(٢) ظِــلال

حاجز أفحم شكل حائطا من حوله حاجبا عنه كل ما في غرفته عدا المكان الذي يحوي مكتبه حيث كان يقف، ذات المكان الذي يعكف عليه دائما حينما يمارس هوايته المفضلة "الكتابة" بدا الحائط سائلا وقويا في ذات الآن، كمياه شلال تندفع من شاهق

ضرب الرعب أوتاده في قلبه بينما أخذ ذلك الحائط المُدْلَهِم يضيق شيئا فشيئا، ثوانٍ معدودة مرت في حين عزف الخوف ألحانه موقعا إياه تحت تأثيره، ازدرد ريقه بصعوبة بينما ازدادت خفقات الساكن خلف أضلاعه وأخذ يستنجد به "أنِ افعل شيئا ولا تبقى متصلبا كجلمود"

تناهى إلى مسامعه صوت رقيق من بين ثنايا ذلك الحائط يهتف به "مساء الخير"

أفاق من صدمته بالتغير الذي طرأ ليقع تحت تأثير صدمة أخرى "ما هذه الليلة مزدوجة الأحداث؟!" تساءل في ظل وقوفه محدقا بعينين مفتوحتين على مصراعيهما دهشة مصوبتين نحو الحائط السائل، حاميا جسده من السقوط باتكاءة على يده اليمنى فوق مكتبه، في حين أخذت بعض الارتجافات تحتل شفته السفلى، والعليا تفر نحو الأعلى كأنها تنشد الأمان بِبُعْدها

عاد الصوت مجددا يهتف "مساء الخير!" ليجعله يبتلع ريقه بصعوبة كما لو أن حجرا صغيرا قد مُزجت معه، رد عليه بتردد يقف الخوف خلفه "مـ... من أنت؟! و... وماذا تريد؟!"

انفرجت بعض الفتحات من الحائط لتمر بعض جزيئات الضوء من خلالها، لوهلة قصيرة شعر بانزياح كتل الخوف من أعماقه، لكن سرعان ما هجم عليه الاستغراب وهو يرى ما تشكل من تلك الفتحات؛ عينان وفما مقوسا يرسمان ابتسامة عريضة على الحائط السائل، بصدمة تساءل في داخله "أتبتسم الظلال؟! بل هل تمتلك ملامح أصلا فضلا عن مشاعر؟!" لترد الظلال
"سيدي ألم تعرفنا بعد؟ نحن من صنعتنا أناملك"

أنَّى له أن يعلم شيئا عنها وهو لم ينتبه لها إلا في آخر لحظة من ظهورها، أرسل الاستغراب جيوشه نحوه لتغزوه وأمام أسئلة أخرى تضعه "من أين قفزت هذه الظلال؟ وبماذا تهذي؟!"

في مكنونه تساءل فلم تطق الظلال صبرا، وبما يتحدث به في نفسه علمت فعمدت إلى فتح باب الحديث معه مجددا في حين كانت قد بدأت الارتفاع عن الأرض لتجعل ما ستقوله مفهوما لديه "سيدي نحن كلماتك التي كنت تكتبها دائما، انظر إلى الأوراق التي رميتها"

أرسل بصره نحو الأوراق يتفحصها فإذا بها قد عادت إلى حلتها الأولى البيضاء، فارغة تماما من ما سطره عليها ذات يوم، وصلته الفكرة من أين قدمت، لكن سبب قدومها لا يزال يركض في المجهول، عاد ببصره نحو فتحات الحائط التي شكلت وجها ليضع بعض الأسئلة، قاطع تلك الرغبة تفاجئه بتلك الملامح الحزينة التي استبدلتها الظلال بدلا من تلك الملامح الباسمة، وعلى الرغم من تفاجُئه إلا أنه لم يكلف نفسه عناء سؤالها عن سبب ما فعلت، المزاج السيء الذي يسيطر عليه لم يسمح له بمساعدة نفسه فكيف بالآخرين؟ وأيُّ آخرين؟ ظلال؟! هذا ما كان ينقصه حقا!

نفخ أوداجه ولوا شفاهه بتبرم، ثم ما لبث أن سحب كرسيه وجلس عليه، عدل جلسته غير مبالٍ بما حدث أو سيحدث، واضعا مرفقيه على سطح مكتبه، ومدثرا بكفيه وجنتيه، باخلًا على الظلال بكل شيء، حتى بنظرة من عينيه

لمْ تأتي الظلال لتعبث، ولن تسمح له أن يفعل، ولكن أي ردة فعل قادمة ستكون؟

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top