اضطراب !

كم تشبه هى طفله فلسطينيه , طُردت من بيتها , حُرمت من اهلها , جُردت من طفولتها , عُملت بقسوه .

و هنا فى بيت الطفوله تعود اليها روحها .

هنا جميع ذكرياتها تحيى و ستحيى هى بها .

هنا تنسى الظلم , الخوف , الوجع فقط تفرح متذكره كل لحظه كانت لها فى احضان هذا المنزل .

الورد الصغير الذى ذبل و جف , ارجوحتها القديمه التى غطاها التراب و صدأ حديدها , الشجيرات التى ماتت و انحنت , الاوراق المتساقطه و الفروع المتكسره .

و رغم موت المكان من حولها تشعر هى فيه بالحياه .

هنا لا كذب , لا نفاق , لا خداع و الاهم لا حزن او خوف او حتى تفكير .

هنا تربت جنه الصغيره و هنا فقط ستعيش .

درات بعينها فى المكان من حولها , اخذ المنزل منها عناء يوما كاملا لتنظيفه و لكنها للعجب لم تتعب .

كل شئ الان كما كان سابقا , ولكن هى لم تعد للاسف .

نظرت للنوافذ المفتوحه على مصراعيها لتتذكر حديث والدها عن حب والدتها لهذا , اعادت رص كتب والدها و وضعت صورهم فى اماكن متفرقه , اخذت من غرفه والديها غرفه لها لتشعر بأنها معهم و هم معها .

تحركت باتجاه الارجوحه الصغيره لتنفضها قليلا قبل ان تجلس عليها رغم انها تخشى سقوطها , رفعت قدمها عن الارض تحركها و ضحكتها تزين وجهها برضا .

دائما ما كان يخبرها والدها ان كل يوم بالحياه يحمل لها درسا جديدا , تجربه افضل و ربما وجع اكبر .

كان محق فما مر عليها من ايام , اسابيع , اشهر و سنين منحها ما تعجز مدارس العالم بأجمعه عن منحها اياه .

لم تمنحها علوم فقط و لكنها منحتها حياه بأسوء و اقسى و اكبر تجاربها .

كم من مره تالمت و لكنها ترى فى تألمها قوه ,
كم من مره خافت و لكن وجدت فى خوفها شجاعه ,
كم من مره خضعت و لكن عاشت فى خضوعها ألف تمرد ،
و الان هى استغلت قوتها لتجمع كل شجاعتها لتتمرد ,
و بالفعل تمردت و ابتعدت , ابتعدت عنهم جميعا , عن عائلتها و زوجها المغرور و اخيها , عن حياه الغني والثراء والقوه , عن الكره والحقد والمؤامرات , ابتعدت عن كل شئ .

ربما تتألم و ربما تعانى و لكنها هذا افضل لها و لهم , ربما خرجت من المنزل لانها غضبت , و ربما لانها جُرحت , و ربما لانها لم تختار و اجُبرت و لكن الاسوء من هذا كله انها بعد ان عرفت انهم عائلتها , يحبونها , تعلقت بهم و تعلقوا بها , تريدهم و يريدونها , خافت , فزعت و هواجس فقدها لمن سبق حبها لهم تسيطر على تفكيرها , قلبها و عقلها .

نعم هي تخاف الحب , تخاف التعلق والقرب , تخاف التعود والانتماء , فكل من احبها خسرته وكل من احبته كانت السبب في انتهاء حياته .

خائفه من التعلق فيكويها الفقد , خائفه من الحب فيضنيها الخساره , خائفه من القرب فيؤلهما الحرمان .

خائفه من اي شئ و كل شئ له علاقه بالحب , فدائما ما ارتبط الحب عندها بالخوف فمنذ ان ادركت قلبها و مشاعره و كل من احبتهم لا يمنحوها سوى الخوف و الفقد .

و ابدا لن تتحمل صدقا لن تتحمل معاناه فقد اخرى .

و علي الرغم انه لم يمضي سوي يوما واحد الا انها افتقدتهم جميعا , تلك المشاغبه الصغيره ومزاحهم سويا , المجنونه الكبيره و مواقفها المتهوره التي لا تدل ابدا علي عمرها , تلك الحنونه الرقيقه التي اكتسبت نصيب كبير من اسمها فمن يقترب منها يشعر بالحنان و من يبتعد عنها يشعر بالحنين , نظره ليلي الدافئه لها , نبره عز الحنونه و هو يطمئن عليها كل صباح , طعام و حنان ام على و مرحها معها .

افتقدت الجميع حقا عداه هو , ذلك الذى كان اكبر اسبابها للهرب , و اعظم مخاوفها و اسوءها .

هو بغروره و عنجهيته , بصوته العالى , بغضبه الدائم فهو غضبا يسكنه رجلا , بحصونه السوداء التى تربكها و ترعد اوصالها , هو خاصه لم تشتاقه و حتما لن تفعل .

اغلقت عينها و هى تعود بقدمها للارض و تستند بمرفقيها على ركبتيها لتخفى وجهها بكفيها حزنا و عينها تلمع بدموعها , فأكثر ما يؤذى روحها هو بعدها عن شقيقها , الذى انتظره اعوام عمرها كامله ليمنحها هروبا من اسوء ما يكون على قلبها .

لماذا سمح لغيره بحمايتها ؟
لماذا لم يفعل هو ؟
لماذا عاد و لكن بالوقت ذاته لم يعد ؟
حياتها ليست قطعه شطرنج و أمورها بيادقهم .
هى اكتفت حقا من الخضوع , يئست من الذل , و اُرهقت من الاستسلام .
ألن يتركها الخوف لتشعر بالامان و لو قليلا !
ألن يتخلى عنها الصقيع ليحتويها الدفء و لو للحظات !
ألا يحق لها ان تعيش كما يعيش غيرها !
ألن تسمح لها الحياه بأن تحيى !!

تنهدت بعمق و لكنها اضطربت فور ان ارتفع صوت طرقات قويه على باب المنزل .. تحركت بهدوء مقتربه لتسأل بتوجس : مين !

و كان هو يدرك جيدا انها ان علمت انه هو لن تفتح فلم يمنحها الرد بل زادت طرقاته على الباب ليعاود صوتها يغزو مسامعه متشبعا بالارتباك و الخوف : مين !

اخرج المفاتيح التى اعطاها اياها اكرم و كانت هى فى هذا الوقت تبتعد متحركه باتجاه المطبخ لتُحضر شيئا ما تتحامى به و لكنها تجمدت مكانها و هى تستمع لصوت المفتاح يدور بعقب الباب تبعه دخول احدهم و انغلاق الباب بعنف انتفض له جسدها , و رغم انها تعطيه ظهرها شعر بارتفاع صدرها خوفا و انفاسها تتسارع بالاضافه لارتجافه يدها ثم ببطء قاتل استدارت و بمجرد ان رأته صرخت بفزع و هى تتقهقر للخلف عده خطوات مع اتساع عينها بصدمه و الاسوء رعب سرى بأطرافها .

تحرك مقتربا منها و مع كل خطوه يخطوها تعود هى مثلها حتى توقفت و ظهرها يصطدم بالحائط خلفها ليقترب هو بخطوات سريعه منها حتى احتجز جسدها بين الحائط و جسده و معه تركتها انفاسها تماما و هى تحدق به بوجل متوقعه صراخ , غضب , عقاب بل و ربما عنف و ضرب ايضا .

و رغم شعوره بخوفها , رغم ادراكه انها بحاجه ليطمأنها الان , رغم وعيه بأنه هكذا يفزعها اكثر ، لم يأبه و لم يهتم فقط سيفجر غضبه بها تلك الحمقاء التى كسرت كلمته و قد كان عندما حاوطها بحصونه السوداء لتهاجمها اسهمه من كل اتجاه فارتجفت اجفانها و خاصه عندما تحدث بصوت خشن و قاسى : انتِ فاكره لما تهربي مش هعرف اوصلك !

شُلت حركتها تماما و هى تحاول التحدث و لكن لسانها أبى , حركت شفتيها تحاول و لكنه حتى لم يمنحها الفرصه بل وضع يده على فمها يُخرسها و دفع بكفه الاخر كتفها للحائط اكثر حتى انكمشت عينها ألما من قوه دفعته و هكذا كان يعاقبها عندما اردف بصوت اعلى و غضب اكبر : غلطتِ يا بنت الالفى و غلطتك المره دى مش هتعدى بالساهل و انا هعرفك ازاى تكسرى كلمتى .

مال عليها فأغلقت عينها بهلع تحاول الهرب من محاصرته لها و أقدامها تهددها بسقوط فلم تعد تقوى على التحمل حقا بينما اكمل هو بإستنكار هازئ و عرقه الاسود يشتعل غضبا و هى تخفى ابريقها العسلى عنه : انتِ اكيد ماكنتيش واعيه لما اخدتِ القرار ده , لانك لو فكرتِ لحظه واحده بس انا ممكن اعمل فيكِ ايه لما اوصلك كنتِ قعدتِ بإحترامك في بيتك , لكن واضح ان عقلك ده مش شغال و انا بقي عارف هشغله ازاى .

ازدردت ريقها و الالم يكتنفها و الخوف يكاد يقتلها و دون ان تفتح عينها حركت شفتاها مره اخرى للتحدث و لكنها اصطدمت بيده الموضوعه على فمها ليكن الامر اشبه بقبله فتصلب جسده بينما تجمدت مكانها و احساس الامر رغما عن خوفها و غضبه وصل كلاهما .

شعر بحراره وجنتيها لا يدرى خجلا او خوفا و لكن سرعان ما امتزجت بسخونه دموعها التى احرقت اصابعه و هو يبتعد عنها لاعنا غضبه الذى دائما ما يتحكم به .

لقد اراد ان يُشعرها بحبه و بدلا من ذلك اخافها , لقد اراد ان يكسب قلبها و لكن بدلا من هذا منحها الف سبب لتكرهه , اراد ان يعيش بهدوء معها و لكن بدلا من ان يفعل اجبرها على الهروب منه مجددا .

بمجرد ابتعاده اطلقت اه متوجعه و هى ترفع يدها لتُمسك بكتفها و عينها تخبره بوضوح عن ألمها و حركت شفتيها بكلمات قليله تائهه : انت عرفت مكانى ازاى ! و ايه اللى...

قطع كلماتها و الغضب يحرقه و لكنه حاول اخبارها بوضوح عن علاقتهم و كأنها لا تعرف فصرح بعنف : انت مراتى فاهمه يعنى ايه ؟

ثم اضاف محاولا توضيح انه زوجها و لن يتخلى عنها ابدا : و بعدين ليا مزاج اقعد مع مراتى لوحدنا .

و ما وصلها من مغزى لجملته اصاب جسدها برجفه و هى تتوقع ما يرمى اليه , مزاجه يطلبها , كزوجه يُريدها , هو و هى بمفردهم , حق له و لن تستطيع الرفض حتى و ان كانت لا ترغب , رضخت هى و قلبت بالزواج , وافقت و ان كان الامر اجبارا و لكنها بالنهايه وافقت و الان يطالبها بحق من اكبر حقوقه و من اهم واجباتها و هى لن تفعل , ابدا لن تفعل .

تراجعت خطوات عنه مجددا , صرخت عينها برفضها , انتفض جسدها نفورا , و قطرت كلماتها كرها ساما شق قلبه نصفين عندما تساقطت دموعها و هى تقول : انت اكيد مش هتقرب مني غصب عني !

اسوء و اقسى و اكبر لحظات حياته وجعا .

كلماتها اصابت رجولته فى مقتل , اهانت كبريائه و بعثرت كرامته ارضا .

كلماتها مزقت قلبه , هدمت سقف روحه و اشعلت جنون عقله .

سؤال بسيط منها مع كل ما يحمله من نفور , خوف و رفض اشعل براكين الغضب بروحه حتى كادت تحرقها .

هى لا ترى به سوى خسيس اعمى لا يهمه سوى متعته , لا ترى به سندا او عونا بل عدوا و يجب عليها الهروب منه , لا يمنكها رؤيته كما يراها على ما يبدو .

نظر اليها بصرامه عبرت بوضوح عن صدمته و غضبه و خاصه عندما اقترب منها ممسكا ذراعها رافعا رأسها بيده الاخري اليه ليفاجأها قسوه ما رأته بعينه فشهقت بصدمه و تلقائيا ضمت يديها لصدرها مما زاده غضبا و انتفاضا ليهدر : انتِ ازاى تفكرى فى حاجه زى دى ! انتِ اتجننتِ !

ثم دفع يدها بعنف و هو يواجهها بسبابته هاتفا بوعد وصل صدقه قلبها و استقر : اسمعينى بقى يا بنت الالفى انا مش هتجوزك إلا برغبتك و مش هلمسك إلا بمزاجك و مش هقرب منك غير برضاكِ و خدى دا وعد منى ليكِ .

و دون كلمه اخرى اتجه للغرفه المجاوره ليدلف دافعا الباب خلفه بعنف عبر بوضوح عن حرقته و اشتعال روحه .

ليست سوي حمقاء غبيه .

كلما اقترب منها ميلا ابعدته اميالا اكثر , و كلما حاول ان يكون جيدا معها تجن جنونه عليها بكلمه منها .

منذ ان دخلت بيته اقتحمت حياته غصبا , وجودها فرض نفسه و رغما عنه حاصره , لم تهز امرأه قلبه و لكنها زعزعت عرش قلبه بل و تربعت عليه ايضا .

حياته فيلما كانت هى مؤلفته , كاتبته , مخرجته بل و كانت البطله و تعدت الامر لتقوم بكل الادوار الثانويه ليدور فيلم حياته بها و معها و من اجلها .

تبا لهذا القلب الذي تعلق بها , لتلك النبضات التي تهيج بقربها , لذلك العقل الذي ينشغل دائما بها .

هى قريبه و لكنها ابعد ما يكون , حقيقه و لكنها اكبر خيال , متاحه و لكنها صعبه المنال .

هى كل شئ و ناقضه , هى النار و الماء , الصقيع و الدفئ , سلام روحه و حرب دواخله , هى البغض و ايقونه الحب .

اعترف لنفسه و للمره الثانيه انه يحبها .

ربما لا يعرف معنى انه يحب و لكنه يعرف انه لا يستطيع تحمل بعدها , لا يستطيع تخيل حياته بدونها .

و رغم ما يكنه لها فهو ابدا لن يصرح به .

لن يمنحها الحب ليقابله الكره , لن يدفع بقلبه اليها ليذله قلبها , لن يرضيها بحنانه لتجافيه بصلابتها .

لن يعترف لها إلا و هى له كامله , معه و بين ذراعيه طوعا و رغبه , لن يعترف قبل ان تصرخ هى بها , لن يمنحها ابدا ما ترفض هى منحه اياها .

هى جنته شاءت أم أبت و لكنه لا يعرف للضعف معنى فى قاموسه , اما يدخل حبه قلبها او يظل دائما بقلبه , أما تعلو معه بين سحاب حياه و إما تذهب و حبه لقاع الحجيم لا حاجه له بهم .

***************

التردد الزائد يولد العجز فى اتخاذ القرار و يؤدى بصاحبه الى الفشل و فقدان الفرص الثمينه .

" غميكن كردستانى "

يقتلها التردد و يذبذبها التفكير .

هو زوجها و هى شقيقتها و بينهم هى متخبطه .

كلما كانت بعيده عن شقيقتها لا تُقصر فى التعبير عن حبها , شغفها به و رغبتها بوجوده جوارها دائما .

و كلما كانت شقيقتها بجوارها تجرد حياتها منه , تنساه او تتناساه عمدا , تمتنع عن الحديث معه و تمنعه رغما عن الحديث معها .

نظرت لسلمى التى تمزح مع شذى ببعض العنف و ضحكاتهم تملأ المكان بينما قلبها يأن من فرط حيرتها حتى ارتفع رنين هاتفها و قبل ان تلتقطه نهضت شذى مسرعه تُمسكه لتهتف بشغبها المعتاد : الله الله حبيبى مره واحده يا دكتوره حنين .

هربت الدماء من وجه حنين و عينها تتابع تجهم وجه سلمى و الكلمه تخترق مسامعها لتشعر بقلبها يُقتل من فرط غيرتها و حزنها فما اسوء الوقوف بين رغبه القلب و تفكير العقل ليتلطم الضمير دون الوصول لقرار , و تمادت شذى لتفتح الاتصال و تضغط على مكبر الصوت فتسرب صوت فارس الحالم لمسامعهم و هو يهتف بمزاح : صباح المانجه يا فاكهه حياتى كلها .

انتفضت حنين من مكانها ساحبه الهاتف من يدها بغضب و اغلقت المكالمه و هي تنهر شذى بحده غريبه عليها : انتِ ازاى تعملى كده , دى اسمها قله ادب .

حدقت بها شذى بصدمه فربما تكون تلك هى المره الاولى التى تصرخ عليها حنين بهذا الشكل او ربما المره الاولى التى تنفعل فيها حتى .

حاولت سلمى استيعاب الامر و هى تعرف انها السبب و لكن شذى تركتهم متحركه بحزن للخارج بينما عقدت سلمى حاجبيها بتمردها و هتفت بها بغيظ : شذي ملهاش ذنب و بعدين دا جوزك و لازم اى حاجه تانيه تخص الموضوع ده تشليها خالص من دماغك , و عيب قوى انه يكلمك و انتِ تقفلى في وشه كده .

نظره زاجره , خطوات سريعه ثم مغادره للغرفه , خطوات اخرى , دفع لباب غرفتها ثم جلوس , تجهم و تفكير .

حنين عاطفيه بشكل كبير , لا تفكر سوى بقلبها و ها هى تتأرجح بين قلبها الذى تعلق بفارس و احبه و بين حبها الفطرى لشقيقتها .

ندم يكتنفها , ليتها لم تتحدث , ليتها لم تخبرها عن حبها لفارس , ليتها صمتت و ألجمت اعجابها بثنايا قلبها , ليتها لم تُعجب به من الاساس و الان هى ابعد ما يكون عن يا ليت !

هى بتمردها و عنادها و قوه تحملها و عدم استسلامها سيجعلها تتعافى من مرض اعجابها و تعلقها الواهن به بسهوله , ربما تتألم , ربما تتمنى ان تكون محل شقيقتها , ربما يأن قلبها وجعا و لكن هى بجبروتها الداخلى ستتغلب على كل هذا .

أما شقيقتها الصغيره لن تتغلب على الامر ببساطه , ستظل تتذكر اعترافها , ستظل تكتوى بنار غيرتها , ستظل تُخطئ و تتعثر حتى تصل لقرار و ربما ابدا لن تصل , ربما تخسره و تخسر قلبها لاجلها .

زفرت سلمى بقوه عندما وجدت نفسها تمثل عائق كبيرا فى حياه شقيقتها و لكن ما بيدها لتفعله , كيف تتغلب على حزنها فور سماعها لاى حديث عنه ؟

كيف تنهر قلبها على الانتفاض ضيقا فور سماعها لضحكات شقيقتها على الهاتف معه ليلا ؟

كيف تمنع نفسها عن مراقبتهم كل يوم صباحا و هو يصطحب شقيقتها لجامعتها ؟

بل كيف تتغلب على نفسها , قلبها و تفكيرها !

تنهدت بقوه متجاهله الامر فهى اخذت قرارها بمحادثه والدها و عاصم فى امر عملها بعد عودته و زوجته من منزلهم القديم , بالتاكيد ستنسى الامر , ستتجاوزه و تُكمل حياتها دون قيود او حواجز كفرسه جامحه يعجز الجميع عن ترويضها و هى جموحها فى تمردها و شاء الجميع أم أبى ستنفذ ما تريده نقطه و انتهى الامر .

********************

ارتجافه جسد , دموع نادمه , و تفكير مشتت .

ألن تنتهى مأساه حياتها تلك !

ألن تهنئ دون نواغص !

ألن تفرح دون الكثير من الوجع المختفى خلف صمتها !

رفعت رأسها لاعلى عقبتها بيدها تدعو الراحه لقلبها , تطلب السكينه لنفسها حتى ارتفع صوت هاتفها مجددا لتجد اسمه يزين شاشته , هو لا يكف عن الاقتراب منها و هى لا تكف عن الهروب منه .

لا تمنحه الراحه التامه و لا تمنحه الخلاص التام فهى تشتته ما بين قوه عشقها فى أن و قمه نفورها فى أن اخر .

انقطع الاتصال و لكنه سرعان ما ارتفع الصوت مره اخرى , جففت دموعها و فتحت الاتصال و هى مدركه انها سببت له الان ما يفوق تحمله من القلق و قد وصلها كاملا بمجرد ان هتف بحده قلقه : حنين انتِ كويسه !!

عُقد لسانها و ازداد انهمار دموعها رغما عنها , شعورها بأنها تؤذيه و هى مدركه لهذا يقتلها صرخ بها بصوت اكثر قلقا : حنين ردى عليا , فيكِ ايه !

اغلقت عينها و اخذت نفسا عميقا محاوله ادعاء اقصى ما تملك من قوه و هتفت و لكن خانتها نبرتها لتخرج مبحوحه : انا كويسه يا فارس متقلقش .

اخذ نفسا عميقا هو الاخر مرددا بنفاذ صبر و هو يخبرها انه يشعر بسكانتها اكثر من حركاتها : معيطه ليه يا حنين !

صدقا حاولت كتم شهقتها و لكنها لم تستطع بل خانها صوتها و خانتها الكلمات لتصرخ هاتفه بأقصى ما تتمناه روحها الان : انا محتاجه لك قوى يا فارس .

شدد قبضته ناهضا عن مكتبه و قد كاد يجن من فرط قلقه عليها و لكنه تماسك و اجابها بهدوء ينافى ما يعتل بصدره من نيران تُشعلها به و كأن هذا تخصصها : انا معاكِ يا حبيبتى , مالك يا حنين ! ايه اللى حصل ؟

حركت رأسها تمنع نفسها من الاسترسال فى طلب مساعدته , حضنه و كلماته التى تطمأنها رغم شده احتياجها لهذا و تمتمت بثبات لم يخونها هذا المره : انا كويسه يا فارس ضغط الكليه بس متقلقش عليا .

ضرب المكتب بقبضته و هو يدرك انها بهذا تنهى استرساله هو الاخر فى معرفه ما يؤلمها لهذا الحد و لكنه تجاوز الامر : انتِ عندك كليه النهارده !
همهمت موافقه فأضاف : سكشن كمان ساعه .. مظبوط ؟

عقدت حاجبيها مستنكره و تسائلت و هى تمسح وجهها متعجبه : انت عرفت منين !

و ضحكه ساخره تبعها بقوله بثبات يخبرها انه معها و ان لم يكن بجوارها : قولتلك قبل كده اى حاجه تخصك انا عارفها , يلا قومى اجهزى و انتِ خارجه عرفينى .

صمتت قليلا دون رد و ضميرها يؤنبها اكثر من اهتمامه اللامشروط ثم همست باعتذار صريح و واضح اشعره انها حقا اخطأت بحقه و ان كان لا يدرى ما سببه : انا اسفه .

عبر عن استنكاره : على ايه ؟

حمحمت بخجل و هى تخبره و كأنه يرها , يشعر بها و يعرف سبب ما فعلت رغم جهله لكل هذا : علشان فصلت اول مره بدون ما اتكلم متزعلش منى .

ابتسم بحنان متخيلا وجنتيها المحمرتان خجلا من فعل تعقتد انه ضايقه و ان تدرى انه احرقه قلقا لا ضيقا لم يكن لتكتفى باعتذار واحد بل الف و لكنه اجابها بهدوء : انا مقدرش ازعل منك يا نونا ,
ثم اضاف مرتديا قناع شقيقه المرح : و بعدين يا قلبى هبقى اقفل فى وشك مره و نبقى خالصين .

و رغما عنها ابتسمت و شعر هو بذلك فتأكد انه فعل و لو شيئا جيدا لها ثم انهى مكالمته معها على وعد بمهاتفها مجددا و اغلق الاتصال لتنظر هى لشاشه الهاتف متمتمه بضعف ولده بها قسوه موضعها : اختبار صعب قوى يا فارس , انا مش عارفه اتصرف , بظلمها و لا بظلمك و لا بظلم نفسى , انا تعبانه قوى و محتاجه لك قوى بس للاسف انت اخر واحد اقدر ألجأ له , مش عارفه اعمل ايه !!

***************

حركه غريبه , ركض هنا و هناك , خطوات متعجله , ارتباك , صوت عالى , صراخ مازن , ترقب الموظفين , و نظرات حارئه من الجميع .

عقد اكرم حاجبيه و هو يتابع ما يحدث ربما غاب يومين عن العمل و لكن ما حدث لكل هذا الانقلاب , خطوات واسعه و عينه تدور فى المكان من حوله , لحظات و كان واقفا امام مكتب هبه المنكبه على عده ملفات تتفحصها باهتمام و يبدو على وجهها الارهاق : فى ايه يا هبه ؟ ايه اللى بيحصل ؟

رفعت هبه عينها و بمجرد انه رأته شعرت به النجده لهم مما يفعله مازن و هتفت مسرعه موضحه باختصار : بشمهندس مازن منفعل جدا و على الحال ده من يومين و محدش عارف هو بيعمل كده ليه و لا فى ايه ؟

نظر للملفات امامها باستنكار مشيرا اليها باصبعه معبرا عن تعجبه : غريبه , ثم ان ايه ده ؟ انتِ بتعملى ايه بالملفات دى كلها !!

زمت شفتيها بضيق و هو تجيبه بغيظ : البشمهندس مازن اللى طلب , حابب يشوف شويه من الصفقات القديمه .
ثم اضافت بحيره : انا دخلت اطلب منه اج....

قاطعها صراخ مازن الحاد الذى جذب انتباه الجميع من حولهم رغم باب غرفته المغلق : دا اسمه تسيب و استهتار يا استاذ انت فاهم الصفقه دى بالمعاملات القانونيه دى كان ممكن تسبب ايه للشركه ؟

تحرك اكرم مسرعا للداخل ليجده واقفا بغضب كأنه يتأهب لضرب احدهم و هذا حقا فاجأه فمازن ابعد ما يكون عن الغضب بروحه المرحه و حياته الفكاهيه و لكن يبدو انه حقا " اتقِ شر الحليم اذا غضب " , بينما يقف سعيد محامى الشركه امامه بضيق بادٍ بوضوح على وجهه فربت اكرم على كتفه هاتفا : اهدى يا مازن , فى ايه ؟

اندفع مازن بغضب يوضح ما يحدث و ان كان ليس هذا سبب غضبه : الاستاذ المحترم مش شايف شغله كويس , و دراسته للشروط و المعاملات القانونيه لاخر صفقه كانت فاشله و كانت هتوقع الشركه فى مصيبه , دا واحد جاى هنا يتفسح مش يشتغل .

و قبل ان يتحدث اكرم محاولا تهدأه الوضع ثار سعيد و صرخ بغضب هو الاخر : هو انت علشان ربنا قدرك شويه هتتكبر على خلق الله !
ثم دفع بالملف من يده ارضا بغضب غير آبه بأى شئ هادرا : ادى الملف و ادى الصفقه و اعتبرنى مقدم استقالتى .

و ايضا قبل ان يتحدث اكرم صرح مازن بلامبالاه ثائره : اعتبرها اتقبلت .... اتفضل .

اندفع سعيد للخارج بينما حدق اكرم بمازن متعجبا و لكن هتف بغضب : انت اتجننت يا مازن ؟ ايه اللى بتعمله ده ؟ ايه اللى حصل !!

استدار مازن له و تحدث و كأنه غير مدرك ان من امامه هو الشريك الاكبر و صاحب الكلمه الاخيره بهذه الشركه بل لم ينتبه لانه الاكبر عمرا حتى : بقولك كان هيودينا فى داهيه و يخرب الشركه على دماغنا كلنا , و انت تسألنى ايه اللى حصل ؟

احتدت عين اكرم و لكنه حاول احتواء الامر بعقلانيه لا يتفوق عليه احد بها و دفع بكتف مازن قليلا ليجلس على المقعد خلفه : ممكن تقعد و تهدى و تتكلم بعقل كده ,

ثم ارتفع صوته ينادى على هبه و لكن مازن اوقفه هاتفا بسخريه ليعبر بوضوح عن سر غضبه و انفعاله الغير مبرر و ان كان اكرم غافلا عنه : لا كله الا المدام هبه , العروسه المنتظره , العروسه عاوزه اجازه و مش فاضيه عندها فرح اخر الاسبوع .

ضرب اكرم على المكتب فهنا و تجاوز مازن كل الحدود المسموح بها فصرخ : مازن إوزن كلامك و اعقل , ايه اللى بتقوله ده ؟

ثم اضاف بحسم و هو يرى الغضب على وجه مازن و الى الان لا يجد له تفسير و هتف بصرامه : انا هسيبك تهدى و لما تعقل كده نبقى نتكلم .

خطوات سريعه , ثم دفع الباب لاغلاقه بغضب , و الجالس بالداخل يضرب المكتب بقبضته غضبا , حسره , رفضا و ضيقا من ان حلما من احلامه يتسرب امام عينيه لاخر .

_ تعالى ورايا المكتب يا هبه عاوزك .
هتف بها اكرم بجديه فلحقته هبه مسرعه متوجسه خفيه حتى اشار لها بالجلوس امامه ففعلت فتحدث مباشره متسائلا : سمعت انك طلبتِ اجازه الكلام ده مظبوط ؟؟

اومأت موافقه فعاد يسألها : ليه يا هبه ؟؟

اجابته ببساطه و وقار : لان فرحى اخر الاسبوع .

قرر اخيرا توضيح رأيه فى هذا الامر , هو كمديرها لا يحق له و لكن لانه يعتبرها شقيقته سيفعل حتى ان ثارت او غضبت او رفضت و اعترضت لن يلومها و لكنه سيفعل ما يشعر به واجب عليه تجاه من وضعها موضع جنه منذ زمن : عرفت يا هبه , لكن انا بسألك انتِ ليه مستعجله كده ؟ الخطوبه تمت بسرعه , و كتب كتابك بعدها بكام شهر و دلوقت لسه مكملتوش سنه و قررتوا تعملوا الفرح , ليه الاستعجال ده ؟

ظهر الضيق على وجهها فهو تكره ان تبرر افعالها خاصه لمن لا يحق له التدخل و لكن احترامها له جعلها تصمت منتظره انهاؤه لحديثه فهو لم يمنحها الجمله سؤالا ينتظر اجابته , لا ملامحه اخبارتها انه يستنكر الوضع و لا يريد اجابه و بالفعل اردف هو بجديه و حزم و بالوقت ذاته حنان ربما لا تشعر به سوى مع شقيقها فقط : اسمعيني كويس يا هبه و بدون مقاطعه انا قولتلك قبل كده اني بعتبرك اختي وعلشان كده انا اديت لنفسى الحق ان اتكلم معاكِ دلوقتى , انتِ لو اختي بجد انا عمري ما كنت وافقت علي معتز ليكِ ..

عقدت حاجبيها دهشه و لكنه لم يمنحها فرصه لتتحدث و ان كانت بالفعل لن تتحدث و اردف موضحا وجهه نظره : مبدأيا بعتذر انى هتكلم عنه كده بس انا راجل زيه و اقدر افهمه و افهم نظراته كويس , انا شوفت معتز مرات قليله و للاسف كل مره كان بيثبت لى انه متغيرش , معتز انسان بدائي يا هبه بيدور علي متعته و راحته و بس ,

كان وقع الكلمه عليها كدلو ماء ساخن اثار حفيظتها و خاصه على زوجها , حلمها و حب حياتها و لكنه تجاهل ما رآه بعينها و اكمل موضحا اكثر : انا مش شايف فيه الانسان الطموح اللي يستاهلك , انتِ حاجه كبيره قوي و محتاجه حد يقدر ده , مش عارف انتِ مش شايفه اللي انا شايفه و لا انتِ اللي بتعملي نفسك مش شايفه , بس الجواز مش لعبه و لا تجربه , الجواز حياه و بيت و أسره و ان كان الاساس مش مظبوط صدقيني هيقع مع اول مشكله .

رمشت بعينها عده مرات و رغم انها سمعت ما يقوله من غيره من قبل الا انه يختلف , هدوءه , رزانته , و مراعاته لتوضيح رأيه دون مبالغه جعلها تهدأ و تسمع و تفكر و ان كان قلبها قد اخذ قراره و انتهى الامر ,

عاد هو يتحدث محتفظا بهدوءه ضاغطا على قلبها ليفكر مره اخرى فى قراره : مش الحب اللي بيبني بيوت و مش الحب اللي بينجح كل العلاقات , في علاقات اتبنت علي الحب و اتهدمت لان الحب لوحده اضعف اساس تبني عليه , انتِ علشان تنجحي فى الجواز خاصه محتاجه تفاهم و احترام , محتاجه ثقه و تقدير , محتاجه احتواء و مشاركه , مش بس الحب لان الحب زي النكهه اه بتحلي الطعم لكن مش هي المكون الرئيسى ,

استند على مقعده باشاره منه انه اوشك على انهاء حديثه موضحا اخر النقاط : معتز هيعمل كتير و هيحاول علشانك انا متأكد من ده , بس صدقينى مع اول غلطه منك هتلاقى رد فعله قاسى و صعب و اكبر بكتير ما تتوقعى , خدى بالك من نفسك و حياتك و فكرى كويس جدا و خدى قرارك الاخير و اهم حاجه تبقى قده , علشان واحده قويه زيك لو ندمت هتتعب .. و قوى يا هبه .

امسك بقلمه و اردف : انا همضى على اجازه مفتوحه و ربنا يوفقك فى حياتك و اتمنى تخيبى ظنى انتِ و هو .. يلا اتفضلي علي مكتبك و تقدري تروحي النهارده بدري لو حابه .

نهضت هبه و اثناء خروجها من المكتب استمعت لاكرم فى الهاتف يحادث احدى الموظفين متمتما : نزل اعلان اننا عاوزين سكرتيره جديده فى اقرب وقت .

ابتسمت رغم تشتتها فهو مدرك جيدا انها لن تتراجع عن قرارها , جلست على مكتبها تتذكر حديثها السابق مع مازن و رأيه الذى ضربت به عرض الحائط , و الان اكرم و سابقاا شقيقها .

ماذا يري هؤلاء الثلاثه و لا تراه هي !

معتز يعاملها معامله الملوك , دلال , احترام , تقدير و حب .

ربما تتعجب نظراته احيانا , و ربما تُذهل من مواقفه , احاديثه و ردود افعاله , ربما يُغضبها تحديقه بالفتيات و تعليقاته البذيئه , ربما تنفر من بعض عاداته و لكنها بالنهايه سعيده و هى بجواره .

لماذا صدر حكمهم عليها و عليه بالفشل !

هى ليست كامله و بالتأكيد هو كذلك .

ما الضرر فى مساندتها له و اصلاحها لحاله !

ما الضرر من قربها منه و قربه منها و وقوف كلا منهما بجوار الاخر !

اخطأ و يخطئ و لكن لا يمنحهم هذا الحق بتعليق المشانق له !

هى قويه , عناديه , أبيه , ترفض الخساره و الاستسلام و ابدا مع حلم عمرها لن تفعل .

ستنجح رغم انف الجميع , ستفوز بقلبه كاملا , ستعيش سعيده , ستفرح , بالتأكيد ستنجح .

رهان بينها و بينهم و حتما ستكون الفائزه .

***************

تعبث بهاتفها فى طريقها للخروج للذهاب للجامعه و لكنها على مدخل المنزل توقفت و عينها تتابع ما يحدث امامها , شذى , فارس و سلمى يتحادثون , يمزحون و يضحكون سويا .

ربما كانت ابتسامه شقيقتها نقيه لا تحمل من مشاعرها شئ و لكن ما رأته حنين غير هذا , نظره صافيه , ضحكه واسعه و مراقبه مستمتعه .

نيران تأكلها , شعور بالغيره اضنى قلبها و الاسوء ضميرها الذى يؤنبها و هى تشعر بنفسها المخطئه , تشعر بنفسها تقف بطريق سعاده لشقيقتها و ربما ان غابت هى كان طريق سعاده له ايضا .

تناغمت ضحكاتهم سويا , تعليقاتهم المتماثله , حديثهم المفعم بالود بينما هى تساقطت دموعا حسره على نفسها .

كم هو مؤلم التفكير , و بالاخص كم هو مؤلم تفكيرها .

ترقرقت الدموع بعينها فأغلقت عينها و عقلها يجن جنونه لدرجه اوشكت على الصراخ بوجهه ليتركها , لم تكن تدرك ان قوه تحملها قليله لهذا الحد , لم تكن تدرك انها ستخسر راحه بالها و هدوءها بمجرد دخوله حياتها , فهكذا تكون بعض الاشياء رؤيتها عن بعد افضل بكثير من امتلاكها , بينما هو كان له رأى اخر ,

رفع يده يمسح على وجنتها بخفه فانتفضت مكانها لتفتح عينها بصدمه لتكن اول ما تراه نظرات سلمى الحانيه و التى فسرتها خطأ تماما ثم عين فارس المتلهفه , عادت ببصرها لسلمى التى ابتسمت بهدوء لتتدخل متجاوزه اياهم و عينها تتعلق بالارض و لكن رأت حنين فى موقفها انكسار ارجف جسدها , ألم قلبها و اغضب عقلها فانتفضت بحركه مفاجئه مبتعده عن فارس تدفع يده بعيدا عنها و بدت كأنها لا تدرك ما يحدث حولها فقط عينها مركزه على سلمى التى عقدت حاجبيها متعجبه موقفها و صرخت بوجه فارس : انت بتعمل ايه هنا ! مقولتش انك جاى !

زم شفتيه قليلا مع عقد ما بين حاجبيه بتعجب و هو يطالعها باستغراب و خاصه مع نظراتها التى تهرب منه و تمتم موضحا بهدوء : فى ايه يا حنين ؟ قلقتينى عليكِ قولت اجى اطمن .

لمعت عينها بقسوه كانت من اغرب ما يكون على جميع الواقفين و هتفت بحده : انا ماطلبتش منك تقلق و شكرا مش عاوزه حد يطمن عليا .

لمعت عينه بغضب من صوتها , انفعالها و كلامها الغير منطقى و لا تبرير واضح لها عنده و هدر بذهول : حنييييييين !!

و كأن صراخه اعادها للواقع فنقلت بصرها بينهم بتشتت و سرعان ما لمعت عينها بالدموع مجددا مما دفع بقلبه للهاويه , هى تعانى من امر ما و لا تخبره ,هى تتألم و هو لا يستطيع مساعدتها , ماذا يحدث معها لا يعرف و هذا جعله يجن , تحركت سلمى و هى تدفع بشذى - التى كانت فى اقصى حالتها تعجب من افعال حنين الغير مبرره اليوم - للداخل , بينما اقترب فارس منها فأخفضت بصرها ارضا و هى تكاد تموت خجلا و ندما على ما فعلت و تفوهت به للتو , شعرت به يُمسك يدها و يضع الاخرى اسفل ذقنها يحاول رؤيه ملامحها او ربما قراءه عينها ليفهم و لو قليلا مما بها و همس بعتاب و هو يردد تلك الكلمات التى تقولها له دائما : " انت نصى التانى , انت حته منى , انت كنزى الغالى , انت ابنى "

خرجت منها شهقه قصيره كتمتها بيدها الحره فأكمل عتابه لعلها تخبره عما يؤلم قلبها : مش دا كلامك ليا ! ليه كده يا حنين ؟ ليه بتوجعي قلبي عليكي ؟ ليه مش عاوزه تريحيني و تريحي نفسك و تقولى لى مالك ؟ ليه مش عايزه تفهميني ايه حصل لكل ده ؟

رفعت اهدابها المبلله بعدما امتزجت رماديه عينها بوميض الدموع لترسل ايه اسهم فضيه اخترقت قلبه فرفع يده مسرعا مزيلا دموعها هاتفا بنفاذ صبر و هو يحترق حرقا بحالتها الغريبه تلك : بالله عليكِ ماتعيطيش ,

ثم زفر بقوه و هو يستسلم : خلاص مش عاوز اعرف بس متزعليش , قولي لي اعمل ايه ؟ لو مضايقه من وجودي فأنا اسف همشي بس بطلي عياط .

كتمت فمها بيدها و دموعها تزداد هطولا مما دفعه للجنون و هى تصرخ تلوم نفسها و تتهمها : متعملش كده انا مستهلش كل ده , انا بوجعك يا فارس , انا بأذي كل اللي بحبهم , انا مستهلش حاجه ,

ثم نظرت لعينه برجاء شل عقله عن التفكير و تسائلت بحيره و ضياع تريد منه اجابه رغم انه لا يعرف حتى ما هو السؤال : انا مش عارفه اعمل ايه ؟ اختار مين ؟ ارتاح ازاي ؟ قلبى واجعنى قوى و مش قادره و لا عارفه اتصرف ! اعمل ايه ؟

ضغط نفسى , تفكير مضنى , ارهاق جسد و قله نوم دفع بها لشبه انهيار الان و دوار قاسى يلفها و لكن قبل ان يتهاوى جسدها استكانت على نبضات قلبه التى تهدر اسفل رأسها و يده تحتضن خصرها و اخرى تمسد ظهرها بحنان , لم يسعها سوى الشكوى لقلبه , دفنت وجهها بصدره تخبره بكل شهقه منها عن صعوبه موقفها , تعتذر بكل دمعه تزرفها عن قلق تكويه به , تبثه بكل شده من يدها على قميصه عن شده احتياجها اليه , رفع رأسه لاعلى يحاول التحكم بانفعاله الان التى جمع ما بين قلق و توتر لاجلها , غضب و ضيق منها , و حيره و تشتت لنفسه , امامه الان ثلاثه اختيارات الاول يتركها و يرحل حتى تهدأ و تقرر مهاتفته و بالطبع لن يفعل , الثانى ان يُبعدها عنه الان ليصرخ بوجهها لتخبره عما اثقل قلبها و اهلك قلبه بالتبعيه و لكنه لن يقدر , الثالث ان ينسى انها حزينه و يتبع خطوات شقيقه فى مثل هذه الامور و يمزح و يمرح حتى يفوز بضحكتها و ربما يحين وقت ما و تخبره كل شئ و هذا ما فعله تحديدا عندما ابعدها عنه هاتفا بمرح مستنكر و هو يشوب كلماته بعتاب وطنى : كفايه كفايه انتِ بتجيبي الدموع دي كلها منين يا مفتريه , وفرى علشان مصر يا حجه مش معقول مبذره قوى قوى .

و فى خضم ما يحدث حملقت به بتعجب فهذا ليس هو , و لكن تعبيرات وجهه , كلماته و نبرته المستهجنه جعلتها تبتسم بهدوء و تحفظ فرفع يده يمحى دموعها و هو يردف بغمزه مشاغبه : انا اه بقول وفري بس في الدموع مش في الضحكه , اضحكِ اضحكِ محدش واخد منها حاجه .

ثم مال عليها قليلا فنظرت اليه ببلاهه و على غفله منها و غير توقع تماما رفعها حاملا اياها لتتمسك هى بعنقه بقوه كادت تخنقه و هى تصرخ بفزع : نزلني يا فارس , نزلنى هنقع يا مجنون .

تحرك بها فارس بلامبالاه بحديثها و بثقه تامه نظر لعينها هاتفا بثبات : طول ما انتِ معايا عاوزك تبقي مطمنه خا..

للاسف كان للاصيص الصغير رأى اخر و تعمد ان يعلق بطرف بنطاله لتتعثر قدمه به ليسقط و حنين فوقه , نظرت حنين لوجهه المتألم اثر سقوطه و انفجرت ضاحكه حتى دمعت عينها و هى تهتف بصوت شامت : حسبي الله و نعم الوكيل ... قال ابقي مطمنه قال .

انفجر ضاحكا هو الاخر و هى تعتدل جالسه ليتبعها هو الاخر ليقول متعجبا : ايه اللى حص...

و قبل ان يُكمل جملته قطع حديثه صارخا بصدمه و عيناه مركزه على شيئا ما : يا نهاااار مش فااايت .

التفتت تنظر على ما ينظر اليه لتشهق ضاحكه و عينها تتسع بدهشه ثم انطلقت ضحكاتها و هى ترى بنطاله الذى علق بالاصيص ليشقه نصفين من اسفل فظهرت ساقه حتى ركبتيه من اسفله و من فرط ضحكاتها اخذت تضرب على فخذها بقوه غير قادره على تمالك نفسها فدفعها بكتفها بغيظ هاتفا بحسره ضاربا كفا بالاخر : اضحكِ اضحكِ , ياعيني عليك يا فارس و الله كان بنطلون ابن ناس و لسه جديد .

حاولت حنين تمالك ضحكاتها و هى تمتم باستهجان : علشان تبقي تشيل قوى , شيل يا حبيبى شيل .

ثم انفجرت ضاحكه فتعلقت عينه بضحكتها قليلا و اضاف بجديه و هو يعنى كل كلمه يقولها : لو كل مره هشيلك هنقع و هتضحكِ كده هتعمد اشيلك و أقع بيكِ علشان اشوف ضحكتك .

و لكنها للاسف رغم امتنانها لكلماته التى لامست قلبها لم تستطع تمالك ضحكاتها و هى تسأله بسخريه : و علي كده بقي عندك كام بنطلون علشان نعمل حسابنا نشتري احتياطى .

ارتفعت ضحكاته هو الاخر مجيبا اياها : ليه هو كل مره ببنطلون ! بعد كده هلبس برمودا .

نهض و ساعدها على النهوض و الضحكه لا تفارق وجه كلا منهما ثم مال للخلف قليلا واضعا يده على اسفل ظهره متألما و هو يقول : اه يانا يا أما , يلا يا ست هانم هوصلك و بعدين ارجع اغير و اروح الشركه ,

غمزته بمشاغبه : طيب ما تروح كده حتي موضه و شكلك حلو .

زمجر بغيظ لاق به مما دفع بضحكاتها لتزداد : عيب تتريقي علي جوزك علي فكره ,
ثم أدار دفه الحوار عليها و هو يميل عليها بمكر : و بعدين انا مش مشكله , احمدي ربنا ان مش جيبتك اللي جت نصين , بصراحه كنت هبقي مبسوط قوى .

غمزه و دفعه بكتفه لكتفها جعلت الدماء تتصاعد لوجنتها بحياء ألجم لسانها فدفعها امامه حتى لا يستغل الفرصه مردفا بمرح : يلا يلا مش وقت كسوف و خصوصا و انا بالمنظر ده لو حد شافنا هيقولوا انك كنتِ بتتحرشي بيا و انا بخاف علي سمعتى .

انطلقت ضحكاتها مجددا , دفعٍ منه , خطوات سريعه باتجاه البوابه الرئيسيه , الصعود لسيارته ثم الرحيل و قد تبدل الحال لحال اخر تماما .

بينما في الاعلي كانت سلمى تتابع الموقف من بدايه رحيلها حتى رحيلهم , ابتسامه على شفتيها و دمعه تغرق عينها , قلبها يرقص فرحا لشقيقتها و نصفه الاخر يبكى حزنا لانها ليست بمحلها .

نظرات فارس , احتواءه , هدوءه , حبه , رومانسيته , مشاغبته و مرحه , فارس هو فارس حقا , فارس الاحلام لكل فتاه و الامير المنتظر لكل سندريلا , و لكن ليست كل سندريلا بمحظوظه و لقد اختار الامير سندريلته منذ زمن .

و لكن ما حيلتها فى قلبها و حالها , رفضت الجميع لاجله , شيدت قصور من احلام هو ساكنها الوحيد , فكرت و فكرت و وصل بها الامر ان تختار اسماء لاطفالها منه , تتخيل نفسها معه , تحدثه , يضحك لها , يخصها بمدح , يغازلها , يحتضنها و تجاوزت الامر ليقبلها ايضا .

و الان و بكل بساطه بطلب منه و موافقه من شقيقتها و عقد زواج و بصمتين صارت كل احلامها لشقيقتها فما الذى من الممكن ان يكون اشد قسوه من هذا .

ضمت نفسها بذراعيها , فالامر ليس بسيطا كما توقعت فكل قوتها تتلاشى فور رؤيته و لكنها ابدا لن تسمح بأن تكون عقبه بطريق سعاده شقيقتها و ستفعل كل ما بيدها لتمنع هذا .

***************

ثمه اشياء صعب سرقتها كملابسك مثلا و لكن استغرب كيف يسرقون القلب و هو خلف قضبان الضلوع ... !

" اقتباس "

مط ذراعيه بتكاسل و هو ينهض عن الفراش , كان جسده منهكا و القلق على تلك الحمقاء اذاقه الامرين , انتعش سريعا و ادى فريضته ثم خرج من الغرفه ليجد المنزل هادئ و الاضواء خافته و لا حركه تُذكر , عقد حاجبيه يبحث بعينه عنها حتى وجدها تجلس على ارجوحتها القديمه شبه الباليه غير آبه باحتمال سقوطهاا , رافعه رأسها لاعلى مطبقه جفينها سامحه للهواء بمداعبه حجابها الذى لا تتخلى عنه طوال فتره وجوده و صدقا يمنحها هو بعض الحق فبين ليله و ضحاها صار زوجها فمن اين لها بتعود سريع عليه , اقترب منها بهدوء ليقف خلفها ثم بدأ بدفع الارجوحه بقوه نسبيه ,انتفضت و هى تعتدل بخضه و استدارت تنظر له بتعجب فازداد فى دفع الارجوحه دون اى حديث يُذكر مانعا اياها من الهروب كعادتها .

مرت دقائق يلفهم الصمت فلم يتحدث هو و لم تبدأ هى و لكن مع صمته و سرعه حركته للارجوحه اصابها التوتر فتسائلت بتوجس : هتفضل ساكت كده !

تمتم : عاوزاني اقول ايه ؟

ازدردت ريقها بصعوبه و هو تحاول استيعاب انها هنا معه بمفردهم , كزوجها و ابن عمتها , ببساطه خريطه حياتها تبدلت تماما و لكنها تمالكت خوفها محاوله التغلب عليه و حقا كم كان الامر صعبا عندما تمتمت بحيره : انت ليه بتعمل كده ؟ و بجد ايه اللي جابك هنا ؟

شرد بفكره قليلا متنفسا بعمق ليهمس بهدوء و هو يعبر عن القليل من مكنونات صدره و التى كانت تدور حولها : عارفه احساس انك تبقى خايفه تخسرى حاجه بتحبيها , عارفه اما تبقي حاسه انك قلقانه علي حد لدرجه انك حاسه ان القلق ده بيقتلك بالبطئ , اما تبقي نفسك تقولي كلام كتير جواكِ بس مش عارفه و حتي كمان مينفعش تقوليه , عارفه احساس انك تلاقي اقرب الناس لقلبك اكتر ناس بتكرهك , اما تحسي ان الشيطان بيحاول يبقي ملاك بس مش عارف , اما تحسي ان الجنه غاليه قوي قوي بس في احساس اكبر بيقول انك مش هتدخليها ,

تنهد بقوه مردفا و نبره الحزن تغلف صوته : عارفه احساس انك تحاربي نفسك .. تبقي نفسك بتحارب نفسها علشان تتغير بس مش عارفه , احساس انك متعوده علي النصر و الفوز دائما فأي معركه لكن اهم و اكبر و اعظم معركه في حياتك تخسريها ,

صمت لحظات لينظر لظهرها الساكن و ابتسم بسخط و نبره الحزن بصوته تزداد : عارفه اما تبقي بتتمني حاجه بس حاسه انها بعيده جدا عنك يبقي كل همك انك تفوزى بيها بس مش عارفه تعملى ايه , و الاسوء ان الحاجه دى اصلا ملكك .

حمحم ليحمل صوته بعضا من الجديه : عارف انك مش فاهمه انا بقول ايه و انا مش هفهمك بس اتمني تفهمي قبل فوات الاوان .

ثم احتدت عيناه لتعود قوته و سيطرته لصوته و هو يجيب على سؤالها : جيت هنا يا مدام لانك مراتي و اذا كنتِ انتِ نسيتِ ده و خرجتِ من البيت بدون ما تعملي اى اعتبار ليا انا مش هنسي انك لازم تبقي تحت نظري و تحركاتك معايا دائما , فهمتِ !

ترك الارجوحه بعدما دفعها بعنف و تحرك باتجاه الداخل و لكنه تجمد مكانه عندما وصله همسها الرقيق و هى تجيبه على حيرته السابقه و قد شوشها نبرته المتألمه و منحها هدوءه بعض الثقه : اللي بيحب الجنه بيتعب علشانها , اللي بيتمني حاجه بيعافر علشان يوصلها , اللي اتعود علي النصر مينفعش يقبل بالخساره , و اللي نفسه يتغير بيحاول مره و اتنين و كل اما يقع يقوم لكن مينفعش يستسلم .

ثم نهضت من مكانها لتقف خلفه مباشره ليستدير لها و من عينه المتأمله بها اكتسبت قوه غريبه بثها بها سكونه و صمته و هى تجيبه على اجابته الاخيره بثبات أدهشه و أيقنه انها تخفى قوه ربما هى نفسها لا تعرف بوجودها داخلها : فهمت طبعا يا سياده النقيب بس مش كل زوجه ست امينه و لازم تشوف جوزها سي السيد .

فاض ابريقها العسلى بنظرات تحدي ثائره وصلت كامله لحصونه السوداء متأملا قوتها الغير معهوده بابتسامه جانبيه معجبه و لكن سرعان ما اعد اسهمه المتحديه هو الاخر لتهاجمها من كل اتجاه مما جعل جسدها يرتجف من نظرته القويه و التى بعثرت قوتها تماما فتراجعت خطوه للخلف و لمعه عينها المتحديه تختفى تماما فابتسم بزفر و صمت قليلا يطالعها من علوٍ بفارق الطول بينهم ثم هتف بشغب : تيجي نسمع فيلم .

رفعت رأسها اليه بذهول لتفرغ فاها متعجبه مردده خلفه باستنكار : فيلم !!

فاتسعت ابتسامته الجانبيه و هو يشملها بنظره عابثه و اجابها ببساطه تبعها بشرطه : اه فيلم , انتِ جهزى الفشار على ما اختار انا الفيلم .

تركها دالفا للداخل بينما هى تتابع ظهره المنصرف بدهشه .

سيصيبها بالجنون المبكر لا شك .

مواقفه تصيبها بالعجز , اوقات تجده مسالما و اوقات يشعل الحرب معها بعينيه فقط .

حينا يغضب و حينا يمزح , يقسو احيانا و يحنو احيانا اخرى .

سألت نفسها من يكون و للاسف لا اجابه فهو شخص يحمل كل لحظه شخصيه مختلفه , مختلف فى ردود افعاله , و غريب فى تصرفاته .

زفرت بقوه و تبعته للداخل , دقائق تتلوها دقائق , اختار هو ما يريد و فى نيته قليلا من العبث , استكان امام التلفاز منتظرا اياها حتى جاءت , صمت , ضوء مغلق , يبدأ الفيلم فتنتفض هى معتدله لتهتف : رعب !

رمقها بطرف عينه مجيبا ببرود : اه اصل انا بحب الرعب .

ثم نظر اليها عاقدا حاجبيه متسائلا : ايه بتخافي ؟

تخاف ؟
مطلقا .. هى فقط تموت رعبا .
عاندت من قبل و شاهدت احدي هذه الافلام مع والدها لتندم بعدها اشد الندم ، فليلتها لم تستطع النوم , هواجس تهاجمها , صور تداهم احلامها , وشوش ممزقه , دماء , روؤس مقطعه و اجساد مشوهه .
كانت ليله سيئه بكل ما تحمله الكلمه من معنى .
لم تهدأ الا عندما استكانت بحضن والدها .

تابعها عاصم بابتسامه لعوب و هى تفكر و رأى بها روح العناد و قد كان بالفعل عندما اعتدلت بمقعدها و اخذت قرارها بألا تظهر خوفها امامه ايا كان السبب .

اندمجت مع الاحداث و على حين غفله خرجت احدى الوشوش لاحد الاشرار بالفيلم من خلف الطفله فانتفضت جنه صارخه بملأ صوتها قاذفه بوعاء الفشار لتتناثر حباته ارضا بينما انطلقت ضحكات عاصم تغطى على صرختها فنهضت بغضب و انفاسها مضطربه و انارت الضوء , اوقف الفيلم ناظرا اليها بتعجب لامبالى متمتما بنزق مصطنع : فى ايه ؟

اقتربت منه و همت بجذب جهاز التحكم من جواره و لكنه امسكه رافعا احدى حاجبيه باستنكار : ايه ده انتِ خايفه و لا ايه !

عقدت ذراعيها امام صدرها بنزق حقيقى و عبست ملامحها بطفوليه متناسيه خوفها المعتاد منه و ربما هدوءه و مرحه هو من انساها اياه و تمتمت : مش عاوزه اكمله .

غمزها معتدلا بسرعه فانتفضت هى خطوه للخلف و تسائل و هو متيقن بالاجابه : بذمتك معندكيش فضول تعرفى النهايه !

زمت شفتيها بغيظ فهى فى الحقيقه يقتلها الفضول و لكنه يستمتع بخوفها و هى حقا تخاف فنظرت اليه و قبل ان تجيب اشار لها على الاريكه الجالس فوقها و قال بخبث لم تفهمه : لو خايفه ممكن تقعدى جنبى يمكن تطمنى شويه .

تفكير , قلق , خوف ثم قرار و جلوس على بعد , نهض , اطفأ الانوار مجددا , جلوس و ابتسامه ماكره منه و هو يعتدل بأريحيه فى جلسته واضعا يده على طرف الاريكه مستمتعا بنجاح خطته العابثه فتلك التى تهرب , تخاف و تتجنب ما هى الا طفله بحاجه لبعض الامان الذى لم يكن يفهم سابقا كيف يمنحها اياه .

ظلت تشدد علي ملابسها بقوه من شده خوفها و مع كل انتفاضه يكتم هو ضحكته حتى لا تتذمر بينما تقترب هى منه دون وعى , و باندماج مع الاحداث تحرك صاحب الوجه المشوه باتجاه الطفله و على غفله قام بدفع خنجره اليها فدفعتها والدتها بعيدا ليصيب الخنجر عنقها ليتدحرج رأسها امام الاب حتى اصطدمت بقدمه الذى ظل يحملق به بلا وعى , بينما صاحب الوجه المشوه يقترب بخطوات متزنه من البطل الذى تاه كليا عن الواقع مركزا انظاره على رأس حبيبته الملقى اسفل قدمه و جسدها المسجى على بعد امتار منه بشئ من الذهول و الضياع و قبل ان يصل اليه صرخت الطفله به فركض باتجاهها و هو يصرخ ألما على موت زوجته ثم صعد بصغيرته لسيارته محاولا الهرب بها و لكن لحق بهم ذلك الرجل دافعا بخنجره لعجله السياره ليحتضن الاب طفلته قبل ان تدور السياره عده مرات محدثه صريرا عاليا ليصيب زجاجها وجه الاب و ظهره بينما تصرخ الصغيره بين يديه حتى اقترب صاحب الوجه المشوه منهم طاعنا ظهر الاب الذى جاهد ليحمى ابنته و لكنه فشل .

اقتربت جنه من عاصم و هى تتوه فى اللاوعى هى الاخرى لاحداث مشابه , موت والدتها بسببها , ذهاب والدها لقبر والدتها كل ليله , بكاءه , صراخه باسمها , نظراته المقتوله , روحه المهلكه , تذكرت عدم شعوره بمن حوله عندما يحتضن صورتها بين يديه , ليضرب عقلها صوت صراخه باسمها يوم الحادث , جسده الذى ضمها اليه لحمايتها , صرير عجلات السياره الذى اصم اذنها , تأوهات والدها , اصابته , دماءه , وجهه المهلك و اخيرا ابتسامته الهادئه ثم فقدانها الوعى لتستيقظ على واقع فقدانه .... بسببها .

فصرخت و هو بعالم غير الحالى : لا اصحى , متسبنيش , انا مش عاوزه افضل لوحدى , فتح عينك يا بابا ,

نظر اليها عاقدا ما بين حاجبيه بحده و هو يشعر بارتجافه جسدها إثر التصاقها به فأخفض ذراعه من علي حرف الاريكه ليحاوط كتفها و بمجرد ان لمس كتفها رفعت هي يدها بسرعه ممسكه يده لتجذبها عليها بشكل اكبر كأنها تحتمي به و يدها الاخري وضعتها علي فخذه لتضرب عليه بخفه لتعاود صراخها و انفاسها متلاحقه بشكل اقلقه : بابا , انا محتاجه لك جنبى , متسبنيش يا بابا .

انتفض معتدلا ليحاوطها بقوه و هو يتذكر يوم ان غابت عن الوعى بسيارته فحاول الضغط على جسدها بألم ليجذبها من براثن الماضى الذى لا يعرف ماذا اوصلها اليه الان , ليته لم يعبث , لماذا كلما يحاول حل الامور يعقدها , ألم اماكن متفرقه من جسدها حتى اصدرت تأوهات و بدأت انفاسها تهدأ رويدا و ان كانت لم تهدأ تماما فظل يمسد ظهرها و هى تمرغ وجهها فى ملابسه حتى شعر بدموعها تلهب صدره رغم برودتها فهمس بجوار اذنها بحنان و ندم : اهدي يا جنه خلاص انا طفيت التليفزيون , اهدى .

ضغط يده على جسدها و إيلامه لاماكن متفرقه منه انقذها حقا من الدخول فى خضم وجع لم تكن لتخرج منه بسهوله , شعرت بشفتاه تستقر على جبهتها و يده تمسد ظهرها بنعومه و يده الاخري تحتضن كفها الموضوع على فخذه .

نبضات قلب , صدر يعلو و يهبط , صوت حشرجه الانفاس و ذقنه القصيره تداعب جبهتها .

لحظه , تركيز , تفكير , استيعاب , دهشه و وصول لحقيقه الوضع الحالى " هى بحضنه "

وصلها همسه القلق مره اخري ليأكد احساسها : جنه خلاص اهدي محصلش حاجه .

بينما اشتدت قبضته علي يدها و وصلت يده لخصرها صاعده للاعلي مجددا مرات متتاليه .

لتنتفض مبتعده عنه كمن لدغتها افعى و لم تكتفى بهذا فقط بل نهضت واقفه و هى تلومه بنظراتها لانه تسبب فى اعادتها لاسوء كوابيسها و صرخت بعصبيه غير مبرره متناسيه وضعها , خوفها او حتى انها تفعل اسوء ما يُطلق مارد ابن الحصرى المجنون : انت ازاي تسمح لنفسك تلمسني كده , انت اتجننت , ا..

اشتعلت عيناه بالجحيم ناهضا بسرعه منقضا علي ذراعها بقوه فانقطعت كلماتها و عينها تنبض بخوفها متسعه برعب من هيئته التى تحولت من حال الى حال تماما و قال بصوت يشبه الرعد في قوته زلزل كيانها لترتجف بين ذراعيه : انتِ اللى اتجننتِ و نسيتِ نفسك , نسيتِ انك مجرد واحده في بيتي و تحت طوعي و علي اسمى ,

ضغط ذراعها حتى كادت اظافره تخترق لحم جسدها فانكمش وجهها بألم و لمعت عينها بالدموع و لكن ها هنا لم يرى و لم يعرف سوى ان صوتها ارتفع بل و اهانته تقريبا فصرخ بتحذير و تهديد صريح ارعبها : و عندى مفيش مخلوق صوته يعلى قدامى ابدا و ان اتكررت تاني ماتلوميش غير نفسك لانى وقتها هقطعلك لسانك ,

ثم نظر لجسدها من اعلى لاسفل بنظره كادت توقف قلبها من مدى جرأتها التى وصلت حد الوقاحه و الذى اتبعها بحديث اكثر جرأه : اما بالنسبه لاني المسك , فا دا حقى يا قطه و لو عاوز اخده هخده برضاكِ او غصب عنك و محدش يقدر يلومني لا انتِ و لا اهلك كلهم , لكن انا صابر عليكِ بمزاجي , فا فكري ميت مره قبل ما تقفي في وشي تاني لاني و ربي ان اتجننت عليكِ ما هرحمك و وقتها هتشوفي مني وش مش بس هتكرهيه او تكرهينى لا انت هتكرهي نفسك قبلها ,

ثم انهى حديثه بأخر كلماته قوه و تحذير صارم : و انا صبري عليكِ بدأ ينفذ , اتقِ شرى يا بنت الالفى و بلاش تخليني اقلب عليكِ احسنلك .

دفع ذراعها بقوه جعلتها تسقط علي الاريكه خلفها و جسدها كله ينتفض خوفا .

هذا هو ابن الحصرى الذى تعرفه , مغرور متعجرف و قاسى القلب .

ألم يشعر للحظه انها فجرت خوفها بغضبها !

ألم يتبين انها كانت بحاجه لحضنه حقا و لكنها كابرت فهو السبب بما وصلت اليه !

ألم يكن يستطيع تحمل عصبيتها ليمنحها أمان ستفقده طوال الليل من شده خوفها !

كتمت فمها بيدها و هى تعتدل جالسه على الاريكه ترفع ركبتيها لصدرها لتحاوط نفسها بذارعيها و تدفن وجهها بين ركبتيها تبكى عجزها , خوفها و يتمها .

لمن تلجأ الان , من يتحملها و يحمل من قلبها عجزه , من يساندها و يزيل عن صدرها ثقله , من يفهمها و يفهم انها تخشى كوابيس ليلها , و بعد ما صار , ما فعلت و ما قال كيف تثق به و تلجأ اليه !

ازداد كتمها لدموعها بين ثنايا ثيابها و عقلها يستعيد ما رأته الان و ما عاشته فى الماضى , و هى تعترف ان اقصى ما تحتاجه الان هو تنازله عن غروره قليلا لتحتمى بصدره أفلا يمكنه فعل هذا و لو لمره واحده من اجلها !

نظرت لغرفته برؤيه مشوشه , خوف قتلها , عجز اضعفها و هى تدرك انه ابدا لن يفعل .

وقف يأخذ انفاسه بقوه , صدره يعلو و يهبط بعنف شديد , عيناه بها نيران تكفي لحرق الجميع و لكنها لا تحرق غيره , كلماتها اللاذعه تجعله يجن , يفقد عقله .

هو لا يرغب في اظهار شيطانه امامها و لكنها تجعله يُظهره عليها ,

فمهما حاول هي لا تتركه يصبح ملاكا ليفوز بجنتها .

بماذا ترغب هي ؟

أجُنت لتقول ما قالت !

انتفض قلبه لاجلها , حاول بثها الامان , فقط ساعدها و هذا ما يحصل عليه !

فالتذهب و حبه للجحيم .

لجأت اليه فماذا يجب ان يفعل لينال رضا الاميره !

يرفع يده عنها لاعلي كطفل معاقب لانه لا يجب ان يمسها !

هى كنز و جوهره غاليه و مدنس مثله لا يليق به لمس سموها !

فقط فالتذهب للجحيم فلم تخلق بعد من تُضعفه , لم تخلق بعد من تهينه و ان فعلت لن تنال سوى قسوته و غضبه , اخافها هذا , احزنها او دفع بقلبها لكرهه لا فارق .

فقط سحقا لها , سحقا لمشاعره و سحقا لكل شئ .

*************

انتهى البارت

بحبكم فى الله ❤

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top

Tags: #shimaa