الفصل الثاني عشر

أهلا بكِ في العرين


ملاحظة: الرواية ليست للنسخ و الإقتباس أو الترجمة و
غيرها.

ماذا لو بقيت كل الأشياء مجرد أوهام طاغية...لا يمكن التخلص من مكرها ...و دهائها و حذاقتها...ربما يمكن فقط السقوط في فخاخها...تلك الفخاخ التي نسجها أقرب من إليك...و من هو أحب إلى قلبك ...و مع ذلك يكون ذلك مجرد تمويه ليعرقل تقدمك كي تقع في تلك المصيدة.

هاؤم البشر يحلفون و يحنثون و يعدون و لا يوفون و يقولون و لا يصدقون و يقتلون و يعزون و يحيون و يموتون و يكرهون و يحبون و يستمتعون و يعذبون و ينفقون و يستكثرون
تناقض! ...تناقض بمعنى الكلمة!
و لكن حياة البشر كلها تناقضات جما ... لا عد و لا حصر لها...و الأكثر جدلا هو أن هذا التناقض هو نفسه السبب الوحيد في بقائهم و السبب الوحيد في عدم ذلك و السبب الوحيد في مشاكلهم...حتى في هذا يوجد ما يعرف ب: *التناقض*

فخامة سعادة نعمة سيادة البشري لا يمكنه العيش من دون التناقض ...ربما هو جزء متصل بأحد الأعضاء الحيوية الحساسة؟.

الغاية الرئيسية من وجود البشر معروفة تماما للأذكياء و لكن نظائرهم المتناقضة لا تعرف ذلك أو قد تتهرب منه...البشر! كلمة غريبة فعلا! ...لي الحق في أخذ القليل من ما بين السطور ...للحديث عن الأمر الخلل الجلل...مع ذلك الغاية الأساسية من هذا هو "المنتقمة" عاشقة الإنتقام و عشيقته المنسية ماضيا إستيقظت و بقوة عادت عودة لا مفر من هارب الماضي منها و لا مفر للجاني القديم فيها.

"يا أهلا و مرحبا بقدر حلو جميل و قلب منفطر و آه منكسر"

"تكهرب" هي الكلمة الوحيدة التي يمكن وصف هذا الموقف بها، مجرد "تكهرب" فذّ في هذا المكان الذي يحتوي شخصين و حسب.

تاي

لم أتوقع أبدا ردة الفعل تلك التي قابلتني بها و الصد الذي واجهتني به، مع أنني كنت أنتظر استيقاظها بفارغ الصبر إلا أنني أتمنى الآن أن تنام مرة أخرى لأتأمل ملامحها البريئة مرة و مرة و أخرى و بعدها …حتى تتألق صورتها داخل مخيلتي و يحفظها كل جزء من عقلي بكل جزء منها، وتراها مُقلتاي و تَشْبَعَ مِنْ صورتها حتى النّخاع، و لكن …هذا كان بسبب ردة فعلها المبالغة، أم أنني صرت حساسا فجأة لهذه المواقف …آه كيف حدث أمر جلل كهذا في حياتي البائسة؟ …لا أعلم حتى متى بدأ هذا و لكني على يقين بأن قلبي من المستحيل أن يخطأ شعوره بعد كل تلك التجارب…التجارب التي صقلت عزمي …التجارب التي أنهكتني…التجارب التي أرسلتني بركلة من القمة إلى الحضيض و أسقطتني…التجارب التي جعلت عيني ماهرة في قراءة وجوه الأشخاص و تمييز الخبيث منهم و القضاء عليه و إبادته…تــجــــا ر ب.
مرة أخرى رفعت رأسها لي بتحد و ثقة و باتت عيناها تراقبان عينيّ و ترمقانني بنظرة ثاقبة نارية متأججة…عندها علمت بأن الصداع قادم!! كنت أدعو في سري أن لا تبدأ الحديث، لانني أعلم هذه النوعية من الأشخاص إذا ما بدأت فلن تنتهي ' جريدة ' و كلام كثير طويل عريض لا ينتهي! صداع صداع!!!  كنت أدعو داخلي و لكن دعوتي لم تُستجب لأنه و كما هو واضح بأن فمها سيفتح بئرا يبتلع الكلمات و لن تصمت! لقد حركت شفتيها و ستبدأ الحديث. و أنا لا أزال أدعو أن لا تقول تلك الجريدة التي تفكر فيها و لكن لا! فقد خاب ظني البائس. حين بدأت و قالت كلامها ذاك الذي شعرت بأن رأسي سيفقع من شدة محاولة دماغي المستميتة في عملين، الأول هو محاولة مجارات سرعة قذفها للكلمات و الثاني محاولة استيعاب ما تقوله

شيماء: كيف تجرأ على هذا أيها الشخص الغريب، محاولة أن تكون شخصا نبيلا لا تليق بأمثالك و لا تعجب أمثالي يا هذا، و إن كنت تظن بأن قول أنك قمت بإنقاذي سيمنعني من إسماعك كلاما يصم أذنيك فأنت مخطأ جدا، يا قليل الأدب و الذوق و الوجدان و الحياء و الذمة يا هذا، هل تحاول أخذ استعطافي بهذه الأفعال الغبية التي تشبه وجهك الآن؟ لا أعلم من أنت و لا أهتم لهذا و لن أشكر صنيعك و لا يهم ما إذا كنت تظن بأني ناكرة للجميل، فأمثالك لا يستحقون الشكر و الثناء بل الذم و البلاء!!، لم أعتقد أبدا بأني سأقابل شخصا وقحا مثلك، حتى أنك تخطيت الوقاحة بأدوار كثيرة!، من أين أحضرت هذه الجرأة أيها الشخص، إن كنت تحاول مطاوعتي فهذا لم ينفع أبدا، عليك أن تكون أكثر ذكاءً لتوقع إمرأة في شبكتك أيها الغبي. و الآن فلتبتعد من أمامي لأنني أريد الذهاب من هذا المكان النجس الذي يشبه صاحبه أيها الغريب المجنون. و إن اعتقدت بأني إنسانة متعصبة!، ففكر بما تشاء عني، هيا ابتعد و أفسح المجال لأشخاص ليسوا من أمثالك!.

كانت ستقف و لكن لم تستطع ذلك، بعد أن وضعت يدها على بطنها، علمت أنها تتألم من ذلك الجرح، آه، كيف تريد هذه الفتاة أن تشفى و هي تتحرك كثيرا. و لكن هذا غير مهم الآن، فلقد تذكرت إهانتها التي كانت على شكل جريدة بمعنى الكلمة، جعلتني أشعر و كأني شخص بغيض، لا يمتلك أي احترام لذاته، و مع ذلك…كانت هذه الفتاة هي أول واحدة تجعلني لا أُسمِعها ما يرضيها…ربما لأنها دخلت قلبي و غمرته بمشاعر رائعة من أول نظرة رأيتها فيها. لذلك قررت أن أتغاضى قليلا عن فعلها هذا …و أحاول كسب رضاهامهما كلف هذا الأمر…جعلتها تستلقي مرة أخرى، و وسط تجهمها كنت أراقب ملامحها تلك…كانت تبدو كطفل غاضب من سرقة حلواه…نظرت هي إلي بدورها …و كأنها تريد الفتك بي…كم كان منظرها مضحكا…

لهذا قررت أن أوضح موقفي لديها…فهي حاليا تراني كشخص بغيض ليس إلا…شخص يحاول أخذ مودتها…و ربما تظنني أسوء من ذلك…ربما حتى شخصا منحرفا بالنسبة إليها…لم تكن وجهة نظر الناس عني مهمة يوما ما و لم يكن يهمني إن كان يكرهني أي أحد…و لكن…هذه الآنسة…لا يمكن أن تبقى صورتي مشوهة لديها…لن أدع هذا يحدث أبدا.
فتكلمت بعد صمت طويل: آنستي، أنا لا أحاول فعل ما تتخيلينه و ترسمينه، أو حتى تفكرين به، فلتعلمي رجاءً بأنب لا أكنّ لك أية مشاعر كارهة، أو تفكيرا منحرفا، لم أفعل شيئا سوى محاولة مساعدتك، لأنني تخيلت بأن أختي الصغرى وصال غي مكانك، و لهذا السبب لا غيره، أردت حمايتك…أتمنى أن تصدقي قولي هذا و لا تظني بي سوءًا مرة أخرى حتى تفهمي موقفي…فالحكم على الناس بهذه الطريقة يا آنسة…مؤلم جدا إن لم تعلمي ذلك…قد يجعلك هذا تخسرين أحدا يوما ما …لذلك فلتعدي هذه مجرد تجربة تجعلك تتعلمين شيئا جديدا في الحياة، أنا لا أضمر لك الشر، و لا أنوي على شيئ سيئ، لذلك …أتمنى أن تفهميني، و وجهة نظري هذه، فهنالك أشخاص لا يغفرون مثل هذه المواقف، و أكثرهم الأصدقاء…

ثم ذهبت بعد ذلك بهدوء مغلقا الباب ورائي…كم تمنيت أن تفهم كلامي حرفيا من دون سوء في الظن…كم أتمنى أن يحدث ذلك…قد كان ما قلته من كل قلبي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى…ما عدا شيئا واحدا قد قلته كاذبا…و هو أنني لا أعتقد بأنها كأختي وصال أبدا…من أول نظرة اعتبرتها …صديقة…حبيبة…حتى أنني لم أعلم متى نهض هذا الشعور بداخلي…لست متأكدا من مشاعري حتى الآن…و لكن الشيئ الذي أنا متأكد منه و بشدة…هو أنني لن أدعها تفلت مني بسهولة…سوف أحميها بكل ما أوتيت من قوة …سوف أحميها…مهما تطلب الأمر من جهد…الوقت وحده كفيل بهذا.

شيماء

كانت تلك الكلمات مثل صفعة على خدي، و في كلكلمة قالها أحسست بأنه يعرفني و كل ما أمر به…شعرت بأنه قد قام بإضافة الملح إلى الجرح…و كأنه يفهم سبب فعلي هذا، و قد قال ذلك ليعيدني إلى الطريق الصواب…لقد كانت خطتي تقتضي أن أبتعد بقدر الإمكان…كنت أعلم بأن غريمي هو الشخص نفسه الذي ذهبت أسماء في ذلك اليوم لمواجهته…الشخص الذي قام بقتل والدي قبل سنتين…قُتلا أمام عيني …كان يرتدي قناعا أسودا…و لكن عيتيه بارزتان…بعد أن أتم عمله استدار إلي…و ابتسم…علمت أنه فعل ذلك …مع أني لم أرى ابتسامته إلا أنني قد رأيت عينيه و هما تبتسمان بكل شرّ…كان مستمتعا بكل ما فعله…تحت صرخاتي تعالت ابتسامته…كنت ذاهبة لتصفية حسابي معه في هذا اليوم بالذات و لكن… آلت الأمور إلى غير نحوها و صوبها… فها أنا الآن هنا…و كأن القدر وضعني هنا …ليخبرني هذا الشخص الغريب بأنني على خطأ…و لا جدوى من حركة انتحارية كهذه…لم يكن هذا سوى تهوّرا…كنت أعلم من قبل أن أسماء تسعى للإنتقام …للإنتقام لنا جميعا…من أجل نفسها…و من أجلي…و من أجل الدموع التي ذرفتها كوثر ذلك اليوم…اليوم المشؤوم الذي غيّرنا جميعا…لم أعلم ما كانت تفعله أسماء بالضبط …بعملها في المخدرات و غيرها…و لكن …أعلم جيدا بأنها شخص لا يفعل مثل هذا …أعلم بأنها لا تحب الأذية…لطالما علمت بأن الأحاسيس التي نتشاركها جميعا مؤلمة…لكننا كنا نتصرف بمرح و سعادة…مع ابتسامة على وجوهنا لنقهر بها أعداءنا…لا أعلم ما تفعله…و لكني أعلم أيضا بأن ما تفعله أسماء هو أمر صائب…لم أدرك هذا من قبل حتى قابلت هذا الشخص الذي صببت فيه جام غضبي …لقد اتخذت قرارا مهما الآن…سأعود إلى صديقتيّ…أعتقد بأن كوثر تبكي الآن…و أسماء تبحث عني كالمجنونة…و سأعتذر من ذلك الشخص أيضا…الشخص الذي فتح بصيرتي …و نزع ذلك الغشاء من على عينيّ …لأرى خطئي و الحقيقة…ليته كان معي قبل أن أُقدم على فعل كهذا قبل قليل…ما الذي أقوله يبدو و أني قد تأثرت بكلامه بشدة…على كلّ حال…سأكلمه حال رجوعه…ياله من رجل…لماذا لم يحضر الطعام حتى الآن …أشعر بالجوع من كثرة التفكير و الكلام مع نفسي بهذه الطريقة…

في مكان آخر

أسماء

قد تعبت من كثرة التفكير المجهد…أين من الممكن أن تكون قد ذهبت…ألهذه الدرجة هي غاضبة؟ …أوصلت حدودها بالفعل؟ …كنت سأفسر الأمر بعد أن أعود إلى غرفتها…و أقول تفاصيل أكثر دقة و صدقا…عن ذلك الرجل اللعين …*البوس*. ذلك الرجل الذي قتل والديها أمام عينيها و هو يبتسم بكل شرّ…كم كرهت نفسي و أنا أضطر للعمل في تلك المجالات الكريهة…لم أكن أريد ذلك حقا…لم أرد أبدا أن يتأذى أحد من ما أفعله…و لكن إذا لم أكن قوية …فسأسقط نحو الهاوية و ستأكلني الذئاب البشرية…قبل أن أستطيع إعادة لملمة شتاتي أو حتى الوقوف ثانية لن يمهلني لحظة لاستعادة قوتي…هذا ما تعلمته بعد وقت قليل من دخولي إلى مجال المافيا…قانون رهيب يهز الأبدان…فإما أن تكون في القمة…أو تكون في الأسفل…إما أن تربح كل شيئ… أو تخسر كل شيئ…إما أن تقضي على الجميع…أو يقضوا عليك…في كل الأحوال لا خيار ثالثا…و لا خيارا سلميا…لا يأتي أحد هذه الخيارات إلا المواجهة…و السعي لهدف واحد و هو السلطة و حسب…السلطة لا غير…تفكير عميق …عميق جدا…بالإضافة إلى تلك المجنونة المألوفة…لم أعرفها…و لم أرها من قبل…و لم أفهم من كلامها الغامض أي شيئ…أوف…لقد ألهاني هذا التفكير عن الطامة الكبرى…و هي مشكلة صديقتي…آلاف الاحتمالات تراودني …و طميعها سيئة…هل خطفها البوس انتقاما مني؟ …أم أنها ذهبت من دون أن تنبس ببنت شفة؟ …لأول مرة أقف هكذا عاجزة عن فعل أي شيئ…و كأن يدي قد قُيّدتا بسلاسل و أغلال حديدية لا يمكن فكها…لم أجد الحل و لا السبيل …لقد جعلت كوثر تهدأ بشق الأنفس…و عدت إلى شركتي …لآمر أتباعي أن يبحثوا عنها…أتمنى أن يستطيع أولئك الأغبياء إيجادها…و إلا فستكون هذه هي نهايتهم…لا تزال الهواجس تراودني…خاصة أنها جريحة…لماذا حدثت كل هذه الأمور فجأة؟ …و من دون سابق إنذار…حدث كل هذا…إن علمت أن لذلك الكريه يد في هذا الأمر…فسأهدّم المكان الذي سيكون واقفا فيه ليصير قبرا له…لن أغفر له أمرا كهذا أبدا …مهما حدث…فسأنتقم…لا أنتظر سوى إشارة واحدة…و هي أن أعلم بأنه فعل لها شيئا و عندها ستكون نهايته …لقد مرّ وقت طويل بالفعل منذ حدث هذا الأمر و اختفت شيماء فجأة…لذلك نوبة قلقي تزداد أكثر…لأُعذّبنّك لتتمنى الموت…فلا تجدنّه أيها السافل…  قطع توعدي بذلك اللعين طرق على الباب فسمحت للطارق بالدخول على الفور…فقد تكون تقاريرا ما عن مكان شيماء… بعد أن دخل …تعرفت على هذا الشخص…إنه مساعدي الوفي …ريان…و الشخص الوحيد الذي يعلم بكل مخططاتي و أهدافي أيضا…لطالما كان شخصا وفيا يعتمد عليه…أعتقد أن عمل السكرتير ليس هيّنا…خاصة إذا ما كان هذا السكرتير متخفيا في هذه الهيئة …و هو في الحقيقة مساعدي في كل أعمالي…و منظّم بعضها…قد وثقت فيه كفاية لأكلفه بمهمة كهذه…فطلبت منه الجلوس و الحديث.

ريان: آنستي…لم يجد أتباعنا لها أثرا…و لكن و مع بحثي في كمرات المراقبة الخاصة بالمستشفى …بعد أن اخترقنا الكمرات بالطبع لأننا لا نملك وقتا لطلب الإذن…وجدت هذا.

كنت أرى كل شيئ و بوضوح…بعد أن قام ريان بفتح حاسوبه و تشغيل فِدِيُو …لقد تابعت كلّ شيئ حتى علمت بأنها قد ذهبت بمحض إرادتها…و التقت بشخصين بعد أن أغمي عليها…و من الواضح بأنهما قد أخذاها إلى مكان آمن بعد أن سمعت محادثتهما …و هما خائفان عليها…و خائفان أيضا من أن يتورطا في هذا الأمر…لذلك طلبت من ريان هذا.

أسماء: شكرا جزيلا لك على هذه المعلومات …ريان…لطالما كنت واثقة من أنني أستطيع أن أثق بك…أريد منك خدمة.

ريان: سأنفذها آنستي…و لا داعي لهذا المديح…فأنا تحت إمرتك بعد أن أوصاني بكِ السيد أندري قبل وفاته…أنت أمانته لكل الموظفين هنا.

أسماء: شكرا مرة أخرى …ريان…الخدمة التي أطلبها منك هي إيجاد مكان هذين الشخصين أو أي معلومات عنهما…

ريان: سأباشر حالا آنستي…

أسماء: نعم

في مكان آخر

سارة: حسنا …ها قد وصلنا…

رشا: لننزل إذا من السيارة

سارة: هيا

رشا: بالمناسبة…يبدو بأنك قد أنهيت وجباتك الخفيفة أثناء نومي في السيارة

سارة بغضب: نعم لم آكل سوى بعض الوجبات الخفيفة

رشا: حسنا …حسنا …لا تغضبي …هيا لنذهب الآن

سارة: هيا

في مكتب الدكتورة

الدكتورة: أهلا رشا

رشا: أهلا بك

الدكتورة: أممم يبدو و أن حالتك النفسية تحسنت هذه الأيام

رشا: ما الذي تقصدينه؟ حالتي النفسية بألف خير و عافية.

الدكتورة: من يدري؟ فأحدهم كان يتجهم كثيرا عندما كان في المستشفى.
لتضحك سارة بصوت عالٍ

رشا: مضحك جدا

الدكتورة: حسنا آسفة

سارة: أنا أحبك أيتها الدكتورة، فلديك دم خفيف جدا

الدكتورة: حقا؟

سارة: نعم

الدكتورة: على كل حال... ما رأيكما أن نبدأ الآن

رشا: نبدأ ماذا؟

الدكتورة: ما الذي تقصدينه؟ …ألا تعلمين بأننا سنبدأ محاولة استرجاع ذاكرتك؟

سارة: أوه، نسيت إخبارها

رشا: لا يهم …ماذا الآن

الدكتورة: حسنا…الخطوة الأولى هي مجرد إجراء ينعش ذاكرتك…و هو مناقشة فقط…هذه المرة…حيث سيكون بمقدورك تذكر أشياء بسيطة مع مراعاة عامل مهم…و هو أن لا نجهد عقلك بالتذكر كي لا يحدث أي خلل أو مشكلة…و تجنبا لحالة غيبوبة ثانية.

رشا: فهمت…إذا ما الخطوة الأولى؟

الدكتورة: الخطوة الأولى هي أن نبدأ من مرحلة الصفر…و الشخص الذي كان ملازما لك منذ سنوات هو الوحيد الذي يستطيع تذكر أشياء عنك…في هذه الحالة الشخص الوحيد القادر على ذلك هو سارة

سارة: أنا؟

الدكتورة: نعم…أريد منك أن تريها شيئا تعرفه هي جيدا قد يقوم بإنعاش ذاكرتها لتذكر بعض التفاصيل …حتى و لو كانت صغيرة…مثل صورة أو مكان…أو أحد ما…عليك التفكير معي …

سارة: حسنا…يمكنني أن أريها مكانا …و أنا متأكدة و بشدة من أنها ستتعرف إليه…

رشا: حقا؟

سارة: نعم…إنه مكان مهم لكلينا.. ستعرفيينه لا محالة…و سيذكرك هذا بكثير من الأشياء.

الدكتورة: هذا عظيم…إذا …لقد انتهت جلسة اليوم…أتمنى أن تذهبا من الغد…فأنا أتطلّع للنتائج.

رشا: حسنا

سارة: إذا…هيا فلنذهب.

رشا: هيا

بعد أن خرجتا و أغلقتا الباب

الطبيبة

غبيتان…أنا أعطيهما الطريقة الخاطئة لاستعادة الذاكرة …على كل حال …أنا أجني من هذا العمل أرباحا…طالما يعطيني والدها الذي يكرهها المال مقابل ذلك…فلا يهم ما يحدث لتلك الفتاة…صدمة كهذه لن تتحملها.

آه على زمن باع فيه طبيب ضميره المهني بكل جفاء… و بكل سهولة و يسر…

في مكان آخر

تاي

لقد حان وقت العشاء…و تذكرت بأني وقح جدا لدرجة أني نسيت أمر إطعامها…لذلك أمرت مساعدتي أن تقوم بطهي أشهى الأصناف لأجلها…عليها أن تعلم كرم ضيافتنا لها…خاصة بعد ما حدث قبل خمس ساعات…بعد أن أُعِدّ العشاء …ذهبت إلى غرفتها…فوجدتها منغمسة في تفكير عميق و شاردة…لدرجة أنها لم تسمع صوت طرق الباب و لا حتى صوت فتحه و دخولي أيضا…كانت في قمة و على حدود الشرود المطلق…فاقتربت…و قمت بوضع يدي أمام عينيها و التلويح بهما…فاستفاقت…و انتفضت فجأة…عندها طمأنتها …بحركة من يدي…ابتسمت، و هذا ما لم أتوقعه أبدا…فلقد كانت هجومية قبل قليل…فتحدثت إليها:

تاي: لقد أحضرت بعض الطعام…من المؤكد أنك جائعة الآن…لذلك أتمنى أن يعجبك هذا الطعام

شيماء: شكرا جزيلا لك …تاي

تاي: حسنا. لقد أخبرتك باسمي و لكن…ما رأيك أن تخبريني أنت أيضا باسمك

شيماء: آ آه. لقد نسيت ذلك تماما…حسنا…أُعرفُك بنفسي…أنا شيماء

تاي: إسم جميل

شيماء: أنا آسفة حقا عن ما حدث سابقا…لم أكن أعي ما أقوله…لقد اختلقت حجة فقط…لكي أفرغ جام غضبي على أحدهم.. آسفة مرة أخرى

تاي: لا …ليس عليك الاعتذار…فأحيانا…حتى الصراخ و الغضب لا يفيد…بل يجعلك تشعرين بأن الأمور أضخم و أعقد بكثير من ما هي عليه…يمكن لبعض الحديث أن يخفف عنك…و لبعضه أن يزيد الطين بلّة…لا يمكن الحكم على الآخرين من لحظة غضب.

شيماء: كما فعلت أنا سابقا

تاي: لا بأس شيماء

شيماء: حسنا

تاي: ما رأيك أن تبدئي الأكل الآن

شيماء: حسنا

تاي: هيا

شيماء

لا أعلم لماذا و لكن…هذا الشخص…و من دون سابق إنذار…شعرت معه بأمان شديد لم أشعر به من قبل…كان كلامه سابقا كصفعة أعادتني إلى الوراء لحظات …أما كلامه الآن فجعلني أشعر بالدفئ…كأنها نصيحة أخوية…علمت بأن نواياه لم تكن سيئة أبدا…حكمت عليه بطريقة سيّئة حقا …و تحدثت بكلام مسيئ جدا…و هو الآن يقول "لا بأس" أعتقد بأنه رجل لغز حقا…لديه شعر طويل…و ملامح مختلفة…تزيده جمالا…و وسامة…كحكحكحح لقد غصَصْتُ في الأكل لأنني تذكرت شيئا مهما قد نسيته للتو …كنت أنتظره ليأتي و أناقشه معه…قد ناولني كأسا من الماء…و طبطب على ظهري…و سألني ما إذا كنت بخير أو لا فأجبته بأننب بخير…بعدها طلبت منه الحديث.

تاي: هل من أمر ما؟

شيماء: نعم …مهم جدا…أريد أن أخبرك عني

و أخبرته بكل شيئ …إبتداءًا من وفاة والدي …إلى أسماء و سبب إصابتي و كوثر و عن حياتي و كل شيئ…و الخطة الغبية المتهورة التي كنت سأقدم عليها أيضا…و ندمي حاليا على ما كنت سأفعله…و عن قراري في العودة إلى صديقتيّ…بالطبع، ستكونان قلقتين علي …بعد أن اختفيت فجأة من دون أية كلمة…أوه …كيف فعلت أمرا متهورا و غبيا كهذا …كنت أظن بأنني لست بهذه الحماقة…و أعقل من ذلك بكثير…و لكن …أنا مخطئة الآن…بعد أن أدركت أن صديقتيّ ستكونان منهارتين بعد هذا…أخبرته بكل شيئ…و هو ظلّ صامتا طوال الوقت …يستمع إلى كل ما أقوله حرفا بحرف…من دون مقاطعتي…كان يستمع إلي و لا يُبْدِي أيّ ردّة فعل البتّة …و بعد أن انتهيت …ظلّ صامتا أيضا…

شيماء: تاي…؟

تاي: نعم؟

شيماء: إذا؟

تاي: ماذا؟

شيماء: هل أنت مندهش؟

تاي: نعم…مندهش جدا …و لا أعلم ما أقوله لك…و لكن…فلتعلمي…أن الثقة بالأصدقاء أمر مهم جدا.

شيماء: كما أخبرتك…أنا سأرحل غدا

تاي: إبقي قليلا …جرحك لا يزال جديدا

شيماء: لا…لقد أرعبت صديقتيّ بما فيه الكفاية…لذلك علي الرّحيل

تاي: حسنا

كانت تبدو في ملامحه خيبة أمل كبيرة …أنا أيضا كنت خائبة الأمل…فقد تمنيت البقاء أكثر معه…كان شخصا صدوقا…مع أنني التقيت به ليوم واحد…و لكني… و بفضل حدسي…أدركت بأنه شخص جيد…يمكن الوثوق به…العالم حقا مليئ بالمفاجآت…فبعضها تؤذينا و تؤلمنا…و بعضها تحمينا و تعلمنا…و قد تعلمت اليوم درسا مهما جدا…و هو •الثقة•  ـ غدا سأعود إلى صديقتي…و معا سنمحي ذلك الرجل الغبي من الوجود…معا سنفعل هذا…مندون خوف …أو تلكّئ أو حتى انسحاب…سنتقدم…سنكون هذه المرة أول من يهاجم…فأفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم.

في مكان آخر

أسماء

لقد كنت أنتظر…أنتظر على أحرّ من الجمر…أي نبأ أو خبر أو حتى دليل يقودني إليها…أكاد أنفجر من التفكير الذي يقودني إلى الجنون…و قد فُتِح باب مكتبي الآن على مصرعيه…و علمت حينها بأنها كوثر من فعلت ذلك…بعد أن رأيت وجهها الأحمر من الغضب…و الشيئ الذي جعلني أحتار…هو لمعة في في عينيها…و كأنهما تحكيان قصة محزنة…وراء هاتين العينين…حزن و ألم…وراء هذا القناع لمعة من الدموع و الأسى…دموع خذلان و انكسار…دموع تشتّت…مع أن تلك الدموع لم تغادر محجريهما…إلا أنني اكتشفتهما…أنا أعرف هذا الوجه جيدا…وجه مُحبط…جلست على أحد المقاعد الجلدية خلف مكتبي…و لم ترغب إحدانا في الحديث…كانت كلتانا تعلمان أن الصمت هو الحل الوحيد في أمر كهذا…و الإنتظار لا غير…كانت شفتاها مقوّستان…دليلا على حزنها…و أنا لم أستطع تخفيف أي شيئ عنها…لم أستطع فعل أي شيئ لها…سوى النظر بعيدا…لم أستطع النظر في عينيها…لم أستطع فعل ذلك أبدا…كنت أعلم بأني مذنبة …أشد ذنب…كنا معا ننتظر…و طال الانتظار قُرابة الساعة…و مع ذلك لم تتحدّث إحدانا إلى الأخرى…كانت صامتة…و أنا قررت الصمت أيضا…و أنا متعمّقة في التفكير سمعت طرقا على الباب…و كم تمنيت أن يكون ريان…قلت: أدخل…فدخل …و كم كنت سعيدة عندما رأيت ريان يدخل إلى مكتبي…علمت بأنه يحمل إلي أنباءًا سارّة …عندها ابتسمت…فنظرت كوثر إلي…و ابتسمت هي بدورها أيضا …فقد علِمت بأن وراء هذه الابتسامة أنباء سارّة…كان الإتصال بالأعين و الابتسام …هو أول محادثة جرت بيننا حدّ الساعة…طلبت من ريان أن يجلس…كان هو أيضا يبتسم…فأتت كوثر أيضا و جلست معنا …حولنا بالمعنى الأصحّ…كنت في مكتبي…و ريان في الكرسي المقابل لي في الجهة اليسرى… و هي أيضا في الجهة اليمنى…

أسماء: ريان…هل من أخبار؟

فتحدّث على عُجالة و كأنه لا يعلم إن كانت تلك المعلومات التي أحضرها إليّ ذات فائدة أو لا.

ريان: لقد وجدت بعض المعلومات بالفعل…و عند تتبع سيارته بعد التقاط رقمها بكمرات المراقبة…وجدت بأنه شخص عادي…و لكن المعلومات الأدق هي أنه شخص مريب جدا

كوثر: من هذا الشخص؟ و ما دخله بشيماء؟ …و لماذا تقول بأنه مريب؟ 

أسماء: أنا لم أخبرك لأنني ظننت بأن هذا هو أفضل شيئ عليّ فعله…و لكنّك الآن تستمعين …لذلك سأشرح لك…بعد أن تفحص ريان كمرات المراقبة، وجد بأن أحدا ما أخذها معه بعد أن أُغمي عليها.

كوثر: أُغمي عليها؟

أسماء: نعم…لذلك علمت بأنها خرجت طواعيّة …و من المحتمل أنها فرّت هاربة من شيئ ما

ريان: لا …تفحصت كمرات الغرفة التي كانت فيها أيضا…و وجدت بأنها خرجت بعد خروج الآنسة كوثر لإحضار الماء…و ذهبت متسللة إلى الخارج…و كما يبدو بأنها لم تستطع احتمال ألم الإصابة …فأُغمي عليها عندها.

أسماء: هذا صحيح…بعد أن أخذها ذلك الشخص معه، طلبت من ريان تتبُّعَه و جلْب معلومات عنه.

كوثر: و ماذا الآن…هل وجدت شيئا ما؟

ريان: أحاول أخباركن به منذ وقت طويل…

كوثر: آه …آسفة…تفضل بالحديث.

ريان: بعد تتبع رقم سيارته وجدت بأنه شخص مريب…كما قلت سابقا…المريب في الأمر هو أنه كان يحمل عند الولادة و حتى العشرين لقبا…و بعد العشرين من عمره قد تم تغيير لقبه إلى لقب آخر…و عودة إلى هذا الموضوع…وجدت بأنه من المحتمل أن تكون شيماء بهذا المكان.

و أدار حاسوبه المحمول الذي يعرض خريطة قام بتكبيرها حتى ظهر منزل…منزل كبير.

أسماء: تقول من المحتمل؟

ريان: نعم…فلا مكان آخر غير هذا توقفت فيه السيارة

كوثر: ما الذي سنفعله الآن؟

أسماء: سننتظر

كوثر: ننتظر!؟

أسماء: نعم…ننتظر الصباح…و عندها نذهب إلى ذلك المكان…و نعيد شيماء.

كوثر: و لماذا ليس الآن؟

أسماء: ذلك الشخص لا يبدو عليه أنه ينوي أيّ شرّ مطلقا …لذلك و كما تعلمين …الوقت متأخر…لذلك سنذهب غذا صباحا.

كوثر: حسنا …إن كنت تقولين ذلك…و لكن لن أقبل أن يتأجّل الأمر أكثر من الصباح على الساعة الثامنة.

أسماء: و من قال بأنني سأُأَجل هذا …سنذهب على الثامنة كما قُلتي

كوثر: و الآن؟

أسماء: ماذا الآن؟

كوثر: ألن تذهبي للنوم؟

أسماء: ليس بعد …لديّ بعض الأعمال التي عليّ إنجازها…سأنام بعدها

كوثر: لا تعالي الآن.

و سحبتني من يدي عنوة إلى السيارة للذهاب إلى منزلي. فصرخت قبل ذلك لريان

أسماء: ريان …لا تنسى إغلاق باب مكتبي بعد أن تخرج…لديك المفتاح

بعد ليلة لم أستطع النوم فيها و لا حتى التفكير بطريقة ملائمة للانتقام من ذلك الرجل الخبيث المدعو بالبوس…إستيقظت على السادسة صباحا …فاتجهت إلى المطبخ…و في طريقي إليه لم أجد أي مساعدة أو حتى مدبّرة المنزل…عادة ما يعج هذا المكان بالضجيج صباحا من الحركة المستمرة لهم أثناء القيام بالتنظيف …دخلت المطبخ…فاشتممت رائحة زكيّة جدا…استدرت إلى مصدر الرائحة…فوجدت قدرا على الموقد …كانت رائحته زكية جدا…فاستدرت إلى الجهة الأخرى…فوجدت كوثر تقطّع شيئا ما بواسطة السكين…و بعد أن اكتشفت وُجودي استدارت…و ابتسمت…و عندها علمت بأنها راضية

كوثر: لابد و أنّكِ قد اكتشفت عدم وجود المساعدين و المدبّرة…لقد أعطيتهم إجازة…لأننا سنعبث بمنزلك قليلا بعد حضور شيماء

أسماء: و لم لا نعبث بمنزلك؟

كوثر: أسماااا

أسماء: حااسنا …حسنا…ما الذي حضرته؟

كوثر: أخرجي من المطبخ و اذهبي إلى صالة الطعام و سأحضره إليك

أسماء: المنزل منزلك حبيبتي…خذي راحتك فيه

كوثر: ما الذي يعنيه هذا؟

أسماء: لا… لا شيئ أبدا… سأكون في صالة الطعام…

بعد تناول الطعام و الانتهاء منه كانت الساعة السابعة و النصف صباحا

أسماء: بعد أن انتهينا …ما رأيك الآن أن تذهب كلتانا لتجهيز نفسها…من أجل أن نذهب إلى شيماء

كوثر: هيا علينا أن نذهب حالا.

و بعد أن انتهينا شققنا طريقنا إلى الباب كي نخرج و نذهب إلى المكان المقصود بعد أن أرسل ريان إلي الخريطة التي توصل إليها…و عندها كانت الفاجعة العظمى…عندما فتحت كوثر الباب و شهقت بصدمة…و عندها نظرت أيضا لما خلف الباب…فوجدت يدا كانت على وشك الضغط على زرّ رنّ جرس الباب…كانت هي شيماء…و معها أتت صدمتي الكبرى حين نظرت إلى وجهها…كانت شيماء…و معها شخص ما …تستند عليه…و هي واهنة ضعيفة…علمت بأن هذا بسبب الجرح و لكن الصدمة لا تزال عالقة… أنا أنظر إليها…و هي تنظر إلي و كوثر تنظر إليها…و نتبادل النظرات !!!

********                                         ********

4157 كلمة.

هذا الفصل هدية مصالحة لصديقتي شيماء… و هو أطول فصل أكتبه…و أرسل إليها كلمة: "آسفة" من أعماق قلبي
Je suis vraiment désolé mon amour et mon amie chaima❤ toi et toutes mes amis …

فليعلم الجميع بأن الأصدقاء نعمة…لا يجب التفريط فيها بل المحافظة عليها

دائما و أبدا

و بما أنني بعيدة فهذا الفصل هو هدية عيد ميلادك المتواضعة المتأخرة💕❤
من كل سنة 16 juin

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top