٥

علي الجانب الآخر، كانت المستشفى في حالة لا تقل عن الهلع. طُلبت الشرطة وتفحص الضابط الفتاة. كانت اثار العنف واضحة على جسدها الذي قد وضع في أحدي الغرف. لم يجدوا أي إثبات هوية لذا كانت بسمة الأصابع هي الحل.

“-حضرة الضابط، الفتاة في أمس الحاجة إلى المساعدة خاصة وأننا لا نعرف خطورة الموقف و الحالة. إذا كانت الفتاة بريئة من اي تهم، فإذا سنأذن لها بالخروج فور تحسن وضعها. أما إذا كانت مجرمة، فسنسلمها لكم وسيكون الشحن مصيرها. جرم الإعدام ولم يعد خياراً بعد الآن، لذلك أري من الأفضل مساعدتها، سيدي الفاضل."

تحدثت سمر بكلام  موزون بهدوء واجب بين كل ذلك القلق. بعد أن دخل زين بالفتاة، تغير كل شيء وكأن عاصفة هلت. والد سمر، دكتور صابر الخطاب، كاد أن يلقي بالفتاة خارجاً. كاد أن يرفد زين من عمله لولا ظهور الشرطة وقدوم سمر التي بدورها تعاطفت مع الفتاة. كانت في نظرها فتاة جميلة لم تمر بالكثير مثلها تماماً. رأت فيها فتاة تحلم بالحياة وبكل ما يمكن تحقيقه كما تحلم سمر نفسها. أصرت على البقاء وتحدثت إلى الشرطي الذي لم يجد أمام كلامها حجة. ظهرت لمعة بسيطة في عين سمر نتيجة لذلك الانتصار. أمرت بأخذ الفتاة الى غرفة الكشوفات والتحليل وطلبت التحاليل الأساسية، ولكن لم ينتهي دور الشرطة بعد.

“-كيف و اين وجدت الفتاة؟"

كان السؤال لزين الذي أيقن في تلك اللحظة، كم كان قبول طلب عمر غبيا. بدأ يتصبب عرقا وفشل في إخفاء قلقة. اخذ نفسا عميقا وبدأ بالحديث.

“-امام منزلي، سيدي. اليوم هو الخميس، وفي ذلك اليوم تبدأ ساعات عملي في وقت متأخر. وأنا ذاهب إلى عملي وجدت الفتاة على الأرض."

كان التوتر والقلق واضحاً في صوته. فشل في إقناع الضابط المسؤول بقصته. لم يتكلم الضابط لبضع دقائق، ربما يزيده قلقا وربعا في حرب نفسية ولكنه وبصعوبة شديدة لم يتراجع.

“-حسناً، سنتفقد الكاميرات في تلك المنطقة لنعلم ما حدث لتلك الفتاة. أمل أن تكون صادقاً، فأنا لا أريد التسبب في أي أذى لشاب مثلك في سن ولدي."

وجرت العادة أنه في الأفلام، تبدأ الشخصية بالتوتر والبوح بكل شيء. كان في العادة يلومهم لعدم الوفاء بوعودهم ولكن الآن، أيقن كم أن تلك اللحظة صعبة.

-"لم أجد الفتاة بنفسي. وجدها طبيب رفض العمل هنا. يدعى عمر. رأيته يحملها إلى المستشفى وطلب مني آخذها إلى الداخل. الآنسة سمر كانت سترفض مساعدة الفتاة لو أنه هو من جاء لأنه رفض عرضها للعمل في المستشفى منذ فترة قصيرة."

-"خذني إلى ذلك الطبيب."

كانت الأوامر واضحة ولكن لم يكن يعلم مكان عمر. كان من الغباء القبول. أخذ نفساً عميقاً ثم طلب بعض الوقت. لم يكن للضابط أي اعتراضات، لذا ذهب إلى الاستقبال. كان الاستقبال فاخراً يليق بالمستشفى. أدرك أن ذلك أمله الوحيد للحصول على العنوان، فعندما أرسلت الرسالة إلى عمر، كان عنوانه عليها وهي أرسلت عن طريق الاستقبال.

-"مي!"

مي، الفتاة الذي احبها كما لم يحب أحد قط. وجد فيها كل ما أراد في فتاة أحلامه. فتاة محجبة زادها الحجاب جمالا. أحبته من كل قلبها. كانت كالفتاة الصغيرة في براءتها، وكعجوز في حكمتها. رأي فيها الزوجة المثالية له. لذلك لم يتردد كثيراً وطلب يدها للزواج. توقع الرفض التام ولكن كان القبول هو الجواب. كانت سعادته بالغة وكأنه طفل صغير أعطته والدته قطعة من الحلوى الملونة لحصوله علي درجة عالية في امتحان ما.  ذهب إلى هناك وهو يناديها ولكن لم تكن هناك. وجد في مكانها شمس. تذكر كم حدثته عنها. أخبرته مي على الصداقة بينهما وكم أنها أحبت الفتاة في وقت قصير يكاد يكون لحظة. 

“-شمس، أتعرفين أين مي؟"

لم تعطه أي إجابة او اي اهتمام، كأنها لم تسمعه حتى. كرر علي مسمعها السؤال. لم تذكر مي شيء عن سمع صديقتها الجديدة. حاول استرجاع أي معلومة عن هذا الأمر.

-"اين مي، يا شمس؟ الأمر ضروري ولا يحتمل التأخير."

-"أنا هنا. ماذا تريد؟"

جاءت مي من خلفه وكان التعب ظاهر علي وجهها. بدت مرهقة من هذا اليوم الطويل الذي لم تعد ترى نهايته. أعطاها ابتسامه خفيفة ثم سألها عن مكانها.

-"كنت مع الآنسة سمر. بدأت بتنظيم ملف لتلك الفتاة. أين وكيف وجدتها؟"

-"سأخبرك بكل الشيء ولكن هل تعرفين عنوان أو رقم هاتف السيد عمر، ذلك الطبيب الذي أرسلت له الآنسة سمر طلب الانضمام؟"

ظل يدعو ربه سراً أن تكون الإجابة نعم وكأن حياته بأكملها تعتمد على ذلك الأمر حتى أنه لم يستطع استيعاب الإجابة.

-"أعيدي ذلك بعد أذنك."

كان طلب بسيط ولكنه لم يرد الاحتفال قبل التأكد. ايقنت مي أهمية تلك البيانات، فالمرة الوحيدة الذي طلب منها تكرار أمرا ما كانت قبولها الزواج منه. كان شديد الانتباه لم يحتج لذلك قط.

-"اعرف الرقم والعنوان."

إجابته مي ثم بدأت بضغط بعض الأزرار على لوحة المفاتيح ثم أعطته البيانات. كان من المفترض أن تكون الإجابة لا فهذه البيانات ذات خصوصية عالية لذلك طرحت عليه السؤال الملح.

نظر إلى شمس وكأنه يسألها بأدب أن تحترم خصوصية الحوار. لم يرد أن يعلم أحد عن الأمر خاصة بعدما حدث منذ قليل. لم تتحرك شمس ولكن مي أخبرته بأن يرسل لها رسالة بالأمر واحتجت بالعمل الذي ينتظرها. ابتسم ثم ذهب بعد أخذ أذنها. أعطى الضابط الرقم ثم أرسل الرسالة. لم يخفي عنها شيئاً ولكنه طلب منها ألا تخبر أحداً قط. قطعت عهدا ألا تفعل ثم عادت إلى عملها. شعرت براحة كبيرة. عثور زين علي فتاة في الشوارع البعيدة كان دليلا علي خروجه، وهو لم يخبرها بنواياه لفعل ذلك. لم ترد التفكير في الأمر كثيراً خاصة أن شمس تفكر وتتحدث بما فيه الكفاية. تكرار الأفكار على أذنها كاد أن يجعلها تفكر فيه.

***********
دقت ساعة الحائط في منزل عمر وكانت العاشرة مساءً. لم تأتي أي أخبار من سمر عن اي مريضة أو أي ظروف غامضة. اعتادت سمر الحديث معه، كانت تهاتفه في مثل هذه الحالات وأحياناً تستشيره ولكنها لم تفعل في هذه المرة. اكثر مرة أراد منها الاتصال فيها، وكأنها تعلم... وكأنها تعاقبه الآن، أو أنها غاضبة ولا تريد التحدث إليه في المطلق. لم يعهد هذا الأمر من قبل.

ظل ينتظر أي اتصال في لهفة في انتظار أي أخبار جديدة عن هذه الفتاة ذات الشعر الذهبي. كان شعرها مجعدا قليلاً حسب ذاكرته أو ربما كثيراً وهو لم يلاحظ وكانت ملابسها خفيفة جدا غير مناسبة للطقس الحالي. زادت الأسئلة في رأسه مع كل لحظة تمر وكأنها رمال متحركة تلتهمه من الداخل. وفي لحظة من الصمت، طُرقَ باب منزله. ولكن حتى وإن كان الفرق بين صوت الباب والهاتف المحمول واضحاً، إلا أنه تفقد الهاتف أولا في لحظة من اللهفة. لم يستطع حتى اخفاء خيبة الأمل من ملامح وجه وهو يذهب إلى الباب.

سأل من الطارق وعندما أجابته الشرطة، فتح الباب وسمح لهم بالدخول. دخل رجلان يرتديان الزي الرسمي للشركة ورحب بهم عمر. علم أن الأمر متعلق بتلك الفتاة... جلس الشرطيات ثم بدأ الأول بالحديث والثاني اخرج جهاز تسجيل وورقة وقلم.
-"انا ادعي سليم. محقق في قسم الشرطة وقد أبلغني أحد زملائك أنك من عثرت علي الفتاة، أهذا صحيح؟"

-"لا أستطيع إنكار الأمر أو تأكيده دون التأكد من وثيقة التحقيق."

لم يخفي الضابط دهشته ولكنه استجاب. اظهر له الشارة والوثيقة. لم يشك عمر من أنه ضابط ولكن أراد التأكد، فهم في بيته، زمن الأفضل توخي الحذر. فالقانون لا يحمي المغفلين.

-"مرحباً بك."

هكذا بدأ عمر الحديث.

-"نعم، انا من وجدت الفتاة، لكني أخفيت الأمر لأسباب شخصية تخص المستشفى لا الحالة لذلك طلبت من زميلي اخذها إلى الداخل نيابة عني. وجدت الفتاة بجوار بحيرة في الغابة الشمالية التي تبعد نحو خمس أو ست كيلومترات من هنا وانا اعتدت الذهاب إلى هناك منذ أن كنت طفلاً. ذهبت إلى هناك و ارتطمت بها وهي تجري من شىء ما لم استطع تحديده. لم تكن خطواتها طبيعية. انا طبيب ولقد تخرجت بمرتبة الشرف، ذهبت خلفها وتركت مسافة لكي لا تزداد رعباً فأنا لا أعرفها. مع مرور الوقت، سقطت واخذتها الى المستشفى وهذا كل ما أعرفه عنها."

كتب الضابط كل كلمة قالها ونظر إلى زميله الذي لم يبدو وكأنه انتهى من أسئلته. وفي تلك اللحظة بدأت الأسئلة المعتادة عنما كان يفعل هناك في ذلك الطقس الذي لا يساعد حتى علي الحراك، ثم أخبره باخر الاخبار الصحية للفتاة وهو يترقب معالم وجه الذي أخفاها جيداً. لم يظهر أي اهتمام ولكنه كان شاكراً للأخبار. نهض الضابط بعد طرح أسئلته ثم ذهب إلى الخارج هو وزميله. اخرج سليم عود سيجار ثم قال بصوت سمعه عمر من الداخل بجوار الباب.

-"أرسل رسالة إلى الميتم الذي بجوار تلك البحيرة، ربما تكون من هناك، وإذا بالفعل كانت من هناك، فهذا يعني أننا ستحل وأخيراً الغاز كثيرة ظلت غير مفهومة بسبب قلة الأدلة."

-"سأفعل."

-"أسمع، إذا أجابوا بالنفي، اذهب وتفقد الأمر بنفسك. وأنا سوف أرسل إلى المعمل بتفقد بصمات أصابعها. لم يعد الأمر مجرد اعتداء، فمن الممكن أن يكون أكثر بكثير من ذلك لذا كن حذراً."

-"أوامرك!"

وفي تلك اللحظة، أيقن عمر أنه الآن في دوامة لم يكن متأكدا ما إذا كان سيخرج منها حيا.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top