تَصويبُ الأمور| ٠٥
مرَّ أسبوعٌ بأسرِه، مُنذ أن اعتَرف لي بطريقةٍ يحفُّها الكِبرياء، أشكُّ في أنِّي قادرةٌ على تصنيفِ كلِماته ضِمن خانَة الاعتِرافات، إذ ما أطلقَها مُباشرة، بل بلفٍ ودوران، وربَّما أنَا الَّتي أردتُ مِن الرَّجُل ذي القلبِ المُقعَد أن يسيرَ على صِراطِ حبِّي!
في المُقابل عزَمت على تأدِية دورِ صعبَة المَنال ببراعَة، وتشبَّثت به. لقد عذَّبني طوالَ الشَّهر الغابِر، سلخَ شِغافي بتجَاهله لي كَما لو أنِّي لا أعنيه، أذلَّني أمَام الجَماهير في يوميَ الأوَّل، وتسبَّب بالتِصاق الكَثير من الألقَاب بسيرَتي. بأيِّ حقٍّ يقبِّلني كعَاشق، ويخبِرني أنَّه يُعاقبُني على غيابٍ أُرغِمت عليه؟ أقسَمت ألَّا آتيه إلَّا وأنَا امرأةٌ ناجِحة تليق بخلفيَّته العَظيمَة.
نفَّذ محاولات فاشِلة في التودُّد إليّ، كالسَّابق، بينَ اللَّحظَة والأُخرى يُلقي لي كلمَةً حُلوة، على أمَل أن ألقفها وأسدِّد مقابلًا لَها، لكنِّي تزمَّتُّ وحافَظت على موقِفي المُتحفِّظ، لا أنكِر أنِّي أنصَهِر كلَّما خاطَبني بنبرتِه الَّتي كَواها الاشتِياق، ويترُك ندوبًا بارزةً على أنفاسي وجسَدي، سُرعان ما يتدخَّل عَقلي، يَعرض عليَّ صورًا لوجهِه المُكفهرِّ؛ الدُّكتور بيون، ويصرفُني عن بيكهيون ووسامَته.
معظَم زُملائي، حتَّى الخارِجين عن مجموعَتي الصَّغيرة أخَذوا يتفطَّنون لحركاتِه العابِثة معي، فما عادَ يسِرُّ هداياه الرّمزيَّة لي، أو يُخفي مُعامَلته المميَّزة لي عن العيان، كلٌّ من يوسانغ، يونهي وشيهيون يتغامَزون، ما إن ينضمَّ إلى الأجواء فَجأة، بابتسامته الشَّيطانيَّة المُنهِكَة للجوارِح، أفصَحتُ لهُم أنَّنا تبادَلنا القُبل؛ يونهي هِي مَن اقتَرَحت عليَّ نصبَ الحواجِز في طريقِه، حتَّى وإن كُنت سأستَسلِم في الأخير، قالت أنَّ الصُّعوبَة تجعَل الأموَر شيِّقة، فاقتنَعت.
كنتُ برفقَة كلٍّ من تشانيول وشيهيون في غرفَة المعدَّات، كِلاهما يحاولان تلقيني دَرسًا في طريقة استِخدام جِهاز صدَمات القَلب؛ مُزيل الرَّجفان، ففي حالة اكتِظاظ غرفَة الطَّوارئ وانشِغال الأطبَّاء المُتاحين سنُرغَم على تقديمِ يدِ المُساعدَة، كلُّ ما عليَّ فعله هو جرُّ الطَّاولة، ثمّ استِخراجه، وشَحنه وِفق ما يُمليه الطَّبيب المسؤول، ذلك يبدو سهلًا.
ربَتت شيهيون على ظهري بخفَّة كتشجيع.
«أخبرتُك أنَّه لا داعيَ للتوتُّر، فالجِهاز سهل الاستِخدام.»
نظرتُ إلى قاعيه الحَديديَّين المشحونين بإمعان.
«شيِّق رَغم أنَّه سهل.»
سمعتُها تضحَك بينَما تقصِد الخِزانَة، مِن أجلِ ترتيبِ الأدوات الطبيَّة الَّتي استَعملناها خِلال اليوم، أمَّا تشانيول فرمقَنا بحيرة، جاهلًا عما يدور بيننا.
«ما المستجدَّات في علاقَتك مع الدُّكتور بيون؟»
هزَزت كتفيَّ بلا مُبالاة، بينَما أفرك طَرفيِّ الجِهاز ببعضِهما البعض، ولكنَّ فضولَه كان أقوى مِن أن يستَسلم.
«أرى أنَّه يُعاملك بشكلٍ أفضَل في الآوِنة الأَخيرَة، ويحاوِل بجدٍّ استِلال الكَلام من فمِك، في حينِ أنَّك تُعاملينه ببرود، كأنَّ الأدوار انقَلبت فَجأة، أشكُّ في أنَّك تُحاولين التَّظاهُر بالصُّعوبة لأنَّه خَطا باتِّجاهكِ خُطوة.»
خطَّطت لتَجاهله في البِداية، غيرَ أنَّ المَنحى الَّذي سلكَته أفكارُه جعَلني أحدِّق به متعجِّبَة، حتَّى شيهيون التَفت نحوَه مُعتقدةً أنَّه يعلم أمرًا ما.
سألت:
«كيفَ علمت؟»
«أنتنَّ النِّساء متشابهات، تبذُلن ما بوسعِكنَّ لكَسب انتباه الطَّرف الآخَر، وحينما تكسَبنه تُسوِّدن حياتَه!»
وهنا انعطَفت شيهيون، وهي تعقِد ساعِديها.
«بالطَّبع لأنَّ رِحلة الكسب كانت قاسِية بفَضل الطَّرف الأوَّل، فالرِّجال يستَمتِعون بلعبَة المُطاردة!»
بدا وأنَّ التُّهمة الَّتي عمَّمَتها على جميعِ الرِّجال تخصُّه تحديدًا، فقَبل أن يبدَآ المُواعَدة، جَعلها تُعاني من وقتٍ عصيبٍ في العمل.
انفصَل تشانيول عن مُقلتيها، وبعبثيَّة حطَّ يَديه على الطَّاولة.
«بيكهيون سيَملّ.»
«أملُّ مِن ماذا؟»
اندَلَعت نغماتُه كالنَّارِ في فُؤادي، والتَهمت دَواخلي حتَّى أمسَيت رمادًا، وتصلَّبت عاجزةً عن الحَراك، كُنت طَوال الوَقت أعطي البَاب بظهري، أيُعقَل أنَّه سمِع حديثَنا؟
الصَّمت المُسيطِر على الأرجَاء، جَعل صَوت خُطواته وهو يلِج صاخبًا، إلى الحدِّ الَّذي صَمَّني عن كلِّ شيءٍ سِواه؛ ما لبِث تشانيول وأن تحرَّر مِن قيودِه مازِحًا.
«أنت لا تبذُل أيَّ مَجهودٍ في إخفاء غايَاتك، مِن الواضح أنَّك تَحوم حَول الآنسة كانغ.»
شَعرت بيدِ بيكهيون تَزحف على كتِفي، أي أنَّه واقفٌ خَلفي تمامًا، وما قالَه عصَف بعقلي.
«وهل عليَّ أن أستَأذن لألقيَ نظرةً على فَتاتي؟»
قالَ فَتاتي!!!
وها أنا ذا فُتاتي.
«تُحاوِل أن تَبدو صَعبةَ المنال، رَغم أنَّنا تَبادَلنا القُبل مُنذ أسبوع...»
لم أُصدٍّق ما تفوَّه به أَمام زَميلين له في الَعمل، هُو الَّذي نَهرني لأنِّي تجَاوزتُ الحُدود، ودنَّست مكَان العَمل بمَشاعِري. استدَرت نحوَه على عجل، لا أدرِي لماذا، فَما برَح فَمه يستَحيل أن يعودَ إليه، نَسيت أنِّي أحمِل بيديَّ سِلاحًا فتّاكًا، ولقربِه منِّي، احتكَّت النِّهايَتان الحديديَّتان للجِهاز بصدره، تأرجَح إلى الخلف، ثمَّ إلى الأمام، على إثرِ الصَّعقَة، قبلَ أن يفقِد توازُنه، ويقَع على الأرضِ عاجِزًا عن الوقوفِ مِن جديد..
غشِيت شَهقاتُنا المَشدوهَة المَكان، ما تزالُ يَدايَ متجمِّدتان على ذاتِ الوَضعيَّة. نظرتُ إلى شيهيون فإذا بِها تغطِّي فمَها بيدَيها، وتشانيول جاحِظ العَينين. ما هي إلَّا لحظاتٌ من السُّكون، قبل أن يهرَع ثلاثَتنا إليه. ألقَيت الجِهاز، وانحنَيت بجواره؛ كان واعيًا، ولكنَّ طَرفه بطيء للغَاية.
«يا إلَهي، ما الَّذي فعَلتُه؟ أنا آسفة، لم أقصِد ذلِك حقًّا صدِّقني!»
على يميني جثَا تشَانيول بقلق.
«دكتور بيون هَل تسمَعني؟»
لم يذرِف ثغرُه أيَّ حرف، رغم أنَّه مخضَّب بابتِسامة حالمة، عقبَ ثوانٍ معدودَة، انسَدل جفناه وغرِق في اللَّاوعي، مربِكًا كلِّي!
ركَضت شيهيون للبحثِ عن المَعونَة، عادَت بعدَ دقائِق، وبرفقَتِها الدُّكتورة أوه المُختصَّة في أمراضِ الجِهازِ العصَبيّ، قالت أنَّها أوَّل شخصٍ مُفيد اقتَحم مجالَ بصرها؛ ما حدَث لا يحتَمل التَّأجيل. نُقل إلى غُرفَةٍ خاصَّة، في حين أجبِرنا على البَقاء خارجًا مُتكتِّمين على ما جَرى، ودَدت لو أبوح بالحقيقَة خَلف ضَربات قلبِه المُضطربَة بشكلٍ مُهدِّدٍ لحياتِه، لكنَّ تشانيول منعني، وتولَّى التَّبرير، مُتذرِّعًا بأنَّ بيكهيون لن يُسعَد لو تورَّطت الفتَاة الَّتي قبَّلها في المَشاكِل.
لحُسنِ الحظِّ لم يمُت، قرَّرت أن أكفَّ عن إرهاقِه، اللَّعنة على لُعبة صَعبة المَنال، لو رضَخت له منذ أسبوعٍ لمَا أودَيت به إلى غُرفةٍ في المُستَشفى، أشكُّ في أنَّه سيزال راغبًا بي بعدَ ما اقتَرفتُه. كنتُ متَّكئةً إلى الحائِط حينَما خرجت الطَّبيبة عاقدةً حاجبيها.
«لقد استَيقظ، نبضُه مستقرٌّ الآن، ولكنَّه ملزمٌ بالبقاء في الغُرفة، حتَّى نطمئنَّ أنَّ ذلِك لن يتكرَّر.»
انحنيت بعفوية، ولحقت بي غُرَّتي.
«شكرًا لكِ.»
«من الغَريب أن تهيجَ نبضاتُه فجأة، رغمَ أنَّه لا يُعاني من أمراضٍ في القلب.»
تمتمَت باستغرابٍ، قبلَ أن تَنصرف، مخلِّفةً ثلاث وجوهٍ مُذنبة.
دُفِعت مِن قِبل شيهيون الَّتي أصرَّت أن أواجِهه وأعرِبَ عن نَدمي. وقَفت أمامَ البابِ بتوتُّرٍ لبُرهة أتمنَّى الهرَب، ما لبِثتُ وأن طرَقته، ثُمَّ دخلتُ الغُرفَة مطرقةً رأسي بحَياء.
«أُقسِم أنَّك تنتقمين منِّي.»
لحِقَت مُقلتاي بصوتِه إلى ضريحه، حيثُ عثرتُ عليه مُستلقِيًا بوقار، مُحيَّاه شاحبٌ بعضَ الشَّيء، ما ضحَّ الذَّنب في عُروقي.
«لم أقصِد أن أصعَقك، لقد صَدمني ما قُلته، وفقَدت تركيزي.»
وسطَ نظراتِه الَّتي ما خَلت من الشُّكوك ثنَيت ظَهري.
«آسِفة، دكتور بيون.»
«لو كُنتِ آسفةً حقًّا، فستكُفِّين عن ألاعيبكِ الصِّبيانيّة، ستَجلسين بجَانبي، وتمنحينني قُبلة صُلح، وإلَّا فلَن أسامِحك، بل وسأجعَل المُستَشفى كالجَحيم لكِ.»
قوَّمتُ ظهري ما إن فرَع مِن سردِ تهديدِه على مَسامِعي، ومَددتُ شفتيَّ قُدمًا.
«أنت تستَغلُّ الوضعَ لصَالحك!»
بدراميَّة ضغَط على صَدره بكفِّ يده.
«أضلُعِي تؤلِمني، ذكِّريني كَم شحَنتِ الجِهاز؟»
قضَمت شفتِي السُّفلى في محاولةٍ لتخيُّل الألَم الَّذي شعر به، وتيَّارٌ قُحاف من الكَهرباء يخترقُ ترائِبَه وهُو على قيدِ الحَياة. همّشت كِبريائي الَّذي ما اكتَفى من تعذيبه وإجهادِه، سِرتُ نحوَه بثبات وقعَدت على السَّرير كما نصَّت أوامره. تأمَّلني بترقُّب، موقنًا أنّي سأتمادى، وبالفِعل أوشحت ثغرَه ثغري أوقِّع على مُعاهَدة الصُّلح، عرضُه لم يكُن سيِّئًا على أيَّة حَال.
يَكفي أن يَعلم تشانيول عن سرٍّ، ليَعلَم عنه كلُّ مَن بالمُستَشفى، نظرًا إلى أنَّه أعظَم ثرثارٍ عرَفته البشريَّة، فبِنهايةِ الأسبوع كانَ الجميعُ يتَداوَل موضوعَ مواعَدة الدُّكتور العقرب، ذو القلبِ الأسود، والمُمرِّضةِ العِلكَة كانغ روثي، الإشاعات تنتشِر كالطَّاعون!
دونَ اكتِراثٍ للنَّظراتِ الَّتي تقتَفيني حيثُما ذهَبت، داهَمت مكتَب الدُّكتور بيون ما إن فرَغتُ مِن دوامي، حتَّى نُدبر سويًّا كما اتَّفقنا، لقد فوَّت كُلانا الكثيرَ مِن المحطَّات في حياةِ الآخر، ونحنُ على أهبةٍ لتعويضِ سنَواتِ الفُراق. كان جاهزًا بالفعل، إذ سَبق وأن تجرَّد من مِعطفه الطِّبيّ، وعلَّقَه على الخطَّاف خلفَ مكتبِه.
استَقبَلني بابتِسامةٍ حارَّة، اقتادَني إلى خلعِ مُحيَّاه عن بصري.
«أكان اليوم صعبًا عليكِ كاندي؟»
«عدا الأنظار الَّتي جَنيتها، نِصفُها حسودَة والأُخرى حقودَة لأنِّي احتَكرت الطَّبيب الوَسيم، لا، لم يكُن صعبًا على الإطلاق.»
التقطت نفسًا عميقًا ثمَّ تابعت الثَّرثرة.
«بالنِّهايَة ذلِك أحسَن من نظرَات الازدِراء والسُّخريَة الَّتي رحَّبت بي في أوَّل يومٍ لي.»
تنهَّد بإحباط ودنا إليّ، ففي كلِّ حديثٍ نخوضًه، يتناهى لِساني إلى ذِكر ذاتِ الحادِثة، هُناك ألفُ طريقةٍ لطيفَة لمُعاقَبتي.
«لقد اعتذَرتُ منكِ أكثر مَن مرَّة.»
«لم أسمَعك ولو لمرَّة.»
نظَر إليَّ بطريقةٍ إيحائيَّة.
«أنا لا أقولُ الكلِمات، بل أمارِسها.»
احمرَّ وجهي، إذ تذكَّرتُ أوَّل قبلةٍ لنا، ومذاقه الَّذي انسَاب في حَلقي عذبًا، كمياهٍ من الجنَّة، والكثيرَ من الملذَّات بانتِظارِنا في دربِ الحبّ.
في النِّهاية تنازلت، وتبنَّيت الهرب، كي لا أعلَق معَه في حديثٍ غيرِ أخلاقيّ.
«فلنغادر، أنا جائِعة..»
حاصرَ خَصريَّ، واحتَضنني بقوَّة، لِصلابَة ذراعيه قرَّرت أن أوفِّر جهودِي، ليسَ وكأنَّ وجودِي على مسافةٍ منعدمةٍ مِنه يُزعِجُني. علِقَت أنفاسي بحلقي، حينَما غاصَ بعُنقي، ونهَل مِنِّي القُبلات دونَ حِساب مُغمغِمًا:
«أنتِ نُخاعُ حياتِي، تصِلينَ بينَ مُهجَتي وبينَ السَّعادَة، لتتبادَلا الرَّسائِل بوديَّة.»
ضحِكتُ بسُخريَة.
«أهكَذا تكونُ رومانسيَّة الأطِبَّاء؟»
ما سمَحتُ للصَّمت بالمُكوثِ بينَنا طويلًا، إذ استَدرتُ نحوَه، وبجُرأةٍ لففتُ ذِراعيّ حولَ عُنقِه، وقلَّدتُ رومانسيَّته، أثبِت لهُ أنِّي مثقَّفة أيضًا.
«أحبُّكَ حتَّى النُّخاع.»
-
انتهت القصة 😭😭 مع انها قصة قصيرة حسيتني تعلقت بالشخصيات بسرعة 😭💔
استمتعت بكتابتها خاصة لانها لحبقلبي شيراز ان شاء الله تكون عجبتك بالدرجة الاولى 😍😍 وان شاء الله تكون عجبتكم ❤
كيف كانت القصة والشخصيات!
كاندي 😂😂😂 سوري ما قدرتش ما نديرهاش 😂😂😂😂👊👊
أول يوم من عشرينات شيزي قريب يخلاص😂😂 كامي سعيد لأنو ساهم بإسعادك 😭😭😭 أي ويش يو آل ذبست 😍🎊
ألقاكم بأعمال أخرى 😍
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top