الفصل العاشر
الماضي2
ملاحظة: الرواية ليست للنسخ أو الإقتباس و الترجمة و غيرها
هذا الماضي يتحدث عن رشا الجزء الأول منه
حسنا لا شيء يسير في هذه الدنيا بمحض الإرادة و كأنها حركة لا إرادية و من غير الممكن أن يكون الدماغ تحديدا القشرة المخية مركزا عصبيا مسؤولا فيها، بل النخاع الشوكي، كما يعلم الجميع أن النخاع الشوكي هو عبارة عن ممر في الحركة الإرادية إلا أنه مركز عصبي في الحركة اللا إرادية، كما هي الحياة إلا أنه يختلف في عدم وجود مركز، فلو كان موجودا لتدفق عليه سيل من الإتهامات و الكره و البغض و الحقد أو تم حتى تبديده بنظرة كره واحدة و لكن القدر حتى لو اشتدت الويلات لا ينكسر فالحقيقة في الأخير ظاهرة و هبُّ الريح مُرجع الماضي هنا لا محالة.
لطالما كرهت الجميع، كلهم حثالة العالم يكرهون الأطفال، يدمرون أحلامهم البسيطة لتتجلى في غياهب النسيان مع الأحلام الصعبة و المستحيلة المنال.... تلك الأحلام الصغيرة التافهة بالنسبة لهم.... إلا أنها أكثر شيئ مهم يأخذ مكانة كبيرة لديهم... مع ذلك تتعرض للإندثار و الذهاب في مهب الريح... ربما كان عليهم أن يفهموني أفضل؟... أو على الأقل أن يتحدث أحدهم معي و يشرح الحبكة الغير مفهومة و اللاّواضحة في ثنايا و ستار ما يجودون به من ألم... و لكن لا أحد يفعل ذلك... فقط كل ما يجيدونه هو اللوم و اللوم لا أكثر دون إعطاء الذرائع حتى و إن كان ذلك معنويا... هل هذه هي حياتي؟... هل سأبقى هكذا؟... هل سيدوم ذلك طويلا؟... هل ستهجرني أحلامي كما هجرني أقرب الناس إلي؟... أحلام؟... لا يمكن لي التمسك بوعودها إذا ما هجرني الأقرب فكيف هي؟... يُدَعُّونني نحو الهاوية دعًّا... هل هذا كل شيئ؟... فقط؟... لا شيئ؟... مجرد أسئلة.... و لا توجد إجابة... أسئلة ذات علامة استفهام غليظة و معنى جاف و مقتدر في نفس الوقت... مع ذلك لا استجابة... حتى و إن كانت فهي غير مقنعة أو غير كافية...أو حتى لا معنى لها... هل أترك كل شيئ ورائي و أهرب؟... أوه.... هذا سؤال آخر لا إجابة له حتى و إن كان ذلك بيدي إلا أنه ليس بيدي...فحتى الهرب قد صار خيارا مستحيلا مستميتا... والدي العزيز... والدتي العزيزة.... أخي الحبيب... هل تحبونني لهذه الدرجة الكبيرة لإعطائي حياة مؤلمة هكذا؟... حياة لا يمكن وصفها بإسمها هذا... فالحياة أمل... عطاء... حب... مع كل المشاعر الرائعة... كما لا يعني ذلك أنها خالية من الهموم و الحزن... كما أنها حاليا لا تأتي إلي سوى بالحزن الشديد الذي يجعل القلب ينفطر بطريقة هستيرية دبلوماسية... و هكذا يتفتت قطعا قطعا ثم جزءا جزءا و من بعد ذلك ذرة ذرة إلى أن يصير لا شيئ
أو ربما.... لا أعلم هل هنالك جزء أصغر من الذرة؟ هل هو البروتون؟... لكن البروتون موجب و حياتي سالبة لذلك ستختفي تماما عندها... هذا صحيح سيصير بروتونا إن أمكن... إضافة إلى بعض النترونات سيكون ذلك متعادلا على شكل نكليونات... دعنا من ذلك... حسنا لقد اعتادت حياتي على المفاجآت الغير متوقعة... دخلت أبغض مخلوقة أمقتها و هي تدعى بأمي'العزيرة'
بعد كل شيئ هي لا تريد شيئا مني سوى إذلالي
لأنني فتاة... فقط لأنني لست ذكرا... أ ليس كذلك؟... أنا عالة على هذه الحياة لأنني خذلت ما كنتم تتوقعونه و أتيت... فتاة... ليست ذكرا!! مشكلة هل نقتلها... ربما كانوا يفكرون بذلك... من يدري؟
الأم: أيتها العالة والدك يريدك
منذ متى أسمته بوالدي أ لم تكن تنشدني على مناداته بسيدي أو رب المنزل؟ حسنا لربما أخطأت... دعنا نتأمل قليلا... و منذ متى كان ذلك الرجل يناديني؟
لم أنبس ببنت شفة و لم أتحرك... لقد كنت محبوسة في تلك الغرفة... ليست غرفة... كانت عبارة عن مهمل للبيت... توضع فيه الأشياء التي لم تعد تستعمل أو لم تعد لها قيمة ... مثلي... لقد اختاروا المكان الصحيح... يبدوا و أن العجوز الشمطاء قد انزعجت.... هي قادمة نحوي... أوتش... لقد ضغطت على أذني... آي إنها تسحبني من شعري الآن، ظننت بأنها ستفلتني لاحقا و لكن لا يبدو و أنها تنوي ذلك.... فقد جرتني إلى مكتب ذاك الذي لا يسمى... تحت نظرات إبنها و ضحكاته المتعالية... لقد كان يكبرني بسنتين... لقد كان يضحك و يبتسم... فرحا و مستمتعا ببكائي و صراخ نجدتي... ظننت بأنه ليس مثلهم... لقد اشتقت إليه... لم أره منذ، فترة طويلة... ربما أشهر... لقد فقدت الإحساس بالوقت عند حبسي طيلة ذلك الوقت في تلك المهملة... آه لم أكن أعلم بأن للهواء رائحة عطرة كهذه... أو ربما لأن جيوبي الأنفية لم تلتقط الهواء النقي منذ فترة طويلة جدا... لقد تركت خصلات شعري القصيرة التي تشبه المعكرونة اللولبية إذ قامت بقصه لأنه لن يشبه في تلك الحالة شعر فتاة... هذا يعني بأنني قد وصلت إليه..إلى ذلك الشخص الذي قام بوضع قانون التفرقة بين الولد و البنت... القانون الذي ظلم هذه الحياة الظلماء أساسا... لأنني فتاة لست ولدا... لأنني سأصبح امرأة و ليس رجلا... الرجل هو من يحمل اسم العائلة أما المرأة فإذا تزوجت ذهب اسم عائلتها و تغير... الرجل هو الوريث لوالده... أما المرأة فليست... لأنها مرأة... لا يحق لها أن تشعر بالحياة... لا يحق لها أن تكون كالجميع... أ لا يحق؟... لماذا؟... لأنها مرأة أ ليس كذلك؟... عليها أن تكون خادمة سيدها... أن تكون أمة و حسب... و كأنها ليست كائنا بشريا يحيى و يتنفس... هل عليه أن يقوم بتحريم التنفس أيضا و جعله مخالفا للقوانين... لماذا؟... لأنها مرأة!!.. بحقك كيف أتيت أنت إذا لم تحملك مرأة؟... من سيقوم بحملك تسعة أشهر؟... بتعب و مشقة... إن أجبت عن هذا السؤال لإنسحبت فورا... دون جدال... فقط كيف؟... من دون مرأة... هل سيتكاثر الجنس البشري؟... أ و ليس هذا القانون من قوانين الجاهلية؟... أم أنك نسيت بأننا في القرن الواحد و العشرين!!... من النادر أن تجد شخصا يدفن طفلة رضيعة في التراب و هي حية!!... لأنها إرتكبت جرما أ ليس كذلك؟... و هو أنها ولدت أنثى... هل كان سيتكاثر جنس آدم من دون أنثى؟... كيف ذلك و قد كانت حواء أم البشرية؟... هذا دليل على مدى جهل و تخلف هذا النوع من الناس... بحقك أجب على هذا السؤال المحير... أجب عليه... كيف سيتكاثر الجنس البشري من دون أنثى؟... قد أفعل لك أي شيئ إن استطعت الإجابة... و قد أرهن حياتي على ذلك حتى... لأنني متأكدة أنك لن تستطيع... لن تستطيع خلق شخص كامل الصفات البشرية من دون أنثى... حتى مع هذا التقدم التكنولوجي لم يستطع أكثر الناس ذكاءا خلق بشري من دون ذكر و أنثى... فقط تلك الروبوتات ذات العقول الإلكترونية... لا غير!!... و لكن هل يفيد أي من هذا الآن... مع عقلية متخلفة كهذه تعيش في عصر قديم من الجاهلية؟
طرقت ذاك الباب الفارغ طوله... ليسمح لها ذلك الشخص بالدخول عبر حديثه بصوته الأجش…آذنا لها... سأقابل من لا يسمى... سأقابله... ليس بعيدا عني سوى بضع أمتار قليلة... أمتار تفصلني عنه... ذلك الشخص... لم أره منذ فترة طويلة... كم اشتقت للحرية... يا للسخرية و هل كنت حرّة يوما كي أشتاق للحرية... دفعتني عنوة إلى الداخل... لأسقط جاثية على ركبتي... التي بدأت تنزف... بسرعة كبيرة فُتح هذا الجرح... كان ينظر إلي رافعا رأسه... لدرجة أني ظننت أنه قد يصل إلى السماء... كان مهيبا بحق... كنت أتأمله... و هو ينظر إلي نظرة غريبة... هل هي نظرة احتقار؟... أم كره؟... أو إعجاب بهذا المنظر المزري أمامه؟ .
الأب[(الرجل)( الذي لا يسمى)]: إذا، هل تعلم هذه الفتاة عن سبب مجيئها
الأم[(العجوز الشمطاء)(عديمة الأمومة)]: لا لم أخبرها بشيئ، انتظرت حتى تكون المفاجأة هنا
الأب[(الرجل)(الذي لا يسمى)]: إسمعي أيتها العالة... إن مجيئك إلى هذا العالم بحد ذاته خطأ... ليس لدينا بنات في العائلة... البنات يموتون عند الولادة... لولا رأفة جدتك بك... مع أني كنت أحتقرها كامرأة لكني لم أعارض رغبتها قبل وفاتها في عدم دفنك في التراب و أنت حية أو قتلك... لذلك أنا لن أقوم بتطبيق قوانين العائلة المتوارثة منذ أجيال... و لكن... سوف يتم نفيك... إلى مكان بعيد من هنا... ليس لديك مكان في هذه العائلة... لذلك لا أريد رؤيتك مرة أخرى... أو أن تأتي مطالبة ببعض الحقوق كالوراثة... فهذا أمر مفروغ منه لأنك لست من الوَرَثَة... و سوف يتم سحب لقب العائلة منك أيضا... أنت لا تعتبرين من آل****... لذلك أتمنى لك حياة سيئة... هذا مصير النساء في هذا العالم.
هل أذناي تعملان بشكل جيد؟... أم أن ما أسمعه حقيقة؟... هل يقول بأنه سينفيني و يسحب لقب العائلة مني؟... حسنا هذا لا يهم... هل يمكنه قول هذا بكل هذه البساطة؟... هكذا؟... بكل إرتياح و انسيابية... يقول مثل هذه الأمور؟ و كأنني مولعة بلقب هذه العائلة... أو حتى بأخذ ميراثها... أو أي شيئ... أ هذا هو مصيري المحتوم؟... أن يتم الإستغناء عني؟... لأنني أنثى؟... من أي عالم هو هذا الرجل من القرون الوسطى؟... لا.. ربما العصر الحجري؟... لا أعتقد... أظنهم أفضل منه عقلية... لم يكن البشر في تلك الحقبة يفقهون الحديث حتى... عصر الجاهلية!!! حيث كان التمييز العنصري... و قتل النساء... لا يمكن القول عنهن نساء... فهنّ لم يصلنَ للوقت الذي يكنَّ فيه كذلك...
لم يصلن... لأنهنَّ مِتن قبل ذلك... لماذا؟... لماذا تتم التفرقة بين الجنسين بهذه الأسس و المبادئ الغبية... لأنك رجل... لا يمكنك فهم ذلك..، أ لم تتزوج امرأة كي تنجب رجلا؟؟؟؟...أ لم تقل من قبل أنك تزدري النساء؟... كيف تزوجت امرأة؟...الإجابة واضحة... لأنك تدري أن الذكر لا يأتي من دون أنثى... هل حقا ستفعل ذلك؟... لا أزال لم أصدق بأن هذه هي حياتي لدرجة أني أنتظر الوقت الذي أفيق فيه و أكتشف أن هذه المعاناة مجرد حلم مضى!... و لكن هيهات... هيهات يحدث... فكلما نمت و استيقظت...وجدت أن لا شيئ تغير... فأي حلم طويل هذا الذي لا ينتهي أبدا... بقيت هنيهات مرت كساعات أتأمل ملامحة القاسية المستمتعة في نفس الوقت... و هو بدوره ينظر إلي تلك النظرات... كنت كمن لم يصدق ما تسمعه أذناه و ما تراه عيناه... و لكن هنيهات تأملي قُطعت حين استقبل وجهي صفعة قوية زلزلت كياني معها و ليس وجهي فحسب... كانت تلك المرأة...
الأم[(العجوز الشمطاء)(عديمة الأمومة)]: عندما يتحدث السيد عليك خفض نظرك... إياك مرة أخرى و النظر في عيني السيد... هذا إن كانت هنالك مرة أخرى.
كانت تلك الصفعة أهون إلي من السم في كلماتها... كأنها تعطيني جرعا منه في كل لُقَيْمَاتِهَا...هي والدتي 'العزيزة' …لم أكن أعلم مدى حبها لي حتى هذه اللحظة... هذه اللحظة التي برهنت عن مدى إنعدام عاطفة الأمومة لديها... فكذب إن قيل أن الأم تفرق بين أولادها... ألا عار عليها إسم جليل كهذا... بضعة أحرف تكون هذه الكلمة... كلمة ذات معنى لا يمكن تفسيره بالكلمات حد ذاتها... هل يمكن وصفها... لا يمكنني فعل هذا... فهذه الكلمة ليس لها معنى... مما يعني أنها فاقت كل الأوصاف ليستحيل وصفها... آه أمّاه العزيزة... آه أماه الكريمة... آه أماه العظيمة... آه و آه و ألف آه و آهات عليك... أيا أسفي عليك... أيا حزني عليك... قد تظنينني مثيرة للشفقة في موقف كهذا... و لكن... لست أنا كذلك بل أنت... الشخص الوحيد المثير للشفقة هو أنت!... لطالما علمت أن العديم الشفقة و الإحساس و الرحمة... هو المثير للشفقة لا غيره!... و لا يمكن أن أقتنع بكلام يخالف هذا... تريدون التخلص مني؟... تريدون نفيي؟... الإستغناء عني؟... رميي؟... لَعَمْري ما أحلى فراقكم...لَعَمْري ما أجمل نسيانكم و لا أحب لقلبي سوى هجرانكم... أيا حبيب القلب سندي و عزتي أخي... لأقُل وداعا... و أنت أبي... ما الذي أقوله ما الذي أنعتك به... عندما حان دورك... نفذت كل كلماتي و استعاراتي... و الصور البيانية التي أستعملها و الكنايات و غيرها... هل أقول وداعا؟... أم لأقل مع السلامة؟... مهلا!!... أنت لست شخصا أهلا للسلام عليه... بحق نفذت الكلمات مني... هل هذا ما تحتويه هذه اللغة من كلمات لوصفك بها؟... أم أنها غادرت حين استدرت لإصدار حكمك... و الوصف الأنسب لك؟... حتى الكلمات و الجمل خذلتني... أ ليس كذلك... فما بالك يا حياتي الحبيبة معي واهمة؟... ترسمين معالم و مركبات على حسب هواك و مزاجك... و أعتقد أنه كان متعكرا حينها... و أنت ترسمين معالم حياتي... فلم تركبيها سوى بالأعداد السالبة... رشا... لم يكلفوا أنفسهم عناء تسميتي... فقط... استعملوا هذا الإسم ذي الأحرف الثلاث... و سلبوا مني أيضا لقب العائلة... أنا لست من العائلة أساسا... فلِم قد أتأثر بما يقولونه؟... و لكن أنا... أنا أشعر بأن شيئا ينهمر على خديّ... هل هي دموع؟...أنا حتى لم أشعر بها حين تشكلت على محجري... الضعف!!... البكاء من صفات الضعف... علي مسح هذه الدمعة السخيفة التي تذلني أكثر... لا... أفضل فكرة أخرى …دعها تنهمر و تنهمر... و إن شائت فلتروي البساتين و الحقول و الأراضي بالدموع التي تعصف بقلبي...و الشتاء التي تُزْخر المطر في روحي... أيا حياتي الجميلة أهلا.. مرحبا... لقد حللت سهلا... فيا كامل الأوصاف أبتي أبتاه... أيا أحب الناس إلى قلبي أخي... أيا أحن الناس علي والدتي... وداعا لتلك العائلة الصغيرة... العائلة التي لم تكن كذلك يوما... العائلة ذات قانون الغاب... القوي يأكل الضعيف... لا عدل أو تسوية... لا جدال أو نقاش... فقط... رُضوخ للواقع... وَاقِعٌ تحت السّراب... حياة تحت الأنقاض... أيام تلي أيام... هذه هي الحياة... يالها من حياة جميلة... كأنها قوس قزح أ ليس كذلك؟... من كثرة الأفراح لم تغادر الألوان الزاهية... أو لأقل من كثرة الأحزان اصطبغت بالألوان الباهتة القانية
الأب[(الرجل)(الذي لا يسمى)]: خذيها من أمامي... أنا لا أريد رؤية وجهها العفن... إلى أن يتم إصدار ما قلته من تعليمات... أبقها في ذلك المكان
حتى أنت!... لا يمكنك تسمية ذلك المكان بل تنعته بهذا! كم هو جميل وصفك الدقيق... و حديثك الموزون يا أبتاه... هل ألوم؟... لم أجد ما ألومه... عادة ما ألقي اللوم على أحدهم كي أنسى قليلا... و لكن الآن لم أجد شيئا للومه... أو ربما لم تعد لي القوة الكافية لذلك... هو لم يتحدث عن أين سيتم "نفيي"... يمكنني قولها هكذا لأن الإستغناء عني و طردي هكذا بالنسبة لي نفي... المكان الذي سيحتويني مستقبلا، كيف يكون؟... أين يكون...مع من؟... من يدري؟... أ هذا هو مصيري الذي كان لي منذ الولادة؟... لماذا؟... و يبقى السؤال لماذا و الإجابة هي: ”لأنني أنثى‟... هذا هو ذنبي و جريمتي النكراء التي اقترفت...لهذا السبب وحده دون آخر... يتم كرهي... حبسي... طعني بأشكال غير مباشرة... حرماني من أبسط الحقوق…عدم تركي ألعب كباقي أقراني حتى صرت بهذا العمر…أربعتا عشر سنة كاملة… من الحرمان و الألم… و لكن سينتهي هذا قريبا…كل ما يحدث معي سينتهي…و معه أنا أنتهي…و حياتي تنتهي…و دافعي للحياة ينتهي…و كل شيئ ينتهي…كم هو مضحك…مع أنني أشعر بالدموع تتسلل مخترقة القوانين إلى خدي تنهمر…و تزلزل فؤادي و تدمي خلاياي الحسية…مرة أخرى أعاد إفاقة كل إحساساتي الوجدانية و اللحظية …شدّ شعر…و بالطبع من غيرها…أفضل أم في العالم…العزيزة القريبة…أمي الحَبيبةُ الحبيبهْ…التي لا تنفكّ تؤلمني لمساتها بتلك الأنامل الخشنة…حتى و إن لم تكن هي فستبعث شخصا غيرها لفعلها…سواء كان رجلا أم لا…و لكنه في المقابل أيضا مقارنة بي …أبدو لا شيئ أمامه…فقط كيس ملاكمة لشخص مفتول العضلات…أي أم هذه التي تبعث شخصا لإيذاء ابنتها و وضع ندوب عليها؟ …من هذه الأم المتخلفة التي تفعل ذلك؟ …من عديمة الإحساس هذه؟ …هي والدتي!
سحبتني و شعري القصير ما بين أصابعها القاسية…إلى المهملة!…المكان الذي عشت فيه أربع عشرة سنة… هل سيبعدونني عنه؟ …رغم كل شيئ سأشتاق لهذا المكان…الجدران ذات اللون الرمادي الباهت الذي يزيد الكآبة علي…الرائحة الخانقة…رائحة ثنائي أُكسيد الكربون لإنعدام مكان للتهوية…الباب الحديدي الأسود …الذي طالما كرهت صرير فتحه…و صوت السلاسل عند فتحه…وصوت إستدارة المفاتيح في قُفله…و كلما فُتح هذا الباب فَتح معه آفاق جديدة من الرعب…مع استدارة المفتاح لفتح القفل و السلاسل التي لا أستطيع عدها لكثرتها…كلها سأشتاق إليها …جميعها حتى الباب الذي طالما كرهته سأشتاق إليه…و سيكون ذكرى لا تنسى أبدا في حياتي…مهما كان المستقبل الذي ينتظرني سأبقى مشتاقة للمهملة العزيزة…لم يكن همي استشعار الألم عند شد شعري و سحبي على طول الطريق إلى المهملة إيابا بعد ذهاب مرة أخرى…كان كل ما يشغل بالي هو حياتي القادمة…و كيف ستكون…قد وصلت للمهملة…و قامت برميي في الداخل لأسقط…ثم أسمع عندها صوت صرير الباب يغلق …و صوت استدارة المفتاح في القفل…و صوت المفاتيح الكثيرة الذي يجلجل…و السلاسل التي تغلقها بأقفالها واحدا واحدا…كم هو جميل هذا الصوت…سأشتاق له!…حتى و إن كان هو بنفسه نذير شؤم في حياتي…إلى أنه يبقى جزءً و روتينا لا يمكن الاستغناء عنه…كنت أنتظر مصيري…من المعجزة أنهم قاموا بإنذاري قبل الإقدام على الفعل…من العادة أن يفعلوا ما يريدونه …أما أنا فسأعرف وقت التنفيذ…أنا لا أستبشر خيرا من هذا …لذلك قد لا يحدث أمر جيد…
في اليوم التالي استيقظت على اندهاش من الماء المتساقط على وجهي لدرجة أني ظننت لوهلة أنني أغرق…و لكن…عندما استدرت…وجدت أخي الحبيب يمسك علبة…أو لا أعلم ما كان ذلك…و يقطر منها بعض الماء…و ترتسم على محياه ابتسامة خبيثة…أو مستمتعة؟ …ربما راضية؟ …راضية عن عملك…هل تعلم أن اسمك مسحته صار غبرة من الماضي؟ …و حكمك صار غدارا مع رأفة القاضي؟ …لقد سكن في قلبي بركان خامد راكد…لو وهبته الدُّنى لا ينطفئ ناره إذا ما اشتعل و نشط…هل تعلم؟ …هل تدري؟ …هل تحس؟ …أم تستمتع؟…أو تتفرج على حالي المزري الكئيب؟…يا للسخرية! …أخي الحبيب تطوّع لإيقاظي…و بأي طريقة جميلة استعمل لإيقاظ أخته…بالطبع هذه الطريقة الجميلة المُستعملة بسبب أنها أنثى! …بحقكم …هل كان ذنبي أني ولدت على غير ما أردتم أن أكونه؟ …أو أنه بسبب قانونكم الرائع تفعلون هذا و تستمتعون به؟ … لقد تحدث و قال أن الميتم في انتظاري!! …ماذا؟! …ميتم؟… أي ميتم هذا؟ …أعتقد الآن بأن الصورة قد إتضّحت …و لم يعد ذلك لغزا بعد هذا الكلام…مصيري القادم هو: الميتم.
و أي مصير هذا الذي أنتظر؟ …لم يستغرق الأمر طويلا حتى يتخلصوا مني…عجبا!! …هل هو سهل يسير أن يتخلى الناس عن فلذات أكبادهم؟، و بطريقة كهذه؟ …بكل بساطة…يتم إخباري أني سأذهب إلى الميتم…إسمه "ميتم" …و هو للأشخاص اليتامى، و أنا من الآن أعتبر نفسي يتيمة …لا سند أو معينا معيلا أو قريبا لي …هذا ما سأجعله راسخا في عقلي…و أعتبر أيضا بأن عائلتي ميْتة و غير موجودة…لأنظر إلى الأمر من الناحية الإيجابية…أ لن أتخلص منهم حتى و إن كان الميتم مكانا سيئا …أو قد يتم إيذائي فيه …و لكن طعنة على يد أي شخص أهون من طعنات أشخاص قريبين لدرجة "كبيرة " …ما باليد حيلة…كل ما يمكنني فعله هو المزيد من الإنتظار و الإنتظار…كما عُهدت أن أفعل دائما…ثم كم أنا متشوقة لأرى الخارج…المكان الذي لم أره من قبل أبدا…كم أريد رؤية السماء عن كثب…و ليس لمحها من نافذة الممر عند سحبي حين يأتي أحدهم لضربي…
كم هو محزن …أن يتم رميك هكذا…دون أن تقترف أي خطأ …كم هو محزن أن تشعر بالوحدة دائما في مكان مغلق… حدوده أربع جدران ألوانها باهتة…كم هو محزن أن تنتظر شيئا بعيد المنال…شيئا لن يأتي أبدا…كم هو محزن أن تعاني بمفردك…بينما الكل مستمتع…في الوقت الذي تريد فيه أن تصرخ بكل إستطاعتك حتى تبحّ أحبالك الصوتية بأنك تحتاج المساعدة…و لكن مع الأسف الشديد ما من مجيب لنداء الإستغاثة…كم هو محزن أن تعتقد أن الأمور بخير …و توهم نفسك بذلك…في حين أن السهام تَرْشقك من كل نحوٍ و صوب…و كم هو محزن أن يتم خذلانك بأبشع الطرق من طرف الأشخاص الذين من المفترض أن يساندوك في كل وقت.
هي حياتي
هي أيامي
هو قدري
هو حلمي
هو منامي
هو كياني
هو فؤادي
كل ما يجري في هذه الأثناء …مجرد حياة قديمة…رشا هو إسمي…و نحو محاولة حب الحياة أبتغي…و إلى عائلتي لا أنتمي…
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top