2
الرَائـحة هُنَا، أقَـل مَـا قَـد أصفهَـا بِه هو كَـرِيهَة.
لا؛ كريهة ليست الكَـلمة، رُبمَا شنِيعَـة.
إنهَا لَـيست رَائحَـة المُسِكرَات، ولَا أجسَـادهـم المُجردَة من وعيهَـا وتوازنهَـا وحَـسب.
إنهَـا رائـحَـة الخطَـايَا، أفعَـالِهم الآثِمَـة وشظَـايَا نواياهُم التِـي احرقَهَـا الكَـذِب.
بركنٍ تَـجِد التعسَـاء البكائِـين، وبركنٍ أخَـر الضَـاحكِين والكَـاذبِـين.
أولَا يَـعُد خدَاع النفس ومن أمامهَا بكَـون المرء بخَـير يُعَـد كَـذبًا؟ لمَ لا يبُـوح الفَـم بمَا يَطُوف مِن الحزن داخل العَـقل والقَـلب؟
أولَـيس البَـشر جَـميعهم يعلمُـون بأن حياتهم فانيَّة؟ فلمَ يختَارُون الإثم؟ لمَ يختَارُون الجحِـيم مرتَين؟
الحقيقَة التي يجهلهَا جميع المخلُوقَات الفانيَّة هُـو أن لا وجُـود لشخصٍ يدخُل چنَّة النعِيم فقَط، فجميعهم دُون استثنَاء يمُر بالجحِـيم المُتنَكِر بإسم الحيَاة.
ما هذه الحياة إلا جحِـيم مُتقلِب، فلا وجود لسعادة أبدية، ولا تعاسة أبدية، لأن كلاهمَا سهلٌ للغَاية.
ما مِـن شيءٍ أشد قسَوة من خَـوض نَـشوة السعادَة ثُم الغرَق تحَـت أكوامٍ من التعَـاسة والحُـزُن.
لو كان لهذه الحياة فاهٌ لتحدثت قائلَة "سأدعَك تتذُوق لذَة السعادة ثُم أغرقك بمرارة الحُزن، سأدعك تسلُك طريقًا مستقيمًا علَـى جَـانبيه جنَة خضرَاء ثُـم أفجائك بنهَـاية مسدُودة، سأهدِيك قصيدة الوجدان الأعظَم ثُـم أعطِيك قاموس الفنَاء"
هذَا الكَـون برُمتَه يسخَـر من البَـشر.
والبَـشرُ بأنفسهَم يسخرُون من أنفسهم.
جائنِي أن من صفات النَاس البسَاطة، تِلك البساطة هي ما تجعلهم مخلوقات فانية ذات طَـابِع جميل.
وإن ضَـاعت البسَـاطة، ضَـاع سِر الوجُـود، وضاعت لذة الحيَـاة.
ورُغم أننِي حصين ضد جميع الأمراض إلا أن الصداع يصيبنِي كُلما فكرت في سبب إنتقَاء الخطأ عن الصوَاب.
لمَ قد يُفَـضِل أحدهم خوض الجحيم مرتين؟ لمَ قد يفضل أحدهم أن يترك سِـيرة سيئة السُمعَة لتُنسَى بدلًا من أن يحيَى خالدًا داخل من بعده من أصدقاءه وأحباءه.
"ثلاثُـون ثانيَة.." نظرتُ إلَـى عقارَب ساعتِـي التِي كانت تُقارَب على موعد رحلتهم جميعًا.
طوال مدة بقائي هُنَا، بهذَا المكَان العَفِن، كَـانت هُناك رائحَة زكيَة، عَـبِيرٌ لطِـيفٌ يملأُه الحُب.
تِلك الرائحة حتمًا تعود لإنسَان لا ينتمِي لهذه الحانة المُقززة.
أتطورت حاسة شمِي فصرتُ أتعقَب الروائح خلف المبانِي؟
رُبمَا..
رفعتُ نظرِي عن الساعة التِي ظللتُ أحدق بها لوقتٍ طَـوِيل، حَـيث رأيتُ المكَـان يشتعَـل بنيرانٍ لَـم تترُك شيئًا إلا وحولتهُ رمادًا.
يُقَال أن نهَـاية الإنسَان تكُون ملائمَة للطرِيق الذي اختار أن يسلكهُ طوال حياته.
"هُنا يبدأ العَمل الشَاق.." تنهدتُ أُعِـيد لائحَة الموتَي الى مكَـانهَا.
وحينمَا خطَـوت للأمَام شعرتُ بشيءٍ يُعيقنِي عن السَـير.
ظننتُ حذائِي؛ ولكننِي حينمَا أستدرتُ رأيتُ يدًا تتشبث بمعطفِـي.
توسعَت حدقتَاي ورفعَـت نظرِي لمن أمامِـي.
هَـل أخطأت بشيء مَا؟! أولَيس الجميع هُنَا ميتًا!
أصابنِي الهلَع وأنا أحدِق بعينَا الفتَاة التي كانت تبدُو على وشك فقدَان الوعِـي.
"تلك الرائحَـة.." أقتربتُ أكثر أحاول أشتمامهَا عن قُرب ولم يُخطئ أنفِـي، إنها ما أشتتمتهُ قبل قلِيل.
رفعت كفِي لأغطِي عينِـي اليسرَى كَـي أستطِيع رُؤيتهَا عبر عينِي اليُمنِي فقَـط.
رأيتُ اسمهَا وعُمرهَا ولَـون كليهمَا؛ وهي حيَّة.
واسمعَا لم يرِد بالقائمَة.
أيعبث القدر بي أم بهَا؟
حتمًا بي! لا يجُـوز أن يمُوت أحدهم لَـيس ضمن لائحتِي بالمكَان الذي أنا بِه!
"ماذا أفعل!!"
الإسعَاف؟ حتمًا ستمُوت وتتحلل قبل أن يصلُوا إلى هُنَا.
أفقتُ مِن تفكيري العميق حين شعرتُ بقبضتهَا تُفارق ملابسي رويدًا رُغم مقاومتَها.
أشعر برغبتها في الحيَاة، ولسببٍ ما هُناك شيءٍ أخر لا تستطِيع قدراتي أن تكشفه لي.
"ما مِـن خيارٍ اذًا" تنهدتُ استدير باتجاهها وأنحنيتُ ألتقطُ جسدهَا الذِي يصارع للبقَاء.
سينزعِج ذلك المراهِق الكَـارِه للبشر والنسَاء وسأنزعِج بدورِي؛ ولكن لا خيار لِي.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top