المشهد الرابع

استلقيتُ على السريرِ الغير مريحٍ لغرفتي بعد يومٍ كاملٍ من اتباع الجدول، تشانيول كان مستلقًا بجواري، ذراعاه تلفان جسدي الأصغر حجمًا. أنفاسه بطيئةٌ دافئة حين تلطم قفى عنقي، نظرتُ للساعة التي تري أنها أصبحت الثانية عشرة واثنان وأربعون دقيقة بعد منتصف الليل، على الرغم من كم كنت مستنزف الطاقة عقلي أبقاني يقظًا، أكرر الجدول في عقلي مرارًا عَلِّيَ أخِرُّ نائمًا.

السادسة صباحًا: الاستيقاظ.

السادسة والربع صباحًا: أخذ سترة مضادة للإشعاع من عمال الخدمة، وتسليم السترة السابقة والملآت ليقوموا بتنظيفها.

السابعة إلا ربعًا صباحًا: أخذ حمام صباحي وإلى ما هنالك من الإحتياجات الصحية.

السابعة والنصف صباحًا: طعام الإفطار.

الثامنة صباحًا: التجمع في الغرفة الكبيرة للرصد.

الثامنة والنصف صباحًا: الفحص الصحيّ. وهو ذات الوقت التي تقوم السيدة تشوي بأخذ تشانيول معها للتدريب الطبيّ.

التاسعة صباحًا: العودة للغرف واستخدام معداتٍ للتنظيف العميق الضد إشعاعي.

التاسعة والنصف صباحًا: الإستعداد للمهام الصباحية.

العاشرة إلا ربعًا صباحًا: تلقي تكليفٍ من عمال الخدمة والشروع في تنفيذها. اليوم كانت لديّ مهمة تنظيف الأطباق في المطبخ.

الساعة الثانية عشرة ظهرًا: الغداء. هذا الوقت الذي ينظم فيه تشانيول إليّ حتى نهاية اليوم.

الثانية عشرة والنصف ظهرًا: العودة للغرف والاستعداد لمهام بعد الظهر.

الواحدة ظهرًا: العودة للتكاليف. هذه المرة غسلتُ أطباق الغداء، وهذه المرة تشانيول فعلها معي.

الثالثة والنصف عصرًا: العودة للغرف والبقاء فيها حتى يتم فحص المنطقة، فحوصاتٌ ومحاجر صحية ستكون متطلبة للتأكد من سلامة الجو. في هذه المدة، أنا وتشانيول بقينا نتحدث عن أحوال تدريبه.

الرابعة والنصف بعد العصر: الإعلانات والفحوصات. إذا تم ذكر اسمك في نظام الإعلان الداخلي رجاءًا غادر غرفتك والمعاونون سيصطحبونك لحيث يجب أن تذهب، إذا لم يتم ذكره رجاءًا ابقَ في غرفتك حتى النشاط التالي.

الخامسة والنصف مساءً: العشاء.

السادسة مساءً: العودة للغرف والاستعداد للمهام المسائية.

السادسة والربع مساءً: العودة للتكاليف.

الثامنة مساءً: العودة للغرف.

الثامنة والربع مساءً: أخذ حمام مسائي وإلى ما هنالك من الإحتياجات الصحية.

التاسعة مساءً: استلم ملآتك المعقمة وجهز فراشك، رتب أي شيء في غرفتك إن لزم، استدعِ أحد عمال الخدمة إن احتجت المساعدة في أي شيء.

التاسعة والنصف مساءً: الإعلانات الليلية، الخُطب والتعهدات.

أرجوك كن على استعداد بتكرار ذلك في الغد، شكرًا لك.

صديقي عدل من نومه، وذراعاه قامتا بضمي جيّدًا، أطلقت زفيرًا عميقًا، وجسدي أخيرًا وقع للنوم.

~~~

بدأ اليوم كما الأمس ممدودًا وخالِ الأحداث. استيقظنا أنا وتشانيول على صوتِ صراخ المنبه المزعج، وضعنا ملابسنا المتسخة وملآتنا في الأكياس ليتم تنظيفها، حمام، واتجهنا للإفطار. تناولنا بيضًا وخبزًا مبالغ في طبخهما قليلًا، لكن منذ أننا لم نملك إلا أكل طعام محدد، لا أحد أولى الإحتجاج اهتمامًا. بعدها توجهنا للرصد والفحص الطبي، تشانيول غادر للتدريب وأنا عدت وحدي لتنظيف الغرفة. ثم استلمت تكليفي اليوميّ، وعوضًا عن الصحون هذه المرة، كان لدي غسيل الملابس، وبقيت أفعل حتى قابت تشانيول للغداء. اليوم تناولنا رامين مبهرًا، أكملنا مهام بعد الظهر. ذهبنا لغرفنا وبقينا أثناء فحص المنطقة. الآن الساعة الرابعة والنصف بعد العصر، والصافرات بدأت باستدعاء المعلنين عنهم في نظام الإذاعة الداخلي.

"هذه حكومة الجمهورية الكورية الشمالية، رجاءً استمعوا جيدًا للإعلان القادم" الصوت الآلي صدح من أعلى بابنا.

دبتْ أغنية مخيفة قديمة عن الولاء لحكومتنا، تفيد كلماتٍ مثل "أيها الذي قد قدمت لنا الكثير، نسلم إليك قلوبنا. أثق بالوطن كالعائلة، والوطن سيثق بي" إنها أغنية قومية قديمة، كتبت على يد جنرال كوري قبل مئات السنوات. سبق وسمعتها عديد المرات حتى شعرت بها تفقد هيبتها. الأغنية انتهت بعد زوجٍ من الدقائق وصوت الرئيس ظهر.

"رئيسكم يتحدث، أتقدم بالشكر لكل من اتبع جداولنا بتمامٍ وطاعة. جميعكم تجاوزتم توقعاتي وأتمنى أن يستمر الأمر مستقبلًا" الرئيس جايشين قال واقتطع حديثه لوهلة قبل أن ينتقل لحديثٍ آخر "فحوصات اليوم أخبرتنا عن زيادة في مستوى الإشعاع. لكن كنا قادرين على تنظيفها  بدون صعوبات على كلٍ. قد تطلب الأمر لأجل حمايتكم وسلامتكم، فريق الأطباء المختصين وأنا منذ الأن فصاعدًا سنفرض عليكم ارتداء أقنعة تنقية الهواء طوال الوقت. وتلك سوف توضع أمام أبوابكم في غضون ربع ساعة"

بقية الإعلانات كانت كالبارحة، الرئيس نادى الأسماء التي لم تشملني أنا وتشانيول. وأعطى آخر ملاحظات الإحترام والتقدير تاركًا الأغنية المخيفة تصدح قبل أن ينهي الآعلانات كليًّا.

حولت نظري لصديقي الذي كان جالسًا على كرسيٍّ جوار وقوفي، ساعتها هو وقف ودفع الكرسي تحت الطاولة في مقدمة الغرفة، مشى للسرير وارتمى على ظهره يفرد ذراعيه هنا وهناك قبل أن يتنهد.

"أتساءل كم سيستمر هذا، كم سيتحتم علينا البقاء هنا؟" قال، وأنا توجهت نحوه واستلقيت جواره على إحدى ذراعيه ليضمها حيثُ اقتربنا، لم نملكك سوى الحملقة في السقف.

"لا أدري يول، لكن أتمنى أنه ليس للأبد" قلت، وهو تنهد مرة بعد قبل أن يضمني إليه.

"أنا متعب بيك، لتبقَ لدي لوقت" تمتم بتعب، حتى لو لم أتمكن من رؤية وجهه سأتمكن من تقدير شكل عينيه الشبه مغلقة. فابتسمت وأومأت قبل أن أغلق خاصتي.

استلقيت هناك براحة أمتص قدرما يسعني من دفء صديقي وأنا مريحٌ عينيَّ أستغل الفرصة حتى  صول الأقنعة عند بابنا. عندما دقت ساعة الخامسة مساءً زحفت خارج السرير، أتأكد من ألا أقوم بإيقاظ صديقي النائم، بهدوء فتحت الباب والتقطت الغرض الذي ينتظرنا خلفه. وحين دخلت توجهت للحمام لاستكشاف كيف أرتدي القناع دون الارتكان لتشانيول، ويالمفاجأتي السارة، كان القناع سهل الاستخدام. يتطلب فقط أن أضبطه حول فمي وأنفي وأربطه حول رأسي. قررت أن إيقاظ صديقي ليرتدي خاصته العمل الأنسب الآن لذا غادرت الحمام.

"ويكي ويكي" غنيتُ أخطو نحو النموذج النائي الحبوب على السرير. ابتسمت حين صعدت عليه، كلا ركبتي بجانبه قافزا ككرة السلة أوزع الضربات على صدره "قلك لك أفق! سيد بارك تشانيول" قلت مجددًا، أتسبب بفعلتي بجعله يفتح عينيه بفزع متبوع بانتفاضة قوية بكامل جسده، وأنا ضحكت على التشانيول المتخبط الضائع بينما يعدل جسده.

"أنت واللعنة غريب أطوار بيك!" شتم. وأنا أخرجت لساني ضد رأيه عني قبل أن أتحدث.

"حصلتُ على الأقنعة. هي نوعًا ما سهلة الإستخدام" قمت بتعليمه كيف يضعها وهو تبع خطواتي.

“وكيف يتوجب علينا الأكل مع هذا الشيء؟" تشانيول قال مربتًا على القناع.

"لا أدري، همم دعني أقرأ الورقة المصحوبة" قلتٌ أخرجُ الورقة من ذات كيس الأقنعة. مسحتها بعيني قبل أن أصل للمعلومات التي أريدها "يقولون أنه يمكننا نزعها عند الاستحمام والطعام فقط"

"آه حسن. اسمع، العشاء بعد عشر دقائق، دعنا نذهب باكرًا لئلا ننتظر في الطابور طويلًا" تشانيول قال وأنا أومأتُ موافقًا.

"يبدو ذلك جيدًا! أنا أموت جوعًا هنا" قلتُ ومضيتُ ألتقط يد صديقي الذي قبل ذلك مني ثم توجهنا للكافتيريا، وقد اشتممت رائحة يخنة لحم أبقارٍ حالما خطوت خارج الغرفة. بعد القليل من الدقائق كنا في الطابور وأخذنا طعامنا وقد وجدنا طاولة للجلوس عليها. شاهدتُ صديقي يأكل أول لقمة من لحمه ثم يحدق بطعامي.

"أخيرًا طعامٌ محترم لذيذ!" تشانيول أعلن "اللحم مطبوخ جيدًا والخضار مقطعة بالتساوي"

"نحن نكافح للنجاة هنا. وأنت تحلل تقطيع الخضار؟ وأنا الشخص غريبُ الأطوار؟" مزحت. وضحك كلانا. ضحكاتنا ماتت ببطء والقليل من الثواني الصامتة مرت قبل أن أواصل "على أي حال، كيف يسير تدريبك؟"

"جيد، أظن هذا. لا يزال هذا يومي الثاني لذا لازالوا يعلمونني استخدام المعدات والأشياء. لن يقوموا بإعطائي أي مهماتٍ جديّة حتى ينتهي التدريب، كما أنهم أخبروني أني سأنتظر بعض الوقت حتى يتمكنوا من إخباري أي شيء. أيًّا يكن، هذا يعني أن هذا القرف مستمر" شرح يتناول قضمة من اليخنة بين كل جملة وأخرى. أومأت وابتلعت الطعام في فمي. حتى لو لم يقل، استطعتُ الشعور بخيبة الأمل التي تخالج نبرته.

"سوف يقومون باستخدامك عاجلًا يول. أنت أذكى مما يعتقدون. قريبًا ستكون هناك وتفعل أشياءك تلك وسيكونون مسرورين لأنهم سمحوا لك بالمساعدة. أنت بارك تشانيول! يولي، الجيد في كل شيء يفعله. لا شيء لتقلق بشأنه" قلتُ وابتسمتُ له براحة. رد لي ابتسامةً قبل أن ينهي آخر لقمة من طعامه.

"أحبك بيك" قال تشانيول يكمل طبقه. وأنا ابتسمت ورفعتُ رأسي من على طبقه الفارغ الفارغ نحوه.

"أنا أيضاً أحبك يول" قلتُ وفتحت فمي للحديث عندها  ارتطام وسيل شهقاتٍ سرقت انتباهنا.

"جيسوك! أحتاج الإسعاف الآن! فلياسعدنا أحدكم!" رجلٌ كان يصرخ. وأنا حاولتُ النظر من خلف الحشد ولم استطع.

"جميعًا ابتعدوا رجاءً، ابتعدوا من الطريق" زمرة من الفريق الطبي أعلنوا حالما اندفعوا داخل الغرفة يسحبون محفة نقل المرضى بجانبهم. الناس صفوا الطريق وأنا حدقتُ في اختفائهم بين الحشد. والمزيد من شهقات الفزع غادرت أفواههم حين أُمروا قسرًا بالعودة لوجباتهم.

صرفتُ انتباهي عن تلك الفوضى أرمي بنظري حولي. العائلاتُ الهلعة يجلسون على طلولاتهم، وانتباههم انصب في مجرى ذاك الموقف. يتساءلون ما الذي يمكن أن يكون قد حدث. الأمهات والآباء يهدئون أبناءهم المفزوعين والموظفون الحكوميون يلجون ويخرجون من الغرفة. أعدتُ انتباهي للموقف، أرى الفريق الطبيّ يغادر سريعًا، ألمح جسدًا فاغر الفاه بألم محروقًا ومضطربًا يُحمل بعيدًا.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top