18~حُزْنِي وَمُوَاسَاتُهْ
قراءة ممتعة🤍
﴿حَبِيبَتِي أَرَاكِ وَالْقَمَرُ أَمَامَكِ، أَرَاكِ وَفِي قَلْبِي إِشْتِيَاقٌ حَارِقٌ لَكِ، أَنْهَضُ نَحْوَكِ وَأَمْسَحُ دُمُوعَكِ، وَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ تَسْمَحُ لِي بِأَنْ أَمْسَحَ دُمُوعَ عَيْنَيْهَا، هَلْ يُمْكِنُ لِي لَمْسُ يَدَيْهَا، هَلْ لِي أَنْ أُقَبِّلَ شَفَتَيْهَا﴾
- راقتني💫
●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●
بدأ الطلاب بالتجمع وأخيراً حول نار المخيم، وأثناء ذلك كان أونوو يتحدث مع هيجين التي إتصلت به تسأله عن حاله...لم تعتد إبتعاده عنها وعن المنزل من قبل.
ظلّ يجاريها مبتسماً طوال حديثها عن ما فعلته طِوال النهار، وقد بدا صوتها متحمساً للغاية كون معلمة البيانو خاصتها منحتها نجمةً جديدة دلالةً على إرتقائها الى مستوى جديد في إتقان العزف.
- أحسنتِ صغيرتي.
شجعها مبتسماً، فقهقهت بإجتذال وقالت:
- حسنا حسنا، لن أُطيلَ عليك أكثر، إذهب وإستمتع بوقتك، ولا تنسى أن تبلِّغ سلامي لسومي.
- حسنا سأفعل...عمتِ مساءً.
- وأنت أيضا.
ثم أنهيا المكالمة، وللتو تذكر أمر سومي بفضل ذكر شقيقته لها، والتي كانت مختفية عن الأنظار منذ خروجه من خيمته.
وما كاد يتحرك إنشاً واحداً من مكان وقوفه حتى أتاه صوتٌ من خلفه جعله يلتفت فوراً.
- كيف حالك يا وسيم الشعبة الثالثة؟
ولم يكن سوى مينقيو الذي كان يحشر كفاه في جياب بنطاله القطني بينما يتقدم نحوه بخُطاً عابثة...ما كان ينقصه سواه!
هو يعلم أنّ الآخر أتى للعبث لا أكثر!
- بخير، كيف حالك أنت؟
رد بإعتيادية، فقهقه مينقيو بشكلٍ مستفز بطبيعة شخصيته، ثم قال:
- سأكونُ بخير إن إبتعدتَ عن فتاتي!
- فتاتك؟!
قطب أونوو جبينه، ولم يمنع بسمته الساخرة من التشكل على أطراف شفتيه، إلا أنّ مينقيو همهم مراراً وأضاف قائلا:
- أنا أحترمُ كونك تكبرني بعامٍ واحد، وكونك أيضاً شخصٌ مهذب، لذا لا تضطرني لتجاهل كل هذا من أجلها!
- وبأي حق تضمها الى ممتلكاتك؟! هي حتى لا تهتم لأمرك وتتجاهلك على الدوام! أرجوك لا تُسئ الفهم!
كاد أونوو يتخطاه ذاهباً في حال سبيله، إلا أنّ مينقيو أوقفه بفكٍ بارز دلالةً على تلف أعصابه.
- لا شأن لك بهذا! ولتكن شاكراً لكوني فضّلتك عن البقية وأعطيتك إنذاراً مسبقاً لتتوخى الحذر...إنها لي رغماً عن أنوف الجميع!
إستطاع أونوو تمييز العجرفة والنرجسية المريضة من أسلوب مينقيو في الحديث، ونظراً لكونه في غنى عن إفتعال المشاجرات في رحلةٍ ميدانية كهذه، قرر التصرف بهدوء وحكمة كعادته دوماً.
- إنها قريبتي في القانون وأحد معارفي قبل كل شيء، لذا لن تجبرني وليس لك الحق في أن تطلب مني عدم مرافقتها او التحدث إليها...أتمنى أن تكونَ متفهماً حيال هذه النقطة.
وقبل أن يغادر جواره، تذكر أمراً، فأضاف على حديثه بذات الهدوء:
- وتذكر دوماً أنّ طريقتك هذه لن تجعلها تحبك أبداً.
إبتعد عنه، وسار بخطواته حيث بقية الطلاب تاركاً مينقيو يحدق في الفراغ بشروذ.
وسرعان ما تذكر أمر التي كانا يتحدثان عنها تواً، فغيّر وجهته حيث لمح رفيقتها التي تشاركها الخيمة.
- المعذرة، أين سومي؟
ولم يكن ليتسائل عنها لو لم يلحظ غيابها عن المكان والأنظار لفترةٍ طويلة.
- لقد غادرت المخيم قبل ساعة ونصف تقريبا متجهةً نحو الغابة، قالت أنها ترغب بالتسكع لوحدها قليلاً ولن تتأخر، لكنها لم تعد حتى الآن والظلام قد خيّم بالفعل!
بدت صديقتها قلقة بعض الشيء، فقطب أونوو جبينه محدقاً بالغابة خلفه، ثم ناظر صديقتها من جديد وتسائل بقلقٍ ظاهر:
- هل أخذت هاتفها معها قبل أن تغادر؟
- أجل، حاولتُ الإتصال بها مراراً ولكن ذلك لم يجدي نفعاً، أظن أنّ الإشارة سيئة داخل الغابة!
- ولمَ لم تبلِّغي أحد المسؤولين عن تأخرها؟!
إنفعل بعض الشيء، لكنه إحتفظ بثبات ملامحه.
- كنتُ سأفعل تواً أقسمُ لك!
- بلغيهم الآن، وانا سأسبقكم للبحث عنها.
ولم يترك لها مجالاً للتعليق، إذ أنه غادر مهرولاً نحو الغابة بعد أن أخذ مصباحاً يدوياً من صندوق أدوات التخييم.
________________________
وكعادة مدينة سيول أنها مدينة لا تنام!
فالضجيج وحركة المرور وكذلك إزدحام الناس وكثرة الأضواء بها تجعلها مدينةً حية تنبض بالحياة ليلَ نهار.
وداخل أحد المطاعم الشعبية في حي ميونغ دونغ، كان لينو ورفاقه على وشك مغادرته بعد أن تناولوا عشائهم به وإحتسوا الشراب، إلا أنهم عادوا للجلوس ما إن لمحوا جسد رجلٍ ضخم البنية، أجنبي الملامح وطويل الشعر يدخل ذات المطعم ويجلس على أحد الطاولات المنزوية، بينما يحمل حقيبة ظهرٍ كبيرة كخاصة هواة التخييم.
إعتراهم التعجب لرؤية رجل مثله يدخل مطعماً شعبياً كهذا، فكان من الغريب زيارة السواح الأجانب الى هذا الحي على وجه الخصوص.
- يبدو كالمصارعين بهذا الجسد!
علّق أحد رفاقه بذهول، وآخرٌ منهم أضاف:
- أنظر الى ملامحه، إنها متجهمة تثير الريبة!
- سكوت!
ضرب لينو على الطاولة مراراً ليخرسوا ويتمكن من مراقبة ذاك الرجل الغامض من وجهة نظره بكل تمعن.
فراح يفرك ذقنه ويُضيِّق عيناه، ورفاقه إنتبهوا بإنتظار تحليله الأسطوري!
- أظنه عضو في المافيا المكسيكية لتجارة الممنوعات!
وكان هذا جلّ ما تلفظ به، فأرخى رفاقه أكتافهم بعد أن تلاشى حماسهم، وقال أحدهم ساخراً:
- إن كان ضخم البنية ومتجهم الملامح فلا يعني هذا أن يكون مكسيكي وعضو في المافيا!
- يا أحمق أنا لم أخمن ذلك من مظهره! بل حدسي يخبرني بهذا!
لكم لينو رفيقه على كتفه ممتعضاً، ثم عاد لتضييق عينيه وفرك ذقنه بينما يتفحص الرجل بدقة أكبر.
- لا شك أنه في مهمةٍ سرية كبيرة!
- لا أعلم لمَ، ولكني أظنه أقرب لأنْ يكونَ أسبانياً على أن يكون مكسيكي!
وهذا أحد رفاقه الآخرين يدلي برأيه، فأرخى لينو معالم وجهه حتى صارت خاوية، ثم حدق برفيقه وقال بغطرسةٍ ظاهرة:
- هل نتراهن على ذلك؟!
ولم يقابله رفيقه سوى بنظراتٍ واثقة وإبتسامة جانبية.
- فلنفعل.
- مهلاً لحظة! هذا يعني أنكما ستذهبان لتسألانه؟!
تسائل أحد الرفاق ببعضٍ من الدهشة، فهمهموا جميعاً.
- أجل...والخاسر في الرهان سيكتب فروض الآخر لمدة أسبوعين.
همهموا جميعاً موافقين، ثم إستقاموا وساروا نحوه، وكان لينو يترأسهم مع كفاه المحشوران في جياب بنطاله ومعالمه المستهترة.
وحالما توقفوا أمام الطاولة المنشودة، رفع الرجل رأسه محدقاً بهم بإستفهام بعد أن كان منشغلاً في تفحص ورقة الدليل السياحي للمدينة، وأولئك الفتية راحوا ينكزون لينو ليتحدث بالنيابةِ عنهم.
فتحمحم الأخير، وتساءل:
- المعذرة يا سيد، هل لي أن أعرف من أي بلدٍ أنت؟
إلا أنّ الرجل ظل يحدق بهم، وجبينه تجعد لشدة إقطابه له، فتدارك لينو مقدار غباءه وصفع جبينه ضاحكاً.
- آه يالِغبائي! نسيتُ أنه أجنبي ولا يفهم لغتنا!
وراح رفاقه يقهقهون بدورهم عليه، وهذا ما أزعج الرجل ظناً منه أنهم يسخرون منه، خصوصاً وأنه لا يفقه ما يتحدثون عنه.
ولكنّ لينو سرعان ما تحمحم مجدداً، وتسائل هذه المرة مستخدماً لكنته الإنجليزية الركيكة نظراً لكونها اللغة المتعارف عليها دولياً:
- welcome to Korea, where are you from?
"اهلاً بك في كوريا، من أي بلد انت؟"
علّقوا بعد ذلك نظراتهم على وجه الرجل بإنتظار جوابه، والذي أخذ بعض الوقت حتى أجابهم بنبرته الثخينة:
- I'm from Italy.
"أنا من إيطاليا"
ونظراً للكنته عند الجواب، إستشفوا أنّ لغته الإنجليزية ضعيفة كما الحال معهم، ولكنّ ذلك لم يمنع الإحباط من الإستيلاء على المتراهنان اللذان كانا يتحرقانِ شوقاً لرؤية خسارة أحدهما أمام الآخر، فأخذا يناوشان بعضهما كطفلين مُغفليْن!
بينما ظلّ الرجل الإيطالي الغريب يحدق بهم مقطب الجبين لشدة غرابتهم، ورغم ذلك تجاهل أمرهم وعاد لدليله السياحي رفقة قلم حبر أحمر، وراح يرسم دوائر حول أماكن محددة قبل أن يقلب الصفحة وتظهر بعض الأوراق التي كانت محشورة بينها.
وخلال ذلك كان الفتية قد توقفوا عن العبث، وإنتبهوا الى ما يفعله الرجل الإيطالي حتى جحظ أحدهم عيناه في ذهول، وأشار نحو صورة كانت من بين تلك الأوراق المبعثرة!
- إنهم...إنهم فتيان مارڤل!
وفور تلفظه بهذا الإسم، تنبهوا جميعاً الى حيث يشير، ولم يكن حال رفاقه أقل منه دهشةً بعد أن رأوا الصورة!
إذ أنها كانت صورة للأورجي الخمسة، ولقب فتيان مارڤل كان مجرد إسم أطلقه هؤلاء الفتيان الخمسة على الأورجي من بعد تلك الليلة، فجميعهم لازالوا متشبثين بأقوالهم ومعتقداتهم حول ما رأوه منهم.
وسرعان ما أخذ لينو تلك الصورة دون أن يطلب إذن الرجل، وأخذ يحدق بها في دهشة تارةً، وتارة أخرى بالرجل المنزعج من أفعالهم!
- يوسان أكتب ما أقوله لك في المترجم وحوِّله الى اللغة الإيطالية بسرعة!
طلب لينو من أحد رفاقه في عَجَل، وأثناء ذلك سحب الرجل من لينو الصورة بعدوانية، وأخذ يقول كلاماً لم يفقهوا منه حرفاً لكونه كان باللغة الإيطالية!
- أكتب: من أين تعرف هؤلاء الفتية؟"
أملى على رفيقه متجاهلاً أمر الرجل الممتعض، والآخر كتب سريعاً، وأعطى الهاتف للرجل الذي تعجب في بادئ الأمر حتى قرأ ما كُتب فزاد تعجبه أكثر!
- Dove conosci questi ragazzi?
قرأ الرجل السؤال بصوتٍ عالٍ، ثم حدق بهم بحاجبان معقودان لمدة من التردد، قبل أن يعزم على إجابتهم فلعلّهم يفيدونه بشيء.
- Li conosco già, abitavano accanto al mio, e ora li sto cercando, Ma li conosci anche tu?
"أنا أعرفهم بالفعل، كانو يقطنونَ بحيٍ مجاور لمسكني، والآن أنا أبحث عنهم، ولكن هل تعرفونهم أنتم أيضاً؟"
قرأ الفتية ما كتبه لهم، فأظهروا دهشتهم محدقينَ ببعضهم قبل أن يستأذنه لينو ليتحدث هو ورفاقه على إنفراد.
شكلوا دائرة سوياً، وأخذوا يتشاورون بصوتٍ خافت.
- رفاق، يمكننا إستغلال الأمر لصالحنا!
قال لينو بحماس، فتسائل أحد الشبان مقطب الجبين:
- هل تعني أن نطلب مقابلاً لخدمتنا؟
- أجل، سنرشده الى مكان فتيان مارڤل مقابل مبلغ مادي...إنه أجنبي ويسهل خداعه!
وقد نالت الفكرة إعجابهم دون إستثناء، وإتفقوا على تنفيذها.
إذ أنهم عادوا للرجل مبتسمين، وناولوه هاتفهم حيث ترجمة جوابهم على سؤاله السابق.
- Conosciamo già questi ragazzi, sappiamo anche dove vivono e possiamo indirizzarti da loro per 500.000₩.
"نحن نعرف هؤلاء الفتيان بالفعل، ونعرف أين يعيشونَ أيضاً، ويمكننا إرشادك إليهم مقابل 500,000₩"
لم يكن لدى الرجل خيارٌ آخر عدى أن يوافق على عرضهم نظراً لكون المبلغ ليس بكبيرٍ جدا، فإن لم يمنحه لهم ليساعدوه على الوصول الى هدفه سريعا، سينفق أضعافه مقابل طعامه ومسكنه خلال رحلة بحثة التي قد تستغرق وقتاً طويلا.
- Bene, accetto la tua offerta.
"حسنا، انا موافق على عرضكم"
كتب لهم في مترجم الهاتف كما جرى الحديث منذ بدايته، وهم همهموا فرحين لموافقته، فصافحه لينو معرفاً عن نفسه باللغة الإنجليزية:
- nice to meet you, my name is Lino.
"تشرفت بمعرفتك، اسمي لينو"
وقد إبتسم ذاك الرجل الغريب بطريقةٍ بثت في دواخلهم بعضاً من الريبة بينما يبادل لينو مصافحته.
- And I'm Roberto...Roberto de Luca.
"وانا أدعى روبيرتو...روبيرتو دي لوكا"
____________________________
مرت ساعتان...
وسومي لازالت في ذاك المكان لوحدها!
الظلام موحش وشديد الحلكة، ولولا إكتمال القمر وتحوله الى بدرٍ كبير ينير المكان، لأصابها ذعرٌ شديد!
كما أنّ الطقس كان رطب به بعض الضباب، وأسوء ما كانت قد تتوقعه هو هطول المطر في هذه اللحظات ليكتمل سوء حظها!
ولم تكف ولو للحظةٍ واحدة عن محاولة الاتصال بأي أحد من المخيم ليساعدها، ولكنّ شبكة الاتصال كانت رديئة للغاية، وجعلتها في آخر الأمر تيأس وتفقد الأمل.
كان يفترض بها تناول دوائها منذ ساعة ونصف تقريبا، لكنها لم تفعل حتى الآن!
ولعل هذا الأمر كان يزيد من قلقها حد بكائها بصمت لبعض الوقت.
فعدم تناولها لأقراص دوائها في الموعد المحدد يسبب لها مشاكل عدة، وأعراض تظهر تدريجيا وتزداد حدتها مع كل دقيقة تمر دون أخذها للعلاج.
فهاهي ذي تتعرق بشدة، وتشعر بتعب وضعفٍ شديديْن في عضلات جسمها، ناهيك عن تسارع ضربات قلبها، وإرتعاش أطرافها وإنقباضات مؤلمة في أمعائها!
- إلهي ساعدني!
أعادت رأسها للوراء تريحه على جذع الشجرة التي تجلس أسفلها، ودموعها أخذت تنساب من عينيها المغمضتين بوهن.
وعلى حين غرة، تخلل لمسامعها صوت عواء ذئاب، والتي كانت ومن دون شك تقطن بهذه الغابة، وقد ينتهي الأمر بها وجبةً لذيذة لهم على العشاء!
وهذا قد زاد من حدة خوفها!
شعرت بالعجز كليا!..كاحلها يؤلمها ولا يمكنها السير عليه حتى، اعراض فرط نشاط غدتها الدرقية تتفاقم مع كل ثانية تمضي دون دواء، والمكان موحش يتخلله أصواتٌ مخيفة، وأخيرا لا يمكنها طلب النجدة بأي وسيلة.
وآخر آمالها قد علقتها على بحث اعضاء المخيم عنها إثر تأخرها بالعودة إليهم.
- أشعر بالبرد!
قالت بوهن وهي تفرك ذراعيها بكفيها، وهذا عرَض آخر أُضيفَ الى قائمة معاناتها منذ وقعت في هذا المأزق.
ولم تلبث حتى إزداد بكاؤها بالتزامن مع إقتراب صوت عواء الذئاب بشكلٍ ملحوظ، فلم تجد ما تدافع به عن نفسها في حال هجومهم عدا علبة بخاخ مسحوق الفلفل التي كانت في جيب الهودي الكبير خاصتها.
أمسكتها بإحكامٍ شديد تراقب ما حولها في ذعر، وقد وقف شعرُ جلدها حينما سمعت صوت خشخشة على الحشائش دلالةً على وقع خطواتٍ فوقها.
إنهمرت الدموع كالسيل من عينيها، ثم أغمضتهما لتتمكن من التركيز وتحديد مكان الخشخشة، وقد كان على يمينها من الخلف مباشرة، حيث تغطي الأشجار كل شيء من حولها!
فتحت ذاك البخاخ، وزحفت متراجعة الى الخلف قليلاً بينما تصوبه حيث مصدر الصوت، فإذا بها وبعد لحظات من الإنقباض والتوتر تصرخ بأعلى صوتها وترش من ذاك المسحوق على ما ظهر أمامها من خلف الظلام بغتة!
إرتدّت للوراء وكادت تفقد وعيها، ولكنّ الأمر الذي جعلها تتمالك نفسها هو الصراخ المتألم الذي صدح بعد رشها من ذاك الرذاذ...كان صوتٌ بشريْ!
رؤيتها كانت مضببة إثر دموعها، ولكنها وما لبثت حتى فركت عيناها في ذعر لترى ما جرى، وحينما فعلت وجدت مينقيو أمامها!
كان يصرخ بألم لأن رذاذ مسحوق الفلفل دخل لعيناه، ولم تكد تستوعب ما يجري حتى ظهر لها أونوو هو الآخر!
- ما بك؟!
هرع أونوو نحو مينقيو الذي كان يغمر وجهه في مياه البحيرة مراراً وتكراراً، فإنتحب الأخير متذمراً:
- لقد رشّت على وجهي شيئاً حارقاً! يا إلهي كدتُ أُصاب بالعمى!
وأخذ يمروح على وجهه وعيناه المحمرتان بعد ذلك، وكل هذا وسومي خائرة القوى تحدق بهما دون أن تنبس ببنتِ شفة.
تقدم منها أونوو يتفقدها هي الأخرى، وقد وجدها في حالةٍ يرثى لها!
ولم يكن ليغفل أبداً عن سبب حالتها المزرية، إذ أنه كوّب وجهها البارد وحدق بأطرافها المرتعشة في قلق!
- أَلَمْ تأخذي دوائكِ؟!
إكتفت بالإيماء، فتنهد محاولاً ترتيب أفكاره، فهو أمام حالةٍ تعاني فرطاً في نشاط الغدة الدرقية، وتأخذ علاجاً ليثبطها، والعلاج ليس بحوزته!
ويعلم أيضاً أنّ كل دقيقةٍ تمر عليها تزيد من إحتمالية حدوث أشياء أخطر، لذا إستدار جالساً القرفصاء، وأمسك بذراعيها مطوقاً إياهما على عنقه.
- تمسكي جيداً.
حملها على ظهره، وحينما لمح مينقيو ذلك إستقام معترضاً بوجهه المحمر:
- توقف عندك! أنا الذي سيحملها!
إكتفى أونوو بدحرجة مقلتاه بعصبية، وبنبرةٍ ساخطة خاطب الواقف خلفه:
- وضعها حرجٌ جدا، وأنت لا تستطيع الرؤية بشكلٍ جيد الآن، لذا لا وقت نضيعه على شجارٍ تافه كهذا!
فقط إلحق بي لنعود بسرعة الى المخيم وننقذها!
ولحسن الحظ أنّ مينقيو لم يجادل أكثر من ذلك، فقد لحق بأونوو الذي كان يعرف طريق العودة، ولاسيما أنهم سيلتقون في طريقهم بالبقية أثناء بحثهم عن سومي.
وطوال سيرهما لم يكف مينقيو عن فرك عيناه والتذمر كالطفل المدلل، وأونوو يستمع دون أن يجيب، ولم يكن يشغل باله سوى تمكنه من الوصول الى المخيم في الوقت المناسب لإنقاذ سومي.
وعلى غفلةٍ منه لامست أناملها عنقه، فإستشعر برودتها الشديدة!
- مينقيو ضع معطفكَ على جسدها بسرعة...إنها تتجمد!
ولم يتوانى الآخر عن الإمتثال لأمره والبقاء بقميص من دون أكمام.
- إنها لا تبدو بخير مطلقاً! ما خطبها؟!
وقد تساءل مينقيو بناءً على عدم معرفته لمرضها، وكان أونوو على وشك أن يجيبه لولا تذكره لتحذيرها له عن عدم إخبار أي أحد بشأن مرضها، لذا تدارك الأمر سريعاً وأجاب:
- لقد تعرضت لهبوطٍ فُجَائي في مستوى السكر.
ثم زاد من وتيرة سيره حتى تحولت لركض نظراً لإقترابهم من المخيم، فالوقت يمضي ولن يسامح نفسه إن تأخر عن إنقاذها!
___________________________
أخذت ڤانيسا حماماً دافئاً يريح أعصابها بعد الضجيج الذي أحدثه جونغكوك عن إحتمالية دخول لص الى المنزل، وقبل بضع دقائق فقط توقف عن تفقد المكان، وذلك بعد أن طلب من نامجون أن يأتي غداً صباحاً ويجلب معه مختص في تركيب الأجهزة الأمنية الخاصة بالمنازل.
وللتو فقط تذكرت ڤانيسا أنّ منزل جونغكوك لا يحتوي على أي كاميرات مراقبة في الخارج، وكم شكرت حظها على ذلك.
وبعد أن جفّفت شعرها الطويل، جلست على سريرها، وأخذت برقيات جدتها اللاتي كنّ أسفل وسادتها، وراحت تفتحهن بحسب تاريخ الإرسال.
فالبرقية الأولى أخبرتها فيها أنّ مخبز والدتها صار يعمل بشكلٍ أفضل في الآونة الأخيرة، وأنها لربما مع بداية السنة المقبلة ستفتتح فرعاً جديداً منه في مدينة ثيرناو، وذلك متوقف على نسبة إزدياد المبيعات طبعاً.
وكم أسعدها ذلك جداً، فحلم والدتها دوماً كان أن توسع نطاق عمل مخبزها البسيط.
اما البرقية الثانية، فقد أخبرتها فيها أنّ مادام جورجينا الثرية سترزق بأول مولود لها بعد ثمانية أشهر، وذلك بعد أن حُرِمت من شعور الأمومة لمدة سبع سنوات من الزواج دون الإنجاب، وأنّ آل برونو رُزِقوا بطفلة شديدة الجمال أَسْمَوْها ڤانيسا على إسمها لشدة حبهم لها، وكم جعلتها هذه الأخبار السعيدة مجتذلة، ولن تنكر في هذه اللحظة حنينها ورغبتها في حضور كل هذه المناسبات كما كانت تفعل فيما مضى، حتى أنها ذرفت دموع الفرح لذلك.
وأخيراً البرقية الثالثة، والتي إحتوت على خبر لم يكن بالسار لها البتة!
لم يكن متوقعاً او حتى في الحسبان!
.
.
.
.
كان جونغكوك في صوبة أزهاره آنذاك، والتي أنشغل عنها هذا اليوم منذ الصباح.
يستمع الى إحدى أغاني الفنانة لانا دل راي عبر المذياع، ويحتسي بين الفينة والأخرى من فنجان شايه بالبابونج...كان محيطه هادئاً جالباً للإسترخاء.
وخلال ريّه لزهراته، حطت عيناه على جسد ڤانيسا الواقفة عند باب الصوبة، بعيناها المحمرّتان وهيأتها المبعثرة!
قطب جبينه في قلق، وترك دلو الري سريعاً متجهاً نحوها.
- ما بكِ ڤانيسا؟!
وكان قد كوّب وجنتيها يمسح دموعها بعد أن دنى بجذعه نحوها، لكنها لم تكن في حالٍ يسمح لها بالإجابة على سؤاله، إذ أنها إنهمرت باكية من جديد.
إحتضنته دافنةً وجهها في صدره، وهو أخذ يربت على شعرها المبلل بلطف علّها تهدأ.
وبنبرةٍ هادئة مشبعة بالحنان تمتم لها:
- لا بأس، أياً كان ما جرى ستكونين على ما يرام.
ظلت تبكي في حضنه حتى أفرغت ما بجوفها، ثم إبتعدت عنه تكفكف دموعها.
- أعتذر عن ما جرى.
- لا بأس، يمكنكِ إخباري بما يحزنكِ إن أردتِ.
ربت على كتفها برفق، فهمهمت دون تردد، لكنه إستوقفها سريعاً:
- فلنتحدث بالداخل...شعركِ مبلل وقد تمرضين إن أطلنا البقاء هنا.
وبالتزامن مع حديثه كان يفرغ دلو الري من الماء ويعيده مكانه، وأخيراً أطفأ أنوار الصوبة وإصطحبها معه الى الداخل.
جلسا على إحدى الأرائك، فإحتضنت ڤانيسا الوسادة التي كانت بجوارها، وثنت ركبتيها ضامةً إياهما الى صدرها، وقد بدى عليها الذبول والإنكسار الشديد، وهذا ما أقلق جونغكوك الذي لم يرها بهذا الحال منذ إلتقاها لأول مرة!
- كلي آذانٌ صاغية.
ربت على كتفها برفق، فأغمضت هي عيناها للحظات، قبل أن تفتحهما من جديد وتناظر اللاشيء أمامها.
- أَتَذْكُر البرقيات اللاتي ترسلهم لي جدتي؟
- أجل.
- كانت ترسل لي هذه البرقيات بشكلٍ دوري لتسأل عن حالي وتُطلعني بآخر أخبار العائلة والجيران، وكانت بذلك تشعرني كما لو أني لازلتُ أقطن بجوارهم ولم أبتعد عنهم.
وقبل قليل جلستُ أقرأ برقياتها الأخيرة، والتي كانت أخبارها مفرحة في بادئ الأمر، حتى وصلت الى آخر برقية والتي كانت بتاريخ الأمس...كان وقع مضمونها صادماً بالنسبةِ لي!
صمتت للحظات مستجمعةً أنفاسها، ثم تنهدت وعادت تكمل حديثها بصوتٍ مهزوز:
- أخبرتني أن السيد ألبرتينو قد توفي بعد صراعه الطويل مع مرض السرطان، وكان لهذا الرجل المسن مكانةٌ خاصة في قلبي...كان الرجل الذي رباني وكأنه أبي الروحي.
وما آلمني أكثر هو أني لم أكن بجواره في آخر لحظاته، ولم أتمكن من توديعه وداعاً يليق بمكانته العزيزة في قلبي...إني للتو فقدتُ رجلاً بمكانة أبي يا جونغكوك!
وعادت للإجهاش بالبكاء من جديد!
لانت ملامح جونغكوك حزناً لحالها، ولم يكن بمقدوره فعل شيء عدا مواساتها ببعض الكلمات الشافية.
إذ أنه أخذها في عناقٍ دافئ، وراح يمسد على شعرها وطول ظهرها.
- أعتذر عن ما حدث بشدة، وأدرك هيئة شعوركِ هذا جيداً، ولو كان بمقدوري فعل شيء حيال ما جرى لما كنتُ ترددتُ على الإطلاق.
- لا تعتذر، ما حدث لم يكن بخطئِك...ولكن كل ما بمقدورك تقديمه لي الآن هو معزوفة جميلة من صنع أناملك المبدعة...أعزف لي شيئاً جونغكوك، علّ ذلك يخفف عن قلبي الألم ويساعدني على النوم لأنسى.
ظل جونغكوك يحدق في عيناها الذابلتان...عيناها اللتان كانتا تشعان حيويةً وبريقاً فاتناً يخطف الأنفاس، ثم همهم لها مستقيماً نحو البيانو الذي كان بجوارهما.
جلس على كرسيه العريض يفكر للحظات في المعزوفة التي سيقدمها لها، وكان عليه إنتقاء واحدة لها وقعٌ يريح السمع لا يزيد الحزن.
ولم يلبث طويلاً حتى أخذت أنامله تتراقص فوق مفاتيح البيانو بكل سلاسة، وعيناه قد أسدلتا جفنيهما ليتمكن من نقل شعور الاغنية وألحانها لها.
اما هي، فقد إستلقت بالفعل على الأريكة تحتضن تلك الوسادة، وتحدق بظهره العريض شارذة الذهن.
قضى جونغكوك دقائق من المسؤولية والتركيز تجاه عزفه، فهو ولأول مرة يُطلب منه العزف لشخصٍ مكسور القلب، وكان عازماً منذ البداية على مساعدة ڤانيسا ولو بفعلٍ بسيط كهذا.
وبالفعل حينما أنهى عزفه، رفع رأسه وفرّق جفناه ببطئ ليبصر النور الخافت من حوله.
- هل حققتُ لكِ مرادكِ المنشود؟ هل ساعدكِ عزفي على الإرتياح؟
تسائل بنبرةٍ ثخينة هادئة بينما لا يزال على ذات وضعه، وحينما طال صمتها إستدار ليرى ما خطبها، فوجدها نائمة بسلام كملاكٍ وديع.
إبتسم برضى لِما حققه من مطلبها، ثم إستقام يحملها برفق من مضجعها، ويأخذها الى حيث فراشها.
وحينما بلغت خطواته غرفتها، وضعها برفق على سريرها يغطيها بلحافها جيداً، ثم جلس على الحافة محدقاً بتلك البرقيات اللاتي لازلن ملقيات على سريرها بإهمال.
تنهد بعمق، ثم لملمهم وحدق بهم مطولاً، ولو أنه لم يفهم أي كلمة من ما كُتب نظراً لكون لغة التحاور المستخدمة كانت الإيطالية، ولكنّ آثار دموعها على إحدى الأوراق جعلته يعرف كونها التي تحمل الخبر المُشين.
مرّر إبهامه ببطئ على آثار دموعها فوق تلك الورقة، ثم أسهبَ النظر في ملامحها الساكنة بسلام.
ظل لبرهةٍ من الوقت يناظرها، قبل أن تتمرد أنامله مزيلةً بعضٍ من خصلاتها البندقية المنسابة على وجهها المحتقن بحمرةٍ طفيفة إثر بكائها، ورغم ذلك كانت ولازالت فاتنة الجمال!
- لا أعلم لمَ، ولكنّ شعوري بالمسؤوليةِ تجاهكِ بعد هذا الخبر قد إزداد أكثر، وإني لخائفٌ حقاً من فقدان السيطرة على نفسي والتخلي عن مبادئي!
عاد للتنهد مرةً أخرى، ثم إستقام آخذاً معه تلك البرقيات حتى لا تستيقظ صباحاً وتجدها فتعود الى حزنها، ولو أنها لن تنسى ذلك بسهولة حتى وإن قام بإخفائها عنها.
أخذ بخطواته عائداً الى الطابق السفلي، وإنتشل مذكرة صغيرة من أحد رفوف المكتبة في صالة المنزل الواسعة، ثم فتحها ودوّن بها ما كان يدونه في الآونة الأخيرة بعد كل معزوفة يعزفها.
'زهرة البيلسان...Life goes on'
_________________________
في عمارةٍ سكنية متواضعة، وتحديداً في شقة صغيرة بالطابق الرابع، تعيش عائلة صغيرة مكونة من أب وأم وابن مراهق بعمر الخامسة عشرة تقريبا...وهو ذات الفتى الذي كان يسرق الكتب من المكتبة التي يعمل بها تايهيون.
كان ذاك الولد قد أوى لفراشه منذ ربع ساعة تقريباً، وبينما والداه يظنانه نائماً من أجل الإستيقاظ باكراً للمدرسة، كان يقرأ القصة التي أعطاه إياه تايهيون.
- قال أنها مرعبة، ولكن أين الرعب الى الآن؟!
تمتم زاماً شفتاه في حيرة قبل أن يهز كتفيه ويعود للقراءة بإنسجام، فهو لم يتعمق في الأحداث بعد.
وقد تنبّه بجملة كانت مكتوبة في أول صفحة، تقول أنّ القصة حقيقية وحدثت في عقودٍ ماضية بالفعل.
كانت القصة تحكي عن مكتبة قديمة كبيرة مليئة بالكتب، وهذا كان ما فهمه من إفتتاحية القصة.
ورويداً رويداً حتى تعمق فيها، فبدأ الحماس يتدفق في شرايينه حاثاً إياه على إكمالها الليلة رغم أنّ تايهيون منحه مهلة يومان ليفعل ذلك.
روَت القصة أنّ صاحب تلك المكتبة القديمة، والذي كان رجلاً عجوزاً، قد توفي في مكتبته بعد أن وقع عليه أحد الأرفف الضخمةِ بها، ويُقال أنّ روحه ظلت تسكن المكتبة وتحرسها دوماً، حتى أنّ العاملين فيها بعد سنوات من الحادثة قد إتفقوا على رؤيتهم لأشياء غريبة تحدث داخل المكتبة، خصوصاً في فترة المساء.
وفي يومٍ من الأيام أتى فتى ليقتني بعض الكتب الهزلية، ولكنه لم يكن يملك ثمنها بقدر رغبته الشديدة في قراءتها، لذا لجأ الى إختلاس الكتب خفية عن أمين المكتبة ليقرأها ثم يعيدها دون أن يعلم أحدٌ بذلك.
توالت الأيام وذاك الفتى يأتي يوماً بعد يوم الى المكتبة ليكرر ذات فعلته نظراً لولعه الشديد بالكتب الهزلية، وهذا ما أدى لإغضاب روح مالك المكتبة العجوز!
توقف الفتى عن القراءة بعد هذه الجزئية، وحدق بالفراغ لوهلة مفكراً كم أنّ الولد من القصة يشبهه الى حدٍ كبير، وقد كان على وشك تجاهل الأمر والعودة الى القراءة بذات الحماس لولا تذكره بأنّ أحداث القصة حقيقية واقعية...ولعله تأثر أكثر نظراً لكونه يؤمن بوجود الأشباح حقاً!
إزدرد لعابه في خوف، ولم يمنعه ذلك من إستئناف القراءة من جديد حتى يرى ما حدث في باقي القصة!
وبعد برهةٍ من الزمن، حيث شارفت عقارب الساعة على معانقة منتصف الليل، صارت أوصال الفتى ترتعش من أحداث القصة.
هو لم يكن يخشى القصص المرعبة يوماً، لكنه هذه المرة وبطريقةٍ ما شعر بواقعيتها وتشابهها بقصته مع سرقة الكتب من المكتبة دون دفع ثمنها!
إذ أن القصة تقول بأنّ الفتى بعد أن أغضب روح مالك المكتبة العجوز، لم يسلم من ملاحقاته له في كل مكان، حتى كاد يلقى حتفه في عديد المرات!
ولم تهدأ روح المالك العجوز وتكف عن ملاحقته حتى أعاد الفتى الكتب وإعترف بذنبه أمام أمين المكتبة.
تلبّسه الذعر الشديد، وأغلق الكتاب بعد أن أنهاه، وكم تمنى لو إمتثل لأمر والداه بالخلود الى النوم بدلاً من قراءة هذه القصة التي ستجعل النوم يهجر جفناه هذه الليلة، وذلك منذ أن شعر بنقرٍ خفيف على زجاج نافذته!
- كلا مستحيل! أساساً مالك المكتبة التي سرقتُ منها الكتب لم يمت بعد!
تمتم مواسياً نفسه قبل أن يستلقي على فراشه، وعلى حين غرة لمح ظل غريب على الحائط، فتيبس مكانه وأدار رأسه ببطئ الى النافذة...ولكنه لم يجد أي أحد!
تنهد براحة، ثم عاد للإستلقاء طالباً النوم، فإذا به يسمع صوت صرير باب الخزانة القديمة وهو يُفتح، ففتح عيناه مفزوعاً وحدق بالخزانة التي سكن الصوت منها فجأة!
ثم بعد ذلك عاد النقر من جديد على النافذة، ولكن ما من أحد خلفها، ولم يكد يتدارك نفسه حتى عاد صرير باب الخزانة أيضاً، إلا أنه كان أقوى هذه المرة مما أدى لتجمد الدم في عروقه.
وأطلق صرخةً مجزوعة حينما فُتِح باب الخزانة على مصرعيه بغتة، وأُلقيت الكتب المسروقة منه أرضاً وأمامه بالتزامن مع شعوره بهواءٍ بارد يتسلل الى الغرفة، فإذا به يجد نافذته مفتوحة، وعلى زجاجها كُتبت رسالة بسائلٍ أحمر بدى كالدم!
إستقام ببطئ يقرأ مضمونها وقد كان:
'الهلاك لمن يسرق مقتنيات بيت المعرفة!'
ولم يكد عقله الصغير يستوعب هول الموقف حتى إقتحم والداه الغرفة فزِعين من صراخه!
وفي تلك اللحظة أغلق الستائر والنافذة سريعاً لألاّ يريا ما كُتِب على زجاجها.
- ما بكَ بني؟!
تسائل والداه بقلق، فرمش الفتى مراراً قبل أن يزدرد ريقه ويبتسم بإصفرار.
- نسيتُ النافذة مفتوحة فدخلت حمامة وأفزعتني أثناء نومي.
أزفر والداه براحة، ثم أغلقا الأنوار والباب وعادا لغرفتهما تاركيْن إبنهما لوحده مرتعشاً.
ولعلها كانت وستظل أسوءَ ليلة مرت عليه في حياته!
أما في الخارج...
- شراب الذرة والملون الغذائي قد قاما بعملهما على أكمل وجه!
خاطب تايهيون نفسه مبتسماً بجانبية بينما ينزل درج الطوارئ الحديدي الخارجي الخاص بالعمارة بعد أن أنجز مهمته المدروسة...لطالما كانت له طرقه الخاصة في حل كل شيء!
_________________________
إنقضت تلك الليلة، وعاد الصباح من جديد بذات الروتين.
إستيقظت خلاله سومي بعد نوم متواصل منذ الليلة السابقة، وقد كان الجميع مستيقظاً قبلها بالفعل!
جلست على كيس نومها تتذكر ما جرى في الليلة السابقة، ولم تلبث حتى تنهدت براحة عارمة مغمضةً عيناها.
- حمداً لله أنّ كل شيءٍ مرّ بسلام.
نهضت بعد ذلك بصعوبة بفضل كاحلها الملتوي، ثم خرجت مغادرةً الخيمة، لتجد المكان كخلية النحل!
الجميع مستيقظ عداها، ويبدو أنهم يستعدون لدخول الغابة من جديد لجمع ما تبقى من متطلبات فرضهم العملي، وفور أن رأوْها تجمعوا حولها يسألونها عن حالها، ورفيقاتها جلبن لها عكازاً لتستند عليه، بينما هي إكتفت بطمأنتهم رغم شعورها بالتعب والإعياء في كامل جسدها.
ثم بعد ذلك رأت أونوو يقف بعيداً بعض الشيء برفقة الأستاذ بارك، فأخذت بخطواتها المترنحة بمساعدة عكازها نحوهما.
- صباح الخير سومي، هل تشعرين ببعض التحسن اليوم؟
تساءل الأستاذ بارك بإهتمام ، فإبتسمت بخفة وأومأت مراراً.
- جيد، كنا نتحدث أنا وأونوو بشأنك.
أضاف قائلاً، فتسائلت هي بإهتمام محدقةً بوجه أونوو:
- عن ماذا؟!
- عن ضرورة عودتك اليوم الى المنزل لتنالي القسط الوافر من الراحة نظراً لكونكِ قد جمعتي كافة متطلبات فرضك منذ الأمس، وأونوو سيغادر معكِ بما أنه أحد معارفكِ وتواجده برفقتنا كان لمجرد مساعدة الطلاب المبتدئين أمثالك على عملية البحث، كما أنّ بقية طلاب النخبة سيغطون عن غيابه ولا بأسَ في ذلك.
لن تنكر شعورها بالراحة حينما ذكر أمر مغادرتها، فالرحلة كانت مروعة في نظرها بعد أن كانت متحمسة من أجلها في بادئ الأمر، وحتى إن كانت لها رغبةٌ في البقاء أكثر فجميعهم سيعودون عند صباح الغد، ولن يشكل ذلك فارقاً كبيراً ببقائها.
لذا همهمت دون إعتراض، فربت الأستاذ بارك على كتفها هي وأونوو وقال:
- حسناً إذاً، سائق الباص سيغادر بكما المكان بعد قليل...إحزما أمتعتكما.
- حاضر أستاذ.
قالا سوياً، وقد غادر الأستاذ بارك جوارهما بالفعل، وقبل أن يفعلا هما أيضاً تقدم نحوهما مينقيو بخطواته المترنحة دوماً، وذات الإبتسامة الجانبية تتوسط شفتاه.
- كيف حال الجميلة اليوم؟
بعثر شعرها عابثاً معها، فإنزعجت من فعلته وأجابته بتهكم بينما ترتب خصلاتها المبعثرة:
- سأكون بخير فقط إن إبتعدتَ عني!
طأطأ أونوو رأسه محاولاً إخفاء بسمته على ملامح مينقيو الضجرة من جوابها الحاد.
- أنظري الى نفسكِ كيف تتحدثين وأنتِ بالأمس كدتِ تصيبينني بالعمى!
تذمر زاماً شفتيه، فأجابته بذات لكنتها الجافة:
- لستُ آسفة!
فغر مينقيو فاهه بدهشة، وأونوو لم يعد بمقدوره تمالك نفسه أكثر، لذا أخذ يقهقه في صمت.
- أنظري الى وجهي الذي لازال متورماً من حرارة الفلفل، والى عيناي المحمرتان!
ألا تشعرين ببعضٍ من تأنيب الضمير على الأقل؟!
- كلا، أنا لم أطلب منك القفز في وجهي كالحيوان البري ليلة أمس! كدت تقتلني خوفاً آنذاك!
زجرته متململة بعد أن كتفت ذراعيها الى صدرها، فتنهد مينقيو بقلة حيلة وقال:
- أعتذر على ذلك، ولكن هل صحيح أنكِ ستغادرين المخيم اليوم؟
تبدلت معالمه سريعاً وتخللها الفضول، فهمهمت دون إكتراث، وهو بدى محبطاً من جوابها، وقد زادت من إنزعاجه حينما خاطبت أونوو قائلة:
- هيا بنا، لا نريد أن نتأخر عن سائق الباص.
لذا إستوقفهما سريعاً مضيقاً عيناه.
- مهلا مهلا مهلا! هل يعني هذا أنكما ستغادران سوياً؟!
أومأت له سومي والضجر من محاورته قد ظهر جلياً عليها، فرفس الأرض كالمراهق المدلل وتذمر مشتكياً:
- هذا غير عادل! كان يجب أن أغادر برفقتكِ بدلاً منه!
- مساعدتك لي على جمع متطلبات الفرض بالأمس ليست حجة لتمنحك الأحقِّية في المغادرة معي، ثم إني لم أطلب منك فعل ذلك، وأخيراً...الأستاذ بارك هو الذي طلب منه مرافقتي في العودة نظراً لكونه أحد معارفي والمسؤول عني، والآن الى اللقاء!
إستدارت تبتعد عنه، فزمّ شفتيه بإحباط قبل أن يحدق بأونوو الذي كان يبتسم طوال الوقت، والذي منحه تحية لطيفة بيديه قبل أن يلحق بالأخرى حتى يحزما أمتعتهما.
- لمَ هي عنيدة بهذا الشكل؟! حمقاء! فتيات القسم جميعاً ينتظرن إشارةً واحدة مني حتى أواعدهن، وهي تتظاهر بكونها صعبة المنال!
حشر كفاه في جياب بنطاله ممتعضاً، ثم ركل حجراً صغيراً كان أمامه لينفِّس عن غيظه إثر خسارته.
وبعد حين، غادرت سومي وأونوو المخيم على متن الحافلة، والتي كانت فارغة عدا عنهما...وكم بدا المحيط غريباً من حولهما!
- أشعر بالخيبة لمعرفة الجميع بمشاكلي الصحية!
تذمرت سومي فجأة، فناظرها أونوو بعد أن كان يعبث بهاتفه، وقال:
- لم يعلم أي أحد بأمر مشكلتكِ مع الغدة الدرقية.
- وكيف هذا؟!
بدت متعجبة وسعيدة ومتفاجئة في ذات الآن، فتنهد أونوو ماطاً شفتيه، ثم أغلق هاتفه وأجابها:
- أخبرتهم ليلة أمس فور عودتنا الى المخيم أنكِ عانيتي من هبوط مفاجئ في مستوى السكر، وهذا أمر طبيعي يحدث مع كثير من الناس، كما وأعطيتكِ دوائكِ خفيةً عنهم ما إن أدخلتكِ لخيمتك، وكنتِ آنذاك فاقدة للوعي...فعلتُ كلّ هذا لأنكِ طلبتي مني ذاتَ مرة عدم إخبار أي أحد بشأن مشكلتكِ الصحية.
تهلهلت أساريرها فرحاً، فعانقت ذراعه تعتصرها حتى آلمته حقاً!
- شكراً جزيلاً لك، لا أعلم كيف أردُّ لك الجميل!
إبتسم لها بألم مبعداً إياها عن ذراعه، بينما كانت هي تحدق في وجهه بعينان برَّاقتان تشعَّان بعبارات الشكر والإمتنان، فتساءل بحيرةٍ منطقية:
- ولمَ أنتِ مستميتة الى هذا الحد بإخفاء الأمر عن الجميع؟!
- لأنهم سيسخرونَ مني ربما...لا أعلم، لم أحب يوماً أن يعلم أي أحد بشأن ذلك.
- ولكنكِ تعلمين أنه ليس من العيب أن يعاني الإنسان من مشاكل صحية، كما أنكِ لستِ من فضّلتِ ذلك لنفسك!
- أعلم، ولكنني لا أرتاح بمعرفة الجميع لذلك...هكذا فقط.
همهم متفهماً، فهو بالنهاية لا شأن له بمعتقداتها او قراراتها حول ما يخصها.
وسرعان ما تذمرت سومي فجأة!
- آه تباً!
جعد أونوو جبينه، وإستفسرها بحيرة:
- ما الأمر هذه المرة؟!
فتنهدت بثقل تريح برأسها على مسند الكرسي أمامها قبل أن تجيبه:
- أخي في العمل الآن، والأورجي في الجامعة بالتأكيد، وليست معي نسخة من مفاتيح المنزل لأن الأحمق يونجون أخذها مني!
- لا بأس، يمكنكِ البقاء معي في منزلي ريثما ينتهي دوامهم، فأنا على كل حال لن أذهب الى الجامعة فور وصولي، كما أنّ هيجين ستسعد بقدومكِ كثيراً.
شرذت سومي تفكر للحظات، قبل أن تهمهم موافقة، فليس لديها خيارٌ آخر غير ذلك على كل حال، بالإضافة الى أنّ هيجين حلوة المجالسة وستسعد بزيارتها كثيراً كما قال أونوو.
- أجل تذكرت، إياك ثم إياك أن تخبر أخي جين بما حدث! سيخبر أبي وأمي ولن أسلم من توبيخهم جميعاً على إهمالي!
- حسنا حسنا، هل من طلبٍ آخر آنسة سومي؟!
تململ بجوارها، فنفت بعد أن فكرت للحظات.
- كلا...على الأقل الآن.
________________________
خرج جونغكوك وڤانيسا صباح هذا اليوم الى عملهما في عجلةٍ من أمرهما، ورغم ذلك كان مزاج ڤانيسا أفضل بقليل عن ليلة البارحة بفضل جونغكوك الذي حاول أن ينسيها ذلك بمزاحه وعبثه معها منذ الصباح، فكانت لمبادرته الفضل في رسم البسمة على محياها.
وبينما كانت تشرف على رقص بعض المتدربين في حصتها، أتتها سكرتيرة يونغي تخبرها أنه يود التحدث إليها في مكتبه بعد إنتهائها، وهي وافقت على ذلك بالفعل.
وبعد حين، أنهت حصتها، وراحت تجمع أغراضها، ثم دخلت الحمام لتغسل وجهها الذابل بوضوح.
حدقت بإنعكاسها في المرآة، فتنهدت بأسى وحاولت كبح نفسها عن البكاء كلما تذكرت تلك المأساة، وقبل أن يزداد وضعها سوءاً بإنفرادها لوحدها، خرجت سريعاً من الحمام متجهةً صوب مكتب يونغي، والذي وجدتهُ بإنتظارها بالفعل.
- تفضلي.
أشار لها بالجلوس قبالته، فإمتثلت لأمره، وظلت تحدق به مستفهمة عن سبب إستدعائه لها، فتنهد يشابك أنامله، ثم قال بهدوء:
- أولاً تعازيَ الحارة على وفاة والدكِ الروحي.
- شكرا لك.
طأطأت رأسها قليلاً، ثم رفعته حينما أضاف:
- تعلمينَ أنه كان مقرر منذ الأسبوعين الماضيين ترسيمكِ كراقصة في الوكالة مع مطلع الأسبوع القادم، وقد تم الإعلان عن الأمر منذ مدة بالفعل، ولكن نظراً لِمَ تمرين به حالياً من حزن على وفاة والدك الروحي وتقديراً لذلك إجتمعتُ بأعضاء مجلس الإدارة في الوكالة وتناشقشنا على أن يتم تأجيل ترسيمك قليلاً بعد، على الأقل حتى تشعري بأنكِ مستعدةٌ لذلك.
- شكرا جزيلا على تعاونكم معي، فأنا بالفعل لستُ مستعدة لذلك في الوقت الراهن.
إبتسمت له بشكر، فأومأ يونغي وقال:
- على الرحب والسعة.
غادرت مكتبه بعد ذلك، وفي طريقها الى حجرة إستراحة المدربين إتصل بها جونغكوك.
- مرحبا.
- مرحبا ڤانيسا، كيف حالكِ الآن؟
هاتفها ليطمئن على حالها بما أنها كانت ذابلة منذ الصباح، فتنهدت بخفة قبل أن تجيبه:
- لن أكذب وأقول أني بأفضل حال.
- إسمعي، إن كنتِ ترغبين بالذهاب الى إيطاليا لحضور مراسم العزاء سأحجز لكِ أول طائرة بالغد!
- كلا، مراسم العزاء قد إنتهت بالأمس فعلا، إتصلتُ بأمي قبل قليل وأخبرتني أنْ لا آتي لأنّ كل شيء قد إنتهى...كما أني أُفضِّل عدم الذهاب حتى لا يزداد وضعي سوءاً أكثر مما عليه هو الآن.
- كما ترغبين...لاحقاً حينما آتي لإصطحابك، سآخذكِ الى مكانٍ ما.
- وما هو هذا المكان؟!
- ستعلمينَ فيما بعد، والآن وداعاً لدي إجتماع.
ظهرت العجلة في نبرته جلية.
- حسنا وداعاً.
ثم أغلقت الخط محدقةً بالهاتف للحظات حتى تشكلت بسمة خافتة على شفتيها.
- سأقدِّر مجهوداته لمساعدتي على تخطي محنتي ولن أنسى نبله معي ما حييت.
●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●
#يتبع...
- رأيكم بالبارت؟
- توقعاتكم؟
- نسبة حماسكم؟
واخيرااااا رجعت للنشر من جديد🤸♀️
اتمنى يكون طول البارت مناسب بعد طول غيبتي.
طبعا لازم ترجعو للفصول السابقة عشان تتذكرو الاحداث وتنشطو ذاكرتكم، لاني انا بحد ذاتي اضطريت ارجعلهم عشان نسيت كل شي حرفيا🙂
يلا المهم الحين اني رجعت لحياتي الوتبادية من جديد وبحاول اركز على الكتابة هالفترة واستغل العطلة لصالحي.
وبس...هاد كل شي تقريبا
يلا اشوفكم بخير سويتيز ودمتم في رعاية الله💜
See you next part...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top