الفصل الثالث/ حيرة وصدمة!
طرقات قلمها على ظهر الكتاب الذي بين يديها، مع تحليق أنظارها نحو الأعلى وتلك الاتكاءة بخدها الأيمن على كفها -أثار انتباه نور إلى شرودها، كانت هذه اللحظات هي التي فرقت بين خروج الدكتور من القاعة بعد إلقاء محاضرته ودخول الآخر، تحدثت نور بشيء من الاستغراب:
_ما الأمر شيماء؟ ما الذي يشغل بالك إلى هذه الدرجة؟
سحبت شيماء نظرها لتطالع صديقتها زافرة الهواء من أعماقها بإحباط، قائلة وهي تبعد يدها التي تضع خدها عليها:
_هناك ما يشغل بالي بالفعل يا نور، لكن هذه المرة هو ليس بالشيء الهيِّن، وأيضا هناك ما لم أفهمه بعده، لذا لا أستطيع أن أخبرك شيئا الآن
نظرات حائرة ومستغربة طالعت بها ذات العسليتين صديقتها ثم علقت:
_لا بأس! سأنتظر، مع أني أكاد أموت فضولا لمعرفة القصة
تبسمت شيماء على ذلك الرد ثم علقت:
_أعدك أن تكوني أول من أخبره إن كان الأمر سيسمح بالحديث عنه، أو يتطلبه الموقف حينها
وقبل أن ترد نور دخل الدكتور الآخر ليحلق الصمت بينهما، بيدَ أن شعور بالانقباض طال قلب نور، لربما هو الخوف على صديقتها من هذا الأمر الذي يشغل بالها في الآونة الأخيرة، ما زاد قلقها أكثر هو كلمات صديقتها الأخيرة، أودعت قلبها أملا بأن القادم سيكون أفضل، لم تشأ أن تفتح للتشاؤم مجالا، ولكن… هل كل ما يتمناه المرء يدركه؟
**********
_ما الأمر يا شيماء؟ لمَ لا تشاركينا الحديث؟
سألت مرام وقد نهل منها الاستغراب، لتتساءل شيماء في داخلها: كم مرة سمعت مثل هذا التساؤل مؤخرا؟ لتدرك كم أنها باتت تشرد بتفكيرها كثيرا، لدرجة أن الجميع بات ينتبه لذلك
أعطت ابتسامة بلهاء لأختها قبل أن تجيبها محاولة جعل الأمر يبدو هيِّنًا:
_لا تهتمي كثيرا، إنه ليس بذلك الشيء المهم
(كذبة؟ مجددا ستكذب؟) نهشتها الأسئلة فأثارت ألمًا في قلبها، لم تعتد على ذلك (لمَ عليها أن تصبح كاذبة وهي لم تتقدم كثيرا في ما اطلعت عليه؟) ربما هي حاجتها لمعرفة المزيد دون أن يُكشف أمرها، لَكَمْ أحزنها أن ترى قلق أختها عليها بينما السبب هو زوجها
وماذا عن تميم؟ بلا شك هو الآخر قد صدمها (مساعد لأجل ماذا؟ ما نوع العمل الذي سيقوم به؟ بل ما الذي سيجعل أحدهم يعتمد عليه وهو أكسل من في المنزل؟)
مجددا نهشت عقلها الأسئلة فجعلتها تغوص مع أفكارها بينما كانت مرام تقول:
_لا يبدو أبدا أنك على ما يرام، انتبهي لنفسك جيدا
سمعت تلك الكلمات كالحلم فقط، لكنها أجادت رسم ابتسامة بدت جوابا على ما قالته شقيقتها (ولكن إلى متى ستبقى جاهلة لحقيقة ما يحدث؟) ذا ما دعاها لفكرة مجنونة، أو أفكارا إن صح التعبير، وقد سارعت إلى تنفيذ ذلك في الحال
**********
البداية كانت من غرفة تميم، جعلتها منطلقا لبحثها عن المنشود، ادَّعتْ أنها تريد تنظيفها وإعادة ترتيبها لأجله، لم يمانع؛ هو معتاد على مفاجآتها الغريبة
لم ترحم نفسها وهي تبحث في كل مكان _أثناء عملية التنظيف الموهومة_ عن شيء يقودها إلى حقيقة ما يخفون عن الجميع، لكن محاولتها باءت بالفشل، وخرجت من الغرفة مليئة بالتعب الذي أنتجه ذلك التنظيف الدقيق، محملة بالخيبة لا أكثر
**********
منزل شقيقتها كان الهدف التالي (زيارة إلى تلك الأخت) كانت الحُجَّة
لم يكن من عادت شقيقتها أن تمنع دخولها إلى غرفة النوم، استغلت فرصة انشغال شقيقتها بأولادها لتدخل إلى هناك وتبحث بسرعة عن ما يمكن أن يكون مساعدا لها حول سر إياد
انتهت تلك المحاولة معلنة فشلها مجددا، سخرت من نفسها أنهم لن يجعلوا شيئا كهذا أمام الجميع وهو سيفضحهم، كيف لا وقد سمعت ذلك الرجل يحذر إيادا من وقوع الملف بيد أحد؟ حاولت إيجاد فكرة أخرى لاكتشاف الحقيقة، مُمَنِّيَة نفسها بأنها لن تُعدَم الحيلة مع كل ذلك التفكير
*********
قرابة الشهر من أيام انقضت ليُشْرِف معها شهر فبراير على الانتهاء، لكن ضباب يوم الجمعة ذاك مع الخميس الذي تلاه لم بنجلِ بعد، محاولات من شيماء تكررت للحصول على الحقيقة، أو جزء منها على الأقل لتريح عقلها المشغول، غير أنها في كل مرة كانت تعود بخُفَّي حنين
الثامن والعشرين من فبراير لعام ألفين وتسعة عشر هو يوم ستذهب فيه صديقتها نور إلى حفل زفاف يخص عائلتها، وهذا يعني أنها ستقوم بعمل المساحيق لها هي بحكم خبرتها، لديها (صالون) صغير يناسب بدايتها العادية، أنهت العمل على شعر صديقتها البنيّ ذا الحُمرة الفاقعة، وها هي الآن تضع اللمسات الأخيرة على وجهها
_انتهيت!
هتفت بفرح لتضرب كتفي نور بخفة من الخلف، نظرت نور إلى نفسها في المرآة مندهشة من مظهرها كيف أصبحت، نطقت بإعجاب:
_مذهل! أنتِ مبدعة حقا يا شيماء
تسللت ضحكة مرحة من شيماء عقب إطراء صديقتها، وقبل أن تقول شيئا آخر قُرِع الباب ليستأذن شقيق نور بالدخول
أخذته ملامح الدهشة حين ألقى ببصره على نور، هتف ضاحكا:
_هذه ليست نور، أين ذهبتم بشقيقتي؟
ضحكت الاثنتان على تعليقه بينما اكتفت ثالثة كانت تجلس منتظرة دورها بعد نور -بالابتسام، ردت نور عليه وهي تنهض من على الكرسي:
_ليست أول مرة أضع المساحيق، لمَ كل هذا الاستغراب ضياء؟
مشت نحوه عدة خطوات لتسمع جوابه أثناء ذلك:
_لكنه هذه المرة مختلف، يبدو مُتْقَنًا جدا
التفاتة بسيطة أخذتها نور نحو شيماء وهي تقول:
_أجل مختلف ومتقن لأنها شيماء التي صنعته
ابتسمت المعنيَّة بخجل ثم علقت:
_أنتم تبالغون حقا، هذا يُعدُّ لا شيء أمام خبيرات التجميل
_لا شأن لنا بخبيرات التجميل فالمدة التي تعلمن فيها بلا شك ليست قليلة، وأنتِ بدأتِ بهذا منذ مدة يسيرة فقط ومع هذا أتقنتِ عملك، هذا يستحق الإشادة
علقت نور قبل أن ترد شيماء بالشكر، ليقطع ضياء حديثهما طالبا من أخته الإسراع بالمغادرة، فقد أصبحا آخر من سيذهب من العائلة
عادت شيماء بعد مغادرتهما بنظرها نحو الجالسة قيد الانتظار لتقول مع ابتسامة:
_حان دورك: وئام
نهضت تلك المعنية لتجلس على الكرسي أمام المرآة، فتبدأ شيماء عملها، كانت تلك وئام ابنة عمتها وصديقة لها نوعا ما، لكن يبدو أنه لا مناسبة مهمة لديها لتضع المساحيق، ومع أنها طلبت تجميلا خفيفا إلا أن هذا أثار فضول شيماء لتسألها قائلة:
_ما نوع المناسبة التي ستذهبين إليها يا ترى؟
من يسمع أسئلة شيماء يعتقد أنها فضولية لا أكثر، لكنها في العادة تحب الاطمئنان على الآخرين، لن تسأل غريبا مثل هذه الأسئلة، لكن وحدهم من تعرفهم ستفعل ذلك معهم؛ كون أمرهم يهمها
قابلتها ابنة عمتها بابتسامة وأجابت:
_جلسة صديقات لا أكثر
_هكذا إذن!
بهاتين الكلمتين أنهت شيماء تلك المحادثة التي ابتدأتها، أخذت تقوم بعملها بمهارة، لتنهي ذلك خلال دقائق، وتصنع حركتها المعتادة مع زبائنها: ضربة خفيفة على الكتفين من الخلف مع كلمة (انتهيت!) طالعت وئام نفسها في المرآة ثم علقت:
_ماهرة كالعادة! لهذا آتي إليك دائما
لم يمنع التعب شيماء من أن تبتسم لها، لفت وئام أغراضها وغادرت، لتتبعها شيماء بلف أغراضها أيضا، كانت وئام آخر زبون هذا اليوم، لذا حان وقت المغادرة
ظرف غريب أسفل كراسي الانتظار لفت انتباه شيماء، لا تذكر أن لديها واحدا كهذا، لذا ربما هو لأحد زبائنها، تذكرت أنها رأت ظرفا بيد وئام، حدثها عقلها أنه لابنة عمتها تلك، التقطته ولفت أغراضها سريعا لتغادر محاولة اللحاق بها
سلكت الطريق المؤدي نحو منازلهن، لحظت وئام فشعرت بالفرح؛ كونها ستلحقها سريعا وتناولها الظرف، لكن تلك الفتاة بدأت بسلوك طريق آخر، لم تستغرب شيماء، إذ أنها سبق وأن أخبرتها أن لديها جلسة صديقات، لكن شيئا ما تسلل نحو قلبها فجأة
أخذت تشعر بشيء غير طبيعي في الأمر، الفتاة تبتعد عن الأحياء التي فيها صديقاتها، والوقت اقترب من الغروب، أين ستذهب؟ ولماذا؟
في تلك الأثناء أخرجت وئام هاتفها المحمول وأجرت مكالمة هاتفية، تأكدت شيماء أنه يتوجب عليها الاختباء الآن، وأن تستكشف الأمر دون أن تتسبب بكشف نفسها
لكن صوتا ما في داخلها غير رأيها بعد أن توقفت وئام وطال الانتظار، لا تدري ما نوع التفكير الذي قادها لتكشف نفسها لوئام، مدَّعية أنها تبعتها بناءً على إشارات الناس لها حينما كانت تسأل عن فتاة مرت من المكان بمواصفات كذا وكذا
مدت يدها لها لتناولها الظرف قائلة:
_هل هو لك؟ رأيته أسفل كراسي الانتظار
التقطته وئام بعنف وقد اتسعت حدقتيها بصدمة، ضمته إليها وقالت بنظرات بدت مفزوعة:
_لم ترِ ما بداخله صحيح؟
رغم تلك الملامح المبهوتة التي ارتسمت على وجهها إلا أن شيماء تمالكت نفسها راسمة ابتسامة مزيفة على وجهها وهي تجيب:
_بالطبع لم أفعل، لم نتربَ على شيء كهذا
زفرت الهواء مدعية الارتياح ثم علقت قبل أن تستدير مغادرة المكان:
_حمدا لله أنه لك، وإلا لاضطررت للبحث عن صاحبته، أتمنى لك جلسة ممتعة مع صديقاتك
قالت جملتها الأخيرة وهي تلوح لها بيدها مبتعدة عن المكان، غابت عن ناظريها فوضعت وئام ذلك الظرف في حقيبتها المعلقة على كتفها الأيمن ويدها ترتعد، أخرجت هاتفها لترسل رسالة ما، لم تكن تعلم أن شيماء لا زالت تراقبها، لكنها بالفعل أرادت تغيير مكان اللقاء مع ذلك الشخص
ازدادت وتيرة ضربات قلب شيماء وهي تراقبها (هل وئام أيضا تخفي مثل ما يخفيه إياد وتميم؟ أم أنها في وادٍ آخر غير واديهما؟)
لم تكن الأسئلة لتأخذ منها وقتا أكثر ولا تلك الرسالة من وئام التي لا زالت تكتبها -حين أطل الشخص الذي ستقابله ليسير باتجاهها قائلا:
_ها قد أتيت، لا داعي لرسالة جديدة
كان يضحك عليها كونه يعرف عادتها المستعجِلة، لكنه يجهل ما بها هذه المرة، بيد أن رؤيته قد نزلت على شيماء كالصاعقة، لتهمس بخفوت تحت وطء الصدمة:
_إياد!
¶____________________¶
انتهى الفصل الثالث
تاريخ الكتابة 2020/3/13
تاريخ النشر 2020/3/20
ملاحظة:
لون العيون سيكون وصفه أحيانا هكذا
عسليتي، عسليتيها، ذات العسليتين، وهكذا...
التاريخ كنت جعلته في ألفين وعشرين، لكن فيروس كورونا أوقف الدراسة في كثير من البلدان العربية، وبالتالي سيكون هناك مخالفة للواقع
عادة ما أعتمد على أسلوب التعميم فيما يخص الدول التي تجري فيها الأحداث، تماما كما هو الحال في هذه القصة، هذا أفضل من استثارة المشاكل على رأسي :)
أي ملاحظات حتى الآن؟
لا تبخلوا بطرحها رجاءً :)
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top