فرحه الشقاء ؟!

لــوْ كنـتَ أنتَ مَـعي و النَّاسُ غائِبةٌ
عَـنّي لمَا ضَرّْني مَن غابَ أوْ هَجَرا
إنْ كنتَ حوْلي فَكلُّ النَّاسِ حاضِرةٌ
حوْلي وإنْ غِبتَ لمْ أشْعُرْ بمَن حَضَرا
الـعَـيْنُ بَـعْدَ حَـبيبِ القَلـبِ ما عَرفَـتْ
إلا الـدُّمــوعَ وإلا الـحُزْنَ والسَّـهَـرا
إنَّ السَّعـادةَ في ظِلِّ الحَبيبِ ، فإنْ
وَلّى، تَـوَلّــتْ فـلـمْ نَـلحَــظْ لـها أثَـرا

# سعيد_ يعقوب

******************

_ كنت هسامحك .. قولت هنسى و هعيش حياتى من اول و جديد و هسامح بس دلوقتى ... !

صمتت حياه بعد تلك الكلمات التى وجهتها لوالدها الذى كان يطالع الارض خجلا و جبينه يتصبب عرقا وعيناه تتطلع بنجلاء التى اصابتها حاله من هيستريا الضحك و هى تتحرك بجنون ارضا بعد تلك الصفعه التى ادمت شفتيها من يد عز و لكنها لم تبالى ...

رفع عبد الرحمن رأسه لابنته و التى رغم انتفاضه جسدها كانت عيناها تحمل اطنانا من القسوه والاشمئزاز لم يتوقع احد ان يسكنا عينا حياه خاصه فاردفت بنبره حاده : بس دلوقتى انا مش هسامحك , مش هسامحك طول حياتى , لا هسامحك و لا هسمح لك تسامح نفسك و هتفضل دائما عايش بذنب انك كنت السبب بتدمير حياتى ..
ثم صرخت و دموعها تنهمر بغزاره : حتى لو مت مش هسامحك ... سواء انت او ..

قطعت كلماتها مشيره باصبعها على شادى الواقف من اعلى لاسفل بازدراء ثم تمتمت باستحقار : او ده !!!

ثم بحركه مسرعه تحركت  لخارج المنزل فى اتجاه منزلهم بينما بالداخل يكاد مازن يجن ما بين ابيه الذى جاهد ليأخد انفاسه واضعا يده على قلبه بضغط عنيف و ألم لا يُحتمل فاجتمع الجميع حوله بفزع , و بين والدته التى انهارت بشكل سئ  حتى بدت على حافه الجنون و بين حنين قلبه التى تجمدت تماما و كأنها غابت عن الواقع مره اخرى ...

و وسط هذا و بعدما نظر عبد الرحمن لظهر ابنته المنصرف استدار لينظر لزوجته التى اخفت وجهها خجلا منه و اشفاقا على نفسها من رجلا مثله رغم علمها و مصارحتها سابقا بما فعل من نجلاء ذات ليله انتقام ايضا و لكن بتهديد بعدم اخبار احد و ضعيفه مثلها لا تجرؤ على التفوه بكلمه فاعتصر قلبه قبضه من نيران اكلت روحه بنهم ...

فرفع عينه لشقيقته المنهاره و التى ضمتها ليلى بشبه انهيار هى الاخرى فامتلئت عينه بدموع ندمه و حسرته على ما زرعه سابقا ليحصده كاملا الان و ما اسوءه من حصاد ..

مر بعينه على والده الذى استكان فى جانب بعيد و هو يحرك شفتيه بكلمات مبهمه بدت له كدعوات اقتنصت روحه حتى كادت تزهق انفاسه ... ليستقر بعينيه على محمد الذى طُلبت الاسعاف له فشعر نيرانه تأجج بغضب شمل روحه و خاصه عندما رأى ملامح معتز التى اصابها جمود قاسى ليفكر لحظات ... هل من الممكن ان يكون معتز ولده من صلبه ؟! هل من الممكن ان يكون نتيجه خطأ عابر فعله هو بنفس راضيه لينكره بعدها بنفس واهمه بالراحه ؟!

اغلق عينه و ضميره يغصه اكثر ثم فتحهما ليعود ببصره لتلك الملقاه على الارض تنظر للجميع بتشفى واضح و نظرات هيستيريه مع ضحكاتها العاليه و التى لم يلتفت اليها احد و الجميع منشغل فى صدمته او التجمع حول محمد خشيه ان يُصاب بمكروه ما ...

فتذكر على فور ما قرأه يوما فى لحظه عابره لم يعيريها انتباه
"  يَا بُنَيَّ مَنْ كَشَفَ حِجَابَ غَيْرِهِ انْكَشَفَتْ عَوْرَاتُ بَيْتِهِ ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ ، وَمَنِ احْتَفَرَ لِأَخِيهِ بِئْرًا سَقَطَ فِيهَا ، وَمَنْ دَاخَلَ السُّفَهَاءَ حُقِّرَ "

وعجبا هو فعل كل هذا !

اعتدى على حرمه بيت اخر فاعتدى اخر على حرمه بيته ,
حفر بئر لها – نجلاء – و اغرقها فيه و لكنه لم يدرك انه احدهم سيدفعه ليغرق ايضا بل ووجد يدها تجذبه للغرق اكثر ,
استهون بكبيره الكبائر و خاض فيها بعنفوان فخاض احدهم فى نفسه و شرفه ...!!

قطع افكاره المؤلمه صوت سياره الاسعاف تتوقف امام الباب لتستعيد نهال بعض تماسكها وهى تركض لزوجها و صوت بكائها سهم غادر اصاب قلبه فما حدث لشقيقتيه هو السبب به ..

ألم الصغيره و التى ماتت قبل ان تسامحه , و الكبيره تكاد تموت امامه و ايضا بالتأكيد لن تسامحه ... كل هذا بسببه !

تم نقل محمد للسياره و صعد مازن معه و عاصم بعدما صرف شادى و الاخرين معه و طلب من البواب ان يمنع خروج نجلاء وحتى ان اضطره الامر لتقييدها حتى يعود , بينما لحق بهم بعض افراد العائله ... بينما تمسكت ليلى بنهال ومنعتها فهى لن تكون عونا بقدر ما ستكون عله !

نهضت مها واقفه و دموعها تنهمر بصمت و هى تنظر لنجلاء بصدمه شلت عقلها عن الاستيعاب ثم نقلت بصرها لوالدها الذى اخفى عينيه عنها لتنظر ارضا و يدها تبحث عن يد اكرم – كأنها تبحث عن حمايتها الان و قوتها التى كانت فى امس الحاجه اليها – الذى شعر بدماؤه تجمدت فور لمستها و عجبا لم يكن يريدها فأبعد يده بسرعه استغربتها لتُصاب روحها بخوف و جزع كاد يفقدها حياتها جزعا عندما نظرت اليه و دموع الحسره و الخوف مما هو قادم تملئ عينيها لتحرك شفتيها بحديثها الصامت " انا عاوزه امشى "

و هنا طافت عيناه على وجهها ليداهم عقله سخريه عندما فكر قليلا بنسبها ...

زوجته ابنة قاتله ابيه .... يا لا سخريه القدر !!
شعر بيدها تمتد لتحتضن يده مجددا و كأنها تذكره بمن هى و هاجس تركها ببساطه لذنب غيرها يهاجمها بقوه ولكن هذه المره لن تتحمل , و لكنها عجبا تقدر شعوره , تقدر صمته و التشتت الذى كسا عينيه , تقدر ألم قلبه على ماضٍ ليس لكلاهما يد فيه , و لكن رغم انفها هى ابنه نجلاء !!!

فانسابت اصابعها على يده المضمومه بقوه لتفتحها ببطء لتزرع اصابعها الهزيله بين فضاء كفه بانتفاضه جسدها الذى جعله ليلتفت اليها و ظل لحظات ينظر لعينها ...

لحظات اطول من الدهر و اغلى من العمر , لحظات اخبرتها ان القادم سئ , و ان سئ الحظ دائما سئ الحظ , و ان من حُكم عليه بالعقاب سينفذه لا محاله حتى ان كان بريئا !

امسك يدها بضعف دون ان يمنحها قوته ليقويها , دون ان يضغط كفها ليطمأنها , دون ان يمنحها السكينه او يريح تفكيرها ...

فنظرت لوالدتها بخزى رغما عنها ف ازدادت دموعها و هى تستغفر الله بخفوت فتحرك بها اكرم للخارج دون اى حديث و خاصه بعدما ركضت جنه من امامهم لتصعد للاعلى دون انتظار ان يحدثها احد ..
و كم سولت نفسه له الان ان يأخذ جنه و يبعد بها عن هنا !!

عن حجيم ماضٍ ليته لم ينكشف ؟!
عن نفوس مليئه بالحقد حتى نست ماذا تعنى رحمه الله ؟!
عن ارواح ماتت رغم وجودها على قيد الحياه ؟!
ولكن ماذا يفعل و كيف ؟ لا يدرى !
خاصه مع وجود روحا معلقه بروحه , ابتسامه مشتقه منها ابتسامته , و بحر فيروزيتها التى يود الان لو يغرق به غرقا ليس بعده عوده , غرقا يمنحه الخلاص لاحمال كتفه الثقليه و التى اوشكت على احناء ظهره !
و لكنه الان لا يرى حتى خلاصا , و لا غرقا  , فقط غدرا .. و دماء لوثت الايدى قديما لتبقى اثارها حتى هذا اليوم لتمنع الابيض من النصوع و تمنع القلب من الخضوع !

و عند هذا لم يشعر بنفسه الا وهو ينطلق بسيارته بسرعه خياليه باتجاه منزله ....
                                   *******************

رفع معتز بصره اخيرا مستجيبا لنداءات هبه بصوتها المبحوح اثر بكائها و يدها التى كانت تمسد يده بسرعه لعلها تمحى تلك البروده التى اصابته لترى بعينه فضاء واسع من ألم مبرح اصاب قلبها فى مقتل و هى ترى نظراته تتحرك على وجهها بلا حياه تذكر فيهما ..

قبل ان ينظر لبطنها المنتفخ بصدمه و تشتت جعلها تشهق بخفوت و هى ترى عينه تقول أمور كثيره بشأن ابنهما .. امور من شانها ان تنهيها فضمت نفسها بقوه وهى تردد اسمه ...

ولكنه نهض متجاهلا اياها متحركا باتجاه نجلاء ليجلس على ركبتيه امامها فازدادت ضحكاتها و هى تنظر اليه فاحتضن وجهها يُزيل دموعها التى انهمرت لا تدرى منذ متى , ليهمس بصوت لا يُسمح الا لها : ليه ؟؟ ليه محبتنيش ؟؟

نظرت له لتطلق ضحكه صاخبه قبل ان تهتف برعونه و صفاقه : انا مبحبش حد ... بحب نفسى بس .. انا و بس ...

ثم زمت شفتيها لاسفل فى حركه دلت على مدة تيه عقلها و ضياعها المؤقت لتُشير بإصبع مرتجف لعبد الرحمن لتهتف بحزن لا تدعيه و لكنها ايضا لا تشعر به : و حبيته ... حبيت نفسى و حبيته .. بس

ابتعد معتز عنها لتعاود ضحكاتها تملئ المكان بينما يتابعها معتز بجمود ثم رفع عينه لحامد ليقترب منه ببطء و مد يده مصافحا ببرود : اتشرفت بمعرفتك يا استاذ حامد !

شعر حامد بقبضه تعتصر قلبه و هو يرى نظرات التيه و الشرود بعين معتز و التى احالها عنه لينظر لهبه التى تقدمت منه و بدون كلمه اخرى تحرك بها لخارج المنزل و اتجه بعدها لمنزلهم وصمت مطبق عم عليهم طوال الطريق ...
                                  *********************
   
انفض الجمع الا من كبار العائله بالاضافه لليلى التى جلست على كرسى مجاور و نهال التى منعتها ليلى من الذهاب للمشفى على وعد من مازن باخبارها بكل جديد ...

نهضت نهال واقفه و هى ترمق حنين التى انكمشت على نفسها بجانب المقعد تنظر لنقطه وهميه وكأن الامر عاد لنقطه الصفر مره اخرى ..

فعادت ببصرها لنجلاء مقتربه منها و اوقفتها و نجلاء تطالعها بتوجس مشوب بضحكها الغريب فنفضتها نهال بحركه غير متوقعه و هى تحركها بعنف لتنهار مجددا بصراخ قلب ام ذُبح ذبحا عن طفلها الذى ابعده القدر قسرا عن حضنها : ليه ؟؟؟ عمل فيكِ ايه ؟؟ ليه تحرمينى منه ؟؟ كنت ءأذيه , اوجعيه بس سيبيه فى حضنى , حرمتينى منه ليه ؟؟ ليه ؟؟ حرام عليكِ , حرمتينى منه ليه ؟؟

ظلت تصرخ بها مع رفع يدها لتنهال على وجهها و جسدها بضربات متتاليه بضعف و هى تصرخ باسم الله و روحها تكاد تفارق جسدها , و جاء العون من اخر مما توقع الجميع حيث نهضت حنين بهدوء مُميت تتحرك باتجاه نهال مكبله حركتها و هى تبدو فى حاله من الصمت القاسى و فقدان الاحساس بالواقع .... فنظرت اليها نهال بانهيار بينما ضحكات نجلاء تجابه صراخاتها فقبلت حنين رأسها و هى تضمها لصدرها و تحركت بها للخارج لتعود لمنزلهم ...

بينما رمقت ليلى ظهرهما المنصرف بأسى و هى تنظر لنجلاء باشمئزاز و قلبها يبكى دما على اخيها الذى ربما كانت ستراه مجددا لولا تدابير تلك المرأه التى فاق خبثها خبث الشياطين ..

و تحركت بعجز باتجاه غرفتها بينما بقى بالخارج كبار العائله بالاضافه لعبد الرحمن ..

نعم انفض الجمع ليعود كلا لحياته و لكن بنقص ما , و ربما باكتمال ما ! من يدرى ؟!

و وسط كل هذا فقد عبد الرحمن اعصابه التى انهارت تماما حتى نهض بغضب منقضا على نجلاء لتطبع اصابعه عده صفعات متتاليه يا وجهها مستمتعا بصرخاتها لتستقر يده على حجابها ليجذبها منه مندفعا بها باتجاه الحائط و بكل ما اوتى من قوه دفع رأسها بالحائط بغضب اعمى وهى تصرخ و تضحك و تبكى فى الوقت ذاته و كأنها تشعر بما فاق تحملها من الالم .... ولكنها ايضا لا تشعر بأى شئ !!!

نهض امين بعنف ليمنعه و لكنه تجمد مكانه عاجزا عن التصرف فماذا يقول او يفعل و هو نفسه يريد ان يفعل بها هذا و ما يزيد ايضا ... حتى جاءت الضربه القاصمه عندما دفع عبد الرحمن رأسها بأسوء ما يكون فصرخت صرخه ارتجف لها قلبه قبل الجميع بقلق فتركها مبتعدا بصدمه مما جنته يداه لتسقط هى على حرف الطاوله القريبه لتخسر من نفسها الكثير فى مقابل ما جنته لتكون تلك هى نقطه النهايه ......

                                       ******************

وضع اكرم المفتاح بباب المنزل و لم يتحدث بكلمه واحده فدلفت مها بينما فوجئ هو بقليل من جيرانه يستقبلونه بالتهانى و الكلمات الطيبه التى تدعو له بالسعاده و الذريه الصالحه ... و قابل هو كل هذا بابتسامه باهته مصطنعه و كان وقع التهانى عليه كوقع امرا جللا على رأس من نسى الامر ..

حتى ابتعدوا من حوله ليدلف للداخل فزفر بقوه و هو يتحرك باتجاه غرفته ليجدها مستلقيه على الفراش رافعه الغطاء حتى رأسها لا يظهر منها شيئا ...

فوقف بجوار الباب يطالعها قليلا وهو يشعر بضيق شديد و بالوقت ذاته يشكر لها صنيعها فهو لا يريد احد بجواره الان فرأسه ينفجر حيره و حسره ؟!

دلف للمرحاض ليبدل ملابسه بينما هى اخرجت رأسها من تحت الغطاء لتنظر للمرحاض بحزن شديد و عيناها تذرف الدموع بلا توقف ..

الى اين ستدور بها عجله الحياه ؟؟
الى متى ستظل تجابه ما فوق قدرات تحملها ؟؟
متى ستنهض النهوض الذى لا سقوط بعده ؟؟
ما ذنبها ؟؟؟؟ و لكن .................. ايضا ما ذنبه ؟؟

هو بكلمات بسيطه اخبرها عن مدى حبه لاهله , و الان هل سيمنعه ماضٍ عنها ؟؟
هل ستقف العقبه التى وضعتها والدتها بجداره فى طريقها بين قلبيهما ؟؟
هل سيخبو عشقها من عينيه و يختفى اسمها عن شفتيه و يُمحى اثرها من قلبه ؟؟
هل من شعرت به يقويها , هكذا يكون عندما يضعفها !
هل من منحها كل شئ ... قادر على سلبها كل شئ !

و اه ... فما اسوء المنح عندما يُتبع بالمنع , ما اسوء الجود عندما يُتبع بالبخل , ما اسوء غنى المشاعر عندما يُتبع بالفقر !
فإن كان حبه – هو – ضعيفا فأين و لمن تكون قوه الحب !!
لكن مع كل هذا لن تتخلى و لن تبعد و لن تضعف !
سيرفضها , يهجرها , يبتعد و ليكن ؟
هى لن تفعل !!

هى من ادركت معنى القوه بعد الخنوع , و ادركت معنى الحياه بعد العجز , و ادركت نفسها بعد التيه !!
لن تتخلى عما اختارته بإرادتها , لن تتخلى عمن يعنى لها كل هذا , من دق قلبها حقا اليه ... من عزف لحنه الخاص على اوتار حياتها و بدونه ......  بدونه لا حياه لها  !!!!!
ابدا لن تتخلى حتى ... حتى ان كان رغما عنه !!

قطع هدير افكارها خروجه من المرحاض بمنامته السوداء فأخفت رأسها بهدوء مجددا فلم ينتبه لها و لكنه اقترب منها مراقبا حركه صدرها الذى يعلو و يهبط من اسفل الفراش فأدرك انها تدعى و صدقا لم يكن يريد مواجهتها الان ...

فكيف يفعل و ماذا يقول ؟؟
فما عرفه اليوم ايقظ كل نيران حزنه دفعه واحده ,
فلا هو يدرك حقيقه شعوره الان .... و لا يستطيع التجاوز عنه ؟؟
هل هو فى قمه سعادته لتحقيق حلمه بفيروزته ام فى قاع جحيمه لمعرفته ان والده قُتل عمدا ؟؟
يقولون ماضى و انتهى فلننظر للان و لكن كيف ينسى انه والده و بالاخص عشق والدته !!
كيف ينسى بكاء والده على والدته و اللجوء لحضن ابنه ذا العشر سنوات !!
كيف ينسى الرجل الذى كانت يستمع لدعاء والدته باسمه ليعيش حياه مديده بعدها لينعم العالم بأنفاس رجلا لن يتكرر مرتين !!
كيف ينسى انه كان من الممكن ان يرى شيب والده و يحفظه كصور معه كما وصته والدته ؟؟
كيف يتجاهل كل هذا !!
اجل قدر الله و لكن موجع ....!
حقيقه كهذه تخفى كل ملامح حياته فى طيات وجع لم يعد يتحمله !!
تحمل الكثير و لكنه لم يعد يتحمل !!
اضناه الوجع و لا يجد حضن والدته ليطمأنه , قُصم ظهره و لا يجد كتف والده ليستند عليه , اماته الالم حقا و ليته يستطيع الصراخ !!
و لكن هل للرجال صرخات !!
هل للرجال ما يعبر عما يحنى ظهورهم و يُزهق انفاسهم !!

اطلق تنهيده مكتومه بأصابعه ثم استدر بعينه التى تشبعت بألمه القاسى لينظر لجسدها المخفى اسفل الغطاء الخفيف ليغلق عينه عاجزا عن الاقتراب منها ...

هل يستطيع اللجوء لحضنها !
هل يستطيع البكاء على كتفها كما كان  يفعل مع والدته !
هل يستطيع الاعتراف بعشقه المحمل بوجع قلبه !!
هل يستطيع لومها على نسبها ثم يقبلها ليصرخ بحبها !!

رفع يده ليلامس كتفها و لكنه فى هذه اللحظه تحديدا كان اضعف ما يكون فجذب يده بعنف معتصرا ملابسه بقوه و اظافره تكاد تنغرس فى لحم جسده ....

و ظل على هذا الوضع لا يدرى كم مر من الوقت حتى استدار بعنف مجفلا من انتفاضتها بقوه عن الفراش و هى تكاد تلتقط انفاسها و جبينها يتصبب عرقا مع التصاق خصلاتها الشقراء بجانب وجهها ..
فازدرد ريقه قلقا عليها و هو ينظر اليها ليجدها تدور بعينها فى الغرفه بلهفه حتى استقرت على وجهه فانطفئت اللهفه ليعود الامان يشغلها بدفء فتمتم بخفوت : انتِ كويسه ؟؟؟

اومأت برأسها بصمت و قبل ان يسألها عن شئ اخر اعطته ظهرها لتنام مجددا .. فاعتدل على الفراش مستندا بظهره على الوساده جوارها عاقدا ساعديه امام صدره ناظرا لظهرها و هو يقاوم رغبته فى ضمها لصدره ...
فبعد كل شئ و بغض الطرف عن اى شئ , هى فيروزته !!
حلمه الذى نام و استيقظ عليه ليالى و سنين , دعوته المستمره و التى كانت هى استجابتها ,
هى التى شاركته فى حديثه مع ربه , هى التى نقشت اسمها على صفحه قلبه فأصبح لا يُمحى , هى من سار فى دروب عشقها , على اشواك غيرته , لوعه بعدها رغم القرب , نيران الخساره رغم المكسب !!
هى صاحبه بحر الفيروز و كفى !!

اعتدل بقلق اكثر عندما تحركت جواره بحركات عنيفه لتحرك شفتيها بحديثها الصامت و الذى قرأه هو وساعده على ذلك اعتياده على هذا  : لا .. اسمعنى بس .. بالله عليك افضل جنبى ... لااااا
ثم انتفضت مجددا و انفاسها تكاد تختفى و عرق جبينها يزداد مع احمرار عينيها لتدور عينها فى الغرفه بلهفه اكبر قبل ان تستقر على وجهه مجددا ليعود الامان يملأها ..

فاستدار لها بكامل جسده ليرفع يده مزيلا خصلاتها عن وجهها مغمغما بتفحص مضطرب و هو يقاوم احساسه بقربها و الذى اجتاحه كنيران نهشت قلبه و عقله معا : اهدى اهدى دا كابوس ...

نظرت اليه لتلمع عينها بالدموع و لكنها دون كلمه اخرى اعطته ظهرها مجددا لتنام .. و بعد بعض الوقت من الجهاد حتى لا تنام مره اخرى غلبها تعبها و صداع رأسها و خوفها لتسقط فى النوم مجددا كأنها تهرب ...

بينما هو عقد حاجبيه متفحصا اياها بجزع مشوب بالتعجب من انتفاضتها المتتاليه فظل ينظر لظهرها و يطل عليها من عليائه ليرى جانب وجهها فابتسم بحنان غلب كل مخاوفه و حزنه ليجد ان مجرد شعوره بها قربه يعنى له الدنيا بما فيها ....

و لكنها لم تمنحه الفرصه للتفكير بأمر جيد او سئ عندما نهضت بفزع اكثر عنفا هذا المره و دموعها تغرق وجهها بغزاره و رأسها تتحرك يمينا و يسارا بالنفى  لتنظر اليه هو هذه المره بلهفه قلقه قبل ان تخفى وجهها بين يديها لينتفض جسدها ببكاءها فشعر بقلبه يهوى بين قدميه فإقترب منها دون تفكير محاوطا اياها بذراعيه ليضمها بقوه زادت مع قوه انتفاضه جسدها ليمسح بيده على شعرها مرددا ايات من القرءان الكريم لعلها تهدأ و لا يدرى كم مر من الوقت حتى هدأت متمالكه احساسها الخائف فأبعد وجهها عن صدره ليهمس امام عينيها و يديه تُزيل دموعها بسرعه و لمساته الدافئه تشمل روحها بمزيج من امان وخجل : اهدى حبيبتى محصلش حاجه !!

توقفت عيناها على شفتيه و هو يردد كلمه " حبيبتى " لتُحرك شفتيها كأنها تتذوقها بحديثها الصامت الذاهل " حبيبتى !! "

فاستقرت عينه على شفتيها هى الاخرى ليميز ترديدها للكلمه فابتسم و شفتاه تطوف على وجهها بعاطفته التى اخبرتها انها اكثر بكثير من حبيبته حتى ابتعد ناظرا لعينيها التى فاضت بدموعها ليغرق فيها ببساطه متمتما بهمس بترقب : ايه اللى قلق نومك كده ؟؟

عادت عينها تلمع بالخوف و هى تتذكر الكابوس الذى راودها ثلاث مرات و التى كانت به تستجدى اكرم ألا يرحل و لكنه غض الطرف عنها راحلا بدون تفكير بها و من مجرد كابوس كهذا شعرت بارتجافه جسدها ترفض , كل ما بها يرفض , كل خليه بها تتمسك به , لن تتخلى عنه ... ابدا لن تتخلى !!

تعلقت عينها بعينه مجددا ليمنحها نظره مطمئنه لتمنحه السكينه و تخبره عما يؤرق نومها ف حركت شفتيها تخبره فتعلقت عيناه بشفتيها منتظرا ما ستقول و الذى شعر به كسهم غادر نفذ لقلبه " ان انت كمان هتسبنى !! هتبعد عنى زى الكل ... هتعمل زي......

صمتت عنوه عندما قطع كلماتها بين شفتيه فيما يشبه القبله و لكنها لم تكن هكذا ابدا ..
كانت اشبه باعصار يعاقبها به , اشبه بفيضان اغرق كلاهما فى طريقه , غرقا لا نجاه منه ... غرقا يعنى الحياه بالنسبه لكليهما ! 

كانت قبلته الاولى كارثيه ...
فانتفض قلبها بين ضلوعها يأن ندما .. على سوء ظنها بتفريطه بها !!
فقبلته اخبرتها انها تسكنه , و ما اجمل ان تعيش معه حب يسكنها و تسكنه !
قبلته اعطتها ما فقدته من امان طوال عمرها , اعطتها قوتها بعد ضعف روحها و نفسها !
قبلته اخبرتها ان لا حياه له بدونها .. و بدونه لا حياه لها !
حياتهما قطعه " بازل " هى النصف و هو الاخر و بدون احداهما لن تكتمل ابدا مهما استبدلناها !!
قبلته التى اخبرتها بوضوح ان لا مجال للمقارنه بينه و بين غيره , و لا مجال للتفكير بأحد فى حضوره و لا فى غيابه حتى !
فهى يبدو انها بينها و بين نفسها ستردد اسمه التى اصطبغ العشق بحروفه , و تلون قلبها بألوانه !

و اكد هو تفكيرها عندما ابتعد عنها اخيرا ليستند بجبينه على جبينها محاولا التمسك بأنفاسه اللاهثه ليهمس من بين اسنانه بغضب : اياكِ .. تقارنى بينى  وبين حد تانى ... اياكِ تذكرى اسم حد تانى قدامى او حتى بينك و بين نفسك , مراتى انا , متفكرش غير فينا .. انا و هى و بس !!

ثم فتح عينيه لينظر لملامحها بنهم قبل ان تستقر عيناه على جفينها المطبقين ليتأوه بخفوت هامسا بانفعال : اتخلى عنك !! ازاى اقدر اتخلى عنك ؟!! انتِ كنتِ كنزى و هديتى بعد طول صبرى , كنتِ حلم و اتأخرت قوى على ما حققته , و دلوقتى بتقولى اتخلى عنك ... دا انا اتخلى عن روحى بس انتِ لأ .....!

اقترب منها يميل بشفتيه على عينيها المغلقتين مغمغما بتحكم عشقه : بحر الفيروز اتخلق علشانى و مش هسمح لحد تانى يسكنه ...

اختلج قلبها بين ضلوعها من تشخيصه لعينيها بهذا الوصف الذى تسمعه لاول مره , لترقص نبضاتها على الحان نبضاته و التى منحتها اعزوفه اتقنت قدماها بخطواتها الرقص عليها ..

فعاد يزفر بقوه و هو يتمتم من بين اسنانه متذكرا لوعته السابقه ببعدها عنه : انتِ عارفه انا كام مره اتعذبت بقربك قبل بعدك ؟؟

رفع يده يلامس وجنتها اليمنى ثم منحتها شفتاه باقى اللمسات بشغف عاشق و هو يردف بنفس النبره الهائمه : عارفه كام مره اتمنيت ألمسك , امسح دموعك , و اقولك مبقدرش على زعلك !!

ثم لامس وجنتها الاخرى بنفس الشغف الحارق و الذى جعلها تذوب اكثر و اكثر بين يديه ليخرج صوته بعدها مهزوزا و هو يقول بخفوت شديد : كام مره اتمنيت احضنك يمكن تسمعى دقات قلبى و على وجعى تحنى !!

فتحت عينها مع بحه صوته الذى اختفى تماما فى كلمته الاخيره لترى عيناه المغلقه و هو يعض على شفتيه لتشعر بإرتجافه جسده لتدرك انه كان يطمأنها لكنه يكتوى بنار ما عرفه للتو ..

الامر ليس بهين و لكنه لم يتحمل خوفها فداس وجعه بقدميه ليعبر بها لشط الامان !!
محى الألم من عينيها بتنازله عن فرحه ضحكته و جرف مشاعره اليها !!
بينما هو يتلوى بين نيران ماضيه .. و هواجس حاضره ..
يشتعل غضبا و يزيده عجزه عن اعاده الماضى و لو قليلا !!

لذا لم تشعر سوى به و بوجعه فقط , فأحتوته بين ذراعيها و هى تضمه لصدرها بقوه احساسها به لتتساقط دموعها تؤازره و لاول مره تشكر عجزها عن الكلام فلم يكن هناك ما سيسعفها الان !!

و لكن جادت يداها بفيض كلماتها على ظهره و خصلاته و هو كطفل عاد بعد غياب لحضن امه !!
ادركت بقلبها عظم شعور هذا اللحظه على اكرم تحديدا ,
ذلك الطفل الذى فقد امه قسرا استجابه للقدر , ليتغرب بعدها طواعيه ثم يفقد والده غدرا فيعيش طوال عمره وحيدا حتى الان  !!
هذا الحضن الذى منحه ما عجز الدهر ان يمنحه اياه طوال هذا الوقت , و الذى بداخله شكرها شكرا لن يوافيها حقها بما منحته اياه !

لم تتحدث و لكن انفاسها سطرت الف كلمه و كلمه فى قاموس قلبه !
لم تعده بشئ و لكن حضنها اعطاه الف وعد و وعد بألا تتخلى عنه و ألا تسمح له بالتخلى عنها !
لا يوجد اثبات لفظى على مشاعرها و لكن قبلاتها المحبه على شعره و جبينه منحته عهد موثق والف اثبات على عهد قلبيهما معا !
عهد لن ينتهى مهما صار و لن يضعف مهما مر عليهما ..
وان كان أُلقى بطريقهما عقبات فمعا يد بيد سيتخذانها درجات نحو السعاده .... نحو الافضل ... نحو عالم جديد يضم كلاهما .. هو و هى  فقط !

                                     ********************
بالرغم من انه لا يمكن ان نعود للوراء لنصنع بدايه جديده ، الا انه يمكن ان نبدأ من الان فى صناعه نهايه جديده .

" ماركوس اوريليوس "

تقدم معتز لداخل المنزل و هبه خلفه بينما لا ترى اى تعابير على وجهه الذى اصابه جمود كاد يُقف قلبها حتى جلس على الاريكه فى صاله المنزل الخارجيه ينظر ارضا دون كلمه واحده .. فاقتربت منه جالسه بجواره و وضعت يدها على كتفه فلم يبدى انه شعر بها حتى .. و تمتمت بأسى واضح : معتز علشان خاطرى , اتكلم , اصرخ , زعق , اعمل أى حاجه بس متفضلش ساكت كده !!

ابتسم ابتسامه جانبيه و اطبق عليهم الصمت لمده من الوقت مرت عليها اطول من سنوات حياتها حتى نظر اليها قليلا بنظرات جعلت قلبها يهوى بين قدميها ثم نهض و امسك بيدها حتى انهضها و تحرك بها باتجاه غرفه نومهم حتى اوقفها امام المرآه و نظر لانعكاس كليهما بها ثم نطق اخيرا بعد طول صمت بنبره ذبحتها ذبحا : فاكره لما سألتينى عن صورتنا اللى جمعتها المرآه دى يا هبه !!

نظرت لملامحه بصدمه و خوف حقيقى و هى تتذكر ما يحكى عنه و الكلمات لا تختفى من عقلها كأنماا اراد الزمن حفرها  ..

_  تعتقد هتفضل المرايه دائما جامعه صورتنا كده ... هتفضل محوطانا جواها كأنها بتقول مكانكم سوا و بس .. تعتقد المرايه مش هيجى يوم و تتكسر يا معتز ؟؟

وضعت يدها على شفتيها و هى تنظر لعينه التى تنظر لانعكاسهما بنظرات خاليه من الحياه .. لتتذكر رده وقتها ..

_  يوم ما المرآه هتتكسر انا هتكسر معاها يا هبه ... وانا يوم ما هتكسر مش هفضل فى حياتك ابدا ...

شهقت بعنف و هو يرفع يده ليضعها على حافه المرآه من الاعلى ليجذبها بقوه ارضا فسقطت مهشمه لقطع صغيره تناثرت حولهما , تناثر معها نبضات قلبها هلعا من فكره يأسه , ابتعاده .. او تخليه عنهما ...

فتساقطت دموعها و هى تستدير له مقتربه منه لتدفع كتفه باتجاهها لينظر لها بدلا من النظر لقطع الزجاج المهشمه و هى تحاوط وجهه بيديها و تندفع متحدثه بلهفه : معتز .. متفكرش فى حاجه ... كل حاجه هتبقى تمام .. كل حاجه كانت كذب مفيش اثبات ...

ازداد انهمار دموعها مع اضطراب انفاسها و امواج عينها تدعوه ليسكنها .. ليغرق بها .. لينجرف معها فى تيار حبهم دون التفكير بما هو فات او ما هو أتٍ و عادت تهتف بانفعال : علاقتنا بس حقيقه .. انا و انت و حمزه .. حبنا بس حقيقه .. علاقتك الجديده معايا و صفحتنا سوا مع ربنا بس حقيقه ...

ابتلعت ريقها بسرعه و هى تحرك رأسها نفيا لتردف بنبره سطر عشقها له حروفها فامتزجت لهفتها بخوفها .. ثقتها بيأسها .. و ما اقساه من مزيج : انت مش هتفكر فى حاجه .. هنرمى كل حاجه ورانا و نعيش لبكره و بس .. ماشى يا معتز .. مش هنفكر ..
 
قطعت كلماتها بشقهه عنيفه عندما همس بخفوت و بطئ شديد امام عينها مقاطعا اياها : انا ابن حرام ,  جيت على الدنيا بغلطه و عشت طول حياتى غلط , انا مليش نسب !! انا ابن حرام يا هبه !!

نبرته المهتزه قتلت روحها فاقتربت منه محتضنه اياه علها تمنحه بعضا من حنانها ليعوضه فراغ روحه الذى اهلكه و اضنى قلبه الذى يترنح كالذبيح بين جنبات صدره و همست باحتواء لا يقدر عليه سواها : انا مقدره و فاهمه اللى انت ...

و لكنه يبدو انه كان ابعد ما يكون عن استيعابه الان فأبعدها عنه بحده ليصيح مقاطعا اياها و هو يضحك بشده مع لمعان عينه بدموعها : لا انتِ مش فاهمه ... و مش عارفه انا حاسس بإيه ؟؟؟

اخفت ضحكته تدريجيا و هو يضرب صدره بقوه على موضع قلبه قائلا بشعور مجروح ذاهل : انا مُت , قتلونى بإيديهم , ابويا و امى قتلونى بدم بارد , و سكينه بارده ... ابويا ...

قطع كلامه بضحكه سخريه لاذعه ليهتف و هو يشيح بيده بعشوائيه فاندفعت دموعها تؤازره دون حول لها و لا قوه : ابويا ؟! مين ابويا ؟؟؟ مين اهلى ؟؟؟؟

نظر اليها ثم رفع يديه يحاوط كتفيها بكفيه يضغط عليهما بقوه و عيناه تستقر على امواج عينيها التى غامت بأمواجها المنهمره دون توقف بنظرات تشتت و ضياع خالص كأنه طفل صغير يستجدى وجود امه , و شعوره يشابه شعور اليتيم الذى تاه عن صاحبه فلا هو عاش بأهله و لا هنأ بتبنى .. فقط يقف فى العراء دون كسوه يتلقى ضربات الهواء و لسعات البرد المؤلمه دون توقف ... حتى انفرجت شفتاه يهمس بتوسل امام عينها عاجزا عن منح نفسه الرد الذى يتمناه و لكن يخشاه : انا مين يا هبه ؟؟؟ 

هربت الكلمات منها و لكن لم تفارق قلبها لتترجمها شفتاها بعشقها الخالص له : انت راجلى , سندى و ابو ابنى , انت حياتى ,  انت بكل تفاصيلك – بحزنى منك قبل فرحى , و بوجعى منك قبل سعادتى – نبض قلبى , انت سيد القلب يا معتز !!

اطلق آه طويله و هو يجلس على طرف الفراش ليواجه بطنها المنتفخ و يهتف بحده ولدها انفعاله و تفكيره الممزق : وعدتك مش هخذلك بس خذلتك , لانى مش عارف ايه نسبى علشان اعرف نسبك ... مش عارف مصيرى ايه ؟؟ علشان..

قاطعته هبه و جلست امامه لتنظر اليه و هى تحتضن وجهه بكفيها لتهمس بقوه شعورها به و صدق مشاعرها نحوه : مصيرك مصيرى ... دائما سوا .

لاحظت تحركه و خطواته التى لم تأبه بقطع الزجاج المتناثره فأسرعت للمطبخ و عادت تلملمها بعيدا عنه , حتى انتهت و التفتت اليه لتجده يطالعها بسخريه و تسائل " أتخشى عليه جرح الزجاج و كل ما به قد تمزق فعليا " نظر اليها قليلا قبل ان ينهض ليرفع " مرتبه الفراش " ليُخرج حقيبه كبيره من اسفلها ليضعها ارضا و يجلس على ركبتيه امامها فاتحا اياه لترى هبه عده العاب طفوليه , طائرات ورقيه ,  دفاتر مدرسيه و الكثير من الرسائل المطويه .. و صناديق زجاجيه صغيره فاق عددها العشرين ...

عقدت حاجبيها تطالع ما امامها بدهشه حتى ابتسم هو بانكسار و هو يرفع عينه لها و همس بخفوت : اقعدى !!

جلست امامه فى الجهه المقابله للحقيبه و دموعها ترفض التوقف فرفع بعض الدفاتر المدرسيه امام عينه ينظر اليها قليلا ثم اعطاها لها بأصابع مرتجفه و هو يوضح لها بضياع : دفاترى فى المدرسه , كنت بجمعهم علشان لما بابا يرجع يوقع ليا عليهم , كنت بحتفظ باللى درجاتى فيها عاليه علشان يفتخر بيا , كل سنه او تقريبا كل يوم ميئستش على يقين انه هيرجع , فى يوم من الايام هيرجع ....

صمت لحظات ليهمس ببحه مذبوح : بس مرجعش !!

آنه خافته فارقت شفتاها و هى تتطالع خطه الطفولى , علاماته العاليه و كلماته العابثه على سطور الدفتر بالاضافه لغلطاته الاملائيه الكثيره فأغلقت الدفتر و ضمت اياه لصدرها لتتساقط دموعها بانهمار عجزت عن التحكم فيه ..

فنهض جالسا بجوارها رابتا على رأسها بحنان قلبه حُرم من اختباره فمنحه لها بسخاء متمتما بنبره مواسيه كأنه يواسى روحه لا هى : متعيطيش , و متزعليش ... عادى انا وقتها مكنتش يئست ...

لم تستطع النظر اليه لانها تعلم انها ان فعلت سيقتلها حيه بنظراته المكسوره فرفع الطائرات الورقيه ليبتسم مع ازدياد روحه بخدشا جديدا : كل اول يوم عيد كنت بشترى طياره و اطلع اقعد على سطح بيتنا استناه يجى يقولى كل سنه و انت طيب , استنى يجى نلعب بيها و نطيرها سوا , لحد ما كنت بنام و هى فى حضنى , لا هو كان بيجى  و لا انا كنت بطيرها ....

انتفض جسدها ببكاء عنيف فاحتضنها بذراعه مهدئا اياها و هو يصرخ ألما بداخله ...

نفسه تائهه و عاجز هو عن ايجادها , روحه ممزقه و لا يستطيع جبرها , و لكنه يرغب بمشاركتها هى شخصيا صندوق ذكرياته , الصندوق الذى ضم حياته كلها ليجدها الان مجرد سراب ...

ابتعد عنها و حمل الرسائل بعشوائيه ليضعها على امامها بهدوء و هو ينظر اليها بعينين مشتتين و صوته يختنق بذكرياته و وقعها القاسى على روحه : من صغرى و انا طريقتى فى الشكر او الاعتذار او طلب هى الرسايل , زى ما عملت معاكِ , كنت كل يوم بكتب له رساله و ارميها من الشباك و انا نفسى انها تطير توصله , بس كانت دائما تقع على الارض فانزل اجيبها و انا مضايق انى مش قادر اوصله رسالتى بس وقتها مفهمتش ان انا مصيرى دائما اقع على الارض .. فاحتفظت بيهم يمكن يرجع و يسهر يقراهم , فى جواب بطلب منه طلب مش قادر عليه , جواب تانى بعتذر على غلط عملته و جواب ثالث بحكيله عن نجاح حققته ... بس كلها موصلتش ..

وضعت يدها على صدرها تجاهد لتلتقط انفاسها , مدركه ان معتز يحاكيها ليمحى اثار قديمه بأخرى جديده و لكنها لم تكن بالقويه التى عهدها الان , ان لم يمنح نفسه القوه فستخذله هى ايضا .. و لكن ربما وجودها بجواره وحده قوه !! 

رفع لعبه صغيره على شكل طائره و ادار محركها فأصدرت صوتا مميزا قبل ان تُحلق حولهم حتى اصطدمت بالجدار المقابل لتسقط ارضا فابتسم بسخريه مريره و انفاسه تكاد تفارق جسده ليهمس باختناق : احتفظت بكل لعبى علشان اثبتله انى مش مستهتر , و علشان العب معاه لما يرجع بس مكنتش فاهم ان زى ما الطياره بتصطدم بالجدار و تقع انا كمان هقع ... و وقعت !!

حركت رأسها نفيا بقوه و هى تجاهد لتتحدث و لكن شفتاها انطبقا على بعضهما فلم تعد تميز من الحروف او الكلمات سوا حروف اسمه فهمست به بخفوت : معتز !!

نهض واقفا و مال على الحقيبه حاملا الصناديق الزجاجيه بيديه ليطالعها بدهشه لحظات قبل ان تخونه دمعه ساذجه لتسيل على وجنته فأزاحها بيده بعنف مائلا على هبه بجذعه مظهرا الصناديق لعينها لتتبين هى  الوريقه الصغيره بداخلها فتمتم بلوعه : الصناديق دى بعدد سنين عمرى , كتبت فى كل واحده امنيه نفسى يحققها ليا , لحد الان كان عندى امل يقرأها , كبرت و الامل جوايا بيموت بس انا كنت بحارب علشان اسيبه يعيش ... بس النهارده ...

صرخت بحده و هو يدفع بالصناديق ارضا و جسده ينتفض بعجزه و وجعه و صاح بانفعال تام .. انفعال لم يخفى نبره الموت من صوته : بس مات الامل و انا مت معاه ... كل حاجه انتهت ... انتهت ..

صرخ بالاخيره بأقصى ما يملك من صوت و هو يفقد اخر اعصابه و تماسكه الواهم و يده تمزق ما طالته من دفاتره و رسائله و تدفع بالصناديق ارضا و هو يكاد يتنفس حتى سقط ارضا على ركبتيه ليهمس بضياع لم يشعر به من قبل فى روحه رغم ما مر به من ضعف : دلوقتى انا مش عارف مين هو علشان اقوله يا بابا ... ! , مش عارف مين هو علشان اشاركه ذكرياتى اللى عشت سنين عمرى اجمع فيها له ,....! , مش عارف مين هو علشان اعرف مين انا ؟!!!

ما اسوء شعوره و ما اقساه من قدر !!
ربما كان مدركا و متحملا الفراق و الابتعاد عن ابيه – او من كان يظن انه ابيه – لكن ما يشعر به الان من ضياع فاق ما تستطيع نفسه تحمله ..
فما اسوء من الغربه ... النفى !
سلبه الماضى هويه الحاضر و حياه المستقبل !
لم يتمسك اهله به و لم يسعه حضن احد بعدهم بعيدا كان او قريبا !
و دائما خلف كل ضحكه دمعه صامته ... و خلف استهتاره روحا ممزقه !
يا لشقائك يا معتز القلب يا لشقائك !!

جلست هبه بجواره فألقى برأسه على ساقيها ليضم جسده بقوه و نبرته شقت قلبها شقا و هو يهمس بتيه : انا تعبان يا هبه , قلبى وجعنى و مش عارف افكر , حاسس بنفسى تايه فى طريق ضلمه لوحدى .. حاسس انى بغرق و مش قادر اخذ نفسى .

بللت دموعه ملابسها و هى تضم جسده اليها عاجزه تماما عن التصرف ..
ماذا من الممكن ان يفعل المرء فى موقف كهذا !!
الطفل الذى يعيش طوال عمره فى العراء ثم بعد حين يلقى الدفء ... يا لسعده !
الطفل الذى يتلوى من اليأس و يضنيه الوجع ثم ينير الامل حياته ... يا لفرحه !
و لكن الطفل الذى يتجرع كأس الألم مرتين احداهما طواعيه و الاخر قسرا .. يا لشقاؤه !
الرجل الذى عن موطنه يتغرب لينفى بعدها اجبارا ... يا لوجعه !
ماذا تفعل ؟؟
هل هناك كلمات تواسيه ؟؟
هل سيُمحى ما مر به من تفاؤل ليحطم على صخره الواقع بدون مرعاه لشعوره ... ببساطه !
هل تسعفها كلمات لتنير قلبه من غمامته و تُزيح عنه ظلمات نفسه !
لا والله فلقد تاهت الكلمات من قاموسها و الحروف تقف خزيا امام ضعفها !!
و على ساقيها كان هو كمن يحتضر ..
انفاسه بالكاد تخرج من صدره و صدقا لم يعد يرغب بها !!
عقله فقد قدرته على التفكير سواء بالسئ او الحسن !
قلبه مبعثر تماما لا هو سليما و لا هو قتيلا فقط بين الحاليتين يتلوى !
ما بين حرائق ماضيه .... براكين حاضره ... و مجهول مستقبله !
يشعر بنفسه كحرف جر داخل جمله طويله لا محل له من الاعراب !!
كمعادله حسابيه هو بها مجرد صفر على اليسار !!
ما قيمته و قد سلبه الجميع ما يميزه !!
سُلب حتى اسمه !!
هو معتز فقط ... لا اكثر من هذا او اقل !!
فأى نسبا يمنحه لطفله !!
و اى عار هذا الذى نُسب اليه !!
اهناك اسوء او اقسى مما يشعر به !!
ماذا يفعل ؟؟ و هو فقط فى حاله مزريه من التشتت اللامسمى .. !

شعر بيدها تربت على شعره برفق و صوتها الهادئ و الذى ما زال يحتفظ بإختناقه مع كلماتها التى حملت قوتها المعهوده : معتز اللى قدر يتغلب على شيطان نفسه بفطرته السليمه هيقدر يتغلب على شيطان ماضيه اللى بيحاول يخرب حياته و مستقبله ,  معتز اللى قدر على سلطان الاستهتار و البزخ و حياه الحرام و فتح صفحه بيضاء مع ربنا و تاب من قلبه بجد هيقدر على رسم مستقبل واضح له و ليا و لابننا اللى دائما هيفتخر بأبوه و قوته , معتز اللى ادرك غلطه و مكابرش لا و عاتب نفسه و جلدها قبل فوات الاوان هيقدر ينسى غلط غيره و يصلحه لنفسه قبل فوات الاوان , خصوصا ان مفيش اثبات على تيه نسبك و بإيديك تتأكد منه !

مالت عليه تنظر لملامحه بحالميه لم تعرفها فى نفسها من قبل و لم تراه فى نفسها سوا معه .. معه , له و من اجله .. و همست بقوه ثقتها من عشقه لها و قوه احساسها بعشقها له : معتز اللى قدر يفوز بقلبى بعد ما انا فكرت انه خسره هيقدر يفوز بنفسه بعد ما فكر انه خسرها , عارف ليه !!!!

اغلق عينه بقوه اكبر لتميل هى على اذنه بهمس اعاد ايقاظ ثقته بنفسه , كلمه واحده كانت له الدواء لكل وجع و الطيب لكل جرح : لانك معتزى !!! 

ثم تركت قبلتين على وجنته كانت خير دليل على ثقتها به ...
رغم حزنها على ضعفها و ان هذا فقط ما استطاعت قوله لكنها لم تدرك انها كانت ببساطه تخبره ان الطريق امامهما ما زال مفتوحا ...
لتعاود عباره عاصم اختراق سمعه " بس للاسف مكنتش متأكده مين والده ! "
هذا يعنى انه ربما يكون ابن حامد لا عبد الرحمن ! ربما يكون ابنا من الحلال !
شعر بنبضاته تتواثب بسرعه كبيره معلنه عن امل جديد ينبض فى قلبه !!
هو لم يعد بحاجه لابيه بعد كل هذه السنوات التى قضاها بمفرده و لكنه صدقا بحاجه لنسبه ..
بحاجه لان يرى نفسه يستحق طفلا و حياه شريفه دون ماضى عفن سيدمر مستقبله و مستقبل عائلته ..

يا الله صدق – عز و جل – عندما قال " أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب (8( "
ان مع العسر يسرا !!!

و مع كل عسرات حياته جاء اليسر فيها هى – فلته الثمينه – الذى كل يوم عن سابقه يدرك قيمتها !
وسط كل هذا الالم يبرق وجهها ك فله ناصعه البياض فى حديقه حياته شديده السواد ..
هى فى حياته كدعوه مستجابه فى عز الاحتياج ليأتيه العون بها بعد التيه ..
هى انقى , اجمل , اغلى ما فى حياته ... بل هى حياته نفسها !!
هى المبتدأ .. و الخبر .. هى الفاعل .. و المفعول بل هى الجمله كلها !!
لم يجد ام تمنحه حنانها .... و لكنها فعلت !!
لم يجد اب يسند ظهره و يلصب طوله ... و لكنها كانت !!
لم يجد دربا يسير به بعيدا عن ضياعه .... و لكنها لاجله آلاف الدروب رسمت !!
و وسط ضياع كل شئ كانت هى المكسب ... و وسط كل حزن كانت هى للسعاده مهرب !!

رفع رأسه ناظرا اليها ليضم وجهها بيده ليُزيل دموعها متمتما بحسره : قولتلك قبل كده بلاش تبكى عليا دموعك اغلى منى !! 

رمقته بنظره عاتبه تلومه بها ... ليمنحه طوفان مشاعرها المتفجر بعينها ما كان يبغاه الان ..
طوفان اخبره انه لها اغلى ما تملك !
و حبها له اثمن هدايا القدر !
و عشقه لها اغنى ما ورثه قلبها !

فنهض مريحا رأسها على صدره متمتما بصدق عاطفته الذى مس قلبها : انتِ اغلى حاجه فى  عمرى .. لا انتِ عمرى كله !!

فرفعت نفسها قليلا لتقبل جبينه مهمهمه بارهاق فصد العرق على ملامحها خاصه من وجع ظهرها الذى ازداد بشناعه كأنها تذكره بواجباته ان فكر التخلى عنها : حمزه بيحبك يا ابو حمزه ...

فجاهد هو ليتحمل ألم معدته الذى تجاوز الحد المعتاد و خاصه مع عدم تناوله لدواءه هذا الصباح انشغالا بتحضيرات الزفاف و نظر اليها نظره لم تفهمها و تمتم بضعف ضاغطا شفتيه بقوه : و انا بحبه , و بحب ام حمزه , لكن لأبو حمزه نواقص لازم يكملها ..

تمتم بها بثقه عاقدا العزم على تنفيذ ما انتواه !
و رغم غموض كلماته لكنها اطمئنت لها , رغم شعورها بالخوف من رد فعله او ما يعقد العزم على فعله لكنها كانت واثقه انه ابدا لن يتخلى عنها , ليس فقط لانها بحاجه اليه .. و لكن لانه يدرك انا كلاهما يحتاج صاحبه اكثر ...

و مع ألمه الذى ازداد بقوه شعر بيدها توضع على وجهه تمحى عرقه بخفه متمتمه باهتمام حزين : الالم شديد ؟؟

كان سؤالها اقرب لاجابه منه كسؤال فنظر لعينها دون كلمه فساعدته ليقف او بالادق ساعدها هو ..
وكأن كلا منهما يخبر الاخر انه يستند عليه !
ان كل منهما عون لصاحبه لا يستطيع التخلى عنه !
انه حان الوقت لكى يتحرر العصفور مكسور الجناحين من قفصه .. ليفضى فى سماء الحياه بانطلاق !
و لكن لابد من جبر , و اصلاح ما افسدته الايام فى النفوس ؟!

                              ************************

عاد عز و عاصم للمنزل و جسده يأن وجعا بعدما اطمئنا على محمد الذى عاد للمنزل مع مازن فاستند عاصم على الدرج ناظرا لوالده ليتمتم بخفوت لاول مره يراه والده به : تعتقد انى غلطت يا بابا !!

ربت عز على كتفه و هو يحرك رأسه نفيا هاتفا بقوه ناقظت شعوره المطعون من اقرب الناس اليه : لا يا عاصم .. كل فرد فى العيله كان لازم يعرف حقيقتها .. و بعدين انت بس ساعدتنا نعرف النقطه الفاصله و اللغز اللذى حيرنا سنين ... و من هنا لازم كل واحد يقف على رجليه و يقوى !

و ضع يده على جبينه يضغطه بخفه محركا رأسه موافقا و هو مازال يشعر بتأنيب الضمير على فعلته ... لا يدرى حقا ان كانت خطوه صحيحه ام لا !

فتنهد عز متذكرا شكل نجلاء و كلام الطبيب عنها بعدما نُقلت للمشفى مردفا بحزن : نجلاء اذنبت و لازم تتعاقب و للاسف مش هيبقى عقاب فى اخرتها بس ... القدر بدأ يقول كلمته ..

ثم رمق عاصم بنظره عطوف رغم انكسار نظراته : سلم التسجيل للشرطه بكره .. و خلينا نشوف قدرها هيوديها لفين !!

حرك عاصم راسه موافقا و تحرك بخطوات بطيئه للاعلى باستعداد تام لمواجهته مع جنته الصغيره و التى ستكون صعبه حتما ..

دلف للغرفه ليجد الظلام يعم المكان فتعجب لقد اعتقد ان يراها مستيقظه لم يعتقد انها ستنام ببساطه هكذا .. فأشعل الضوء الخافت للغرفه حتى لا يزعجها و لكنه اصطدم بها تجلس ارضا امام الفراش تستند بظهرها عليه و تضم ركبتيها لصدرها و عينها شاخصه فى اللاشئ تضم اطار ما لصدرها بدون اى تعابير حقيقيه على وجهها ..

فأشعل الضوء مقتربا منها زافرا بقوه ليجلس ارضا امامها لتمتد يده للاطار الذى تحتضنه و ابعده عنها لينظر اليه و كما توقع تماما كان اطار لصوره والدها الذى يدرى مدى عشقها له فوضعه جانبا و امتدت يده تحتضن يدها متمتما بخفوت مناسبا لرغبته العارمه فى محو كل ما يشغل تفكيرها الان : قومى نامى كفايه كده النهارده ..

ثم ضم كتفيها بكفيه لتقف امامه متحركا بها باتجاه الفراش فتوقفت مكانها و هى ترفع عينها اليه بحده ناقضت قولها الهادئ و الذى كان اقرب لاقرار اكثر منه سؤال :  انت كنت عارف !!

اشاح بوجهه عنها متجاهلا سؤالها و لكنها امسكت كتفه جاذبه اياه اليها لينظر لها مجددا بنظرات اخبرتها بوضوح انه بالفعل كان يعلم فاحتدت عينها اكثر و هى تقول بقوتها الجديده و التى لم تخذلها الان : ليه خبيت عليا يا عاصم ؟!! ليه قولت نص الحقيقه و سكت عن النص التانى ؟!! ليه خبيت ؟؟

صمتت و صمت متجاهلا نبرتها العاليه نسبيا و التى بدأت تفقده اعصابه حقا مع كم الضغط الساقط عليه و لكنها لم تصمت بل عادت تصيح بحده مشبعه بوجعها : حتى لما قولت لاكرم ... ليه مقولتش الحقيقه كامله ؟؟ رد عليا ليييه ؟؟؟

صرخت بالاخيره بصوت عالى ليعقد هو حاجبيه غضبا اصرت هى على اخراجه من داخله و هو كان فى اكثر اوقاته تعبا فلم يستطع التحكم فى غضبه و هو يصرخ فى المقابل : صوتك ميعلاش يا جنه ؟؟ انا اقول اللى انا عاوزه و مقولش اللى مش عاوزه .. سامعه ؟؟

هاجت مشاعرها بقوه وجعها و هى تهدر بحنق و ضيق سُلط عليه بانفعال : ليه ؟؟ ليه من حقك كل حاجه و احنا ملناش حقوق .. ليه تختار امتى تقول ؟ و ايه تقول ؟ و احنا مجبرين فى كل وقت نسمع و نتفاجئ و بس .. ليه مفكرتش تشاركنى او تحكى ليا ؟؟

اعتقل كتفيها بكفيه ليهدر بغضب عاصف اخفى خلفه ألم روحه و هو يهزها بعنف : لانى خايف عليكِ ..

افلت ماردها المجنون هى الاخرى فدفعت بذراعيه عنها بشده و هى تعود للخلف خطوات لتصيح بصوت شبه صارخ غير واعيه للزمان او المكان او من يسمعها او يقف امامها حتى فقط اعماها وجعها عن استيعاب ما حدث فغلفته بقوتها المزعومه الان : لحد امتى هتفضل شايف نفسك القوى اللى تقدر تتحمل كل حاجه و اى حد تانى ضعيف ؟؟ لحد امتى هتفكر ازاى غيرك هيتصرف و على اساس تفكيرك تحكم و تنفذ بدون اى اعتبار للطرف التانى ؟؟

صمتت لحظه تلتقط انفاسها اللاهثه و هو امامها يرمقها بنظرات مشتعله تُنبأها بعاصفه غاضبه قد تنتهى بأسوء ما يكون و لكنها عجبا لم تهتم .. رغم ان حصونه حاوطتها كالعاده موجها اسهمه اليها و لكنها الان استقبلتها طاعنه لا حاميه لتعاود صراخها باخر اقوى و هى تقترب منه خطوات حتى واجهته تماما : امتى هتفهم انى من حقى تسألنى و تسمعنى ؟! من حقى افهم انا ماشيه فين و ازاى و قدامى ايه ؟! امتى هتستوعب ان الدنيا فيها غير عاصم الحصرى ؟! و ان زى ما ليك رأى لازم الكل يحترمه انا كمان ليا رأى لازم انت تحترمه ؟! لحد امتى هتفضل شايف نفسك اكبر من اى حد و اقوى من اى حاجه ؟؟!!!

زفرت بقوه و هى تشعر برغبتها العارمه فى البكاء على صدره و لكن هناك حاجز غير مرئى يقف امامهما , هناك قوه ضعيفه تدفعها عنه ,
و كم ودت لو يصرخ حتى تتقد نيرانها اكثر و لا تخمد , فانطفاء غضب روحها يعنى اشتعال وجعها و هذا ما لا ترغب به ابدا و خاصه فى يوم كهذا ..  بفاجعه ك التى عرفتها اليوم !

و مشكور هو عندما اعطاها ما ارادت عندما اندفع باتجاهها قابضا على ذراعها بقوه مهوله حتى كادت اظافره تغرس فى لحم ذراعها و صوته يُجسد الغضب بأسوء حالاته : طول ما انتِ الطرف التانى , يبقى هحميكِ ... لو الحد دا انتِ يبقى اه ... هتفضلى فى نظرى ضعيفه و محتاجانى .. و لو فاكره ان قوتك هتخليكِ تستغنى عنى تبقى غلطانه ..

حاولت التملص من يده و كلماته تُزيد من نيرانها اكثر فهتفت بقوه رغم ان التعبير خانها : ايوه محتاجاك معايا بس مش مكانى !!

اطبق كفيه حولها بقوه و هو يجذبها باتجاهه لتصطدم بصدره ناظرا لعمق عينها التى خذلتها لتتساقط دموعها تباعا بقوه وجعها على ما صار بوالدها , بقوه ألمها على ما وصلت اليه حياتها بفعل حادث مدبر , بقوه عجزها عن اخراج مكنونات قلبها المترنحه بضياع كطير ذبيح ..

و هدر بحده رغم غضبها اخفت فى طياتها قوه عشقه لها و خوفه عليها :  انا مبستحملش حاجه توجعك .. مستعد ادفع عمرى بس انتِ ترتاحى .. متعرفيش وجعك بيوجعنى ازاى .. و غصب عنك و عنى هخاف عليكِ .. هخاف عليكِ بقوتك قبل ضعفك .. بقوتك اللى بتهربى بيها من وجعك دلوقت .. لاننا لما بنتعلق بحد قوى بنحاول نحميه ..

ثم اشاح بيده و لكن لم تفارق عينه عينها و هو يردف بحده اكبر : مش فارق معايا صح او غلط ..مش هفكر ينفع او مينفعش .. لكن بكل الطرق و اى الطرق همنع عنك الوجع ...

ثم خفضت نبرته قليلا ليهمس بصدق شعوره المكتوى لاجلها بنبرات اخبرتها انه لم يفعل هذا الا لاجلها و صدق فلقد ذبحها الامر ذبحا : انا مش بلغى شخصيتك و لا بمحى وجودك انا بحاول امنع عنك اى حاجه توجعك ...

ثم صمت و كست عيناه نظرات مكسوره غلفها ألم كبير شمل روحه قبل كلمته اليتيمه التاليه : و توجعنى !!!!

قيد حركتها تماما لا بيديه  بل بكلماته و التى اخبرتها انه يتلوى ألما بألمها , فاستند برأسه على رأسها و روحه المرهقه تناشدها ضمه , ضمه يتخلى كلاهما بها عن اوجاع قلبه , يتخلى كلاهما بها عن ما يهلك روحه , ضمه تمتزج بها دموعهم فترسم بسمه , ضمه تتلون بها اوجاعهم لترسم لوحه , لوحه تلونها اصابعهم بألوان البهجه , لوحه تضم كلاهما فقط و بينهما ضحكه !!

و كأنما قرأت هى ما تخاطبها به دقات قلبه فرفعت يدها تحاوط عنقه بقوه دافنه وجهها بصدره ليضمها هو بقوه اكبر معبرا عن حاجته لحضنها هذا مدركا حاجاتها المماثله اليه ..

فانهارت قوتها المزعومه و تهاوى قناع قوتها المتماسك ليتصدع كذب تحملها و تبرق قشرتها الضعيفه التى تهدد بانكسار , لتصرخ باكيه بكل وجه روحها , و توالت دموعها تغرق قميصه فازداد من ضمه لها حتى صاحت بتيه مزق قلبه : بابا يا عاصم ...

شدد من ضمها فانتفض جسدها بين ذراعيه و ذكريات يوم الحادث تواجهها بقسوه فعادت تصرخ بنبره اكثر ألما : حرمتنى من بابا يا عاصم ...

استغفر الله بصوت مسموع لامس قلبها بخزيه فشهقت بعنف و جسدها يفقد السيطره على نفسه لينتفض بقوه اكبر و اقسى على قلبه .. و عادت تصرخ و لكن خرج صوتها متقطعا اثر بكائها : اتحرمت من كل لحظه احتجت فيها لحضنه , من كل مره كان نفسى اسمع صوته بيطمنى , اتحرت منه و عشت من غيره ... اتحرمت منه يا عاصم ...

ثم اختنق صوتها بشهقاتها التى لم تسمح لها بقطع كلماتها التى توالت بنبره مبحوحه شبه واضحه : بابا كان كل حياتى , كان ابويا و امى , كان صاحبى ... و كان حبيبى بس ...

ثم انهارت و ارتفعت شهقاتها بعنف شديد اصاب قلبه بسهم غادر جعله ينزف ألما عليها و اليها و انهت كلماتها بصرخات بين وعى و هذيان : بس بعد عنى بدرى قوى  ...

وضع يده على رأسها يدفنه اكثر بصدره و هو عاجز تماما عن قول اى شئ الان و لكن ربما افضل لها ان تفرغ مكنونات صدرها التى ارهقت نفسها طوال عمرها ..

زادت شهقاتها بقسوه عليها و عليه و هى تهمهم بكلمات لم يعد يسمعها او يميزها فيما يشبه الهذيان , فأبعدها عنه لينظر لوجهها بجزع فدقت اجراس الخطر قلبه عندما رأى ملامحها الشاحبه و انفاسها المضطربه ... و عيناها الشبه مغلقه فربت على وجنتها بخفه ناسبت همسه المتلهف باسمها و لكنها كان فى وادٍ اخر تردد كلمه " بابا " دون انقطاع حتى تراخت تماما على ذراعيه فحملها ليضعها على الفراش و هو يمسح على وجهها بحنان و قلبه يؤلمه اشد الألم لاجلها ثم اقترب طابعا قبله على جبينها كأنه يعتذر ثم استلقى بجوارها عاهدا نفسه و اياها قبله  عهدا انه مهما كان و كيف كان لن يسمح بأى وجع يصيبها بعد الان ...

                                         *******************

بعدما اطمئن الجميع على محمد و رفضت نهال ان يظل احد معه سواها كان مازن جالسا بغرفه الاستقبال عندما طرقت حياه الباب حتى جاءها صوته سامحا لها بالدخول فجلست على الاريكه بجواره و عينها تحكى بوضوح عن بكائها الطويل بانتفاخها و احمرارها الشديد فاعتدل امامها ليضع ذراعه على طول كتفها ضاما اياها لصدره فعادت تشهق بقوه مجددا فزفر و هو يضمها اليه اكثر و لكنها ابتعدت ناظره لعينيه برجاء خالص : بالله عليك سيبنى اسافر , انا مش قادره اتحمل اعيش فى البلد دى , و مش عاوزه ارجع لاهلى و لا عاوزه افضل هنا , وافق يا مازن علشان خاطرى .. انا محتاجه اسافر و ابعد عن هنا فعلا ..

اغلق عينه لحظات يستمع اليها فابتعدت بجسدها كاملا عنه لتُمسك يده و تضغط عليها بقوه شعورها بالغدر الان : انا محتاجه ابعد و ابدأ حياتى فى مكان تانى من جديد .. محتاجه انسى كل اللى حصل هنا و انسى معاه المكان و الناس و افتكر نفسى بس , محتاجه اقدر اقف على رجلى لوحدى بدون سند يسندنى علشان لما يغيب انا ما تكسرش , انا محتاجه نفسى اللى كل واحد فى حياتى سرق منها شويه ...

طالعها بصمت قليلا ثم حرك شفتيه ليتحدث و لكنها اردفت بتمنى اكثر عله يمنحها خلاصها من حياتها المهمشه هذه : ارجوك فكر فيا شويه , فكر فى حياتى اللى ارتسمت على كيف كل واحد شويه بدون رأيى و بدون رغبتى , و انا دلوقت عاوزه اسافر و احقق لنفسى كيانها .. عاوزه ارجع لحياه القويه اللى كان عنفوانها اهم حاجه فيها , عاوزه اعيش بعد ما كل حاجه حواليا بتموتنى ..

ثم نظرت لعينيه بتفحص قائله و هو متيقنه تماما منه فهمه لحديثها دون جرح لكرامته : انا من حقى احب و اتحب يا مازن , من حقى اعيش و ابنى بيت و اكون اسره و اكون ام , من حقى اختار انسان يشاركنى دنيتى بعد ما ابنيها ...

ازداد انهمار دموعها و هى تردف بأسى و خزى حقيقى من والدها : كل لحظه ليا هنا هتبدأ حلوه هتنتهى بغدر , كل مره هقف على رجلى هيجى حاجه توقعنى , و انا تعبت من المقاومه .. تعبت من نفسى اللى انتهت و كل مره كان غصب عنى , مره من جوزى , مره من بابا و مره من الماضى ,  لسه ايه تانى ؟  انا زهقت من حياتى كده ..

زفر بقوه مقاوما رفضه و لكن الفكره التى استقرت برأسه يلائمها طلبها الان فتمتم بتساؤل : هتسافرى امتى !!

اخفضت رأسها بخزى لتهمس باقرار : انا وافقت على المنحه من فتره و السفر بعد بكره !!

رمقها بنظره عاتبه على تصرفها دون اذنه و لكنه إلتمس لها العذر فهى حاولت لمره واحده ان يكون قرارها نابعا وفقا لارادتها  , ان تُمنح حق الاختيار الذى سلبه اقرب الناس اليها منها ..

و لكن ما زال قلبه ينبض قلقا عليها فعاد يقول باقرار مرسخا الفكره فى رأسه ايضا : مش هتسافرى لوحدك ؟؟

عقدت حاجبيها ضيقا و هى تهم بالرد عليه و لكنه وضع يده على شفتيها مغمغما بابتسامه لعوب جاهد لينزعها من بقايا روحه المشتعله و ابتسامه باهته شاحبه تتراقص على شفيته : انا مقدرش اعيش من غيرك , فا هسافر معاكِ و اهو نهرب من هنا سوا بعيدا عن أى حد و أى حاجه ..

ابتسمت هى مدركه مزاحه المستتر خلفه قلقه عليها , اردكت رغبته فى حمايتها و الاطمئنان عليها , ادركت وجعه الذى ينوى الهرب منه قليلا .. قليلا فقط عله ينساه ..

و لهذا ابتسمت بالمقابل و هى تقترب منه و برغبتها فى شكره لم تجد افضل من قبله عميقه على كفه تبعتها بأخرى على رأسه قائله بنبره صادقه فى مشاعرها الاخويه تجاهه : ربنا يبارك فى عمرك و تبقى دائما جنبى يا مازن ..

كلا منهما يدرك حقيقه الواقع بينهما لكن تلك التى كانت تقف على باب الغرفه لا تدرك ..

تلك التى اصابتها كلماتهما كنصل سام شق قلبها لنصفين , تلك التى جاءت راغمه تشاركه هم قلبها الذى لم يشاركها به احد و لم تستطع تحمله بمفردها , تلك التى شعرت انها بحاجه اليه تحديدا و خاصه الان !
جاءت و يا ليتها لم تأتى ؟!
فعندما وصلت رأته يضع يديه على شفيتى حياه , ليقول ما قال معبرا عن حبه لها – كما اعتقدت هى – و ما اقساه من اعتقاد ..
هو يعشق زوجته و هى مجرد فرد زائد يود هو الهروب منها ...
هى من شعرت انها لن تبكى و لن تُخرج مكنونات صدرها و قلبها الذى ذاق الفقد مره .. إلا لديه , بقربه , بكلماته الحانيه و ربما بحضنه ... و للاسف جاءت اليه لتدرك انها ستذوق مراره الفقد مرتين !!
الاول استنفذ روحها و الثانى استنفذ كل ما فيها !!
يقولون ان القلب يحب مره واحده ..
بأقوى ما فيه .. و اغلى ما عنده .. !
و لكن هى عاشت الحب مرتين .. بأقوى ما فيه و اغلى ما عندها ..
كان الاول نبض القلب , و الثانى القلب كله !!
كان الاول غذاء روحها , و الثانى روحها كامله !!
وضعت يدها على شفتيها و عقلها و قلبها معا يتفقان على تلك الحقيقه التى ارتجف لها جسدها ..
تحب !!!
هى تحبه ؟!؟
كيف ؟؟
متى ؟؟
و لماذا ؟؟

ركضت من امام الغرفه مسرعه لتدلف لغرفتها مغلقه بابها خلفها بعنف و وقفت امام المرآه تنظر لنفسها بذهول تام و نبضات قلبها الثائره و الممزقه تُصدق على حديثها ..

كان عقلها يخبرها و لكنها تجاهلته امام ثبات قلبها و لكن الان قلبها ثار عليها ., و بقى ضميرها فى المنتصف .... ليخبرها بخيانتها ..

خائنه لعشق خسر نفسه لاجلها , خائنه لأخر نبضاته كانت لها , خائنه لطفوله جمعت بينه و بينها !!
فقط خائنه !!

انتفضت من مكانها تحرك رأسها بجنون و هى تردد بنفى هستيرى مشتت : لا .. لا .. انا مش .. لا .. مش بحبه ..

حركت يدها بعنف و ضغوطات حياتها , قلبها و روحها تواجهها مره واحده فهى منذ وفاه فارس و هى تخفى جزءا كبيرا من ألمها بداخلها ..
سكونها مقابل ثوران قلبها !!
صمتها مقابل صخب انفاسها !!
نفيها مقابل اثباتات روحها !!
كل هذا دفعها لتفقد اخر حدود العقل لديها لتجن صارخه و هى تدفع كل ما طالته يدها على طاوله الزينه امامها ليسقط ارضا مهشما ..
حبٌ اختارته و اختارها تخونه امام حب اختارته و ليس لها !!
حبٌ حمل كل يوما فيه ضحكاتها تخونه امام حب حمل فى كل دقيقه دموعها !!
حبٌ أحيى قلبها تخونه امام حب أمات روحها !!

نظرت ارضا و جسدها ينتفض بكاءا حتى اصطدمت عينها بصوره فارس التى سقطت و تهشم اطارها و زجاجها فشهقت بصدمه نزعت روحها نزعا و هى تقترب من الزجاج لتضع قدمها فوقه و بهذا اقنعت نفسها بعقاب فارس لها ...

صرخت بألم و قطع الزجاج تمزق قدمها و لكن وجع روحها كان اقسى و اعنف و هى تمتم بحاله من اللاوعى : انا خاينه ... انا خنته .. خنت حبه ليا ...

تجسدت امامها صوره مازن و حياه و هو يعبر عن حبه بوضوح و شفافيه لها فزاد ضغط قدمها على الزجاج لترتفع صرخاتها وجعا و خزيا و صوتها يرتفع و هى تلوم نفسها بقسوه : انتِ خاينه يا حنين .. انتِ خاينه ..

فُتح باب الغرفه بقوه و دلف مازن و خلفه حياه – بعد ان استمعا لصوت التهشم وصرخاتها التى تلته بلحظات – فشهقت حياه بعنف من مظهر حنين و الدماء التى تركت اثارها على الارض بينما شعر مازن بالدماء تتجمد فى عروقه و هو يراها على هذه الصوره فاقترب منها هاتفا بجزع : حنين !!

توقفت مكانها عندما وصلها صوته المتلهف و هى ترفع عينها بحده كبيره اليه لتشير بسبابتها عليه هادره بغضب خارج حدود مداركها : متقربش منى ... اخررج بره ..

توقف دون التقدم عاقدا حاجبيه بتعجب من صراخها , مظهرها , دموعها .. و ايضا ما تفعله بنفسها و لكنه اعتقد ان كل هذا لصدمتها التى اعادتها ليوم زفافها فتقدم منها مجددا و لكنها عادت للخلف الخطوات التى تقدمها هو و هى تحرك رأسها بهيستريا غير اعتياديه مع قولها النافى بانفعال شديد حتى بدت له غائبه عن وعيها : انت بالذات مش عاوزه اشوفك , اخرج من حياتى ..

ثم ضربت صدرها موضع قلبها بقسوه بقبضتها و دموعها تزداد انهمارا و لكن كلمتها التاليه ضربت قلبه فى مقتل عندما صرخت بغضب ربما من نفسها اكثر منه : اخرج من قلبى !!!

نقلت حياه بصرها بينهم مدركه ان الوضع هنا لا يرغب بها قبلهما فانسحبت بهدوء للخارج رغم خوف قلبها على ما فعلته حنين بنفسها و لكنها مدركه كما كانت هى بحاجه لمازن حنين بحاجه اليه اكثر منها خاصه ان تلك العنيده ترفض الاعتراف لنفسها بحبها الذى ملأ روحها قبل قلبها كما ان مازن فى اشد اوقاته احتياجا اليها !!

بينما رمقها مازن بصدمه و كلمتها تخترق قلبه بمعنى تمناه و يخشاه !!
بقدر ما كانت الكلمه بسيطه بقدر ما كانت قويه ,
و رغم ما حملته من مشاعر جميله حملت اكثر من مشاعر النفور و الكره ,
و لكن مظهرها هذا لا يمنحه فرصه التحدث حتى فاقترب منها اكثر و لكنها تراجعت مجددا لتضغط على قطعه عريضه من الزجاج فصرخت صرخه اخرجت معها آه قلبها فانتفض من مكانه ركضا باتجاهها ليُمسك ذراعها و لكنها نفضته منه و هى تدفعه عنها صارخه بنبره مشتته : انت ليه عملت كده ؟؟ انا مش خاينه , مش هخونه , ازاى تعمل فيا كده ؟؟ و ليه ؟؟ ليييييه !!

ازداد انعقاد حاجبيه و هو لا يدرى عما تلومه !!
ماذا فعل بها ؟؟
لحظه واحده ..... عن اى خيانه تتحدث ؟!
من ستخون !!
بدأ هاجس الحقيقه يداهم عقله الذى انكرها و يستقر بقلبه الذى استقبلها .. فانتقلت حيرتها اليه بأقسى ما يكون و اجمل ما يكون !!

عادت تهتف بما يشبه الهذيان و ملامحها تبتعد تماما عن ملامح حنين الهادئه لتظهر بصوره جنونيه مع اختلاط حكل عينها بدموعها : انا مش خاينه .. مش خاينه ...

ثم اقتربت منه لتضرب بقبضتها على صدره دافعه اياه للخلف و استسلم هو لدفعها و عيناه مثبته على قدمها الدامى : انت السبب ... انا بكرهك .. ايوه انا بكرهك ... انا مش عاوزه اشوفك .. اخرج من هنا .. اخرج من حياتى .. اخرج منها ... اخرج ..

تمتمت بالاخيره بضعف و عارضت يدها لسانها و تمسكت بقميصه بقوه تجذبه باتجاهها و اخفضت رأسها ارضا و ظلت تردد ما بين : " اخرج " و بين " انا مش خاينه "

بينما هو تجمدت يديه بجواره و هو عاجز عن ضمها حتى و كلماتها تُأكد له صحه شعوره بحبها .. هل هذه النتيجه اذا ... أحبته فرأت نفسها خائنه !!
لو تجاهلنا حقيقه ان فارس اخ مازن !! 
ألا تعرف انه لا يحق لها شرعا التفكير بأحد ما دامت على ذمته !
ألا تعرف ان صوره التى ملئت غرفتها , كلامها عنه و وصف مشاعرها اليه لا يحق لها ما دامت على ذمته !
ألا تعرف ما فعلت هى به قبل ان تفكر عما فعله هو !
ثم علام تلومه هى ؟؟!!

تلومه على عشقه لها ام على عشقها اليه !!
تلومه على خيانته لاخيه الراحل ام خيانتها لزوجها الراحل !
تلومه على دقات قلبه باسمها و هو متزوج ام على دقات قلبها باسمه وهى ارمله !
تلومه ام تلوم نفسها !!

ثقلت انفاسها على كتفه الذى مالت عليه و هى تغمغم بصوت خافت غير واعيه و كأنها على وشك فقدان الوعى : انت مبتحبنيش , انت بتحبها .. بتحبها هى .. انا بقيت لوحدى ... هو سابنى لوحدى .. و انت هتسبنى لوحدى ... هفضل لوحدى ...

ثم سقطت رأسها عن كتفه مستسلمه للسواد الذى لفها و غيبها عن الواقع تماما و كانت الكلمه الاخيره التى اخترقت اذنه بسهم اوضح له ما صار و ادى بها لهذا الحال : بلاش تسافر .. متسافرش !!

اسندها بذراعيه اخيرا دون دفع منها ثم وضع يد اسفل ركبتيها و الاخرى على خصرها ليحملها متجها بها للفراش .... وضعها اعلاه ثم خرج طمأن والدته التى استيقظت على صراخها و لكن بمجرد ان سمعت الحديث امتنعت عن الدخول و احضر علبه الاسعافات الاوليه عائدا اليها و اغلق باب الغرفه خلفه ... و بدأ يطيب جروح قدمها و التى مزقتها الزجاجات حتى انتهى فاقترب منها ماسحا على شعرها مزيلا خصلاتها التى تعلقت بوجهها و خانته اصابعه لتمر بخفه على ملامحها الساكنه ..
ما اقسى ان يكون الحلم بين يديك و رغم ذلك تعجز عن تحقيقه ..

فما اسوء من الكره .. الحب المحرم !
ماذا يفعل الان ؟!!
هل يفرح لاعترافها بحبه حتى و ان كان عن طريق كلمه " انا بكرهك " او حتى " اخرج من قلبى " ؟؟ ام يبكى وجعا على رفضها لمشاعرها دون حتى ان تعلم مشاعره ؟!!
هل يفرح لامتلاك قلبها ام يبكى لفقدان قلبه !!
هل يفرح بشعور الفوز بها ام يبكى دماً لشعورها به خيانه !!
ما  هذا الاختبار القاسى ؟؟ و ما هذه النتيجه الغاليه ؟؟
قلبه يتلوى ألما و هى امامه ... فما بال غيابها يكون ؟؟
روحه تشتاق اليها و هى حاضره ... فما بال فقدها يكون ؟؟
نبضاته تهرب منه اليها و هى قريبه بعيده .. فهل تكون يوما قريبه !!
فهى اقرب ما يكون و لكنها كالنجم اللامع فى سماء صافيه بعيده كل البعد عنه !!

اغلق عينيه مستندا بجبهته على جبهتها متمتما بنبره متألمه و كأنه يقوى نفسه بكلمات اخيه : دعنا لا نترك باب الماضى مفتوحا حتى لا يظل باب المستقبل مغلقا ...

خطوه اخيره سيخطوها و ستكون اما البدايه و اما النهايه !!
اما اول الكلام او خاتمته !!
فلقد كثرت السطور بينهما التى لا تغن و لا تسمن من جوع عاطفته !!
فإن كان لقائهما قدر !
و تعب قلبيهما خطأ !
ف والله ان عشقهما اجمل خطيئه و اعظم ذنب ...
و هل فى قلب المحببين من سلطان يمنح او يمنع !!
فرحمه الله على قلوب العاشقين !!
و الان مازن لن يعطى بل سيطلب و ببذخ  !!
الان لن يتخلى بل سيتمسك و غصبا او يترك قصدا !!
الان لن يسمح لفرحته بالهروب بل سيقتنص آلاف الفرص لامتلاكها !!
و تأخر كثيرا على هذه الخطوه و لكنها حانت ...  حانت و ليكن ما يكن !!
                              **********************

انتهى البارت 💔

بحبكم فى الله 🙈

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top

Tags: #shimaa