الفصل السادس/ فاجعة!

بين الحيرة في فعل الشيء من عدمه ينشأ تردد قد لا يُسمح له أن يطول، شعور اختلج في داخل كلا من أمجد ووالده، هل يفتحان الباب لمن يطرقه؟ أم يتجاهلانه؟ وإن فتحا فما نوع الكذبة التي سيقولانها؟ وإن لم يفعلا فما نوع التبرير الذي سيقدمانه للناس عن الذي سُمِع من هذا المنزل؟

هجومهما على شيماء كان (لتغطية الفضيحة) لا لنشرها، فكيف سيخبران الناس بحقيقة ما حدث؟

أنفاس ضئيلة دفعت أنَّة خفيفة لتخرج من جوف الصريعة على الأرض بينهما، كانت كفيلة بإشعارهما أنها لا زالت على قيد الحياة، وكفيلة أيضا بالتسبب في اضطراب مشاعرهم، أيفرحان لأنها لا زالت حية، فيُخرجون قصةَ ما حدث بشكل غير ما كان؟ أم يستاءا لأنه يتوجب عليهما القضاء عليها، وهذا يعني قصة جديدة من نفس نوع ما حدث قبل قليل؟

نده صوت يعرفونه جيدا من خلف الباب يقول:
_عمَّ محمود ماذا يحدث؟ لمَ لا تفتحون الباب؟

صوت إياد الذي كان في الخارج قد انسل إلى أسماعهم، ليتوجه تميم لفتح الباب، دلف وهو يطالع المكان ومن فيه بنظرات متفحصة، الأم جاثية باكية في محلها، والأب مع ابنه الأكبر قرب جسد ممدد يحكي قصة غدر وخذلان

صرخت السعادة في أعماقه متمنيا لو أنها قد فارقت الحياة، بيد أن إظهار سعادته ستجعله تحت مجهر الشك، رسم ملامح ساكنة على وجهه ونطق:
_الناس كانوا يتجمعون ليعرفوا ما الذي يحدث، لكنني صرفتهم بدعوى أنها مصابة بالمس، هل لا زالت على قيد الحياة؟

سؤال أراد به طمأنة نفسه لا غير، لكنه بدا لهم محاولة إنقاذ من مصيبة أوقعوا أنفسهم بها، نار الحسرة والألم التي التهمت قلب والدتها جعلتها تنهض متجهة نحوها متجاهلة ما يقولونه

رفعت رأس شيماء بيمينها في حين أمسكت يسراها عضد ابنتها وهي تقربها منها قائلة:
_شيماء حبيبتي أجيبيني: هل أنتِ بخير؟

لم تسمع شيماء ذلك السؤال ولو سمعت ما أجابت، لم يعد باستطاعتها أن تفعل، كيف لا وإجابة هذا السؤال هي النفي الذي تعلمه والدتها أساسا، لكن ربما هو خوف تلك الأم من أن تضع السؤال بطريقة أخرى لا تشعرها سوى بالخوف، كيف تقول لها مثلا: هل أنتِ على قيد الحياة؟

أعلى الحاجب الأيمن اعتلت كدمة واضحة في جبين شيماء، ملامح شاحبة تلبست ذلك الوجه الكئيب، وحزن تغلغل بين ثناياه ليتجلى بوضوح رغم عينيها المغمضتين، خيط من الدماء سال من بين شفتيها، يبدو أن داخل فمها بات ينزف دما هو الآخر، كحال شفتها السفلى التي تربع عليها جرح خلفته إحدى اللكمات التي تلقاها وجهها

أنفاس تكاد تموت إثر السحق العنيف الذي تلقاه جسدها -أخذت تخرج بِوَهَن من جوفها، لتنطق والدتها برجاء:
_لا تزال على قيد الحياة، أرجوكم خذوها إلى المشفى، أرجوكم!

أخذت تتوسل إليهم بأن ينقذوا ابنتها من الموت، وزعت أنظارها بينهم برجاء، لم تكن تعلم أن أحد الشهود الذين شهدوا على ابنتها هو إياد نفسه، لكن جملته تلك التي قال أنه صرف بها الناس قد جعلتها لا تشعر بالارتياح ناحيته

ألقت ببصرها نحو تميم في رجاء أخير وهي تقول:
_تميم خذها إلى المشفى، لطالما كانت شيماء تحبك، لطالما كانت تؤثرك على نفسها، ولطالما فعلت من أجلك الكثير، حتى لو اضطرت للمخاطرة والتضحية أيضا

حركت كلماتها شيئا في أعماقه، شيئا لطالما حاول تجاهله ودفنه عميقا، طالع ذلك الوجه المنكوب لصاحبته الممددة، نصف من جسدها بحجر والدتها والنصف الآخر ملقى على الأرض، سارت أقدامه لا إراديا حتى وقف بجانبها، كان يتساءل عن معنى ما قالته حين ردت على أمجد، حيث كان خارج إطار العمل ضدها

وقف إياد خلفه بعد أن بزغت فكرة ما إلى رأسه، نطق وقد أبدى النصح في ظاهر كلامه:
_سنأخذها إلى مشفى ابن سيرين، لدي أصدقاء هناك وسيساعدوننا لأجلها

لا تدري والدتها لمَ تلك النكزة التي طالت قلبها بعد كلامه، لكن ما بيدها من حيلة سوى الاستسلام لما سيفعلونه، المهم أن تؤخذ شيماء إلى المشفى ويتم علاجها

هتف الأب من على رأسها قائلا بغضبه الذي لم يَزُل:
_بالطبع لن تأتي، هذا إذا أردتِ عودتها سالمة

وهي كذلك، تريد عودتها سالمة ولهذا ترغب بالذهاب مع ابنتها، لكن لا خيار لديها الآن، وإن كانت لا تشعر بالاطمئنان مع هذه الوجوه التي لا تبيِّت إلا شرا

نهض تميم من جانبها متجها صوب الباب وهو يقول:
_سأذهب لأحضر سيارة جارنا أبو داود، غيري لها ملابسها ولفي شعرها

كانت الدموع لا تزال متشبثة بعيني والدته، لكنها تدرك الآن أنه ليس وقت النحيب، حاولت حمل ابنتها إلى الداخل بدلا من طلب المساعدة من أحدهم، سيرميها الذي سيحملها رميا إلى الأرض إن قررت طلب ذلك منهم

جمعت كل ما بقي بها من قوة وأدخلتها إلى غرفتها، غيرت لها ملابسها التي كانت عبارة عن ملابس النوم، لفت تلك الخصلات السوداء لتجمعها لها كلها في الخلف، مسحت وجهها الشاحب وكأنها ستبعد تلك التشويهات التي اعتلته، بيد أن ما فعلته خفَّف من إظهار حقيقة ما ارتُكِب بحق الفتاة -من حيث لا تعلم

أُخذت إلى المشفى بالفعل، ليتبين أنها قد أصيبت بكسر في عمودها الفقري، مع آخر في يدها اليمنى، بدا واضحا أن الفتاة تعرضت للضرب بقسوة، لكن التبرير كان معلبا جاهزا في جيب إياد، الذي لم يعد التلاعب بالأحداث أو الأشخاص صعبا عليه، خبرة السنوات في مجاله القذر

**********


الجمعة كان اليوم الذي تلا تلك الحادثة، ليأتي بعده السبت الذي ستجرى فيه العملية لشيماء لأجل عمودها الفقري، لم تستيقظ منذ تلك الليلة، لكن الطبيب الذي سيجري لها العملية قد أعلم والدها بضرورة الإسراع في إجرائها

ودَّ ذلك الوالد لو أنها ترحل دون (مزيد) من الخسائر، بالطبع فروحها لن تعني له شيئا الآن؛ وقد بات لا يراها سوى مذنبة جلبت له العار والشنار

**********

طلبٌ من مدير المشفى للطبيب الذي سيجري لها العملية قد وصل إليه، لبى ذلك النداء واتجه إلى مكتب المدير، ليبدأ معه الأخير مناقشةً لأمرٍ حيره

_ألا ترى أن أمر المريضة التي أُدخلت إلى المشفى مؤخرا يبدو غريبا؟ أريد استشارتك في الأمر دكتور عدنان

نطق المدير بما طلب عدنان من أجله، ليرد عليه المعني مطمئنا:
_تقصد شيماء؟ لا تقلق أيها المدير، لقد أحضرها برفقة عائلتها صديقي إياد، وهو رجل معروف عنه كل خير، وقد أخبرني بالقصة كاملة، هو لن يكذب لذا اطمئن

زفر المدير الهواء بحيرة وهو يحوِّل نظره عن عدنان، أخذ ينقر بسبابته على سطح مكتبه، قليل من الوقت مر حتى عاد ينظر إليه قائلا:
_إذن متى ستجري لها العملية؟

_بعد ساعتين من الآن

أجاب على سؤال المدير ليدور حوار قصير بينهما ثم تنتهي تلك الجلسة، ويخرج بعدها عدنان ليكمل عمله في هذا المشفى الضخم، سارت الممرضة المساعدة له خلفه وهي تقول:
_هل الأمور تسير بشكل جيد؟

_نعم!

أجاب باختصار لتردف مقتضبة هي الأخرى:
_جيد!

أكملت سيرها خلفه بصمت، تلك العينين الخضراوين اللتان تبدوان ناعستين وفمها المقوس للأسفل جعلاها تظهر بملامح لا مبالية، شعرها البني الذي ترفعه للأعلى مع ربطة ذيل الحصان أخذ يتأرجح أثناء سيرها، لكنها كانت هادئة تماما، في العادة هي قليلة الكلام، وعملها وحده من يجبرها على النطق

في ذلك الحين كانت شيماء قد استيقظت، لم يكن بجوارها أحد سوى الممرضة التي ترافقها قبل العملية، في ذات الآن كان مرافقيها على كراسي الانتظار في الخارج يجلسون، كانت متعبة إلى أقصى حد، كل ما تستطيع الشعور به هو الألم في كل جزء من جسدها

أخذت تطالع المكان من حولها لتدرك أنها في المشفى، حاولت التحدث لكن صوتها أبى أن يخرج من حنجرتها قويا

أدركت أن يمينها قد كسرت بعد أن استشعرت وجود الضمادات عليها، سحبت الأخرى لتتلمس رأسها، لتجد ضمادا يلف جبينها أيضا، ولاصق جروح على ذقنها، نخزات ألم أخرى نهشت يسراها لتجبرها على إعادتها إلى مكانها

اقتربت منها الممرضة لتلمح بريق الدمع في عينيها، شعرت بالأسف عليها فقالت محاولة مواساتها وهي لا تعلم حقيقة ما حدث:
_لا تقلقي، ستكونين بخير!

تمردت دمعة فثانية وثالثة، ليتبعها سيل من عينيها، أرادت أن تقول شيئا، أن تسأل عن آخر، لكن قيود حالها الآثمة ألجمتها، رقّ قلب الممرضة لحالها ما جعلها تحاول الحديث معها مطمئنة إياها مجددا:
_لمَ البكاء؟ أخبرتك ستكونين بخير، أم أن هناك شيء آخر يقلقك؟

كان سؤال الممرضة عفويا جدا، قصدت منه فتح باب الحديث معها لتطمئنها في نهاية الأمر، لتتفاجأ بهمس شيماء الشاحب وهي ترد:
_أجل، أود مساعدتك!

رغم تخوفها من أن تكون الممرضة هي الأخرى أحد الذين يطاردونها إلا أنها قررت المخاطرة وطلب مساعدتها، اقتربت الممرضة منها أكثر وسألت:
_كيف يمكنني مساعدتك؟

طلبت منها مساعدتها في النهوض فأجابتها قائلة بأسف:
_لديك كسر في العمود الفقري، آسفة لأجلك!

أدركت سر وجود ألم فظيع أسفل ظهرها، ورغم غصة القلب التي نالتها إلا أنها حاولت استغلال الوقت وطلبت من الممرضة هاتفها، بعد أن سألتها عن وجود بعض برامج التواصل الاجتماعي في هاتفها

ناولتها الممرضة الهاتف وهي تراقب الباب خوفا من دخول أحد، أدركت من غير أن تحدثها شيماء أن عائلتها وراء ما يحدث لها، وأن شيئا غير الذي قيل قد حدث

فتحت شيماء حسابها في أحد مواقع التواصل لتدخل مباشرة إلى الرسائل الخاصة، ثم الولوج إلى المحادثة التي تخص صديقتها نور، مباشرة شرعت بالتسجيل، لتقول تحت أنظار الممرضة المحتارة:
_نور أنجديني يا نور، لقد حدث ما كنتُ أخشاه، لقد لقيت نصيبي من هذه المصيبة، وربما يزيد الأمر سوءا، الفيديو… إنه الفيديو الذي...

بترت جملتها الأخيرة حينما استشعرت وجود أحد ما خلف الباب يريد الدخول، رمت الهاتف للممرضة بعد أن تركت التسجيل يذهب إلى صديقتها، تمنت لو أن بإمكانها فقط تسجيل الخروج من ذلك الحساب، تخوفا من اطلاع الممرضة على ما في حسابها، ولكن ما كل المنى تؤتى لصاحبها

فُتح الباب ودخل الطبيب عدنان خلفه تلك الممرضة التي تدعى رهف، بضع خطوات سارها حتى وقف قُرب سرير شيماء، لتقول الممرضة التي كانت معها:
_هذا هو الطبيب عدنان الذي سيجري لك العملية، إنه ماهر ومتقن لعمله، لذا لا داعي للخوف، صدقيني!

كانت شيماء تكابر وتحاول ادعاء أنها قوية، لكن كلمات الممرضة دفعت بدموع عينيها إلى المآقي، سمعت الطبيب وهو يقول:
_شكرا لجهودك سمر، يمكنك المغادرة الآن

ردت سمر على شكره وخرجت وهي تحاول أن تبدو طبيعية بتصرفاتها، وحين أغلقت الباب كان الطبيب قد وقف على رأس شيماء ثم نطق:
_سيكون من الأفضل لك ألَّا تكوني قد أخبرتِها بشيء، عيوننا عليك في كل مكان، فلا تظني أنه بإمكانك الهرب!

¶____________________¶

انتهى الفصل السادس
تاريخ الكتابة 2020/3/15
تاريخ النشر 2020/3/21

احم .. كم صدمة جاءت لكم حتى الآن؟ :)

اسم المشفى مجرد اسم راق لي لا أكثر، لا أقصد مشفى بعينه بهذه التسمية، وشكرا

الكلمات التي أتحفظ عن قولها كرأي لي في هذا الفصل تُركت بين قوسين، لتعبر عن آراء الشخصيات فقط

أمل، هذه قصة إسراء غريِّب؟
سؤال دائما يُعرض عليّ، والجواب: لا، وأوجه التشابه بين هذه القصة وقصة إسراء هو لأجل تخليد قضيتها، التي أثبت الطب الشرعي أنها كانت جريمة قتل، ومهما كان الدافع لذلك فهذا لن ينفي حقيقة موتها مقتولة، لا نعرف عن قصة إسراء سوى ما ظهر على الإعلام أو في مواقع التواصل الاجتماعي، وأنا لا يمكنني بناء قصتي على معلومات غير أكيدة، نعم يوجد تشابه، لكنه لن يصل إلى ٥٠% حتى من قصتها، سيما الأعداء الذين جعلتهم لها في قصتي هذه، إسراء كانت ملهمة لي في كتابة هذه القصة، وكنوع من النصرة لها أهديتها هذا العمل بشكل خاص، لكن مجددا أقول ليس كل شيء من قصتها، فمعظم الأحداث من خيالي البحت لتناسب القالب الروائي، فرجاءً لا تدخلوني في معمعة أشد من التي أنا فيها، وشكرا لكل من خاف عليّ، لن أخفيكم سرا أنني أنا ذاتي خائفة، لكن ماذا أفعل لروح الكاتب المغامرة التي في داخلي، الله يستر من القادم :)

بما إن القصة مشتركة في مسابقة حكاية مارس فمن المؤكد أن هنالك الكثير سيكتبون قصص فتيات يعانين، وكل شخص سيكتب عن الذي يؤرقه ويقض مضجعه، القصص ستتشابه حتما، لذا أردت الخروج قليلا عن السياق وإعطاء قصتي لمسات خاصة بها، لمسة الغموض والتشويق بالذات، قد لا تفوز قصتي، ورغم طمعي بالفوز إلا أنني أعد فوزي الحقيقي هو بوصول الرسائل الكامنة خلفها، وهذا هو هدفي الأساسي من كتابتها، ثم من الاشتراك في المسابقة، والطموح إلى الفوز في النهاية

عموما الله يكتب لنا ما فيه الخير

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top