فصل اضافي ، قبل ٢٨ سنة !


يقول البعض ..
الشخص الذي يبتسم طوال الوقت غالباً ما يكون شخصاً حزيناً جداً !
شخص يخفي حزنه بابتسامته تلك ، ليمنع الناس من رؤية دموعه !

في الماضي .. منزل كبير مظلم وسط الغابة .. أخفى سر خطيراً عن سكان تلك المدينة !
في قبو المنزل المظلم .. يجلس طفلان متشابهان امام بعضهما كل منهما يرفع إحدى يديه قليلا لتلامس كف الآخر !
أحدهما كانت بعض قطرات الدماء على وجهه و ثيابه ، ينظر بصدمة للشخص الذي أمامه !
و الاخر ، ينظر له بابتسامة خفيفة و سكينة ملطخة بالدماء بجانبه !
تحيطهما ثلاثة جثث لرجال بالثلاثين من العمر !

تحدث الفتى الذي كان بصدمة بصوت مرتبك و مرتجف بدا الخوف واضحا فيه : هل أنت ... أخي حقاً ؟
ابتسم الآخر بلطف ليجيب بصوت هادئ : نعم .
تجمعت الدموع بعيني الأول لتمتد يده تمسكه بقميص الثاني بخوف شديد واضعا رأسه على كتفه !

تحدث الثاني بابتسامة مطمئنة : انهض ، لنخرج من هنا !
استمع الآخر لكلامه بلا اعتراض و نهض بصعوبة بسبب خوفه و ارتجافه المستمر ليصعدا السلالم معا .
عند وصولهما للأعلى أراد الأول الالتفاف لعبور الممر ليتفاجى بيد الثاني تمتد من الخلف لتغطي عينيه !
وضع يديه على يدي الثاني بخوف قائلاً : أخي ماذا تفعل ؟

رد الثاني بابتسامة خفيفة : لا تقلق ، فقط سر للأمام و سنخرج !
نطق الأول بصوت مرتجف : لكن ..
قاطع الثاني : لا بأس .. لا حاجة لأن تنظر ! فقط ثق بي و تقدم !
ابتلع الأول ريقه بصعوبة و تقدم للأمام كما طلب منه من يزعم انه أخاه !
سارا معا و يد الطفل الثاني تغطي عيني الأول .
شعر الأول بشيء غريب حوله فنطق : أخي ، ما هذه الرائحة ؟

أجاب الثاني بابتسامة خفيفة : لا شيء فقط استمر !
نفذ الأول كلامه بصمت .. دون أن يدرك أنهما يسيران .. وسط مجموعة من الجثث !

.......في الماضي قبل 28 سنة.......

في مدينة كبيرة تدعى ناميدشهر .. فتى ذو شعر أشقر و عينيه زرقاوتين في التاسعة من العمر يقف في شوارع المدينة بعد أن أنهى عمله ليجمع أغراضه .
وضع الكمان الخاص به في حقيبته و التقط كيس النقود التي جمعها ليضعه في الحقيبة أيضاً .

فجأة ولدان دفعاه بقوة ليسقط أرضاً فسرقا نقوده و هربا !
نظر الفتى لهما بصدمة و صرخ : لا انتظروا !
نهض بسرعة ليلتقط حقيبته و يجري خلفهما مفكراً " لما هؤلاء الأولاد يفعلون هذا دائماً ؟ لما لا يحصلون على نقودهم بأنفسهم ؟"

ركض خلف الولدان بأقصى سرعته صارخاً : اعيدوها !
ألا انه لم يستطع الاقتراب منهما !
ركض خلفهما كثيراً و وصل لمنطقة لم يصل لها من قبل دون أن ينتبه لذلك ! فهذه مدينة كبيرة جداً و هو لم يذهب لأماكن بعيدة من قبل ! كما أن كل تركيزه الآن هو على إستعادة نقوده التي عمل بجد لأجلها !

كان يجري خلفهما إلا ان فتى يرتدي سترة طويلة تتصل بها قبعة تغطي وجهه ظهر من الأعلى ليقفز أمام الولدان و بحركة سريعة اسقطهما على الارض و أخذ النقود منهما !
توقف من سرقت نقوده يحدق بالفتى الذي ظهر فجأة بدهشة بينما نهض أولئك الاثنان بسرعة و عندما رأيا أن الفتى الذي ظهر فجأة أقوى منهما هربا فوراً !

لم يتبعهما ذلك الفتى فقد حصل على ما أراده و لا داعي لمطاردة أولئك الأولاد فتحدث بابتسامة ماكرة : ضعيفان .
سمع صوت من خلفه يتحدث بارتباك : عذراً .. شكراً لك !

تحدث القوي دون النظر للخلف : على ماذا تشكرني ؟
رد الآخر بابتسامة : على إعادة نقودي .
التفت الثاني له بينما يتحدث بابتسامة : لكنني لن اعيدها !

شهق الأول بصدمة و ظهر عبوس طفولي على وجهه ليتحدث بحزم بينما يمد يده : أعد نقودي !

لم ينطق و لم يتحرك الثاني منذ أن رأى وجه الأول ! تقدم بسرعة نحوه و لمس وجهه كأنه يتاكد ان كان حقيقي !
انزعج الأول من تصرفه هذا و أبعد يده بينما تراجع خطوة للخلف ينطق بعبوس : ما بك ؟

لم يرى الأول وجه الثاني بسبب القلنسوة التي تغطي وجهه فتحدث الثاني بحيرة : انت ...
عصفت رياح شديدة لتزيل الغطاء عن وجه الثاني و تظهر ملامحه بوضوح فصدم الأول من شكله ليتحدثا بوقت واحد : تشبهني تماماً ؟!

نظر أحدهما للآخر بصدمة !
كانا نسخة متطابقة .. كأنهما ينظران في المرأة !
عبس الأول ليتحدث بانزعاج طفولي : كيف سرقت وجهي ؟
ابتسم الآخر بسخرية : سرقت وجهك ؟
رد الأول : أجل انا لم أخذ وجهك إذن انت من أخذ وجهي !

ضحك الثاني و تحدث : ماذا ؟ و كيف يمكن أخذ وجه أحدهم ؟
نطق الأول بعناد : لا أعلم انت من فعل هذا ! بأي حال أعد نقودي !
تحدث الثاني بينما يستمر بالضحك : حسناً ، بما انك تشبهني كثيراً ساعيدها لك هذه المرة .

مد الثاني يده ليأخذ الأول النقود بسعادة !
نطق الثاني بحيرة : انا لم أرك في هذه المنطقة من قبل هل انتقلت حديثا ؟
نظر الأول حوله ليكتشف أخيراً انه بمكان لم يره من قبل ! ظهر الارتباك على وجهه فنظر الآخر له بعدم اهتمام و هو يتحدث : لا ، اظنك ظائع فقط .

تحدث الأول بخوف : ماذا أفعل ؟ أين انا ؟
استدار الآخر ليغادر قائلاً : حسناً وداعاً .
تمسك الأول بسترته بقوة و خوف بينما يتحدث : لا ، لا تتركني !
نظر الآخر له بانزعاج و هو يتحدث : و ما شاني انا ؟ هل تتمسك بأي شخص تراه هكذا ؟

نظر الآخر له و رد بابتسامة خفيفة : ل..لا ! أنت فقط تشبهني لذا يجب أن تساعدني !
نظر الآخر له بانزعاج طفيف إلا أنه لم يستطع مقاومة نظراته البريئة له فتنهد و تحدث : حسناً ساساعدك أين تريد أن تذهب ؟
ابتعد الآخر عنه ليتحدث مبتسماً : خذني إلى حديقة لوتبودج و انا ساصل للبيت !
أجاب الآخر بينما يسير مبتعدا : حسناً اتبعني .

سارا معا ليتحدث الأول : انا اسمي لوكاس و انت ؟
رد الآخر دون النظر إليه : لا تحتاج أن تعرف اسمي ساوصلك للحديقة و لن نلتقي مجدداً .
نظر لوكاس للأمام يتحدث : لكن قد نلتقي !
رد الآخر : اذا حدث ذلك تجاهلني فقط .
نظر لوكاس له ليتحدث بحيرة : لماذا ؟
الآخر : بلا سبب ، فقط سر بهدوء !

و بعد قليل ..
وصل الولدان للحديقة فافتراقا ليعود كل منهما إلى منزله .
تحدث لوكاس في نفسه و هو ينظر لكف يده بحيرة و تعجب " لماذا تمسكت به هكذا ؟ هذه أول مرة أفعل هذا ! "
ابتسم بخفة مفكرا ً " ... لكنه .... شعور جميل بعض الشيء ، أن اتشبث باحدهم هكذا !"

سار لوكاس نحو منزله بهدوء متجهاً لأطراف المدينة .
وصل لمنزله في حي فقير و قديم فدخله بصمت ، كان المنزل خالياً من أي شخص !
وضع لوكاس كيس النقود فوق منضدة وسط غرفة مبعثرة ثم بدأ بترتيبها و أبعاد الأكياس و حمل زجاجات الشراب الفارغة و نظرة باردة على وجهه عكس تلك الابتسامة الطفولية التي كانت قبل قليل !

بعد أن انتهى اتجه لغرفته و التي لم تكن سوى غرفة صغيرة فارغة كل ما احتوته هو ذلك الكمان و بعض الكتب القديمة !
جلس بهدوء و أسند ظهره للجدار ليبدأ بقراءة أحد تلك الكتب بصمت .
كتب متنوعة و أغلبها قصص خيالية و غموض أكبر من عمره و قد تكون صعبة القراءة إلا أنها كانت ممتعة بالنسبة له !
أحياناً يغرق بين كلماتها و ينسى العالم حوله ! كم مرة تمنى أن يكون داخل إحدى هذه القصص .

بعد قليل شعر بألم في صدره !
رفع يده يضعها ناحية قلبه و هو يشعر بالقلق و الألم ! لماذا ؟ هو لا يعاني من أي مرض ! لا يشكو من أي خطب ! ألا إن هذه الحالة تنتابه أحياناً ! يشعر بألم و حزن شديد إلا أنه ليس ألمه !
يشعر كأن شخص ما يناديه ! شخص ما يتألم و يطلب مساعدته ! يشعر أنه ينتظر أحد !
قد تكون هذه مجرد تخيلات صنعها عقله إلا أنه لا يستطيع السيطرة على الخوف و القلق الذي ينتابه في تلك اللحظات القليلة !

سمع صوت باب المنزل يفتح فنظر لباب غرفته فوراً !
نهض ليتجه نحوها مفكراً " هذه مجرد أوهام ."
وضع يده على مقبض الباب ليفتحها فوصلته تلك الرائحة !
توقف فجأة و يداه ترتجف ببعض الخوف !
اتجه للخلف فوراً و جلس في الزاوية يضم ساقيه لصدره مقرراً عدم الخروج عسى أن يتجنب لقاء من أتى الآن !

سمع بعض الأصوات خارج غرفته ختمها صوت رجل صارخاً : لوكاس !
انتفض جسده بخوف ! مجرد صراخه هكذا جعل لوكاس يعلم أن والده غاضب جداً !
ضم ساقيه بقوة و أغمض عيناه بخوف ليسمع صوت باب غرفته يفتح فدخل من يدعوه بوالده غاضباً و رائحة الكحول تفوح منه يحمل في يده سوط ! فنظر لوكاس له بخوف و قد أدرك أنه لن يرتاح هذه الليلة !

.............

في الصباح و مثل كل يوم خرج لوكاس ليعمل مجدداً .
كان يعزف الكمان في الشارع ليجذب الناس إلى ألحانه الجميلة فيعطوه النقود على عزفه الرائع ، و هو كان يغرق وسط موسيقاه أيضاً فلطالما أحب هذا الكمان و رغم أنه لم يتعلم العزف عليه في السابق إلا أنه كان يلعب به منذ فترة طويلة جداً و دون أن يشعر أصبح يعزف ألحان جميلة من تأليفه بالاعتماد على موهبته و أذنه الموسيقية !

بعد عزفه لعدة ساعات قرر الاستراحة قليلاً و الانتقال لمنطقة أخرى .
كان يسير في شوارع المدينة الجميلة فرأى الولد الذي ساعده أمس يجري بسرعة إلى أحد الأزقة !
ناداه لوكاس إلا أن ذلك الفتى لم يسمعه أو ربما لم يهتم بمن يناديه !
توقف لوكاس ينظر للزقاق الذي ذهب اليه ذلك الفتى بحيرة .

فجأة شعر ببعض الأولاد يقفون خلفه و سرعان ما احاطوا به !
نظر لوكاس لهم بحيرة و دهشة ثم تحدث : ما الأمر ؟ من انتم ؟
تحدث أحدهم بغضب شديد : لا تتظاهر بالغباء نيكولاس سنجعلك تندم !
إنهى ذلك الفتى جملته بكره شديد مخرجاً سكيناً !

شعر لوكاس بالخوف منه فتراجع للخلف قليلاً ناطقاً : انتظر انا لا اعرفك و لا أعرف نيكولاس ذاك !
اتجهت سكين ذاك الفتى نحو لوكاس بينما يصرخ : اصمت !
تجنبها لوكاس ليبدأ بالركض بسرعة مبتعداً عنهم بينما لحقه أولئك الأولاد !

صرخ أحدهم : توقف نيكولاس !
ركض لوكاس بأقصى سرعته دون توقف لتظهر بعقله صورة الفتى الذي ساعده أمس مفكراً " نيكولاس ؟ .. هل هو .. ذلك الفتى ؟"
استمر الأولاد بالركض خلفه و الصراخ فتحدث لوكاس في نفسه " هل يظنون أنني هو ؟ ..فقط ما الذي فعله ذلك الفتى لهم ليغضبوا هكذا ؟ "

فوق احد الأبنية جلس الفتى نيكولاس يتنهد براحة مفكراً
" أخيراً هربت منهم "
نظر للأسفل ليتاكد أن كانوا مازال يتبعونه فراى الأولاد يتبعون لوكاس !
تحدث في نفسه بحيرة " هل فعل ذلك الفتى شيئاً لهم ؟ لقد ظننته مسالما "

نهض نيكولاس ليغادر مفكراً " بأي حال لا علاقة لي بذلك "
ابتعد قليلاً إلا أنه توقف فجأة بدهشة مفكراً " هل يمكن ... إنهم يظنون انه انا ! "
وقف يفكر قليلا ثم عض على شفتيه بانزعاج " تبا "

كان لوكاس يجري بسرعة و قد بدأ يشعر بالتعب !
مر بجانب أحد الأزقة الضيقة لتمتد يد تغطي فمه و تسحبه لداخلها !
حاول لوكاس أبعاد تلك اليد بقوة إلا أن سماعه صوت صاحبها يأمره بالسكون جعله يتوقف !
أذنه الموسيقية تلك لن تخطئ هذا الصوت المميز ! الصوت الذي يشبه صوته تماماً !

مر الأولاد بجانب الزقاق دون أن ينتبهوا لهما بسبب ضيق المكان فسحب نيكولاس لوكاس ليبتعدا عن هذا المكان بهدوء حيث توقف نيكولاس بجانب أحد الأبنية البعيدة ليلتقط لوكاس أنفاسه !

رفع لوكاس رأسه ينظر لنيكولاس بابتسامة قائلاً : لقد تقابلنا مجدداً ، شكراً لك لإنقاذي .
رد نيكولاس بينما يسير مبتعدا : لم انقذك ، فقط لم ارد أن تتورط بالمشاكل بسببي لذا لا تأتي لهذه المنطقة مجدداً !

تبعه لوكاس بابتسامة : لا فرق لدي فأنت انقذتني بأي حال ، لكن ماذا كان اسمك ؟ لقد نسيته !
صمت لوكاس ينظر لالذي أمامه بحماس ينتظر أن يعرف اسمه إلا أنه أجاب : لا داعي لتعرف اسمي .
رد لوكاس فوراً بسعادة : نيكولاس !
توقف نيكولاس عن السير و شعر بقشعريرة تسري بجسده !
نظر للوكاس بانزعاج ليتحدث : انت لم تنسه أيها المزعج !

ابتسم لوكاس بلطف و تحدث : و هل أنساه بعد أن ركضوا خلفي هكذا و أرادوا قتلي بسببه ! لكنني أردت أن اسمعه منك لكن يبدو انك لا ترغب بقوله في النهاية !
رد نيكولاس بابتسامة ماكرة : و لما ترغب بمعرفته بشدة ؟
نظر لوكاس له بحيرة ، حقا لما أراد ذلك ؟
شعر لوكاس بشعور جميل و هو ينطق اسمه ذاك ، هل بسبب ان شكل نيكولاس يشبهه ؟
أم لأنه اول شخص يساعده بشيء ما و أول شخص يناديه باسمه ؟

و دون تفكير رد لوكاس بابتسامة : لأنني أرغب أن نكون أصدقاء !
نظر نيكولاس له بصدمة ثم تغيرت ملامح وجهه للحزن ليتحدث : من الأفضل أن تبتعد عني !
نظرات لوكاس الحائرة اتجهت له بينما يتحدث : لماذا ؟

نظر نيكولاس له و رد بانزعاج : لأنني اجذب المشاكل ! دائماً تحدث الأمور السيئة حولي !

بدت الحيرة على وجه لوكاس و سرعان ما تحولت لابتسامة لينطق : لا بأس ، فأنا أيضاً اجذب المشاكل !
ظهرت ملامح الصدمة على وجه نيكولاس ثم تحولت لابتسامة ماكرة : انت غريب حقاً !

ابتسامة لطيفة شقت طريقها لوجه لوكاس بينما ابتسم نيكولاس بقلة حيلة .
بدأ الولدان يلتقيان كثيراً و دون أن يشعر نيكولاس أصبح ينتظره كل يوم أمام حديقة لوتبودج حيث يعمل لوكاس في الصباح !
و مع كل يوم يمر زادت علاقتهما قوة دون أن يشعرا !

في أحد الأيام في الصباح كان لوكاس يعزف على الكمان بينما يقف نيكولاس خلفه يستمع لعزفه المذهل كما وصفه نيكولاس !
توقف لوكاس عند انتهائه من ذلك اللحن فاقترب نيكولاس منه بابتسامته الواثقة ليتحدث : لوكاس ، جاء بعض التجار من دول أخرى إلى المدينة اليوم ليعرضوا صناعات بلدهم ، دعنا نذهب و نرى أيضاً !

نظر لوكاس له بدهشة ليتحدث : ماذا ؟ لكنني .. يجب أن أجمع المال ، انت تستطيع الذهاب .
رد نيكولاس بعبوس : لن استمتع من دونك ، انت تجمع النقود كل يوم لذا خذ اليوم راحة .

نطق لوكاس بحزن : لا استطيع .
أجاب نيكولاس : لماذا ؟
اخفض لوكاس رأسه ليتحدث بارتباك : .. لأن .. ابي ....!
اغمض لوكاس عيناه بقوة فلم يرد إكمال تلك الجملة فرفع رأسه ينظر لنيكولاس ليتحدث بما خطر بعقله : ابي مريض و احتاج للمال لمساعدته و علاجه !
نظر نيكولاس له بشك و نطق : والدك لن يمانع أن ترتاح قليلاً و تستمتع !

رد لوكاس بارتباك : انا .. أرغب بمساعدته كثيراً !
تنهد نيكولاس و تحدث : حسناً إذن ، أن جمعت مالاً كثيراً قبل نهاية اليوم هل ستذهب !
نظر لوكاس له بحيرة و أجاب : أ.. أعتقد ذلك .. لكن لا أظن أنني سانجح بهذا فالناس قليلون اليوم و لا يستمعون لي !
تحدث نيكولاس بابتسامة واثقة : هل تجيد موسيقى سعيدة أو تشعرك بالحماس ؟

أجاب لوكاس بحيرة : نعم لماذا ؟
ابتعد نيكولاس عنه قليلا بينما يتحدث : اعزفها إذن !
رفع لوكاس الكمان ليضعه على كتفه كما يفعل دائماً فتوسعت عيناه بصدمة و قلق عندما رأى نيكولاس يخرج ثلاثة سكاكين من جيبه بينما يتحدث بابتسامة : لست جيدا جدا بهذا لكنني قد استطيع مساعدتك قليلاً .

تحدث لوكاس بقلق : نيكولاس لا تفعل شيئاً خطيراً !
رد نيكولاس بحماس : هيا أبدأ !
شهق لوكاس بصدمة إلا أنه بدأ العزف فوراً بينما ينظر بقلق لنيكولاس و الذي بدأ برمي السكاكين في الهواء و القيام ببعض الحركات الخطيرة المتناسقة مع الموسيقى و التي جعلت الناس يتوقفون و يشاهدونهما باستمتاع !

دهش لوكاس من سرعة حركة نيكولاس و سيطرته الكاملة على جسده و السكاكين في الهواء فبدأ يندمج في العرض مما جعله يخرج موسيقى رائعة تناسبت مع حركات رفيقه !
إلى أن توقف كلاهما بنفس الوقت لينهيا هذا العرض و يسمعا صوت تصفيق الناس لهما !

جمعا نقود كثيرة بتعاونهما معا فشعر كلاهما بالسعادة !
و عند منتصف النهار كان لوكاس قد جمع الكثير حقاً ، أكثر مما يطالبه والده بأن يحظره في اليوم الواحد !
نظر لنيكولاس بسعادة و امتنان ليتحدث : نصف هذه النقود لك .
إلا أن نيكولاس أجاب : لا أرغب بها خذها فقط تعال معي للمعرض !
رد لوكاس : لكنك ساعدتني أيضاً !
تحدث نيكولاس بملل : اعتبرها هدية مني و الآن دعنا نذهب انت الوحيد الذي استمتع معه !

أنهى نيكولاس كلامه بسحب لوكاس خلفه ليذهبا حيث يرغب .
و لم يمانع لوكاس فقد جمع ما يحتاجه و أكثر و سيكون سعيداً بالطبع أن حظي بوقت يستمتع به و يلعب كالآخرين في عمره .

ذهبا للمعرض و رأيا الكثير من الأغراض الغريبة بالنسبة لهما ، بعضها عرفها نيكولاس و شرح للوكاس ما هي و البعض الآخر تعرف عليه لوكاس بسبب قرائته الكثير من الكتب و أخبر نيكولاس ما هي أيضاً .
استمتعا معا و اشتريا بعض الحلوى الغريبة و الرخيصة بالنقود الزائدة لدى لوكاس .
كانت أول مرة يستمتع بها لوكاس هكذا و يضحك و يبتسم من كل قلبه دون أن يعلم انها المرة الأولى لنيكولاس أيضاً و التي شعر فيها أنه أخيراً يرى شيء جميلاً في حياته و أنها اول ابتسامة سعيدة حقيقية له !
و كل هذا بفضل انهما قد التقيا .

كانت الشمس قد غربت ..
أوصل نيكولاس رفيقه لوكاس إلى حديقة لوتبودج كالعادة و ودعه بابتسامة لطيفة قائلا : حسناً أراك غداً لوكا...
قاطع كلامه عناق لوكاس له بشدة !
نظر نيكولاس لم بدهشة بينما تحدث لوكاس بابتسامة لطيفة و الدموع تكاد تخرج من عينيه من السعادة : شكراً لك نيكولاس .. شكر لك كثيراً ، هذا كان أجمل يوم في حياتي .. انا سعيد جداً !

شعر نيكولاس بشعور غريب !
هو أيضا سعيد جداً .. لا يرغب بالابتعاد عن أول صديق له ، أول شخص يتحدث معه بلطف ، و أول شخص يحتضنه بدفئ هكذا !
رفع ذراعيه ليحتضنه أيضاً ..
ثم تحدث : لوكاس .. غداً .. هو نهاية هذا العام ، و سيقام مهرجان كالعادة ، ما رأيك .. إن نذهب معا لرؤية الالعاب النارية ؟

ابتعد لوكاس عنه قليلاً ليتحدث بدهشة : العاب نارية ؟
رد نيكولاس بخجل : أجل ، انا لم أخرج من قبل في وقت متأخر لذا لم ارها من قبل لذا سيكون ممتعاً أن نشاهدها معا .
رد لوكاس : انا أيضًا كنت أسمع صوتها فقط لكن .. وقت الألعاب النارية متأخر جداً لذا .. ابي ..

تحدث نيكولاس بابتسامة : ساساعدك بجمع النقود في النهار اذا جعلته يوافق على ذهابنا .
نظر لوكاس له بعبوس ليتحدث : انت أناني ، الن تساعدني أن لم يوافق ؟
ضحك نيكولاس بخفة و تحدث : لن اساعدك أن كنت لا تساعدني بالمجيء معي .

عبس لوكاس بخفة ثم ابتسم و أجاب : حسناً سأحاول ، إلى اللقاء .
ابتعد لوكاس عن نيكولاس عائداً لمنزله و يفكر بشأن الغد .
بينما لوح له نيكولاس ثم سار عائداً لمنزله أيضاً و هو يشعر بالسعادة لما حدث اليوم ، لم يكن يعلم أن المعارض و المهرجانات ممتعة هكذا !
لا هي ليست ممتعة ! بل إن تذهب مع أصدقائك و عائلتك هو ما يجعلها ممتعة .

وصل نيكولاس لمنزله في حي فقير و مظلم أيضاً ففتح الباب و دخله ليسمع صوت سقوط غطاء معدني في المطبخ !
توجهت أنظاره نحو تلك الغرفة فوراً بقلق !
تقدم نحو المطبخ و فتح بابه ببطئ ليرى من في الداخل !
تنهد براحة عندما رأى صبي في مثل عمره ذو شعر اسود فتحدث : لقد اخفتني جاك ظننت انه عاد قبلي !

التقط جاك الغطاء بينما يتحدث : أين كنت نيكولاس ؟ انت تخالف القوانين كثيراً هذه الأيام ، لن أغطي عليك مجدداً ان استمر الأمر طويلاً !
تقدم نيكولاس ليجلس على أحد الكراسي يراقب جاك يعد طعام العشاء بينما يتحدث : لقد ذهبت للمعرض !
نظر جاك له بحيرة لينطق : انت ؟
ابتسم نيكولاس بمكر ليجيب : و هل هناك مشكلة بذهابي ؟
عاد جاك للعمل بينما يجيب : ليس كذلك لكنك لا تحب التجمعات عادة ، و لما تتأخر لهذا الوقت ؟

رد نيكولاس : كنت مع أحدهم .
نظر جاك له بقلق و تحدث : مع من ؟
ابتسم نيكولاس بمكر و أجاب : صديق تعرفت عليه مؤخراً .
رد جاك بحيرة : صديق ؟
اجاب نيكولاس بمرح: أجل ، إنه شخص لطيف و صادق ، لمحت بعض الحزن في عينيه لكنه يبتسم دائماً و هو حساس و ممتع و لطيف !

تحدث جاك : و انت شخص كاذب و مخادع و قد تصبح مجرماً قريباً !
تلك الكلمات جعلت نيكولاس يشعر بالانزعاج فاخفض رأسه يهمس في نفسه : لن أكون كذلك !
سمعه جاك فتنهد ليتحدث : ستجلب المشاكل لنفسك بسبب ذلك الصديق ، أن اكتشف السيد ستاين ذلك فسيعاقبك !

نهض نيكولاس ليجيب : لن يكتشف ، و انت لن تتحدث ... لا أرغب بالطعام .
خرج نيكولاس من المطبخ متجها لغرفته .
كانت غرفته صغيرة بالطابق الثاني احتوت سريرين ، أحدهما له و الاخر لرفيقه جاك .
جلس نيكولاس على سريره بجوار النافذة ليحدق بالقمر .
ظهرت بعض ملامح الحزن على وجهه و هو يتذكر الفرق الكبير بينه و بين لوكاس !
هل يستطيع شخص مثله البقاء مع لوكاس حقا ! لا يرغب أن يسبب المشاكل للوكاس لكن لا يرغب بتركه أيضاً !

فجأة فتحت باب غرفته بهدوء ليدخل جاك الغرفة و ينظر له بانزعاج .
تنهد جاك ثم تحدث : حسناً آسف لم أقصد إزعاجك ، و تعلم أنني لن أتحدث بأي حال لذا تعال لتناول الطعام !
نظر نيكولاس له بابتسامة ليتحدث : جاك ، غداً ساخرج عند منتصف الليل !
شهق جاك بصدمة ليتحدث بقلق : ماذا ؟ مستحيل ، السيد ستاين قد يعود في أي لحظة و أن لم يجدك ستكون في مشكلة !

ابتسم نيكولاس و اقترب من جاك بسرعة ليتحدث : أن لم يعد قبل خروجي كل شيء سيكون بخير ، و انت ستغطي غيابي أن عاد قبلي .
كتف جاك يداه لصدره متحدثاً : لا تورطني بهذا أيضاً ، لا أرغب أن أعاقب بسببك !
تحدث نيكولاس بابتسامة و رجاء : هيا ، سأعود بسرعة !
نظر جاك له لبعض الوقت ثم تنهد و تحدث بانزعاج : حسناً !

شعر نيكولاس بسعادة كبيرة ثم تحدث : جيد ، غداً ساخرج في الصباح و أعود مساءً لأخرج منتصف الليل !
رد جاك : أتمنى أن تنجح بهذا !
ضحك نيكولاس و خرج برفقة جاك ليذهبا للمطبخ و يتناولا الطعام قبل عودة رئيسهما و صاحب المنزل ستاين !

..............

و في حي آخر عند أطراف المدينة ..
كان لوكاس يجلس بغرفة يقرأ كالعادة إلى أن سمع صوت باب منزله يفتح !
و لحسن الحظ لم يكن والده قد شرب كثيراً هذه المرة .
خرج لوكاس من غرفته بهدوء ليقابل والده .
لم يكن والده لطيف معه حتى و هو في وعيه لكنه على الأقل لا يضربه دون سبب !

وقف لوكاس أمام والده الذي كان يرى ما جمعه لوكاس من نقود هذا اليوم فنطق والده : جيد .
شعر لوكاس ببعض الطمأنينة لذا تحدث بصوت مرتبك لا يخلو من الخوف : أ..أبي !
نظر والده له مما زاد ارتباك لوكاس إلا أنه نطق : غ..غداً .. هل استطيع .. الخروج .. لرؤية الألعاب النارية ؟!
نطق لوكاس بهذه الجملة بصعوبة و قلق كأنه يطلب شيئاً صعب جداً و ليس شيئاً يعد من أبسط حقوقه !

احتدت نظرات والده الذي تحدث بانزعاج : لا .. إن كان لديك وقت لمشاهدة هذه التفاهات فاذهب للعمل !
نظر لوكاس له بارتباك و هو يتذكر نيكولاس فتحدث : سأعمل بجد في النهار ، أرجوك فقط هذه المرة !
نظر والده له ثم ابتسم بخبث و نطق : حسناً لكن عليك جمع ضعف المبلغ غداً و الا لن تذهب !
صدم لوكاس من هذا و همس : ضعف ؟!

تحدث والد لوكاس بحزم : إذهب لغرفتك الآن .
استدار لوكاس ليغادر بحزن و يذهب لغرفته فجلس في الزاوية يفكر بما يجب أن يفعله غداً ، سيبذل جهده ليستطيع الذهاب برفقة نيكولاس !
ابتسم بخفة عندما تذكر ابتسامة نيكولاس له ! لا يعرف السبب لكنه يشعر بالسعادة و الراحة عندما يكون معه .

............................

في الصباح اتجه نيكولاس لحديقة لوتبودج لمقابلة رفيقه المفضل و عندما رآه سأله فوراً أن كان والده قد وافق فأجاب لوكاس بأنه وافق .
شعر نيكولاس بسعادة كبيرة ، لأول مرة سيخرج مع شخص يرتاح معه ليستمتعا معا !
انطلق نيكولاس ليقف وسط الساحة قائلا : حسناً إذن ساساعدك بجمع الكثير من النقود ليشفى والدك الرائع بسرعة !

شعر لوكاس ببعض الحزن من تلك العبارة ! ليت والده لطيف كما يظنه نيكولاس ! هو لم يستطع أن يخبره أن والده يضربه و يجبره على العمل ، شعر بالاحراج من هذا ! فهو أيضاً يظن أن نيكولاس يعيش مع عائلة جميلة و دافئة بعكسه هو ، لذا لم يرد أن يعلم رفيقه بحقيقته خوفاً من أن يتركه و يتخلى عنه !

في ذلك اليوم عملا معا بجد طوال النهار دون أن يعلم نيكولاس بشرط والد لوكاس الصعب عليه !
لكن في نهاية اليوم استطاع لوكاس بالكاد جمع المبلغ الذي طلبه والده !
شعر بسعادة كبيرة انه استطاع فعلها .
لم يتوقع انه سينجح و كان يفكر كيف سيخبر نيكولاس في حال لم ينجح !
سمع صوت نيكولاس يتحدث بابتسامة واثقة كالعادة : إذن سنذهب اليوم صحيح ؟

ابتسم لوكاس بلطف و أجاب بسعادة : أجل !
مسح نيكولاس على شعره بخفة قائلاً : إذن سانتظرك هنا في الساعة 11:30 ! نستطيع رؤية الألعاب النارية من هنا لكنني سأخذك إلى مكان جميل لنستمتع معا .
ابتسم لوكاس بسعادة و تحدث : أجل متحمس لذلك جداً ، حسنا أراك منتصف الليل !

افترق الولدان ليتجه كل منهم لمنزله فما زال هناك أكثر من اربع ساعات حتى موعد الالعاب النارية كما أن على لوكاس إيصال المال لوالده !
افترقا و هما متحمسان جداً لأول مرة ! قد يكون الموضوع عادياً و بسيطاً إلا أنه بالنسبة لهما شيء لا يصدق ! دائماً ما كانا يسمعان أصوات انفجار الألعاب النارية فقط دون رؤيتها ، لكن هذه السنة ستكون مختلفة سيستطيعان رؤيتها بجانب بعضهما !
و هذا فقط جعلهما يطيران من السعادة !

وصل نيكولاس لمنزله و مد يده لفتح الباب إلا أن سماع صوت تحطم زجاج في الداخل جعله يتوقف بصدمة و قلق !
نظر للباب بخوف متمنياً أن يكون توقعه خاطئاً !
لكنه لن يستفيد شيئا بالوقوف هكذا فقط لذا مد يده ليفتح الباب ببطئ ليكون أول ما تقع عيناه عليه هو جاك الجالس على الأرض بألم و بجانبه كأس زجاجي مكسور و بعض الدماء تخرج من يده بسبب ذلك الزجاج !

تقدم نيكولاس نحوه بسرعة منادياً باسمه و انخفض لمستواه بقلق ليطمئن عليه !
فجأة سمع صوت خلفه يتحدث بملل : أخيراً وصل نيكولاس !
نظرات نيكولاس المرتبكة اتجهت للواقف خلفه فوراً و الذي لم يكن سوى أسوأ كوابيسه .. القاتل ستاين !

تقدم ستاين نحوه ليتحدث بانزعاج : هل تظن أنني لم ألاحظ ما تفعله ؟
نهض نيكولاس ليتراجع للخلف قليلاً بقلق و تحدث : سيدي ؟
تحدث ستاين بملل : تخالف القوانين و تتأخر بالعودة و تتهرب من التدريب ، و فوق هذا تخرج مع شخص غريب دون إذني ؟
شهق نيكولاس بصدمة بسبب آخر جملة قالها دون أن يعلم أن تصرفه هذا قد أكد شكوك ستاين تلك !

ابتسم ستاين بمكر عند رؤيته ردة فعل نيكولاس ليتحدث : هل تظنني لا أعلم ؟ أنا من علمك كل شيء تعرفه ... انت لم تعاقب منذ مدة و يبدو انك بحاجة لعقاب قاسي هذه المرة ! هل علي قتل ذلك الشخص لتتعلم كيف تطيع الأوامر ؟

صرخ نيكولاس : لا تقترب منه ! أبقى بعيداً عنه !
أمسك ستاين رقبة نيكولاس بقوة يمنع الهواء من العبور لرئتيه بينما يتحدث : و تصرخ أيضاً ؟ لن يكون عقابك رحيما أبداً كجاك !

نظر نيكولاس للشخص الذي أمامه بخوف لا يخلو من كره شديد ! لماذا عاد ستاين مبكراً اليوم بالذات !

........................

في الجانب الآخر ..
جلس لوكاس في غرفته بهدوء و على غير العادة لم يكن يقرأ كتبه تلك بل كان يحدق بالفراغ بابتسامة خفيفة يتخيل كيف سيكون خروجه الأول للعب .

انتفض جسده بخوف عند سماعه صوت باب المنزل يفتح بقوة شديدة كانه إقتحام مسلح !
نظر لباب غرفته بارتباك فهمس : ابي ؟
نهض ببطئ و اقترب من الباب ليفتحه قليلاً و ينظر من خلفه فوجد ان والده قد عاد و جلس على الاريكة بانزعاج !

رآه والده فصرخ بغضب : لوكاس تعال إلى هنا .
انتفض جسد الصغير بخوف ليقترب من والده بارتباك فيبدو انه غاضباً جدا !
تحدث والده بغضب : اين النقود التي جمعتها ؟
احظر لوكاس النقود له و أعطاها اياه بينما يتحدث بصوت مرتجف : لقد .. أحضرت الضعف كما طلبت !

كان والده منزعجا جداً من أمر ما لذا
رد بغضب : جيد عد لغرفتك .
نظر لوكاس له بقلق ليتحدث : س..ستسمح لي بالخروج .. صحيح ؟
ارتفع رأس والده لينظر له مجيباً : لن تخرج لأي مكان عد لغرفتك فوراً !
صدم لوكاس من إجابة والده فتحدث فوراً باعتراض و حزن شديد : لكنك قلت انك ستسمح لي بالخروج أن احضرت ضعف المبلغ !

نهض والده بغضب ليضربه فوراً صارخاً : قلت لن تذهب !
سقط لوكاس على الأرض بسبب ضربة والده القوية و ما يزال متفاجئاً أن والده غير رأيه و اخلف وعده له لتخطر بعقله فجأة صورة نيكولاس و ابتسامته الواثقة و كيف سيكون حزيناً أن لم يأتي لوكاس اليوم !
و لأول مرة في حياته نظر لوكاس لعيني والده و صرخ : لماذا ؟ لقد احضرت ضعف النقود ! وعدتني أن أخرج !

احتدت نظرات والده أكثر لتعيد الخوف لقلبه بعد أن استجمع شجاعته لاول مرة ليصرخ بهذه الكلمات القليلة فتحدث والده ببرود زاد الرعب في قبل الصغير : تغيرت الأوضاع و انا غاضب جداً الآن .. و انت تزيد غضبي أكثر .
التقط والده السوط ليقترب منه بغضب فنظر لوكاس له بألم و حزن شديدين قبل أن يرتفع ذاك السوط في الهواء و يهوي بقوة على جسده الصغير ليسبب له ألماً شديداً مع خروج بعض صرخاته المنخفضة و التي حاول كبحها بصعوبة شديدة !

.................................

و في منتصف الليل ..
انتهى عام آخر من عمرهم و ذهب ليبدأ العام جديد .
احتفل الناس بسعادة في كل مكان و ارتفع صوت الالعاب النارية مثل كل عام .

و مثل كل عام ..
بالكاد فتح لوكاس عيناه بألم شديد بسبب سماعه صوت انفجار الالعاب النارية في السماء بعد أن كان قد فقد وعيه من الآلم !
كان مستلقياً على الأرض و آثار السوط ملأت جسده تمنعه من الحركة حتى !
نظر نحو النافذة و التي لم يكن يستطيع الرؤية من خلالها سوى جدار أحد المباني القديمة بحزن شديد و هو يفكر برفيقه نيكولاس ! هل ينتظره الآن ؟ هل هو غاضب منه لأنه لم يحضر ؟ هل سينزعج و يتخلى عنه ؟
خرجت دمعه من عينيه لتشق طريقها و تسقط على الارض بحرقة !
بينما يهمس صاحبها : أرجوك سامحني نيكولاس !

و في الجانب الآخر ..
سمع نيكولاس صوت الألعاب النارية ففتح عينيه بارهاق يستمع لها !
كان جالساً على الأرض في إحدى غرف منزله بمفرده يسند ظهره للجدار خلفه بألم و الجراح غطت جسده ! بعض قطرات الدماء تخرج من فمه و أخرى على ملابسه !
رفع رأسه ينظر للفراغ بينما يسمع الأصوات المرتفعة في الخارج !
ظهر الحزن الشديد و الألم على وجهه و خرجت دمعة من عينه فاخفض رأسه بندم هامسا : آسف ، لوكاس !

و هكذا تحول اليوم الذي يفترض أن يكون أجمل يوم في حياتهما إلى يوم سيء عانى فيه كل من نيكولاس و لوكاس من ألماً شديداً !
و ما الجديد بهذا ؟
هكذا تكون أغلب أيامهما ، ظنا أن هذا العام سيكون مختلفاً لكن لا شيء تغير !
ما زالا يجلسان بمفردهما بلا شخص يدعمهما أو يقدم لهم بعض الحنان !

.....................................

في الصباح و كالعادة كان لوكاس يعزف قرب حديقة لوتبودج .
حاول ان يعزف ألحاناً سعيدة و جميلة إلا أن موسيقاه تتحول لموسيقى حزينة دون إرادته فمشاعره هي التي تتحكم بموسيقاه و ليس يداه !

توقف عن العزف و نظر نحو الطريق الذي يأتي منه نيكولاس دائماً فلم يراه !
تأخر نيكولاس كثيراً لكن هل سيأتي أساساً ؟ اخفض لوكاس رأسه بحزن شديد مفكراً : هل هو غاضب مني ؟ هل تخلى عني ؟ ألن يأتي مجدداً ؟
شعر لوكاس بالألم يعتصر صدره ! يلوم نفسه على عدم الذهاب أمس دون أن يعلم أن نيكولاس أيضا لم يأتي !
الأمر ليس انه لا يثق بنيكولاس ، بل لا يثق بنفسه ! يقلل من قيمته كثيراً و يرى أن لا فائدة منه فلماذا سيرغب شخص بالبقاء معه ؟

أعاد وضع الكمان على كتفه بحزن شديد ليسمع صوت شخص ينادي اسمه من بعيد !
التفت نحوه فوراً فكان نيكولاس يتجه إليه مسرعاً !
ابتسم لوكاس كأنه رأى الأمل يعود مجدداً فاقترب منه بسرعة حتى اصبحا أمام بعضهما مباشرةً فتحدث نيكولاس بابتسامة : آسف لتأخري كنت مشغولاً قليلاً .

ابتسم لوكاس و أجاب : لا بأس .
ساد الصمت لثوان لا يعلم كلاهما ما يقولانه.
نطق أحدهما اسم الآخر بالوقت نفسه فصمتا ليستمعا لما سيقوله الآخر !
ابتسم نيكولاس و تحدث : تكلم انت أولا .
فتحدث لوكاس بحزن : حسناً ، أنا آسف لأنني لم اتي امس !
تفاجئ نيكولاس فهو ظن أنه خيب أمل لوكاس و جعله ينتظره كثيراً دون أن يأتي !

أكمل لوكاس بندم : أعلم أنني أخبرتك أنني ساتي و انك ساعدتني كثيراً أمس لكنني لم أستطع ، آسف جداً ، أرجوك لا تغضب !
أنهى لوكاس كلامه مخفضاً رأسه بحزن شديد !
كان نيكولاس ينظر له بتفاجئ و قد لاحظ خوفه الشديد و قلقه فقرر عدم اخباره بأنه لم يأتي بعد أن كان قد استعد للاعتذار أيضا . ابتسم بخفة و مد يديه ليمسك وجه لوكاس و يجعله ينظر له ليتحدث : و هل أنا أغضب منك ؟ لما انت خائف مني هكذا ؟ لم يحدث شيء !

نظر لوكاس له بدهشة ثم ابتسم بخفة معبراً سعادته برد رفيقه فتحدث نيكولاس بفضول بعد أن أبعد يديه : لكن لما لم تأتي ؟ هل حدث شيء ؟
أجاب لوكاس : لا أعلم لما لكن ابي غير رأيه.
رد نيكولاس بحيرة : ربما شعر بالقلق عليك لأن الوقت متأخر جداً ؟

نظر لوكاس للاسفل ببعض الحزن فلاحظ وجود بعض الآثار الحمراء على رقبة نيكولاس فمد يده نحوها بحيرة يتحدث : نيكولاس ماهذا ؟
و قبل وصول يده لرقبة رفيقه امسكها نيكولاس مانعاً اياها من الوصول لغايتها ليتحدث بابتسامة مرتبكة : هذا لا شيء ، أصبت قليلاً بسبب الشجار مع بعض الأولاد المزعجين !

عندما أمسك نيكولاس يد لوكاس هكذا لاحظ بعض الآثار أيضا اسفل كم قميصه فنظر لها بحيرة و أراد رفع كم قميصه ليراه جيداً إلا أن لوكاس سحب يده فوراً فنظر نيكولاس له بدهشة و عيناه أوضحت انه يرغب بمعرفة سبب تلك الآثار أيضاً فتحدث لوكاس بارتباك : انها .. انا ايضا تشاجرت مع بعض الأولاد !

نظر نيكولاس له بحاجب مرفوع و تحدث : انت تشاجرت ؟
رد لوكاس بحيرة : أجل و ما الغريب بهذا ؟ انت تفعل أيضاً !

رد نيكولاس بسخرية : أن كان هذا صحيحاً فأظن انك تقصد انك من ضرب من قبلهم .
عبس لوكاس و أجاب : انا قوي ايضا !
رد نيكولاس باستهزاء : لا أتخيل هذا أبداً .
زاد عبوس لوكاس فضحك نيكولاس على ملامح وجهه اللطيفة كما يصفها !

وقف نيكولاس خلف لوكاس يراقبه أثناء عمله و يستمع لموسيقاه الجميلة التي بدت بها السعادة بعد أن جاء رفيقه .
و بعد عدة ساعات رأى نيكولاس جاك يقف بعيداً عنهم ينظر لهم فنظر له نيكولاس بحيرة و شك كأنه يسأله عن ما يفعله هنا ؟!
أشار جاك إليه ببعض الإشارات بيديه ففهم نيكولاس ما يعنيه !
تقدم نحو لوكاس الذي توقف عن العزف عندما شعر به يقترب فتحدث نيكولاس بابتسامة : لوكاس ، تذكرت شيء علي القيام به لذا ساغادر الآن !

شعر لوكاس بالدهشة و الحيرة فتحدث : ح..حسناً !
نيكولاس : لكن لا تحزن أخبرتك أنني لست غاضباً ، اراك لاحقاً !
أنهى نيكولاس كلامه فقبل لوكاس على جبينه و ركض مبتعداً فوراً !
تفاجئ لوكاس من هذا و لم يعطه نيكولاس فرصة للرد فقد هرب بسرعة !
وضع لوكاس يده على جبينه حيث قبله نيكولاس قبل قليل و قد شعر ببعض السعادة ! هذه أول مرة يحدث هذا ! بل اول مرة يهتم به أحد !

نظر إلى نيكولاس و هو يبتعد عنه بسرعة فرأى فتى في مثل عمرهم يدخل أحد الأزقة و نيكولاس خلفه !
تسائل في نفسه هل هو صديقه ؟
هذه أول مرة يراه فيها ، هل لدى نيكولاس أصدقاء آخرون غيره ؟
شعر بشعور غريب داخله إلا أنه حرك رأسه نافياً ليتحدث في نفسه " هذا طبيعي ، لا بد أن لديه اصدقاء آخرين كثر ... فقط انا من لست طبيعياً "

عاد لوكاس للعزف و هو يشعر بالسعادة لأن نيكولاس لم يغضب منه ، لكن لا يعلم لما ينزعج قليلاً عندما يتذكر الفتى الذي ذهب نيكولاس معه !
شعر أن ذلك الفتى أخذ نيكولاس منه !
عبس بطفولية و هو يفكر بهذا .

أما بالنسبة لنيكولاس فقد اتجه حيث كان يقف جاك فوراً ليتبعه لموقع التدريب !
ما أن وصل اليه حتى تحدث جاك محاولاً إزعاج زميله : قبلة لطيفة !
أحمر وجه نيكولاس خجلاً لينطق : اصمت !
فضحك جاك عليه و هذا كان حدثاً نادراً لكلامهما فنيكولاس الذي يحب أن يكون وحيداً فتح قلبه لشخص ما هكذا !
و جاك البارد بعض الشيء و الذي لم يضحك منذ مدة طويلة يضحك الآن !

ألا إن هذا لم يمنع نيكولاس من إيقافه عن الضحك خاصةً انه يضحك عليه فقال : بأي حال ، هل أنت متأكد ان السيد ستاين سيأتي للتدريب اليوم ؟
نظر جاك له بجدية بينما كانا يركضان باستمرار ليتحدث : أجل ، لقد سمعته يتحدث بالهاتف و قال لمن يحدثه انه لن يخرج اليوم فهو سيدربنا لأنه لم يفعل ذلك منذ مدة ، عليك ان تشكرني لأنني جئت فوراً لأخبرك ، لا أصدق انك هربت من التدريب و لم يمضي يوم واحد على عقابك بعد ! هل هذا تأثير ذلك الفتى ؟!

نظر نيكولاس للأمام و أجاب : حقاً شكراً  لك لو لم تكن موجوداً لكنت في مشكلة ، ( يبتسم ) ربما يكون كذلك ، منذ أن استيقظت و انا أشعر برغبة شديدة برؤيته ! تذكر عندما أخبرتك أنني أشعر أن هناك شيء مفقوداً و ان شخص ما يناديني ؟ هذا الشعور يختفي تماما عندما أكون معه لذا هو شيء جميل و مريح حقاً !

جاك : هو يشبهك في المظهر كثيراً ظننته انت ! لو لم يكن يعزف على ذلك الكمان لذهبت إليه معتقداً انه انت !
ضحك نيكولاس بخفة و هو يجيب : أجل و هذا أجمل ما في الأمر .

نظر جاك له بطرف عينه : ربما تكون هناك صلة قرابة بينكما ؟
توقف نيكولاس عن الركض فجأة و نظر لجاك بصدمة ثم تحدث بارتباك : لا ، هذا مستحيل .. هو .. لديه عائلة .. يمتلك أباً !
توقف جاك أيضا لينظر له بجدية و نطق : ربما يكون والده افترق عن والدته و كل منهما أخذ أحد أبنائه ثم اعطتك والدتك للسيد ستاين ؟

ابتسم نيكولاس كأنه يسخر من نفسه و تحدث : لماذا اخذتني إذن أن كانت ستتركني ؟ هذا غير منطقي لا تخترع قصص من عندك هو ليس أخي ، اسرع لنذهب قبل أن يصل السيد ستاين !

عاد نيكولاس للركض نحو موقع التدريب فتبعه جاك أيضا ، هناك حيث سيدربهما القاتل ستاين ليكونا قاتلين أيضاً عندما يكبران !
ليس كأنهما هما من اختار هذا .
فكما قال جاك .. تخلت والدة نيكولاس عنه عندما كان رضيعاً و باعته لستاين مقابل المال ! هذا ما أخبره ستاين به .
أما بالنسبة لجاك .. فقد قتل ستاين والديه أمام عينيه و حاول جاك حماية أخته الصغرى فاعجب ستاين بشجاعته و تضحيته لذا عقد معه اتفاقاً أن يذهب جاك معه مقابل أن يترك أخته تعيش !
و قد وافق جاك على هذا و ترك أخته مع عمه و ذهب دون أن يراه أحد فأعتقد الجميع أنه مات مع والديه !

لهذا هما وحيدان الآن و مجبران على تنفيذ أوامر ستاين و الا سيعاقبهما أو قد يقتلهما أن أراد ذلك !

.......................................

مرت الأيام بهدوء أو لنقل كالعادة دون حدوث شيء جديد .
بعد ثلاثة أسابيع ..
كان لوكاس قد أنهى عمله و قد افترق عن نيكولاس قبل ساعتين لذا يبدو انه لن يودعه اليوم .
استدار ليغادر و يعود لمنزله ليجد بعض الأولاد يقفون خلفه !
امال لوكاس برأسه بحيرة و نطق : هل تريدون شيئاً ؟

رد أحدهم بانزعاج : تعال معنا نيكولاس .
تفاجئ لوكاس من مناداتهم له بنيكولاس ! هل هم أشخاص آخرون يظنون انه نيكولاس ؟ ألا ان عمله في العزف في الشارع لمدة طويلة جعله يدرك أن كان الشخص جيداً أم سيئا من نظرة واحدة !
و هؤلاء الأولاد بالتأكيد لم تكن نيتهم جيدة !

رد لوكاس بانزعاج: لماذا ماذا تريدون ؟
امسك اثنان منهم ذراعيه بقوة فحاول الإفلات بلا فائدة سحبه أولئك الأولاد فوراً إلى احد الأزقة الضيقة مستغلين قلة الناس الذين يسيرون هنا في هذا الوقت !

الا ان جاك كان يمر بالقرب منهم فرأهم من بعيد ، نظر لهم بحيرة ليتحدث في نفسه " نيكولاس ؟ انهم يأخذوه معهم ! "
نظر لهم لبعض الوقت و هم يبتعدون " حسنا لا بأس ، نيكولاس سيهزمهم بأي حال ! "

أكمل جاك طريقه متجاهلا ما رآه ظناً منه أنه نيكولاس !
بينما أخذ أولئك الأولاد لوكاس لزقاق فارغ و لم تتوقف مقاومة لوكاس لهم إلا أنهم كانوا أكثر عدداً منه بكثير بالإضافة الى انه ليس من النوع الذي يتشاجر كما وصفه نيكولاس و هو لم يتدرب يوماً على القتال !
توقف الأولاد و تجمعوا حوله ليحيطوه ! فرأى لوكاس شخصاً يقف في نهاية الزقاق ينظر له ! لم يكن سوى ستاين الذي مر من هنا مصادفة !

حاول لوكاس رفع يده نحوه بينما ينظر له كأنه يطلب منه المساعدة ، لكن هل ستاين ذاك يهتم ؟ ابتسم بمكر و تحرك مبتعداً عنه متجاهلا نظراته تلك !
بالنسبة له هو يدرب نيكولاس ليصبح قاتلاً محترفاً يكمل مسيرته و سيواجه خصوماً أقوياء لذا شيء كهذا يفترض أن يتولى نيكولاس أمره بمفرده و أن لا يواجه صعوبة كبيرة بسببهم !
لكن هذا الفتى ليس نيكولاس ! ليس الشخص الذي تدرب ليقتل !

صدم لوكاس و شعر بالألم ! لماذا ذلك الشخص ابتسم و تجاهله ؟ كالعادة لا أحد يهتم لأمره أو لما سيحدث له .
نظر لوكاس للأولاد و صرخ : ماذا تريدون ؟ ما الذي تفعلونه ؟
ضحك أحدهم بخفة ليتحدث : أنت سريع بالهرب لكنك ضعيف عندما نمسكك !
ارتسمت ملامح القلق و الارتباك على وجه لوكاس ! هل هم يلاحقون نيكولاس منذ مدة ؟ لماذا ؟

اومأ ذلك الشخص و الذي يبدو انه قائد هؤلاء الأولاد لرفيقه ليتحرك الأخر محاولا أخذ حقيبة لوكاس منه و التي تحمل وسيلته الوحيدة لتجنب غضب أبيه !
فصرخ لوكاس : اتركها ! اعدها لي !
أخذ الفتى حقيبته بينما يتحدث : لنرى أي سلاح تخفي فيها !
صدم لوكاس و نطق : سلاح ؟!

فتح حقيبته و نظر لما في داخله بدهشة ثم أخرج الكمان ليتحدث بسخرية : ما هذا ؟ قاتل يعزف على الكمان ! ام انك سرقته من شخص ما ؟
صرخ لوكاس : أتركه انه لي !
رماه لأحد رفاقه ثم أخرج كيس صغيراً من حقيبة لوكاس و فتحه ليرى النقود فيه !
ابتسم الفتى بخبث و تحدث : سارق ، انت قاتل و سارق أيضاً .

صرخ لوكاس بحزن : لست سارقاً و لا هو !
نطق الفتى يأمر رفيقه الذي يحمل الكمان بتحطيمه فرفع لوكاس راسه ينظر له بصدمة بينما ارتفعت يد ذلك الشخص ليحطم الكمان فصرخ لوكاس : لا توقف !
و ارتفع صوت تكسر الخشب في المكان !

.............................

في هذا الوقت كان نيكولاس عائداً لمنزله فرأى جاك في طريقه فتقدم بسرعة ليصبح بجانبه و تحدث بابتسامته الواثقة كالعادة : مرحباً جاك .
نظر جاك له و رد عليه : مرحباً ، انتهيت أسرع مما توقعت !
نظر نيكولاس له بحيرة : انتهيت من ماذا ؟
أجاب جاك ببرود : من أولئك الأولاد ، لقد رأيتك معهم !

لم يفهم نيكولاس شيئ من كلامه فنطق : أي أولاد أنا لم أكن مع أحد ؟!
توقف جاك و نظر له بحاجب مرفوع : رأيت بعض الأولاد يأخذونك معهم قبل قليل !
نطق نيكولاس بحيرة : رأيتني ؟!

توسعت عينا نيكولاس بصدمة فجأة فتحدث بصوت قلق : أين رأيتني ؟
رد جاك بعدم فهم : قرب حديقة لوتبودج !
ركض نيكولاس فوراً نحو الحديقة دون قول أي كلمة فنظر جاك له بحيرة ثوان حتى توسعت عيناه بصدمة هو أيضاً عند تذكره لأمر الفتى الذي يشبه نيكولاس تماماً !
" هل أخطأت بينهما ؟ "

عض على شفته بندم لتجاهله أمره و تركه ليبدأ بالركض أيضا يتبع نيكولاس !
و بعد مدة وصلوا لمبتغاهم فنطق نيكولاس بقلق : أين رأيتهم يأخذوه ؟!
تقدم جاك على نيكولاس يجري : من هنا .
تبعه نيكولاس بارتباك و قلق على صديقه المقرب ! مروا بعدة أزقة إلى أن وصلوا أخيراً إلى مبتغاهم حيث رأى نيكولاس جسد ملقى على الأرض من بعيد فأسرع فوراً نحوه ليجد لوكاس مصابا بشدة و بعض الدماء تخرج منه !
توسعت عيناه بصدمة لينادي اسمه عدة مرات بقلق شديد !

..........................

بدأ يستعيد وعيه أخيراً ففتح عيناه بصعوبة ليجد نفسه في مكان لم يره من قبل !
انتفض جسده فور رؤية فتى غريب ذو شعر أسود يجلس بجانبه إلا أن ذلك الفتى امسكه محاولا ابقائه مستلقياً على السرير .
قاومه لوكاس و هو يصرخ : اتركني ، ابتعد عني ، ماذا تريد مني ؟!

حاول الفتى تهدئته بقوله : اهدأ قليلاً ، لن أفعل لك شيئاً ، انا مع نيكولاس !
توقفت حركة لوكاس عند ذكر الفتى اسم نيكولاس فهدأ جسده و تحدث : انت .. صديق نيكولاس ؟
ابتعد الفتى عنه ليجيب : تقريباً ، المهم انك بأمان هنا حالياً و نيكولاس أيضاً هنا لذا اطمئن .

فجأة ارتفع صوت نيكولاس الذي دخل الغرفة للتو بسعادة : لوكاس !
نظر المعني لنيكولاس و هو يقترب منه بسرعة يتحدث : هل أنت بخير ؟ كيف تشعر الآن ؟ هل تتألم ؟
ابتسم لوكاس بخفة و اجاب : انا بخير .
تنهد نيكولاس براحة متحدثاً : حمداً لله .

نطق لوكاس بارتباك : أين أنا الآن ؟ و لما انت هنا ؟
ابتسم نيكولاس و اجابه بهدوء : هذا منزلي ، أحضرتك إلى هنا لأنك كنت مصاباً .
تذكر لوكاس ما حدث له فتحدث بسرعة : ماذا عن الكمان ؟ ... و النقود ؟

نظر نيكولاس له ثم تحدث بحزن : وجدت الكمان محطماً .. هذا فقط !
توسعت عينا لوكاس قليلاً ثم ظهرت ملامح الحزن على وجهه .. الكمان الذي أحبه ..الشيء الوحيد الذي ينسيه معاناته .. طريقته التي تجنبه بعضاً من غضب والده و ضربه له ... قد اختفت الآن ! و أيضاً أخذوا النقود التي عمل بجد لأجلها !

تحدث نيكولاس بابتسامة : لكنك بخير و هذا جيد ، هذه الأشياء غير مهمة .
نظر لوكاس له بدهشة ثم تصنع الابتسام بخفة رغم الخوف و القلق الذي بداخله !
ليت والده يفكر هكذا أيضاً !
قام نيكولاس بتعريف لوكاس على جاك ثم قال إنه سينتقم ممن أذى لوكاس و يعيد نقوده إلا أن لوكاس اعترض و طلب منه عدم فعل شيء لهم و بعد أن ذهب جاك و تركهما بمفردهما تحدث لوكاس ببعض القلق : لكن نيكولاس .. لما كانوا يلاحقونك ؟

نظر نيكولاس له بدهشة ثم ابعد نظره عن لوكاس مجيباً : بلا سبب .
رد لوكاس بقلق أكبر : كيف بلا سبب ؟ هل فعلوا كل هذا فقط بسبب انهم أرادوا ذلك ؟ لقد وصفوك بالقاتل لماذا ؟

لأول مرة رأى لوكاس ملامح الحزن على وجه نيكولاس و هو يجيب : لا أعلم .. انا .. لم أفعل شيئاً !
لوكاس : نيكولاس اجبني .. لماذا فعلوا هذا ؟
شعر نيكولاس بالخوف و القلق من سؤاله !
الخوف من ان صديقه الوحيد سيتركه أن علم بحقيقته !
إن علم بأن ستاين قد يقرر تحويله لقاتل بأي لحظة فقد يبتعد عنه و يتجنبه كما يفعل جميع من يسكن بهذه المنطقة !

تحدث نيكولاس بارتباك شديد : انهم .. كل ما في الأمر .. إنهم ... لا يحبونني .. فقط !
تحدث لوكاس بحيرة : لماذا ؟
نيكولاس : ل..لأنني ...
صدر صوت غريب مكملاً جملته : اعمل مع قاتل !
اتجهت أنظار الصغيرين نحو مدخل الغرفة ليريا ستاين يقف هناك بابتسامة خبيثة حملت الكثير من الشر ! لما يعود للمنزل مبكراً فقط في أوقات كهذه ؟!

كرر لوكاس آخر كلمة نطقها ستاين بصدمة و حدق به ببعض القلق فقد أدرك من تلك الابتسامة الخبيثة أن صاحبها ليس بشخص جيد مطلقاً !
و سرعان ما تحول ذلك القلق لخوف عند اقتراب ستاين منهما يتحدث بابتسامته تلك : ما هذا نيكولاس آخر ؟

وقف في الجانب الآخر من السرير مقابلا لنيكولاس و انخفض قليلاً ليقترب من لوكاس أكثر يتفحصه بابتسامة : لكنك تبدو الطف من نيكولاس بعض الشيء !

انتفض جسد لوكاس بخفة و حدق بستاين بخوف و قلق فاحاطه نيكولاس بذراعيه بقوة ليحميه من ذلك المجرم بيننا يحدق بستاين بغضب و كره شديدين !
استقام ستاين متحدثاً : إذن هو من كنت تخرج معه ؟ كان هذا أسرع مما توقعت .

ابتعد عنهما ليغادر الغرفة بينما يكمل : أفضل الاحتفاظ بالنسخة القوية ، إن لم يغادر بسرعة فاستعد ليكون ضحيتك الأولى !

خرج ستاين من الغرفة بعد ذلك التهديد ليترك نيكولاس وسط صدمته و خوفه ! امسك لوكاس بقميص نيكولاس و تحدث برجاء و قلق : نيكولاس أرجوك غادر هذا المكان لا تبقى مع ذلك الشخص !
نظر نيكولاس له بصدمة ! هل هو قلق عليه حتى بعد أن تم تهديده بالقتل قبل قليل !

تحدث لوكاس بقلق شديد : واضح انه خطير جداً و قد يؤذيك لذا...
قاطع نيكولاس كلامه و قد ابتعد عنه قليلاً : لوكاس اسمعت ما قاله قبل قليل ؟
ظهرت الحيرة و القلق بوضوح على وجه لوكاس فابتسم نيكولاس إلا أن عينيه عكست حزنه بوضوح : انا اعمل معه .. أعمل مع قاتل .. أي أنني مجرم أيضاً و قد اقتلك !

همس لوكاس بصدمة : ماذا ؟!
نطق نيكولاس بابتسامة لم يخفى على لوكاس حزنها : هذا ما أردت معرفته .. لذا .. من الأفضل أن تبتعد عني الآن .

عم الصمت لثوان حتى تحدث لوكاس بحزن : لماذا ؟ .. لماذا تقول هذا ؟
توسعت عينا نيكولاس بصدمة بينما أكمل لوكاس : انت لست قاتلاً لم تقتل شخصاً انت لن تقتلني !
نظر نيكولاس له بصدمة فهذا اول شخص يقول له هذا فنطق : كيف تقول هذا بثقة ؟ انت لم تقضي معي سوى بضع أسابيع ، لا تعرف ما يمكن للسيد ستاين أن يفعل ؟!

أجاب لوكاس بحزم : لا أحتاج أن اعرفه و لا أن أقضي مدة طويلة معك ! أنت اول صديق لي و أثق انك لن تؤذيني ابدا ! ... انت ..أول شخص يعاملني بلطف .. أول من ساعدني و اهتم بي ... حتى لو كنت قد قتلت مئة شخص فأنا لن اتركك و ساوقفك بنفسي !

لم يصدق نيكولاس ما يسمعه ! هل هو يحلم ؟ تحدث بتردد : هل ... ستبقى معي ... حتى بعد معرفتك هذا ؟ .. لن تتخلى عني ؟!

ابتسم لوكاس بخفة : مستحيل أن أتخلى عنك !
سرعان ما تحولت نظرات نيكولاس المصدومة لابتسامة سعيدة و لمعت عيناه بخفة فاحتضنه بقوة و صدر صوته مخفضاً بعض الشيء : شكراً لك .. شكراً لك لوكاس !

نظر لوكاس له بدهشة فهذه اول مرة يرى نيكولاس هكذا ! ألا انه ابتسم و بادله العناق فقد عرف شيئاً جديداً عن رفيقه و قد يكون أكبر سر لديه !

كان نيكولاس سعيداً لأنه اكتسب صديقاً حقيقياً لن يتركه مهما حدث ! كان سعيداً جداً لكن.. هل سعادته هذه ستدوم ؟
قاطعه صوت رفيقه جاك : لا ينقصكما سوى قبلة .

ابتعد نيكولاس عن لوكاس فوراً بفزع لينظر له بصدمة و سرعان ما عبس و تحدث : اصمت انت لقد اخفتني !

حاول نيكولاس إمساك جاك إلا أنه هرب منه بسرعة ليقف على مسافة منهما و تحدث : هيا لا تخجل لست شخص غريباً و قد رايتكما في السابق .

نطق بها بابتسامة بريئة لإغاظة نيكولاس و قد نجح بالفعل .
فقد نهض نيكولاس فوراً و قد أحمر وجهه بخجل طفولي و تحدث بصوت مرتفع قليلاً : اصمت ساقتلك انت !

سمعا صوت ضحكة لوكاس الخفيفة فنظرا له بابتسامة فاقترب جاك من لوكاس بسرعة و جلس قربه يشده على وجنتيه و يتحدث بابتسامة : متشابهان بالمظهر لكن لوكاس الطف من نيكولاس بكثير .

نظر نيكولاس لهما بابتسامة بينما عبس لوكاس بألم و نطق : نيكولاس ساعدني !
ضحك نيكولاس بخفة ثم أبعد جاك عن لوكاس نظر لوكاس لهما و سأل أن كان جاك أيضا يعمل مع ستاين فأجابه بنعم .
قال نيكولاس أنهما لا يستطيعان التحرر منه حالياً لذا هما مضطران للبقاء هنا ! و طمأن لوكاس بأنه سيحاول تجنب قتل أحد مهما تطلب الأمر !

و بعد قليل نهض لوكاس و خرج من المنزل
بعد أن ودع نيكولاس و جاك قائلا بابتسامة لطيفة بأنه سيراهما غداً .

بعد أن ابتعد قليلاً تنهد لينزع قناع السعادة ذاك و قد اختفت ابتسامته و ارتجفت أصابعه بخفة و هو يفكر
" انا .. انا خائف جدا .. لا أرغب بالعودة .. لا أرغب بالعودة للمنزل !"

خطرت بعقله صورة والده الغاضب فضم جسده بخوف
" ماذا أفعل ؟ ماذا سأقول له ؟ .. سيضربني مجدداً ! "

نظر لوكاس للطريق بخوف لكن ما من مكان يستطيع الذهاب إليه و لا شخص ليطلب مساعدته !
تحركت قدماه بصعوبة نحو منزله مستسلماً لمصيره .
يفكر بما سيحدث الآن ، فهو لم يعد يملك الكمان ليستطيع كسب المال أو ليخفف خوفه بألحانه العذبة !

وصل للمنزل و قد غربت الشمس منذ مدة .
امتدت يده المرتجفة لفتح الباب ثم دخل و أغلقه خلفه ببطئ فاتاه صوت والده الغاضب صارخاً به : لوكاس أين كنت لما تأخرت ؟!
انتفض جسده بخوف بسبب صراخ والده المرتفع و أغلق عيناه بقوة بينما يجيب بصوت مهتز : آسف .. انا اسف !

نظر والده له باستنكار ثم تحدث : أين النقود ؟
لم يجب لوكاس بشيء مجرد سماع صوته يخيفه !
الا انه والده لم يهتم له يوماً فصرخ بغضب : لوكاس !

انتفض جسد الصغير بخوف و شد على قبضة يده بقوة و تحدث بخوف : لقد .. لقد سرقت ! .. و الكمان .. تحطم !
ظهر الغضب واضحا على وجه والده الذي تقدم نحوه فوراً و سحبه من شعره بقوة صارخاً بغضب : أضعت النقود و حطمت الكمان أيضاً ؟!

صدر أنين متألم من لوكاس و ظهرت ملامح الألم إلى وجهه فرماه والده نحو الجدار بقوة بينما يتحدث : لا فائدة منك !

اتجه والده إلى الاريكة و حمل سترته فنظر لوكاس له بدهشة فقد توقع أنه سيأخذ السوط ليضربه لكنه لم يعلم أن الأسوأ قادم إليه !

تحدث والده بينما يرتدي سترته القديمة : كنت ساتخلص منك بعد يومين لكن بما انك أصبحت بلا فائدة تماماً فستغادر الآن .

توسعت عينا لوكاس بصدمة و همس بخوف : أغادر ؟!

تقدم والده نحوه و أمسك ذراعه بقوة ليسحبه خلفه بقسوة قائلا : هيا انهض !
حاول لوكاس أبعاد يد والده عنه بينما يتحدث : انتظر .. ابي .. إلى أين تأخذني ؟ ماذا تقصد باغادر ؟ الى أين سأذهب .. أبي !!

تجاهل والده صراخه و سحبه لخارج المنزل و اتجه به إلى الغابة !
بعد مدة تعب لوكاس من المقاومة و سار معه مكرها مدة لا يعلم كم كانت إلى أن لاح له من بعيد منزل قديم ! بدا مهجوراً لكن كان هناك العديد من الرجال حوله ! كان المكان مظلماً و مخيفاً جداً !

تقدم أحدهم و الذي يبدو انه رئيسهم نحوهما ليتحدث : مرحباً سيد اجينيس ، لما انت هنا ؟

رد والد لوكاس : جئت لاعطيك لوكاس كما اتفقنا .

شهق لوكاس بصدمة و نظر لوالده بعينين متسعتين !
هل حقا سيعطيه لهؤلاء الرجال ؟
رد ذلك الرجل بابتسامة : لكننا اتفقنا أن أخذه بعد يومين ؟

تحدث والد لوكاس ببرود دون ذرة حزن أو ندم : لم أعد أريده ، يمكنك وضعه بمكان ما حتى تغادروا .

لم يستطع لوكاس النطق بشيء من الصدمة ! هذا كابوس ؟ أم أنه وهم ؟ هذا ليس حقيقياً صحيح ؟
رد الرجل : لا مانع لدي لكن إلا تمانع أن يرى ابنك عملنا ؟

ابتسم والد لوكاس ليجيب : و ما الذي يهمني بهذا ؟ أنا ابيعه لك لا اجعلك تأخذه بنزهة !

ابتسم الرجل بمكر و أجاب : حسنا ساخذه .
مد يده ليعطيه كيسا علم لوكاس من شكله أنه يحتوي على النقود .
لكن مهلا ، هل سيبعه والده من اجل النقود حقاً ؟
هل وصل به ألأمر أن يفعل هذا أيضاً ؟

أخذ والده الكيس و ترك ذراع لوكاس الذي بقي يحدق به بصدمة قبل ان يهمس : ابي ؟!

استدار والده ليغادر تاركاً اياه بمفرده فهمس لوكاس : ابي لا تتركني !

ألا انه لم يلتفت له حتى فتحدث لوكاس : أرجوك !

نظر لوكاس لوالده بصدمة و هو يبتعد عنه فتحركت قدماه فوراً دون وعي ليلحق به فأمسك ذراعه بقوة و صرخ و سط دموعه التي انهمرت بشدة : أرجوك لا تتركني ابي ، ساجد عملا جديداً ، سافعل أي شيء ، ارجوك لا تتركني معهم !!

امسك بعض الرجال ذراعيه ليبعدوه عن والده بقسوة إلا أن صراخه استمر محاولا تغيير رأي والده : أرجوك لا تتركني ! ساحظر الكثير من النقود ، ابي لا تتركني ! أرجوك ابي !

لم يهتم والده لصراخه او لدموعه التي ملأت عيناه بغزارة و رحل تاركاً الفتى بين يدي أولئك الأشخاص !
تقدم قائدهم نحوه بينما كان هناك رجلان يمسكان ذراعيه بقوة !

امتدت يد الرجل اسفل رأس لوكاس لترفعه نحوه ليقابل نظراته الخائفة و المصدومة فابتسم الرجل بخبث و تحدث : اسمع يا فتى ، والدك تخلى عنك و تركك لذا لا تقم بأي تصرف مزعج و الا قتلناك ! انت ستبقى معنا هنا لثلاثة أيام ثم سنغادر هذه المدينة الجميلة و نذهب لواحدة أخرى حيث سيشتريك أحدهم ليفعل ما يريده بك أفهمت ؟ أنت الآن كأي سلعة أخرى أن لم تفدنا سنتخلص منك بسهولة !

بدأ جسد لوكاس بالارتجاف و تلك الكلمات لم تساعده ليهدأ أبداً بل جعلت دموعه تأبى التوقف تماماً الآن !
تحدث ذلك الرجل بابتسامة خبيثة : لا تخف كثيراً فمظهرك الجميل سيجعل أحدهم يأخذك بسرعة !

اومأ لرجاله يأمرهم بأخذه إلى القبو فنفذوا ذلك فوراً !
رمى أولئك الاثنان لوكاس في القبو و اغلقا الباب ، رفع لوكاس رأسه ببطئ ليكون أول ما يراه هو دماء ملأت الغرفة لتصبغها باللون الاحمر و جثة رجل مشوهة تماماً ملقاة وسطها لا يستطيع أحد تمييز ملامحه حتى !

توسعت عينا لوكاس بخوف شديد فصرخ و تراجع للخلف ليصطدم بالجدار و ينزلق للاسفل فجلس على الأرض بخوف مغمضاً عينيه بقوة واضعا يديه على جانبي رأسه يرتجف بقوة و دموعه تسقط بغزارة !

كل شيء مخيف الآن !
كل شيء يرعبه و يجعله يرغب بالهرب لابعد مكان في العالم !
هل تخلى عنه والده حقاً ؟!
هل سيبيعه للناس ؟!
هل سيجبره على مغادرة المدينة ؟!
على ترك رفيقه الوحيد ؟!
ما مصيره الآن ؟!
ما الذي سيلاقيه ؟! ماذا سيواجه بحياته هذه من الألم بعد ؟

استمرت دموعه بالانهمار بشدة و همس وسط خوفه هذا : يا إلهي .. ساعدني .... نيكولاس ..!
همس بذلك الاسم في خوف شديد منادياً صاحبه عله يستطيع سماعه و إنقاذه من هذا الألم !

.............................

استيقظ الأشقر من نومه بفزع و كان تنفسه سريعاً و دقات قلبه كأنه في سباق !
نظر حوله ليجد المكان مظلم لا ينيره سوى ضوء القمر و جاك نائماً على السرير الآخر مقابلا له !

وضع نيكولاس يده على جانب صدره الايسر حيث شعر بألم شديد !
عاد ذلك الشعور بالفراغ ، كأن شخص ما يناديه لكن هذه المرة كان النداء أوضح من سابقه !
هل من يناديه يحتاجه بشدة الآن ؟!
لا يعلم لما شعر برغبة شديدة برؤية لوكاس !

يرغب برؤيته حالا ! لكن الوقت متأخر جداً و لا يمكنه الذهاب إليه الآن !
هو حتى لا يعلم مكان منزله أو رقم هاتف يتصل من خلاله به !

عاد للاستلقاء و هو يفكر بأنه سيراه غداً بأي حال دون ان يعلم أن من ينتظر رؤيته غداً ... لن يأتي أبداً !

....................................

أشرقت الشمس الدافئة في الصباح بعد ذلك اليوم المؤلم و الطويل بالنسبة لأحدهم و اليوم الجميل بالنسبة لشخص آخر حيث أخرج السر الذي كان يخفيه لاعز أصدقائه و اراح صدره بمعرفة انه لن يتركه مهما حدث .

لكن إن كان هذا صحيحاً فلما هو ليس هنا اليوم ؟
منذ ساعتين و نيكولاس ينتظره في موقع لقائهما المعتاد لكنه لم يظهر حتى الآن !
" هل تركني ؟ "
هذا ما دار بعقل نيكولاس في ذلك الوقت .

نفس المكان ، نفس الجملة ، لكن من شخص مختلف !
كل من لوكاس و نيكولاس يكره الوحدة لكنه يلجأ إليها لحماية نفسه ! كلاهما يشعران بأن لا أحد يرغب بهما ، كلاهما خائف من أن يترك في الخلف بمفرده ! و ما يختلف فقط هو طريقة تعاملهما مع شعورهما !

فاحدهما فضل الوحدة و أن يسير بمفرده و أن يصبح الأقوى ليعتمد على نفسه فقط تاركاً الجميع و بهذا لن يستطيع أحد تركه !

و الاخر حاول بأقصى جهده لكي لا يتم تركه و أن يبقى في المجتمع ! حاول العمل حيث يعمل الآخرون و الابتسام لكي لا يزعج أحد و أن يتقبله أحد بهذا العالم !

كلاهما أراد شخص ليحبه و يخرجه من ذلك الظلام الذي يعيشه إلا أن أحدهما تُرك مجدداً من قبل من يفترض أن يكون الاقرب إليه و الاخر يكاد يظن أن أول شخص فتح قلبه له تركه و تخلى عنه !

" لا .. لا هو لن يتركني .. هو قال إنه لن يتركني مهما حدث ... إذن .. هل حدث شيء له ؟ لما لم يأتي ؟ أين هو ؟! "

بدأت هذه الأفكار بالنمو داخل عقل نيكولاس فبدأ بالبحث عن لوكاس في شوارع المدينة !
بحث و بحث لكن بلا فائدة ! لم يجد لوكاس في أي مكان !
رآه جاك من بعيد فاتجه إليه و سأله عما يفعله فرد نيكولاس عليه بسؤال آخر : هل رأيت لوكاس اليوم ؟

نظر جاك له بحيرة و أجاب : لا ، ألا تستطيع إيجاده ؟

رد نيكولاس بقلق : انه غير موجود بأي مكان !

نظر جاك له قليلا ثم اقترب واضعا يده على كتفه بينما يتحدث : اهدأ نيكولاس ، ربما يكون ...!

قاطعه نيكولاس مبعداً يده عنه صارخاً : هو لم يتخلى عني !

نظر جاك له ببعض الصدمة و تحدث : و كيف تؤكد هذا ؟ أي شخص سيشعر بالخوف و يبتعد أن تم تهديده !

رد نيكولاس بأنفعال و قلق : انا اعلم هذا لكن لوكاس ليس من هذا نوع ! أشعر به .. إنه في خطر .. إنه يطلب مساعدتي !

نظر جاك له بانزعاج و نطق : ما هذا الهراء نيكولاس ؟ هذه مجرد تخيلات عد لعقلك !

فجأة توسعت عينا نيكولاس بخوف و تحدث : هل فعل السيد ستاين شيئاً له ؟

نظر جاك له بحيرة و رد : سيدي ؟ .. هذا .. هذا ممكن !

دون سابق إنذار بدأ نيكولاس بالجري نحو منزله فلحقه جاك بسرعة !
ألا ان المنزل كان فارغاً !
هل يأتي ستاين مبكراً فقط عندما لا يرغبان ان يأتي ؟!

بقي الاثنان ينتظران في المنزل فقد غربت الشمس و لن يجدوا لوكاس في هذا الوقت بأي حال كما أن لا فائدة من البحث عن ستاين فهما لا يستطيعان إيجاده دائماً !

دقت الساعة العاشرة مساءً ففتح باب المنزل أخيراً !
نهض نيكولاس فوراً ليقابل ستاين الذي دخل للتو فنظر الثاني له بدهشة و تحدث بابتسامة : ماذا هل كنت تنتظرني ؟

رد نيكولاس بانفعال : ماذا فعلت بلوكاس ؟!
نظر الآخر له بحيرة و أجاب : لوكاس ؟ أتقصد الفتى الذي يشبهك ؟ ماذا هل تركك !

رد نيكولاس بانفعال و قلق : لم يتركني أنت فعلت له شيئاً ! أين هو ؟!

ضحك ستاين بخفة و رد : انت مخطئ ، أن كنت سأفعل شيئاً فسافعله أمامك لكي لا تنسى منظر شقيقك و هو يموت امام عينيك .

توسعت عينا نيكولاس بصدمة و حيرة ليهمس : ش...شقيقي ؟!

نظر ستاين له بحيرة و ثوانٍ حتى بدأ بالضحك فصرخ نيكولاس : ما المضحك ؟ لما تضحك الان ؟!

انحنى ستاين قليلاً و تحدث بابتسامة خبيثة مستمتعة : الم تعلم الحقيقة بعد ؟ كل هذا الشبه بينكما و لم تلاحظ ؟ أم أنك تحاول إنكار الحقيقة فقط و التمني له بأن يعيش بسعادة !

دفعه نيكولاس ليبعده عنه قليلا و صرخ : أي حقيقة ؟ ما الذي تقوله ؟!

نطق ستاين بابتسامة : ذلك الفتى شقيقك التوأم ! نسختك الصغيرة !

توسعت عينا نيكولاس بشدة فنطق : ماذا ؟! (صرخ) هذا ليس صحيحاً هو لديه عائلة و والد يهتم به !

ضحك ستاين تحدث : انه ليس والده .. والدكما مات منذ زمن ! احظرتكما والدتكما الي لأخذكما مقابل المال و عندما طلبتُ تخفيضاً لانكما اثنان لم توافق و باعت احد الولدين لتاجر بشر ليربيه حتى يكبر قليلاً ثم يبيعه لإحدى العصابات !

شعر نيكولاس وكأن صاعقة ضربته لتتركه وسط صدمة شديدة ! ضحك ستاين على ردة فعله و أضاف : أن لم تجده فهذا يعني أنه قد تم بيعه ، ودع شقيقك ذاك فلن تراه مجدداً ، من يعلم ماذا سيفعل به من يشتريه !

غادر ستاين الغرفة متجهاً لغرفته بعد أن ألقى تلك الحقيقة الصادمة على نيكولاس فانهار جالساً على الأرض بقوة !
تقدم جاك نحوه مسرعاً منادياً اسمه بقلق !

تزاحمت الأفكار بعقل نيكولاس !
لوكاس شقيقه ؟ والد رفيقه ليس والده الحقيقي ؟ سيأخذ لمدينة أخرى ؟ سيتم بيعه ؟ هل هو أداة ليتم بيعه و شرائه هكذا ؟
هذا غير ممكن ! هذا مستحيل ! لا يمكنهم أبعاده عنه ! لا يمكن !

نهض نيكولاس فوراً محاولاً الخروج الا أن جاك أمسكه بقوة لمنعه من ذلك فصرخ نيكولاس : اتركني يجب أن أجد لوكاس ، لا يمكنهم أخذه هكذا ، لا يمكنهم ابعاده !

أمسك جاك ذراعه بقوة و صرخ : نيكولاس أهدأ قليلاً ، لا يمكنك إيجاده الآن لقد حل الظلام بالفعل ! اهدأ لتفكر جيداً !

رمى نيكولاس بجاك نحو الجدار و انطلق نحو الباب صارخاً : هذا ليس وقت التفكير سيأخذون لوكاس بعيداً !

حاول نيكولاس فتح الباب ليكتشف أن ستاين قد اقفله فوفقاً لقانونه عليهما التواجد في البيت قبل الساعة الثامنة و يمنع الخروج بعدها لذا فهو يقفل الباب كل ليلة بعد عودته !

ضرب نيكولاس الباب بقوة صارخاً : أريد الخروج ، افتح الباب ستاين !!

تقدم جاك نحوه واضعاً يده على فم نيكولاس ليمنعه من الصراخ و إثارة غضب ستاين عليهما : نيكولاس اهدأ ! ان لم تحافظ على حياتك لن تستطيع إنقاذ لوكاس !

هدأ من حركة نيكولاس تدريجياً ليسقط جالساً على الأرض بينما تحدث جاك : غداً صباحاً سنبحث عنه .

................................

في الصباح خرج نيكولاس و جاك للبحث عن لوكاس ، ذهبوا حيث يمكن أن يختبئ تجار البشر أولئك لكن لم يجدا شيئاً ! استمر جاك بالبحث في الأماكن المظلمة و المليئة بالمجرمين بينما حاول نيكولاس معرفة موقع منزل لوكاس السابق !

بعد مدة من البحث وجد نيكولاس المنزل و طرق بابه بقوة !
لحسن الحظ كان والد لوكاس المزيف موجوداً ففتح الباب ليرى نسخة لوكاس تلك !

نظر له بحاجب مرفوع و أمسك ياقة قميصه بقوة ليرفعه للأعلى قليلاً قائلاً : ماذا تفعل هنا ؟ كيف هربت ؟!

قاومه نيكولاس بينما يصرخ : إذن انت بعت لوكاس حقا !

نظر والد لوكاس له بعدم فهم لثوان حتى استوعب ما يحدث فأنزله قائلاً : ذلك الاحمق وجد توأمه إذن ؟ عد من حيث أتيت و الا قتلتك !

كانت نيران الغضب تتصاعد من نيكولاس بالفعل فهو فقد رفيقه و توأمه العزيز قبل أن يعلم حتى لذا تحدث بصوت بارد و مخيف : تقتلني ؟ إن لم تخبرني أين هو أخي الان فساجعلك جثة هامدة في ثوانٍ !

نظر الرجل له باستنكار فتقدم نحوه ممسكا ياقة قميصه بقوة ليتحدث بغضب شديد : لسانك طويل أيها الفتى ! يبدو أن مالكك لم يربيك جيداً !

تطايرت الدماء امام اعين والد لوكاس ليصدم بأن نيكولاس قد خدش ذراعه التي تمسكه بقوة مسبباً له النزيف !

تراجع الرجل للخلف قليلا و أمسك بذراعه المصابة بقوة متألماً !

تذكر نيكولاس الجراح التي رآها على ذراع لوكاس و الاصابات الكثيرة على جسده عندما كان يعالجه بعد تعرض الأولاد له فتقدم نحوه بنظرات مخيفة تحمل غضباً شديداً : فهمت الآن ، إذن انت من كان يؤذي أخي اللطيف !

لمع خنجر نيكولاس أمام عيني الرجل ليسبب له بعض الارتباك و القلق بينما أكمل نيكولاس : لا أمانع ان تكون أنت ضحيتي الأولى لذا أخبرني بمكانه و قد تحتفظ بحياتك !

بدا الغضب على وجه ذلك الرجل فأخرج سكيناً من جيبه و ركض نحو نيكولاس مستهيناً به لصغر حجمه و عمره بينما يصرخ : ستندم أيها الوغد !

الا ان نيكولاس تجنب السكين بسهوله و استدار خلفه ليضرب ساقه فسقط الرجل جالساً على الأرض فأمسك نيكولاس ذراعه ليجعلها خلف ظهره واضعاً خنجر فوق عين الرجل !

كل هذا حدث خلال ثانية و الفضل بهذا لتدريبات ستاين القاسية و قابلية نيكولاس على التعلم بسرعة حتى أسماه ستاين بالاسطورة ! فهو الأقرب ليكون خليفة ستاين من جاك رغم صغر سنه !

كان والد لوكاس بحالة صدمة و غير قادر على الحركة بسبب الخنجر الذي يهدده باختراق جمجمته بأي لحظة و نظرات نيكولاس الباردة و القاتلة نحوه !
تحدث نيكولاس ببرود مخيف : ألقي السكين !

نفذ الرجل كلامه مفكراً " من هذا الفتى ؟ إنه لا يشبه لوكاس أبداً ! فقط من الذي أخذه في ذلك الوقت ليصبح هكذا ؟! "

نيكولاس : هل ستتحدث أم ستتخلى عن هذه العين ؟!

رد الرجل فوراً بارتباك : لا انتظر ساخبرك ، إنهم في الغابة !

اخفض نيكولاس يده قليلاً ليصبح الخنجر أمام عين الرجل مباشرةً : أين تحديداً ؟!
رد الرجل بارتباك : نحو الغرب ! سر بخط مستقيم و ستجد منزل أمامك انهم هناك !

- كم عددهم ؟
- ربما أكثر من عشرين !
- أين يضعون لوكاس ؟ من معه ؟ هل هناك حراسة عليه ؟
- في القبو ، لا أعلم أن كان هناك آخرون معه لكنهم عصابة و سيقتلون بعض الأشخاص هناك خلال هذين اليومين و سيغادرون غداً بعد منتصف الليل !

ظهر الغضب بوضوح على وجه نيكولاس ليتحدث بكره شديد : يقتلون ؟ أمام عيني لوكاس ؟!
نظر الرجل له بحيرة فاكمل نيكولاس بحقد : أعطيت أخي لقتلة ليرى الجثث أمامه ؟ أخي البرئ ؟!

تذكر نيكولاس عندما كان ستاين يقتل الناس أمامه ليعتاد على منظر الدماء و كم كان هذا مخيفاً له ! و الآن لوكاس ، شقيقه اللطيف يرى هذا المشهد أمامه !

تحدث نيكولاس بحقد : أكرهك ! اكرهكم جميعاً ! أكرهكم !

دفع نيكولاس الرجل ليستلقي على الأرض و رفع يده عالياً حاملاً الخنجر لتهوي بسرعة نحو ذلك الرجل !

مليمتر واحد و كان الخنجر سيخترق جسده إلا أن نيكولاس توقف و قد خطر بعقله صورة لوكاس يبتسم و يناديه بلطف !

" لا .. لن أصبح مثلهم ! ... لأجل لوكاس لن الوث يدي بدماء شخص لا يستحق ! لن أصبح مثلهم أبداً ! "

نهض نيكولاس بسرعة و أخذ يجري نحو الغابة حيث يجب أن يكون لوكاس !
كانت الشمس قد بدأت بالمغيب !
لاح منزل خشبي قديم لنيكولاس من بعيد فتوقف ينظر له بتمعن !
المنزل يبدو فارغاً لكن و لأول مرة يكون نيكولاس شاكراً لتدريبات ستاين تلك له فقد أخذ يحلل كل شيء من بعيد حتى لا ينتبه له أحد !

بعض الآثار على وجود البشر ، إنهم هنا بالفعل !
بدأ نيكولاس يفكر بكيف يستطيع الدخول فهو لا يرغب أن يدخل لينقذ لوكاس فينتهي به الأمر بحاجة لمن ينقذه !

و بعد ثوانٍ و مع مغيب الشمس بدأ الرجال بالخروج من المنزل و احاطته لحراسته !
في هذا الوقت كان نيكولاس قد اكتشف نقاط ضعف هذا المكان و وضع خطة للتسلل للداخل !

..............................

كما قال والد لوكاس .. كان أولئك الأشخاص قد قتلوا خمسة رجال خلال هذين اليومين الذين قضاهما لوكاس حبيساً في القبو !
و لم يقتلوهم فقط ! بل يتفننون بتعذيبهم و أمام أعين لوكاس مما سبب له رعباً حقيقياً !

يجلس و ينظر لهم بخوف شديد غير قادر على ايقافهم أو الهرب بعيداً أو منع ذلك الصراخ و منظر الدماء من نقش أثر عميق في قلبه و نفسه لن يزول أبداً !
كل ما يستطيع فعله هو انتظار دوره ليرى نوع العذاب الذي سيتعرض له !

كان الصغير يجلس على الأرض وسط بحر من الدم و الجثث ، يضع يديه على أذنيه مغمضاً عيناه بقوة والدموع تخرج منهما بغزارة !
جسده بالكامل يرتجف ، هل هو البرد ؟ ام الخوف الشديد ؟ أم أن كلاهما اجتمعا ليكونا أسوأ لحظات حياته !
لم يعد يحتمل هذا المنظر !
لا يستطيع الحراك من الخوف !

..................................

كان يسير في شوارع المدينة بعد أن نال منه الإرهاق من البحث طوال اليوم دون اي راحة !
و فوق هذا فقد أثر نيكولاس و لا يعلم أين هو أيضاً و قد غربت الشمس بالفعل ، ياله من يوم رائع !

نظر خلال نافذة أحد المحلات إلى الساعة داخله ليرى أنها الثامنة إلا ربع !
ان لم يرجعا خلال ربع ساعة سيعاقبان أن كان ستاين قد وصل قبلهما !
و بما أنهما كلاهما قد يتاخران اليوم فحسب تجربته هذا يدل على أن ستاين سيأتي مبكراً جدا !

تنهد جاك بارهاق " حسناً يبدو أنني ساتاخر اليوم ، أمل أن يكون توقعي خاطئاً و أن لا يعود السيد ستاين أبداً ! "

قرر جاك التخلي عن انضباطه أتباعه الدائم للأوامر لأول مرة و اللحاق بنيكولاس !
استدار ليكمل البحث ليصدم بستاين يقف خلفه !
نظر ستاين له نظرة باردة مخيفة و تحدث : هذا ليس طريق المنزل جاك !

شعر جاك بالقلق و تراجع للخلف قليلاً : انا..!
اقترب ستايل منه يتحدث و قد بدا الإنزعاج واضحاً عليه : إلى أين تذهب ؟ و أين نيكولاس ؟

لم يجب جاك بل تراجع للخلف بارتباك و قلق فستاين يبدو غاضباً جداً ! ألا أن الاخير أمسك بكلتا ذراعي جاك و سحبه نحوه بقوة ليصرخ : أين نيكولاس ! ما الذي تخططان له ؟!

رد جاك باستسلام بسبب ضغط ستاين بقوة شديدة على ذراعه : لا أعرف ، نحن لا نخطط لشئ !

أخذ ستاين جاك نحو منزلهم و ألقى به في القبو و اقفل الباب !
لم يفهم جاك ما يحدث و نهض فوراً يضرب الباب و ينادي : اخرجني ! سيد ستاين ! اخرجني من هنا !!

كان هناك فتحة في أعلى القبو تطل على الخارج إلا أنها كانت تحتوي على قضبان حديدية !
سمع جاك صوتاً فنظر نحو الفتحة ليرى الأولاد الذين لاحقوا نيكولاس و تعرضوا للوكاس فتحدث أحدهم بابتسامة ساخرة : مرحباً ، هل تستمتع في الأسفل ؟!

احتدت نظرات جاك ليتحدث : انتم .. ماذا فعلتم ؟ لما سيد ستاين غاضب هكذا ؟!
رد أحدهم بينما يضحك على وضع جاك : لا تقلق سيأتي صديقك الآخر قريباً أيضاً لتعاقبا معاً .

ظهرت الدهشة و القلق على وجه جاك : نعاقب ؟!

رد أحدهم بابتسامة : رأينا نيكولاس متجهاً للغابة و اوصلنا هذا الخبر لسيدك بطريقة ما و معه قول انكما تحاولان الهرب فانفجر غاضباً !

ضحك الأولاد بينما توسعت عينا جاك بصدمة و خوف فستاين لن يرحمهما أبداً أن فكرا بفعل هذا فقط فكيف بتنفيذه !
صرخ بقلق : لما فعلتم هذا ؟ نحن لم نفعل لكم شيئاً من قبل !

رد أحد الأولاد بحقد : نحن لا نريدكم إرحلوا عن مدينتنا ! انتم خطر عليها !

بدأ الأولاد يوجهون كلامهم القاسي نحو جاك و الذي اخفض رأسه بغضب و كره شديدين .. و ربما الحزن أيضاً !
نظراتهم له ، كلماتهم و كل شيء يسبب له الألم ! لما ينظرون له هكذا هو لم يفعل شيئاً ! لما يفعلون هم مايريدون بينما هو و نيكولاس يقاومان و يتحملان فقط لكي لا يؤكدا نظراتهم تلك للناس !
لماذا هذا الظلم ؟! لماذا ؟!

ثارغضب جاك فنظر لهم بحدة لينطق : ساريكم الخطر الحقيقي لنا !

.................................

استطاع نيكولاس الاقتراب من المنزل لكن لا يوجد طريقة للدخول سوى ذلك الباب لذا قام بإصدار ضجة كبيرة على بعد مسافة منهم فاتجه الكثير من الرجال نحوها ظناً منهم أن أحداً ما هناك فاستغل نيكولاس الفرصة و اتجه نحو الباب بسرعة و ضرب الحارسين بخنجره و افقدهما الوعي !

دخل للداخل فاختبأ فوراً و بدأ بمحاولته للوصول للقبو . مواجهاً كل شخص يعترض طريقه و يكون مضطراً لقتاله !
لم يعد يفصله عن القبو سوى ممر و الحارس الذي يقف هناك !
و كما فعل مع الجميع اقترب نيكولاس منه من الخلف بحذر و ضربه ليفقده للوعي لكن ... !

كان هذا الرجل أقوى من الآخرين !
لم يستطع نيكولاس افقاده الوعي بحجمه الصغير هذا رغم قوته !
ضربه الرجل بقوة فاصطدم نيكولاس بالجدار خلفه إلا أنه نهض بسرعة و ركض متجنبا الكرسي الذي كاد يضربه !

رأى من بعيد مجموعة من الأشخاص قادمون نحوه " هذا سيء علي الإسراع "

بدأ يحاول إصابة ذلك الرجل بخنجره و نجح بالتسبب له ببعض الجروح البسيطة إلا أن ذلك الرجل أمسكه !
حاول نيكولاس الإفلات منه لكن و مع ازدياد الأعداء حوله أمسكوه جيداً مانعين اياه من المقاومة !

كان نيكولاس يصرخ و يحاول الوصول للقبو لكن بلا فائدة ! اقترب قائدهم نحوه بانزعاج يتحدث : ماهذا طفل صغير سبب لكم هذه الفوضى ! يالكم من ضعفاء !

أمسك القائد رأس نيكولاس و رفعه لينظر لعينيه مباشرةً بينما يتحدث : قلت لك ان لا تسبب أي مشاكل أو ساقتلك !

لكن مع رؤيته لعينيه و الحقد الكبير الذي يخرج منهما ابتسم و تحدث : من انت ؟ انت لست الفتى الذي أخذته قبل يومين !
حدق نيكولاس به بحقد و غضب شديدين فتحدث قائدهم باستمتاع و قد استنتج من تشابهما الكبير أنهما توأم : هذا رائع توأم جميل سيجلب نقوداً أكثر ، سيكونان رائعين أن بقي كلاهما حياً !

وضع يده اسفل ذقنه مدعياً التفكير : لكن انت اذيت رجالي لذا .. أظن أن واحداً يكفي .. ( يبتسم ) ساقتل الصغير اللطيف لتتعلم الدرس جيداً !

توسعت عينا نيكولاس بصدمة بينما استدار القائد ليدخل القبو يتبعه الرجل الذي يمسك نيكولاس بينما صرخ نيكولاس : لا لا تفعل ، أتركه ، لا تلمسه !

دخلوا القبو فرأى نيكولاس لوكاس جالساً في زاوية الغرفة يضم ساقيه لصدره و يضع يديه على أذنيه مغمضاً عيناه بقوة و يرتجف بخوف !
شعر نيكولاس بألم شديد لرؤيته هكذا فهمس : لوكاس !

انتفض جسد الصغير من سماع هذا الصوت الخفيف فرفع رأسه ببطئ لينظر لصاحبه بصدمة !
هل هذا حلم ؟ سراب ؟
كيف وصل نيكولاس إلى هنا ؟
نهض لوكاس بصعوبة شديدة و عيناه الدامعتان لا تفارق وجه نيكولاس أبداً !

تقدم نحوه قليلاً و مد يده ليمسك به إلا أنه صدم بشخص يدفعه بخفة فسقط أرضاً !
لم ينتبه لتواجد قائدهم هنا !
صرخ نيكولاس: لا تلمسه !
تحدث القائد بابتسامة : انت لوكاس صحيح ؟ شقيقك هذا سبب المشاكل لنا لذا ستدفع انت ثمن هذا ، موافق ؟!

لم يتحرك لوكاس أبداً كان فقط يجلس على الأرض يحدق بهم بصدمة و خوف و لم يستوعب أي كلمة قالها ذلك الشخص !
فجأة ضربه قائدهم بقوة فاصطدم لوكاس بالجدار و سقط وسط الدماء بينما صرخ نيكولاس مجدداً و حاول التحرر من بين يدي من يمسكه !

نهض لوكاس قليلاً ليصبح جالساً ورفع يديه ببطئ لينظر لهما و يرى تلك الدماء التي لوثته فتذكر ماذا فعلوا بهؤلاء الرجال الذين ماتوا ليرتفع صراخه فجأة !
وضع يديه على أذنيه و اغمض عيناه بقوة بينما يصرخ و الدموع تخرج منه !

فضحك قائدهم و تحدث : هل خفت كثيراً من ما حدث ؟ هل أصبحت الدماء ترعبك الان ؟!
تقدم نحوه بخفة فجأة سمع صوت سقوط شيء خلفه !

استدار لينظر للخلف ليجد رفيقه الذي دخل معه قد سقط على الأرض بينما يقف نيكولاس بجانبه يحمل سكين ملوث بالدماء و ينظر له بعين متسعة قليلا ًيشع الغضب و الحقد منها !

يبدو انه أخذ السكين من أدوات التعذيب التي كانت بجانبه و ضرب ذلك الرجل بها حتى مات !
تقدم نيكولاس نحو القائد يتحدث بصوت منخفض مخيف : قلت .. لا تلمس أخي .. لا تلمس لوكاس أبداً !

صرخ نيكولاس في نهاية كلامه و ركض نحوه بسرعة محاولاً إصابته !
انفجر غضب نيكولاس و معه قدراته الخفية التي علمها له ستاين فاستخدم ذلك الظلام الذي أحاط المكان ليختبأ فيه و يهجم على القائد ! و كذلك سرعته العالية جداً أربكت قائدهم و بعد قليل ... بعد قتال قوي
رمى نيكولاس السكين ليصيب قائدهم مخترقاً رقبته فسقط القائد ميتاً !

كان لوكاس جالساً كما كان فاقترب نيكولاس منه و ناداه إلا أن لوكاس لم يستجب له !
نطق نيكولاس اسمه مجدداً لكن لوكاس لم يتحرك !
فجأة شعر لوكاس بثقل فوقه ليستوعب أخيراً أن نيكولاس يحتضنه و يتحدث : لا تخف أخي انا معك الآن ، لن يؤذيك أحد ، ساقتل اي شخص يلمسك أخي !

رفع لوكاس رأسه أخيراً ليرى نيكولاس أمامه ! لم يصدق انه يراه هنا ! رفع يده قليلاً رغبة بلمس أخيه ليرى أن كان وهما أم حقيقة فرفع نيكولاس يده أيضا ليضعها على يد لوكاس تماماً بينما يبتسم بخفة !

نظر لوكاس له بصدمة و الدموع في عينيه فنطق : أخي ؟ ... هل أنت... أخي حقاً ؟
ابتسم نيكولاس بخفة و أجاب : أجل .

نظر لوكاس له يتفحصه جيداً ثم ظهرت ملامح الحزن الشديد على وجهه كأنه يرغب بالبكاء مجدداً !
فامتدت يده لتحتضنه نيكولاس و وضع رأسه على كتفه ليسمح للدموع بالخروج مجدداً ! أمسك قميص شقيقه بقوة كأنه خائف من أن يفقده في أي لحظه ! ان يفقد اليد التي يمسك بها .. الكتف التي يبكي عليها !

احتضنه نيكولاس بالمقابل ليشعره ببعض الأمان و تحدث : انا بجانبك الآن ، لن اتركك أبداً ... انهض ، لنخرج من هنا قبل أن يأتي أحد !

نفذ لوكاس كلامه دون أي اعتراض ، و هل يعترض على الخروج من هذا الجحيم ؟!
ساعده نيكولاس لينهض و يسيرا معاً ليخرجا من القبو و قد حاول لوكاس عدم النظر للدماء و الجثث التي احاطته ليومين !

سار نيكولاس بحذر في الممرات ينظر حوله في كل مكان لكن و لحسن حظه لم يظهر أحد ، انتظر .. ألم يكن هناك الكثير منهم قبل قليل ؟!

تقدم نيكولاس و هو يمسك بلوكاس بحذر و قد وصلوا للغرفة الأخيرة و لم يرى احد !
نظر نيكولاس للغرفة أولاً ليصدم برؤية الكثير من الجثث هناك !
هو لم يقتل سوى اولئك الاثنان صحيح ؟!

كانت عبارة عن مجزرة في الداخل ! الجثث المقطعة و الدماء في كل مكان !
لوكاس لن يتحمل هذا المنظر !

تقدم لوكاس الذي كان خلفه ليصبح بجانبه لكن قبل أن يرى ذلك المشهد المرعب وضع نيكولاس يده على عينيه يمنعه من الرؤية !
وضع لوكاس يديه فوق يد شقيقه بخوف و تحدث : نيكولاس ماذا تفعل ؟!

تحدث نيكولاس بابتسامة خفيفة : لا تقلق فقط سر للأمام و سنخرج .
رد لوكاس بارتباك و خوف : لكن ..
قاطع نيكولاس كلامه : لا بأس ، لا حاجة لأن تنظر ، فقط ثق بي و تقدم !

ابتلع لوكاس ريقه بصعوبه و تقدم للأمام كما طلب نيكولاس منه !
سار بخوف شديد فشعر و كأنه يخطو على سائل ما و وصلته رائحة غريبة لم يحبها أبداً ! فتحدث لوكاس بخوف : أخي ، ماهذه الرائحة ؟

أجاب نيكولاس بابتسامة خفيفة مطمئنة : لاشيء ، فقط سر للأمام !
نفذ لوكاس كلامه فبالنسبة له مهما كان مصدر تلك الرائحة الشيء الوحيد الذي يعرفه انه يثق بنيكولاس تماماً و يعرف أنه لن يؤذيه أبداً !

كان نيكولاس يسير و ينظر حوله بحذر يتفحص كل شيء !
الشخص الوحيد الذي يعرفه و يمكن أن يفعل هذا .. هل هو هنا ؟!

خرجا من الغرفة و كل ما هو امامهما الان مجرد ممر ثم الباب الرئيسية للخروج من هذا المنزل !
أبعد نيكولاس يده عن عيني لوكاس و تقدم ليسير بجانبه يتحدث : سنخرج كل ما بقي هو هذا الباب فقط !

تمسك لوكاس بقميص نيكولاس بخوف و همس : ماذا سنفعل بعدها ؟
رد نيكولاس بابتسامة و هو يمسح على شعر لوكاس : سنكون أحراراً و نذهب حيث نشاء و لن تضطر لفعل ما لا تريد بعد الآن !

كان هذا أشبه بحلم جميل للوكاس !
ابتسم نيكولاس بخفة ثم فتح الباب ليخرجا ليسمع صوتاً تمنى أن لا يسمعه بعد الان : ماذا تفعل هنا نيكولاس ؟

تجمد نيكولاس في مكانه !
نظر لوكاس لصاحب الصوت بقلق فاستدار نيكولاس برأسه لينظر للأمام و يرى ستاين أمامه مباشرةً !
كما توقع الشخص الوحيد الذي سيقوم بمجزرة كهذه هو رئيسه ستاين لا غير !

همس نيكولاس بقلق : سي...
لم يكمل كلامه حتى امتدت يد ستاين تمسك رقبته بقوة مانعاً اياه من التنفس بينما تحدث : انت تخطيت حدودك كثيراً هذه المرة !

أمسك لوكاس ذراع ستاين التي تمسك بنيكولاس و تحدث بخوف و رجاء : أتركه !
نظر ستاين للوكاس بعدم اهتمام فتحدث : كان علي قتلك منذ البداية !

توسعت عينا نيكولاس بصدمة و خوف من جملته تلك فرمى ستاين بنيكولاس بعيداً للخارج و أمسك بذراع لوكاس مانعاً اياه من الذهاب نحو شقيقه و الاطمئنان عليه !

صرخ نيكولاس باسم لوكاس عندما وضع ستاين الخنجر على رقبة لوكاس و هو يمسك بشعره بقوة !
تحدث ستاين بابتسامة خبيثة : إذن نيكولاس ، هل اقتل شقيقك أم تفضل أن تفعلها بنفسك ؟!

صرخ نيكولاس : لن أفعل هذا ابداً !!
فجأة ارتفع صراخ لوكاس بألم !
نظر نيكولاس بصدمة للدماء التي خرجت من كتف لوكاس و ذلك الخنجر المغروز فيه !

ضغط ستاين على الخنجر ليخترق كتف لوكاس بعمق أكثر مع ارتفاع صوت لوكاس المتألم !
فتحدث ستاين باستمتاع : أن قتل الصغار يعطي شعور أجمل نيكولاس !

أخرج نيكولاس خنجره و ركض بسرعة نحو ستاين صارخاً بغضب !
حمل ستاين لوكاس و أخرج الخنجر من كتفه و تراجع للخلف لتجنب هجوم نيكولاس !
حاول نيكولاس إصابته بخنجره عدة مرات إلا أن ستاين يتجنبه !

بينما كان لوكاس ينظر له باعين مرهقة و حزينة !
استمر ستاين بالتراجع بينما يحمل لوكاس و تحدث باستمتاع : هذا بطئ نيكولاس ، أن كنت ترغب باستعادة شقيقك حياً فعليك زيادة سرعتك !

طعنة أخرى اخترقت جسد لوكاس فصرخ بألم مما زاد قلق و ارتباك نيكولاس و غضبه أيضاً ! رؤية الألم على وجه توأمه يؤلمه أيضاً و يثير غضبه !
لكن ستاين اقوى منه بكثير و يحمل لوكاس معه كرهينة مستغلاً أن لوكاس لا يعلم كيف يقاتل ، ليصعب على نيكولاس إظهار قوته خوفاً من إيذاء لوكاس بالخطأ !

و كم يستمتع ستاين بهذا الموقف !
وقف على مسافة من نيكولاس و نطق : توقف نيكولاس .
نفذ نيكولاس كلامه فوراً و هو يسمع أنين لوكاس المتألم فقد كان ستاين يغرز الخنجر بداخله أكثر و يسبب له الماً شديداً !
صرخ نيكولاس بقلق شديد : أرجوك توقف !

فجأة ارتفعت صرخة لوكاس بينما كان ستاين يستمر بالضغط على الخنجر و تحريكه ليسبب الألم للفتى بين يديه !
فنطق ستاين بابتسامة موجهاً كلامه لنيكولاس : هل يؤلمك رؤية هذا ؟

تجمعت بعض الدموع بعيني نيكولاس و نطق بصوت مرتجف : أرجوك توقف هذا يكفي ، سافعل أي شيء تريده !
ابتسم ستاين و توقف عن الضغط على الخنجر و تحدث : ارمي سلاحك بعيداً !

نظر نيكولاس للوكاس بقلق شديد بينما فتح لوكاس عينيه بصعوبة لينظر لشقيقه كأنه يخبره أن يهرب و يتخلى عنه !

لكن نيكولاس لن يفعل هذا !
رمى نيكولاس الخنجر نحو ستاين فسقط أمامه مباشرةً !

نطق ستاين : اجلس على الأرض !
كان نيكولاس يحدق بستاين بحقد و حزن شديدين و كانت أوامره هذه صعبة جداً على نيكولاس الذي لم يحني رأسه له أبداً حتى أن عاقبه ستاين !

لكن هذه المرة مختلفة فحياة شقيقه و أعز اصدقائه في خطر !
نفذ نيكولاس ما قاله ستاين و جلس مكرهاً فابتسم ستاين و ترك لوكاس ليسقط على الأرض بقوة و تقدم نحو نيكولاس بعد أن أخرج خنجره من جسد لوكاس !

أمسك شعر نيكولاس بقوة ليرفع وجهه و يرى عينيه بوضوح !
و كالعادة كانت تحمل حقدًا و كره شديدين لمن أمامه .
ركله ستاين بقوة فاصطدم جسده بإحدى الأشجار خلفه و سقط بلا مقاومة !

اقترب ستاين منه و انخفض لمستواه و حدق به بانزعاج فنطق : أيها الطفل الوقح !
رفع ستاين خنجره و غرزه بيد نيكولاس !
بالنهاية هو لا يرغب بقتل أفضل تلميذ لديه و إنما فقط تعذيبه لكي لا يهرب مجدداً !

صدر صوت منخفض متألم من نيكولاس حاول كبحه قدر المستطاع !
و بينما كان لوكاس مستلقياً على الأرض .. نظر لشقيقه التوأم بارهاق و حزن شديد فرأى ملامح الألم على وجهه !

" هل هذا بسببي ؟.. هل نيكولاس يعاني بسببي ؟..هل هذا خطائي ؟ ... كل ما أريده هو البقاء معه .."

رفع لوكاس يده المرتجفة ببطئ نحو نيكولاس كأنه سيستطيع لمسه من هذا البعد !

" فقط... ليت هذا الشخص لم يكن موجوداً ... ليتني لم أكن مع أبي ... ليتنا ... كنا معاً منذ البداية "

لم تستطع تلك اليد البقاء في الهواء أكثر من هذا فسقطت على الأرض قرب خنجر نيكولاس .

أراد ستاين إخراج خنجره من يد نيكولاس ليجد أن نيكولاس يمسك يده و الخنجر معا !
نظر ستاين له بحاجب مرفوع و سحب يده إلا أن نيكولاس كان يمسكه بقوة !

نهض نيكولاس قليلا و أمسك ذراع ستاين بيده الأخرى لمنعه من النهوض و لو لبعض الوقت و صرخ : لوكاس .. اهرب .. اذهب من هنا !

ألا إن ستاين قلب اللعبة عليه و امسكه هو و أعاد إسقاطه على الأرض بعد أن أخرج الخنجر من يده !
وضع إحدى يدي نيكولاس خلف ظهره مثبتاً اياه و ابتسم بخفة و رفع الخنجر في الهواء رغبة بأن يخترق به جسده !

توقفت حركة ستاين فجأة و شهق بخفة
بينما توسعت عينا نيكولاس بصدمة و همس : لو..لوكاس ؟!

كان لوكاس يقف خلفهما يستند بجسده على جسد ستاين و قد أدخل الخنجر بأكمله في ظهره !

ترك لوكاس الخنجر و ابتعد ببطئ و جسده بأكمله يرتجف ! نظر ليديه الملوثة بالدماء بخوف !
تحرر نيكولاس من بين يدي ستاين فنهض فوراً و اقترب نحو لوكاس و أمسك يداه ليحدق به بقلق و نطق : لوكاس ؟ هل انت بخير ؟!
نظر لوكاس له بخوف ثم همس : أ..أخي !

أخرج ستاين الخنجر من ظهره و تقدم نحو الصغير بغضب !
امتدت يده نحوهما بينما نطق : أنتما ...!
شعرا به متأخرين فقد كان خلفهما مباشرةً. !

فجأة رصاصة إنطلقت اخترقت كتف ستاين لتبعده عنهما قليلاً و ارتفع صوت صارخ : تعاليا إلى هنا بسرعة !!

نظرا نحو مصدر الصوت فنطق نيكولاس ببعض السعادة : جاك !!
كان جاك قد خرج من القبو و لقن أولئك الأولاد درساً على فعلتهم ثم اتجه حيث قالوا إنهم رأوا نيكولاس ليصل إلى هنا الآن !

أمسك نيكولاس يد لوكاس و ركضا نحو جاك الذي أطلق رصاصة أخرى نحو ستاين ليعيقه قليلاً إلا أن ستاين ذاك مثل القط بسبعة أرواح !

التقط الخنجر الذي كان بجانبه و رماه نحوه جاك إلا أن نيكولاس سحبه باللحظة الأخيرة ليبعده عن مساره فركض الثلاثة نحو أعماق الغابة بينما كان ستاين يتبعهم !

لوكاس بالكاد يرى طريقه من الإرهاق و النزيف الشديد فسقط جالساً على الأرض يتنفس بسرعة !
توقف جاك و انخفض نيكولاس لمستواه و نطق بقلق: لوكاس !!

نظر جاك له ثم تحدث بصوت جاد : هل يمكنك الاستمرار بعد قليلا لوكاس ؟
حرك لوكاس رأسه قليلاً ليشير له بنعم بينما كان تنفسه مضطرباً و جسده يرتجف !

وقف جاك خلفهما ينظر للطريق الذي جاؤوا منه بينما يتحدث : أنتما إذهبا انا ساعيق السيد ستاين لبعض الوقت !

نظر نيكولاس له بصدمة و نطق : لكن انت ..
التفت جاك له قليلاً و تحدث بابتسامة : هروب أفضل قاتل صغير لديه ... هذا سيكون أفضل انتقام منه ، لذا لا تخربه !

نظر نيكولاس و لوكاس له بدهشة لبعض الوقت و سرعان ما ابتسم الأول بامتنان و نطق : لن أفعل ، شكرا لك جاك ، على كل شيء .

ابتسم جاك بثقة و نطق بينما يجهز سلاحه : إذهب بسرعة ، أراكما لاحقاً .. يا صديقاي !
ابتسم نيكولاس بخفة فهذه اول مرة يعترف كلاهما بأنهما صديقان حقاً !

أمسك نيكولاس يد لوكاس بقوة مجدداً و ركضا معا !
ركضا ليخرجا من هذه الحياة ... ليصبحا حرين أخيراً .

قاوم جاك ستاين بقوة إلا أنه امسكه في النهاية و كان عقابه شديداً حقاً و وصل لحافة الموت إلا أنه بقي حياً فستاين ليس مستعداً ليخسر تلميذه الآخر !
بقي ستاين غاضباً جداً لعدة أيام فقد أدى انتقام جاك منه مفعوله جيداً و قد كان هذا أكبر سعادة لجاك فهو اخيراً ينتقم لوالديه و شقيقته !
و بعد سنة او اثنتين مات ستاين في إحدى عملياته و اصبح جاك حراً أيضاً .

بعد هروب نيكولاس و لوكاس عبر الغابة استخدم نيكولاس أجزاء من قميصه للف جراح لوكاس فقد كان ينزف بشدة !
فور وصولهما للمدينة المجاورة و التي كانت قريبة لحسن حظهما راهما أحد الرجال هناك و اخذهما للعيادة فوراً حيث تم علاج جراح لوكاس جيداً .

وجد نيكولاس نفسه مجبراً على أخبارهم بقصته لكي يساعدوه فقد كانا وحيدين و مصابين و دون منزل و لا طعام !
و لحسن الحظ أن من وجدهما كان رجلاً طيباً فقدم لهما الطعام و عاملهما بلطف رغم ذلك بقي نيكولاس حذر منه فهو غير معتاد على هذا ، بينما كان لوكاس يمسك بقميص نيكولاس طوال الوقت مختبأ خلف ظهره بخوف و خجل طفولي !

أراد الرجل اخذهما لدار الأيتام إلا أنهما رفضا فقد أرادا العيش بمفردهما بحرية لذا هربا من منزله بعد يومين !

استخدم نيكولاس ما كان معه من نقود لحجز غرفة لهما في فندق رخيص السعر لبضعة ايام .
عند دخولها الغرفة استلقى نيكولاس على السرير فوراً بسعادة و تحدث بمرح : هذا السرير ناعم حقاً ، انت أيضًا لم يكن لك سرير في السابق صحيح ؟!

نظر لوكاس له ببعض الحزن ثم تحدث بصوت بارد تقريباً : نيكولاس .. ألم تخف من ما حدث ؟.. من ذلك المنظر ؟!

نهض نيكولاس ليجلس على السرير و ينظر له بتمعن بينما أكمل لوكاس ببعض الارتباك و الحزن : كما تعلم .. انا للآن لم أستطع محو ذلك المشهد من ذاكرتي !

عم الصمت قليلاً ثم تحدث نيكولاس ببعض الحزن : انت تعلم .. إنني كنت أعيش مع قاتل ... ما حدث كان شيء طبيعي بالنسبة لي !

اخفض لوكاس رأسه بحزن ثم همس : فهمت .
نهض نيكولاس و اقترب منه بابتسامة واثقة و مسح على شعره بينما يتحدث : لا تقلق ستنساه قريباً ، ثم نحن سنعيش معاً من الآن فصاعداً و ساجعلك تنسى كل شيء حزين و لن يبقى سوى اللحظات السعيدة لنا معاً !

نظر لوكاس له بابتسامة خفيفة ثم احتضنه بقوة و تحدث : شكرا لك اخي ، ساتعلم القتال و أكون قوياً ، سأعمل و سافعل اي شيء .. فقط ...لا تتركني !
نظر نيكولاس له بحيرة ثم احتضنه أيضاً و نطق : لا تقل هذا لا داعي لأن تفعل شيئاً فانا سأبقى معك للأبد !

ابتسم لوكاس و هو أخيراً يشعر بالأمان بجانب نيكولاس .
من الأن ستبدأ حياتهما السعيدة ... أو هذا ما كانا يظنانه !
دون ان يدركا ان الحرية رغم جمالها فهي صعبة ايضاً خاصةً بالنسبة لشخصين تلاحقها المشاكل اينما يذهبان !

يتبع ....

.........................................
اتمنى انه قد نال اعجابكم .
أردت جعل ماضي التوأم بارت واحد لم أتوقع أن يأخذ كل هذا الحجم !!
لكنه انتهى الان .
لقد تجاوزت الثلاثة عشر ألف كلمة  😲
هذا أطول فصل في حياتي لذا اعذروني ان كان هناك بعض الاخطاء !

ما رأيكم بنيكولاس و لوكاس الصغار ؟
حقا نيكولاس يحب لوكاس كثيراً و لوكاس يحبه أيضاً ... و انا احبهما أكثر 😊

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top