فصل 42

مرحباً بالجميع مر وقت طويل 😍❤🙏
نرحب بكل من ما يزال متواجد هنا  وممتنين لاخلاصكم رغم كل التأخير وارجو ان تعذرونا لكن الظروف أقوى من الرغبات أحيانا ولا ضمان  على سرعه التحديث لكن للوقت الراهن هذا فصل طويل كتعويض لطول انتظاركم❤

نعتذر على الرد على التعليقات ايضاً بسبب المشاغل وقلة الوقت ونرغب بأن  تعلموا أننا سعداء بها ونقدر كل حرف فيها فشكرا لكل من يشجعنا بكلماته ويدعم الصغار ❤

الموضوع الآخر هو أني نبهت قبلاً وسافعل مجددا لكي يعذرني الجميع مقدما، لا أقبل أن ينشر أي شخص رواية على حسابي كاعلان   وساحذف أي إعلان ينشر مستقبلا دون تحذيرات إضافية وارجو من الجميع التفهم  !

ملخص للأحداث السابقة لمن نسيها
تعرض ليو لحادث سيارة بعد  الحفل الكبير ودخل على أثره للمشفى، ألفين قرر تحقيق انتقام صغير مقابل هذا وأصاب سامويل برصاصة 
هنري وهاري التقيا  بوالدهما
ارنيست عاد لسامويل
ألفين تعرض لهجوم فقد على أثره ذاكرته

اترككم مع الفصل قراءة ممتعه😍❤

المشفى بات مؤخرا يبدو وكأنه منزله الثالث فمنذ حادثه الأخير بات يعود له بشكل متكرر حتى أنه فكر بحجز غرفة له هنا وحسب اختصاراً للأمر ، المثير للسخرية أنهم بالفعل يتجهون للجزء الأخطر والاصعب لم يأتي بعد ولن يستغرب لو احتاج هذه المرة لغرفتين في العناية المركزة بدل الواحدة إذ أنه ورفيقه باتا في وجه المدفع بدون أي تمثيل أو مراوغة وصار سامويل عدوهما الرسمي بشكل علني لا يقبل الجدال .

وصل بعد برهه بأفكاره الساخرة نحو تلك الغرفة ، يدرك هو كما يدرك الجميع أنه تغير بالفعل لا يعلم هل السبب هو برؤيته رفيقه يموت أمامه أم أن رؤية ال اللطيف تحفز فيه ليو سوين القديم وان كان فطن إلى حقيقة أن كلاهما إضافة للكراهية المتقدة داخله هي السبب ، كانت ناراً مستعرة تأكل كل ما بطريقها وها قد قطع وعداً على نفسه أن يحمي ال الفاقد للذاكرة هذه المرة ، لن يسمح بخسارته بذات تلك الطريقة ، سيحميه حتى يستعيد ذاكرته المفقودة ويعود للمتنمر الذي يعرفه وحسب لكنه لن يسمح بأن يمس أي أحد ال اللطيف فهو الطف من تحمل الأعاصير المحملة بالالات حادة كما حين كان طفلاً ولا يحتمل فقدانه لمرة أخرى .

دخل بعد فتح الباب دون طرق ليجد ألفين يقف مقابلاً لوالدته بملامح مترددة وهي تخبره أن لا داعي لهذا ، اقترب بابتسامة مرحة جاذباً انتباه الاثنين ، ألفين وجه إليه نظرات استنجاد جعلته يقطب حاجبيه مقترباً من خالته يبتسم لها بلطف
" خالتي ماذا فعلتي له ؟ يبدو أنه يشعر بالذنب على شيء ما"

اسرعت كاميليا تجيبه مستنكرة رغبته ومشاعر الذنب تلك على شيء لا يمكن القبول به
" عزيزي ليو ، هو يصر على حمل الحقيبة الخاصة بثيابه بنفسه وانا اخبرته اني لن اسمح بهذا اطلاقاً لهذا هو انزعج مني على ما يبدو ، لكنه لم يشفى بعد ولا أريد أن يتعب نفسه "

ألفين تحدث بنبرة مهذبة جداً يعرب عن أسبابه حين شعر أن طلبه يساء فهمه لسبب أو لآخر
" لكن...أمي...انا الرجل هنا ولا يجب أن أترك سيدة تحمل آشيائي"

وليو الحاضر لفك النزاع ضحك بخفة جاعلاً الاثنين يحدقان به بحيرة حتى سحب الحقيبة من يدها يضعها على كتفه ينظر لالفين ،رأى ملامحه تلين والارتياح طغى على ملامحه مما جعل ابتسامة ترتسم على شفتي ليو يطمانه
" الآن لا داعي للقلق لم تعد والدتك من يحملها ، لن تتذمر صحيح ؟"

حين رأى ابتسامة ليو ابتسم بابتسامة صغيرة ممتنة يومئ له موافقاً ، أما كاميليا فقد ابتسمت هي الأخرى حين رأت امارات الرضى على صغيرها دون أن تضطر لتركه ينفذ ما برأسه ، صوت الباب عاد من جديد جعل الثلاثة ينظرون إلى هناك ، كان المقبل هذه المرة ليس سوى جين ، تقدم ناحيتهم يبتسم للمنظر ويمنح ألفين نظرة دافئة وصلت للاخير فجعلته يشعر ببعض الخجل ، حقيقة انه نسيهم بدا جريمة فظيعة بحقهم خصوصاً وهو يراهم يبذلون كل شيء لأجله بدون توقف وما يزيد الأمر سوءاً هو شعوره بأنه مقيد أثناء وجودهم يحاول تصنع شيء ما لا يعرف ما هو ولا ما سبب هذا لكنه يدرك أن أكثر شخص يجعله على سجيته ويفهمه من أول نظرة لم يكن سوى من كان بجانبه ومن تمكن من ايجاده وسط اللامكان وهو ليو.

لم يحتج الى ذكريات لمعرفة كم كانا مقربين فشعوره بالطمأنينة لوجوده وبحثه عنه بكل زاوية كلما استيقظ عنت أن عقله يتذكره دون صور الذكريات المخزونة، يميزه ويشعر بالأمان حين يراه أمامه فانعكس ذلك في سلوكه بشكل تام ولم يكن صعباً على أي منهم فهم هذا فاحترموه وحسب دون تعليق خصوصاً أن ال الفاقد للذاكرة بدا لهم أكثر خجلاً من ما كان عليه وأسرع انسحاباً وتردداً يخشى أن يكون ثقيلاً أو يسبب الحزن لأحد فكانوا حريصين على عدم وضعه بموقف كهذا .

توجهوا نحو السيارة ليتولى جين القيادة وبقربه كاميليا أما ليو وال فقد استقرار بالخلف، نظرات هائمه وجهها ألفين يستكشف الشوارع المكتضه يحاول تذكر ما فقده ، لم يحب أن يسبب كل هذا القلق لأحدهم رغم أنه حقاً لم يفهم لما هو يكترث بأي حال !

كان المنظر حوله مجهول الهوية كجثة مشوهه لا ملامح لها ، لا منظر مألوف ولا مشاعر معينة تولدت لديه ، ذلك الضياع جعل ليو يتدخل يبعد عنه ملامح الخيبة يضع يده على كتفه لجعله يعود للواقع
" لا تبتئس، خرجت تواً ال لديك وقت طويل للتذكر فلا تستعجل ، خذ الأمور بتروي ونحن معك "

تردد بالإجابة لكنه بالنهاية أومئ يجيب بهدوء
" أمل أن لا يتأخر الأمر حقاً ، حتى وقتها ساحرص أن لا اسبب أي مشاكل لكم "

جين نظر إليه من المرأة الأمامية يبتسم له مطمئناً
" لم تفعل أي مشكلة قبلا ألفين وانا واثق انك لن تفعل الأن، اهتم بصحتك وحسب "

كاميليا استدارت ترسم ملامح لطيفة هي الأخرى تطمانه
" نعم ان اعتنيت بنفسك هذا أكثر ما اطلبه ألفين ، لا اريدك أن تتذكر أن كان على حساب صحتك"

ابتسم بلطف يومئ لهم ليعود للصمت بشيء من الخجل حين شعر بدفء الجميع ، هذا كان مفتاحاً لفتح باب التساؤل لكنه أجل سؤاله لوقت لاحق حين يكون ليو وحده حوله فلسبب أو لآخر شعر ببعض الحرج من إظهار خجله أكثر من هذا !

وصلوا بعد وقت لا بأس به للمنزل اخيراً حيث كانت تنتظرهم ايزا ليعودوا ، نزلوا جميعاً وتجمعوا حول الفين حين وجدوه يراقب المنزل يستكشف زواياه ومظهره ويحكم من خلاله على حالتهم المادية ومعلومات أخرى عالجها بعقله بشكل بطيء نسبيا لكن لا أحد قاطعه وتركوه يحلل الأمور كما يرغب حتى يصل لمرحلة الاطمئنان ، مرت الثواني سريعاً فالتفت ينظر إليهم يحاول معرفة سبب الصمت فارتبك حين لأحظهم خلفه ، رسم ابتسامة صغيرة يحاول بث شعور الراحة بقلوبهم كما يفعلون معه
" انا بخير الأن، هلا دخلنا"

اومئوا له ليتوجهوا نحو الباب حيث اندفعت شقيقته بحماسها المعتاد واقتربت تعانقه بمودة ، توقف مكانه قليلاً يتركها تفعل ثم تشجع ليبادلها بلطف ، لم ترغب بتركه لكنها حرصت أن لا تضغط عليه فتراجعت تضع ابتسامة مبتهجة على شفتيها، عرضت عليه أن ياتي للداخل لكي يرتاح فسبقته هي ووالديه ليحفزوه لفعلها ، وقف قليلاً متردداً ثم بدأ السير نحو الداخل ، توقف فجأة ليتلفت ويرى ليو واقفاً مكانه يراقب ، قطب حاجبيه بحيرة وسأله بدون تفكير
" لن تدخل ؟"

قبل أن يجيب ارتخت ملامحه ليردف وكأنه أدرك ذلك تواً ، اخفض راسه وعيناه استقرت على البلاط اسفله وشيء من الضيق ارتسم على ملامحه
" اوه. .. انت صديق طفولتي بالتالي لا تعيش هنا .... انت لن تبقى اذاً..."

ليو ابتسم بمرح حين رأى ملامحه ، اقترب منه ونبرته احتوت على مشاعر بهجة لم تخفى على ألفين
" ترغب بأن ابقى معك؟ "

ألفين رفع رأسه ينظر إليه ، صمت قليلاً قبل أن يجيب بهدوء
" لو قلت نعم ؟ "

اردف سريعا يضع ابتسامة على شفتيه
" أنسى الأمر فعلت ما يكفي ليو ، حسب ما فهمت انت وريث أسرة لديها الكثير من الشركات بالتالي هناك اعمال كثيرة تنتظرك ، يمكنك الذهاب لست طفلاً يحتاج من يجالسه"

أغلق ليو عيناه لعدة دقائق بسيطة قبل أن ينطق بابتسامة :" لكن آلفين أنا لا أنوي جعلك تشتاق لي فلا تقلق ، سأبقى معك حتى تمل أنت و تركلني للخارج جيد ؟ "

هو ابتسم له بلطف قبل ان يردف :" حسناً عندما يكون لدي عمل سأغادر ثم سأعود لك دوما "

ألفين بادله الابتسامة براحة يومئ له
" حسناً ، سانتظر عودتك، حظاً طيباً في عملك "

تقدم ليو وعانقه بخفة سريعة يضرب على ظهره
" أن احتجت أي شيء اتصل على هاتف سيتو إلى أن اشتري هاتف لي ولك "

أومئ يبتسم له مطمئناً قبل أن يتفرقا ، فور دخول الفين وجد أسرته بانتظاره فتولوا اخذه لغرفته ليسكتشفها، فور دخوله وجد الغرفة متوسطة الحجم احتوت على سرير خشبي مطلي باللون الرمادي وفي طرفيه قماش ثخين محشو بالاسفنج المضغوط، الملائات كانت بلون مماثل مع أشكال معينية زرقاء اللون عليه ، بإحدى زوايا الغرفة كان هناك خزانة بذات اللون تحتوي بابين وبحانبه طاولة بيضاء مخصصة للدراسة، الستائر كانت بلون الطاولة من الحرير الخفيف تطل على الحديقة الخلفية للمنزل وبقربها شجرة معمرة تمتد بعض فروعها قرب النافذة ، الجدران حملت بعض الصور المتمثلة بصور لشخصيات لم يميز أي منها لكن مظهر الغرفة ككل جعله يشعر أنه بغرفة طفل ما لا غرفة شاب بالتاسعه عشر !

شعر بالخجل من ذوقه لكنه تظاهر أن كل شيء طبيعي فالتفت يحاول اخبارهم انه على ما يرام يزرع الراحة في قلوبهم كنبته يانعه في أرض خصبه لكنه توقف عن الحديث بمجرد التفاته حين رأى والدته تراقبه وقد ملئت الدموع خديها بالفعل وحين قربها يحتويها بين يديه يهداها ، لم يفهم السبب لكنه ارتبك من فوره فجاءت ايزا تنقذ والديها بحيويتها المعتادة تكتف يديها بعبوس
" لا تكترث أخي امي فقط ارتعبت من فكرة أنك لن تعود هنا ابداً لذا هي تحتفل بطريقتها لعودتك، كانت تتخيلك هنا طوال الوقت لذا وجودك مجددا أشبه بحلم تحقق "

أبعد ناظريه عن أخته واتجه نحو والدته يشجع نفسه على اتخاذ الخطوة اللازمة رغم شعوره بالتردد من التعبير لهذا الحد لكنه أدرك أن هناك ضرورة ملحة لهذا فابتسم لها وتقدم مما جعل جين يفسح له المجال ويفلتها فتلقاها ال بين يديه بصوت لطيف دافئ
" آسف امي ، اعتذر على اقلاقك حقاً، انا هنا ولن إذهب لأي مكان لذا عليك أن تطماني ايضاً، سأكون بخير اعدك"

بادلته بقوة دافنه راسها على كتفه لوقت لا بأس به وهو لم يبعدها، شعر بأنه عاجز عن معرفة ما يجب فعله تالياً فتوجه بصره تجاه والده بشكل تلقائي مما جعل جين يفاجأ لوهلة إذ أنه اعتاد ال يتهرب منه بكل مناسبة كما لو كان سرق منه شيء ما ويخشى أن يطالبه بارجاعه ، ابتسم له يومى له ففهم ألفين قصده وشعر بالطمأنينة وحافظ على والدته بين يديه لوقت أطول حتى قررت هي أن تبتعد بنفسها مع ملامح مشرقة هذه المرة ، وضعت يدها على خده تتحسس ملامحه وأنه حقيقة أمامها فابتسمت بسعادة وتراجعت
" ارتح جيدا بني ريثما أحضر ما تحبه للغداء، يمكنك استكشاف أرجاء المنزل برفقة والدك أو الراحة ، وأن احتجت أي شيء اخبرنا فوراً "

اومأ بامتنان فخرجت تاركة اياه خلفها ورافقتها ايزا لمساعدتها في ما يمكنها فعله لأجل أن تخبر شقيقها لاحقا أنها طهت الطعام برفقة والدتها لأجله ، لم يبقى بالغرفة سوى رجلا المنزل معاً ، أراد جين الرحيل حين شعر برغبة ألفين في البقاء بمفرده فاستجاب لها دون سؤال إلا أن ألفين استوقفه فجأة جاعلاً جسده يتجمد بعد سماعه تلك الكلمة منه بهذه النبرة، كما تخيلها مرات عديدة ، تمنى سماعها وافتقدها قبل أن تتواجد ، ألفين بنبرة شابهت خاصته حين كان طفلاً وان كان عنفوان الشباب جعلها أكثر خشونة بكثير لكنها ذات الطريقة المحببة المميزة لابنه ، تسائل هل ألفين فقد ذاكرته ؟ أم أنه تبدل بابنه الصغير الذي قتل على يده ذات مرة ؟
" ابي "

استدار يمنع تلك الملامح من الظهور ، لم يكن ألفين الحالي ليدرك سبب كل ذلك الحنين والشوق والحزن من مجرد كلمة فاخفاها كما يخفي الطفل المزهرية حين يكسرها خشية العقاب
" ما الأمر بني؟"

تردد ألفين بالحديث ، اخفض رأسه يستجمع كلماته ، تمنى لو كان ليو هنا لكان الأمر أسهل إلا أنه اضطر للسؤال الآن من والده بحد ذاته حين شعر أن فضوله وافكاره تقتله ببطئ دون معرفة الجواب
" هل كنت شخصاً مثيراً للمتاعب؟ "

اتسعت عينا جين للسؤال المفاجئ، توقف مكانه يتفرس ملامح ابنه بهدوء ، تنهد واقترب منه يجره لعناق ابوي جاعلاً ألفين يخفض دفاعاته رغم شعوره بالخجل منه ووضع رأسه على كتفه ليستمع لجوابه عن كثب
" لا ، لم تكن كذلك يوماً ، لطالما كنت أفضل ابن بالدنيا "

ألفين تحولت ملامحه للغم وغشيه حزن لا يوصف حين وضح لوالده سبب سؤاله هذا
" لكن ....منذ رايتماني وانا ارى انكما تحاولان إخفاء حزنكما، امي تبكي بكثرة وكأنها كانت تعاني طويلاً، الجميع حذر حولي ، أشعر اني فعلت شيئا ما تسبب بالاذى لكم لكنكم تحاولين عدم اخباري"

جين ارجعه للخلف يمسك به من ذراعيه ، ملامحه جعلت ألفين يسترخي بدون سماع شيء وازداد راحة حين سمع جوابه المنشود بكلمات لم تقبل أي شك منه
" لست من فعل بني بل نحن نلوم انفسنا على كل الأذى الذي اصابك ، لكن ثق بي ، لا أحد أكثر حظاً منا ، انت واختك أفضل أبناء بالدنيا لذا لا تفكر بأنك شخص سيء ولو للحظة، لأنك أن كنت كذلك فلا شخص جيد في هذه الحياة "

ابتسم ألفين له وحلت ملامح السكينة على وجهه مجدداً ، هذه المرة بادر هو وعانق والده بشكل فاجى جين لكنه استجاب له سريعاً يعوض ما فقده لسنوات ليسمع صوت ابنه من جديد يخبره بكل صدق
" شكراً ابي ، سابذل جهدي لأكون كذلك دوماً"

مسح جين على ظهره ثم تراجع ليتركه اخيراً في غرفته ليرتاح، فور إغلاق باب غرفته هو وضع أغراضه ارضاً وبدا بالتجوال هناك ، فتح المجرات تباعاً ليرى فيها اغراض غريبة وبعض الدفاتر والالعاب ، قطب حاجبيه للمنظر لكنه تجاهله ونهض بعيداً عن الخزانة حين ادرك انها خالية من الثياب واوعز هذا ان والدته ربما احظرت كل ثيابه للمشفى رغم غرابة الامر .

ذهب للطاولة الخشبية ليتفقد ما عليها من دفاتر ، قلب الاوراق ليجد دفتراً كتب بصفحته الاولى اسم الفين اندرسون وما تلاها من الصفحات كانت مادة الرياضيات تملئ الاوراق بشكل مرتب نسبياً ، عرف انه دفتره لكنه تسائل مرة اخرى لما لديه دفتر يعود لايام المدرسة على طاولته ؟! يفترض انه بالجماعه فاين كتب الجامعه اذا؟

شعر بصداع مفاجئ جعله يمسك برأسه بقوة شديدة يضغط عليه ويصير على أسنانه ، أغمض عسليتيه عنوة واتجه للسرير ليستلقي عليه ، لا يزال يشعر أن هناك شيء غير طبيعي ، ذوقه بالغرفة يستحيل أن يكون هذا فهو شاب بالفعل ، بالوقت ذاته واضح أنها تخصه لكن هناك حقبة زمنية كاملة بين ديكورها وعمره هو ، أغمض عينيه يصارع الصداع ويده تضغط على صدغه يحاول تخفيفه ، توقف عن التفكير حين أدرك أن ذلك لن ينفعه بشيء ، هما والداه وواضح أنهما لا ينويان شراً به ، ليو سيعود ويمكنه سؤاله لاحقاً وان لم يحصل على جواب سيحاول التفكير بجواب خاص به ولو استنتاجاً.

اما عند ليو فقد بقي مكانه لبضع دقائق قبل ان يقرر المغادره كما اتفق مع الفين ، رؤيه رفيقه بكل هذه الصراحه واللطف جعله يشعر بان الزمن رجع للوراء بتاثير سحر ما ، هكذا كان ليكون الفين لولا السجن ، اشبه بشجره يافعه تضل ما تحتها بكل لطف وتعطي ثماره بكل موده  .

تذكر كيف طلب منه البقاء فضحك بخفه بينه وبين نفسه يهمس لها حين لم يجد احداً ليناقشه بالامر
"سيدفن نفسه لو تذكر هذا لاحقاً"

اردف بشيء من الحزن
"رغم هذا اظنني افتقد المتنمر ايضاً ، اتمنى لو كان كلاهما هنا لكي اتذمر على ال المتنمر واستمتع بصحبه اللطيف منهما "

~~~~~~~~~~~~
صوت إغلاق الباب تلاه اختفاء زوجها بشكل مريب دون ابلاغها بهوية الطارق هذا جعلها تستغرب لكنها تابعت ما تفعل رفقة ابنها ريثما يعود ليوضح ما حدث أي كان .

بغرفة قريبة من هناك وقف الرجل أمامهما مرتبكاً والسكين لم تغادر يد  أصغر ابنائه مع نظرات مخيفة جعلته يشعر أنه ينظر لقاتل مختل لن يتردد بطعنه حتى الموت   أما الأكبر بينهما وقفته كانت كافية لتريه أن منحهما لسامويل جعل القتل يجري في عروقهما فملامح هنري لم تختلف عن تؤامه في البرود وان كانت أقل اختلالاً.

تمنى لو  أنهما لقيا حتفهما بعد تعذيب شديد على يد سامويل ، هذا أقل ما يستحقانه بنظره بسبب تجراهما على القدوم وازعاجه بهذا الشكل ، تمنى لو يعود به الزمن لاوسعهما ضرباً بنفسه لو لزم ، كانا وما زالا غلطه لابد  من ازالتها، أراد مجاراتهما مؤقتا لضمان حياته فسمع هاري ينطق بمرح
" اذاً ابي العزيز ، هلا قصصت علينا قصة ما قبل النوم؟ لم تفعل يوماً ، حان وقت التعويض "

نظر إليه والده بكراهية جعلت هاري يقرب السكين من بطنه أكثر فرفع والده يديه أكثر يعلن عدم مقاومته، هنري طرح السؤال ببرود يكتف يديه مستنداً الطاولة
" ماذا حدث قبل سنوات ، ماذا حدث بينك وبين سام لينتهي أمرنا عنده ؟ "

والده صر على أسنانه راغباً بالصمت، هاري ابتسم بسخرية يحفزه بتقريب السكين أكثر
" هيا ابي ، أن تأخرت أكثر سأظن انك تخشى على مشاعرنا التي ذبحتها منذ سنوات ، لا تريد أن اسيء التفكير بهذا الشكل صحيح ؟"

أجاب بعد برهه غاضباً يفرغ كل ما بجعبته دون اكتراث رغم شعوره برعشة في جسده من فرط الغضب لما يمر به بهذه اللحظات بغير وجه حق
" لقد بعتكما له اذاً ماذا ؟!  استلفت منه مبلغاً كبيرا وحان وقت ارجاعه، ماذا كان يفترض أن أفعل ؟ بالطبع بيع الأشياء  عديمة القيمة ! أنتما لم تكونا سوى غلطة ، وقررت الاستفادة منكما لأول مرة  فبعتكما له  مقابل تركي وشاني، وهو قبل ببضاعة معابة مثلكما، كونا ممتنين أيها القذران  "

اردف بعدها يهتف بهما بصوت خافت مليء بالتقزز
" بأي حق تاتيان هنا لتهديدي أيها المجرمان؟ مكانكما عند سامويل وحسب ، ألم تحاولا قتل زوجتي قبلاً؟ بل يجب أن تكونا بالسجن  ويتم تعذيبكما على كل ما سببتماه بوجودكما في هذا العالم من مشاكل "

هاري اتسعت ابتسامته مع عيون واسعه تبرق بعداء  تام، هنري تقدم ينزل يديه واقترب من والده ببطئ بملامح لم تتغير ولو للحظة في برودها وتقززها ، ملامح شخص سأم كل شيء ، وصل بجانبه فوضع يده على كتف هاري فعبس المعنى ينفخ وجنتيه يبعد السكين ، كان والدهما يراقب ونوى إنزال يديه اخيراً وقبل أن يستوعب ما يحاولان فعله تلقى ركلة قوية على معدته جعلته يدنو بعيون متسعه وصرخة مكتومة تلاها أخرى من هاري  جعلته ينهار ارضاً بألم شديد ، اقترب هاري من أذنه  بابتسامة اتخذت الحقد لغة لها 
" شكراً ابي، كانت قصة ممتعه، نراك قريباً حيث تنتمي"

خرجا من الغرفة  بهدوء دون أحداث أي ضجة ، وجها نظرة أخيرة للمكان معاً قبل أن يمد هنري يده لهاري ، افرجت شفته عن ابتسامة واومئ لهاري فبادله الأخرى بابتسامة دافئة وامسك بيده ليخرجا من المنزل لمرة أخيرة تاركين خلفهما ماضياً دفن طفولتهما في قبره وحول مراهقتهما لمسلسل درامي ماساوي وها هما يبذلان كل ما لديهما لجعل النهاية تحيد عن البؤس السابق وبدء حياة جديدة بعيدة عن كل هذا الحطام يلونانها بالوانهما الخاصة .

~~~~~~~~~~
استلقائه ذاك نتج عنه ساعات من النوم دون قصد فهي كاحدى غفوات الظهيرة تبدأ بخمس دقائق وتنتهي بنوم عميق يمتد طوال ساعات الظهيرة حتى ليبدو صاحبه كجثه لا تحييها أي ضوضاء .

فتح عينيه يفركهما بتكاسل على صوت مألوف له أعاد له ذاكرته القصيرة في طولها المحدودة في محتوياتها لوقت استيقاظه الأول حين رأى ذاك الشاب المستاء امامه وقتها ولم تخب ظنونه.

فور أن استعاد مجال الرؤيا يفتح جفنيه ودخل النور لحدقتيه ابصر فوق راسه صديق طفولته الذي عرف عن نفسه سابقاً باسم ليو يحاول ايقاظه بملامح لطيفة جعلت ألفين يفكر هل تصرفات صديقه ذاك هي ما تجعله يشعر بالاطمئنان قربه أم هل ذاكرته تعطيه تلميحات عن من يجب أن يثق بهم؟ هو منذ استيقظ ومشاعره المهتاجة غير قابلة للتفسير وعقله يحلل بكثرة كل ما حوله يحاول ربط الخيوط المتقطعه ببعضها لتكوين صورة تعينه على التصرف  بأفضل طريقة ممكنه  تحميه ولا تجرح من حوله .

تلك الأفكار لم تأخذ الكثير من الوقت فرغم مظهره الفاضح لشروده فقد كانت ثانيه أو أقل ليعتدل بجلسته مستنداً بذراعيه لينزل قدميه عند حافة السرير ، تثائب بكسل ثم التفت للنافذة يحاول معرفة بأي وقت هو فتولى ليو الواقف أمامه أجابته
" نحن بالظهيرة، الخالة أكملت الغداء منذ زمن لكن حين راتك نائماً فظلت عدم إزعاجك لكن رأيت أن الأفضل أن اوقظك فور وصولي لأنك بحاجة لبعض النشاط كما تعلم ، قضيت ما يكفي بالنوم"

استمع له ألفين باهتمام ثم اومى له ليسأل ذات السؤال السابق وان اختلف معطي الاجابه هذه المرة
"ليو ....رغم أني حصلت على جواب ما بالفعل لكن ....لا أزال أشعر بشيء غريب بالأمر كله وبشكل أو آخر أشعر انك من سيخبرني بالحقيقة فان لم تفعل انت لن يفعل احد"

رمش ليو  يشير لنفسه بتفاجئ ثم ابتسم ليجلس قرب ألفين ملقياً جسده على السرير الصغير
" أخبرني وساحاول اجابتك أن عرفت الجواب ، يمكنك ترك الأمر لي "

ألفين تردد خشية أن يسمع ما لا يسره أو  يكذب عليه ليو بشكل واضح يجعله يخسر ثقته بالشخص الوحيد الذي يعتمد عليه هذه الفترة وان كان يدرك أن  أي كذبه بهذا الجانب هي غالباً لأجله هو
" والداي يتصرفان وكانهما لم يرياني منذ زمن ، حتى هذه الغرفة لا تبدو لشاب بالجامعه، هناك شعور داخلي ايضاً يجعلني أشعر بالسوء كلما نظرت لهما لسبب اجهله،  هل كانت علاقتي بهما سيئة؟ كيف فقدت ذاكرتي بأي حال ؟ كل تلك الإصابات ...هل كنت شخص سيئا يتشاجر مع الآخرين ربما ؟ هل كنت عاق بهما ؟ لا يمكنني طرح الأمر بشكل صريح بهذا الشكل معهما لكن والدي قال إني أفضل ابن قد يحصل عليه ....هل هي مجرد أوهام بعقلي؟ كن صادقاً أي كان الجواب من فضلك "

احتار لوهله فالحقيقة هنا قد تبدو كذباً والكذبه تبدو حقيقه ، لا يمكنه أخباره بالأمور بشكل صريح كون الوقت مبكر جداً عليها
" هل تثق بي ؟اعرف انك لا تذكرني ال لكن هل ستضع ثقتك في حكمي؟"

تردد في الاجابه ليس لعدم ثقته فهو وبطريقة يجهلها يملك بالفعل ثقه تامه بمن أمامه وكان احتمالية خيانته غير واردة لكنه لم يملك ادله  أو أسباب كل ما كان بالأمر هو أن فكرة خيانته له لم تخطر له لكنه تردد خشية أن يكون جوابه سببا في امتناع من أمامه عن أجابته رغم هذا قرر أخيرا  بعد وقت قصير ان يرد
" اجل"

ابتسم ليو للجواب  ليردف بملامح ساكنه يبعث في رفيقه المضطرب الآمان
" كل ما تحتاج أن تعرفه الآن هو أنك بالفعل لم تكن معهما لأسباب قاهرة ، لكنهما احباك وانت فعلت أيضا ، ولم تكن ابنا سيئا أو شخصا سيئا يوماً ، فقط الحظ لم يكن  حليفنا  رغم ذلك قاومنا لذا حتى تتذكر لا تفكر بأي شيئ ولا تصدق كلام أي احد فقله هم من عرفوا روعتك لكنهم احبوك حقا وسيفعلون دوماً"

استمع ألفين له بكل ترقب ورغم أن الجواب لم يكن ما انتظره إلا أنه وجد نفسه يبتسم وقد حلت السكينه في نفسه رغم عدم استيفاء الجواب صورة لواقعه بشكل تام .

نهض يعلن أن وقت الحديث انتهى ليتبعه ليو مترقباً نتيجه الحوار  ، الفين التفت اليه يضع ملامح اخبرته بأنه راضي للوقت الحالي ولن يسأل أكثر فابتسم ليو لذلك مرتاحاً  لينهض ويحاوط عنقه ليذعن الآخر لتلك الحركه ويتحرك كلاهما نحو غرفه الطعام
" عليك تذوق طعام الخاله ، تعلم هي استغرقت النهار كله تحضره لذا احرص على مدحه جيداً "

ألفين رافقه ليستفسر بعد  أن صار كلاهما متجاورين ينزلان الدرج على مهل
" من كلامك أفهم اني لم أكن أفعل لهذا توصيني، هل تستغل كوني لا أتذكر أم ماذا ؟"

ضحك صغيرة افلتت منه وغمز له ليسبقه للغرفة المائدة
" تظاهر انك لم تنتبه وافعلها، ستشكرني لاحقاً صدقني"

ومع دخولهما لغرفة الطعام نهضت والدته من كرسيها فور رؤيته يداها فوق الطاولة وعيناها ثابتتان عليه تحاول رسم ابتسامة مرحبه قدر ما كان في وسعها .

جين الجالس قربها ابتسم له ورافقته ايزا في الترحيب بالنهوض من مكانها واحاطه يده اليسرى لتسحبه خلفها ليجلس معهم تاركه ليو خلفها بحركة جعلت ألفين يلتفت لينظر للخلف لمراقبة من بقي يراقبهم هناك بابتسامة مرتاحه  جعلته يسترخي ويقلل من دفاعيته ويتبع شقيقته ليجلس قربها
للمائدة بهدوء ومع جلوسه ابتسامة  استقرت على ثغر أمه رغم اجتماع الدموع بعينيها حيث اسرعت لمسحها قبل نزولها لتبدا بتقريب الأطباق منه وخلال ذات الوقت اسرعت تنادي على ليو للجلوس قربها حتى يكتمل في قلبها ذلك المشهد المنتظر منذ سنوات طويله  وتقر عينها برؤية ما غاب عنها لسنوات ، دفئ أسرتها مكتمله !

~~~~~
نوبة الغضب باليوم السابق لم تهدأ رغم اقتصاصه ممن اشتبه به بنسبه شبه مؤكدة انه الفاعل وما زاد الوضع سوءاً هو فشل  من ارسلهم في التسبب بضرر كبير فقد بلغته الأخبار انه حي الضرر الوحيد كان فقدانه للذاكرة والذي تبين أنه ذو نتائج إيجابية لهم جميعاً مما جعل عروقه بارزة من الغضب ورغبته بتفجير الأسرة بمن فيها كانت تتنامى .

لم يكن متأكداً من أنه الفاعل لكن ترافق ذلك مع وقت أصابه ليو ترك له مشتبه به وحيد ليفرغ به كل ما تكدس من غضب نتيجه شعور العجز الرهيب لأول مرة بحياته ، كان يجلس مقابلاً لطاوله زجاجية  جديده اشتراها بدل ما حوله لركام يده تستقر فوق فخذه المصاب والأخرى  تمسك كوباً زجاجياً يستمع بنظرات أثارت قشعريره من أمامه جاعله اياه  يرغب بالتبخر من أمامه لكنه لم يملك هذا الخيار  فكان لزاماً عليه أن يتاقلم مع الجو المريع حتى انتهاء تقريره المكلف به وكان الجواب الذي يمتلكه أبعد ما يروق لسيده فكان سبباً أكبر لاثاره فزعه مع كل حرف يخرج من جوفه وحين سمع سامويل يكرر ما قاله له كان يكتب وصيته في عقله ويتخيلها تضيع مع روحه الراحله دون وجود من يتذكرها
" اذاً تقول أنه فقد ذاكرته وعاد لذلك الحقير؟"

أومئ بعد أن وجد نفسه مجبرا على منح جواب وعيناه لا تبارح الارض موطئاً لها 
" نعم "

وعلى خلاف ما توقعه فقد كان الجواب قصيراً ومطمئناً ، أمنيه تتحول لواقع بمعجزة
"اخرج"

ومع سماعها قدماها استجابت بأسرع مما تخيل ليجد نفسه وقد خرج تاركاً سامويل ورائه بغرفته الخاصه ومع إغلاق الباب تنفس الصعداء وأسرع بخطوات شابهت الركض للابتعاد.

فور أن صار بمفرده وضع الكوب من يده وعيناه كانت على الفراغ استقرت وامتزت به فاخذت منه الخواء ذاته  لتصبح روحه بصحراء قاحله لا ينبت فيها سوى الصبار الشائك الجارح  لكل ما يلمسه.

نهض من مكانه يتجرع الألم عمداً يتجه نحو الطاولة الموضوعه على  جنب المملوئة بسهام طائرة فضيه التقط أحدها بين اصبعيه ليرميه بدون تأخير ودون أي جهود تذكر نحو صورة معلقة على الجدار مقابلاً له لتستقر فوق صدر صاحبهااما سامويل فقد اقترب منها ببطئ يجر قدمه المصابة خلفه
"من كان يظن أن الأمور ستتجه لما  هو أفضل لك ؟ استمتع بهذه الجرعة من السعاده لاني اعدك أنها ستكون الاخيره "

استدار عائدا من حيث جاء ليلتقط ثيابه الرسميه المركونه جانباً يستعد للخروج من غرفته لإكمال ما تراكم نتيجه إصابته بعد غياب قصير رتب فيه أفكاره للمستقبل القريب والبعيد على حد سواء يرسم خط النهايه المنشود بيديه الملوثتين .

~~~~~~
غرفته الخاصة وحاسوبه هي كل  ما احتاجه ليجد نفسه يقترب بشكل لا يصدق من تحقيق ما تمنى تحقيقه منذ سنوات  لا يكاد يعدها من فرط طولها.

رغم بحثه لوقت طويل لكنه لم يكن يوماً بهذا الدنو  حتى أنه ليتعجب من ترتيبات الخيوط بهذا الشكل العجيب  بما يخدم اهدافه .

السماعات غطت اذنيه والصوت أنساب اليهما تزامناً مع تقليبه لملف وصله تواً جعله عيناه تراقبه بدون أن يطرف جفناه ، ثواني مرت قبل أن يرسم ابتسامة صغيرة هامساً بفخر تام
" ذاك الصغير مذهل حقاً ، يناسبه لعب دور المحقق بجدارة "

ومع نهاية جملته مد يده لمؤشر الحاسوب يتابع التقليب بعد أن انحنى للامام يقترب من الشاشة ينظر إليها بملامح جادة يحفظ كل ما أمامه عن ظهر قلب .

~~~~~~~~~~~
الغداء انتهى بما فيه من دفئ ليترك الجميع احراراً لمزاوله  أعمالهم فاخذ كل منهم مكانه رغم رغبته بالبقاء في تلك اللحظات دون انتهاء.

أول الراحلين كان ليو حيث حلول الظهيرة ترافق مع اتصال هاتفي أخرجه من الجلسه الأسرية جاعلاً اياه ينهض معتذراً بابتسامة هادئه يخبرهم انه تقاعس بسبب الوقت اللطيف حتى تراكم العمل فوق رأسه وختمها بتعبير آثار استغراب الفاقد للمعرفة الكافيه حين سمعه ينطق بسخرية بسيطه أن المزيد من تصرفاته بعد ويعيد جده طرده قبل أن يتم أسبوع معه حتى وملامح ألفين المحتارة جعلت ليو يستوعب تواً أن ما قاله كتعبير بديهي بدأ لغزاً غير قابل للحل جالب للقلق لرفيقه فابتسم بارتباك قبل أن يعلق بابتسامة يحاول تغير الجو سريعاً
" لا تضع هذه الملامح ، جدي من أنواع الناس الذي يعتبر تربية الجيش هي الطريقة الوحيدة لإنشاء جيل جيد ، لكنه ليس بالسوء الذي يبدو عليه "

ولا يدرك كيف استطاع باعجوبه تامه إنهاء جملته دون السخرية بشكل علني أو خفي حتى كاد ينحني لنفسه بنفسه  ويخبر ال  ذو الذاكرة بأنه يستحق مديحاً على كل ما يفعله لأجل عدم إفساد عقل نسخته الفاقده للذاكرة !

ومع رحيله استقل سيارته وانضم إليه فور خروجه سيتو حيث كان ينتظره في السيارة بالخارج .

الطريق كان سالكاً لتلك السيارة الصفراء يقودها سيتو ويستقر جانبه ليو شارداً في الفراغ .

غياب عقله اللحظي لم يمنعه من استشعار ما كان يحدث حوله من نظرات تفقدية موجهه من رفيقه له جعلته ينطق بعد صمت طال بابتسامة صغيرة ساخرة
" سيتو هل تحولت كل كراهيتك لي لمحبه لهذا الحد لدرجة لن تنشغل بالنظر إلي وتترك الطريق ؟ "

ذات نبرته خرجت  من ابن عمه ، عيناه على الطريق لا تحيد عنه سوى لبضع ثواني تعبر عن ازدراء لما سمعه
" غريب أن يكون لديك  مجال للمزاح في جو كهذا ، كيف الوضع مع صديقك ذاك ؟ هل ما يزال طفلاً  مهذباً يشرب الحليب ويأكل  الخضار؟"

ضحكه صغيرة هربت من بين شفتيه سرعان ما تحولت لابتسامه صغيرة  يميل برأسه وينظر لسيتو
" عزيزي لو سمعك ال الكبير  سيحول وجهك للوحه فنيه  من نوع ما ! رغم أنه يستحق لقول  أنني طفل بكل مرة ! بأي حال ما يزال على وضعه ولا بأس من الأفضل أن يظل يرى العالم بشكل مسالم أفضل من أن يرى السواد فيه ، أفضل رؤية ملامح ال المسالمة الحائرة على تلك الحاقدة"

همهم  سيتو متفهماً وتابع طريقه حتى توقفت السيارة عند تلك الشقة ، نظر اليها ليو بنظرة جانبيه قبل أن يعيد رأسه للخلف وعيناه على زجاج نافذته الاماميه
"هل من أخبار عن  ارنيست؟ الفتى اختفى دون أثر منذ عودته لسام الم يتواصل معك للان؟"

أبعد سيتو حزام الأمان ،وتابع استعداده للنزول مع أجابته لما طرحه ليو دون اكتراث فعلي لمعرفته أن سؤال ليو ما هو إلا سؤال نابع من مشاعر عميقة مغروسه في أعماقه نتيجه لمعرفته عن طبيعة عدوه المتوحشة بقدر إدراكه لحقيقة أن ارنيست بمجرد عودته  فهو أعلن عن عدم نيته في التواصل المباشر معهم أو السؤال عن ألكسندر بشكل مباشر لثقته بهم ولمعرفته حقيقه أن الخطر الفعلي على ألكسندر سيكون هو مصدره الوحيد لو حاول الاتصال به فكان من تحمل التضحية من جديد رغم صغر سنه ليحاول وضع حد  لمن كان  أسرته  الوحيدة يوماً .

سار الاثنان نحو الداخل بجو شابه أجواء المآتم يعبران الرواق بصمت متجهين ناحيه الغرفة الخاصه بالصغير منذ أيام قليلة حيث انتقل اليها بمجرد غياب ارنيست وفقدانه  لوالده بالتبني .

طرق على الباب طرقاً خفيفاً ثم انسل كلاهما  للداخل ليجدا الصغير في السرير متكوراً على نفسه يضم قدميه لصدره وملامح الانكسار رسمت بفرشاتها على وجهه  لتجعله كتمثال شمع مركون في زاويه متحف مهجور تحوم فيه أرواح منسية .

وقف ليو مكانه للحظات ليفعل سيتو المثل يترقب باهتمام ما سيفعله ابن عمه فقد كانت تقلبات وجهه تشير لنيه ما  ولم يخب ظنه  فقد تحرك ليو ليجلس قرب سرير الصغير يعطيه ظهره مع ابتسامة هادئة على شفتيه
" لابد انك قلق حقاً على عمك اللطيف ، وتتمنى لو يمكنك فعل أي شيء لأجله ، اعرف هذا الشعور ال المتنمر جعلني أشعر به طويلاً"

ألكسندر ازداد عبوسه لتحمر عيناه وصوته أنساب  بخفوت يحبس بحه بكاء فيه تهدد بالتمرد بأي لحظة
" وماذا فعلت مع هذا الشعور ؟ كيف تعايشت؟"

همهم ليو بينه وبين نفس يغوص بذكرياته ليستخلص منها ما قد ينفع الطفل الخائف خلفة ، ابتسم والتفت ناحيته يبعثر شعره  وقد غزت الثقه صوته حتى بدا شخصا آخر
" الجواب سهل ، صرت أقوى حتى اضطر للاعتراف بي رفيقاً لا تابعاً،  عليك ان تكون أقوى حينها لن يجد طريقاً سوى الاعتماد عليك ، البقاء في الزاوية البكاء لن يفعل شيئا لأي أحد ، عليك ان تصبح أقوى "

رفع ألكسندر رأسه وقد خانته دموعه هذه المرة دون تحذيرات إلا أن العينان الحادتان الواثقتان والنظرة الثابتة دون اهتزاز كانت جوابا  واضحا   بالفعل
" كيف اصبح اقوى؟"

نهض ليو من السرير ومال برأسه قليلاً يجيبه بمزيد من اللطف والمرونه ليتوالم مع الصغير
"يمكنك البدء بأن تتمكن من حماية نفسك وتعرف كيف تتجنب الخطر المحدق بك ، حينها لن يكون على ارنيست القلق بشأن حمايتك ويمكنه التركيز على القضاء على سامويل ، بالنهاية ارنيست ليس  ضعيفا، هو فقط كان يحب سامويل ولم يرغب  برؤيته يتاذى ومع وجودك هو تمكن من تجاوز  هذا الشعور وصار يمكنه الآن إبراز ما عنده من قدرات "

أومئ له موافقاً ورفع ذراعه ليمسح دموعه بكمه ومع مسحها تحولت تلك الملامح لأخرى ساكنه مليئة بالتحدي والإصرار
" سافعل ، لن أكون نقطه الضعف لعمي ابداً ويوماً ما ساكون قوياً كفايه لحمايته من كل شيء "

كان سيتو يراقب المشهد دون تدخل وان كان آثار هذا بداخله  صور دفنها منذ القدم ولم يتوقع أن يكون ليو هو من سيوقظها يوماً لكنه مؤخراً بات يدرك أن الحياه لن تكون ضمن خططه وتوقعاته ولن يمكنه أن يرسمها بقلمه الخاص فقد جف حبره وبات عليه أن يتبع المسار المرسوم ويرى إلى أين سيوصله.

شروده انقطع لحظه سماعه اسمه على لسان ابن عمه وحين استفاق وجده يقف أمامه يراقبه بفضول طفل قبل أن يبتسم ابتسامة صغيرة ويمر معلقاً بنبرة لم تخلو من شغب
" لو لم أكن بمزاج سيء لضايقتك قليلاً لكن سنؤجل هذا لوقت لاحق "

سيتو قطب حاجبيه وتجعد جبينه ثم استدار لاحقاً برفيقه هامساً بتذمر
" ارجو ان يظل مزاجك هكذا دوماً اذاً "

ألكسندر لحق بهما بعد أن اتفق معه ليو على أن يتناول الطعام معهما ورغم شعور الإمتلاء المهلك لمعدته لكنه أجبر نفسه على تناول القليل لجعل الفتى يقتنع  وكان له ما أراد .

~~~~~
الملل وجد منفذاً للتسلل إليه  خصوصاً مع شعوره بالغربة بينهم على الرغم من محاولاتها المستمرة لفتح حوار معه  إلا أنه كان ينهيه قبل أن يبدأ كونه بحد ذاته يملك ذاكره طفل في الخامسه وزاد انسحابه حين لاحظ أن أجوبتها بدت مقتضبه حول الكثير مما فكر بالسؤال عنه وهذا ما دفعه للصمت لاحقاً والاستئذان للخروج للتجوال مدعياً أن هذا بهدف إيجاد المفتاح لغرفة ذاكرته المفقودة .

أرادت والدته منعه حقاً ، لكن فكرة أخباره أنها لا ترغب أن يبتعد بدت أشبه بقفص يقيد اجنحه وحيدها فكان عليها الصمت على مضض ورغم فهمه لما وراء صمتها لكنه تظاهر بعدم الانتباه وتابع طريقه للخارج تاركاً إياها وحدها بعد أن اضطر الجميع للخروج قبله تاركين الاثنين مع بعضهما بمفردهما.

خطواته كانت بطيئة تضرب الأرض برفق عيناه تتجول بين البيوت تارة وللسماء أحيانا أخرى تبحث عن المجهول عله يصبح معلوم دون نتيجه .

كان في أعماقه يدرك أن البحث عقيم فهو وان تظاهر بتصديق  كلامهم يدرك أن هناك حلقه كبيرة مفقودة أشبه بهوة دون قاع كلما حاول عبورها سقط دون رادع .

كان يدرك أن الجواب لن يكون هنا وان هذه الشوارع لم تحتويه حتى ذات يوم بل قد لا يكون عبرها منذ سنوات لكنه أراد استنشاق هواء بمفرده حيث يمكنه التفكير والتصرف دون تقيد  خشية الانعكاسات الناتجه من أفكاره وأفعاله .

البنايات من حوله بدت اخاذه لقدرتها السحريه على جذب فضوله كفايه للخروج من تساؤلاته العقيمة حيث الحصول على جواب بدى مستحيلا منها .

في خضم تلك الأفكار صوت من خلفه جعله يتوقف عن السير والتفت يتفقد صاحب الصوت خلفه مع تسائل أنبثق في داخله ( لما اعتبر الحديث موجهاً إليه رغم ان اسمه لم يذكر على لسان صاحب النداء؟ لم يعلم السبب لكنه شعر بأنه المعني بهذا فكان ذلك سبباً للتوقف وتفقد الأمر ونظراته فضحت تساؤلاته  بفضولها حين رأى ذلك الرجل  المسن رفقة سيدة بدت في الاربعينيات  ترافقه وقد تحلت بثياب انيقة من قميص أخضر من قماش فاخر وتنورة سوداء وصلت لركبتها جاعله إياها تبدو كسيدة أعمال راقيه .

ما زاد الأفكار العاصفة داخله هو نظرات كلاهما نحوه بشكل غير محبب عبر عن أنواع الرفض والتقزز بشكل جعله يتسائل هل فعل شيء ما لهما ؟ ماذا قد يفعل لرجل عجوز وابنته بأي حال ؟كلام من عرفهم لم تجعله يبدو ممن قد يؤذي أشخاص مثلهم .

توقف واستدار ليصبح مقابلاً لهما ، وجه سؤاله برفق ينتظر من ردهما أن  يكون جواباً لكل ما ظل يتردد في داخله من شكوك ذاتيه بالنفس
"كيف يمكنني المساعدة؟

بدا الجواب  غير ملائم لندائهما الوقح بعد أن استعملت السيدة كلمة
( ماذا يفعله خريج السجون هنا ؟ هل تنوي قتل طفل آخر  وتدمير ما تبقى من أخي ؟"

كلماتها جعلته يضطرب لكنه لم يتجاوب بالشكل المتوقع فقد غلب فضوله صدمته وتجاوب بكل استرخاء مما جعل عمته تشتعل أكثر في الوقت الذي أثار رد فعله يقظة جده وانتباهه أكثر من المعتاد
" لما تتواجد هنا ؟ ألم تكتفي بكل الإضرار حتى الآن ، كم أسرة أخرى ستدمر لتكون راضياً؟ أولا أخي الأكبر ثم أسرة أخي الأصغر، انت لعنه تلوث كل ما تمسه ولا تتركه حتى يموت !"

ضيق عينيه يتجاوب معها بشكل بسيط يحاول جعلها توضح الأمر دون إبراز جانبه من القصة
"أن كان لديك شيء للشكوى بشأنه  قولي مباشرة بدل اللف والدوران، لما قد أحاول اذيتكم دون أسباب ؟"

ضغطت على يدها بقوة واسنانها اصطكت مع نظرات حادة ملئتها بكل كراهيتها تتذكر كل الآلام والمعاناة اللاحقة بأسرتها بسببه
" اسباب؟ وهل فعلنا لك شيئاً غير تقديم كل الرعاية والتمييز؟ والنتيجه؟ قتلت طفلاً بريئاً وانت ما تزال ببدايه المراهقة ، لوثت سمعتنا بدخول السجن ولم تكتفي بل دمرت أسرة تشارلز بعد أن استغللت طيبته للبقاء معه بعد أن طردناك ، انت طفيلي حقير وحسب يتعايش على حساب كل من حوله "

تلك الكلمات التي سمعها جعلته يجفل لوهله مع عيون  متسعه غير قادر على استيعاب ما يقوله من أمامه لكنه بدى منطقيا جداً بالنظر لما يحدث حوله ومسألة غيابه عن المنزل وبقاء كتبه على حالها مع لهفة والديه الغير اعتيادية ، كلها بدت كتفسير منطقي  لدخوله السجن وبالتالي عدم قضاء  وقت معهم لكن يظل السؤال الذي كسر قلبه أهو حقاً قتل شخص ما ؟ كل من عرفهم اخبروه انه أفضل شخص هل كان هذا حقيقة ؟ربما فعل الطفل شيئا ما ؟ لكنه بدى كمبرر لقاتل مجنون يعطي نفسه حق تصفية الآخرين !

هل من أمامه يكذبان؟ لم يبدو الوضع هكذا خصوصا مع ظروفه الحاليه وتصرفات من حوله، بدا كلامهما الأكثر منطقية وواقعية  مما سمعه والتفسير الأقرب للصحة هو أنهم لم يفقدوا الأمل من أن يصبح شخصا جيدا لهذا كذبوا عليه مستغلين فقدان ذاكرته .

تلك الحقيقة المغروسه كسكين في قلبه جعلته يشعر برغبة في البكاء لكنه كبح ذلك كاتماً ألمه  للحظات لعدم رغبته بالانكسار أمام  من لا يشعر بالأمان معهم .

حقيقة كذبهم جعلته يدرك مقدار حبهم وبالوقت ذاته  افقدته الثقه  بهم كلياً كرماد تناثر في الإرجاء  ليختفي  في الاثير تاركاً اياه في أرض قاحله خلت حتى من رمالها .

جده بعد كل هذا الصمت والترقب اكتفى بالتعليق بصوت هادئ بدا أكثر ارعاباً وأكثر  حكماً عليه من المرأة رغم ما بدا  ظاهرياً انه أكثر هدوءاً ورزانه
"  لنذهب وحسب   ،نحن خلافه نهتم بامر جين ولن نسبب لها الاذى ، سيدرك  جين يوماً أن تدمير أسرته وسمعته لأجل مجرم ما هو إلا جناية  على باقي الأسرة ، وأن كان فات اوان ادراك هذا فقد تلطخت سمعه ايزابيلا وسمعته كقاضي بالفعل ، ياللاسف لم يستحق شخص مستقيم مثله هذا "

استدار مع نظرة أخيرة ليغارد رفقة  ابنته ومع رحيلهما كان لديه الوقت اخيراً ليقبض على قلبه بقوة مانعاً نفسه باعجوبه  من الصراخ كمن اصابه الجنون أو البكاء كطفل تم كسر لعبته المفضلة أمامه وترك ركامها أمامه ليذكر الحادث الأليم بكل مرة يراها محطمه.

عيناه احمرت ورفع إحدى يديه ليراها أمامه ترتجف واللون الأحمر غطى عينيه حتى بدا وكان يديه   ملوثة بالكامل بل هو بات يتخيل نفسه وهو ينقض على طفل ما مع ابتسامة المجانين الذين يراهم بالأفلام وهذا جعل رجفة تسري  بكامل جسده دون قدرة على إيقافها .

أحاط بجسده واستدار ليسرع في خطواته حتى بدأ  الركض بشكل فعلي بعد مرور بضع دقائق وكل ما أمامه بات مشوهاً مع محاولات يائسة للتذكر بنفسه عله يتوصل لجواب حقيقي  لما جرى دون تجميله ممن يحبونه أو تشويهه ممن يكرهونه !

الركض انهكه بعد وقت قصير حين وصل جسده حده من الأنهاك مع آخر إصاباته ومع اضطرابه النفسي  فكانت قدرته لا تتعدى بضع مترات قبل أن ينحني مستنداً لركبتيه يلهث وقد خبت رغبة البكاء مع شعوره بالتعب وهذا ما كان ينتظره بالفعل .

نظر حوله ليجد المكان غريبا عنه ، تلك الجملة بعقله جعلته يرغب بالسخرية من نفسه فهل هو يملك مكاناً مالوفا ليصبح هذا غريباً؟ كل شيء بما في ذلك نفسه كان عبارة عن غربة وأراضي غير مكتشفة وبدون أن يدرك عرف وبابشع  طريقة أن تلك الأراضي مليئة بحشائش سامة .

رأى من مسافة قريبة لم تبعد عن مكان وقوفه سوى بضع خطوات مصطبة للجلوس اتجه اليها دون تأخير يرغب بالحصول على بعض الراحة بعيداً عن صخب البشر فكان له ما أراده فلم يحوي المكان سوى من كان يمر نتيجه رغبته بالمرور لمنزله كطريق عبور لا أكثر ولم يكلف أحد نفسه عناء التوقف وتفقد الممر النباتي الفرعي أو من اتخذه مخبئاً من العيون المتلصصة الراغبة بطعنه بنظراتها .

ظل الوضع على هذا الحال لوقت طويل يتخبط مع أفكاره المظلمة وملامحه المنكسرة حملت ظلاماً موجهاً لنفسه بدل أن يتوجه لغيره يشك بكل نواياه وتبريراته ليجعلها تناسب  خاصة قاتل مختل لا يعرف الرحمة لتناسب الصورة المرسومة لنفسه .

الزمن توقف لثانيه يقطع عليه كل تلك الأجواء الماتميه ليجعله يلتفت وينظر ناحيه من أقبل نحوه يرسم الهدوء على وجهه لكنه بدا بشكل واضح مضطرباً وقلقاً من لغة جسده المتاهبه وأنفاسه السريعه ، عينا ألفين كانت ذابلة لكنها انخفضت يشكل تلقائي تتفقد السوار الذي نسيه في يده دون ازالته ليدرك كيف وصل له ليو بهذه السرعه .

ابتسم ابتسامة صغيرة عبرت عن شعوره بالسعادة والمرارة بالوقت ذاته فهل هو قلق من أنه سيكتشف الحقيقة بغيابه؟ إن كان كذلك فقد تحققت مخاوفه وفات الأوان بالفعل وقد أنسكب الوعاء بما فيه وانكسر دون رجعة  .

اقترب ليو ليجلس قربه وحسب مع تنهيده ارتياح  صدرت منه مبتورة من منتصفها بعد ما تمعن في ملامحه تلك ليوقن ان شيء  ما حدث .

بقي بجانبه يترقب ما سيقوله لكن لسانه بقي معقوداً  خشية سماع ما لا يود سماعه فيشعر بالفشل أكثر مما فعل للان !

ضغط على نفسه وقرر أن يقتلع الصمت  من جذوره بالمبادرة لمعرفة ما حدث في غيابه وكم لعن جده ونفسه عليه قبل سماع الرد سلفاً فقد أدرك ما وقع دون حديث
" هل تذكرت بعض الذكريات السيئة؟ اعرف ان بعض الأمور تبدو مريعه لكن ...صدقني كنت تعيش بشكل جيد رغم البؤس"

ألفين تردد في الحديث ، ضم يديه لبعضهما ثم انحنى ظهره للامام
" لست... قلقاً على كيف كنت أعيش ، بل على حساب من كنت أفعل "

ليو صر على أسنانه قبل أن يبتسم بحنق
" بحق الله آل هل هذا أول ما ستتذكره؟ لم تعش على حساب  أحد يوماً بل كنت دوما من يدفع ثمن أفعال الآخرين لكنك تأخذ لوم نفسك كنمط للحياة وحسب !"

تلك الكلمات بدت صادقة بشدة لدرجة زعزعت تخيلاته لوهله جاعلة اياه يفصح بعيون ذابلة مع  ضغطه على يده بقوة
"والطفل الذي قتلته؟ وتلويث سمعه ابي بسببي؟  وأي كان ما فعلته بأسرة عمي ؟ هل كلها أعمال خيرية من نوع ما ؟"

وتلك الكلمات جعلت ليو يجفل للحظه ، صمت بشكل آثار استغراب ألفين وجعله يصدق انه مجرد مجرم ما وان ليو  غير قادر على الاجابه لكن أفكاره قطعها التفات ليو إليه ووضع كلتا يديه على كتفه مع نظرات بدت مخيفة لالفين لتثير الارتباك بداخله ويتحول استيائه لقلق خشية  انه قال ما أغضب رفيقه
" ألفين مع من تحدثت في غيابي؟ أي كاذب لعين جعلك تصدق امنياته وخيالاته الطفولية بجعلك تبدو الشرير ؟ لأن كل ما سمعته توا حرفيا هراء من نوع فاخر لا يقدر عليه سوى أشخاص يمكنني معرفة من هم بالفعل لكن انا اريد معرفتهم  منك انت !"

ألفين أجاب بينما يضع يده على يده المستقرة على كتفيه يحاول رسم ابتسامة لسلب غضب من أمامه
" أنسى الأمر ليو ، لم يقولا الكثير حقاً عمتي فقط كانت غاضبة من رؤيتي هنا وجدي فقط اوقفها وقال لنرحل وان ابي سيكتشف خطاه بتدمير سمعته وسمعه ايزا لاجلي ،  لم يقل أكثر ..."

يدا ليو ضغطت على كتفيه جاعلة ألفين ينظر إليه بارتباك أكبر ، لم يعرف ما عليه قوله أو فعله ولا ما يجب عليه الاقدام عليه أم عليه تجاهل ما حدث وتغير الموضوع لكن لم يدم  في حيرته لوقت  طويل فقد ابتسم له ليو بخفة وأنزل يديه يمد يده له بطريقة تشجيعية
" هي ال انهض أم تنوي المبيت في الشارع ؟ الجو بدأ يبرد كما ترى الخريف أقبل بالفعل وخالتي غالبا تقطع المنزل ذهاباً واياباً قلقاً"

وافق ألفين دون اعتراض ليومئ  ويتبعه بتردد واضح تم تجاهله من قبل ليو واكتفى بجر ألفين  خلفه للمنزل وخلال طريقهما ظل يحافظ على صمته بشكل جعل ألفين يفكر أن هناك خطب ما حقاً منذ تحدث تواً لكنه عاجز عن فعل أي شيء لامتصاص غضبه ولعن نفسه للحديث عن الأمر بهذا الشكل والتسبب بتعكير مزاج رفيقه !

~~~~~~
منذ ساعات والحنق يتصاعد كغمامه تتراكم فوق رأسه لكنه يتجاهلها عمداً مدعياً عدم الاكتراث كي لا يثير شفقة نفسه عليه ويبدو كطفل غاضب رغم أنه لم يكن يبدو بل كان بالفعل كصغير حانق وكل هذا كان بسبب استيائه انه لم يكن من تمكن من وضع حد لأبيه أو التخلص من سام بل كان صاحب الإنجازات هذه الفترة من يرغب هو بسحق رأسه تحت مطرقة ما ، مارسيلينو الرجل الذي خذله في أعز ما لديه  !

هاري كان يتغنى بالحان ودودة ويتحرك من طبق لآخر لتحضير العشاء تحت تحديقات هنري الجالس قربه هناك بملل .

ابتسم هاري مع التفاته صغيرة للجالس على الكرسي  يحاول جعله يخرج من ذلك الجو الكئيب ، يدرك جيدا ما يشعر به ويكاد يضحك كلما تذكر السبب لكنه يتوقف بآخر لحظة حتى لا يقود هنري للذهاب وقتل مارسلينو  بلا أسباب فقط لمجرد تفريغ مشاعر الاستياء  المتراكمة
" بدل الجلوس والتذمر من الملل هنري شغل يديك معي لنصنع لنا اول وجبه نخب جعل والدنا العزيز يذهب لحيث ينتمي"

هنري أبعد يده عن خده ليعتدل وضع رأسه ونهض من مكانه ليشارك  تقطيع الخضار بأمر من هاري وبدون أن يدرك أي منهما وجد اخيراً هنري الهدف الأنسب للتفريغ فكانت الخضار ضحيته المثالية لدفع ثمن أخطاء مارسلينو .

هاري راقب هنري قبل أن يضحك مازحاً ريثما يقلب ما بالقدر أمامه
" هنري هل لديك ثار مع الخضار أم ماذا ؟ كن رحيماً بها ، تبدو كمن يحاول افتعال شجار مع القرنبيط لأنه لا يسمع كلامه ! "

هنري عبس وتابع التقطيع يتمتم بانزعاج
" دعني أفعل هاري فهي الوحيدة المسموح لي بقتلها دون تبعات ، تابع ما تفعله ريثما أكمل انا هنا "

تنهد هاري  وعاد لفعل ما بيده لكن ملامحه كانت أخف بكثير من كل مرة ، قلبه لم يحمل هموم الدنيا وعقله لم يحسب كل خطوة خشية فقدان تؤامه ، كانت الأمور تتجه للأفضل حسب ما بدا له ورغم وجود شعور كبير بالخوف من انهيار كل هذا حاول  أبعاد هذه الأفكار ووعد نفسه أنه سيكون قوياً كفاية ليحمي عالمه الصغير رفقة تؤامه ولن يسمح لأي شيء بتلويثه من جديد .

تذكر شيئ فجأة فتوقف عن تقليب ما أمامه لطرح ما  شغله على تؤامه
" هنري ما أخبار ال ؟ هل تواصلت معه أو مع ليو ؟ "

هنري أوقف التقطيع دون أن يلتفت ، لحظه سكون تلاها جواب أظهر بعض التردد في فحواه
" لم أفعل ، كلاهما حالياً تحت أنظار اللعين لذا أردت تجنب التواصل لكي لا نجذب نظره مجدداً، نحن نرغب بالتخلص منه وقطع صلتنا به ، حتى لو أردنا المساعدة بأي شكل فلن أرغب أن تكون بشكل مباشر هكذا بعد الآن ، لذا ....اتريث قليلاً"

ابتسم هاري لصراحته معه ، منذ أيام بدت كحلم مستحيل  ، نجم غير قابل للوصال لا يمكنك فعل شيء سوى النظر إليه من بعيد  لكن الآن هو يرى كم أن تؤامه يحاول تغير طباعه وهو ممتن لهذا  خصوصا أن تأثيرها امتد لتؤامه فبدا أكثر انفتاحا وراحة معه ، شيء أراده منذ زمن، أن يكون الكتف والسند  لا مصدر  الهم والقلق .

اردف هنري حين لم يسمع رد تؤامه بشيء من السخرية
" بأي حال لا قلق عليه لديه ذلك المجنون معه يمكنني تخيل ما سيفعله لأجل ضمان سلامته لذا كن مطمئناً على الأقل للوقت الراهن "

اتسعت ابتسامة هاري ليعود لما يفعله بمزاج جيد من جديد
" محق، ليو سيحول أي شخص يقترب من ال لخضار مقطعه  على طريقتك الخاصة ، أنتما تتشابهان بهذه النقطة "

~~~~~~~~
منذ عاد للمنزل وهو يراقب الجو حوله بترقب ، ولم يتمكن من الاعتراض رغم رغبته خصوصاً حين لاحظ أن جين مستوعب للوضع لكنه لا يتدخل هو الآخر على الأقل ليس أمامه !

شعوره انهم يكبحون أنفسهم لأجله جعله يقرر اتخاذ الخطوة التالية دون تردد مع أمل ضئيل أن يكون لدى والده القدرة على تحقيق ما يتمناه دون أن يضطر للحديث .

فور مغادرته كان أول من كسر الصمت هو أصغرهم اذ انها مسحت ابتسامتها  لتقترب من ليو تكتف يديها مع نظرات تراقب جعلت ليو ينظر إليها قبل أن يشيح بوجهه
" سأغادر"

مدت يدها أمامه تمنعه من أخذ أي خطوة إضافية فتدخل جين ليسحبها للخلف فرفعت راسها تنظر إليه معاتبة قابلها بنظرة اسكنت غضبها وجعلتها تدرك فوراً ما حدث خصوصا حين ابتسم ليو ببرود ومر من جانبهما
"واضح انك عرفت ما حدث ، وتعرف ما أريد أن أفعله ، تذكر سيادة القاضي أن ما أفعله الآن هو إكراما لمكانتك لدي ولدى ال لكنها لن تعمل لو لم يتعلموا درسهم، الثالثة ثابتة !"

غادر دون إضافة أي شيء ولم يحاول أي منهم إيقافه بل كاميليا كانت تقبض على يديها بقوة ترغب بنتفهم بنفسها لكنها احترمت عنوة مشاعر جين بعد كل ما سببته له من متاعب وان كانت اقسمت أن خطوة أخرى منهم ولن يكون ليو أسوء ما سيصيبهم .

ايزابيلا عبست بوجنتين منتفختين تعترض على ما حدث
" من الأفضل لهذا الأحمق أن يعلمهم درساً لن ينسوه والا ساجعله يندم على تجاهلي هكذا دون اخذي معه   لجعلهم يدفعون الثمن !"

جين تنهد وابعد يديه عن كتفيها ونظر ناحية الدرج بنظرة متلصصه على من كان يستمع لهم خلسة لكن فضحه ظله الممتد ارضاً  رغم ذلك لم يعلن عن إدراكه هذا لعلمه أن وضعه أمام الأمر الواقع الآن قد يزيد من الضغط عليه ، رؤيه ليو غاضبا تجربه جديدة لم يكن مستعداً لها ومع ما سمعه منهم مهما كان مقداره سيحتاج وقتاً ليتقبل والمهمة المتاحة لهم هي جعله يعرف كم يعني لهم سواء كان لديه ماضي أم لا .

~~~~~~~~~
كان خروجه من المنزل بمثابة إنقاذ له من الكتمة الخانقة له منذ عرف بما حدث ، أدرك خوف ألفين وشعوره بالذنب  وهذا ما زاده غير غضب ورغبة بقلب منزلهم فوق رأسهم بمن فيه .

وصل بعد سيره لمسافة على الأقدام يتجول في الطرقات الفارغة مع هدف مرسوم باحترافية  في راسه دون الحاجة لخريطة تدله يحاول أن يحافظ على أعصابه المتقدة كشعله تحرق كل ما أمامها بسبب وعده لجين قبل خروجه انه سيمنح هذه المرة وللمرة الثانيه تنبيهاً اخيراً ولن تكون نتيجه عدم احترام حدوده مستقبلاً سوى دمار شامل لا يبقي خلفه أي أثر حتى سوى الحطام .

أمام ذلك المنزل الواسع مقارنة بما حوله البسيط مقارنة بقصر سوين وضع ليو ابتسامة لم تكن لتبشر بالخير  لأي كان المعني به فما حوت أي رحمة أو شفقة ولا ذرة تردد واحدة  .

كانت النية أن يدخل للمنزل ويلقي ما لديه على مسامعهم لكنه وبدل هذا  وجد اهدافه أمامه بعد عودتهم من نزهتهم المشؤمة ودفع ثمنها ألفين الذي اضطر لرؤية وجوههم وسماع السموم من افواههم .

وقفته المستقيمة ويده المختبئة بجيبه  الأيمن مع نظراته المثبتة عليهما اجفلتها لكنها تماسكت حين تذكرت وجود والدها قربها فثبتت ليتولى والدها التقدم حين استشعر الخطر وفهم أن فعلتهما وصلت سريعاً للاذان واحدثت ضرراً بالغاً بما يكفي لكي يأتي بنفسه لهما لأجل حديث عابر كثير الحدوث مما أكد فرضيته أن خطباً ما أصاب ابن جين جاعلاً اياه شديد الحساسية سريع التأثر والانفعال.

ليو تقدم ناحيتهما يخطو برفق مخيف دون أن تبتعد عيناه عنهما ولم تخلو  تحركاته من سخرية لمنظر كليهما رغم رؤيته للاحتقار بعيني الأكبر إلا أنه لم يفتح فمه أمامه خلاف ما تجرأ على فعله بغيابه وهذا كان سببا أكبر ليرغب باقتلاع بعض الرؤس وتقديمها كوجبة غداء لآل فهو سبب أكبر يدعوه ليلوم نفسه على تاخره على ألفين فلو فعل لما تجرأ أي منهما على فتح فمه أمامه بكل جرأة.

وقفته الواثقة وما خلفها من رغبة في القتل جعلت الأكبر يستشعر خطراً محدقاً يتربص بهما فتحرك للمقدمة يبادل ليو نظرات  جاسرة خلت من الخوف بشكل اثار إعجاب  ليو لولا مشاعره الحالية الحاجبة لأي شيء إيجابي ناحيتهم .

مال برأسه ينطق بابتسامة واسعه مع ملامح باردة ونظرات لم يهزها التحذير المواجه لها
" انظر انا حذرتك واسرتك مرارا الم افعل؟ نبهتك انه أن تكرر الأمر فأنت حتما لن يسرك الناتج لكنك تستمر بتجاهل التحذير ، بغض النظر عن معنى هذا بالنسبه لك بالنسبه لي ...."

تقدم أكثر واختفت ابتسامته لتحل محلها نظرة حادة مع شفتين منقبضتين  بقوة
" اسمع ....لولا انكم أسرة جين اندرسون لكنتم تتعفنون بمكان لا يخطر على بالكم، لكن ولاخر مرة ...آخر تحذير مني ....بعدها ستجد النتيجة لتتحدث بالنيابة عني "

تلك الكلمات لم تترك لمن أمامه فرصة الحديث فقد استرسل في حديثه وحتى تلك الفراغات التي تركها بين حروفه لم تسمح لأي أحد أن يعلن عن وجوده فصمته كان أكثر رعباً من كلماته وبمجرد أن مر من جانبهم تنفست ابنته الصعداء مرتجفة تمسك بذراع والدها  تحتمي به
" انه مجرم مختل ، أي عالم نعيش فيه يسمح لمجرم مثله  أن يكون له القوة والنفوذ لاذيه الاخرين دون رادع !"

والدها تنهد من كلماتها وملامحه حملت كل أنواع التأييد والاستياء من حقيقة أن شخص قتل نفساً بريئة يتحدث بكل هذا الغرور والثقة وكأنه بريء من أي أثم رغم تلطخ يديه بالدماء .

اخمد استيائه ودفنه بعيداً مع روح القاضي المتقاعد داخله لأجل ابنته وحسب مفكراً انه لا بأس بترك الوضع على حاله فهو تسبب بما يكفي من الأذى للوقت الراهن  .

~~~~~~~~~
كلماته لم تكفيه ليشعر بالراحة  رغم أنها حملت تحذيرات شديدة لهم لكن النتيجه التي أرادها حقاً هي  حذف تأثير فعلتهم على رفيقه وهذا ما لم يكن ليحدث مهما قال أو فعل .

وقف أمام المنزل يرسم ملامح الهزيمة كارهاً ما آلت إليه الأمور  بسبب غيابه القصير يلوم نفسه ويشعر برغبة شديدة القوه بالكاد يكبحها لتدمير كل ما حوله .

صوت انفجار هز السماء جعله يخرج من أفكاره لينظر للسماء التي انارت بالوان براقة مختلفة ترسم زهرة مضيئة سماء الليل الحالك .

رمش عدة مرات ليفتح فمه قليلاً ليستوعب أن موعد المهرجان السنوي اليوم دون الأيام وكان مزاجه صعد للسماء وتفرقع يحاول تفريغ بعض الشحنات السلبية منه وما زاد صفاء مزاجه رؤية ذلك الشاب   المطل من نافذة غرفته يراقب السماء بفم مفتوح  وعيون واسعة تراقب المفرقعات بلهفة طفل  يراها لأول مرة .

ضحكة افلتت منه عنوة ليضع ابتسامة صغيرة وكل عضلاته استرخت فجأة ليهمس لنفسه
" يبدو أن الحظ يبتسم قليلا بعد كل هذا التكشير "

تقدم نحو الحديقة حتى أصبح مقابلاً لنافذة رفيقه ، هتف بصوت وصل لالفين المشدوه ليخرجه من شروده
" ألفين ، لما تبقى هناك ؟ تعال أنزل لنذهب للتجوال قليلا من المؤسف تضيع المهرجان دون المشاركة إلا تظن؟ "

اخفض ألفين بصره للأرض ليرى رفيقه مع ملامح ساكنة خالفت ما سبقها مما دفع الارتياح يتسلل له بشكل فوري ليبتسم بهدوء  اخيراً ورد على ليو من مكانه
" أليس لديك عمل ؟ "

وضع ليو يده بجيبه ، رأسه مال مع ابتسامة لطيفة
" انهيته وجئت، هيا لنذهب قبل أن ينتهي الاحتفال ، لا تضيع الوقت ال "

اومأ ألفين بدون تأخير حين وجد رغبته تصبح حقيقة على يد رفيقه رغم أنه أسرها باعماقه ولم يتجرأ  على الخروج بمفرده خشية مواجهه شيء مماثل لما حدث بآخر مرة خرج فيها لكن وجود رفيقه معه يقلب الموازين كلها ويمكنه حينها رؤية ما أثار فضوله  .

~~~~~~

تلك السماء تشارك بها الجميع ومن لم يملك النشاط الكافي للخروج لرؤيتها اكتفى بالنظر من سطح المنزل حيث استقر التؤامان مع الكثير من الأطعمة المعدة يدوياً برفقة بعضهما يفترشان ارض السطح والاطباق امامهما يستندان هنري بجذعه للخلف بواسطة يديه  أما هاري فقد كان يمسك طبق الحلوى يتناوله بنهم بالوقت الذي استقرت عيناهما على تلك الألوان الزاهية في السماء يتابعان لأول مرة حدثاً كهذا دون القلق من أي شيء يتركان الماضي خلفهما مع خوف دفين اسره كلاهما في قلبه من أن يكون الماضي قيداً يحاول ارجاعهما لزنزانته لكنهما قررا عيش اللحظة الراهنة بأمل وترك الخوف من المجهول لوقته.

~~~~~~~~~~
النافذة كانت منفذه الوحيد للخارج ومع جذب تلك الأصوات لاذنيه اتجه اليها راغباً بمعرفة ما يجري فكانت تلك الأضواء تزهر في عينيه المليئة بالأمل والألم بالوقت ذاته امنياته تمثلت بوجود عمه معه لرؤية تلك الألوان مع بعضهما كي يتسنى لهما التمتع بها دون خوف ودون حزن يكسر بهجتها في قلبه .

دمعت عيناه لكنها سرعان ما اختفت حين تذكر وعده بأن يصبح أقوى واقسم بينه وبين نفسه أن المرة التالية ستكون فيها أمنيته واقعاً وستكون يده بيد عمه يستمتعان بها  رفقة البقية دون خوف ، ضم يديه لبعضهما وقربهما لقلبه يدعو لتحقيق امنيته على أمل أن تكون قريبة .

~~~~~~~~
خطواتهما كانت بطيئة  لم تحمل هم الغد ولا ثقل الماضي كانت اللحظة الحالية هي رفيقهما في الدرب المضيء بأنوار الليل الخافتة مع اشراقات السماء وصخب المهرجان القريب الصمت بينهما لم يدم فقد كسره ألفين مع ابتسامة صغيرة يراقب الألوان ريثما يسير رفقة ليو
" شكرا لك "

نظر ليو إليه بنظرة جانبية يرمش بحيرة مع عبوس طفيف فرض نفسه
" ما هذا الان ؟"

ضحك بخفة يبادله النظرات والسكينه غشيت تعابير وجهه بعد أن شوهها الذنب والشك قبل ساعات قليلة
" رغبت برؤيته عن قرب ، لم ارى شيء كهذا قبلاً أو على الأقل لا أذكر أنني فعلت لذا ...."

اجابه بعد أن تنهد معيداً تحديقه لما ينظر إليه رفيقه
" كان عليك طلب هذا وحسب  اذا ال ، لو لم احزر الأمر اكنت ستبقيه في قلبك وحسب ؟ "

اومأ دون تعليق ليتذمر ليو بصوت خافت بعبارة قصيرة تمثلت بجملته المعتادة رغم الملامح المختلفة المرافقة لها هذه المرة
" متنمر بكل حالاتك ال "

ومع نهاية عبارته وصلا للشارع الرئيسي حيث اكتظ بكل أصناف البشر صغارهم وكبارهم مع عربات تبيع مختلف الاطعمه  والعاب اختلفت بين كشك وآخر واضاءات المكان بدت وكان الجو في وضح النهار والصخب فيه يجعل الأصوات تضيع بين الزحام .

عينا ألفين اتسعت من جديد يستوعب المنظر أمامه على مهل تحت أنظار ليو مع ابتسامة علت شفتيه وهو يرى  أمامه ذلك الطفل المحجوز منذ سنوات يطلق العنان لنفسه دون ادعاء القوة ولوهله هو شكر فقدان ال لذاكرته واعداً نفسه أن يمنح رفيقه تجارب كثيرة حرم منها بسبب خوفه من العالم حوله .

ألفين أشار لكشك ما يطلب من ليو بشكل صريح  رغم ما احتوى من تردد
" ايمكننا تجربة  ذاك الكشك هناك ؟ "

ليو ابتسم بخفة يمسكه من ذراعه ويجره خلفه نحو المكان المقصود دون تأخير
" لا حاجة للسؤال نحن هنا للتجربة أخي لذا لننطلق بدل تضيع الوقت ونستغل كل لحظة لدينا "

وقفا أمام المحل ليو تولى القيادة يطلب لكليهما تلك الحلوى بشكل كرات ملونة وخلفه بخطوتين وقف ألفين يتاملها بلهفة خفية حتى استلمها ليراقبها بين يديه وكانها كنز خفي حتى سمع رفيقه يضحك ليخفض بصره نحوه ويجده قد التهم حصته فعلاً
" هيا تذوقها ، لن تكتشف شيء من النظر وحده "

نظر اليها لمرة أخيرة ثم قضمها بعد تحديق قصير  ليهمس بعد اتساع عينيه بشكل بسيط
" لذيذة "

أكمل ليو ما بيده ليجره من جديد نحو كشك آخر
" ما نزال بالبداية وحسب ساجعلك تذوق ما هو الذ منها بكثير "

كانا يتنقلان بين محل وآخر يجربان الالعاب معاً ويتذوقان كل ما جذب أنظار ألفين أو ما اقترحه ليو وبطريقة أو أخرى كان كل شيء ينال إعجاب ألفين وما لم يعجبه كان كتجربه جديدة قرر عدم تكرارها مستقبلاً مع ملامح طفل مستاء كبح تذمره حتى لا يبدو كراهة متذمر فقد كان الوقت الممتع يكفي ليغطي على أي شيء قد يعكر مزاجه .

كان ألفين يراقب كل ما حوله وشيئاً فشيئاً بات يطلب من ليو ما يرغب في تجربته دون تردد حين  وجد طلباته  تجاب بشكل فوري فنسي تردده وخجله وانطلقت رغباته تعلن نفسها بصراحة فكان نتيجتها التحقق دون تأخير .

رحلتهما قاربت الانتهاء  عندما قارب الوقت الثالثة بعد منتصف الليل حين بدأت  المحال بالاغلاق وامتلئت معدة الاثنين ونال منهما التعب فكان التوجه للمنزل هو الخيار الأنسب استعداد لليوم الجديد القادم .

طريقهما للمنزل كان مليئاً بتعليقات من ألفين على كل ما مر امامهما  من أشياء جديدة عليه حملت بتاثيرها الواناً رسمت على لوحته البيضاء بهجة طفل يرى العالم لأول مرة .

توقف عن الحديث بشكل مفاجئ جعل ابتسامة  ليو تختفي والحذر بدا على وجهه لينظر لالفين ليجده وقد شده عنه لوهله ينظر نحو شيء ما .

حذره زال وحل محله  استغراب وقتي تلاشى حين التفت ينظر لما يراه رفيقه وبالكاد منع ضحكة من الهرب حين رأى ما جذب أنظار ألفين ، امسك بيده وسحبه نحوه ليخرج ألفين من شروده وينظر نحو ليو ليجد نفسه وقد صار أمام محل الاقنعه حيث كانت أنظار ألفين معلقة ، اقترب ليو من صاحب المحل ليحيه بابتسامة مع صمت ألفين نتيجه شعوره بالخجل من حقيقة رغبته بشيء كهذا وهو بهذا العمر وهذا جعله يتسائل حقاً أهو طفولي هكذا دوما؟ رغم ذلك ترك نفسه تنساق لتلك الرغبة حين وجد رفيقه يبادر بالنيابه عنه فابتسم بدون شعور ووقف ينتظر ما سيفعله رفيقه ليجد قناعاً يمتد له من رفيقه .

اخفض بصره ينظر إليه ليرمش مع حيرة ظهرت بنبرة سؤال
" قطة؟ لما قطة ؟"

أجاب ليو بدون تردد مع ابتسامة واسعة وهو يضع القناع على وجه ألفين
" لأنك تشبه القطط ، الآن اعتبره هديه مني وكن قطاً مطيعاً وارتده"

والفين التقطه يستوعب تلك الكلمات قبل أن يعبس بطفولية وتذمر ورغم هذا عيناه لم تفارق القناع القابع بين كفيه يمسك به  باهتمام بالغ مع ابتسامة صغيرة تحاول الهرب لكنه يكبحها كون رفيقه يسخر منه حسب ما بدى له .

وفي أثناء تلك الصراعات استغل ليو الفرصة ليرى ألفين ضوء الكاميرا الخاصة بهاتف ليو قد أضاء ليأخذ لهما صورة جماعية يظهر فيها ال بتلك الملامح وليو مع ابتسامة يحيط بعنق ال بيده الحرة وهذا دفع الابتسامة لتختفي ويظهر العبوس معلنا نفسه بصراحة
" ليو امحها فوراً،لدي إحساس يقول اني لن أكون سعيدا بوجودها ابدا حين أتذكر "

وليو ضحك ليسبقه بالتحرك للإمام يعيد هاتفه لجيبه
" لندع الأمر لوقته ال الآن الخالة ستفقد عقلها لو تاخرنا أكثر !"

ألفين تبعه يتذمر بخطوات مسرعة يهمس بينه وبين نفسه
" انت فقط تستغل الظروف ليو ، من بيننا المتنمر الآن !"

مزاج ليو بدأ يتحسن ومعه ارتفع انفتاح ال وشعوره بالألفه رغم ما يزال يحيط به من غموض لا يعرف له أجوبة لكنه أحس بالانتماء  المفقود ولو لوقت مؤقت يعيد له السكينه والثقة بذاته وينسيه ما  تشوه في رأسه من صور وأفكار  لوقت مؤقت تاركاً الإجابات للمستقبل بما فيها من سواد وبياض .

يتبع ❤

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top