ماضي مؤلم


.... في الماضي ....

طفل صغير في السادسة من العمر بشعر اسود و عينين حمراوتين يمسكه رجل في الثلاثين من عمره و يجره خلفه بينما يصرخ الطفل و دموعه في عينيه : اتركني ! لا أريد الذهاب ! امي !

و والدته تجلس على الأرض خلفهما بضعف تمد يدها محاولةً إمساك ابنها الوحيد و حمايته إلا أن مرضها و عدم قدرتها على السير منعاها من ذلك !
صرخت بحزن وسط دموعها : هيوغو ، ارجوك لا تأخذه ! ما زال صغيراً ، أعد ابني ، اعد هاياتو !

رد والده بغضب : إنها مرتين بالشهر فقط يجب أن يكون سعيداً بهذا !

خرج من المنزل اخذاً الصغير معه ليذهب به إلى بناء ضخم في منطقة مهجورة !
هذه أول مرة يذهب هاياتو إلى هناك !
لقد عرف قبل بضعة أيام فقط أن والده عضو في احدى أخطر العصابات !

ليس هذا فقط و انما سيقوم ببيعه لهم مرتين في الشهر مقابل المال ، يبقى معهم ثلاثة أيام ليقوموا بتعذيبه !
هذا ما اخبره به والده جاعلاً الخوف ياخذ مكاناً واسعاً في قلب الصغير !

دخلوا البناء و أخذ أحد أعضاء العصابة هاياتو إلى سجن تحت الأرض ! فتح باب الزنزانة له قائلاً : أدخل !

دخل هاياتو و ملامح الخوف على وجهه ليرى فتىً اشقر في مثل عمره يجلس على الأرض يضم ساقيه لصدره واضعاً رأسه عليهما !

تحدث ذلك الرجل : رقم خمسة ، تعال إلى هنا !

نهض الصغير ببطئ ليتقدم نحوه !
كانت عيناه ذابلتان بينما ينظر للأرض بصمت !
امسك الرجل ذراعه بقوة ليخرجه من الغرفة و يغلق الباب بالمفتاح !
كان هاياتو خائفاً جداً ! جلس على الأرض هامساً : امي ..!

................................

بعد عدة ساعات فتحت الباب فانتفض جسد الصغير فزعاً !
دخل الرجل السابق و دفع الطفل الاخر بقوة للداخل فسقط على الأرض بينما خرج الرجل دون قول شيء و اقفل الباب !

لم يتحرك الصغير من مكانه ! كانت انفاسه مضطربة و الجراح تغطيه ! أغلق عينيه الدامعتين ببطئ عله يجد بعض الراحة متناسياً وجود فتى آخر معه ! بقي هاياتو يحدق به لمدة ثم اقترب منه بحذر ، نظر له بحيرة ثم تحدث بقلق : هل أنت بخير؟!

فتح الاشقر عينيه ببطئ لينظر لمن أمامه !
نهض بصعوبة و نظر له بقلق ثم تحرك و جلس في زاوية الغرفة بصمت !

نظر هاياتو له قليلاً ثم جلس في الزاوية المقابلة دون ان ينطق بأي شيء آخر .
بقي الصمت بينهما عدة ساعات إلى أن فتحت الباب مجدداً ليظهر ذلك الرجل و يأخذ هاياتو معه ، حاول هاياتو مقاومته بشدة عكس الفتى الاخر ، إلا أنهم في النهاية أخذوه معهم !

ادخلوه غرفة بيضاء كان بها العديد من الادوات ! وضعه بعض الرجال على سرير و قيدوه جيداً بينما كان هاياتو يصرخ و يحاول الهرب منهم !
إقترب أحدهم منه حاملاً سكيناً ليضعها على ذراعه فارتفع صراخ الصغير بقوة متألماً حتى وصل صوته للأشقر في الزنزانة !
اغمض رقم خمسة عينيه بقوة واضعاً يديه على أذنيه عله لا يسمع ذلك الصراخ الذي يزيد من خوفه فقط !

.............................................

بعد ثلاثة أيام ..
عاد هاياتو لمنزله برفقة والده الا انه لم ينظر له و لم يتحدث معه ابداً !
فور وصوله للمنزل دخل غرفة والدته التي كانت تنتظره بقلق شديد !
تجمعت الدموع بعينيها عندما رات ضماداً على اجزاء مختلفة من جسده و لاصق للجروح على جانب وجهه !
مدت يدها نحوه و هي تتحدث بحزن : صغيري اقترب ، انا آسفة ، انا آسفة لأنني لم أستطع منعهم ! سامحني بني !

احتضنها فوراً بقوة و حزن شديد ليبدأ بالبكاء فحاولت والدته هانا مواساته و تخفيف ألمه و لو قليلاً !

..................................

ذهب هاياتو إلى ذلك المكان مرتين حتى الان !
في كل مرة كان يرى ذلك الطفل هناك لكنه لم يتحدث معه ، هو لم يحبه أبداً !
لم يكن ذاك الطفل يقاومهم ، كان ينفذ كل ما يقولونه و هذا ازعج هاياتو الذي كان يحاول الهرب في كل مرة !
لم يظهر الاشقر أي مشاعر ، بدى كأن روحه ميتة فقط جسد يتحرك !

في المرة الثالثة التي ذهب هاياتو فيها ، تم اخذه لغرفة مختلفة ليرسموا على صدره رقم سبعة بالنار !
كان مؤلماً جداً ! تذكر الطفل الذي معه في الزنزانة !كان هناك رقم على صدره أيضاً !

عند عودته كان مصاباً بشدة و صدره يؤلمه جداً ، سقط على الأرض متألماً واضعاً يده على مكان الحرق بينما يتنفس بسرعة شديدة !

نظر الاشقر له بقلق ثم نهض ببطئ ليقترب منه الا ان هاياتو فقد وعيه فوراً ! جلس الاشقر بجانبه بعد أن رأى الحرق و ادار جسده مبعداً يده عن كتفه .

خلع قميصه و وضعه فوق جرح كان ينزف بشدة و ضغط عليه ليوقف النزيف !
بقي بجانبه لمدة ، و بعد ساعة تقريبا سمع صوته يهمس : أ..أمي ..!

نظرات حزينة ظهرت على وجه الطفل الاخر !
رفع هاياتو يده قليلا كأنه يحاول الإمساك بشيء فأمسك الاشقر يده بارتباك ، لا يعلم ماذا يفعل الان !
فتح هاياتو عيناه ببطئ و راه .
تحدث الصغير لأول مرة أمامه : هل أنت بخير ؟ أمازلت تشعر بالألم ؟!

ابتسم هاياتو بلطف وهو يسمع صوته ، كان صوتاً طفولياً رقيقاً بعث بعض الدفى إليه فنطق : انت قلق عليّ ؟

اجابه الاشقر بارتباك : أ .. أجل !

رد هاياتو بابتسامة مرهقة : انت لم تتحدث من قبل ، ظننتك تكرهني ؟!

اجابه الاخر ببعض التوتر : ليس كذلك ، فقط ... لا اعلم ماذا أقول ! أخشى أن أغضبك !

رد هاياتو بدهشة : أكنت خائفاً مني ؟!

نظر الصغير للأرض بخجل ليضحك هاياتو بخفة مفكراً أن كان هذا الطفل خائفاً منه فبماذا يشعر تجاه أفراد العصابة !

تحدث هاياتو بنبرة حزينة : المكان مخيف هنا ، من اللطيف سماع صوت أحدهم .. ما اسمك ؟

نظر الصغير له قليلاً ثم اجاب : رقم خمسة .

رد هاياتو : لا ، اسمك الحقيقي !

نظر الصغير له بحيرة و بعض الحزن ثم اخفض رأسه ليهمس بارتباك : اسمي ؟ .. ميكا !

ابتسم هاياتو بخفة : ميكا ، معناه ضوء القمر ! انه جميل .. انا هاياتو !

نظر ميكا له ليتحدث بصوت منخفض : ضوء القمر ؟ و ما معنى اسمك انت ؟!

اجاب هاياتو : الصقر !

اومأ ميكا ايجاباً ليعود الصمت بينهما !
ثوان حتى نطق هاياتو : استمر بالكلام .

أمال ميكا رأسه بحيرة : ماذا أقول ؟

ضحك هاياتو بخفة : ما هذا السؤال ؟

نظر للحرق على كتفه ليكمل : اتعلم ما معنى هذا الرسم ؟!

ميكا : كل ما أعلمه انه رقم يضعونه على الأولاد مثلنا عند مجيئهم للمرة الثالثة ، اي الذين يتمكنون من النجاة ثلاث مرات !

هاياتو : رقم سبعة ! ايعني أن هناك خمسة آخرين مثلنا !

نظرات ميكا تحولت للحزن ليهمس : كان هناك .. لكن الآن ، نحن فقط من تبقى !

شعر هاياتو بالحزن في صوته فنهض ليجلس على الارض قائلاً : لنغير الموضوع ، تحدث عن شيء لطيف .

نظر ميكا له بحيرة : لطيف ؟ مثل ماذا ؟

رد هاياتو : أي شيء تحبه ، تشعر بالراحة بفعله .

أمال ميكا رأسه بحيرة : شيء أحبه ؟

تحدث هاياتو بحماس : انا احب امي !

نظر ميكا له بدهشة متسائلاً : والدتك ؟

اومأ هاياتو إيجاباً مكملاً بابتسامة : أجل ، امي لطيفة جداً ، و هي جميلة أيضاً ، دائما ما تحاول حمايتي ، و انا ايضا أرغب بحمايتها .

بدأ هاياتو يتحدث عن والدته فقد كانت الشيء الجميل الوحيد بحياته ! استمع ميكا له بهدوء ، شيئا فشيئاً ، بدأت الابتسامة تظهر على وجهه .

بعد مدة من حديث هاياتو المستمر نظر لميكا بعبوس : انت صامت مجدداً ، الا يعجبك حديثي ؟

تفاجئ ميكا من كلامه فقد كان مستمتعاً حقاً بالاصغاء إليه ، حرك يديه نافياً و هو يتحدث بصوت طفولي بريء : لا ، بل هو ممتع حقاً .

اجابه هاياتو بحماس : اذا أخبرني عنك الآن .

نظر ميكا له بحيرة قبل أن يخفض رأسه و يتحدث بابتسامة خفيفة : انا .. انا ايضاً مثلك .. احب امي ... هي لطيفة معي و دافئة جداً .. عندما أكون في المنزل تعد لي طعام لذيذاً !

لا يعلم هاياتو لما شعر بشيء غريب في نبرة صوته إلا أنه تحدث بمرح : بالنسبة لي فأمي مريضة و لا تستطيع السير ، لكنني سعيد بوجودها معي حتى ان لم تعد لي الطعام !

انهى جملته بابتسامة ليبتسم ميكا بخفة أيضا !
هكذا أصبح هذان الولدان صديقين مقربين ، يلتقيان في هذا المكان كل مرة و يتحدثان معاً ، ينسي أحدهما جرح الآخر و يرسم الابتسامة على وجهه .

عندما عاد هاياتو لمنزله حدث والدته عن صديقه الجديد ، شعرت والدته هانا بالسعادة لأن ابنها متماسك و رغم كل شيء استطاع اكتساب صديق حقيقي و لم يهز أي شيء شخصيته الشجاعة و المرحة هذه .
تحدثت هانا لابنها : يبدو صديقك هذا لطيفاً لكن ما هو اسمه ؟

اجاب هاياتو بحماس : ميكا ، ميكا موراساكي .

توسعت عينا هانا بصدمة " ميكا ! "
ابتسامة ظهرت على وجهها لتتحدث بلطف : هاياتو اعتني بصديقك جيداً ! أبقى معه دائماً و احمه .

ظهرت ملامح الحيرة على وجه هاياتو ليتحدث : أعلم ، لكن لماذا تقولين هذا لي ؟

ردت هانا بحزم : أليس هذا واضحاً صغيري ؟ أنتما وحدكما هناك ، عليكما حماية بعضكما و عدم السماح لاي شيء بتحطيم ثقتكما .

اومأ هاياتو إيجابا و احتضن والدته بلطف !
كانت هانا تعلم ابنها القراءة و الكتابة فكان ينقل كل شيء لميكا عندما يلتقيان بمقر العصابة و بدأ عبوس طفولي يظهر على وجهه عندما لاحظ أن ميكا أصبح أفضل منه بالكتابة على الحائط بينما ضحك ميكا على ردة فعل صديقه !
و وسط كل الألم الذي يحيطهما بقي الأمل بقلب الصغيرين .

..............................

مر شهران فقط على إكمال هاياتو السابعة من عمره .
استيقظ على صوت والده الذي يصرخ عليه منذ الصباح ليستيقظ و رغم صوته العالي الا أن والدته لم تنهض ! شعر هاياتو بالقلق لهذا فنوم والدته خفيف جداً و تستيقظ على أقل صوت !

اقترب منها محاولاً ايقاظها إلا أنها لم تتحرك !
شعر الصغير بالخوف و بدأ يحركها بقوة صارخاً : أمي ، أمي استيقظي ! .. أمي !

حركته القوية أدت لسقوط يدها التي كانت على جسدها لتستقر على السرير بهدوء !

دخل والده الغرفة ليرى هاياتو يحاول إيقاظ هانا بلا فائدة !
اقترب منها لفحص نبضها ثم نطق ببرود : لقد ماتت .

توسعت عينا هاياتو بصدمة ليدفع والده بعيدا و يصرخ : انت تكذب ، هذا مستحيل !

عاد لمحاولة ايقاظها و الدموع تتجمع بعينيه : امي ، ارجوك استيقظي ، لا تتركيني ! قلت انك ستبقين معي ، امي ، امي !

امسكه والده ليسحبه بعيدًا بلا اكتراث لمشاعر الصغير قائلاً : ليس لدي وقت لهذا ، لنذهب ، ساخرج جثتها لاحقاً .

تعالى صراخ هاياتو الحزين في أرجاء ذلك البيت الذي لم يعد أي شيء يربطه به ، الشيء الوحيد الجميل بحياته اختفى ! سلب منه بقسوة ليرسم اعمق جرح في نفسه !

وصل لمقر العصابة هادئاً على غير العادة !
محطماً تماماً ، متألماً أكثر من أي وقت مضى ! لا زال غير قادراً على تصديق ما حدث صباحاً ! كل ما يعلمه عن كلمة موت هو أنه لن يراها مجدداً و هذا أسوء شيء بالنسبة إليه !
اتجه لتلك الزنزانة الباردة حيث كان ذو الشعر الأشقر جالساً !

كان ميكا يشعر بألم شديد في جسده بعد تعذيبه طوال الليل ! فتحت الباب ليرفع راسه نحوها بابتسامة فهذا موعد مجيء هاياتو !
إلا أن ابتسامته اختفت تماماً عندما رأى نظرات هاياتو المصدومة و الحزينة !

وقف بسرعة و بقلق شديد قائلاً : هاياتو ؟ ما..!

قاطع كلامه احتضان هاياتو له فجاةً و بقوة شديدة !
كان هاياتو يضغط بقوة على جراحه مما سبب الالم له إلا أنه قرر تحمله عندما رأى دموع رفيقه تهدد بالسقوط !

تحدث ميكا بقلق : هاياتو ! ماذا بك ؟ ما الأمر ؟ انت تقلقني !

اجابه رفيقه بصوت بالكاد استطاع إخراجه : امي .. ابي يقول .. انها ماتت .. !

توسعت عينا ميكا بصدمة ! " توفيت والدته !"

بدأت دموع هاياتو بالسقوط أخيراً و تعالت شهقاته المتألمة في أرجاء الغرفة فأحتضنه ميكا بخفة و دموعه تكاد تخرج أيضاً !
لقد أحب والدة صديقه حقاً !

لاحقا ، كان هاياتو مستلقياً على الأرض يدير ظهره لميكا الذي يجلس في زاوية الغرفة بصمت يحدق بصديقه !
دخل أحد أفراد العصابة الغرفة ليتحدث بانزعاج : رقم سبعة ، هيا انهض !

إلا أن هاياتو لم يستجب له فقد توقف كل شيء بالنسبة اليه ، لم يعد ينتبه لما حوله ابدا !
نظر ميكا لهما بقلق بينما تقدم الرجل بغضب نحوه يصرخ : إلا تسمعني ؟ قلت لك انهض !

عندما لم تظهر اي استجابة على هاياتو رفع الرجل يده بغضب ليضربه و يخرجه رغماً عنه إلا أن ميكا ركض بسرعة نحوهما و أمسك ذراعه صارخاً : لا ، توقف !

نظر ميكا للرجل برجاء ناطقاً بقلق : انه متعب ! أتركه اليوم فقط ، أرجوك !

دفعه الرجل للخلف بقوة مجيباً : ابتعد ، لا يوجد شيء كهذا هنا !

امتدت يده لتمسك هاياتو لو لا صوت ميكا الذي اوقفه : اذا ساخذ مكانه !

نظر الرجل له ليتحدث باستهزاء : تريد أخذ
مكانه ! حسنا لكن لا تظن حصتك ستكون أقل ، ستبقى كالعادة و فوقها حصة صديقك !

نظر ميكا لهاياتو بقلق و حزن ثم همس : لا بأس !

ابتسم الرجل بسخرية و أمسك ذراع ميكا بقوة ليجره للخارج بينما كان ميكا ينظر لهاياتو بقلق و خوف !

..................................................

عاد للزنزانة مساءً بعد أن تلقى تعذيباً مضاعفاً بجسد منهك تماماً بالكاد يستطيع الوقوف او فتح عينيه !
فور دخوله توجهت أنظاره لهاياتو الذي مازال في مكانه لم يتحرك ولو قليلاً و على الأرض يوجد طعام غدائهما الذي لم يلمسه أحد !

رغم عدم رغبته بالطعام إلا انه توجه له على أمل أن يستطيع إقناع صديقه أن يأكل قليلاً !
حمل ميكا طبقه و أضاف نصفه لطبق هاياتو ثم حركه منادياً بصوت خافت : هاياتو ، هاياتو استيقظ ، أرجوك تناول شيئاً !

حركه بقوة أكبر منادياً : هاياتو !

فتح هاياتو عينيه ببطئ ليستدير نحوه مجيباً : ميكا ؟ ما الأمر ؟!

اجابه ميكا : الطعام .
رد هاياتو بارهاق : لا رغبة لدي .
ميكا : أن لم تأكل فلن أفعل أيضا !

نظر هاياتو له قليلاً ثم نهض مستسلماً !
أعطاه ميكا احد الطبقين لينظر هاياتو للطبق الآخر متسائلاً : لما طعامك أقل ؟

اجابه ميكا : انت كنت نائماً لذا تناولت القليل عندما احضروه !

اومأ هاياتو إيجاباً و أخذ طبقه ليبدأ بتناول الطعام !

...............................................

استمر هاياتو على هذه الحالة في اليوم التالي أيضا بينما زاد قلق ميكا عليه !
لم يستجب هاياتو لأي شيء و بالكاد استطاع ميكا اطعامه قليلاً ! أخذ ميكا مكانه مرة أخرى ليصبح قريباً من الانهيار أيضاً و عاد جو الغرفة ليصبح أكثر كآبة من قبل !

في مساء ذلك اليوم ، كان هاياتو نائماً .
كان يحلم بوالدته !
كانت تقف وسط حقل من الزهور تبتسم بلطف ! عندما رآها هاياتو ركض نحوها مسرعاً فاحتضنته بقوة لتبتسم ثم نظرت لوجهه : ما بك هاياتو ؟ انت لست على عادتك اليوم ؟ أين هي روحك القوية الشجاعة ؟ ابتسامتك التي لا يضعفها شيء !

بدأت دموع الصغير بالخروج فتحدث بين شهقاته الحزينة : امي .. أريد المجيء معك !

تفاجئت هانا من كلامه بينما اردف : لا أريد البقاء وحيداً ! لا أريد البقاء بعيداً عنك ! خذيني معك امي !

مسحت هانا دموعه بابتسامة : لكن هاياتو ، انت لست وحيداً .

نظر هاياتو لها بعدم فهم قبل أن تتوسع عيناه بدهشة ليهمس بخفوت : ميكا !

إجابته هانا و هي تمسح على شعره : أجل صغيري ، صديقك ميكا لا يزال معك ، أن جئت الي من سيبقى معه ؟ عليك أن تعيش ، ان تصبح أقوى ، هناك من لا يزال قلقاً عليك و ينتظرك أن تعود إليه ! لذا لا تستسلم الآن هاياتو !

بدأ طيف والدته بالاختفاء فصرخ هاياتو محاولاً التمسك بها أكثر إلا أن حلمه ذاك انقطع ليستيقظ ويجد نفسه في تلك الغرفة المظلمة و الباردة !

مسح دموعه التي كانت تسيل على وجهه بسرعة فلفت انتباهه أخيراً صوت انفاس مرتفعة خلفه كأن صاحبها يحاول جاهداً سحب الهواء لرأتيه !
نهض هاياتو ببطئ لينظر لرفيقه هامساً : ميكا ؟ هل انت بخير !

صدم عندما رأى دموعه تسيل على وجهه و عيناه مغلقتان بقوة كأنه يتألم بشدة بينما كانت أنفاسه مضطربة جداً !

اقترب هاياتو منه بسرعة صارخاً : ميكا ؟!

وضع يده على وجهه ليشعر بحرارة شديدة !
فتح ميكا عيناه ببطئ بينما تحدث هاياتو بقلق : حرارتك مرتفعة ! يجب ان أنادي احداً ما !

نهض هاياتو لينادي أحد أفراد العصابة عله يساعد ميكا متناسياً انهم لا يهتمون بموتهم اساساً !
امتدت يد ميكا تمسك ذراعه بضعف ليهمس بصعوبة : ها..ياتو ...!

عاد هاياتو للجلوس بجانبه بقلق و ممسكاً يده : نعم !

اجاب ميكا بين دموعه : أبقى معي ، هاياتو ! المكان مخيف جداً ! لا تتركني خلفك .. لا تتركني كما فعل الاخرون !

شعر هاياتو بحزن شديد من عبارته تلك ليتحدث بقلق : ما الذي تقوله ميكا ؟ انا معك !

تذكر هاياتو فجأة انه لم يخرج من الزنزانة منذ يومين لتخطر له فكرة مستحيلة !
تحدث بصوت قلق : ميكا ؟ هل كنت ..؟!

كانت دموع ميكا تستمر بالخروج دون وعي فأيقن هاياتو أخيراً ما فعله صديقه لأجله !
اخفض رأسه و دموعه عادت للسقوط مجدداً و هو يتحدث : آسف .. انا اسف ميكا .. انا حقا آسف .. كل هذا بسببي ..!

سقطت دموعه على وجه الصغير الآخر ليتحدث بصوت خافت : هاياتو !

أغلق ميكا عيناه فملأ القلق قلب هاياتو ! ارتفع صراخه قائلاً : ميكا ! انهض ! لا تغلق عيناك هكذا ! اجبني ميكا !

فجأة فتحت الباب لتتجه انظار هاياتو نحوها فدخل رجل من العصابة منادياً : رقم خمسة !

توسعت عينا هاياتو بصدمة فاحتضن صديقه صارخاً : لا لن تاخذه ، أنه مريض و لن يتحمل !

تنهد الرجل بملل و انزعاج إلا أن صوت صدر خلفه جعله يلتفت بسرعة و قلق : ميكا مريض ؟!

تقدم نيكولاس نحوهما فرأى هاياتو الشبه الكبير بين ميكا و ذلك الرجل ! عيناه كانتا تبدوان قلقتين على ميكا حقاً بالاضافة لمناداة الرجل له باسمه فابتعد هاياتو عنه قليلاً ليراه نيكولاس !

عندما رأى نيكولاس دموع ميكا و تنفسه المضطرب همس : هذه الحالة مجدداً ؟!

اقترب منه بسرعة و جلس بقربه ليقيس حرارته و أمر احد الرجلين الذين جائا معه بإحضار بعض الماء .

رأى بعض الدماء على قميصه ففتحه ليرى العديد من الإصابات الحديثة التي عادت للنزيف مجدداً ! كان جسده ممتلئ بها فتحدث نيكولاس بانزعاج : لا أذكر أنني سمحت لكم بالوصول لهذا الحد ؟

اجابه الرجل بارتباك شديد : سيدي هو تطوع ليأخذ مكان الفتى الآخر !

نظرات نيكولاس اتجهت للصغير الواقف بجانبه و الذي ظهرت على وجهه ملامح القلق الشديد عندما رأى تلك الإصابات الكثيرة !
ابتسم الأكبر ثم تحدث موجهاً كلامه للرجل معه : أحضر بعض الضمادات و معقم .

خرج الرجل لتنفيذ ما أمره به نيكولاس بينما أبعد هو قميص ميكا الملوث و أخرج ساعة ذهبية من جيبه !
فتحها لتصدر منها موسيقى هادئة ، كانت صندوق موسيقى على شكل ساعة !
عندما خرج اللحن منها تغيرت ملامح وجه ميكا لتزداد الماً !

اخرج نيكولاس ابرةً من جيبه و حقن ابنه بها ثم بدأ بعلاج جراحه و خفض حرارته !
بعد أن انتهى بقي جالساً بقربه يحدق به بابتسامة لم يرتح لها هاياتو !
نظر لوجه ميكا فكانت ملامح الالم واضحةً عليه ! رغم أن نيكولاس عالج جراحه و هدأت انفاسه الا ان دموعه لم تتوقف ابداً !
تحدث هاياتو بقلق و شك : لماذا مازال لا يبدو بخير ؟

اجاب نيكولاس بابتسامة مستمتعة دون النظر إليه : هذا بسبب الموسيقى .

تفاجئ هاياتو " الموسيقى ؟! "
أكمل نيكولاس : أقوم بتشغيل هذه الموسيقى عندما أعذبه لذا هو يكرهها ! عقله الان يظن انه يتعرض للتعذيب لذا يفضل عدم الاستيقاظ !

صدم هاياتو من كلامه فتقدم بسرعة نحو الساعة ليوقفها إلا أن نيكولاس دفعه بعيداً مانعاً اياه من إيقاف ذلك اللحن المخيف بالنسبة للمصاب هنا !
صرخ هاياتو بحزن : لماذا تفعل هذا ؟ ظنتتك تساعده حقاً ، ظننت انك تحبه ؟!

مسح نيكولاس على شعر ميكا و هو ينظر له بابتسامة مستمتعة : أجل ، بالطبع أحبه ، أحبه جداً ، انه ابني الوحيد ، لذا لن أدعه يموت ، ليس على يد شخص غيري على الأقل .

شهق هاياتو بصدمة مفكراً " ماذا ؟ أي حب هذا ؟ "

مسح نيكولاس دمعة ميكا بابتسامة ليسمع صوته يتحدث بخفوت اثناء نومه : هاياتو ..!

تفاجئ نيكولاس بينما تقدم هاياتو نحوه مسرعاً صارخاً باسمه و لم يمنعه نيكولاس هذه المرة !
أمسك هاياتو يد ميكا و هو يتحدث بقلق : انا هنا ! انا بجانبك !

اتسعت ابتسامة نيكولاس و هو ينظر لهما ليتحدث : انت هاياتو ؟ لاحظت بعض التصرفات الجديدة لميكا ! إذن انت سببها ؟!

نظرات هاياتو الغاضبة اتجهت له فوراً !
عن أي تغير يتحدث ؟ هو مازال هادئاً كما كان ! ما زال ينفذ كل ما يقال له دون أي مقاومة ! مازالت عيناه حزينة فاقدةً الأمل !
أي تغير سيظهر عليه و هذا الرجل حوله ؟!

اردف نيكولاس بابتسامة : حتى في هذه اللحظة في السابق كان سيبكي بمفرده حتى يبدأ تاثير الدواء إلا أنه الآن لديه شخص يستطيع أن يناديه !

رد هاياتو بغضب : هذا ليس صحيحاً ، والدته موجودة !

ضحك نيكولاس بخفة مجيباً : والدته ؟ و ما فائدتها ؟ لقد تخلت عنه أساساً ، هربت و تركته منذ عدة اشهر !

توسعت عينا هاياتو بصدمة " تركته ؟ مستحيل !"

تحدث نيكولاس بابتسامة : حتى عندما كانت موجودة ، ماذا كانت ستفعل ؟ ربما تصرخ عليه أن بدأ يزعجها الأمر !

تحدث هاياتو بصدمة : مستحيل أن تتركه ! ميكا قال انها لطيفة جداً !

رد نيكولاس : ليس جميع الأمهات لطيفات !

نظر للجرح على جبين ميكا لينظر هاياتو له أيضا بينما أكمل نيكولاس : الجرح على وجهه ، هي من سببته له بعد أن رآها تحاول الهرب و مع هذا ساعدها ، إلا أنها طعنته بالمقص و دفعته نحوي لتشغلني به بينما هربت هي !

صدم هاياتو بشدة ! من المستحيل أن يصدق أن أماً تفعل هذا بإبنها ! وضع نيكولاس يده على وجهه ليتحدث ببرود متذكراً جرح ابنه : جعلتني اقلق عليه كثيراً ! ساجعلها تندم على فعلتها تلك !

نظر نيكولاس لهاياتو فاقترب منه و وضع يده على رأسه ليتحدث بابتسامة : باي حال فانت شعرت بحنان الأم ، جئت الى هنا قبل عام فقط و تبقى ستة ايام في الشهر لتعود و تفعل ما تريده في المنزل ، كن سعيداً بهذا ، بالنسبة لميكا ضحكك و لعبك في غرفة والدتك مجرد احلام مستحيلة له !

اخذ نيكولاس ساعته لينهض و يخرج من الغرفة وسط صدمة هاياتو !
أعاد نظره لميكا ببطئ ليحدق به !
تخلت عنه ؟ تركته ؟ لم تكن تهتم لامره حتى عندما كانت معه ! هذا مخالف تماماً لما أخبره ميكا ! هل كان يكذب ؟!

تذكر شكل ميكا عندما اخبره عن والدته ! لم يتحدث عنها سوى مرة واحدة ! كانت نظراته حزينة رغم ابتسامته ! بعد التفكير في الأمر بدا كأن ما يقوله حلم له و ليس واقعاً يعيشه !
هل ادعى هذا فقط لمجاراة هاياتو و لرغبته بتخيل شخص يهتم به ؟!

اخفض رأسه بحزن يلوم نفسه .
كيف لم ينتبه له ! تحدث عن والدته بحرية ، أخبره أن جميع الأمهات لطيفات دائماً ، أراد فتح موضوع جميل يتحدثان عنه ، ليس جرح عميق بالنسبة له !
ظن أن حياته هي الأسوأ ! عندما توفيت والدته قبل يومين حسد ميكا لأن والدته مازالت حية ، دون أن يعلم أي شيء !

هل قال نيكولاس له أن يكون سعيدا لأنه جاء إلى هنا قبل عام فقط ؟
منذ متى و ميكا هنا اذن ؟! كيف له أن يقارن حياته بحياة ميكا ؟ تذكر اول حديث لهما ! عندما أخبره أن يتكلم عن شيء يحبه ، بقي ميكا صامتاً !
لم يخبره اي شيء !
الا يوجد شيء جميل بحياته حتى !
اخفض هاياتو رأسه لتبدأ دموعه بالتساقط فامتدت يد لتمسك وجهه ماسحةً دموعه !

رفع هاياتو راسه فوراً لينظر لصاحب اليد بسرعة و قلق لينطق ميكا بضعف : هاياتو ؟!

إزدادت دموعه ليمسك يد ميكا التي على وجهه قائلاً : اسف .. انا اسف ميكا !

نظرات حائرة ظهرت على وجه ميكا و هو يتحدث بارهاق : لماذا ؟

اجابه هاياتو بين دموعه : لكل شيء .. القلق الذي سببته لك ، جراحك ، والدتك ، و كل شيء اخر !

تفاجئ ميكا من كلامه مفكراً " امي ؟! "

نظر ميكا له و هو يتذكر أيامه بعد رحيل والدته ! بعد يومين من ذهابها ظهر هاياتو بحياته !
في منزله ، كان والده يؤذيه اكثر مما يفعل افراد العصابة الذين هنا !
و عندما ينتهي ، كان ميكا يبقى بمفرده في غرفته ! يجلس على الارض محدقاً بالفراغ بصمت لساعات طويلة الا انه ابتسم لأول مرة عندما تذكر وجه هاياتو ، ابتسامته ، حديثه الممتع !

تخيل وجود شخص يهتم به كوالدة صديقه !
وسط الظلام الذي أحاطه رأى يداً تمتد له لتخرجه منه ! كان هاياتو الشيء الوحيد الجميل في حياته ! الشيء الوحيد الذي أراد حمايته !

ابتسم ميكا بضعف و هو ينظر له ليتحدث : هاياتو ، أحب حديث ..هاياتو ..!
رفع هاياتو رأسه ينظر له بدهشة فاردف ميكا : أحب ..هاياتو !

نظرات هاياتو المصدومة تحولت لابتسامة خفيفة ليحتضن ميكا قائلاً بحزن : انا ايضا أحبك ميكا ! سابقى معك دائماً ، ساحميك بكل قوتي !

تحدث ميكا بصوت طفولي مرهق : انا ايضا .. ساحميك .. لا تبكي .. ابتسم !

ابتعد هاياتو عنه و مسح دموعه بسرعة ليبتسم بخفة ! تحدث ميكا بصعوبة : أخبرني .. المزيد من القصص !

اومأ هاياتو إيجاباً و استلقى بجانبه ليحدثه بامور مختلفة !
رغم كل شيء استمرا بالعيش يساعد أحدهما الآخر و يخفف ألمه ! كلما مر الوقت زادت قوة علاقتهما ، كانا يفهمان بعضهما دون الحاجة للكلام حتى ، تكفيهما رؤية أحدهما ليعرف الآخر أن كان بخير أم لا !

عاشا سنوات طويلة هكذا ، عاد هاياتو لمحاولات الهرب مراراً ، راقب والده و أفراد العصابة و هم يستخدمون اسلحتهم فتعلم كيفية القتال و حمل السلاح و قد استخدم المسدس عدة مرات في محاولات هربه الا انه لم ينجح ابداً !
كثيراً ما كان ميكا يحاول ايقافه و يقوم بحمايته عندما يلقون القبض عليه ! تعلم ميكا الكتابة و القراءة من هاياتو الا ان نيكولاس هو من قام بتدريسه عندما بلغ السن المناسبة للذهاب للمدرسة ! علمه نيكولاس كل ما يتعلمه الاولاد الاخرون في مثل عمره و حتى من هم اكبر منه و أمور أخرى خارج اطار المدرسة فاتسعت معرفة ميكا !

لاحقاً ، و بعد بضع سنوات ، تمكنا من الهرب معاً و استقرا بهذه المدينة محاولين الابتعاد عن العصابة و حذرين جداً من أن يكون أحدهم قريباً منهما لهذا رغم هربهما الا انهما لم يستطيعا التمتع بالحرية الكاملة و ظلت حركتهما مقيدة بسبب من يلاحقهما باستمرار !

وجود ميكا بجانب هاياتو انقذه من فقدان نفسه و سط الظلام الذي كانا به .
بينما كان هاياتو الأمل الوحيد الذي يدفع ميكا للاستمرار بالعيش !

.............................................

استمر كاي بسؤالهما و هما اجاباه على أسئلته ، لم يستطع ميكا الاستمرار بالإجابة لذا تكلم هاياتو بدلا منه ! التأثير الذي بقي بميكا كان أعمق بكثير من أن يزول بسهولة ! بينما وجود هانا ساعد هاياتو على عدم التأثر كثيراً ، بالاضافة لكون مدة بقاءه في مقر العصابة أقصر بكثير من ميكا و لم يكن يتعرض للتعذيب في المنزل !

بعد عدة ساعات ..
وصلوا أخيرا لوجهتهم ، حيث اللقاء المنتظر بين ميكا و والدته بعد غياب تسع سنوات !

يتبع ..

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top