضحكاتهم توقف امجد بسيارته امامهم و هبط منها , صافح اكرم و اخذ سلمى و استأذن منهم راحلا ..

نظر اكرم بطرف عينه لمها التى ابتسمت بخفوت و تحركت من امامه بشرود حتى تفاجأت بصرخته خلفها و صوت سياره تحتك بالارض بقوه لتقف على بعد عده سنتيمترات منها فوضعت يدها على فمها و اتسعت عينها بصدمه و بلحظه واحده وجدت أكرم امامها يهتف بجزع : انتِ اتجننتِ ؟؟ ازاى تمشى بعدم تركيز كده ؟؟
ثم اشاح بيده هاتفا بغضب عاصف : انتِ عاوزه تموتينى بسكته قلبيه اكيد ..

نظرت اليه بتعجب شديد من موقفه و صراخه و ايضا كلماته بينما هو تحرك بغضب من امامها متجها لسيارته و هو يلعن لسانه الاحمق الذى اندفع ليصرخ بتلك الكلمات ..

هبط مازن من السياره و اقترب من مها متأسفا : انا متأسف يا بشمهندسه .. حضرتك كويسه ؟!! ..

حركت رأسها يمينا و يسارا بالنفى و اشارت تعفيه احساسه بالذنب " انا اللى سرحت يا بشمهندس محصلش حاجه .. انا بخير .. عن اذنك "

تحركت مسرعه لداخل سيارتها لتمر بها بجوار سياره اكرم و تنطلق بسرعه هائله , ابتسم مازن و اتجه لاكرم فتح باب السياره الاخر و جلس بجواره واخذ يُطلق صفيرا بمرح ثم دندن باستفزاز : اصابك عشق ام رُميت بأسهم .... فما هذه الا سجيه مغرم ..

التفت اليه اكرم وضربه بقبضته بصدره و ملامحه تنبض بغضب مفرط فضحك مازن ملأ صوته و هتف بخبث : العصفوره بقت حره يا صياد ..

وضع اكرم رأسه على حرف المقعد و اغلق عينه و صمت بينما اعتدل مازن ناظرا اليه و اردف متعجبا حزنه لانفصالها : انت بتحبها و هى دلوقت حره ... يعنى الطريق قدامك مفتوح .

ظل اكرم على صمته و انفاسه مضطربه فعقد مازن حاجبيه و اكمل : انت ساكت ليه ؟؟ اتقدملها يا اكرم ... اتجوزها .. انت و هى تستحقوا الفرحه ..

تنهد اكرم بصوت عالى ثم اعتدل و فتح عينه ناظرا لمازن بحده و صاح بقوه بكل جوارح صدره المشتعله : لأ ..


************************

_ ممكن تقعدى و تهدى شويه ..

صاح بها امجد و قلقه يفتك به و لكن تلك التى تقطع الممر ذهابا و ايابا امامه زادته توترا ..
نهض وامسك يدها واجلسها بجواره : اهدى يا سلمى ..

نظرت اليه لحظات ثم نظرت امامها و انحنت بجسدها للامام تضع يدها على ركبتيها تتحرك لاعلى و لاسفل بتوتر .. و لم يكن هو بحال افضل منها و لكنه حاول ابعاد تفكيرها عن التوتر قليلا فتسائل بمحاوله لتشتيت تفكيرها و ربما تفكيره : عاصم اخباره ايه ؟؟

نظرت اليه ثم للغرفه التى دلفت الممرضه اليها لتُحضر التحاليل ثم عادت بنظرها اليه هامسه : مها بتقول لسه زى ما هو .. قافل على نفسه الاوضه و مبيخرجش .. بس بدأ يعتاد االموضوع يعنى و كمان قالتلى ان التقارير بتاعته بتقول ان فى امل يرجع يشوف تانى ..

اومأ برأسه متمتما :الحمد لله ..

اعتدلت و حدقت به : انت ليه صممت اننا نعمل التحاليل بره المستشفى ؟!

زفر بقوه و وضع يده على وجهه : اعمل فيكِ ايه ؟؟ بعصبيتك و انفعالك و توترك ده خلتينى اتوتر و قولت نبقى بره افضل ما المستشفى كلها تعرف ..!

همهمت موافقه و وضعت يدها على صدرها موضع قلبها هاتفه بقلق ربما تختبره سلمى المتمرده العابثه لاول مره : حاسه قلبى هيقف ..

صمت كلاهما و داخلهم يصرخ قلقا , حتى خرجت الممرضه و اعطتهم التقارير فأمسكهم امجد بلهفه و هم بفتحهم و لكن ارتجافه يده منعته ... حاول مجددا و لكنه لم يستطع ... وضعت سلمى يدها على كتفه لتشعر بانتفاضه جسده و ربما انتفاضه جسدها هى .. فرفع امجد يده ممسكا يدها و نظر للممرضه قائلا : فين الدكتور ؟؟!!

اشارت له على غرفه مجاوره فاتجه اليها امجد ممسكا بيد سلمى .. طرق الباب و دلف معطيا التقارير للطبيب قائلا بترقب و توجس و نبضات كلا منهما تصرخ عاليا : ممكن توضحلنا النتيجه يا دكتور ..

ابتسم الطبيب و اخذ التقارير فتح كلاهما امامه .. عن يمينه تقرير سلمى و عن يساره تقرير امجد .. و امامه هم يكاد القلق و التوتر يفتك بهم ... شدد من ضم يدها بيده منتظرين كلمات الطبيب التى اتت بعكس المتوقع تماما عندما هتف الطبيب بعمليه : الزوجه سليمه تماما مفيش اى شئ يمنعها من الانجاب ..

ابتسمت سلمى بسعاده وقلبها يرقص فرحا ونظرت لامجد لتجد ابتسامه رضا على وجهه الذى رفعه لاعلى متمتما بالحمد و قد اطمئن قلبيهما ..
و لكن اختفت ابتسامتها و اخفض هو رأسه بصدمه عندما اردف الطبيب : بس الزوج عقيم ..!!!

************************

لماذا اراك و ملء عيونى ... دموع الوداع ؟
لماذا اراك و قد صرت شيئا بعيدا ... بعيدا .. توارى و ضاع ؟
تطوفين فى العمر مثل الشعاع ...
احسك نبضا .. و ألقاك دفئا ..
و اشعر بعدك .... انى الضياع .

" فاروق جويده "

****************

انتهى البارت 💔

بحبكم فى الله 🙈

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top

Tags: #shimaa