لولا البدايه ما كانت النهايه
قل للرياح تأتى كيفما شاءت , فما عادت سُفننا تشتهى شيئا ...
استيقظت صباحا لتفتح عينها ببطء فاجتاحها شعور بالالم غزا جسدها بأكمله فأغلقت عينها مجددا لتفتحها علي صوته الهادئ : صباح الخير ..
رجفه غريبه سرت بجسدها و هي تتذكر الليله السابقه كحلم بعيد , تتذكر بعض هذيانها و حركاتها الغاضبه علي الزجاج المتكسر ارضا , و اخيرا سقوطها بين يديه لتتوسله ألا يرحل ...
ضغطت عينها بقوه اكبر و هي تحاول منع غصه حلقها التي اصابتها دافعه اياها برغبه في البكاء و لكن يده التي لامست خصلاتها تبعدها عن وجهها جعلتها تشهق بحده و هي تشعر بلمساته الدافئه تُشعل نيران احساسها القاتل بالخيانه ...
ففتحت عيناها لتُفاجئ بوجهه القريب بشكل خطر علي نفسها و قلبها فعادت بجسدها للخلف و هي ترمقه بحذر و عيناه تطوفان وجهها بابتسامه هادئه لم تفهمها , و لكنها ما لبثت ان حمحمت بخجل و هي تعتدل ناهضه عن الفراش وقفت بخجل فاق ضيقها تعدل من وضع ثيابها و تلملم خصلاتها المشعثه بشكل عشوائي اصاب قلبه في مقتل ,
فأخذ نفسا عميقا لينظر اليها بعمق لاول مره , يغمرها بنظراته العاشقه بدلا من تلك الحانيه , ليبتسم بوله بدلا من ابتسامته المتحفظه , ثم ينهض واقفا امامها و هي ينقل بصره بهدوء من اعلي رأسها لاخمص قدمها فدفعها ذلك لتبتلع ريقها بارتباك و هو يعود بعينه اليها ليهمس اخيرا مخلصا اياها من اعتقال نظراته الغريبه : رجلك عامله ايه دلوقت...؟!
قالها و هو يشير علي قدمها التي لا تدري متي ضمدتها و لا تشعر بألمها من فرط توترها بل تشعر بتنميل ثقيل شمل أطرافها جعلها بالكاد تستطيع الوقوف , لتجمدها كلماته التاليه التي قالها بنبره مباشره دون تمهيد او تمهل : فاكره كلامك بالليل يا حنين ..!؟
اغلقت عينها و هي تحاول التوازن لتستند علي الدولاب خلفها بأصابعها الواهنه و هي تتذكر كلماته لحياه و كلماتها هي له فهمت بالتحدث عندما عاود هو سؤالها بنفس الاصرار غير عائبا بارتباكها الذي اقسم الا يعيره انتباه حتي تُضع النقاط علي حروفها الصحيحه ..
فكفي عبثا بقلبه و قلبها , كفي وجعا لروحه و روحها , كفي هروبا منه و استسلاما منها , يريد شيئا فليجاهد من اجله ,
كانت نهال دائما ما تقول له " ليست المطالب بالتمني و لكن تُأخذ الدنيا غلابا "
و هكذا هو مطلبه , حبه بل عشقه سيأخذه غلابا , اعتاد هو علي اليسير .. أُمر تُجاب , فقط يؤشر علي ما يريد ... يُحضر اليه ,
و الان هو سيحارب ليفوز بقلبها و عقلها معا ,
اقنع قلبه و نفسه - او هكذا اعتقد - و بقي قلبها ,
فإما اقنعه و إما اعتقه ... اما هذا و اما ذاك لا وسيط بينهما !!! ...
خرجت نبرته جامده بصوره جديده علي نبرته الحانيه : طيب عارفه معني كلامك ..؟!
حاولت تجاهل ما شعرت به من تواثب قلبها المجنون بخفقاته التي كانت اشبه بصفعات حاده علي صفحه ضميرها ،
ففتحت عينها و رمقته بنظره زاجره اعتقدت انها كالعاده ستنهيه و لكنه ظل علي نظراته المربكه لها حتي قررت هي انهاء هذا الصراع الكبير عندما تمتمت بصوت بالكاد يُسمع : مش فاكره حاجه .!
جنون بجنون اذا !!!
جنون منها عندما احرقت قلبه ببراءتها و اذابت جليد نفسه بضحكتها ,
جنون منها و هي تحاول دفن الحاضر بروحها لتشقى ,
جنون منها عندما احبته ,
و جنون منها عندما عشقها !
و جنونه هو كان عندما امسك بمعصمها الان ليجذبها بعنف لاصقا ظهرها بصدره لتصرخ بحده متفاجئه قبل ان يشتعل جسدها بجنون اسفل لمسته الناعمه و هو يمتد بيده حول خصرها حتي عقدها امام بطنها مستندا بذقنه علي كتفها هامسا بخفوت غاضب : متأكده انك مش فاكره ..؟!
حاولت التملص من يده , و لكن يداها تجمدا فلم تستطع ابعاده ,
ترغب بالهروب منه و لكن جسدها اعلن التمرد و استمتع بحضنه ,
تريد الغضب لتحرقه به و لكن عجبا فلم تجد في نفسها سوى استسلاما لدفئ ذراعيه ,
فمال عليها ضاغطا جسدها اكثر و رغم احساسه بأنه خطأ , مطالبته هذه خطأ , رغبته بزوجه اخيه الراحل خطأ , و لكن انانيته لها و بها فاقت و اطغت علي كل شئ ,
فهو علي استعداد لمحاربه نفسه و نفسها فداء لعلاقه تجمعهم , علي استعداد لقتل الذنب في قلبه قبل قلبها ليعيش معها ما بقي من سنين عمره , علي استعداد لدفن وجعه و وجعها ليبدأ معها هي فقط ما ظل طوال عمره يتمناه و يدعو الله به .
لهذا عاود همسه بجوار اذنها و انفاسه تصطدم ببشره عنقها : مش فاكره , مش فاكره انك اعترفتِ ليا بح ...
شعرت بالكلمه التي سيقولها فانتفض قلبها بين اضلعها لتتمرد يدها اخيرا لتدفعه عنها بقوه و هي تستدير اليه بحده بالغه قبل ان تصرخ بغضب و هي تدفع كتفه عنها و فيضان مشاعرها فجرته كلماتها كأنها تقنع نفسها بها قبله : اوعي تنسي نفسك و تنسي انك مجرد زوج مؤقت علشان اهرب من تحكمات بابا , اوعي تنسي ان انا مرأه فارس و هفضل لحد ما اموت مراته , اوعي تنسي نفسك و تفكر انا في حاجه ممكن تجمعنا , احنا مفيش حاجه بينا و لا هيبقي فيه ... أ ...
اختفت باقي كلماتها بين شفتيه التي احتضنت شفتاها بقوه ادت لاتساع عينها بذهول تام و هي تشعر به يدنس شفتاها ,
تشعر به يمحي اثر قبله قديمه كان لها بالغ اثر السعاده علي قلبها ,
شعرت به يجرد كل ما بقي من تماسكها التي حاولت تجميعه لتدفعها عنه و لكن بدون فائده !
و وسط طوفان غضبه و فوره انفعالها ظهر طيفا خفيا من مشاعرهما التي أيدته تلك القبله ,
فشعرت بضميرها المتعذب بذنبه يُخدر تماما امام ما اجتاحها من شعور قوي بمشاعره ,
شعرت بقلبها يترنح سعاده و حزنا , و عقلها يبتسم لهفه و انتشاءا ,
بينما هو يكاد يلعن تسرعه و لكن تحمل اشهر و اشهر فاين التسرع اذا ....؟!
يلوم نفسه و يجلدها بسياط الندم و لكن احساسه الان يدفع مقابله هنيئه ايامه كلها ...
دفعها عنه بغضب عاصف تملك روحه فرحا , ندما و احساس بالذنب يجلده بقوه ليهتف محاولا منع انفاسه اللاهثه : بمزاجك , غضب عنك انا جوزك , مش زوج مؤقت و مع الوقت هتنتهي صلاحيته و يبقي غير قابل للاستخدام !؟؟
كانت تنظر لوجهه بذهول مما حدث للتو و لكن كلماته افاقتها لتملع عينها ببراءتها التي شعرت به يدنسها , فاعتقل ذراعها بقوه غضبه الان لتكن اول مره تري غضبه ينصب عليها كاملا و هو يضغط ذراعها بقوه صائحا : اهي نظرتك دي السبب , براءتك دي السبب , هدوئك ده السبب , انتِ السبب مش انا !! انتِ ...
ثم دفعها لتطالعه بصدمه تملكت منها و هي تسمع كلماته التي منحتها اعترافا غير مؤكدا و لكنه منحها اياه كاملا مما جعلها تبرق بعينها بدهشه مع شهقه خافته هربت من بين شفتيها التي ما زالت تحمل اثر اكتساحه لها : انتِ اللي اجبرتِ قلبي يتعلق بيكِ , انتِ اللي خطفتِ راحه بالي .. انتِ السبب في كل المشاعر اللي بانها قلبى وانتِ السبب في بدايه هدمها , انتِ حكمت عليا بالحياه و بعدين علي غفله عدمتينى .
وضع يده علي خصلات شعره بتشتت قائلا بغضب مستنكر و هو للمره الاولى يُنفس عن مكنونات قلبه و حيره عقله : انا حبيت واحده و حاولت انجح علشانها و لما اتجوزت انا حسيت اني خسرت و قولت مستحيل انساها , بعدها اتجوزت حياه و رغم قربها مني لكن بردو مقدرتش احبها و فضل الجرح القديم معايا .. لكن انتِ ...
وضع يده علي شفتيه ليلتقط انفاسه و هو يوبخ نفسه آلاف المرات علي استسلام لسانه لسرد ما يعتل صدره و امامها هي خاصه و لكنه لم يعد يُدرك سوى شيئا واحدا و هو انه امامها كل ما به يعارضه فأردف بنفس النبره التي جمعت مرارتها بشجن كلماته فخرج صوته متذبذبا : انتِ كنتِ فيضان غرق اى حاجه قبلك و فضلتِ انتِ , لا لقيت قديم و لا جديد بس انتِ , نظره الحزن مع ابتسامه فرحه كانت بستفزني احضنك , لمعه الخوف مع الامان و الثقه كانت بتناديني اطمنك اكثر و اكثر .
اخذ نفسا عميقا و هو يقترب منها ليصرخ بنيران عجزه و قوه حبه و ضعف قلبه امام ضميره الذي يجلده بذنبه : انا معاكِ بقيت تايه , حاسس اني متغرب في وسط صحرا لا عارف ارجع ولا قادر اكمل , مش قادر اوقف حبي و لا قادر استم , نفسي اقرب بس لازم ابعد , نفسي المسك بس لازم احفظك , انتِ حلالي بس حرمتك علي نفسي ... بس ده ...
قالها ضاربا قلبه بقوه ليهدر بعلو صوته و عيناه تغيم بضبابات وجعه و اسفا بغمامات عشقه , فاختلط سواد ذنبه بنقاء حبه ليمنحها مزيج مهلك من مشاعره : بس ده مصمم يوجعني , كنت شايفك اخت و حلفت اشوفك اخت , بس قلبي شافك زوجه , شافك ام لولادى ،
صمت لحظات مرت كالدهر علي كليهما ليهمس بتهدج و صوته يدل علي معاناته قبلها : شافك حبيبته ....!
شهقت بانتفاضه و دموعها تجري علي و جنتيها بعجز قيد كلاهما حتي اقترب منها ممسكا بيدها بقوه هاتفا امام عينها بقوه : و لان انا عارف , ان قلبك لا يمكن يشوفني , ان ذكرياتنا مش هتتعدي مجرد ذكريات انا معدش ليا طاقه احتفظ بيها ,
لمعت عينه و الخاطر الاخير الذي دمر خطته السابقه بالطلب , خطته بالاخذ رضي او غصبا , خطته الذي رسمها مساءا ليفوز قلبه بأمانه و تعود لانتفاضته نبضاته , كل هذا تاه عند المواجهه ..!
هي تحبه و لكنها لن تستطيع تقبل الامر , هو يسكن داخلها و لكنه ايضا ليس موجودا ,
و هو يحبها بل يعشقها و لكن يبدو ان حذاء الوصل الذي اوصل الامير لاميرته كُسر , كسرته اميرته نفسها ...
و يبدو ان ما بقي منه سليما سيكسره هو فغمغم بحزم رغم اشتعال نبراته بعجزها : لازم نحرقهم ,.
تحرك بها لخارج الغرفه ليتوجه باتجاه غرفته اسفل الدرج التي طالما جمعته معها , فتح بابها , اوقفها مشيرا للداخل بسبابته و عيناه معلقه بذلك المكان باشتياق صائحا بعنف يلومها و ربما يلوم نفسه او يلوم تلك الظروف التي جمعت قلبين رغم تعلقهما ببعضهما البعض هناك رابط اغلظ و اقوي يقف بينهما : المكان ده محدش دخله غيرك , المكان الوحيد اللي شاركتيني فيه , المكان اللي جمع اول حاجه لمست قلبى ,
صمت لحظات ثم اشار علي الارض بسبابته المرتجفه و هي تشعر بنفسها خارج حدود الوعي فلا قدره لها حتي علي التحدث كأنها ابتلعت لسانها فما عاد ينفع كلاما و لا يجدي العتاب نفعا و لا حتي تملك صرخه تعبر عما يجيش بصدرها هي الاخري حتي وصلها صوته المعبأ بشجونه : اول مره اشوفك بعين قلبي كان هنا ..., - قالها متذكرا يوم دلفت و جلست ارضا ترسم دون ان تنتبه لمراقبته لها - ,
تهدج صوته بشجن ذكرياته و هو يدور بعينه علي لوحتها بوجه فارس ليشعر بنفسه - خلافا لتوقعه - اقوى , شعر ان ما يفعله صحيحا و فارس لو حيا لشجعه علي هذا , فأردف بنبره اكثر تحشرجا و هو ينظر لذلك المقعد الذي جلست فوقه سابقاا : اول ضحكه بجد كانت هنا , - قالها متذكرا يوم خط بيده خطوط عشوائيه لتكملها هى - , اول مره اشوف خوفك عليا كان هنا - قالها متذكرا يوم سالت الدماء من انفه لتعالجه هي بصرامه غاضبه - ,
ابتسم بتهكم و قلبه ينزف مع سيل ذكرياته العامره معها في هذا المكان و اكمل بنفس يجاهد ليبقي صامدا : اول مره اغضب عليك كان هنا , - قالها متذكرا غضبه عندما اخبرته برحيلها - , اول مره احضنك و انا عارف و فاهم مشاعري كان هنا , - قالها متذكرا حضنه لها لتبكي بين ذراعيه بعد صياحه بها - ,
اغلق عينه عن المكان لحظات و هو يهمس بصعوبه و صوت مشبع بحنينه و حبه لهذا المكان : اول حاجه بينا كانت هنا ,
ليفتح بعدها عينه باصرار ليكمل بصوت رغم اهتزازه رج قلبها رجا , رغم تقطعه اصاب عقلها خوفا , و رغم استسلامه حمل لنفسها حزما و قوه بل تجاوز الامر للقسوه : و اخر حاجه بينا هتبقي هنا ....!
ثم تحرك بغضب لمكان جانبي ثم مال يحمل شيئا بيده لم تنتبه له حنين و هو يقترب منها معتقلا نظراتها بعينيه التي حملت من رفضه ضعف قبوله , من حزمه ضعف توسله , و حملت من قلبه ما قتله , و من عقله ما جعله يجن تماما و هو يسألها بحده : مفيش حاجه هتجمعنا ..! , لا يمكن يبقي في حاجه بينا ؟! , هتقدري تعيشي حياتك من غيري , هتقدري تخلصي من مشاعرك و معاها تخلصي من ذنبك ؟! , انتِ عاوزه كده يا حنين صح ؟! عاوزه ترمي كل حاجه ورا ضهرك للابد صح ....!!
ثم اخرج ما حمله امام عينها و هي يُزيح غطاءه لتفوح رائحته النفاذه لتجعلها تجحظ عينها بذهول و هي تميز رائحه " جاز " لتكون كلمته التاليه الاخيره التي قالها بحزم نافي قلبه الذي خر صريعا بين اضلعه بعدما فشلت كل توسلاته و نداءاته الراجيه : يبقى دا اول مكان لازم نخلص منه !
بدأ بسكب السائل بكثره في تلك الغرفه التي جمعت كل ذكرياتهما معا , بحلوها و مرها , بتفردها و وزرها , بجمالها و تميزها , عود ثقاب , نظره حازمه اليها , اشعاله ثم القاءه , تندلع النيران , لتصرخ هي بجزع و النيران تكوي قلبها كيا بألمه و ذكرياتها معه تملأ روحها فرحا و وجعا و هي ترى ذكرياتهما تُمحي امام عينها لتجده يركض للداخل مسرعا ليحمل شيئا ما ثم تبعها باخري و خرج من المكان بعدما طالت النيران ذراعه و ظهر ملابسه , لتأتي نهال و حياه فزعا علي رائحه الدخان التي ملئت المنزل فاستند مازن علي الحائط ليمرغ ظهره به حتي انطفئت النيران و هو مدركا انها تركت ندوبا لن تُمحي عن ظهره يراقب اشتعال ذكرياته معنويا قبل ان تكون ملموسه كما يشتعل قلبه الان ...
فركضت نهال و حياه لتأتي كلا منهما بوعاء مملوء بالماء عل النيران تخمد , وعلي جانبي الغرفه وقف كلاهما ينظر للاخر حتي اقترب مازن منها متمتما بجديه و صرامه مفرطه : اتحرقت الذكريات , لو قدرت تحرقيها من قلبك , لو قدرتِ تنسينى , فأنتِ طالق !!
صرخت بملأ روحها من وجع و صدمه و هو يقولها بهذه البساطه قبل ان يفتح يدها واضعا بها لوحه ما و التي كانت لوحتها لفارس و لكنها لم تنظر ليدها بل تعلقت عينها بعينيه التي امتلئت بقسوتها المشبعه بدموع حسرته علي قلبيهما و لكن هذا الحاجز سيظل بينهما ما دام وضعوه هما بأنفسهم حاجزا و غمغم مجددا بضعف غلب صوته : دي انا عارف انك مش هتقدرى تعيشى من غيرها ,
ثم رفع اللوحه الاخري امام عينها جابرا اياها للنظر اليها و التي كانت اللوحه التي رسمتها باحساسها له و هي محتضنه اياه و ابتسم ابتسامه جانبيه عبرت عن وجعه قائلا بخفوت اصاب قلبها مُزيدا جروحه : اما دى انا مش هقدر اعيش من غيرها !!.!
و تركها و خرج من المنزل تماما , و ادركت هي انه لن يعود , حتما لن يعود ...
***********************
اقترب منها بهدوء جاثيا علي ركبتيه امامها ليضع يده علي وجهها برفق حتي لا تنهض من نومتها التى لاقتها بصعوبه بعد عده ايام , سلمي بتمردها و قوتها المعتاده كانت اضعف ما يوم تلك المواجهه , ليدرك امجد امرا جديدا بها و هو انه رغم قناعها القوي الذي تخفي خلفه اي الم او وجع يصيبها اضعف من ان يتحمل وجع أحد , انهيار البعض , صمت البعض و صدمه الاخر ذاك اليوم جعل قلبها يأن وجعا رغم انها اقل المتضررين ,.
طبع قبله صغيره علي جبينها و احساسه بها يزداد كثيرا حبا و اكتمالا , اشتاق حقا لتلك المجنونه ,
احيانا لا نُدرك مدي محبتنا لمن حولنا سوي بالازمات , و حقيقه لولا مشكلتهم الحاليه ما ادرك ابدا انه لا يستطيع العيش بدونها .
قطع افكاره همهمتها الخافته و هي تمط ذراعيها بتثاءب حتي فتحت عينيها ليكون وجهه القريب اول ما يغزو عقلها , عيناه الصافيه كصفاء السماء في نهار بلا غيوم تمنح قلبها السكينه و هي تعتدل جالسه ليساعدها هو بيده علي ظهرها بخفه متمتما باشتياق لتلك الكلمات : صباحك جميل متمردتي الجميله ..
ظلت تحدق بوجهه قليلا و هي تراقب نظراته الحانيه التي غلفت روحها بنسيان مؤقت عما مر , فقط تتذكر ما آلت اليه حياتهم بفعل تمردها و مازال هو يري تمردها جميل ..!
كفي يا سلمي ... كفي تعنتا , اعترفي بخطئك في حق نفسك و حقه ,
اوجعتك كلماته و لكن انتِ اوجعته بتصرفاتك , اعتذر هو و لابد لكِ من الاعتذار ...
وضع يده علي رأسها يعدل خصلاتها المموجه و التي انتشرت حول كتفها بعنج و قال بنبره هادئه كعادته : احسن دلوقت ..؟
امسكت يده لتجعله يجلس امامها و ضمت يديه الاثنتين بيدها لتتعلق عيناها بسماء عينيه التي لمعت باشتياقه لها و غمغمت بخفوت : انا اسفه ..
و دون تمهيد كانت جسدها بين ذراعيه يضمها بقوه كبيره حتي كاد يكسر اضلعها فانتفضت بين يديه ,
بكاءا علي ما مر من ايامهما هباءا دون ان تنعم بحضنه ,
اسفا علي ما فاتها طوال الايام والليالي السابقه من حنانه و امانها بين ذراعيه ,
و ندما علي تسرعها الذي دفعها خطوات بعيده عنه لتشكو هي الفراق و الاشتياق قبله ..
بينما تنهد بحراره اخبرتها عن مدي اشتياقه , متمتما بنبره ثائره و هو يضغط جسدها بخفه : انتِ بنتى الاولى يا سلمي , يحق لكِ الدلال كله .. , ثم دفن وجهه في عنقها لتغمره رائحتها المتمرده مثلها بما لها من اثر عابث علي نفسه و تنهد بحراره هامسا بصدق ارتياحه بين ذراعيها الان : وحشتينى .
حركت ذراعيها اخيرا تتمسك به بقوه و هي تُعيد همسه بأخر اكثر شجنا : اللي بينا مش حب ..., ليبتسم هو مبتعدا ضاما وجهها بيديه ليغمزها بعاطفه سخيه : قد ما هو اكتمال .
و كأن عدوي ابتسامته انتقلت اليها و علامات الندم مازالت تترسم بجداره علي وجهها و هي تعقد حاجبيها فرفع يده يزيل عقدتها بنفسه قائلا بخبث و هو يميل عليها محاولا ابعادها قدر الامكان عن تذكر ما حدث حتي كادت شفتاه تلامس خاصتها : اعتقد من حقنا نفكر في شهر عسل تانى ,
و بدلا من ان تجيبه بادرت هي بالاقتراب لتمنحه اجابتها بين شفتيه بهديه تناسب تمردها و جنونها فرفع حاجبيه بدهشه سرعان ما تحولت لاستمتاع تام , لحظات ثم ابعدها عنه ليضم كتفها اليه طابعا قبله صغيره اعلى رأسها بحنان وهدوءه المطمئن يعود اليه ليغمر روحها مع كلماته : دائما يقولوا ان الحقيقه بتوجع بس بعدها بتبقي واقف علي ارض صلبه , ارض عارف بدايتها فين و نهايتها فين , الحقيقه كانت بعيده عن اي تخيل و اصعب من اي وصف لكن انا متأكد انها هتبقي بدايه لحاجات كتير , و اللي هيختار يهدم نفسه بالماضي يبقي ميستاهلش الحاضر !
نظرت لعينه التي جمعت ثقته بإيمانه ليكمل بنبره اكثر ثقه : ربنا عز وجل بيقول " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ " , و مفيش احن من ربنا علي عباده , ف هتقلقي ليه و ربنا موجود و قادر يهدى الروح و يريح البال ..!
تنهدت بارتياح نسبي شاكره لها صنيعه , فقبل ان تحرر شكوتها الجمها هو بحنانه , بمواساته و حسن اقناعه لقلبها الذى كاد يموت قلقا على افراد العائله ما فرط ما يصيبهم من احداث , شعرت به يبتعد عنها ناظرا لبطنها الذي انتفخ قليلا ليداعبه بحنان فابتسمت بسعاده حقيقه وهي تري زوجها و طفلها واقعا حيا ملموسا امام عينها .
فمر شريط حياتها امام عينها , حقا " لو اطلعتم علي الغيب لإخترتم الواقع "
و صدق عزوجل عندما قال " { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون َ} ... تجلت الايه الكريمه في حياتها كثيرا ,
اُعجبت بفارس , اعتقدته حبا سجنت نفسها بين طياته , و ربما لو تزوجته لذاقت هي نار الفراق و ربما ما تحملته , شعرت حينها بأنه عز وجل ظلمها , اتعب قلبها و لكنها الان تشكره و تعتذر , تعتذر علي سوء ظنها بالله - حشا لله - , تعتذر علي ما تمنته من مكسب قريب و لو ادركته لما ادركت عظم هذا المكسب البعيد ,
وهم الماضي امام جمال الحاضر , وجعها بعقم مزيف ادى لسعاده حقيقيه بالمولود لها و له , فسبحانه تعالي جعل حكمه لكل شؤونهم ,
شرها قبل خيرها ... و مرها قبل حلوها ,
و الان هي راضيه بما فات ... و اكثر رضا بما هو آت .....!!
********************
أثناء سعيك للانتقام ربما تفقد اكثر بكثير مما تجنى , فاتنبه و انت تحفر قبر غيرك ربما تُفاجأ انك حفرته لنفسك ...
_ الاصابه مش سهله يا سياده النقيب , مدام نجلاء فقدت عينها اليسري , و في كسر في الانف , دا طبعا غير كميه الدم الكبيره اللي فقدتها ... و الاسوء من ده كله اصابه رأسها و اللي ادت لشلل رباعى .
كانت تلك كلمات الطبيب الذي اهتم بحاله نجلاء بعد ما اصابها اثر اندفاع عبد الرحمن بغضبه عليها , زفر عاصم بقوه و هو يقف بجوار ظابط الشرطه الذي جاء لمتابعه حاله نجلاء قبل القبض عليها ... فقبل ان يجعلها عاصم تعترف كان قد حصل علي اذن رسمي بالتسجيل و الذي علي اساسه قد ادانت الشرطه نجلاء و صدر اذن بالقبض عليها , و لكن لضروره وجودها بالمشفي تحدث الظابط بعمليه : هيتم نقل مدام نجلاء لمستشفي السجن لحد ميعاد عرضها علي النيابه ..
و بالفعل تم الامر بسرعه و مازالت نجلاء لم تستعيد وعيها بعد ,
" ان الله يمهل و لا يهمل "
كانت تظن انها ستستطيع اخذ الحياه غلابا , و كأنها تحرك الشمس بين كفيها , و تدور الارض برغبتها و لكنها لم تدرك ان لكل ظالم يوما ,
يوما بل لحظات فقدت فيها كل ما تملك ,
فلم تعد تجد لا قوه جسديه , لا قوه عقليه , و لا حتي قوه نفسيه .. فقط حطام ..!
حطام لامرأه استضعفت الجميع اعتقادا منها انها القوه , امرأه لم تترك حسنا إلا و شوهته , امرأه كانت عنوان التعاسه , و مع كل هذا فشلت ...!!
فتحت عينها اخيرا لتنظر حولها برؤيه مشوشه و هي تشعر بضيق نظرها في مكان محدود و الباقي ظلام , حاولت رفع يدها و لكنها لم تستطيع , حاولت التحدث و لكنها عجزت , حاولت حتي الصراخ بصوت مسموع لم يخرج صوتها الا مبحوح ..!
اين نجلاء ...؟؟!
اين القويه مِن هذه الضعيفه ...!؟
اين المتعجرفه مِن هذه المذلوله ...!؟
اين جبروت الماضي مِن صعلوق الحاضر ...!؟
اين مَن كانت مِن هذه ..!؟
شعرت بحراره دموعها التي سالت بغزاره على جانب وجهها و هي عاجزه عن اي شئ ..
الي انا وصلها صوته القوي الذي رغم كل شئ لم يفقد ثباته و سيطرته و هو يقول بنبره جامده : حمد لله علي السلامه يا نجلاء هانم ..
و من اقوي من قلب عاصم الحصري ليدفن شفقته .., و حتى ان ظهرت فنجلاء اخر من سيشفق عليها ..!
نعم كانت تدابير القادر القدير بقدره و كانت هي مجرد السبب .. في تدمير عائلته , في تعذيب زوجته , في دمار اخته , في قتل صديقه , في شتات ابنها , و في جرح ابنتها , من اين لابن الحصري عليها باشفاق ....!!؟
اقترب منها عندما شعر بعجزها عن النظر اليه حتي توقف في مرمي بصرها خاصه من نومتها تلك و وضعيه رأسها التي تعجز عن حركتها الان الا من حركات قليله ليميل عليها ناظرا لوجهها الذي اسود بخطيئته متمتما بحده : يارب تكونى حاسه انك احسن , اتمني متكنش فى حاجه بتوجعك ؟
اغلقت عينها قهرا و عجزا اصاب قلبها في مقتل فتمتم هو : حاسه بإيه يا مدام نجلاء ..!
رفع رأسه لاعلي مستغفرا ربه عندما شعر برغبته الشيطانيه في تعجزيها اكثر فردد في نفسه حتي لا يجرفه شيطانه " اللهم اعوذ بك من الشماته ... اللهم لا شماته " ,
ظل يرددها بصوت عالي حتي شعر بدماؤه تغلي غضبا مجددا و هو حتي لا يقدر علي تعنيفها او رد الصاع صاعين الان , و لكن يد جنه التي وضعت علي كتفه جعلته يغلق عينه و هو يجاهد نفسه علي كظم غيظه و ترويض غضبه فاقتربت جنه منها - و قد اصرت علي عاصم اشد الاصرار بل كادت تركض خلفه ليوافق علي اصطحابها حتي وافق بالاخير مع طلبها المُلح - و تمتمت برسميه لم تستطع اشاركها بحنانها و دفء كلماتها كالمعتاد و هي حقا تشعر بالاشفاق عليها : ألف سلامه ..
نظر عاصم اليها و هي يشعر برغبتها العارمه في البكاء , جنه أصرت علي عقاب نجلاء بنفسها , أصرت علي رغبتها في تلقينها نتيجه من زرعته , أصرت علي نيل حق والدها ممن قتلته لاجل المال , و لما كان المال كل همها قررت جنه معاقبتها به ...!
و لكن يبدو انها تتراجع , قلبها الحاني لا يطاوعها بعدما رأت حالتها تلك و لكن عاصم ها هنا لهذا الامر ..
فاقترب منها ضاما كتفيها لصدره مؤازرا فأخذت نفسا عميقا و هي تُخرج صندوق صغير لتضعه امام نجلاء التي ساعدها عاصم لتعتدل جالسه و بمجرد ان رأت الصندوق كأنما مسها عفريت اخذت تحاول تحريك شفتاها المائله بلا فائده فخرج صوتها ببحه جعلت جنه رغما عنها تبكى , بدأت تحاول التحرك عن الفراش و لكن من اين لها حركه ...!؟
تماسكت جنه و هي تشعر بقوتها الجديده و قسوتها الاخيره رغم دموعها الضعيفه تساندها و هي تفتح الصندوق فاتسعت عين نجلاء بفزع و هي تري حصاد سنينها من اموال , شيكات , ملفات لسنادات و اسهم و غيرها , الكثير داخل هذا الصندوق الذي اخفته في شقتها هنا و لم يعلم عنه احد سوي عزت ...
تساقطت دموعها عجزا , قهرا و غضبا لم تستطع التعبير عنه و جنه ترفع تلك الاوراق امام عينها مع قولها : هما دول اللي انتِ بعتِ ضميرك , دينك , دنيتك و اخرتك و ربك علشانهم ...!
حركت الاوراق امام عينها باشمئزاز و هي تردف باستنكار و نبرتها يعلوها الغضب المشفق : هيفيدوكِ بإيه دول ؟!! هيرجعوا عنيكِ , هيساعدوكِ تعيشي حياه وسط ناس بتحبك , هيساعدوكِ علشان ربنا يسامحك ..؟!
بدأت جنه في تمزيق الشيكات و المستندات لتتبعها بالاوراق الماليه حتي وضعت الصندوق امام عين نجلاء التي احمرت انفعالا , غضبا و ما بقي به حطاما لثروه مثلها تماما , حطام ثروتها كحطام جسدها و قلبها ..
فقالت جنه اخيرا و هي تُزيل دموعها بيدها ببطء تلتقط انفاسها اللاهثه : كل فلوسك ضاعت , اتبرعت ببعضها يمكن الصدقه تنفعك .. اما الباقى ..
ابتسمت بتهكم خالطه اشفاقها : كل امر الدنيا زائل يا مدام نجلاء .. ربنا يرحمك و يغفرلك .
ثم غادرتها بخطوات سريعه للخارج بينما نظر اليها عاصم نظره اخيره تخلو من الشفقه تماما متمتما بقوه و هو يطالعها من اعلي لاسفل بإزدراء : فكري لحظات كده كسبتِ ايه و خسرتِ ايه ..!!
ثم غاردها هو الاخر تاركين اياها في حاله من هيستريا العجز تكاد تُشعرها ان الموت افضل بكثير من حياتها هذه , رنت كلمات عاصم بأذنها ..
ماذا اكسبها ما فعلت و في المقابل ماذا خسرت ...!!
تدبيرها لمكيده الماضي و طرد امل و ماجد ربما نجحت و لكنها للاسف فشلت في حصولها علي ما تريد " عبد الرحمن " ,
قتل ماجد و الذي دفع ابنته لهذا الضعف و لكنه دفعها لتأتي لهنا فلولا وفاته لظلت معه و لم يعودا ابدا ,
اخبارها للجميع بوجوده جنه ليقتلوها جعل عاصم يبادر ليتزوجها , وتدريجيا يختفي الضعف و تظهر القوه ,
اللعب بحياه ابنها زاد من تعلقه بامرأته و تعلقها به حتي اكتملت حياتهم بطفلهم القادم ,
تهديد سلمي ادى لتسريع زواجها و اكتمال علاقتها بزوجها ,
تدمير حياه حياه و تخريب زواجها السابق جعلها تتزوج مازن لتدخل السعاده حياتها من اوسع ابوابها ,
قتل فارس لفتح باب تار جديد لا يُغلق جعل العائلات تدرك قيمه بعضهم فيتمسكوا ببعضهم بدلا من التفرق ,
تدبير مكيده حنين و مازن جمعت بينهم لتستظل هى باسمه و يبدو ان زواجهم دائما ,
فقدان عاصم لبصره اكسب زوجته قوه لاجله و لاجل نفسها و لم تفرق بينهما كما اعتقدت و لم تكسر سيطره و قوه ابن الحصرى ,
فيما نجحت هي اذن ....!!
في جمع الاموال ... كلا فلقد ضاعت جميعها ..!
في قوه بدن ... بئست فلقد خانها حتي جسدها و اعجزها اكثر ..!
في قوه عقليه و عقل مدبر ... عليهم اللعنه فهم من دفعوا بها لهنا ..!
فقدت عينها , خسرت قوتها , ضاعت اموالها ,
ضاعت اموالها ,
ضاعت اموالها ,
ضاعت ...!!!!
و مع قسوه تفكيرها , اضطربت انفاسها بشكل سئ و هي تحاول الهدوء و لكن بلا فائده فما اصابها من اضطراب مشاعر الان جعلها تترنح كطير ذبيح يتألم و لكنه غير قادر علي إزاله ألمه , فقط تتمني هي الان من كل قلبها , من كل قلبها ان يكون أجلها قريب .
***********************
" ألا ان فرج الله قريب "
جلست جنه علي الكرونيش بعدما طلبت من عاصم التوقف قليلا , تطلعت للمياه امامها و هي تشعر بنفسها داخل دوامه كبيره و ما زالت بها تدور ,
و لكن مع كل هذا يأتي الفرج ,
مع كل وجع يأتي الفرح ,
مع كل ضنك تأتي السعه ,
و وسط ما يحدث جاءها الامل ... بل جاءتها الحياه ..,
احتضنت نفسها بيديها و هي تبتسم بهدوء فعلام تحزن ..!
هي ادركت جيدا ما معني كلمه " قضاء الله "
انتهت حياه والدها ليس لمكيده مدبره بل لان هذا عمره ,
عانت و تعذبت ليس بسبب كوثر بل لان هذا قدرها ,
هربت و شعرت بيتم ليس لضعفها بل لان هذه حياتها ,
فلولا عذابها ثم استسلامها ثم تمردها و قدومها لهنا ... لما تزوجت عاصم ,
لولا التار القديم و العار الذي الحقه الاخرين بوالدها فلحق بها , لما كُتبت علي اسمه و فازت بحياته و قلبه ,
لولا وجعها ما رأت السعاده , لولا ضعفها ما فهمت القوه , و لولا حظها السئ ما ادركت اجمل حظوظ الدنيا و اغناها ...!
اتسعت ابتسامتها و هي تردد بالحمد داخلها حتي شعرت به يقف جوارها ناظرا للمياه هو الاخر و كلا منهما يشعر ان الحياه يوما ما ستشبه هذا النهر كثيرا في هدوءه و عمقه , فحتما ستنتهي امواجهم ,
نظرت اليه قليلا ثم ابتسمت و امسكت يده مقبله باطنها بحب شديد ثم ابتعدت عنه متوجهه للسياره فتابعها بتعجب لحظات ثم لحق بها ليغادرا المكان بعدها بقليل دون حوار بينهما .
و اثناء عودتهم رن هاتف عاصم و كان اكرم ففتح الخط محييا حتي قال اكرم بقلق : جنه فين ؟! برن عليها تليفونها مقفول ...
ابتسمت جنه و صوته القلق يطمئن روحها اكثر ,
و ماذا ان كان والدها غائبا فهي لديها اخ بأب , أخ و صديق .!!
أجابه عاصم بابتسامه هادئه : جنه بخير يا اكرم متقلقش , انتم اخباركوا ايه ؟! و مها .!
جاءه الرد غير متوقع عندما تنهد اكرم بصوت عالي قائلا بحزم : هنسافر ..
اوقف عاصم السياره مباشره علي جانب الطريق هاتفا بتعجب : يعني ايه هتسافروا ..!؟
اخذ اكرم نفسا عميقا و هو يخبره عما انتواه بجديه ادرك عاصم بحدسه انها قرارات نهائيه : هاخد مراتي و ابعد عن هنا مده كده , و هتابع شغل الشركه من هناك و مازن موجود , و منها اقضي شهر عسل و منها ادي لعقلي فرصه يهدي و يرتاح ..
هدأ عاصم قليلا و هو يفكر , هل من الصائب ان يبتعد اكرم الان في ظل ظروفهم الحاليه ,
و لكنه وجد ان هذا افضل حل , فأكرم لن يسمح بأي تعامل بينه و بين نجلاء حتي و ان كانت مها الرابط و لكن يحق لهم معرفه ما حدث لها فأولا و اخيرا هي ام زوجته , فزفر عاصم بقوه و هو يسرد له تفاصيل بسيطه عما حدث لنجلاء .
صمت اكرم قليلا ثم تنهد بهدوء متمتما بخفوت : لو مها طلبت تشوفها قبل ما نسافر انا مش همنعها بس انا هسافر هسافر ... و معلش يا عاصم مش نجلاء هانم اللي هعملها حساب دلوقت ..!
و بعد كلمات عابره انهي المكالمه مع عاصم و نيران غضبه تتصاعد مجددا و لكنه افاق علي حركتها خلفه فالتفت اليها ليجدها استعدت كما طلب منها مرتديه ملابسها و بانتظاره فنهض واقفا امامها ثم احتضن وجنتيها مقبلا جبينها بدفء و هو يهيم في بحر الفيروز الذي مهما تلاعبت به الظروف و مهما علت امواج وجعه سيجرفه في تياره ,
و لكنها شعرت بقبلته تختلف عن سابقها المفعم بعاطفته فحركت شفتاها بحديثها الصامت " خير يا اكرم ايه اللي حصل ..؟ "
و بدون تفكير وجد نفسه يخبرها بالحقيقه و لكن بصوره اكثر لينا فأغلقت عينها ثوانى .
ما بالها لا تحزن عليها .. ؟
ماذا حدث لقلبها ليجعلها لا تفكر في رؤيتها ...؟!
لماذا الان تحديدا تشعر انها تستحق كل هذا و اكثر ..؟!
لماذا تجمد احساسها لوالدتها هكذا ..!؟
شعرت بيده تطوق كتفيها ف فتحت عينها و هي تحمل اصرارها و قوتها ثم حركت شفتيها " بتمني انك متأجلش السفر انا مش عاوزه اشوفها .."
زفر بضيق مغمغما بتساؤل غاضب و في الوقت ذاته مؤازر : علشانى ...!!
حركت رأسها نفيا لتشير علي صدرها بسبابتها محركه شفتيها بكلمه واحده " علشانى "
اومأ برأسه موافقا و امسك بيدها ليُمسك بحقيبه ملابسهم باليد الاخرى متحركا لخارج المنزل نحو بدايه جديده افضل و اجمل من البدايه القديمه ...
بدايه تمناها كلاهما و يستحقها كلاهما ....!
*******************
_ هبه .. فله قلبى ... يا فلـــــــــــــــــــه ..
صرخ بها معتز و هو يدلف من باب المنزل ليصله صراخها الضاحك بالمقابل و هى تخرج بلهفه من غرفه النوم : ايوه .. نعم .. ايه اللى حصل ؟ فى ايه ؟!!!
و بحركه مفاجأه وضع يده اسفل ركبتيها و الاخرى على خصرها رافعا اياها ثم دار بها عده مرات و هى تصرخ متعلقه بعنقه و قلبها يكاد يتوقف خوفا على طفلها من سقوط مباغت و لكنه توقف اخيرا ناظرا اليها هاتفا بلهفه و ضحكه واسعه تلون وجهه الذى غابت البسمه عنه طوال الاشهر السابقه : انا ابن حلال يا هبه , انا ابن حلال , انا معتز .. استرديت نفسى و نسبى و حياتى كلها , انتِ صح .. انتِ دائما صح , مفيش حاجه بتنتهى .. انا فرحان يا هبه فرحان ..
و بفرحته العارمه اغرق وجهها بقبلاته الشغوفه المتلهفه بينما هى اتسعت ابتسامتها و تمتمت بخفوت : الحمد لله يا حبيبى .. ربنا كبير ..
ثم عقدت حاجبيها بغضب طفولى مصاحبا لزمه شفتيها بدلال لا يليق الى بها و لا يجوز الا له : ابعد عنى كده نزلنى ,
فداعب انفها بأنفه غامزا بمشاكسه و تمتم بخبث متلاعب و هو يشعر انه فى قمه استمتاعه و سعادته الان : انا حاسس ان وزنك زاد شويتين يا فلتى ...!!
ثم امالها موقفا اياها ارضا فاعتدلت هى و دفعته بكتفه بغيظ صاحب قولها الحاد المصطنع : انا اتنين فى بعض يا استاذ معتز .., ثم لامست كتفها بكتفه فى مرح و هى تهمس كأنها تخبره سرا قوميا : و بعدين يعنى انت حاسس مش متأكد ...؟
ارتفعت ضحكاته التى افتقدتها حد الجنون فمالت برأسها على كتفه فضمها اليه بقوه مقبلا رأسها هامسا بوعد صادق ما عاد لديها شك بيقينه : انا النهارده كأنى اتولدت من جديد , و من النهارده بوعدك نبدأ كلنا حياه جديده , احسن و اجمل و افضل بكتير من الاول ..
دفنت وجهها بصدره اكثر و ها هى اليوم تستطيع القول انها ربحت الرهان ...
و قيمته كبيره ... و هل هناك قيمه اكبر من قلبه لدى قلبها ؟!
هل هناك اغلى من نبضاته التى تنبض بإسمها ؟!
فإن كان الرجال رزق فلقد كان زرقها بجحم السماء و عمق البحار ,
و ان كان هناك جنه على الارض فهو جنتها بل كل نعيمها ,
ربما ألمها بل كسر كل ما بها , و لكنه لم يرممها فقط بل ازاح كل خدوش ألمها ,
فقدت ثقتها به ؟؟؟؟
ابدا و لن تفعل , فما زادها تجربه الماضى إلا ثقه , و ما اكسبتها إلا خيرا !!
انكمشت ملامحها فجأه و هى تشعر بألام بطنها تعود مجددا فانحنت بجسدها للامام قليلا تضغط بطنها بقوه خفيفه فانحنى بالمقابل ناظرا اليها بقلق متمتما بحذر و هو يساعدها لتجلس : خير يا فلتى ..؟؟
صاحبتها آلام على فترات متفرقه طوال اليوم و عندما قلقت و هاتفت الطبيبه اخبرتها ان هذا امر طبيعى فالتستعد للولاده لهذا لم تزعر و امسكت يده فجلس جوارها فرفعت رأسها و الالم يرسم نفسه على ملامحها و همست ببطء و هى تلتقط انفاسها : متقلقش يا حبيبى دا امر طبيعى , شكلى هولد !!
انتفض من جوارها كمن لدغته افعى و هو يصيح بارتباك واضح : ايييييييييييه ؟؟ لا .. اقصد ليه .. لا يعنى ... مينفعش ... يعنى .. لسه بدرى ..
ثم اقترب منها بلهفه مجددا و هى تبتسم مقاومه وجعها و هى ترى لهفته و ارتباكه و هو يضع يده على بطنها المتكور و هتف بتوتر و هو ينقل بصره بين وجهها و بطنها : هو هيخرج خلاص ... طيب انتِ كويسه ؟؟
ضرب جبينه بغيظ من نفسه متمتما باستنكار : اكيد طبعا مش كويسه .. طيب انتِ هتصرخى زى الستات فى الافلام و كده ؟؟
ثم عاود ضرب جبينه و هى يسب نفسه سرا مردفا كأنه يجاوب نفسه : اكيد يعنى هتصرخ مهى ست زيهم !!
ثم نهض مجددا و هو يتحرك هنا و هناك بسرعه غير مبرره و هو يهتف بالترتيب مما جعلها تضحك و هى تراقبه بحنان مع ملاحظتها كم اشتياقه لطفله : طيب اجهز شنطه هدومه , طيب هدومك ..
استدار لها ليهتف بتذكر : لازم اكلم الدكتوره ..
ثم رفع سبابته مفرقعا اصابعه كأنه تذكر شيئا : و لازم اخذ فلوس ..
ثم عاد اليها متسائلا بحذر : انتِ هتولدى فين ؟؟
ضرب على فخذيه بعنف من تفكيره الغبى الان ليصيح بنفسه : غبى يا معتز .. اكيد فى المستشفى ..
ثم عاد اليها ليتسائل و هو يضيق عينيه مفكرا فخرجت نبرته مشتاقه بلهفه كانت على قلبها اغلى و اجمل ما يكون : هو حمزه هيتولد خلاص , انتِ هتولدى خلاص .. هشوفه .. انا هشوفه ..
ضمت وجنتيه بيدها لتهمس برفق حانى و هى تداعب لحيته الصغيره التى بدأت بالنمو مقاطعه سيل توتره المتحمس : شششش , معتز , معتز ... حبيبى ... حياتى و دنيتى كلها , انا هبقى كويسه , و حمزه هيبقى كويس , وهنشوفه سوا .. اخيرا خلاص هنبقى سوا !
لمعت عينه و هى يطالع بطنها المنتفخ و يلامسه بيده غير مصدقا كم مرت الاشهر سريعا , ثم رفع يديه ليحاوط يدها التى احتضنت وجهه ليسحبها لشفتيه مقبلا باطنها بحب خالص اخبرتها به قبلته كما تفعل كل حركاته و تمتم بسعاده حقيقه ربما ما استشعرها كلاهما منذ زمن : انا لو عشت عمرى كله اشكر ربنا على نعمه وجودك فى حياتى مش هيكفى !
انكمش وجهها بوجعها مجددا و هى تنحنى ضاغطه اسفل بطنها برفق ثم اشارت للهاتف بجواره قائله و العرق يتصبب من جبينها : شوف الساعه كام !!
فنهض مسرعا ممسكا بالهاتف و اخبرها الساعه متسائلا بتعجب و تألمها و وجعها البادى بوضوح يربكه اكثر : ليه ؟؟ بتسألى على الساعه ليه ؟؟
اغلقت عينها و هى تضغط شفتاها بقوه و الوجع يزداد لمده اطول و هى تضغط بطنها بيدها بينما هو يطالعها بترقب متفحص و هو يشعر رغم ارتباكه بسعاده و هو يراها هكذا .. ليس جنونا و لكن حقا الامر يبدو شيقا , فهى احيانا تبتسم , و اخرى تزم شفتيها بطفوليه متألمه . و احيانا اخرى تصيح به لابتسامته التى لا تفارق شفتيه و هو يتابعها , و احيانا تطالعه بغيظ غاضب ,. و تقلباتها تلك تدفعه للتفحص بها كأنها مخلوق فضائى حط على سطح قلبه فامتلكه تملكا ليس بعده فكاكا !!
حتى سمعها تزفر بقوه و هى تضغط بطنها متمتمه بضجر : كل 4 دقائق .. كل 4 دقائق ...
فعقد حاجبيه مفكرا قليلا ثم ابتسم ناظرا اليها بتساؤل متوقعا صارخها بوجهه الان : هو ايه ده !!!
و كأنها لم تسمعه و انحنت بجسدها اكثر و هى تقف امامه فما عاد بإمكانها تحمل الجلوس و غمغمت كأنها تحدث نفسها وسط انفاسها اللاهثه : قالتلى لما يبقى كل 3 دقائق .. لما يبقى كل 3 دقائق .. 3 دقائق ..
شعر بقلقه يتضاعف فهب واقفا امامها ممسكا اياها من كتفها هاتفا بجديه و حزم : يالا هنروح المستشفى ,
حركت رأسها نفيا و هى تتحرك فى الغرفه ذهابا و ايابا و يدها تحتضن بطنها وجسدها ينحنى للامام قليلا و هى تردد : لا .. مش دلوقتى .. هى قالتلى كل 3 دقائق ...
رفع جانب شفته مستنكرا هاتفا بضيق فجره عدم فهمه بالاضافه لقلقه و ارتباكه بحالاتها تلك : هو ايه اللى 3 دقائق ؟؟
فرفعت رأسها اليه بغضب فجره وجعها و صرخت به بغيظ : معتـــــــــز اسكت .. اسكت دلوقتى .. يـــــــــــــــــــارب .
*********************
_ ماشاء الله لا قوه الا بالله , ربنا يحفظه ليكم يا بنتى , و يبارك له فيكم ..
تمتمت بها والده هبه و هى تعطيها حمزه داخل غرفه المشفى بينما معتز يقف جانبا و هو يرمق كلاهما بنظره لم يفهمها سوى هبه التى اشارت له بعينها ليقترب فتقدم خطوات قليله ثم توقف فربتت والدتها على كتفه و خرجت كما فعل الجميع بعد الاطمئنان عليها ..
فعادت تنظر اليه تدعوه ليقترب ففعل جالسا بجوارها فاستدارت له واضعه الطفل على الذراع المواجه له رافعه اياه اليه متمتمه بعشق خُلق داخلها لطفلها منذ اول يوم عرفت بوجوده : حمزه , حمزه نفسه يتعرف على بابا ..
نظر معتز لوجه الصغير , عيناه المغلقه و ملامحه التى بالكاد يستطيع تميزها ثم نظر لوجهها و هو يردد خلفها كأنه يحاول استيعابها : بابا ؟؟
اومأت برأسها موافقه و هى تضع الطفل بين يديه بحرص فأخذه بارتجافه لم يستطع التحكم بها بينما إستندت هى برأسها على كتفه تداعب انف الطفل بيدها فاستجمع نفسه قليلا ليقترب طابعا قبله على جبين صغيره فأغرته بشرته الناعمه فأغرق وجهه بقبلات رقيقه مع ابتسامه هبه الحنونه حتى نظر اليها بشغف مقبلا جبينها المستند على كتفه ثم اطبق عليهم صمت وعين كلاهما متعلقه بالصغير حتى قال و هو يرمقه بنظرات تعلق لم يكن يدرك مداه بينما هبه رفعت عينها لتتعلق بملامحه هو الذى ارتسم عليها صخب مشاعره الان : مكنتش مدرك انى بحبه قوى كده يا فلتى , مكنتش متخيل انى ممكن اعيش الاحساس ده و بالشكل ده , مش عارف انا فرحان لانى بقيت اب , و لا علشان اب لابن منك انتِ , و لا علشان انتِ جنبى ...
ثم طبع قبله اخرى على جبينها تبعها بقبله على جبين الصغير مرددا بالحمد داخله , متذكرا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والذى اخبرته به هبه قبلا و حفظاه سويا ....
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ ))
**********************
اطمئن معتز على نوم هبه و الصغير فأخذ نفسا عميقا مغادرا المشفى متجها للفندق الذى يقطن به والده الان بعدما عاد من سفره مره اخرى , مستجيبا لنداء معتز , توقف امام الغرفه متنهدا بثبات ثم رفع يده بطرقات بسيطه على الباب حتى فُتح !
تجمد حامد قليلا و هو يرى معتز امامه و لكن معتز لم يبد اى رد فعل بل مد يده مصافحا : مساء الخير يا استاذ حامد , بعتذر على الزياره المفاجئه بس انا حابب اتكلم مع حضرتك فى موضوع مهم !
اومأ حامد موافقا - و هو يلاحظ الرسميه التامه فى حديث معتز - مشيرا له بالدخول و جلس كلاهما فقال حامد بمحاوله لتلطيف الموقف الذى جعل التوتر يملأ المكان من حولهم : تحب تشرب ايه !!
حرك معتز رأسه نفيا و ملامحه مازالت على جمودها السابق ثم اخرج اوراق مطويه من جيبه و وضعها على الطاوله الزجاجيه امامهما قائلا بجديه دون ابتسامه بسيطه حتى : دى نتيجه التحليل , و انا طبعا بشكر حضرتك جدا انك وافقت نعمله ..
نظر حامد للاوراق بعين زائغه , يخاف , بل يكاد يموت خوفا من النتيجه !
النتيجه التى ان كانت سلبا او ايجابا لن تمنحه شئ !!
فإن كانت سلبا فهو سيدخل لكابوس الماضى بألمه مره اخرى خاصه ان نجلاء كانت حب حياته و إلى الان لا يستطيع نسيان حبه لها , اجل رغم كل ما فعلت لا يستطيع النسيان !!
و إن كانت النتيجه ايجابيه , فسيندم اشد الندم على ما فعله بطفله , بإبنه الوحيد و ان كان فحتى ان حاول هو التقرب لن يحاول معتز ببساطه لان معتز لن يسامح !!
بينما معتز للعجب لا يحمل مثقال ذره من شعور الان ,
لا يحمل صدقا , لا بغضا , لا سعاده و لا حزنا ... فقط يشعر بحاله من تخدير مشاعره و ربما هذا افضل لكلاهما !!
اخذ حامد التحليل ليفتحه بأصابع مرتجفه و بمجرد ان رأى النتيجه اغلق عيناه بقسوه و هو يشعر بقلبه يبكى دما ندما و حسره ..!
ماذا كان سيحدث ان إنتظر لتضع مولودها ..؟
ماذا كان سيخسر ان وافق لمره واحده على مقابله معتز ..؟
ماذا كان سيصيبه ان استمع لحديث مها عنه او حتى رأى صورا له ..؟
و الان ... يتعرف الاب على ابنه بعد ما يقارب ثلاثين عاما من عمره ...
بعدما انتهت طفوله ابنه بدونه ليجرى شبابه ايضا بدونه و الان ماذا ؟؟؟
كم من مره وبخه عندما هاتفه ,
و كل هذا فى جهه واحده , و مهاتفته له ليحضر زفافه و رفضه فى جهه اخرى !!
رفض بل لم يستمع له من الاساس ,
تفجرت عاطفه الابويه بداخله لطفله , لطفل حرم منه رغم زواجه من اخرى - فزوجته الاخرى لم يرزقه الله منها سوى بالاناث - !!
لطفل اثنى عليه به القدر بعدما اصبح بينه و بين قبره قاب قوسين او ادنى , فهل هناك من يسامح ؟؟
من ينسى ؟؟ و من يمنح الان دون البحث عما سبق ؟؟
قطع معتز هدير افكاره و هو يهتف بنفس جموده : انا اسف انى كنت السبب فى احساسك ده .. بس كان لازم تعرف.... , ثم نهض واقفا و هو يشير على صدره مردفا بنبره غلفتها سخريه خالطها الان فقط بعض الألم : اما انا كفايه قوى انى ضمنت مستقبل ابنى ... عن اذنك !!
تحرك معتز ليخرج و لكنه تجمد خلف باب الغرفه و هو يستمع لصوت حامد خلفه قائلا بخفوت شديد كأنه يُسمعها لنفسه : ابنى !!
اما معتز فتسارعت دقات قلبه بعنف و الكلمه تخترق اذنه لتصل لقلبه مباشره فإرتفعت انفاسه بحده ليغلق عينه محاولا كبت كل هذا و عدم التفكير به ليستدير لحامد و الذى لم يعد يستطيع اعتباره والده قائلا برسميه حذره : لا يا استاذ حامد حضرتك غلطت فى العنوان مفيش ابن هنا , حضرتك راجل متغرب و ضيف بس , انسى الموضوع تماما و مفيش داعى تفكر فيه و عاوز حضرتك تبقى متأكد من حاجه واحده , انى عملت التحليل ده علشان ابنى مش علشانى ..
ثم عاد بخطوات بطيئه ليقترب منه و عاطفته تغلب قناعه البارد هذا معاتبا اياه بقسوه جديده عليه : ابنى , اللى استنيت لحظه ولادته كل يوم و كل دقيقه , ابنى اللى اول ما صرخ كان قدام عنيا , ابنى اللى اول ما اتولد حضنته و وعدته ابقى دائما جنبه , ابنى اللى انا مستعد اضحى بحياتى كلها فى مقابل سعادته و راحته , ابنى كلمه مش سهله و شعورها اصعب , بس اجمل , كفايه قوى انك حرمت نفسك منه ..
ثم تحرك مجددا باتجاه الباب فناداه حامد مجددا و كلمات معتز تُزيد قلبه ندما و وجعا : فرصه .. فرصه تانيه يا معتز !!
استدار معتز له بإستنكار خالطه سخريه اصابت قلبه بألم فاق ألمه فأردف حامد متجاهلا كل هذا : فرصه اعيش معاك , نبنى علاقتنا القويه سوا , اقرب منك و انت تقرب منى , فرصه تانيه اخدك فى حضنى , فرصه واحده ..واحده بس ..
حرك رأسه نفيا و ابتسامته الساخره تتسع مزيده من شعوره بقهر لم يستطع تجاوزه و لكنه لن يستطع تجاوز جرحه ايضا , جرحه الذى لم يؤلمه يوما بل عدد سنوات عمره , جرحه الذى رغم ما مر من وقت و رغم محاولات فاشله منه للهرب من ألمه ظل يؤلمه , لم يندمل و لن يحدث !!
لماذا لانه ببساطه جرح مزمن , ينتشر فى جسده كله " قلبه " كان او " عقله " او ربما " روحه " فكل ما به اشتكى و كل ما فيه ظُلم ....
و يتكلم الاخر عن فرصه ؟؟؟
فرصه لماذا تحديدا !!
فهل ستمنحه الفرصه من سيوقع على دفاتره التى مُزقت , من سيلعب معه بطائراته التى كُسرت , من سيحقق امنياته بصنادقه الصغيره الذى تهشمت حتى ترك زجاجها اثاره به , من سيعيش معه الذكريات التى ولت ..!
من سيعيد الزمن ؟!!
فرصه ...... ضحكه ساخره و كفى !!
اغلق عينه لحظه ليفتحها بعدها مستعيدا تماسكه و قوته الذى وعد صغيره بها و قال بنبره لا تقبل النقاش بما حملت من أمر و حزم اخبرت حامد ان الماضى انتهى و معه انتهت علاقه ربما الان كانت له اسمى علاقه : ارجع لمراتك و بناتك يا استاذ حامد , الوقت هنا اتأخر و للاسف فات الميعاد و ضاعت الفرص , انت اتأخرت ... أتاخرت قوى ...
ثم اعطاه ظهره مغادرا الغرفه و بمجرد ان اغلقها استند على بابها متمتما بعاطفته الجياشه بأبوته الان : بس وقت ما هتحتاجنى هتلاقينى فى ظهرك , لان اللى خلف مامتش يا بابا !!
زفر بقوه و هو يشغر براحه غريبه كأنه الان حقا اغلق القديم كله بما يسوؤه حقا ,
ليغادر بخطوات سريعه ومتلهفه نحو أسرته الصغيره .. اسرته التى اعطته اكثر مما تمنى !!
و اغلى مما توقع !!
اعطته نفسه ...........
*******************
فات من عمرى سنين و سنين
شفت كتير كتير و قليل عاشقين
فات من عمرى سنين و سنين
شفت كتير كتير و قليل عاشقين
اللى بيشكى حاله لحاله
و اللى بيبكى على مواله
اللى بيشكى حاله لحاله
و اللى بيبكى على مواله
اهل الحب صحيح ... صحيح مساكين
اهل الحب صحيح ... صحيح مساكين
ياما الحب نده على قلبى
ما ردش قلبى جواب
ياما الحب نده على قلبى
ما ردش قلبى جواب
ياما الشوق حاول يحايلنى
و اقول له روح يا عذااب
ياما عيون شاغلونى لكن و لا شغلونى
ياما عيون شاغلونى لكن و لا شغلونى
إلا عيونك انت .. دول بس اللى خدونى
خدونى و بحُبك أمرونى
أمرونى احب لقيتنى بحب
لقيتنى بحب و أدوب فى الحب
ااااه و أدوب فى الحب صبح و ليل
و ليييييييل على بابه .....
_ اهل الحب صحيح مساكين ..
دندنها اكرم و هو يستند على باب المطبخ يراقبها و هى مستمتعه بكلمات الاغنيه المنبعثه بجوارها , فإلتفتت اليه بشهقه مفاجأه و هى تضع يدها على صدرها ليبدو وجهها المضطرب فى اشد حالاته فتنه مع خصلاتها الشقراء و التى رفعتها على هيئه زيل حصان تاركه اياه يتحرك مع حركتها , مع قميصها الفيروزى القصير و الذى يُظهر جسدها بإغواء على اكرم تحديدا اشد انواع الخطر ..
اقترب منها بخطوات بسيطه ناظرا اليها من اعلى لاسفل متمتما بساحريه شملت نبرته بل و اجتاحت نظراته لتذلذلها مكانها : الله عليكِ يا ست !!
رفع يده ليُمسك بيدها ثم ارتفع بأصابعه على طول ذراعها حتى وصل لكتفها فاقترب منها طابعا قبله عميقه على ترقوتها المكشوفه لتزدرد ريقها بصعوبه و هو يهمس بجوار اذنها : اللى يحبك صحيح مسكين ..
اغلقت عينها بإبتسامه حالمه فابتعد عنها قليلا مداعبا جفنيها المغلقين بإبهامه ليردف بعدها بحراره و انفاسه تلفح وجهها برائحته المميزه و التى تشعرها بشعور غريب لم تعرفه قبلا : قولتلك قبل كده اوعى تخبى عينك عنى ابدا ..
فتحت عينها ببطء ليغرق هو غرقا ببحر الفيروز فاتسعت ابتسامته السعيده و غمزها بمكر قائلا : إلا عيونك انت ... صح ؟؟
نظرت ارضا خجلا من نظراته فإقترب طابعا قبله صغيره على شفتيها متمتما بغضب مصطنع : قولنا ايه ؟؟
رفعت عينها اليه بإعتذار و أومأت برأسها موافقه ثم حركت شفتاها بحديثها الصامت مردده كلمته " إلا عيونك انت !! "
وضع يديه على خصرها مديرا اياها ليستند هو على الطاوله الرخاميه خلفه ضاما اياها لصدره و حاجبيه يتراقصا بمشاكسه متسائلا : امممممم و قالتلك ايه عيونى بقى !!!
اخفت وجهها بصدره خجلا منه ... لا تكاد تصدق نفسها بتغيره هذا !!
منذ ان سافرا لهنا بعيدا عن العائله بأكملها و هو اصبح شخصا اخر ,
لا .... لا يشبه فارس الاحلام الذى سرقها على حصان ابيض ... بل اكثر من ذلك بكثير !!
هو أب ... و أخ و لكن تبالغ ان قالت أم ايضا ..
فما تحمله عينه من دفء و حنان تكاد تجزم انها لم تراه بعين والدتها ابدا !!
يدللها بشكل فاق تصورها !
هو لا يحبها و لم ينطق بها ربما لان كلمه احبك ستُنقص من حق ما يشعر به تجاهها !!
ما بينهما اكبر بكثير من كونه حب او زواج تقليدى ,
بعد معرفتهم بولاده هبه طلبت منه العوده و لكنه رفض رفضا قاطعا و اكتفى بمهاتفتهم !!
لا لم تحزن فهدفه ليس التقليل من شأن أخيها و زوجته و لكن لانه لا يرغب بقطع سعادتهم !!
ايام تمر و مع كل يوم تتأكد انها ما كانت لتعرف يوما بقدر اجمل من هذا !!
هذا مديرها ليس بزوجها ابدا فشتان بين اكرم صاحب الشركه و اكرم حبيبها !!
شتان بين ذلك الذى يرتدى البذله الرسميه و بين ذاك الذى لا يشعر بالراحه سوى فى ملابسه البيتيه , شتان بين اكرم صاحب القرارات و المسئوليه الصارمه و بين اكرم الذى يعلمها الطبخ بصبر كبير , شتان بين اكرم البعيد عنها سابقا ... و اكرم الذى اصبح زوجها و كل دنياها الان ..!
افاقت من تفكيرها الجامح به على همسته الحانيه و هو يمسد ظهرها ببطء : ها النهارده هنشوف النتيجه ؟؟؟
ازدردت ريقها بصعوبه و هى تبتسم بطفوليه و عينها تلمع بمكر و هى ترفع اليه عينها بهدوء و هى تبتسم مع رفرفه رموشها المتلاعبه ...
فرفع حاجبا مبعدا اياها عنه ليوقفها امامه هاتفا بجديه ناظرا اليها بتفحص : انا بقالى 3 ايام بعلمك المكرونه مش شايفه انى المفروض أكلها من ايدك بقى و لا هنفضل يا نحرقها , يا نعجنها , يا نسيبها حصى !!
اسبلت جفنيها كتلميذ مخطئ ثم زمت شفتيها بحزن مصطنع و هى تحرك شفتيها بحديثها الصامت " دى اول مره اجرب ادخل المطبخ اصلا , فى امريكا كان معظم أكلى جاهز و هنا كانت ام على اللى بتهتم بالاكل , انا مبعرفش اعمل الشاى من غير ما اسيب المايه تنشف "
قرص وجنتيها بيده بغيظ ثم قبلهما بعدها قائلا بضيق مصطنع : و انا بقالى سنين انا اللى بطبخ لنفسى .. , ثم اضاف بمكر و هو يعطيها ظهره و ابتسامه خبيثه تتراقص على شفتيه فاللحظات التى يقضيها معها فى تعليمها تجعله فى قمه سعادته : و انا من حقى كراجل شرقى انى اتجوز واحده تريحنى و تاخد بالها منى و من أكلى ... و لا انتِ ايه رأيك ؟؟؟
عقدت حاجبيها بضيق و هى تضع يدها على كتفه ليستدير لها و نظرت لعينيه باستشفاف لترى الخبث يتراقص بهما فوكزته بخفه محركه شفتيها " طيب يلا نشوف النتيجه يا سياده الراجل الشرقى "
انطلقت ضحكاته و هو يشير لها بطول ذراعه لتتحرك امامه ممسكه بكيس " المكرونه " و بدأت بتحضيرها , و هو يقف خلفها مراقبا اياها باستمتاع , ثم اخرجت المقلاه لتضع بها الزيت لتتركها قليلا حتى يصبح جاهزا للقلى , ثم احضرت قطع الدجاج المخليه المتبله لتصنع الاكله الشهيره " البانيه " ... ثم بدون انتباه امسكت بقطعه من الدجاج دون تصفيتها من صوص التتبيل لتضعها بالمقلاه ليصرخ هو بها : مش كده حاسبى !!
و لكن للاسف ربما تأخر صراخه الذى سبقه صراخها و هى تعود للخلف بشهقه خائفه و بعض قطرات من الزيت تطال يدها فاقترب منها مسرعا ممسكا بيدها هاتفا بقلق و لكن غلبته ابتسامته : انتِ كويسه ؟؟؟
عقدت حاجبيها بغيظ و هى ترمق الزيت بغضب كأنه اذنب بحقها فقرب يدها من المياه فنظرت اليه بضيق لتحرك شفتيها بتأفأف ظهر واضحا على وجهها " انا معلمتش حاجه "
حرك رأسه موافقا بسخريه متمتما بموافقه كأنما يتجنب حوارها المعتاد عندما تخطئ و خاصه بأمر الطبخ فلا يكاد يصدق ان المهندسه الناجحه بجدراه فى عملها هى نفسها تلك التى تفشل فى تحضير وجبه بسيطه كهذه : عارف عارف الزيت اللى غلط طبعا ..
نظرت اليه بضيق فاستدار مغلقا الموقد و امسك بيدها متحركا بها للخارج و جلس امامها ممسكا بيده مرطب للحروق يداوى به يدها بينما هى تتابعه بعينها بإبتسامه سعاده حتى انتهى فرفع عينه إليها لينتبه لتفحصها به فغمزها بشقاوه مغمغما : بتبصى لى كده ليه ؟؟
امسكت يده بين يديها لتخفض عينها ثوانى ثم رفعتها اليه ليتعجب هو نظره الالم و الوجع التى شملت عيناها لتخفى وهج بحر الفيروز عنه ثم حركت شفتاها بحديثها الصامت للاسف دائما بعجز بادٍ بوضوح فى عينها , " يمكن انت مقولتش ليا بحبك , بس اكيد نفسك تسمعها , نفسك حبيبتك تصرخ بها ... بس انا ...
قاطعها و هو يحتضن شفتيها بخاصته فى قبله رقيقه دامت لحظات قليله ثم ابتعد عنها هامسا امام بحر الفيروز - عشقه الاول و سبب شقاءه الازلى معها - : طيب ما انتِ بتقوليها فعلا ..
نظرت اليه بتعجب فابتسم مقتربا منها مقبلا عينيها و هو يردف بنبره عاشق صبر كثيرا لينول و ما اعظم نتيجه صبره : بتقوليها بعينكِ اللى قدمها مبقدرش اتكلم ,
خفق قلبها بجنون و هى تشعر بصدق كلماته تداعب وتر انوثتها بألحان مميزه به و خاصه لها , حتى اقترب طابعا قبله على جانب شفتيها مردفا بنفس النبره التى اغرقتها فى بحور عشقه اكثر : بتقوليها بضحكتك اللى قلبى بيدق علشانها ,
تنهدت بقوه و كلماته تلملم شتات عجزها , تمنحها قوه لم تشعر بها سابقا .. اسقت كلماته ببراعه ورودها الضعيفه فتفتحت اكثر ...
فإنخفض هو طابعا قبله على عرقها النابض بعنقها و اكمل بنفس عميق اخبرها بوضوح عن كبر احساسه بها , كأنها فعلا كما قال لها سابقا " حلم " : بتقولها بنبض قلبك اللى انا متأكد انى ساكن جواه ,
ثم تنهد بعمق طابعا اخر قبلاته على جبينها بقوه مشاعره الان , سابقا و فيما بعد : بتقوليها بيكِ انتِ يا مها ,
ثم اقتنص شفتاها بقبله اكثر جموحا تاها بها عده ثوانى قبل ان يستند على جبينها منهيا كلماته بثقه : لان انا عايش بيكِ , و ليكِ ..
اخذت نفسا تائها ربما الان فقط وجدته لتطوقه بذراعيها بقوه و هى تشعر انها الان لم تعد ترغب بشئ , بل حتى لم تعد ترغب بصوتها ..
هى مميزه ... اجل مميزه !!
مميزه برجل يرى بها كل النساء ,
مميزه بقلب لم يعرف قبلها عشق ,
مميزه هى بقوه لم تعرف قيمتها سوى الان ,
مميزه بنجاحها فى شخصها و حياتها العمليه ,
و حتى ان كانت عاجزه عن التحدث فقلب من يحبوها يفهمها دون حديث ,
ماذا تحتاج اكثر ؟!!
مجرد صوت ؟؟؟
لا والله فلو خُيرت بين كمالها بصوتها و بين حياتها بمن يحبها , لاختارت حياتها هذه , بكل ما عايشته سابقا و بكل ما تعيشه الان ..
ربما لانها الان فقط فهمت معنى
" و اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا " .
*********************
انهت جنه اخر دروسها لليوم و شكرت الله لعدم وجود عاصم اليوم , فلقد مرضت معلمتها و بعثت محلها بمعلم ,
اجل .. المصيبه الكبرى الان عاصم !!!!
عاصم منعها تماما من مجرد الاقتراب من كل من يحمل ببطاقته لقب ذكر فلو عرف انها جلست معه ساعتين متواصلتين ليشرح لها مع بالتأكيد مناقشه منها , لانطلق مارده المجنون ليحطم رأسها ,
اجل لم تجلس معه بمفردها فعز جلس على مقربه
منهم , و اجل لم يتحدثا بكلمه واحده خارج منهجها , و لكن صغر سنه الذى يقارب الثلاثين او يتجاوزه بقليل و كونه ذكرا ... كان سيجعل عاصم يجن حتما ؟؟
كان !!!!!!!!!!!!!!!!!
بل جعله !!
شهقت و هى تراه يدلف من باب المنزل و المعلم يخرج بمقابلته و هى خلفه .. انطفئت عيناه دفعه واحده و اشتعلت بسواد غضبه فضمت هى يديها لبعضهما بقوه , اجل هى كانت تعلم عن عودته اليوم من العمل و لكنه كان من المفترض ان يعود بعد ثلاث ساعات من الان ..
لم تكن بحاجه لثلاث ساعات بل فقط ثلاث دقائق !!
القى المعلم السلام و خرج من المنزل الحمد لله سليما دون جروح او خدوش حتى ,
اما هى فما بالها سيفعل بها الان ؟؟
سيصرخ .... بالتأكيد ,
سيغضب ... هه حتما ,
سيمتنع عن التحدث معها او الاقتراب منها كعادته دائما فى معاقبتها و ما اسوء من " التجاهل " كعقاب ...... ربما ,
اخذت نفسا عميقا و اقتربت منه خطوه فتقدم هو خطوتين فعادت خطوتها باحترام للذات لانها لم تكن تعرف حتى ماذا تفعل الان ,
و لكن مهلا هى لديها مفاجأه ربما تقلل غضبه ...
ربما !!
قليلا !!
توقف امامها ليجد والده يخرج من نفس الغرفه التى خرجت هى منها للتو فتجاوزها دون كلمه مصافحا والده الذى استقبله بترحاب بعودته , ثم لم تشعر كيف قبض على معصمها لتجد نفسها الان معه بمفردهم داخل غرفتهم الخاصه و الباب مغلق ....
حسنا و لكن لم اغلقه بالمفتاح !!
وضع حقيبته جانبا مقتربا منها واقفا امامها ليحاوطها بأسهمه الحارقه هاتفا بغضب : ممكن افهم ايه اللى انا شوفته ده ؟؟؟
ارتجفت عينها و هى تجاهد حتى تظل صامده امامه و لكنه لم يمنحها الفرصه فعندما صمتت صاح بها و هو يعتقل ذراعها بكفه بقوه : انطقى يا جنه ... كل اللى بيجيلك هنا مدرسات ممكن افهم البنى ادم ده كان بيعمل ايه هنا !!
اغلقت عينها و صوته القوى يخترق صدرها ليداعب قلبها لتخاف و لكن بئس الخوف الان فهى تعلم جيدا ان خلف صراخه هذا .. غيره !!!
غيره تحبها بجنونه و غضبه هذا !!
فهدرت بسرعه قبل ان يصرخ بها مجددا فصمتها وقت غضبه يزيده غضبا : تعبانه تعبانه !
عقد حاجبيه مع التواء فمه باستنكار متسائلا و مازال على غضبه : هى مين دى ؟؟؟
فاسرعت هى تجذب يدها من يده لتقول بتوضيح قبل ان يثور عليها مره اخرى : المُدرسه بتاعتى تعبانه فهو جاى ليا مكانها ..
حسنا يبدو انها اختارت الكلمات الخاطئه فى الوقت الخطأ و ادركت هى ذلك عندما احمرت عيناه بقوه فلعنت لسانها الذى يتسرع بالرد دون تفكير و هو يردد كلماتها من بين اسنانه بعنف : جاى ليكِ ؟؟؟
ثم صرخ بغضب اسود بها و هو يقترب ليعتقل ذراعيها و لكنها تراجعت بسرعه و هى تنظر اليه لتُفجر مفاجأتها بأسوء طريقه متجاهله كل ما خططت له سابقا : انا حامل .....!!
اشاح بيده بعدم اهتمام كأنه لم ينتبه للكلمه ليصرخ بغضب دون وعى : ايه دخل ده دلو....
ثم صمت فجأه لتتسع عينه محدقا بها بذهول قليلا محركا شفتاه ليتحدث و لكنه عاد يطبقهما عاجزا عن التفوه بكلمه واحده و لكنه استجمع نفسه قائلا بصدمه و هو يتسائل بهدوء كأنه يتأكد : انتِ ايه ؟؟؟
زفرت بقوه فا هو اخيرا خمد بركان غيرته الغاضبه ليظهر الان بركان اخر من مشاعر هى اكثر ادراكا لانتظاره لها فاقتربت منه واضعه يدها حول عنقه متمتمه و هى تضغط على حروف كلماتها مؤكده : انا .... حامل ..
ابتسمت و هى تنظر لعينيه منتظره رد فعله و الذى كان اغرب ما يكون على ابن الحصرى بجبروته عندما ابتلع ريقه ببطئ هو يفك يديها عن عنقه ليُمسكها بقوه بين انامله ليعاود التساؤل بأخر بعدم استيعاب : ثانيه واحده بس ... انتِ ايه ؟؟؟؟؟
اتسعت ابتسامتها و هى تمسك بكفه لتضعه على بطنها مردده بتأكيد مع ضحكه خفيفه طغت ملامحها بفرحتها : انت بعد 7 شهور هتبقى أب ...
ثم ضحكت بسعاده و هى تضع يده الاخرى على بطنها من الجانب الاخر مردفه بنفس النبره : و أنا ..... ثم صرخت بفرحه : هبقى أم ....
و دون سابق انذار شعرت بقدمها لا تلامس الارض و هو يحملها ليدرو بها عده مرات بينما هى تتعلق بعنقه بقوه مع صرخات سعاده متتاليه حتى توقف و اوقفها ارضا محتضنا وجنتيها بيديه هاتفا بفرحه ربما لاول مره تشعر بها فى عينيه بوضوح هكذا : انتِ عارفه انا كنت مستنى ازاى ؟؟ عارفه كام مره اتمنيته و طلبته من ربنا !!
لمعت عينها و هى ترى فرحته و رغم ان قلبها يصدقها لكنها كالبلهاء تساءلت بعدم تصديق : بجد فرحان ؟!!
ضمها لصدره بقوه و هو يخبط كتفها بقبضته كأنه يلومها على سؤالها هاتفا بنبره اجابتها قبل كلماته : انتِ مجنونه !! فرحان دى شويه جدا على اللى انا حاسس بيه , انا حاسس .. حاسس ..
صمت عاجزا عن اكمال وصف شعوره فبادلته حضنه بأخر اكثر قوه كأنها تخبره انها عرفت اجابته , بينما ظل هو يتمتم بالحمد و الشكر على ما اعطاه الله ..
حتى ابتعدت عنه و تحركت و هى ممسكه بيده جالسه على طرف الفراش ليجلس بجوارها متسائلا : عرفتِ من امتى ؟؟
ابتسمت و هى تضم نفسها كأنها تضم طفلها و هى تجيبه بنبره مشتاقه اليه : من يومين بس حبيت اقولك و انت جنبى و معايا مش فى التيلفون ..
قبل جبينها بعمق متمتما بعاطفته الخاصه لها و التى لم يجد بنفسه الان سواها : انا قولتلك قبل كده انك جنه ربنا على الارض ..
اتسعت ابتسامتها وجلس ليأخذهما حديث طويل بعدها حتى اختفت ابتسامتها و قطعت حديثها الذى تطرق لاهل عاصم و اخفضت رأسها بحزن فعقد حاجبيه رافعا ذقنها لتتطالعه عيناها فتسائل بنبرته القويه : فى ايه ..؟
تنهدت بقوه لتغيم عينها باشفاق و هى تقول بأسى : حنين ...
ازداد انعقاد حاجبيه و هو يشيح بوجهه فجعلته يستدير لها قائله برجاء : بلاش كده يا عاصم , حنين من يوم ما مازن طلقها و هى حالتها النفسيه وحشه جدا , رغم انها اشتغلت , رجعت لحياتها هنا , و بابا عز وعدها انه مش هيفاتحها فى موضوع الجواز تانى طالما هى لسه متمسكه بحب فارس الله يرحمه , دا غير المرسم اللى انت عملته لها فى الحديقه اللى ورا البيت , و مع ذلك مش حاسه انها عايشه , سفر مازن مع حياه اثر فيها و خصوصا بعد طلاقهم ..
زفر بقوه ماسحا على فمه بعنف بحركته المعتاده و هو ينظر اليها لاول مره بقله حيله مجيبا اياها بجديه : حنين لازم تواجه قرارها يا جنه , هى كابرت و رفضت مشاعرها فى اعتقاد ان كده خيانه لفارس بس مفكرتش فى خيانتها للى عايش و اللى هو جوزها بغض النظر عن سبب جوازهم , مفكرتش فى قلبها اللى مش هتقدر تملكه , مفكرتش فى بكره و ربطت نفسها بالماضى , كلنا اتكسرنا بموت فارس لكن دى سنه الحياه , بس هى رافضه تعيش و كان لازم للاسف تفكر فى نتيجه قرارها قبل ما تاخده ..
اغلقت جنه عينها بوجع و هى تردد كالتى تحدث نفسها : بقالها اكثر من شهرين على الحال ده , من البيت للشغل و من الشغل للبيت حتى الرسم مبقتش ترسم زى الاول بحس انها دائما سرحانه و تفكيرها مشغول بس للاسف مش قادره اعمل لها حاجه ؟
ربت عاصم على كتفها ضما اياها لصدره مقاوما غضبه الان من حنين التى تسعى لتدمير حياتها بيدها متمتما بثقه : و محدش هيقدر يعمل لها حاجه غير نفسها !!!
هو كرجل يدرك جيدا ان مازن فعل ما عليه بل و اكثر ,
مدركا ان سفر مازن ما هو الا اطمئنانا على حياه و هدفه الاكبر هو منح حنين فرصه الاختيار بين ما تريد حياتها عليه و بين ما تمنحها الحياه اياه ,
مدركا ان مازن لم يهرب .. و لكنه اراد منها هى المواجهه !!
مواجهه نفسها بدواخلها , مواجهه نفسها بحقيقه شعورها و رغبتها ,
لا يوجد من يستطيع العيش على ذكريات مهما كانت كبيره ,
ربما لو تزوج حنين و فارس و عاشا معا لسنوات لكان اعطى لحنين الحق فى تمسكها بالذكريات , و لكن حنين لم تعرف فارس جيدا .. لم تعرف عاداته و لا روتين حياته !
لم تكون ما يكفيها سنوات عمرها الباقيه كذكريات !
لو نظرت حنين حولها فى بيت فارس لن تستطع تذكر اى ذكرى لماذا ؟؟!
لانه لا يوجد !
و لكنها سترى مازن فى كل مكان ضحكته , غضبه , مرحه , حنانه .. ربما لان العشره تفرق ...!!
ربما لان الحب مهما كان قوته لا يقاس بالكلمات بل بالتعامل و الحياه فيما بعد , لان القدير لا يدبر شيئا دون حكمه ربما ليست جليه و لكنها بتأكيد لصالحنا ..
اعانكِ الله على نفسك يا حنين اعانكِ الله !!!
*********************
تجلس امام غرفه المرسم الذى خصصها لها عاصم , لتعيش حياتها بمطلق رغبتها بل و حريتها ايضا .. هذا ما كانت ترغب به ؟؟
خسرت فارس و هذا رغم صعوبته فهو امرا واقع لابد ان تتعايش معه ,
و لكنها تعيش الان الحياه التى رسمتها بدونه , تعيش فى المنزل بغرفتها السابقه , تعمل بالشركه الان حتى اصبح لها مكانها , حقق لها عاصم امنيتها بالمرسم لتُخرج مكنونات قلبها بألوانها على لوحاتها البيضاء , وعدها والدها بحريتها و عدم اجبارها , باختصار استعادت حياتها ,
فما بالها الان ضائعه ؟!!
تشعر بثقل كبير على كتفها لا تستطيه دفعه عنها ,
قلبها يتألم , يحزن .... و تباااا يشتاق !!
منذ ألقى اليمين عليها و هى اقسمت ان تعيش بلا اى ضغوط , بلا خيانه , بلا زوج , بلا حب !
و لكنها الان لا تشعر بنفسها تعيش !!
فى بدايه قدومها لهنا اطلقت ليدها و ألوانها العنان على لوحاتها !!
لتجد النتيجه ملامحه - مازن - ضحكاته , غضبه , هو .. فقط هو !!
حتى انتهى الامر بها تخلد اخرى ذكرى مرت بهما معا !
فتركت الالوان فلو لم تفعل لاصبحت رسوماتها كلها هو .. بل بالفعل اصبحت !
تشتاقه كثيرا !
لا ليس لحبه فقط !!
بل لحنانه الذى تفيض به عيناه عندما يطالعها , لامانها الذى شعرت به كلما ضمها بذراعيه , لمرحه الذى علم قلبها و وجهها معنى الضحك مجددا ,
اشتاقته لانه مازن ... مازن الذى بوجوده اتزنت حياتها ,
و الان عندما فقدته ادركت معنى ان يختل توازنها ؟!
ادركت الان ان قلبها لا تملكه بيدها لتقلبه متى تشاء او تثبته متى تشاء !!
حبها لمازن ليس بخيانه لفارس , و لا لذكرياته الذى مهما مر من الزمان عليها لن تنساها ,
تعلقها به ليس خيانه لحبها القديم بل بدايه جديده ارادها الله لها ,
و لكن اين مازن ؟!!
اين قلبها الان ؟!
هل حُكم عليها ان تعيش دائما و ابدا على امل الذكريات لتفقدها دون عوده !!
و لكن هل لمازن من عوده ؟!!
لن تتحمل فقده ؟!
غاب عنها كثيرا و لم يعد بطاقتها التحمل ..!!
و لكنه لن يعود !!
احرق ما يجمعهم سويا من ذكريات و لن يعود !!
طلقها حتى يتحرر من قيد حبها و لن يعود !!
سافر مع زوجته الاخرى فهل يتركها لاجل من لم تعد زوجته !!
اختارت و الان ستتحمل اختيارها , اختيار يجبرها ان تعيش مهمشه دون ارض ثابته تستقر عليها ,
الاختيار السابق لم يكن بيدها فتألمت , و اختيارها الان كان بيدها فالألم اشد !!
تشعر انها اذنبت و كأن احساسها بالذنب يلاحقها !!
و لكن هل يفيد !!!!
نهضت لتدلف و لكنها تسمرت مكانها و هى تراه امامها واقفا يتابعها , و بملامحه شيئا ما تغير ..!
كأنها صارت اكثر ارتياحا , اكثر رضى , و ربما اكثر اشراقا !!
تعالت نبضاتها بجنون و هى تتمنى الركض لحضنه , تتمنى الصراخ بإسمه , تتمنى ان تخبره انها فهمت , تأخرت و لكنها ادركت ...
ادركت انها له ,
اختارها عز وجل له ,
و لكن هل يسمعها ... هل يعينه ما ستقول ؟؟
اقترب منها عده خطوات شعرت هى بكل خطوه بأنفاسها تختفى تدريجيا حتى توقف امامها ناظرا اليها قليلا قبل ان يتحدث بخفوت : ازيك يا دكتوره !!
اغلقت عينها بعجز و هى تدرك ان لا لحديثها قيمه و لا لمشاعرها وجود الان فلقد عادت الحواجز بينهما و ربما اكبر من سابقا !!
حاولت اخراج صوتها و لكنها لم تستطيع فعاود هو اقترابه خطوه اخرى و هو ينظر لعينها بدقه مع ابتسامه خفيفه زينت وجهه اكثر و هو يشير للمرسم : مبرووك المرسم , افضل بالكثير من اللى اتحرق .... صح ..!
و هنا وجدت صوتها لتخرج منها اه خافته و هى تخفى عينها عنه مغمغمه بصوت بالكاد يُسمع : مفيش حاجه اتحرقت ..
مال عليها قليلا متسائلا بهدوء : قولتِ حاجه ؟!!
حركت رأسها نفيا بسرعه فأومأ موافقا متقدما باتجاه المرسم ليفتح بابه ليدلف فيتفاجأ بلوحات مبعثره فى اتجاهات عده و لكن ما صدمه حقا ان كل اللوحات تحمل جزءا منه , ملامحه , ضحكته , عقده حاجبيه فى غضبه , ابتسامته الصافيه , عينيه اللامعه , لتسقط عينه على تلك اللوحه فى ركن بعيد مغطاه بقطعه قماش فتقدم باتجاهها و لكن حنين سبقته لتقف امامها بخجل شديد تمنعه عن رؤيتها و لكنه امسك يدها جاذبا اياها لجواره ثم نفض الغطاء عن اللوحه ليفاجئ بمحتواها و الذى جعلها تنصهر غضبا امام نظرته المستمتعه بها مع رفعه حاجب باعجاب واضح , و هو يرى اللوحه هى و هو يقبلها اخر مره ..
قبلته الاولى لها ...
حسنا فالصغيره حفظتها كلوحه ...
و رغم الحزن البادى عليها جعله هذا يبتسم بمكر و هو يقترب منها و هى تتراجع , هو يقترب و هى تتراجع حتى استندت على الحائط و هو امامها ..
ربما كانت تلك قبلتهما الاولى و لكنها حتما ليست الاخيره !
و بلحظه واحده كانت يداه تحتضن خصرها مقربا اياها منه بقوه حتى لاصقته تماما , فشهقت بحده و رائحته تنساب لانفاسها لتنعش قلبها الذى كاد يموت ندما و حسره , و لكن عيناها اتسعت بشده كأول مره تماما و هو يأسر شفتيها بشفتيه بقوه شعوره بها الان ..
بقوه اشتياقه و لهفته لرؤيتها , غاب ما يقارب الشهرين و لكنها لم تغيب عن فكره لحظه واحده ...
عن اى خيانه يتحدث كلاهما ؟!!
اخيه سيظل اخيه مهما كان ,
و ذكراه بداخلها ستظل بداخلها ايضا مهما كان ,
و لكن اجتماعهما ليس بخيانه لا لهذا او لذاك !!
بل قتل مشاعرهما الحقيقيه .... ظلم ,
جبر قلبيهما على الموت حيا .... تهمه ,
دفن حبهما تحت انقاض تفكيرهما المزعوم .... جريمه ,
و على ظلمهما و بتهمتهما و جزاءاً لجريمتهم تعاقبا .. بفراق قصير اختاره كلاهما !!
و لكن للمجرم فرصه الاخرى !!
ليقعا فى الحب دون قيود , لينطلقا معا فى فضاء سعادتهما , ليرضا بقضاء الله و قدره لهما ...
و اخبرتها قبلته بكل ما بداخله و التى آزره قلبها , بل و يداها التى حاوطت عنقه بقوه كأنها تتمسك به خشيه ابتعاده مجددا !!
حتى ابتعد عنها و كم كانت هى اضعف من اى تلتقى عينيهما الان ... , فدفنت وجهها فى صدره و لكن نبرته الحاره مع انفاسه اللاهثه بجانب اذنها جعلتها ترتجف بين يديه : تتجوزينى يا حنين !!
ابتعدت عنه بصدمه و هى تلعن تسرعهما فهى الان طليقته , نظر لعينها المصدومه و الذى قرأ سبب صدمتها فابتسم و هو يمسك يدها موضحا : انا قولت لو قدرتِ تحرقى الذكريات من قلبك تبقى طالق و كنت قاصدها قوى , و انتِ مقدرتيش , يمين الطلاق موقعش ..
لمعت عينها بدموعها التى سرعان ما تساقطت لتلمع عينها بفضيتها الآسره فرفع يديه يزيلها مردفا بنبره اكثر قوه و اصرارا : لكن انا هتجوزك بعقد جديد بموافقتك و برغبتك ... ثم نظر لعينها التى ازدادت الدموع بها متسائلا مجددا بنبره اكثر شوقا و لهفه : تتجوزينى !!
" و لسوف يعطيك ربك فترضى "
**********************
مرت الاشهر متتاليه و ها هى حياه تركض مسرعه لداخل الشركه فاليوم هناك اجتماع هام لان صاحب الشركه سيقوم بتعيين مدير تنفيذى جديد و هو موظف سابق معهم كان فى عمل بفرع اخر للشركه و الان حان وقت ترقيته تكريما له على سنوات جهده لاجل الشركه ..
جلست اخيرا على مقعدها ليبدأ رئيس مجلس الادراه بالتحدث بخطبه طويله بالطبع ملّ الجميع منها حتى اعلن اخيرا عن اسم المدير التنفيذى الجديد فشهقت حياه بصدمه و هى تراه يصعد درجات السلم امامها .. لتتقافز دقات قلبها بجنون و هى تتبين هويته متمتمه بصدمه : دكتور عادل ؟؟؟؟
اجل دكتور عادل - دكتورها بالجامعه و الذى احبته بل بالادق احبها كثيرا و رغب بالتقدم اليها ليمنعه عن ذلك وفاه والدته و التى ادت لزواجها من شادى - , دكتور عادل - الذى بسببه اعتقد والدها انها لوثت شرفه فأجبرها على قبول الزواج دون اعتراض - , دكتور عادل - الذى ترك جامعتهم بعدما خسرها كأنما كان يهرب - , هو الان مديرها التنفيذى هناا ...!!
انتهى الاجتماع فخرجت مسرعه دون التعرف عليه كما فعل باقى زملائها و زميلاتها , خرجت من باب الشركه تستنشق الهواء بقوه كأنها كانت تختنق بالداخل ..
ماذا يا حيااه ؟!!
لماذا ينبض قلبك بجنون الان ..؟
نعم الان انتِ مطلقه بل و منذ زمن يقارب 5 اشهر ,
نعم انتِ الان مستقله و ناضجه بشكل كافى لتتخذى قرارتك ,
نعم وجدتِ حياتك اخيرا و تعيشى كما كنتِ تحلمين دوما ,
فهل ستحبسى نفسك خلف قضبان الحب و اسطوره الزواج ..!؟
هل ستفنين كيانك لاجل رجل مجددا ..!؟
نعم اخبرتِ مازن انكِ تستحقى زوج و حياه و عائله , و لكنكِ تدركِ جيدا انكِ كنتِ تخدعينه ليسمح لكِ بالسفر !!
فأنتِ قررت الابتعاد عن معشر الرجال فهم سواسيه و ان كان مازن منهم استثناء !!
كلهم لا يهتمون بحقيقه من انتِ !!
لا ..... لا رجال ... لا حب ... لا زواج ... فقط حياه مستقله و نجاح امرأه ادركت معنى ان تكون امرأه قويه !!
و بهذا استدارت لتدلف للشركه و امام الاصانصير اجتمع كلاهما , لينظر لها بدهشه هاتفا بصدمه ارتجف لها قلبه : حياااه ..
ابتلعت ريقها مانعه انتفاضه قلبها مبتسمه بعمليه مجيبه بهدوء : اهلا دكتور عادل !!
اتسعت ابتسامته و ظهرت فرحته جليه على وجهه متسائلا بلهفه و هو لا يصدق ان عينه تراها : انتِ بتعملى ايه هنا ؟
رفعت الاوراق بيدها امام عينيه لتحرك كتفها للاعلى مع ابتسامه صغيره هامسه بصوت رسمى : بشتغل ..
ازدادت لهفته و هو يطالع يدها ليجدها فارغه من محبس الزواج فتحولت ابتسامته لضحكه اوءدت كل محاولتها للتماسك و ردع قلبها عن خفقانه فتمتمت باقتضاب لتغادره مسرعه : مبروك المنصب الجديد .. عن اذنك .
لم تنتظر اجابته و رحلت مسرعه و هو يتابعها بابتسامه مصره هذه المره , فإن كان قد خسرها لمره ... فأبدا لن يخسرها الاخرى ...
حتى ان اضطر للمحاوله مره , اثنان , ثلاث بل الف مره ..!
فليس كل من عشق يلقى عشقه ... و لكن من يضيعه مره خاطئ و من يضيعه الثانيه سيندم !!
و قد علمته الحياه العمليه هنا انه لا مانع من الخطأ و لكن لا وجود لما يسمى بالندم .....
************************
في سكون الليل و القمر يتسلل بخجل لينافسها في جمالها , تلك النائمه علي نبضات صدره تستنشق عطره لتروي ظمآها ..
رفعت مها رأسها قليلا لتستند بمرفقها علي الوساده بجوارها لتتطالع وجهه الهادئ و ملامحه الناعسه السخيه بجمالها , سخاء يقتل قلبها و يجعله شهيدا له و لعشقه ,
ابتسمت بحالميه و هي تجول بعينها كل ملامح وجهه ,
ذلك الرجل الذي لم يسلب قلبها بل جعلها تمنحه إياه طواعيه ,
لم يخطف حبها بل جعلها تسعي لاحساسه به ,
هو رجل بكل ما تحمله الكلمه من معنى ,
رجل بقوته و ضعفه القوى ,
رجل بقلبه العاشق و عقله الوعى ,
رجل بحنانه و دلاله السخى ,
رجل لها .. و لها فقط .
مالت برأسها قليلا و تنهدت بسعاده و عينها ترمقه بنظرات عاشقه ذائبه , ثم رفعت يدها الاخري لتداعب وجنته بخفه بابهامها , ليتململ قليلا و يستدير لجانبه الاخر معطيا ظهره لها ,
فعبست بطفوليه ثم ابتسمت بخبث فلقد اكتشفت نقطه ضعفه اخيرا , رفعت اصبعها لتحركه بشقاوه علي منتصف ظهره و خاصه فقراته البارزه ليتحرك بضيق و يعتدل لجانبه الاخر واضعا يده على خصرها بحركه تلقائيه و ما زال النوم يستولي عليه ,
فابتسمت بهدوء فهو اليوم كان متعبا حد الجحيم , عمل , عمل , عمل حتي باتت تكره العمل و انشغاله الدائم به عنها , فمنذ عودتهما من رحلتهما الخاطفه للانفاس دفن نفسه بالعمل حتى بات يشقى كثيرا ....
اتسعت ابتسامتها وهي تضع يدها علي بطنها المنتفخ و الذي يحمل قطعه صغيره من كلاهما , تتأسف لصغيرها فهي تقصد بالتأكيد انشغاله الدائم عنهم , عقدت حاجبيها بطفوليه واعتدلت جالسه تنظر له بضيق متذمر فهو طوال اليوم بالعمل و يأتي مساءا ليأكل ثم يخلد للنوم مباشره .. متناسيا وجودها تماما ,
و هي تكاد تصاب بالجنون .. فكم باتت تشتاق لعبثه وعشقه الزائد لها , اغمضت عينها لحظات و عادت تلك الرغبه تسيطر عليها بشده , تعلم ان ما تطلبه يستحيل ان تناله و لكن ماذا تفعل فا ها هو " الوحم " يسيطر عليها ,
لا خيار امامها الان سوي ان توقظه ... لن تتحمل الانتظار وسيقبل بطلبها شاء ام رفض ... فهي امرأه حامل و لابد ان يراعي احتياجاتها , و لكن هي غضبت منه قبل النوم , تذمرت و اخبرته انها لا تتحدث معه ابدا , هي غاضبه منه ولكنها لن تستطيع الانتظار مهما حدث ., فهذه المسأله تخص صغيرها ..
صمتت قليلا تفكر في طريقه تخبره بها عما تريد و في الوقت ذاته لا تحادثه مباشره , حتي استقرت علي الطريقه فنهضت واقفه و هي تنظر لبطنها المنتفخ بضحكه و اتجهت لحقيبته و احضرت دفتر الملاحظات خاصته و عادت اليه مجددا .
صعدت علي الفراش بصعوبه ثم اعتدلت جالسه عاقده قدميها و ضربت كتفه بخفه ., فهمهم و لم يستيقظ , عادت تفعلها مره اخري و لكن ايضا لم يستيقظ , فعقدت حاجبيها بغيظ واضح , ثم دفعت كتفه عده مرات بقوه مفرطه فانتفض بفزع جالسا يصرخ و هو يفرك عينه عله يستقيظ : بسم الله الرحمن الرحيم .. في ايه !! ... ايه اللي حصل ؟؟
وجدها تطالعه بابتسامه سرعان ما اختفت و امتلئت عينها بالدموع و نظرت للفراش بصمت مدعيه الحزن لتستدعي بعضا من عاطفته التي تختفي فور شعوره برغبه في النوم ,
فاعتدل بهدوء و امسك كأس الماء بجواره ليرتشف منه قليلا ثم تركه و نظر اليها يتثائب و هو يتسائل بنصف اهتمام : مالك يا حبيبتي ...؟
رفعت عينها التي دائما ما يغرق بها و لكنه لم يفعل فأين يغرق و هو لم يستيقظ بعد , وضعت يدها علي بطنها و ازداد بكائها فعقد حاجبيه محاولا استدعاء نشاطه بقدر الامكان ثم صاح بزعر : ايه هتولدي ..!!
رفعت وجهها بسرعه و تجهمت ناظره اليه بغضب ثم اشاحت بوجهها للجهه الاخرى , فزم شفتيه بغضب و رفع يده علي وشك صفعها و لكنه قبضها و اخفضها ممسكا يدها هاتفا بنفاذ صبر وتعجب : في ايه يا حبيبتي ... قولي ..! ...., ثم نظر لساعه الحائط و هتف باستنكار مغتاظ : مصحياني ليه الساعه دى ..؟!
ابعدت يدها عنه و امسكت دفتر ملاحظاته ليعقد ما بين حاجبيه بدهشه و هي تكتب عده كلمات فوق الورقه لتعطيها له ., نظر اليها متعجبا ثم ما لبث ان تذكر انها اخبرته انها لن تتحدث معه مباشره ابدا لانها غاضبه ,
فابتسم بغيظ .... أسيحدث شئ ان تجاهلها و غرق في نومه مجددا , لوي فمه مجيبا نفسه بالطبع سيحدث , كان يظن انها هادئه و لكنها قنبله موقوته و اي ضغط او تعامل بغير حذر معها لا محاله ستنفجر و سيكون هو اول من تنفجر به , نظر اليها مبتسما ابتسامه صفراء و اخذ الورقه من يدها بعنف و قرأ ما بها ليرفع جانب شفتيه بسخط و هو يري كلماتها " انا بتوحم "
اغمض عينه قليلا محاولا تمالك نفسه حتي لا يجعلها تنام الان غصبا او ربما قتلها هي و صغيرهم الذى يبدو انه سيجعله يفقد عقله قبل ان يأتي علي هذه الدنيا , فتح عينه محاولا التمسك بهدوءه ناظرا اليها باستخفاف و تسائل بسخريه : و انا دخلى اليه يا حبيبتي ...!!؟
رمقته بنظره حارقه شعر هو بها ليبتسم بعجز و يضغط اسنانه بضيق هاتفا باهتمام مزيف و هو يتثائب : و بتتوحمي علي ايه بقى ..؟
امسكت دفتر الملاحظات مسرعه لتكتب اخر ما قد يخطر علي باله يوما و دفعت بالدفتر اليه بضحكه واسعه متوقعه ثورته القادمه , نظر هو للدفتر بعين مستيقظه و الاخري مغلقه تأكل ارز مع الملائكه و لكن سرعان ما اتسعت عيناه الاثنتين بصدمه تبعه احمرار عينه بانفعال و هو ينهض مستندا علي ركبتيه فوق الفراش ليصرخ بها : نعم يا مدااام .... عاوزه ايه ..!!!!
نظرت اليه ببراءه و اشارت بنظراتها علي طفلهم و عادت تنظر اليه مبتسمه و اهدابها ترفرف بطفوليه ... كأنه تخبره ان هذا طلبه هو !!! لا دخل لها ..!
فرفع يده الاثنتين ليجذب خصلاته بعصبيه و ينظر اليها بدهشه غاضبه و هو يصيح : بتتوحمى علي سجاير ؟!!!! , في واحده ست تتوحم علي سجاير , امال الرجاله لو حملت هتتوحم علي ايه ...؟؟! ,
ثم بسخريه لاذعه هتف بعدم تصديق : غزل بنات ..!!!!
ضحكت بشده و هى ترمقه بنظرات آسفه و عاجزه فصغيرها من يرغب بهذا لا هى ,
تمدد على الفراش و ساعدها لتنام بجواره على صدره متمتما كأنه يشرح أمرا مهما : عارفه يا مها , انا كنت عايش حياتى اخر مزاج , باكل براحتى , الاكل اللى بحبه , اخرج وقت ما احب , انام وقت ما احب , لكن دلوقتى ....
صمت قليلا فاعتقدت هى انه يفكر , و لكن طال صمته ... طال صمته حتى ملت الانتظار فرفعت نفسها قليلا تنظر اليه لتجده غرق فى النوم مجددا فضربت كتفه بغيظ غاضب فانتفض مره اخرى و عندما رأى ملامحها الغاضبه اصطنع مثلها و اكثر غضبا ليشير اليها بسبابته محذرا : لا كده انا ممكن اطلقك و انام و بعدين بكره نتفاهم ...
فضحكت بسذاجه مصطنعه و حركت شفتيها بحديثها الصامت " تصبح على كل خير يا حبيبى .. نام .. نام "
انطلقت ضحكاته ليضم كتفها اليه ليستلقى كلاهما ليغرق سريعا فى نوم عميق , فوداعا للرومانسيه عندما يأتى سلطان النوم ...
فمن قال " الحب الحقيقى هو ان تخاصم النوم لاجعل مجالسه من تحب " ... كاذبٌ , كاذبٌ , كاذب .....
***********************
الغرفه البيضاء , بجدرانها الهالكه و لونها الباهت , نفس الفراش , نفس الملابس , لا طعام شهى و لا طيبه فى المعامله فقط كل شئ قاسى , صعب لا تستطيع التعامل معه !!!
نجلاء امين الحصرى , اصبحت مجرد سجينه لفراش احمق داخل غرفه سيئه بحاله محطمه !!
الان فقط بدأت تشعر بسنوات عمرها , الان فقط ادركت ان حياتها على وشك الانتهاء حقا !!
لا مال يفيد , و لا جاه يساعد فقط خسرت ... خسرت كل شئ ... كل شئ !!
طرقات خافته على الباب فأعتقدت هى انها الممرضه التى تعاملها اسوء مما يُعامل الجماد فأغلقت عينها مدعيه النوم لحظات و شعرت بيد خشنه - عرفت صاحبها على الفور - تلامس جبينها التى اظهر الألم تجاعيده مع همسه حانيه من صوت لا تدرى أهى حقا اشتاقته ام اشتاقت فقط لمن يتذكرها : ماما !!
ظلت عينها على وضعها المغلق و نبرته الهادئه بإسمها تداعب اوتار قلبها !
معتز الوحيد الذى يودها , يسأل عنها , يزورها من حين لأخر , و كل مره عقب خروجه تسمع هى صوته و هو يوصى الممرضه بها !
اهملته صغيرا , احبطته شابا , استمتعت بإنفلاته لطريق الخطأ كأنها تتباهى بساحريته , و دمرت حياته كرجل , بل و سعت لتخريب بيته , و الان هو فقط من يهتم بها ..!
من أين لك بهذه القوه و الطيبه يا معتز !!
حقا من أين لك بها !!!
انخفض معتز طابعا قبله على جبينها و هو يسأل الطبيب بجواره باشفاق ظهر بوضوح فى نبرته التى شقت قلبها نصفين فما عاد يجوز لها سوى الاشفاق : و بعدين يا دكتور مفيش أى تحسن فى حالتها بالعكس انا بحس ان كل مره أسوء من اللى قبلها ؟!!
تنهد الطبيب و هو ينظر فى تقاريرها بين يديه و هتف بعمليه دون ادى شعور باحساس معتز : ذراعها فى تحسن , بدأت تحركه لوحدها و دا ساعدها تقدر تتحرك بالكرسى بنفسها من غير مساعده , بس انا عاوز حضرتك تفهم حالتها دى ميؤوس منها اصلا , و المريضه مش بتستجيب للعلاج لان الموضوع مش عضوى بس الموضوع نفسى كمان , التحسن البسيط ده كان ممكن يبقى اكبر و اكبر لو المريضه بتستجيب ...
احتدت عين معتز و هو يطالعه بضيق واضح فأكمل الطبيب بسخريه و استحقار : و بعدين هى هنا تعتبر بتقضى فتره عقوبتها اللى مش هتعيش علشان تكملها ..
اشتعلت نظرات معتز بغضبه و هو يعتقل ياقه قميصه صائحا بحده : انت اتجننت .. انت هنا تشوف شغلك و بس ..
ابعد الطبيب يده و هو يغلق التقارير ليغادر الغرفه بعدما رمقه بنظره ساخره فعاد معتز يجلس بجوار نجلاء ممسكا بيدها رامقا اياها بنظرات عطوف دون اى كلمه و هى مستمره فى ادعاء نومها الذى ادرك هو انها تهرب به منه , و صدقا حتى الحديث معها لم يجد له أول و لم يجد من الكلمات ما تناسب حديث معها ...
فظل على صمته فقط يربت على كفها حتى انتهى موعد الزياره فنهض مقبلا جبهتها مره اخرى و خرج من المشفى ...
صعد لسيارته التى انتظرته هبه بداخلها و معها حمزه على قدميها و بمجرد ان جلس بجوارها استند برأسه على المقود امامه زافرا بقوه فربتت على كتفه مؤازره فهو هكذا كل مره , كلما اتى الى هنا يخرج محملا بحزن كبير ...
نظرت امامها عاجزه عن التحدث ككل مره تماما و لكنه هو هذه المره تحدث بخفوت : مش بترضى تقابلنى , حتى دلوقت يا هبه بتهرب منى و بترفض تقابلنى , نفسى انساها او اتجاهلها زى الكل بس مش قادر ...!!
ثم رفع رأسه مشيرا بيده على قلبه هامسا بيأس من نفسه و الذى اوصله لحاله مهلكه من الحزن بسببها : بس لسه لها مكان فى قلبى , مش عارف انسى او اتجاهل لانى لسه بحبها , لسه بتمنى فى يوم بس أحس انها راغبه بوجودى جنبها و انا مش هسيبها ابدا , رغم كل حاجه و كل اللى هى عملته مش عارف اكرهها يا هبه , مش عارف ...
زفر بقوه ضاربا رأسه بمسند المقعد خلفه فنظرت اليه بفخر خالطه حزنها عليه , و لكنها لن تسمح بحزنه اكثر , فرفعت حمزه قليلا لتضعه بحضنه قائله بابتسامه : كلم بابا يا حمزه علشان ماما مبقتش عارفه تقول ايه ؟؟
اعتدل معتز حاملا اياه رافعا اياه امام وجهه مبتسما اجباريا مع ابتسامه الصغير الرائعه و التى دغدغت مشاعر ابوته و هو يقول بينما شفتيه تطبع قبلات على ملامح الصغير : حبيب بابا .... ثم رفع يده امام يد الصغير قائلا بمرح : احنا رجاله زى بعض ... ملناش دعوه بيها !!
قالها مشيرا على هبه فابتسم الصغير و هو يضرب يد معتز بيده الصغيره فى علامه للموافقه فشهقت هبه مستنكره و هى تستدير لهم و هتفت بعتاب : بقى كده يا حمزه تزعل ماما !!
اصطنعت وجه طفولى حزين فتعالت ضحكات معتز و هو يرى الصغير يتحرك عن ساقيه ليقترب منها مهمهما بلهجته الغريبه التى لا يفهم معظمها و طبع قبله على وجنتها مرددا اسمها بتقطع .. فضحكت هى بالمقابل و هى تضم وجهه بيدها لتُعيد قبلته اثنتان و ثلاث فارتفعت ضحكات الصغير مع ضحكات معتز و هبه ...
و لكن صرخات من حولهم جعلتهم يلتفتوا بحده للخارج لتشهق هبه و هى ترى جسد امرأه مسجى على الارض غارقا بدماؤه و لكنها تجمدت تماما عندما ميزت جسد المرأه او بالاحرى وجهها - و التى لم تكن سوى نجلاء - اعطاها معتز حمزه بسرعه و هو يترجل من السياره ركضا ليقترب من نجلاء لتتسع عينه بصدمه محدقا بها ثم نظر للاعلى ليجد نافذه غرفتها مفتوحه على اخرها بينما الممرضات تقف تنظر منه بفزع ...
فعاد ببصره الى والدته ليسقط على ركبتيه امامها و هو يبعد خصلاتها المشبعه بالدماء عن وجهها التى لم يعد يبدو به ملامح بل تلون بالاحمر تماما , حركها بهدوء و لكن لا استجابه .. مره اخرى و لكن لا استجابه ..
اقترب منه عده اطباء و الكثير من الناس الذى لا يعرفون سوى التجمهر ليحاولوا مساعدتها بينما هو يهتف بها , يتفقد انفاسها التى انقطعت اخيرا : ليه .. ليه عملتِ كده ؟؟ ليه مصممه تخسرى ... ليه تخسرى أخرتك !!! ليه ؟؟
حملها الاطباء لتكن تلك النهايه , نهايه ارادت هى ان تضعها بيدها ..
و ربما هذا الشئ الوحيد الذى نجحت به !
ارادت الموت فماتت !!
ارادت الراحه و لكن بئس اعتقادها فلا راحه بعد الان ..!
بل حياه جديده ... حياه جديده كانت لتكون افضل بتوبتها !
كانت لتكون اجمل بتقربها لله تعالى !
كانت لتكون و لكن لم تعد !!
فلقد اختارت حياتها الجديده بأسوء ما يكون !
عاشت حياتها الزائله خطأ ,
و ستواجه حياتها الابديه بأكثر خطئا !!
فبئست البدايه ... و بئست النهايه !!
*****************************
** بعد مرور 25 عاما **
**************
وعدتكِ ألا أحبك ..
ثم أمام القرار الكبير ، جَبُنت !
وعدتكِ ألا اعود ..
و عُدت !
و ألا أموت اشتياقا ...
و مُت !
و عدتكِ ألا أقول بعينيك شعرا ..
و قُلت !
و عدتك ألا اكون ضعيفا ..
وكُنت !
فلا تأخدينى على مَحمَلِ الجَدّ !
مهما غضبت ... مهما انفعلت ..
مهما اشتعلت ... مهما انطفأت ..
لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصِدق !
و الحمد لله انى كَذبت !!!!
ابتسمت حنين بسعاده حقيقيه و هى تستمع لكلمات قصيده نزار قبانى بصوت كاظم الساهر داخل غرفتها عندما طُرق الباب .. فأذنت للطارق بالدخول فدلف ابنها البكر - فارس - و خلفه ابنتها الصغيره - عائشه - فاتسعت ابتسامتها و هى تستقبل كلاهما ..
فلقد عاد فارس للتو من جامعته و كعادته دائما يتجه اليها بمجرد عودته , قبل جبينها ثم يدها ليجلس على ركبتيه امامها كالمعتاد بينما قبلت عائشه وجنتيها و جلست على حرف المقعد بجوارها متمتمه بمرح : ايوه يا عم بقى , كاظم و شعر و رومانسيه واضح كده ان الحاج مازن كان رومانسى اصيل ..
شعرت بضربه خفيفه على رأسها من الخلف فعضت على شفتيها مغمغمه كأنما مُسكت متلبسه بسرقه ما : اتقفشت .. , ثم نهضت بسرعه لتستدير لمازن متعلقه بعنقه مقبله اياه ضاحكه و هى تهتف بمرح تشربته منه : حبيبى يا بابا , كنا جايبين فى سيرتك بكل خير !!
ضحك مازن جالسا على المقعد المقابل و هو مازال يحتضن اياها لتجلس بجواره متمتما بصوته الحانى : انتِ هتقوليلى ..!
ضحك الجميع فجلس فارس ارضا مصفقا بيده لينتبه الجميع له قائلا بجديه : انا دلوقت قدمت للهانم دى فى كليه خدمه اجتماعيه و علم نفس زى ما طلبت .. , ثم اردف بسخريه عجيبه من اختيارها لهذه الكليه : مش عارف مين العاقله اللى تجيب مجموع طب و تختار خدمه اجتماعيه ..
اعتدلت جالسه لتتحدث بطبعها المنطقى البحت : أنا واحده مبحبش اى نوع من انواع المواد الطبيه , بعشق علم النفس , الواقع , المجتمع , تحليلاته بعقده و مشاكله , اختار حاجه مبحبهاش ليه ؟؟ ثم ان.....
قاطعها هاتفا بصراخ بينما يتابعهم حنين و مازن بسعاده على تفهم الكبير و عقل الصغيره : بس بس انتِ هتشرحيلى محاضره , المهم انا كده عملت اللى عليا !!
ربت مازن على كتفه هاتفا بفخر جمع مرحه المعتاد و الذى رغم ما مر من العمر لم يتغير : انت شايف انك كده عملت اللى عليك ؟؟ دا انت لسه بتقول يا هادى !!
تنهد بتأفأف مصطنع و هو يرمق عائشه بنظرات اخويه حانيه جمعت معها نظرات ساخطه على طلباتها التى لا تنتهى وعجبا هو لا يمل ..!
فرمقتهم حنين بفرحه أم حقيقيه و هى ترى اولادها بهذا الترابط فتدعو الله يوميا حتى لا يحرمها من رؤيتهم بسعاده هكذا امامهم ,
نهض فارس قائلا و هو يتحرك لخارج الغرفه : انا متفق مع فهد هشوفه كمان ساعه كده فى النادى هنلعب تنس , هتيجى معايا يا أوشه عهد هتبقى موجوده ..
اشاحت عائشه بيدها قائله بغضب مصطنع : لا مش هاجى انا هبقى اتفق مع عهد و أشوفها لكن اشوف فهد استحاله ..
ضحك مازن و حنين فتمتمت حنين و هى تدرك الاجابه جيدا : ليه يا أوشه بس دا فهد بيخاف عليكِ زى فارس بالظبط ..
بدأت تتحدث بطبيعتها الفيلسوفيه العمليه البحته : بيستفزنى بصمته الرهيب دا يا ماما , اقولك حاجه فهد دا اما انسان معقد و اما بيحب التعقيد , هو عامه نسخه مصغره من خالو عاصم .. سبحان الله ... اصلا كل ما بتكلم مع دكتوره جنه بحس انها مظلومه بينهم و الله ..
تصاعدت ضحكات الجميع .. ففهد هو الابن البكر لعاصم و جنه ..
عاصم حصرى صغير بل يكاد يكون اسوء !!
فعاصم كان يميزه غضبه و لكن فهد يميزه صمته ..!
لا يتحدث سوى قليلا و دائما ما تكون كلماته من الصميم لتصيب الصميم بقسوه !!
و رغم شدته يخاف خوفا جما على عهد - شقيقته الصغرى التى تصغره بثلاثه اعوام - بالاضافه لغيرته و التى تمنحه حميه رجوليه خاصه به ...
و عهد تعشق خوفه , غيرته و حرصه الشديد عليها فهو من اعتنى بها صغيره رغم صغر سنه وقتها و لكنه كان يتابعها باستمرار و استمر ذلك بمرور العمر حتى اصبحت مسئوليته كامله !!
قرص فارس وجنتها ضاحكا قائلا بمرح فهو يعرف ان عائشه تحب الحديث , تعشق الثرثره بشكل سئ و لكن ثرثرتها ليست عديمه الفائده و لكن رغم سنها الصغير فرأيها يعتمد عليه بل و بثقه : اساسا فهد اول ما بيشوفك او يعرف انك هتبدأى كلام بيهرب من المكان علشان عارفين انك مش هتسكتِ ..
شهقت مستنكره لتصرخ به بغيظ واضح : كده يا فارس ؟؟ ... ثم انقضت عليه مقتنصه يده لتعضها بقوه ليصرخ بتوجع ضاحك و هو يبتعد عنها لتستمر ضحكاتهم ...
بينما استغل مازن انشغالهم ليُمسك بيد حنين مقبلا اياها , بينما هى تطالعه بنظره عاشقه لم تعد تفارق عينها .
********************
_ صباح الخير يا فيروزه ..
هتف بها اكرم و هو يدلف لغرفه ابنته جالسا بجوارها ليداعب خصلاتها البندقيه الاقرب للون خصلاته , فتململت بدلال لتفتح عينها التى ورثت بحر الفيروز عن والدتها لتصبح اكثر جمالا و ملامحها تجمع الاصول الشرقيه بالجمال الاوروبى لتمنحه فتاه كقطعه فنيه غاليه ...
نهضت جالسه لتقبله بحنان : صباح الورد يا بابا ..
قبل جبينها و هو يساعدها لتنهض و هى تمط يديها ليقول بابتسامه خفيفه و هو لا يصدق انه خلال عده ايام ستتخرج صغيرته من كليتها لتبدأ مشوار حياتها : كل ده نوم ... يالا هتتأخرى على جامعتك كده ,
اومأت برأسها باتزان ورثته عنه متحدثه بعقلانيه تجعله فخور بها : متقلقش عليا يا حبيبى انا منظمه كل حاجه .! ماما فين ؟؟
اشار للمطبخ غامزا اياها بضحكه واسعه تدرك هى مغزاها الحقيقى : بتحضر الفطار ,.. و بفهمها لمغزى نظرته قالت بضحكه عاليه و هى تتأبط ذراعه ليتحركا للخارج : على فكره انت كده بتظلمها ماما بقت بتعرف تطبخ كويس جدا ..
وصل لانفها رائحه شيئا يحترق منبعثه من المطبخ فنظر كلاهما للاخر ثم نظرا للمطبخ فانفجر اكرم ضحكا بينما تمتمت فيروز بضحكه عاليه تتراجع عن ثقتها : يعنى تقريبا ..
خرجت مها من المطبخ و على وجهها علامات الضيق و بيدها طبق به شئيا ما و لكن للونه الاسود و رائحته المحترقه لم يستطع اكرم او فيروز تمييزه فحاول كتم ضحكته و هو يبتعد عن فيروز ضاما اياها لصدره ممسكا بالطبق من يدها مانحا اياه لفيروز : و لا يهمك يا حبيبه قلبى فيروز هتحضر الفطار و انا و انتِ هنقول كلمتين على جنب ..
اومأت فيروز مبتسمه و هو يغمزها فأدركت انه يرغب بابعاد مها عن المطبخ فقط , فكفى كوارث التى يبدو انها لن تنتهى .. جلسا سويا و مازالت تستند برأسها على كفته حتى تمالك نفسه قائلا بجديه : دلوقتى فيروز هتتخرج , و انا كده مبقتش هرفض اى عرسان , البنت كبرت و دلوقت اقدر و انا مطمن اسيبها تعتمد على نفسها و تأسس حياتها ..
اومأت مها برأسها موافقه و حركت شفتيها بحديثها الصامت " انت عارف انى كنت معترضه على انها تفضل لحد ما تخلص دراستها بس فعلا كده افضل , البيت هيبقى وحش من غيرها قوى "
ضمها اليه اكثر و هو يجاهد كى لا يظهر حزنه من هذا الامر و هو اكثر من سيتأثر برحيلها , و خاصه انها ابنتهما الوحيده فمها لم تستطع انجاب سواها لظروف صحيه منعتها من ذلك ..
و تقبل كلاهما الامر راضيين و لكن ان تكون ابنه و تتركهم بنهايه المطاف هذا من اصعب ما يكون عليهما و لكن ماذا نقول سنه الحياه ....
عادت فيروز و تناولا فطورهم سويا ثم خرجت هى لتلحق بجامعتها لتستلم عده اوراق مهمه لاجل مستقبلها المهنى بينها استعد اكرم ليذهب للشركه مصطحبا مها معه و التى اصبح عملها داخل غرفته , تعمل معه و بجواره , و خبرتها العمليه الرائعه لا يُستهان بها مهما تقدم بهما العمر ..
عمر ؟!!
أى عمر هذا الذى يمحى ما يعد عمرا !!
فبحر الفيروز مازال مسكنه الاول و الاخير ,
و صاحبه بحر الفيروز مازالت فرحه عمره , و حلمه الذى لم ينسى ابدا انه سعى اليه سنوات !!
و ما اجمل من العشق .... الحفاظ عليه !!
و ما اقوى من الود .... الحياه به !!
و ما اقوى من حبهما .... حياتهما و عشرتهما معا !!
**************************
عاد امجد من المشفى لتستقبله سلمى كعادتهما منذ بدايه حياتهما لتأخذ حقيبته و همت بالدخول للمطبخ و لكنه امسك يدها و هو يجلسها بجواره متسائلا : الولاد فين ؟؟؟
اشارت لغرفه ابنتها الكبيره مجيبه بتعجب : نيره فى اوضتها لسه راجعه من الكورس بتاعها , و إياد نزل يلعب كوره مع صحابه , و فرحه فى اوضتها مع صاحبتها ..
اومأ برأسه معتدلا ناظرا اليها بتفحص هاتفا بجديه : فى عريس متقدم لنيره !!
زفرت سلمى بقوه فأبنتهما الجميله رأسها أصلب من رأس والدتها , و اكثر تمردا منها بل و اسوء عنادا بكثير , وصل عمرها 24 عاما و مازالت ترفض الزواج دون حتى رؤيه المتقدمين لطلبها ...
نظرت اليه سلمى مغمغمه بقله حيله : انا غلبت معاها .. هى رافضه تماما .
تصاعد غضبه الذى كلما تقدم به العمر يزداد خلافا لطبعه الهادئ سابقا ليصيح بضيق واضح : ليه !!! بترفض ليه ؟؟؟ حجتها قبل كده الدراسه , و دلوقت الكورسات و الدبلومات اللى بتعملها .. طيب و بعدين !!!
قطع حديثهم خروج ابنتهم الصغيره فرحه - ذات احد عشر عاما - من غرفتها مع صديقتهاا التى ودعتها و غادرت ..
فاتجهت فرحه لوالدها واقفه امامه و هى تضع يدها فى خصرها هاتفه بتزمر : اسمعنى بقى يا بابا انا كبرت و بقيت مسئوله عن نفسى .. و هعمل اللى انا عاوزاه اتفقنا !
تبادل سلمى و امجد النظرات المتعجبه بصدمه لتهتف سلمى بتساؤل و هى تجذبها من ذراعها ببعض العنف : ايه يا بنت اللى بتقوليه ده ؟؟
فتحولت نظراتها لاخرى طفوليه حزينه و هى تصرح عن سبب كلماتها التى لقتنها صديقتها اياها للتو : يا ماما , بابا مش بيوافق اطلع رحلات مع صحباتى البنات و انا عاوزه اطلع .. فا ندى صاحبتى قالتلى اقوله كده و هو هيوافق ..
قالتها و هى تنظر لامجد ببراءه جعلته يكتم ضحكته بصعوبه و هو ينظر اليها باستغراب فحتى طفلته الصغيره كبرت و بدأ عرق تمردها يظهر , و عندما طال صمته عقدت حاجبيها بغيظ ثم رفعت يدها تضعها عليهم لتتأكد انهما انعقادا و تمتمت و هى تشير بسبابتها بتحذير واهن : انت مش هترفض يا بابا ..
ثم ركضت من امامهما على غرفتها متجاهله نداءات سلمى المتكرره بإسمها و قبل ان يبدى أى منهما رد فعل , خرجت نيره من غرفتها لتلقى التحيه على والدها الذى دعاها لتجلس بجواره ليتحدث معها فى موضوع هام و التى بخبرتها السابقه بأحاديثه تدرك مغزاه .. و لكنها جلست منصاعه متمتمه بحذر : خير يا بابا اتفضل !!
اعتدل ناظرا اليها بحنان ابوى و هو يحاول التمسك بهدوءه الذى ينتهى دائما بصراخه غضبا من تيبس رأسها و تمسكها برأيها : فى عريس يا نيره , و المرادى مش عاوز اعذار هتشوفيه يعنى هتشوفيه ....
عقدت ساعديها امام صدرها و صمتت قليلا ثم تسائلت بجديه تجاريه : انت ليه عاوزنى اتجوز يا بابا ! ليه مستعجل على الموضوع كده !!!
امسك يدها و هو يشعر بتفاؤل اليوم فها هى تتناقش دون رفض قاطع فتحدث بهدوء بينما سلمى تتابع الحديث و هى تجاهد لتخفى ضحكتها فنيره تتبع طريقها هى القديم فى اقناع والدها برأيها : علشان اطمن عليكِ لان انا مش ضامن عمرى , و عاوز احس انى سلمتك لانسان هيقدر ياخد باله منك ..
صمتت حتى انتهى من حديثه ثم استدرات لسملى قائله بابتسامه هادئه لتجعل عقل والدها يجن : انتِ اتجوزتِ امتى يا ماما ؟؟
حمحمت سلمى و هى تنظر ارضا متمسكه بهدوءها و لكن ابتسامتها هددت بالظهور و هى تجيبها بخفوت : و انا عندى 25 سنه ..
هم والدها بالتحدث و لكنه قاطعته باحترام قائله بهدوءها المستفز : ثانيه واحده يا بابا معلش .., ثم استدارت لسلمى مجددا و تمتمت بتساؤل اخر : و خالتو مها اتجوزت امتى ؟!
اغلق امجد عينه بضيق فربما تسير بطريق سار به مَن قبلها و لكنه يقلق عليها .. من حقه كأب ان يطمئن عليها .. فكز على اسنانه و سلمى تجيب و بنبرتها ضحكه مكتومه : تقريبا على 27 سنه ..
نظر امجد اليهما ثم صاح بضيق بادٍ بوضوح على وجهه : و ليه مسألتيش على خالتك حنين او مرأه خالك ..؟ , ليه مبصتيش على صحباتك البنات اللى فى منهم اللى معاها ولاد دلوقت ؟!! و ليه !! و ليه ؟؟؟
فأجابته بهدوء ايضا فهى تشعر ان موقفها صحيح و لا حاجه لتضطرب او حتى تُبدى رأيها بغضب : و حضرتك ليه مبصتش على ماما و خالتو مها , هما الاتنين ناجحين و رغم كده اتجوزوا متأخر .... ,
ثم امسكت يده محاوله اقناعه برأيها الذى يبدو انها لن تغيره : يا بابا يا حبيبى انا عاوزه ابنى نفسى و مستقبلى الاول و بعدين اختار الراجل اللى يستحق ده , كل اما كنت واعيه و مدركه لنفسى و قوتى و حياتى هقدر ابنى بيت و اكون اسره افضل و انجح .. حاول حضرتك تفهمنى !!
ثم اضافت بتفكيرها التى متيقنه تمام اليقين من صحته : ثم ايه اللى أكد لحضرتك انى لما اتجوز , حضرتك حتطمن , مش يمكن يبقى راجل مش كويس , او يعاملنى بأسلوب صعب او يمكن حتى يوصل الموضوع لانى اطلق , كده حضرتك هتبقى اطمنت عليا ! اطمئنانك عليا يا بابا فى انى اكتسب قوه تخلينى اقدر اواجه اى حاجه تقابلنى بعد كده !!
و قبل ان يجيبها دلف اياد من باب المنزل بملابسه الملطخه و شعره المشعث و الكره بيده هاتفا بصوت عالى : السلام عليكم يا بشر ..
نهض امجد غاضبا و زاده مظهر ابنه غضبا صارخا به : ايه المنظر ده ؟؟ دا منظر راجل محترم السنه الجايه هيبقى طالب جامعى ؟؟
وضع اياد الكره فى مكانها الجانبى بجوار الباب و تقدم من والده واقفا امامه قائلا بتعجب : و ايه المشكله يا بابا انا كنت بلعب كوره طبيعى هدومى تتبهدل ..؟
فرفع امجد يده للسماء هادرا بقوه و هو يشعر ان التمرد اصبح رمزا لعائلته و رغما عنه اتسعت ابتسامته و صوته جعل الجميع من حوله يضحك : يــــــــارب ... انا طلبت بنت متمرده زى والدتها لكن ثلاثه بوالدتهم كتير عليا ... و الله العظيم كتير ...!
خرجت فرحه من الغرفه على صوته صارخه بالمقابل : بردو هروح الرحله يا بابا ...
***********************
_ ايه اللى انتِ لابساه ده ؟!!!
هتف بها فهد و هو يطالع عهد من اعلى لاسفل متفحصا ملابسها التى لم تكن بسيئه بل كانت تمنحها جمالا فائقا بعينيها السوداء الواسعه مع ملامحها الصغيره و صوتها الرقيق وهو كرجل يفهم جيدا ماذا يعنى جمال المرأه ؟؟
تصغره عهد بثلاثه اعوام و يحرص هو كل الحرص على حمايتها .. نظرت لملابسها و التى كانت عباره عن بنطال باللون الابيض لا يرسم قدمها من شده اتساعه يعلوه قميص بناتى من الشيفون الثقيل باللون الاحمر الهادئ مع حجابها الطويل باللون الابيض و الذى منحها اشراقه ساحره مع بشرتها البيضاء كوالدتها ثم رفعت اليه عينها لتسأله بابتسامه : ماله اللى انا لابساه يا فهد ..! طويل و واسع و بحجابى !!
احتدت عيناه و التى ورثها عن والده بأسهمها الغاضبه دائما ليحاصرها بها و كانت نظرته كفيله باخبارها بغيرته التى لا يستطيع التعبير عنها حتى بالحديث فقط يعبر بغضبه الصامت ..
فتأبطت ذراعه و هى تتحرك باتجاه باب السياره ليتوجها للنادى و همست بضحكه واسعه : متخافش يا فهد انا مش هوافق على العرسان , انا هفضل جنبك عالطول ..
رمقها بنظره مشتعله فهو لن يوافق على زواجها حتى ان وافقت هى , اخته ستظل معه تحت حمايته و رعايته دائما ...!
بعد قرابه نصف ساعه استقبلهم فارس و حمزه فى النادى فألقت عهد السلام ثم تحركت باتجاه عائشه التى جلست على طاوله خلفهم ..
وقف الشباب يتحدثون قليلا حتى رن هاتف حمزه فاستأذن متجها لجانب بعيد قليلا ليفتح الخط هاتفا بمرح : صباح الفل يا فله بيتنا ..
ابتسمت هبه رغم قلقها و هى تسمع صوته و هتفت بغضب تبدد بمجرد الاطمئنان عليه : انت فين يا حمزه قلقتنى عليك ؟؟ ينفع تنزل بدرى كده من غير ما تعرفنى ؟!!
هدأها قائلا بنبرته الرجوليه القويه : اهدى يا ست الكل , انا نزلت النادى و محبتش اقلقك انتِ و الحاج معتز ... و متقلقيش ساعتين كده و هجيلك علشان نفطر سوا !!
عنفته بحنان امومتها هاتفه بحده : و ينفع تنزل من غير اكل كده ؟؟
اخذ نفسا عميقا و ابتسامته تتسع فوالدته العزيزه لا تتجاوز موضوع الطعام و الاهتمام و الرعايه الذى لا يعرف كيف يعيش بدونها يوما : حبيبتى قصرت حقك عليا , هشوف الشباب بس كده و بعدين هاجى آكل أكل البيت كله , اما دلوقت هلعب شويه و اعاكس بنات شويه !!
صرخت به بغضب فضحك بشده فحمزه اكتسب طبع والده المتلاعب و لكنه ألجمه بطبع والدته الهادئ و هذا ما طمئن هبه عليه , تحدثا قليلا ببعض كلمات مع عده ضحكات ثم اغلق معها الخط متجها لفارس و فهد و اتجه ثلاثتهم بعدها للتمارين بينما اندمجت الفتاتين معا فى الحديث .
**************************
فى ذلك الوقت كانت جنه بالمشفى ... نهضت واقفه و هى تستعد لدخولها لغرفه العمليات و قلبها ينبض بقلق و خوف و الماضى امامها يتجسد بوضوح ..
فالحاله التى ستحضر عمليتها الان , امرأه حامل مريضه بالقلب , حُذرت من الحمل و لكنها لم تتخلى عن جنينها , و الان حياتها على حافه الهاويه , و زوجها يجلس امام غرفه العمليات دافنا وجهه بين كفيه يدعو لها ...
اخذت نفسا عميقا .... فالان هى امام اختبار حقيقى !!
اخبرتها والدتها فى رسائلها عن رغبتها فى ان تصبح جنه طبيبه , لكى تنقذ حياه كحياتها , و بتوفيق الله ثم خبرتها تمنح كلاهما فرصه للحياه !!
و الان اما تنجح و يتحقق الحلم .... و اما تفشل و يُولد جنه جديده و يتحول زوج المرأه لماجد اخر !!
تحركت باتجاه الغرفه لتغيب بداخلها بعض الوقت قبل ان يصدع صوت الطفله فى انحاء الغرفه ليقترب الزوج ناظرا من زجاج باب الغرفه , و بعينيه دموع الفرحه بطفلته و دموع القلق على زوجته ...
خرجت الممرضه بالطفله لتعطيه اياها فأخذها بلهفه ليصرخ متسائلا بخوف حقيقى : مامتها .. مامتها عامله ايه ؟؟
اجابته الممرضه على عجاله و هى تتحرك للداخل مجددا : مقدرش اقول حاجه عن حالتها .. ادعى لها ..
اُغلق الباب بينما هو يقف بالخارج يكاد يموت قلقا و هو يضم طفلته بقوه لصدره مرددا لها بالدعاء .. و بعد قليل من الوقت فُتح الباب مجددا لتخرج الممرضات و خلفهم جنه و طبيبه التوليد يتحدثون فيما بينهم فاقترب الزوج منهم و هو يضم الطفله بخوف و عيناه تنبض بالقلق متسائلا : مراتى يا دكتوره .. مراتى كويسه ؟؟؟
ابتسمت جنه و حملت عنه الطفله لتداعب ملامحها الصغيره بإصبعها و هى تشعر انها الان فقط تستحق تضحيه والدتها و والدها ,
تستحق ثقه عاصم وايمانه بنجاحها ,
تستحق افتخار اكرم بها ,
تستحق ان تكون ام لاطفالها ,
تستحق ان تكون هى ...!
اجابت الزوج طبيبه التوليد و هى تبتسم بسعاده : الحمد لله زوجتك بخير متقلقش , الفضل يرجع لربنا ثم دكتوره جنه , بس هنحتاج نسيبها تحت الملاحظه شويه و ان شاء الله فى اقرب وقت ترجعوا لبيتكم بالسلامه ..
لمعت عيناه بفرحته ثم نظر لجنه التى تلاعب الطفله بفرحه كأنه اول طفل تراه رغم انها ام لطفلين فتمتم بشكر شعرت به نابع عن قلبه حقا : انا مش عارف اشكرك ازاى ؟؟؟ انتِ متعرفيش عملتِ ايه ؟؟ بجد شكرا شكرا جدا ...
ابتسمت جنه و هى تجيبه بعمليه ورغم ذلك لم يختفى الفرح من صوتها : انا معملتش حاجه غير واجبى ..
فابتسم و هو يرمقها بنظره امتنان فابتسمت بالمقابل و سألته بفضول قائله بترقب : هتسموها ايه ؟؟
فكر قليلا ثم اخذ قراره ضاحكا مردفا بثقه اجابته : جنه !!
اتسعت عينها بدهشه سرعان ما تحولت لابتسامه واسعه و هى تقبل الطفله بفرحه عارمه متمتمه بخفوت : نورتِ الدنيا يا جنه ...
قطع تأملها بالطفله قدوم الممرضه لتقول بسرعه : تليفون يا دكتوره جنه !
اعطته جنه الطفله متمتمه مره اخرى قبل رحيلها : حمدلله على سلامتهم .. عن اذنك ..
وتحركت مسرعه باتجاه الهاتف ليصلها صوت عاصم فأجابته بلهفه : انا نجحت يا عاصم .. نجحت ...
ابتسم هو ايضا و هو يتخيل فرحتها دون ان يراها فهتف بسعاده لسعادتها فخرجت نبرته رغم قوتها حانيه : انتِ قدها يا دكتوره .. مبرووك !!
قفزت بسعاده و هى تقول بنبره ممتنه و تملؤها السعاده الحقيقيه : باباها سماها جنه .. سماها على اسمى يا عاصم .. انت ..!
قاطعها هو و هو يعقد حاجبيه غضبا ليصرخ بها بغيره واضحه : افندم !! و هو يسميها على اسمك ليه ؟؟؟ و بعدين هو عرف اسمك ازاى ؟؟؟
صمت لحظات ثم رفعت يدها تضرب جبينها بيأس لتُتمتم بصوت لم يصله : مفيش فائده !!!
***************************
قل لي يا صديقي من النساء !!
النساء !! ومن يفهم ؟!
قلوبا بالحب مفعمه وبالقسوه مشبعه ..
قلوبا تمنحنا اشعارا و اوقات اخري محطمه ..
قلوبا تُزهر بساتين و تُنشد عن الهوي اناشيد ..
و ان غضبت اودعت النيران بكل مشاعرنا المزهره ..
و يا ليت هناك من يفهم !!
و معهن كيف نحسب ؟!
بالضعف هي مُدعيه و داخلها القوه مندلعه ..
بالحب تُرسيك علي الشاطئ و بالكره بكل سرور مغرقه ..
تتمسك بك دائما لا قوه بل عشقا ..
و ان تخلت عنك يوما بقوه عشقها ستكون مودعه ..
يا صاحبي النساء ضعيفه و لكن سبحان من جعلها في القسوه مبدعه ..
تُحيل الحزن قوه و تمحي الحبيب قبل الغريب
و لدموعها تسمح احيانا و احيانا مانعه ..
فلا تحسب فلا يجوز معها حساب و لن تصل بالنهايه لنتيجه مقنعه !!
و ان كنا الرجال اقوياء عقولنا فالقلب يسعي دائما للضعف ..
و ان كن النساء ضعفاء عقولهم فالقلب يمنح دائما القوه ..
فالقوه و الضعف نسبي يا صديقي ..
و هي لكل النسب متملكه ...
اعتي الراجل يحنون رؤوسهم اذا دق القلب حقيقه ..
لانثي و امرأه و سيده زمانها لتأخذ وسام الحبيبه بهيبه ..
فازت بقلب المسكين و يا ليته يدرك ان الحب للرجال مصيبه ..
فإن امتلئ قلبها بعشقه كان اكثر الرجال سعاده ..
و ان رفضت او امتنعت عن احتواء قلبه امتلك بجحم العالم تعاسه ..
سيظل قويا بالخارج و داخله سيكون اكثر الرجال تشتتا ..
هن الالم ، هن الوجع ، هن الخيانه ..
هن الرزق ، هن العشق و بهن يا لجمال النهايه ..
هن القلب و هن العقل ..
وياليت يختار كلاهما خير البدايه ..
فعلي البدايه صدقني تكون النهايه ..
وبئس قلب يغرق في بحار العشق ...
ويختار قلب يرفض الغرق !
فلا تكن جاحد لقلبك ... واختار له من ترفعه عاليا ..
فإن لم تكن انت الامير فلن تكون لك اميره .
وحتي ان كنت حلما جميل ...
وحتي ان كنت
حلم سندريلا ...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top